تكوين
من هو أبو القاسم حاج حمد؟
محمد أبو القاسم حاج حمد (1941-2004م) مثقف مفكر وباحث سوداني. اشتهر بنقد أطروحة الإسلام السياسي، والعمل على التفكير المنهجي في سياق ما كوني وعالمي، في فهم مختلف قضايا العالم العربي والإسلامي. يحضر في فكر أبو القاسم حاج حمد، الوعي بأهمية البعد الجدلي في التفكير، جدل المحلي والكوني، جدل الحاضر والماضي، جدل الإنسان والطبيعة والغيب. أسّس عام 1982 «مركز الإنماء الثقافي» في أبو ظبي وأقام أول معارض الكتاب العربي المعاصر بالتعاون مع العديد من دور النشر اللبنانية. أسّس في قبرص «دار الدينونة» لإعداد موسوعة القرآن المنهجية والمعرفية، ومجلة «الاتجاه» التي تعنى بشؤون الفكر والاستراتيجيا في نطاق الوسط العربي والجوار الجغرافي. صدر له عدة مؤلفات منها: منهجية القرآن المعرفية. القرآن والمتغيرات الاجتماعية والتاريخية. السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل.
فكر ابو القاسم حاج حمد
- المثقف العضوي
أبو القاسم حاج حمد الرجل ينطبق على شخصيته مفهوم المثقف العضوي، وهو مفهوم قال به أنطونيو غرامشي (-1937م) ذلك المثقف الذي تجعله ثقافته واطلاعه ومعرفته، أكثر إحساسا بالمسؤولية فيما يجب عليه اتجاه أمته وبلده ووطنه، فهو يطمح للمساهمة بشكل جدي في تجديد نظم الفكر والثقافة كمدخل محوري وأساسي من أجل نهضة الأمة العربية والإسلامية، والدفع بها نحو آفاق التقدم والازدهار، والانخراط في الفكر الكوني والعالمي. فحاج حمد من أبرز مثقفي القرن العشرين الذين ارتبطوا ارتباطا وثيقا بقضايا الواقع ومشكلاته، فقد انخرط في قضايا النضال المجتمعي أكثر من مرة، وكانت له مواقف عديدة وقد تعرض الى الطرد والإبعاد مثل باقي أقرانه من بلده، والأكثر من كل هذا فقد حرم من متابعة دراسته نتيجة مواقفه النضالية. وقد ارتأى في الأول كما هم جزء كبير من جيله بأن الحل لمختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي، يكمن في الفكر الشيوعي والاشتراكي، إلا أنه تراجع عن ذلك مبكرا. لأنه وجد في الفكر الشيوعي فكرا لا يختلف عن الفكر اللبرالي من جهة استغلال استلاب الانسان واختزاله في بعده الجسدي والبيولوجي، وتحويله الى كائن فاقد للروح وعاجر على أن يفهم حكمة الله في الوجود والحياة، فكل همه هو القوة والتسلط والاستغلال فكلا المعسكرين حينها الشرقي الشيوعي والغربي اللبرالي في صراع مستمر من أجل استغلال شعوب دول العالم، بما فيه العالم الإسلامي. فالمركزية الغربية قد اتسعت في العالم من خلال ليبراليتها المستعمرة والمتوحشة والعنيفة، وصاحبت معها نقيضها وهي الشيوعية والاشتراكية التي تدعي التحرر من استغلال واستلاب اللبرالية، ولكن في الأخير فكلا الطرحين يلتقيان في نفس المرجعية وهي مرجعية الفكر الغربي المادي. كما أن هدف كلا المعسكرين في خروجهما الى العالم هدف واحد هو السيطرة والهيمنة، إلا أن الفلسفات والطرق في بلوغ ذلك هي التي تختلف.
