أحاديث وَفق الهوى الاجتماعي: كيف أُسِسَّت بَعْضُ الأحاديث لجعل المَرأة فِي المَكَانة الأَدْنَى؟!

تكوين

لم يبلغ التطورُ الإنسانيُّ الوضعَ اللائقَ بكرامةِ البشرِ وَفقًا لما تَجَلَّى في القرآنِ الكريمِ الذي قَال بنصِّ خطابه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَني آدَم} (الإسراء: 70)، فلا يزال الظرفُ الاجتماعيُّ الحالي يُسَوِّغُ القسمةَ الصارخةَ بين الناس على أساس طَبَقِيٍّ أو عِرْقِيٍّ أو طائفيٍّ أو جندريٍّ.

وربما تجلَّتْ أبرزُ مظاهر تلك القسمةِ اللاإنسانية في التفرقةِ بين الرجل والمرأة، والملاحظُ أن هذه التفرقة الجندرية ([1]) بين الرجل والمرأة تجد ما يؤسِّسُ لها في السلوك الجمعي للبشر في بعده الدينيّ خصوصًا، فقد مضى الخطابُ التراثيُّ الثقافيُّ يؤسِّسُ دينيًّا من أجل جعل المرأة في المَكَانة الأَدْنَى، وفقًا لتأويلٍ مُنْحازٍ للبنية الأبوية الذكورية، أو بعبارة أخرى: يمنح حضورَه مشروعيةً دينيةً مستخدمًا احتمالاتِ التأويلِ في النصوص الدينية.

وسنحاول فِي هذه المقالة الوقوف على بَعْض الأحاديث والمرويات المنسوبة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، والتي تُكرِس التَمييز بين الرجل والمرأة، بدءًا من أنَّ المرأة ناقصة بحكم الخلق خاصًة نُقصان العقل، وانتهاء إلى أنَّ أكثر أهل النار من النساء، في محاولة بيان هل كان هذا التمييز منشأه القرآن كونه فضاءً للمعنى، أم أن منشأه الخطاب التراثي المحمل بكل التمييزيات الثقافية والأهواء الاجتماعية.

ناقِصاتُ عَقلٍ ودينٍ:

قد عدَّ الفقهاء والمفسرون القدماء منهم والمحدثون حديث “ناقصات عقل ودين” الأصل الجوهري الذي بُني عليه معظم الأحكام الخاصة بالنساء، بدءًا من أنها ناقصة بحكم الخلق فقد خُلقت من ضلع أعوج، وانتهاءً إلى أنها أكثر أهل النار، مارّين بالطبع على معظم الأحكام الاجتماعية من قبيل القوامة والفضل والدرجة التي للرجل على المرأة وغيرها من الأحكام والحدود العملية الاجتماعية. وما زاد الطين بلة هو أن هناك من فسر نقصان العقل بالحماقة ونقصان الدين بالمعصية وعدَّ الأنوثة تُرادف الخسة والهوان.

وإذا كان القرآن قد ساوى بين الرجال والنساء في التكاليف الدينية بدليل قوله –تعالى-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 71)، فكيف تكن النساء ناقصات دين، على الرغم من أن القرآن لم يجعل الذكورة أو الأنوثة معيارًا لهذه التكاليف؟! وكيف تكنَّ كذلك ناقصات عقل على الرغم من أن العقل هو مناط التكليف؟!

يروي البخاري في صحيحه في كتابين: الأول، كتاب الزكاة (باب الزكاة على الأقارب) والآخر، كتاب الحيض (باب ترك الحائض الصوم):

“عن أبى سعِيد الخدري قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: “يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار؛ فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير؛ ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها” ([2])

إقرأ أيضاً: المرأة بين الوحي والعرف

ووَفق شرح النووي للحديث يبدو أنه قد ورد ضمن سياق بعض التكاليف الدينية، وهي الحث على المبادئ والقيم الأخلاقية وهذا ما أكده بقوله:

“وأما أحكام الحديث ففيه جمل من العلوم منها الحث على الصدقة وأفعال البر والاكثار من الاستغفار وسائر الطاعات. وفيه أن الحسنات يذهبن السيئات كما قال الله –عز وجل-. وفيه أن كفران العشير والإحسان من الكبائر. وفيه أن اللعن أيضًا من المعاصي الشديدة القبح”. ([3])

فالحديث يحملُ في طَياته بعض القواعد والقيم الأخلاقية مثل الحث على الصدقة وأفعال البر وتحريم اللعن، وهذه القيم غير مقصورة على النساء دون الرجال، هذه القواعد الجوهرية العامة للحديث هي ما تتوافق مع دعاوى الخطاب القرآني.

أما فتخصيص الحديث النساء بالنداء، فهو لم يبعد كذلك عن سياق التكاليف الدينية والتي وَفقا للحديث تسقط عن المرأة، إما لاعتبارات بيولوجية أو لاعتبارات اجتماعية دنيوية. فما يعنيه ذلك أن الحديث نفسه قد يبدو معللا ببعض الشروط الاجتماعية، لا سِيَّما جعل شرط نقصان العقل هو أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، وذلك قياسًا إلى قوله –تعالى-: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ} (البقرة: 282).

ومن المثير للانتباه أن هذه الآية التي بها صارت شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، جاءت كذلك مشروطة وذلك في قوله –تعالى-: {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ} وذلك بمعنى: “أن تنسى إحداهما فتذكرها الأخرى”

ومن ثمَّ فالآية تجعل النسيان والسهو شرطًا للاستعانة بشاهدة أخرى. فإن ذلك يعني أن شهادة الرجل تساوي شهادة المرأة إلا في حالة النسيان، والنسيان والضلال هنا ليس صفة مطلقة تلحق بالنساء ناتجة عن أن نقصان عقلها هو من طبيعتها وفطرتها، بل هي صفة مرتبطة بالسياق الاجتماعي الثقافي، خاصةً أن سياق الآية مرتبط بالتجارة والأموال هذا المجال التي كانت فيه النساء آنذاك أقل خبرة من الرجال.