مذهب حاج حمد
تخلي حاج حمد عن الفكر الشيوعي بشكل مبكر يدل على أنه نفذ بشكل جيد إلى الخلفيات الفلسفية والمعرفية في الفكر الماركسي، وقد تمكن أن يفهم بشكل مبكر بأن الفلسفة المادية في نظرتها للوجود والحياة والمجتمع، فلسفة مغلقة عن ذاتها وبأنها لا تحمل من داخل بذور التجديد وتجاوز تعثراتها، فهي تحمل بذور فنائها من داخلها، فليس هناك تفكير أو تنظير الى المستقبل من داخل الفلسفة المادية الماركسية. فالأيديولوجية التي يستند عليها المعسكر الشرقي أيدلوجية مغلقة على نفسها، وهي تتآكل فيما بينها، كما تتآكل الصفائح الحديدية لمحرك من المحركات فقد بالكامل الزيت التي تجعل من الآلات والصفائح أكثر لزوجة وانزلاقا في احتكاك بعضها مع بعض، وما دام ليست هناك شروط للتفكير ولتجديد المنظومة فالنهاية نهاية حتمية، فسقوط الاتحاد السوفياتي هي مسألة وقت لا غير، وهذا ما حصل في العقد الأخير من القرن العشرين.
التنبؤ بالمستقبل، وبنهاية الفلسفة المادية والطعن في متن أيدلوجية تدعي العلمية والكونية، يرى فيها الكثير من المثقفين حينها في العالم العربي وخارجه مصدرا للتحرر من التبعية ومن التخلف ومن الاستبداد. أمر يجعل صاحبه يغرد خارج السرب فلا أحد يعطيه وقتا ليستمع له إلا من رحم ربك، وقد ينقلب عليه أصدقاء ورفاق الأمس ومنهم من يرى فيه رجعيا وعدوا للحرية والتحرر، ومنهم من يرى فيه بأنه تواطأ مع الليبرالية المتوحشة…ببساطة الخروج من دائرة الأيدلوجيا الى مجال النقد والتحليل والتفكير، ما هو إلا تخلي على جزء كبير من الأصدقاء والنظر الى جزء مهم من تاريخ حياتك نظرة مختلفة، لأن الأيدلوجية كيفما كان لونها دينية أو حزبية أو قومية أو علمية…تتميز بأنها تجعل معتنقيها يفكرون فيما بينهم من داخل التصور الدائري الأيديولوجي المغلق على نفسه. هم الأيدلوجيا أن تستقطب الجمهور الى داخل السور لا أن يخرجوا منه، من داخل الأيدلوجيا تتطابق المواقف والتصورات والأفكار اتجاه الأشخاص والأحداث والوقائع…الاختلاف يعود الى التعبير وطباع وثقافة الأشخاص والجماعات، وليس من المفاجئ أن تجد شيوعي مثلا في ما ليزيا وآخر في السودان وآخر شمال إفريقيا لهم نفس الموقف من فكر شخص معين أو من قضية معينة، وليس ليس من المفاجئ أن تجد إسلامي من السودان له نفس المواقف والتصورات اتجاه قضية معية سياسية أو اجتماعية أو فكرية، هي نفس المواقف التي يواجهك بها شخص آخر في مصر أو في بلد آخر في العالم الإسلامي أو حتى في أوروبا، من داخل الأيدولوجيا الواحدة تظهر إيديولوجيات متنوعة، ويبدوا للمتتبع أن هناك نوع من الاختلاف والتعدد في الرأي، بينما حقيقة الأمر ما هي إلا أيدلوجية واحدة انقسمت على نفسها.