والذي يؤكد ذلك أن القرآن قد ساوى بين الرجل والمرأة في الشهادة خارج هذا المجال أي: “مجال التجارة والأموال”، وذلك في حالة الزنا فأربع شهادات رجالا أو نساء في قوله –سبحانه-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 4)

وكذلك في الوصية في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} (المائدة:106).

وعلى الرغم من أن القرآن لم يُحدد جنس الشهداء في الآيات السالفة، فقد راح الخطاب الفقهي يشترط “الذكورة” شرطًا أساسيًا في الشهادة، فلا يجوز شهادة النساء إلا في الأموال، وصار الإجماع على ذلك رغم وجود بعض المذاهب الفقهية تقبل شهادة النساء فيما عدا الحدود فيقول ابن رشد:

“فالذي عليه الجمهور أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود لا مع رجل ولا مفردات، وقال أهل الظاهر: تقبل إذا كان معهن رجل وكان النساء أكثر من واحدة في كل شيء على ظاهر الآية، وقال أبو حنيفة: تقبل في الأموال وفيما عدا الحدود من أحكام الأبدان مثل الطلاق والرجعة والنكاح والعتق، ولا تقبل عند مالك في حكم من أحكام البدن”. ([4])

وإذا كان القرآن قد أعطى حق الشهادة للمرأة في مجال الأموال، واقتضى ذلك شاهدة أخرى معها في حال نسيان الأولى، لأن مجال التجارة والأموال من المجالات التي كانت قاصرة على الرجال دون النساء فلم تكن للنساء خبرة به، ومع ذلك وجب القرآن للمرأة الشهادة، فهل من المعقول ألا يوجب القرآن للمرأة الشهادة في مجالات أخرى لا تحتاج إلى خبرة وممارسة اجتماعية؟! فالشهادة في الزنى على سبيل المثال تتوقف على الرؤية بالعين ولا يحتاج ذلك إلى خبرة خاصة وكذلك في باقي المجالات مثل الوصية والطلاق والقتل!

وإلى جانب ذلك فلعل العقل الذي قد ورد في الحديث لم يُقصد به العقل المادي الذي يكون عضوًا في جسم الإنسان، وقد اختلف العلماء بخصوص ذلك بالفعل على النحو الذي أقره النووي في شرح الحديث بقوله: “وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْعَقْلِ مَا هُوَ؟ فَقِيلَ: هُوَ الْعِلْمُ، وَقِيلَ: بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، وَقِيلَ: قُوَّةٌ يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ حَقَائِقِ الْمَعْلُومَاتِ” ([5])

وإذا فهمنا الشرط الذي جعل من النساء ناقصات عقل وذلك قياسًا إلى الشهادة في الأموال لكان “العلم” هو الأجدر ليكون تعريفًا للعقل ضمن هذا السياق، ومن ثمَّ فسيكون النساء “ناقصات علم” في مجال التجارة والأموال على وجهٍ خاص والذي لم يكن للنساء خبرة أو بالأحرى علم به، ولعل هذا ما يتوافق مع وصف المرأة التي سألت الرسول -صلى الله عليه وسلم- وَفقا لرواية مسلم “فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ…”، “و( جَزْلَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ أَيْ ذَاتُ عَقْلٍ وَرَأْيٍ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: “الْجَزَالَةُ الْعَقْلُ وَالْوَقَارُ”. فكيف تكون المرأة ذات عقل ووقار ورأي، والحديث يصف جنس النساء بنقصان هذا العقل؟!

وعلاوة على ذلك فقد مضى القرآن يُخاطب الناس جميعًا رجالًا ونساءً على قدر المساواة في إعمال العقل، فقد ورد لفظ العقل بمشتقاته في القرآن الكريم (49 مرة)، وأكثر الصيغ المستخدمة (أفلا تعقلون)، والتي تدلُّ على التعجب من الناس بخاصة المشركين من عدم إعمال العقل للإيمان بالله وتأكيد وحدانيته، وكذلك صيغة (لعلكم تعقلون)، وهي صيغةُ تَمَنٍّ من أجل حث المؤمنين على تدبر آيات الله، وإدراك سنن الله في الكون.

فهذه الآيات تدعو الناس جميعًا لإعمال العقل وذلك للإيمان بالله وتدبر آياته ومعرفة الخير من الشر ومعرفة الحق من الغي إذًا فالعقل أساس التكليف، وهذا ما أكده الفقهاء، فلا يجوز تكليف الصبي ولا المجنون، أما المرأة فهي مكلفة مثلها مثل الرجل، إذًا فالعقل أساس التكليف والتكليف أساسه العقل.

ومن ثم فالنساء لسن بناقصات عقل ولا دين، لا سِيَّما وأن القرآن لم يفهم الأنوثة كونها نقصانًا للمرأة وذلك لأنه ساوها بالذكر في الجزاء الأخروي، فقد استخدم اللفظين أي (الذكر والأنثى) من المساواة في الجزاء، كما في قوله –تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 97).

وبالإضافة إلى ذلك يبدو أن هذا الحديث له جذور ميثولوجيه تخص قصة حواء، وعقاب الله لها حينما حثَّت آدم على معصية الله، فوَفقًا للأسطورة التوراتية فالله قد عاقب حواء بنقص العقل والدين، وذلك بجعلها تدمى كل شهر لأنها أكلت من الشجرة، وجعلها سفيهة (ناقصة العقل)، لأنها استخدمت الشهوة لإغواء آدم، “فقال الله: فإن لها علي أن أدميها في كل شهر مرة، كما أدميت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة فقد كنت خلقتها حليمة، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها، فقد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا. قال ابن زيد: ولولا البلية التي أصابت حواء. لكان نساء الدنيا لا يحضن، ولكن حليمات، وكن يحملن يسرا ويضعن يسرا” ([6])، ومن ثمَّ فالحديث ذُو سمت أسطوري أراد له الفقهاء والمفسرين أن يتخذ طابعًا دينيًا أصوليًا، فأدرج ضمن الأحاديث النبوية.