- التحول الفكري والمعرفي
تحول أبو القاسم حاج حمد المعرفي والفكري حدث في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، وقد بلغ ذروته وهو في لبنان وهي تعيش حينها مأساة الحرب الأهلية. طلق حاج حمد العنان لكل أسئلته، خارج أسوار المادية الجدلية، وخارج التفكير الديني التقليدي، هل هناك إله؟ ألم جرحى الحرب ضحايا هنا وهناك احتراق جثث الأطفال المتفحة أين رحمة الله؟ ما ذنب كل هؤلاء القتلى؟ ما ذنب اللاجئين والمهجرين؟ سأتوقف عن الصلاة حتى أجد طريقا لحل هذه الإشكالية، غرق الرجل في قراءة كل ما بحوزته من مؤلفات، وقد أجهد نفسه كثيرا في التأمل العميق، وإذا بالحل يأتي في يوم من بين الأيام، مصاحبا معه الاقبال على الصلاة بنفس جديد، بعد قراءة عميقة لسورة الكهف، إنه جواب جدل الغيب والإنسان والطبيعة. الكتاب الذي عكف عليه أبو القاسم حاج حمد أربع سنوات، وقد طبعته دار المسيرة في طبعته الأولى 1979م. تحت عنوان العالمية الإسلامية جدل الغيب والانسان والطبيعة، الكتاب كتاب صادم محرض على السؤال وعلى التفكير، لا مكان فيه للايدلوجيا العلمية باسم المادية او اللبرالية، ولا مكان فيه للإيدلوجيا الدينية باسم الإسلاميين وغيرهم، ولا مكان فيه للايدلوجية العروبية. كل هم مؤلف الكتاب هو وجود حل منهجي لعلاقة الغيب بعالم الشهادة، وكيف بإمكان الانسان أن يفهم وفق الزمن الحضاري الذي يعيشه حضور عالم الغيب في حياته، سواء على مستوى الفرد والجماعة. وكيف يفهم حضور عالم الغيب في عالم الطبيعة، فالعلم ليس بالضرورة خصم للغيب كما ترى فلسفات العلوم الطبيعية الوضعية. فينبغي أن نميز بين فلسفة العلوم، بوصفها تأويلات غربية للعلم تنفي الغيب وتضع الدين والاعتقاد والايمان والميتافيزيقا، موضع الخرافة…والأساطير. الذين ساروا في هذا الاتجاه من فلاسفة الغرب باسم الليبرالية والمادية الجدلية، تشكلت قناعاتهم نتيجة صراع طويل ما بين العلم والدين في أوربا، وقد انتصر العلم آخر المطاف. فمقولة “موت الإله” عند نيتشه(-1900م) تتضمن ولادة العقل الطبيعي، الذي قطع مع فكرة العناية الإلهية بالكون، وحل محلها فكرة الكون الذي تحكمه القوانين الفيزيائية. فالطبيعة مكتفية بذاتها، وليس هناك عالم قبلها ولا بعدها، وليس هناك غائية ولا حكمة في نظامها، ويمكن التحكم فيها واستغلالها أكبر استغلال من خلال معرفة قوانينها التي تؤهل الإنسان ليتصرف فيها كما يشاء ويسيطر عليها ويفور في صراعه معها. المشكلة هنا لا تتعلق في فهم قوانين الطبيعة لأن الدين الإسلامي طلبنا منا ذلك، ولكن عين المشكلة ترتبط في إقصاء منهجية الخلق والاكتفاء بفهم نواميس الطبيعة وتأويلها في نفي فلسفة الخلق والحكمة الكامنة في الوجود.
النصّ القرآني في أفق التّأويل الحداثي: إشكاليات ومنطلقات
أسقطت أوربا تجربتها على مختلف الثقافات والمجتمعات بعد خروجها إلى العالم أواخر القرن التاسع عشر وطيلة القرن العشرين، فسارت كلمة دين تعني كل الأديان، وأصبحت عند كثير من المثقفين العرب والمسلمين تحمل نفس الحمولة التي البسها إياها الغرب خاصة في مجال العلوم الإنسانية. لم تنطلي حيلة الدراسات الاستشراق وبالأخص التي تقرأ الشرق من خلال رؤية الغرب، وترى بأنه ينبغي أن يسلك نفس طريق الغرب، طريق التخلي عن الفكرة الدينية. فالقرآن في نظر الكثير من الدراسات الاستشراقية ما هو إلا انتحال وأخذ من العهد القديم والعهد الجديد، وهو أمر لم يوليه حاج حمد أي اهتمام، وإذا به يخالف الكثير من مثقفي جيله. فإذا كان رواد النهضة وجزء كبير من المثقفين في العالم الإسلامي قد اشتغلوا بالتراث أولا وجعلوا من سؤال المنهج في التعامل مع القرآن سؤالا تابعا لسؤال التعامل مع التراث أو سؤال مستغنى عنه، فإن حاج حمد جعل من سؤال التعامل مع القرآن مدخلا معرفيا للتعامل مع التراث، ومدخلا منهجيا في فهم إشكالات الحضارة الحديثة. فهو يرى بأن القرآن الكريم يكتنز بين ثناياه حلا أخلاقيا لمشكلاتنا المعاصرة وهي مشكلات عالمية، والتفكير فيها ينبغي ان يكون تفكيرا عالميا، والقرآن ينبغي فهمه بكونه خطابا عالميا لكل الناس، ومن ثم سمى كتابه العالمية، أي عالمية القرآن في الفهم وعالمية الهداية القرآنية، فالقرآن يمتلك ما نحيط به من القدرات ليعيد الفكر الإنساني والغربي خاصة، لفهم عالم الغيب الذي همشه واعترض عليه، في علاقته بعالم الطبيعة الذي احتفى به وفهمه بعزله عن مختلف العوالم.