ورغم ما قيل في سند هذا الحديث إلى النبيِّ فإنه على فرض صحته لا يُدرى أكان يحدثنا به عن أصل تكوين المرأة في جوهرها -ولا دليل على ذلك من لفظ الحديث- أم هو يعبر عن حالتها في تلك العصور يعتذر عن بعض هفواتها لسائله أو سامعيه، على أن العرب ليسوا في حاجة إلى من يُفهمهم ضعف المرأة، فذلك كان عقيدة راسخة في نفوسهم منذ القرون عاشت بها المرأة في أسوء حال، ونحن عندما نتأمل الإسلام نرى أنه يجاهد جهادًا عظيمًا لتغيير هذه النفسية عندهم في المرأة ليمكنها من حقوق تأباها عليها الجاهلية ([7]).

أكثَرُ أهلِ النَّارِ النِّساءُ:

وعلى نفس المنوال وفي نفس المسار فقد راح الخطاب الفقهي يؤكد التمايز بين الجنسين في الثواب الأخروي، كما أسسه في التكاليف الدينية ويستند في ذلك إلى نفس الآلية وهي أحاديث وروايات منسوبة مباشرة إلى الرسول. فيروى بخاري في صحيحه في باب “كفران العشير وهو الزوج”:

“عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ….، ثم رفع ثم سجد ثم انصرف وقد تجلت الشمس فقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت فقال إني رأيت الجنة أو أريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا لم يا رسول الله قال بكفرهن قيل يكفرن بالله قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط” ([8])

فوَفقاً لهذا الحديث، فإن النساء هن أكثر أهل النار، وذلك ليس بكفرهن بالله سبحانه وتعالى، بل بكفرهن بالعشير، والمراد بالعشير هنا “الزوج” ([9]).

والمتأمل في هذا الحديث يرى إلى أي مدى يتباين مع دعاوى الخطاب القرآني، الذي يحدد معيار الجزاء معيارًا دينيًا أساسه الإيمان وليس معيارًا جندريًا، فالكل سواسية في التكاليف الدينية ويترتب على المساواة في التكليف مساواة في الجزاء.

وضمن هذا السياق فقد تساءلت النساء عن الجزاء الذي أعده الله لهن “فعن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، تُذكر الرجال في الهجرة ولا نذكر؟ فنـزل قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} (آل عمران: 195).

وقوله: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (النساء: 124).

فتوزيع الجزاء يحدث بمساواة عادلة بين الناس، فالله قد “وعد الذين صدقوا الله ورسوله، وأقرُّوا به وبما جاء به من عند الله، من الرجال والنساء، جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها” ([10]).

إذًا “لا تفاوت في الإجابة وفي الثواب بين الذكر والأنثى إذا كانا جميعا في التمسك بالطاعة على السوية، وهذا يدل على أن الفضل في باب الدين بالأعمال، لا بسائر صفات العاملين، لأن كون بعضهم ذكرا أو أنثى، أو من نسب خسيس أو شريف لا تأثير له في هذا الباب” ([11])

هذا فضلًا عن أن المفسرين يستخدمون بطريقة عامة الآيات مثل قوله تعالى: }أَنِّى لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٍۢ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّنۢ بَعْضٍۢ ۖ} للحديث عن انعدام تفضيل الجنس في الآخرة، وقد ذكر الزمخشري أن لفظ “عامل” في هذه الآية أوضحه استخدام “من ذكر أو أنثى” لأنهما شركاء فيما وعد الله به، وذكر “سيد قطب” أن العمل مقبول من جميع الذكور والإناث، لأن كلًا منهما متساوٍ في الطبيعة البشرية وفي الموازين، وذكر “المودودي” أن الآية تعني جميعكم متساوون في نظري كبشر ولديَّ نفس معيار العدالة والحساب للجميع” ([12])

وبناءً على ذلك فالقرآن قد أسس المساواة بين الرجال والنساء في التكاليف الدينية، فقد كلف الرجل والمرأة بالتكاليف نفسها، في الإيمان الذي يعد الجوهر الأساسي للتكليف، فإيمان النساء مثل إيمان الرجال، وفى الدعوة إلى القيم والمبادئ الأخلاقية، وساوى كذلك بينهما في الجزاء، فلم يقر فقط بأهلية المرأة للإيمان والعبادة، بل دخولها الجنة إن أحسنت ومعاقبتها إن أساءت مثل الرجل سواء بسواء.

لولا حَوَّاءُ لم تَخُنْ أُنْثى زَوجَها:

يروي البخاري في صحيحه، “عن بشر بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه يعني: “لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها” ([13]).

ويشرح ابن حجر هذا الحديث فيقول: “قوله ولولا حواء أي امرأة آدم وهي بالمد قيل سميت بذلك لأنها أم كل حي وسيأتي صفة خلقها في الحديث الذي بعده وقوله لم تخن أنثى زوجها فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهها بالولادة ونزع العرق فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش حاشا وكلا ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسنت ذلك لآدم عد ذلك خيانة له وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها وقريب من هذا حديث جحد آدم فجحدت ذريته وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى وأن ذلك من طبعهن فلا يفرط في لوم من وقع منها شيء من غير قصد إليه أو على سبيل الندور وينبغي لهن أن لا يتمكن بهذا في الاسترسال في هذا النـوع بل يضبطن أنفسهـن ويجاهدن هواهن والله المستعان” ([14])

ولئن كان هذا الحديث وَفق الدلالة التاريخية -وَفقًا لتفسير ابن حجر له- يتطابق وإن ظاهريًا مع أقوال المفسرين فيما يتعلق بمعصية آدم، أو بالأحرى معصية حواء التي كانت مسئولة عن تحريض آدم للأكل من الشجرة المحرمة، ويتماثل بالأحرى وإن ضمنيًا مع روايات العهد القديم، ([15])

فهو وَفق الدلالة المعرفية يتباين مع القرآن الذي لم يرد ذكر حواء مطلقًا بوصفها امرأة آدم، بل لم يرد ذكرها مطلقًا بأي طريقة، فكيف وللغرابة سيحمُّلها جناية الخروج من الجنة! فالمرأة لم تكن وَفقًا للقرآن هي المسؤولة بالأساس عن الخروج من الجنة، ومدى الشقاء والمعاناة التي يلقاها الإنسان على هذه الأرض، بل كان الإنسان نفسه -والذي كنى به في بعض الآحيان بآدم-، هو المسئول عن تلك الجناية بمعصيته لأوامر ربه، فالقصة كما وردت في القرآن تحتوي بطلان أساسيان هما آدم “الإنسان”، وإبليس الشيطان، وتحكي القصة عن محاولة الشيطان الوسوسة لآدم حتى يعصي ربه، بعد أن فضله الله عليه وعلى سائر ما خلق من غير البشر، وذلك كونه خليفة الله على أرضه، وكانت الشجرة المحرمة هي أداة الشر التي سيغوى الشيطان بها آدم، وتتجلى معصية آدم لربه في الأكل من هذه الشجرة التي نهاه الله عنها، ثم عقاب الله له بطرده من الجنة بعد توبته، فالقصة هي جدل بين المعصية والتوبة، بين الخير في اتباع هدى الله وأوامره والشر في معصية الله ([16])، ومن ثمَّ فقد برَّأ القرآن جنس النساء من هذه الجناية.

ولكن من الجدير بالملاحظة أن القصة التي ساقها المفسرون عن كيفية خروج آدم من الجنة، تبدو في ظاهرها قصة تعليلية ([17])، أي أنها تقدم تعليلًا لبعض الظواهر والإشكاليات، التي واجهت العلماء والمفسرين آنذاك، ومنها على سبيل المثال تفسير كيفية دخول إبليس الجنة حتى يوسوس لآدم وزوجه، لأنه كان مطرودًا منها بعد أن لعنه الله بعد عصيانه وعدم طاعته لأوامره بالسجود لآدم، وكانت هذه الإشكالية من أكبر الإشكاليات التي واجهت المفسرون آنذاك.

فيقول الرازي على سبيل المثال: “اختلفوا في أنه كيف تمكن إبليس من وسوسة آدم عليه السلام مع أن إبليس كان خارج الجنة وآدم كان في الجنة، وذكروا فيه وجوها أحدها: قول القصاص وهو الذي رووه عن وهب بن منبه اليماني والسدي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: أنه لما أراد إبليس أن يدخل الجنة منعته الخزنة فأتى الحية وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البختية، وهي كأحسن الدواب بعدما عرض نفسه على سائر الحيوانات فما قبله واحد منها فابتلعته الحية وأدخلته الجنة خفية من الخزنة، فلما دخلت الحية الجنة خرج إبليس من فمها واشتغل بالوسوسة. فلا جرم لعنت الحية وسقطت قوائمها وصارت تمشي على بطنها، وجعل رزقها في التراب، وصارت عدوا لبني آدم، واعلم أن هذا وأمثاله مما يجب ألا يلتفت إليه، لأن إبليس لو قدر على الدخول في فم الحية فلم لم يقدر على أن يجعل نفسه حية ثم يدخل الجنة، ولأنه لما فعل ذلك بالحية فلم عوقبت الحية مع أنها ليست بعاقلة ولا مكلفة؟

وثانيها: أن إبليس دخل الجنة في صورة دابة، وهذا القول أقل فسادا من الأول.

وثالثها: قال بعض أهل الأصول: إن آدم وحواء عليهما السلام لعلهما كانا يخرجان إلى باب الجنة وإبليس كان بقرب الباب ويوسوس إليهما.

ورابعها: هو قول الحسن: إن إبليس كان في الأرض وأوصل الوسوسة إليهما في الجنة. قال بعضهم: هذا بعيد لأن الوسوسة كلام خفي، والكلام الخفي لا يمكن إيصاله من الأرض إلى السماء، واختلفوا من وجه آخر وهو أن إبليس هل باشر خطابهما أو يقال: إنه أوصل الوسوسة إليهما على لسان بعض أتباعه.

حجة القول الأول: قوله تعالى { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} (الأعراف: 21)، وذلك يقتضي المشافهة، وكذا قوله: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} (الأعراف: 22)

وحجة القول الثاني: أن آدم وحواء عليهما السلام كانا يعرفانه ويعرفان ما عنده من الحسد والعداوة، فيستحيل في العادة أن يقبلا قوله وأن يلتفتا إليه، فلا بد وأن يكون المباشر للوسوسة من بعض أتباع إبليس” ([18])

وعلى الرغم من نقد الرازي لقول القصاص، ورفضه أن تكون الحية هي وسيلة إبليس في الدخول إلى الجنة، إلا أن اختيار الحية هنا ذا دلالة رمزية أسطورية، فالحية في الأساطير العربية كان يُعبر عنها بالجان أو الشيطان، “فالحية تسمى الجان بمعنى الحية البيضاء، وتسمى الشيطان ويطلق هذا الاسم بالذات على الحية الخبيثة، ويقول الجاحظ “والعرب تسمى كل حية شيطان”([19])

كما أن ظاهرة الحية وخصوصًا بعد عقاب الله لها في القصة، “وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي، ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك، ولا يكن لك رزق إلا التراب، أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك، حيث لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك” (الطبري، سبق ذكره)، تُفسر ظاهرة العداوة بين الحية -ومعظم الزواحف- وبين الإنسان.

أما الإشكالية الثانية التي تقدم لها القصة تعليلاً، هي تفسير ظاهرة الدورة الشهرية وآلامها وكذلك آلام المخاض المصاحبة لعملية الحمل والولادة التي تعانيها المرأة، وذلك نتيجة لعقاب الله لحواء بسبب إغواء آدم حتى يأكل من الشجرة المحرمة، ” قال: يا حواء، أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملا إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا، فكما أدميت الشجرة تدمين في كل هلال” (الطبري، سبق ذكره)

أما الإشكالية الأخيرة التي واجهت العلماء والمفسرين هي إشكالية عصيان الأنبياء، كيف عصى آدم ربه على الرغم من أن الأنبياء معصومين من كل صغيرة وكبيرة، ([20])، ومن ثم كانت القصة تعليلا وتبريرا من أجل نفى المسئولية عن آدم وتحميلها كاملة على حواء.