لم تجد أفكار كتاب “العالمية الإسلامية الثانية جدل الغيب والإنسان والطبيعة” في طبعته الأولى 1979م مكانا بين صفوف الإسلاميين، ولا بين صفوف القوميين ولا بين المحافظين من رجال المؤسسات الدينية وغيرهم. فكل يرى فيه كتابا مفارقا لقناعاته وتصوراته، إلا أنه خلق جدلا واسعا لا زال مستمرا حتى هذه اللحظة، وقد راجع نصوصه قبل الطباعة الدكتور رضوان السيد، وهو يشيد بعبقرية الكتاب. وقد كان للكتاب تأثر كبير على فئة عريضة من الشباب في العالم الإسلامي، وقد التقيت الكثير من المثقفين الذين قرأوا كتاب العالمية وعبروا لي مدى التأثير المنهجي الذي تركت فيهم أفكاره. كان الفضل للمثقفة المصرية منى أبو الفضل في التعريف بالكتاب في أروقة الجامعة المصرية، وقد تجددت طبعات الكتاب، بعد الإضافة عليه، فظهرت طبعة دار ابن حزم 1996م وطبعة أخرى عن دار الهادي، وأخرى عن دار الساقي.
-
التأويل المنهجي للقرآن
أبو القاسم رجل تأويل منهجي لآيات القرآن بامتياز، وهو بهذا تمكن من بناء نسق تفكير مخالف عن أبناء جيله، ال\ين انساق الكثير منهم مع موجة المناهج الغربية وأنساق آخرون مع متون التراث، وبقي آخرون في حيرة من أمرهم بين ذاك وذاك، كان يؤمن كثيرا بأن التفكيك مهم وهذا ما تمدنا به مختلف المناهج الغربية في العلوم الإنسانية والعلوم الحقة، ولكن في عملية البناء الفكري للمرجعيات الثقافية الكبرى، التركيب والبناء أكثر أهمية، فالثقافة الإسلامية في أمس الحاجة الى البناء والتركيب كما أن الثقافة الغربية في علاقة الشرق بالغرب، في حاجة ماسة الى التركيب والبناء النظري، فالغيب والدين لن ينسحب من حياة الانسان وسيبقى يلازمه، لأن وجود كل طرف مقترن بالطرف الآخر.
يحضر التأويل وبناء منظومة مفاهيمية لآيات القرآن في متن كل ما كتبه أبو القاسم حاج حمد، كما تحضر الأفكار والتساؤلات الفلسفية الى جانب العرفان، تحضر في متن الكتاب الإحالة على قائمة من المؤلفين المغاربة وبالأخص المشتغلين بالدرس الفلسفي. القارئ لكتاب العالمية سيدرك بأن المؤلف يبذل قصارى جهده ليقترب من فلسفة القرآن ورؤيته الى العالم، فالكاتب لا يكتب للعرب والمسلمين وحدهم بقدر ما يخاطب الإنسان.
فعندما خصص المعهد العالي للفكر الإسلامي ندوة فكرية في مصر سنة 1992م لنقاش مضامين كتاب “منهجية القرآن المعرفية” وهو كتاب ألفه المثقف السوداني أبو القاسم حاج حمد، بطلب من المعهد حينها، وقد حضر الندوة فريق من خيرة العلماء والكتاب في الوطن العربي والإسلامي، من بينهم: عبد الوهاب المسيري، محمد بريش، محمد عمار، علي جمعة، وقد أرسل محمد الغزالي رأيه حول الكتاب. اختلفت الحاضرون حول أفكار الكتاب، بين من يرفضها جملة، وبين من هو معجب بها، وبين من هو ومتآمر ضدها، وقد كان رأي كل من محمد الغزالي وعبد الوهاب المسيري ومحمد بريش وغيرهم، متفق مع طرح الكتاب والكاتب كل بطريقته. وشكك الأخرون في أهمية مضمون الكتاب، ومنهم من طعن في أهداف صاحبه، بدعوى أنه مخالف لما هو متعارف عليه وخارج عما هو مجمع حوله، أما تسيير الندوة فكان من طرف طه جابر العلواني، وعندما أخذ أبو القاسم حاج حمد الكلمة ليرد على المتدخلين، من بين ما جاء في كلمته، من حقكم أن تقولون ما تشاؤون ولكن ليس من حقكم أن تحرمونني من حقي في تأمل القرآن، فهذه العبارة ما هي إلا صدى واسترجاع لمقولة الشيخ الأكبر ابن عربي، فاغطس في بحر القرآن العزيز إن كنت واسع النفس وإلا فاقتصر على مطالعة كتب المفسرين لظاهره.