ويلزم التنويه أنه إذا كانت القصة تقدم بعض التفسيرات والتعليلات لبعض الظواهر، التي عجز الإنسان في فترة ما عن تفسيرها، ولكنها تظل تُعبر عن بعض المعتقدات والثقافات في وقت تاريخي محدد، هذا بالإضافة إلى تباينها مع الخطاب القرآني الذي حاول أن يتجاوز هذه المعتقدات الأسطورية، من طريق اكتفاءه ببيان موضع العبرة في خلق آدم واستعداد الكون لأن يكتمل به، وكونه قد أعطي استعدادًا في العلم والعمل لا نهاية لهما ليظهر حكم الله ويقيم سننه في الأرض فيكون خليفة له، قاصدًا عدم التطرق من أجل بيان كيفية الخلق، لتأكيد ما وراء القصة من عبرة وموعظة، تنحصر بالأساس في تأكيد طاعة الله وعدم معصيته وما يترتب عليهما من ثواب وعقاب، فتنطوي القصة كلها كما وردت في القرآن في بيان كيف نال آدم عقاب ربه بعد أن عصاه واتبع الشيطان ([21]).

النساء حبائل الشيطان:

يؤكد الإمام “أبو حامد الغزالي” مستخدمًا بعض الأحاديث المنسوبة تارة إلى الرسول وتارة إلى بعض الصحابة أن المرأة هي أداة الشيطان الرئيسة في الإضلال، وذلك بما تمثلهُ من شهوة جنسية، فيقول: “قال صلى الله عليه وسلم النساء حبائل الشيطان ولولا هذه الشهوة لما كان للنساء سلطة على الرجال”، “وعن سعيد بن المسيب قال ما بعث الله نبيا فيما خلا إلا لم ييأس إبليس أن يهلكه بالنساء ولا شيء أخوف عندي منهن وما بالمدينة بيت أدخله إلا بيتي وبيت ابنتي أغتسل فيه يوم الجمعة ثم أروح وقال بعضهم إن الشيطان يقول للمرأة أنت نصف جندي وأنت سهمي الذي أرمي به فلا أخطئ وأنت موضع سري وأنت رسولي في حاجتي فنصف جنده الشهوة ونصف جنده الغضب وأعظم الشهوات شهوة النساء” ([22])

فأعظم الشهوات شهوة النساء وأضر فتنة على الرجال هي النساء ” قال صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء” “وقال صلى الله عليه وسلم اتقوا فتنة الدنيا وفتنة النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من قبل النساء” ([23])

وهذا يعنى وَفقًا للغزالي، أن المرأة هي أصل الشر لأنها منبع الشهوة الجنسية التي هي رأس الشر، وهي جند الشيطان ورسوله وأداته في السيطرة على المؤمنين، وفى هذا إحالة إلى الكيفية التي أغوت بها حواء آدم للأكل من الشجرة وذلك باستخدام الإغراء الجنسي ([24])

ولم يكتف الغزالي بإدماج تلك الموروثات الثقافية في الأحاديث النبوية، بل مضى يبحث عن سند أقوى من تلك الأحاديث، وذلك بتأويل قوله تعالى من سورة الفلق: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} فيقول: “عن ابن عباس في قوله تعالى ومن شر غاسق إذا وقب قال هو قيام الذكر وقد أسنده بعض الرواة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه قال في تفسيره الذكر إذا دخل وقد قيل إذا قام ذكر الرجل ذهب ثلثا عقله، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي وهني ومني” ([25])

وإذا اطلعنا على التفسيرات المختلفة لهذه الآية، لا نجد على الإطلاق ما قال به الغزالي، خصوصًا المنسوب منها إلى ابن عباس، فيقول القرطبي على سبيل المثال في قوله تعالى: ومن شر غاسق إذا وقب اختلف فيه، فقيل: هو الليل. والغسق: أول ظلمة الليل، يقال منه: غسق الليل يغسق أي أظلم، هذا قول ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم.

ووقب على هذا التفسير: أظلم، قاله ابن عباس. والضحاك: دخل. قتادة: ذهب. يمان بن رئاب: سكن. وقيل: نزل، يقال: وقب العذاب على الكافرين، وقال الزجاج: قيل الليل غاسق لأنه أبرد من النهار. والغاسق: البارد. والغسق: البرد، ولأن في الليل تخرج السباع من آجامها والهوام من أماكنها وينبعث أهل الشر على العبث والفساد. وقيل: الغاسق: الثريا، وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين، وإذا طلعت ارتفع ذلك، قاله عبد الرحمن بن زيد. وقيل: هو الشمس إذا غربت، قاله ابن شهاب. وقيل: هو القمر. قال القتبي: إذا وقب القمر: إذا دخل في ساهوره، وهو كالغلاف له، وذلك إذا خسف به. وكل شيء أسود فهو غسق.

وقال قتادة: إذا وقب إذا غاب. وهو أصح، لأن في الترمذي عن عائشة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى القمر، فقال: “يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب” قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقال أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث: وذلك أن أهل الريب يتحينون وجبة القمر، وقيل الغاسق: الحية إذا لدغت. وكأن الغاسق نابها، لأن السم يغسق منه، أي يسيل. ووقب نابها: إذا دخل في اللديغ. وقيل: الغاسق: كل هاجم يضر، كائنا ما كان، من قولهم: غسقت القرحة: إذا جرى صديدها” ([26]).

لن يُفْلِحَ قومٌ ولَّوْا أمرَهَمُ امرأَةً:

روى البخاري عن أبى بكرة، قال “لمَا بَلَغَ النبي – صلى الله عليه وسلم – أنّ فارسًا مَلّكُوا ابنةَ كِسْرى قال: لن يُفْلِحَ قومٌ وَلَّوْا أمْرَهُم امرأةً”.

أثار هذا الحديث جدلًا واسعًا واختلافًا كبيرًا بين العلماء والفقهاء قديمًا وحديثًا، فقديمًا ذهب بعض العلماء إلى الأخذ “بعموم اللفظ” وتوسيع دائرة هذا الحديث، فمنعوا المرأة من تولي القضاء والوزارة وكل ولاية ترأس فيها الرجال، قال البغوي في “شرح السنة” :”اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إمامًا ولا قاضيًا، لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد، والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة، لا تصلح للبروز، وتعجز لضعفها عند القيام بأكثر الأمور، ولأن المرأة ناقصة، والإمامة والقضاء من كمال الولايات، فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال” ([27]).

وقال الشوكاني معلقًا على الحديث: فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات، ولا يحل لقوم توليتها؛ لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب. ([28])

ومن العلماء من جعل النهي خاص بالإمامة العظمى فقط، فذهب الحنفية إلى جواز توليتها القضاء في الأموال دون القصاص والحدود – (أي فيما تجوز فيه شهادة النساء) -. يقول الكاساني: “وأما الذكورة فليست من شرط جواز التقليد في الجملة لأن المرأة من أهل الشهادات في الجملة، إلا أنها لا تقضي بالحدود، والقصاص لأنه لا شهادة لها في ذلك، وأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة” ([29]).

وذهب آخرون إلى توليتها القضاء في جميع الأحكام، يقول ابن جزي: “وأجاز أبو حنيفة قضاء المرأة في الأموال، وأجازه الطبري مطلقًا” ([30])، وأجاز ابن حزم الظاهري في كتابه “المُحَلّى”: “أن تَلِيَ المرأةُ الحكمَ، وهو قول أبي حنيفة، وقد رُوِيَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ولّى الشِّفاء -امرأة من قومه- على السوق. فإن قيل: قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لن يُفلِح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة»، قلنا: إنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأمر العامّ الذي هو الخلافة، برهان ذلك: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «المرأةُ راعِيةٌ على مالِ زَوجِها وهي مَسئُولةٌ عن رَعِيَّتها»، وقد أجاز المالكيون أن تكون وَصِيَّة ووَكِيلةً، ولم يأتِ نصٌّ مِن منعها أن تلي بعض الأمور” ([31]).

وقد أُثير الموضوع حديثًا مع شيخ الأزهر السابق “السيد الطنطاوي”،  فيُنسب له أنه أول من أجاز للمرأة شرعًا تولي رئاسة الدولة، وأقر أن لها الحق في الترشح والانتخاب وولاية القضاء، مؤكدًا أنه لا يوجد نص شرعي يمنع المرأة من ذلك ([32]).

وقد ترتب على ذلك جدلًا واسعًا بين علماء الفقه والشريعة وعارض الفتوى عدد كبير من العلماء الذين أكدوا أن طبيعة المرأة لا تتناسب مع هذه المهمة الشاقة التي تتطلب مواصفات خاصة، وَفق ما أقر -الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق-، بقوله: “إن المرأة لها طبيعتها الخاصة بها والتي تختلف تماما عن طبيعة الرجل، لأنها يعتريها القصور في فترات معينة وأزمان متعاقبة تكون فيها غير كاملة المزاج ومختلة التوازن، مثل الحيض والحمل والنفاس… لهذا منع الإسلام المرأة من أن تتولى المناصب القيادية التي لا تتناسب مع طبيعتها، والتي تحتاج إلى العقل الناضج الذي لا تؤثرُ فيه العواطف بأي حال في كل الأحوال والأزمان وقوة التحمل وسرعة اتخاذ القرار، ولذلك لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» ([33]).

كذلك يؤكد -محمد عبد المجيد الفقي- في كتابه “المرأة من السياسة إلى الرئاسة” أنه لا يجوز للمرأة تولي رئاسة الدولة كونها نوعًا من الولاية العظمى مؤكدًا أن نجاح بعض النساء في حكم بلادهن، لهو أمر شاذ لا ينبغي القياس عليه.

وفي المقابل راح بعض العلماء بالتأكيد على صلاحية المرأة لمنصب الولاية العامة، إما من طريق تأكيد أن هذه القضية هي من قبيل الاجتهادات غير المحسومة فقهيًا فيرى “د. عبد المعطي بيومي” أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر بأن “قضية تولي المرأة منصب الولاية العامة وهي الآن رئاسة الدولة ليست محسومة فقهيًا كما يعتقد البعض فهي قضية اجتهادية واجتهادي فيها وفقًا لفهمي وتفسيري لنصوص الكتاب والسنة أنه لا يوجد ما يمنع شرعا من تولي المرأة المسلمة هذه المهمة”.

أو من طريق تأكيد أن الحديث هو إخبار عن حال وليس تشريعًا عامًا، فيقول -د. علي محمد الصلابي- في كتابه: “البرلمان في الدولة الحديثة المسلمة”: “فالحديث النبوي الشريف ورد في مناسبة تاريخية مُعينة أبلغ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن الفرس كانوا يعيشون حالة من الانهيار السياسي والانحلال الأخلاقي تحكمهم ملكية استبدادية كسروية فاسدة وتسود بلادهم صراعات على السلطة، بلغت بهم حد الاقتتال، وقد أسندوا أمر قيادتهم إلى ابنة كسرى، وذلك تعلقًا من الفرس بأوهام وثنية سياسية لا علاقة لها بشورى ولا رأي جماعي، فكان الحديث وصفًا لحالة الفرس المتردية وقراءة بصيرة في سنن قيام الدول وانحلالها، فهذا إخبار عن حال وليس تشريعًا عامًا، وهذا ما يدل عليه فقه الحديث الشريف” ([34]).

وقد عدَّت دار الإفتاء المصرية -حديث الولاية هذا المنسوب إلى النبي- واقعة عين، لا عمومَ لها، ولا يُسْتَدَلُّ بها على غيرها أصلًا. لأن هذا الحديث الشريف ورد لسبب مخصوص، وهو ما يُعرف في اصطلاح علماء الأصول بواقعة العين، وهي الحادثة أو النازلة المختصة بمُعَيَّن والأصل في واقعة العين أنها تختص بالشخص المُعَيَّن الذي وقعت لأجله، فلا تعمُّ في حكمِها غيرَه، فالحديث كان دليلًا وعلامةً على استجابة دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كسرى ومُلْكِه، فلا يستقيم في العقل حملُه على وجه العموم، ولا يُعَدُّ إخبارًا عامًّا منه صلى الله عليه وآله وسلم بأن كل قوم يُوَلُّون امرأةً عليهم أنهم لا يُفلحون، وإلا لكان ذلك مخالفًا في بعض الأحيان للواقع.