حاج حمد في المغرب
السفر الأخير
زار حاج حمد أبو القاسم المغرب، وكان آخر سفر في حياته، وتمكنت من لقائه، لثلاث مرات: الأولى والثانية في لقاء علمي في بيت بعض الأصدقاء؛ والمرة الثالثة كان وقتها طويل إذ زرته في فندق (إدو أنفا) الذي كان يقيم فيه في الدار البيضاء يوم الجمعة 20 غشت 2004م، ودار بيني وبينه حديث حول العالمية مؤكدا أن حركة التاريخ تسير في منحى إدراك البعد الغيبي والأخذ به بدل الإعراض عنه، وليس هناك كتاب له القدرة أن يوجه الإنسان في ذلك غير القرآن في نظر حاج حمد. إن الأيام التي قضاها الرجل داخل غرفته بالفندق كان يكتب محاضراته بخط يده ويستقبل كل من رغب في زيارته، وكان بالضرورة أن يرقد إلى النوم على الساعة الحادية عشر ليلا، ناولني حاج حمد كأسا من الشاي محلى بالعسل بدل السكر، وقد عجبت لهذا الشيخ الذي أعد الشاي بنفسه، فلا زلت أتذكر صورته وهو يسكب الماء في الإبريق الكهربائي الذي خبرني أنه يصاحبه معه أينما حل وارتحل، وقد بعثني حاج حمد خارج الفندق لأحضر له علبة تدخين وكان له ذلك، وعندما أحضرت علمة الدخان من نوع الداخلة كما طلب، سألته لماذا أخترت هذا النوع من الدخان؟ وهو نوع يحمل اسم محلي لا يعرفه أحد ولا شهرة له حتى في المغرب بدل الأنواع والماركات الأخرى…اسم النوع مكتوب على علبة الدخان “الداخلة” المنقسمة الى لون احمر وأبيض، وكلمة الداخلة اسم لمدينة مغربية جنوب المغرب، كان جوابه لما وصلت المغرب، وذهبت عند بائع السجائر، لم يجذبني إلا هذا النوع.
وسلمني كذلك بعضا من محاضراته، وقبل أن أودعه طلبت منه أن يكتب لي بخط يده شيئا أتذكره به فكتب لي دعاء أوصاني بقراءته بعد الصلاة. ودعته وفيما بعد حاولت استضافته في مراكش بالتنسيق مع بعض الأساتذة في كلية الآداب لكن لم يسعه الوقت لذلك، وقد أرسل لي تسجيلا صوتيا حول وجهة نظره في موضوع التصديق والهيمنة وهو موضوع كنت أفكر رفيه حينها.
سافر حاج حمد من المغرب بغية العودة إليه إلا أن الله أخذه إليه بالسودان بتاريخ: 20 ديسمبر 2004م ، وكان الخبر بالنسبة لي قاسيا، أعدت قراءة كتاب العالمية وقلبت النظر في الكثير من أفكاره…بعد أيام التقيت به في المنام بقامته الرشيقة ولونه الأسمر، وشعره ذو اللون الرمادي وبذلته الأنيقة ونظاراته ذات اللون البني، وطلب مني أن أرافقه إلى المطار وهو في طريق سفره إلى السودان. قال لي أمور كثيرة لا أذكرها وشجعني على أمور أخرى… ووعدني أنه سيعود قريبا وأنه لا يتأخر في عودته لنكمل ما قال لي به. إن حمد رجل عرفان وتصوف بامتياز يؤمن بالرؤيا رغم أنه لم يدون ذلك في كتبه، ولا أدري لحد الساعة بشكل دقيق ومقنع مغزى ومفاد رؤيتي ولقائي به في المنام، رغم تأويلاتي التي تبدوا لي أحيانا أنها مقنعة.