والإسلام دين الواقع وبتطوره يتطور وذلك سر خلوده، وليس في نصوص القرآن ما يمنع المرأة من تولي أي عمل في الدولة أو المجتمع مهما كان هذا العمل عظيمًا. وهذا يدل على أن هذه المسائل ليست من جوهر الإسلام، وإلا ما كان ليخلو القرآن من بيانها على الوجه المطلوب ([35]).

 

الهوامش والمراجع:

[1]) الجندر Gender: يشير هذا المصطلح إلى التمييز بين الرجل والمرأة، لا باعتباره تمييزا بيولوجيا فقط، بل يُحيل إلى اعتبار هذا التمييز البيولوجي، هو أساس جوهري لشتى التمييزيات الاجتماعية والثقافية المترتبة عليه بالأساس، ولئن كان هذا المصطلح متزامنا بالطبع مع ظهور الفلسفة النسوية الحديثة والمعاصرة المعنية بقضايا النساء التي دأبت على تأكيد المساواة بين الجنسين، وعدُّ التمييز بينهم تمييزا ثقافيا أيديولوجيا بالأساس، فإنه بما يحمله من هذا المعنى نراه قد تجذر داخل المنظومة التراثية الدينية منها خصوصًا.

[2]) البخاري، صحيح البخاري.

[3]) انظر، مسلم بشرح النووي.

[4]) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الحديث، القاهرة، ت: فريد عبد العزيز الجندي، ج2، ص247، 248.

[5]) انظر مسلم بشرح النووي.

[6]) الطبري، سبق ذكره، ج1، ص529، 530.

[7]) الطاهر الحداد، امرأتنا في الشريعة والمجتمع، ص19.

[8]) البخاري، صحيحه، سبق ذكره.

[9]) انظر، ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، دار الريان للتراث، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، 1986م.

[10]) الطبري، سبق ذكره.

[11]) فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب، دار الحديث، القاهرة.

[12]) انظر، آمنة ودود، القرآن والمرأة، ترجمة سامية عدنان، مكتبة مدبولي، ص94.

([13]) صحيح بخاري، مكتبة الثقافة الدينية، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، وأحمد محمد شاكر، حديث رقم، (3330)، وانظر صحيح مسلم، حديث رقم (1470).

([14]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، دار الريان للتراث، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم وذريته، حديث رقم (3152).

([15]) يروى الطبري: “عن وهب بن منبه قال: لما أسكن الله آدم وذريته- أو زوجته- الشك من أبي جعفر، وهو في أصل كتابه: “وذريته”، ونهاه عن الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها في بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثمرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته، فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل في جوف الحية، وكانت للحية أربع قوائم كأنها بختية، من أحسن دابة خلقها الله، فلما دخلت الحية الجنة، خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حواء فقال: انظري إلى هذه الشجرة! ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها! فأخذت حواء فأكلت منها ثم ذهبت بها إلى آدم فقالت: انظر إلى هذه الشجرة! ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها! فأكل منها آدم، فبدت لهما سوآتهما. فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه يا آدم أين أنت؟ قال: أنا هنا يا رب! قال: ألا تخرج؟ قال: أستحيي منك يا رب. قال: ملعونة الأرض التي خلقت منها لعنة يتحول ثمرها شوكا. قال: ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة كان أفضل من الطلح والسدر، ثم قال: يا حواء، أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملا إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا” الطبري، سبق ذكره، ج1، ص626، 627.

ونسوق النص التوراتي الذى يتطابق مع قول المفسرين بل ومع الحديث السالف، ففي الإصحاح الثالث من سفر التكوين “وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله، فقالت للمرأة أحقًا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة، فقالت المرأة للحية من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا، فقالت الحية للمرأة لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر، فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل، فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان، فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مأرز، وسمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم وقال له أين أنت، فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت، فقال من أعلمك أنك عريان، هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها، فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي اعطتني من الشجرة فأكلت، فقال الرب الإله للمرأة ما هذا الذي فعلت، فقالت المرأة الحية غرتني فأكلت، فقال الرب الإله للحية لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية، على بطنك تسعين وترابًا تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك وانت تسحقين عقبه، وقال للمرأة تكثيراً أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادًا، والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك، وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكاً وحسكًا تنبت لك وتأكل عشب الحقل، بعرق وجهك تأكل خبزًا حتى تعود الى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب والى تراب تعود” انظر، الإصحاح الثالث، سفر التكوين.

([16] ) ويلخص محمد عبده القصة بقوله: “فيصح عليه أن يراد بالجنة الراحة والنعيم، فإن من شأن الإنسان أن يجد في الجنة -التي هي الحديقة ذات الشجر الملتف- ما يلذ له من مرئي ومأكول ومشروب ومشموم ومسموع، في ظل ظليل، وهواء عليل، وماء سلسبيل، كما قال -تعالى- في القصة من سورة طه: {إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} (طه: 118، 119) ، ويصح أن يعبر عن السعادة بالكون في الجنة وهو مستعمل.

ويصح أن يراد بآدم نوع الإنسان كما يطلق اسم أبي القبيلة الأكبر على القبيلة، فيقال: كلب فعلت كذا ويراد قبيلة كلب، وكان من قريش كذا. يعني القبيلة التي أبوها قريش، وفي كلام العرب كثير من هذا.

ويصح أن يراد بالشجرة معنى الشر والمخالفة كما عبر الله تعالى في مقام التمثيل عن الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة، وفسرت بكلمة التوحيد، وعن الكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة، وفسرت بكلمة الكفر، وفي الحديث تشبيه المؤمن بشجرة النخل

ويصح أن يكون المراد بالأمر بسكنى الجنة وبالهبوط منها أمر التكوين، فقد تقدم أن الأمر الإلهي قسمان: أمر تكوين وأمر تكليف.

والمعنى على هذا: أن الله تعالى كون النوع البشري على ما نشاهد في الأطوار التدريجية التي قال سبحانه: {وقد خلقكم أطوارا} (نوح: 14)، فأولها طور الطفولية وهي لا هم فيها ولا كدر، وإنما هي لعب ولهو، كأن الطفل دائما في جنة ملتفة الأشجار، يانعة الثمار جارية الأنهار، متناغية الأطيار، وهذا معنى {اسكن أنت وزوجك الجنة}، وذكر الزوجة من أن المراد بآدم النوع الآدمي للتنبيه على الشمول وعلى أن استعداد المرأة كاستعداد الرجل في جميع الشئون البشرية، فأمر آدم وحواء بالسكنى أمر تكوين، أي أنه تعالى خلق البشر ذكورا وإناثا هكذا وأمرهما بالأكل حيث شاءا عبارة عن إباحة الطيبات وإلهام معرفة الخير، والنهي عن الشجرة عبارة عن إلهام معرفة الشر، وأن الفطرة تهدي إلى قبحه ووجوب اجتنابه، وهذان الإلهامان اللذان يكونان للإنسان في الطور الثاني وهو طور التمييز هما المراد بقوله تعالى: {وهديناه النجدين} (البلد: 10) ووسوسة الشيطان وإزلاله لهما عبارة عن وظيفة تلك الروح الخبيثة التي تلابس النفوس البشرية فتقوي فيها داعية الشر، أي إن إلهام التقوى والخير أقوى في فطرة الإنسان أو هو الأصل ؛ ولذلك لا يفعل الشر إلا بملابسة الشيطان له ووسوسته إليه، والخروج من الجنة مثال لما يلاقيه الإنسان من البلاء والعناء بالخروج عن الاعتدال الفطري.

وأما تلقي آدم الكلمات وتوبته، فهو بيان لما عرف في الفطرة السليمة من الاعتبار بالعقوبات التي تعقب الأفعال السيئة، ورجوعه إلى الله تعالى عند الضيق والتجائه إليه في الشدة، وتوبة الله تعالى عليه عبارة عن هدايته إياه إلى المخرج من الضيق، والتلفت من شرك البلاء، بعد ذلك الاعتبار والالتجاء، وذكر توبة الله على الإنسان ترد ما عليه النصارى من اعتقاد أن الله تعالى  قد سجل معصية آدم عليه وعلى بنيه إلى أن يأتي عيسى ويخلصهم منها وهو اعتقاد تنبذه الفطرة، ويرده الوحي المحكم المتواتر” انظر، المنار، ج1، ص234، 235.

([17]) انظر، نصر أبو زيد، دوائر الخوف، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثالثة، 2004م.

([18] ) الرازي، سبق ذكره، ج2، ص19، 20.

([19] ) محمد عجينة، أساطير العرب، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994م، ج1، ص312، “والحية في قصة الخليقة تقترن بمعان عدة فهي الثعبان والتنين الحارس (أي الجان بالمعنى اللغوي)، وإبليس وهي رمز القدم والخلود والمعرفة وهي الحياة والإغراء بأكل تفاحها أو أي ثمر طالما كان الطعام في جميع الثقافات متصلاً بالجنس، وهكذا فإن رمزيتها عند العرب لا تكاد تختلف عن رمزيتها في سائر الثقافات والحضارات”، انظر نفس المصدر، ص318.

كما أن هناك أحاديث نبوية قد صيغت في هذا الشأن “روى الأئمة عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، قال: فوجدته يصلي، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكا في عراجين ناحية البيت، فالتفت فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إلى أن اجلس فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، فقال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة. فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظامها به، ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا، الحية أم الفتى قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع الله يحييه لنا، فقال: استغفروا لأخيكم – ثم قال:- إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان. وفي طريق أخرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئا منها فحرجوا عليها ثلاثا فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر- وقال لهم: – اذهبوا فادفنوا صاحبكم”، القرطبي، ج1، ص297، 298، وفى ذلك بيان إلى أي مدى تم امتزاج الأسطوري الثقافي، بالديني خاصة تحت باب ما يسمى بالأحاديث النبوية!!!

([20]) انظر الرازي، ج2، ص10_ 19

[21]) انظر، محمد عبده، المنار، ج1، ص235

([22]) أبو حامد الغزالي، آداب النكاح وكسر الشهوتين، دار المعارف للطباعة والنشر، تونس، ص112، 113

([23]) أبو حامد الغزالي، نفس المصدر، ص116

[24] ) يروى الطبري عن ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسوس الشيطان إلى حواء في الشجرة حتى أتى بها إليها، ثم حسنها في عين آدم. قال: فدعاها آدم لحاجته، قالت: لا! إلا أن تأتي ههنا. فلما أتى قالت: لا! إلا أن تأكل من هذه الشجرة. قال: فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما. قال: وذهب آدم هاربا في الجنة، فناداه ربه: يا آدم أمني تفر؟ قال: لا يا رب، ولكن حياء منك. قال: يا آدم أنى أتيت؟ قال: من قبل حواء أي رب. فقال الله: فإن لها على أن أدميها في كل شهر مرة، كما أدميت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة فقد كنت خلقتها حليمة، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها، فقد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا. قال ابن زيد: ولولا البلية التي أصابت حواء. لكان نساء الدنيا لا يحضن ولكن حليمات، وكن يحملن يسرا ويضعن يسرا” الطبري، سبق ذكره، ج1، ص540.

([25]) أبو حامد الغزالي، المصدر السابق، ص112.

([26]) القرطبي، المصدر السابق، ج20، ص230، وانظر كذلك، الطبري، المصدر السابق، ج24، ص702، 703، وابن كثير، التفسير، ج8، ص536، وانظر كذلك لسان العرب مادة (غسق).

[27]) البغوي في “شرح السنة” (10/77).

[28]) الشوكاني، نيل الأوطار، ج8، ص304.

[29]) الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج7، ص6.

[30]) ابن جزي، القوانين الفقهية، دار الفكر، ص253.

[31]) ابن حزم الظاهري، المحلي بالآثار، تحقيق: أحمد شاكر، دار الكتب العلمية، ج6، ص542.

[32]) انظر، محمد عبد المجيد الفقي، المرأة من السياسة إلى الرئاسة.

[33]) انظر، نصر فريد واصل، السلطة القضائية ونظام القضاء في لإسلام.

[34]) محمد الصلابي، البرلمان في الدولة الحديثة المسلمة، ص217.

[35]) الطاهر الحداد، امرأتنا في الشريعة والمجتمع، ص19.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete