من صنَّاع الثقافة المصرية الحديثة المنسيين أحمد ضيف وسبل ثقافية لصناعة النهضة: دراسة الأدب وإبداعه…الجزء الأول

تكوين

(1) موقع أحمد ضيف ومشروعه في إطار مرتكزات النهضة

ارتكزت نهضة الثقافة المصرية الحديثة، بدءًا من منتصف القرن التاسع عشر إلى ما تلاه طوال القرن العشرين، على مجموعة من المقومات البنائية التي يتداخل فيها المكوِّنان الثقافي والاجتماعي، ومن أبرز تلك المقومات مقومان، وهما: بناء المؤسسات الثقافية الحديثة، وتشكل أنماط من المثقفين المحدثين. ولعل ذلك التمييز بينهما يؤكد أنهما أمران متلازمان من حيث كونهما، من ناحية، فاعلين جذريين في بناء تلك النهضة، ومن حيث موقعهما من بناء تلك النهضة من ناحية ثانية. ولعل القراءة المتأنية لمسيرة تشكيل الثقافة المصرية الحديثة تكشف عن العلاقات الفعالة بين تشكل المؤسسات الثقافية والتعليمية الحديثة من ناحية، وتبلور أنماط من المثقفين المحدثين الذين حملوا على عواتقهم أعباءَ صناعةَ تلك النهضة من ناحية أخرى.

ولقد تجلى المقوم الأول بوضوح في بروز مؤسسات التعليم والثقافة التي أخذت في التشكل في عصر محمد علي مثل المدرسة الحديثة عامة أو “مدرسة الألسن”(1835/1836) على وجه التمثيل، والمطبعة التي لعبت دورا بالغ الأهمية في إتاحة المطبوعات لجمهور جديد من القراء. ثم أخذت تلك المؤسسات الجديدة تتسع وتكثر وترتاد مناطق جديدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على نحو ما يتجلى في الصحافة سواءٌ في الصحف أو الدوريات المختلفة التي صارت تتمدد إلى مناطق متعددة وجديدة. وأمَّا في الربع الأول من القرن العشرين فقد كان إنشاء الجامعة الاهلية في عام 1908 ثم تحولها إلى جامعة تفيد من الدعم الحكومي وتحمل مسمى “الجامعة المصرية” في عام 1925 حدثًا ثقافيا ذا أهمية شديدة التأثير في تشكيل الثقافة المصرية الحديثة التي طمح صُنّاعها إلى أن تكون أداة ناجعة في تحقيق النهضة الفكرية بما يترتب عليها من ترسيخ قيم “العقلانية” و”الحرية” و”احترام التنوع” و”قبول الآخر” في مختلف مجالات الممارسات الثقافية والاجتماعية والسياسية.

ولم ينفصل عن هذا المقوم مقومٌ آخر، وهو تشكل أنماط من المثقفين المُحدَثين الذين يعملون على صناعة النهضة الفكرية والثقافية التي رأوا أن مجتمعهم المصري يحتاج إلى إحداثها كي تنتقل حياته من طورٍ يغلب عليه الجمودُ والثبات بسبب انصياع أبنائه ومؤسساته الثقافية والاجتماعية إلى قيم الماضي “البالية”، إلى أطوارٍ من الحركة والنشاط والفاعلية التي تُؤْذن بتبلور مجتمع جديد يتطلع إلى أن تكون له وضعية ملائمة في إطار المجتمعات المتمدنة. ولقد أفرز ذلك الإدراكُ أنماطا ثلاثة من المثقفين يجمعها العملُ الحثيث على الإسهام في صياغة مسالك ثقافية واجتماعية تسهم في تجلية طرائق تحقيق النهضة وإضاءة سُبِلها أمام جموع المصريين. وهذه الأنماط هي:

  • نمط المثقف الموسوعي الشامل الذي يغطي خطابه مجموعةً متنوعة من مجالات الثقافة
  • ونمط المثقف الموسوعي الذي ينشط في إنتاج خطابه في مجالات متقاربة بما يجعلها تبدو للمحلل الثقافي مجالا واحدا
  • نمط المثقف الذي يركز جهودَه التنويرية في مجال وحيد بعينه يغلب أن يتابع فيه عطاءه الفكري أو الثقافي.

ولعل مراجعة إسهامات مفكري تلك المرحلة الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين تتيح إمكانَ القول بأن ذلك النمط الأخير كان أقلَّ تلك الأنماط شيوعًا في دوائر مثقفي تلك الفترة مما جعل غالبية النماذج التي تمثله توضع في دوائر النسيان في ذاكرة الثقافة المصرية. ولعل أبرز تمثيل لهذا النمط ينجلي في مجموعات من المترجمين والمؤلفين الذين غلب عليهم تقديمُ إسهام في واحد من مجالات الثقافة المصرية، وذلك ما يتجلى من مراجعة إسهامات أسماء من قبيل نجيب الحداد (1867-1899)، وطانيوس عبده (1869-1926)، ومحمد مسعود (1872-1940)، ونقولا الحداد(1878-1954)، ومحمد السباعي(1881-1931)، وعباس حافظ (1897-1959) وغيرهم ممن كانت الترجمة نشاطهم الرئيسي أو كانت واحدا من المجالات الأساسية التي قدموا فيها إسهاماتهم الثقافية.

وفي مقابل ذلك النمط  الثالث برز النمط الأول متجليا في ذلك المثقف الموسوعي الذي يعمل في عدد كبير من المجالات كالتأليف، والترجمة، والتعليم، والكتابة الصحافية وغيرها، وتدور إسهاماته المتنوعة تلك حول محور أساسي؛ وهو تحقيق النهضة متخذا من تلك المجالات المتعددة محورا رئيسيا تصبُّ إسهاماته المختلفة في إطاره وتعمل على تجلية مسالك تحقيقه وتفعيله في الحياة الاجتماعية الحديثة. ولعل أبرز نماذج هذا النمط تتجلى في أسماء مثل رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873)، وعلي مبارك (1823-1893)، وجرجي زيدان (1876-1914)، ومحمد عبده (849 -1905)،  وطه حسين (1889-1973)، وعباس محمود العقاد (1889-1964)، ومحمد مندور(1907-1965)، ومحمد صبري السوربوني (1894-1978) وآخرين غيرهم. وأمَّا النمط الثاني الذي يمكن لمحلل التاريخ الثقافي المصري الحديث أن يصفه بأنه النمط “المتوسط” من حيث موقعه بين أنماط المثقفين المصريين، الذين صنعوا النهضة الفكرية والثقافية المصرية الحديثة، فهو ذلك النمط الذي تندرج في إطاره مجموعةٌ متنوعة من المثقفين.  وتبدو أبرز النماذج الممثلة لهذا النمط في أسماء من قبيل أحمد ضيف (1880-1945)، ومحمد النويهي (1915-1980)، وعبد الحميد يونس (1920-1988)، ومحمد زكي العشماوي (1921-2005)، ومحمد مصطفى هدارة (1930-1997)، وغيرهم من الشخصيات التي ركزت جهودها في مجال الأدب مما يشير إلى أنها قد راهنت عليه بوصفه وسيلة من أبرز وسائل تحقيق النهضة الثقافية المنشودة، ومن ثم أولته عنايتها ومنحته تقديرا لائقا بما عوَّلتْ عليه من آمال وتطلعات.

ويبدو أحمد ضيف نموذجا من أبرز النماذج الممثلة لهذا النمط الذي اتخذ من “الأدب” نقدا وإبداعا، وما يتصل به من مجالات شديدة الصلة به كالبلاغة والترجمة، وسيلة فعالة للإسهام في تحقيق النهضة الفكرية والثقافية المنشودة. وذلك ما يشي بإيمان ضمني ولازم بفعالية الأدب في تغيير حياة المجتمع وقيادته نحو حيوات أخرى أكثر مثالية ورحابة من حياته الكائنة بما تنطوي عليه من عناصر إيجابية أو سلبية. ولقد كان مشروع أحمد ضيف الأدبي والنقدي يدور حول محوري “الحداثة” و”التحديث”؛ فالحداثة لديه كانت تتصل، كما لدى كثيرين من معاصريه وتابعيه التالين لهم، بتقديم التوجهات الأوربية المعاصرة في الأدب والنقد واستلهام المقومات الفكرية والنقدية التي بلورتها تلك التوجهات؛ وذلك لرفد الأدب العربي ونقده بمجموعة من الأفكار والقيم الجديدة، على حين ينصبُّ “التحديث” على عمليات المواءمة بين الأفكار الجديدة المستلهمة مباشرةً من اتجاهات الفكر الأوربي المعاصر من ناحية، والأفكار والتوجهات الممتدة من الثقافة العربية القديمة والوسيطة من ناحية أخرى؛ لتتولد منهما صيغٌ فكرية جديدة تعمل على رفد الثقافة العربية بمدد فكري أو ثقافي يجعلها قادرةً على التفاعل الخلاق والمثمر مع قضايا الواقع العربي الحديث والمعاصر. ونظن ظنا راجحا – فيما يبدو لنا-  أن ذلك الجمع بين هذين المحورين يعد السمة الرئيسية “المميزة” لإسهامات مجموعة كبيرة من المثقفين والمفكرين المصريين والعرب المحدثين، وإن كانت طبيعة ذلك الجمع تتخذ “هوية” خاصة في طبقات خطاب كل منهم، وهو الأمر الذي يتطلب شرحا وتفصيلا وبيانا جليا لم يحِنْ ميقاتُه بعدُ.

ولعل تأمل مسيرة أحمد ضيف الثقافية يكشف عن كونه واحدا من النماذج الممثلة لذلك التوجه- أي ذلك الجمع بين توجهي الحداثة والتحديث- بدءا من خصوصية تكوينه الثقافي؛ فبعد ان تلقي التعليم التقليدي الذي مازجته عناصر تجديدية محدودة في “مدرسة دار العلوم” التي تخرج فيها عام 1909 ثم تقدم إلى المسابقة التي أعلنت عنها الجامعة الأهلية لاختيار دارس يسافر إلى فرنسا لتلقي المناهج الجديدة في دراسة الأدب العربي؛  وذلك على النحو الذي يماثل ما كان يقوم به المستشرقون الذين أتاحت تلك الجامعة الوليدة لطلابها منذ افتتاحها في عام 1908 إمكانَ التلمذة على بعضهم – من أمثال  جويدي (1844-1935)، وكارلو نالينو   (1872-1938)، وجاستون فييت(1887-1971)، ولويس ماسينيون(1883-1962) – وفاز أحمد ضيف في هذه المسابقة ليكون أول مبعوث مصري ترسله المؤسسة التعليمية العليا الجديدة لتلقي المناهج الحديثة في دراسة الأدب وفهمه ونقده، والتحق بالسوربون، وعاش سنوات مصاحبا لطه حسين الذي كان يدرس التاريخ والاجتماع. وقد انعكست جوانب محدودة من تلك الصحبة الأولى في مواضع قليلة في الجزء الثالث من سيرة طه حسين الذاتية “الأيام”(1954)؛ إذ تحدث بإيجاز عن عديد من المواقف التي جمعته بأحمد ضيف دون أن يذكره اسمه صراحةً مكتفيًا بالإشارة الموجزة إليه أو بوصفه بأنه “صاحبنا الدرعمي” أو صديقنا الدرعمي”(1). وحصل ضيف على درجة الدكتوراه في عام 1917 وذلك برسالته عن “الغنائية والمذهب الوجداني عند العرب”(Le lyrisme et la critique litteraire chez les Arabes)، وهي الرسالة التي لم تُترجم بعدُ إلى العربية، وإن كانت عديد من آرائه فيها قد تبدت في عدد من مؤلفاته لاسيما تلك المؤلفات التي نقد فيها جوانب من الثقافة العربية القديمة والوسيطة، وذلك على نحو ما سنشير على ذلك في فقرات قادمة. وعاد “الشيخ أحمد ضيف” كما وصفته بعض وثائق الجامعة الأهلية(2) من بعثته، وصار أحمد ضيف “أستاذ الآداب العربية” بالجامعة الأهلية، وأخذ يقدم فيها محاضراته في الأدب العربي، كما شارك في مناقشة عدد من رسائل الدكتوراه التي كانت تمنحها تلك الجامعة الوليدة، وكان مصاحبا لطه حسين في بعض اللجان الإدارية المعنية بوضع بعض نظم الدراسة بالجامعة(3). وظل أحمد ضيف أستاذا بالجامعة الأهلية  إلى أن تحولت  إلى جامعة تعمل إشراف الحكومة المصرية بدءا من مارس 1925، وليتحول اسمها إلى “الجامعة المصرية”، وقد نصَّ العقد الذي أُبرم بين مؤسسي تلك الجامعة الأهلية وهيئة إدارتها من ناحية والحكومة المصرية من ناحية أخرى على الإبقاء على طه حسين أستاذا بكلية الآداب. وقد ترتب على ذلك انتقال طه حسين من قسم التاريخ إلى قسم اللغة العربية، ونُقل أحمد ضيف إلى “مدرسة المعلمين العليا” – التي صارت فيما بعد “كلية التربية” بجامعة عين شمس- ومنها انتقل إلى “مدرسة دار العلوم” التي صار فيما بعدُ وكيلا لها، واكتملت سيرته الوظيفية بعمله “أستاذا متفرغا” بقسم اللغة العربية، بكلية الآداب، جامعة القاهرة(1940-1945)!

إقرأ أيضا: العلم وأبعاده الحضارية والثقافية: دراسة في مفهوم العلم عند الفيزيائي المصري علي مصطفى مُشَرفة

عاصر أحمد ضيف فترة بالغة الأهمية من تشكل تياري “الحداثة” و”التحديث” في الثقافة المصرية في النصف الأول من القرن العشرين، الذي يعد لحظة تاريخية مفصلية فارقة، ورابطة أيضا، بين مرحلتين محورتين في تبلور الثقافة المصرية الحديثة: مرحلة النصف الثاني من القرن التاسع حيث وُضعت كثير من جذور الحداثة والتحديث في سياقات الثقافة المصرية، وهي جذور نمت آثارها الباهرة اليانعة والوارفة خلال النصف الأول من القرن العشرين، وهي المرحلة التي عمل فيها ضيف وقدم فيها إنجازاته الفاعلة في تشكيل تلك النهضة الفكرية مما ستنجلي عديد من آثارها في فقرات تالية. على حين أن مرحلة النصف الثاني من العشرين كانت مرحلة ذات ملامح خاصة متميزة ولها خصوصيتها التي تعد الانتقالات “الحادة” من هيمنة تيار ما إلى تجاور عدد من التيارات الثقافية المختلفة أبرز ملامحها الثقافية. ولعل وقوع إسهامات ضيف الثقافية والفكرية في أتون العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين هو الذي يفسر لنا ما نستشعره من ذلك التوتر الذي يشد إنتاجه النقدي والإبداعي بين طرفي “الحداثة” و”التحديث”؛ فمراوحةُ خطاب احمد ضيف النقدي والإبداعي بين هذين الطرفين لها مبرراتها في تكوينه الثقافي وفي سياقه الثقافي بأبعاده التاريخية والاجتماعية الدالة. وإذا كانت إسهامات أحمد ضيف النهضوية في مجال الأدب العربي، نقدا وإبداعا، قد جسدت تلك المراوحة فإنها عكست، على نحو جلي، أصداء متجاوبة مع دلالات “الحداثة” و”التحديث” في فعل ثقافي كاشف عن وجوه تلاقي بين هذه الدلالات المتنوعة من حيث اقتدار أحمد ضيف وغيره من المتنوِّرين من صنَّاع النهضة الفكرية والثقافية المصرية، في مرحلة النصف الأول من القرن العشرين، على طبع كل مسعى لترسيخ “الحداثة” في الثقافة المصرية بعدد من الطبائع التي تتيح الاستجابة لمسعى “التحديث” الذي نظر إليه غالبيةُ أولئك المحدثين بوصفه إمكانا لتحقيق “الحداثة” في الثقافة المصرية. ولعل هذا ما يؤكد أن صنع “الحداثة” أو بلورة “التحديث” ليس إلا فعلين لازمين ومتفاعلين في مسارات متعددة تلتقي جميعُها حول هدف واحد، وهو: تحقيق النهضة الثقافية والفكرية بوصفها وسيلة لتغيير الواقع المصري في جوانبه المختلفة. ولعل هذا ما تجلِّيه  بقوةٍ مراجعةُ إسهامات أحمد ضيف التي تنطوي في إطار مجموعة من مجالات دراسة الأدب العربي ونقده وإبداعه؛ ففي مجال دراسة الأدب ونقده قدم كتب “مقدمة لدراسة بلاغة العرب”(1921)، و”بلاغة العرب في الأندلس” (1924)، و”النثر في عصور اللغة”(1926- 1927)، وهي جميعها كتابات تمثل المحاضرات التي كان يلقيها بالمؤسسات الجامعية التي عمل بها، فكتاباه الأولان يمثلان محاضراته بالجامعة الأهلية، وأمَّا كتابه الثالث فهو صورة من محاضراته التي ألقاها على (طلبة دبلوم المعلمين العليا) كما أشارت إلى ذلك صفحة الغلاف. ويضاف إليها مجموعةٌ قليلة من البحوث والمقالات التي نشرها ضيف في عدد من الدوريات. وفي مجال الإبداع الأدبي قدم ضيف إسهامات متعددة في مجالات الأنواع الأدبية الحديثة؛ فقدم نصوص و”فلان وفلانة”(1919) التي تعد مجموعة من “الصور القصصية” التي كانت واحدة من روافد القصة القصيرة خلال مرحلة تبلورها في الثقافة المصرية، كما قدم “قبل التعارف وبعده” (1919و1920) وهي قصة طويلة، ومسرحية “شاب مفتون”(1936) وهي مسرحية قصيرة، ثم رواية “أنا الغريق”(1942) التي تعد واحدة من الروايات القصيرة التي تماثل هذا النوع الذي قدمه عدد من أدباء المدرسة الحديثة الذين عاصرهم أحمد ضيف. ولعل أهمية تلك الإسهامات الأدبية تعود، على قلَّتها، إلى كونها كاشفة عن أن “أستاذ الآداب العربية” بالجامعة “الوليدة” لم يكن يستنكف أن يسهم في كتابة هذه الأنواع الجديدة التي كان آخرون من “كبار” المثقفين يشعرون بقدر من “التحرج” من إعلانهم “الصريح” عن ذلك عن نحو ما تجسده مواقف معروفة ومتداولة خاصة بكل من محمد حسين هيكل (1888-1956)، وتوفيق الحكيم(1902-1987) في لحظات بدايات ممارستهما الكتابة الأدبية، وهي لحظاتٌ جامعةٌ تاريخيًا بينهما وبين أحمد ضيف مما يشي بقدر ملحوظ من الجسارة “النسبية” التي ينطوي عليها فعلُ أحمد ضيف الإبداعي بوصفه فعلا ثقافيا ذا دلالات اجتماعية لازمة. ولهذا ينطوي إسهام أحمد ضيف النقدي والإبداعي على ذلك التوتر الذي تنشدُّ خيوطه بين طرفي “الحداثة” و”التحديث”، وستنجلي علامات تلك التوترات في خطابات ضيف النقدية والإبداعية على أنحاء مختلفة.

(2) مشروع دراسة الأدب عند أحمد ضيف بين التحديث والحداثة

لعل الإسهامات الجذرية لأحمد ضيف في مجال نقد الأدب ودراسته تنجلي بعض علامات أهميتها من ملاحظة أنه قد قدم أبرزها، وهو المفهوم الجديد للأدب ونماذج النقد الأدبي الجديد التي كان يتطلع إلى تثبيتها في السياق الثقافي المصري، وعمله على بلورة مفهوم جديد لتاريخ الأدب وكيفية دراسته، ثم نقده النقد العربي الوسيط والثقافة العربية الوسيطة في إعلائها من شان الشعر الغنائي على حساب بقية الأنواع النثرية الأخرى، وذلك في إطار محاضراته في الجامعة الوليدة، وتجاوزت أصداؤها رحبات تلك المؤسسة  الوليدة إلى السياق الثقافي العام المتصل بإبداع الأنواع الأدبية الحديثة على ذلك النحو الذي جلَّته عباراتُ القاص عيسى عبيد(؟-1923) أحد كتَّاب “المدرسة الحديثة”(4) التي دعت إلى إبداع أدب مصري عصري؛ إذ وجد عبيد في دعوة ضيف إلى إنتاج آداب (مصرية في موضوعاتها ومعلوماتها، عربية في لغتها وبلاغتها وأساليبها)(5) سندا أكاديميا للدعوة ذاتها التي تبناها كُتَّاب “المدرسة الحديثة” الذين كانوا يمثلون توجهًا من الوجهات الحداثية في عقدي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين في إطار مسيرة الثقافة المصرية الحديثة. ولعل هذا ما يتيح لقارئ إسهامات ضيف الجذرية في مجال الأدب والنقد أن يسجل أن المنحى الكامن وراء سعي ضيف إلى ترسيخ تلك الإسهامات في السياق الثقافي المصري يعود إلى رغبة قوية لديه، مباشرة أحيانا وكامنة أحيانا أخرى، في أن يكون الأدب المصري الحديث والنقد المصري الحديث تجسيدات إبداعية ونقدية وفكرية للهوية المصرية التي كان السياق التاريخي  لمرحلة الربع الأول من القرن من أبرز الدوافع التي دفعت مجموعات من الأدباء والنقاد والمفكرين إلى تبني مطمح “تحقيق” تلك الهوية المصرية في شتى مناحي الإبداع الثقافي. وقد تبدت إسهامات ضيف النقدية في عدة جوانب أساسية سنكتفي ببيان ثلاثة منها ، وهي: السعي إلى تقديم مفهوم جديد للأدب، وصياغة المفهوم الجديد لتاريخ الأدب، والقراءة الجديدة لمسيرة النثر بأنواعه المختلفة في الثقافة العربية.

سعى أحمد ضيف إلى استخدام مصطلح “البلاغة” بديلا لكلمة “الأدب” الموروثة من الثقافة العربية القديمة والوسيطة، معللا دعوته تلك بكون الكلمة الموروثة تحمل مجموعة من الدلالات التي لا تحدد، على نحو دقيق، ما يتصف به الأدبُ من حيث كونه نوعا من الكتابة أو الإبداع القولي المعتمد على اللغة، والحامل لمجموعة من الأصداء الذاتية من جانب، والطوابع الاجتماعية من جانب آخر. ولهذا رأى أحمد ضيف أن مفهوم “البلاغة” هو البديل العصري الملائم لوصف ذلك الإبداع التخييلي الذي يعتمد على تشكيل اللغة تشكيلات متنوعة تهدف إلى التأثير في المتلقي بطرق مختلفة، ومن هنا كانت “البلاغة” البديل الحديث والجديد للأدب بالمعنى القديم وهو ذاته المعنى الذي كان ممتدا لدى كثيرين من معاصري أحمد ضيف لاسيما أولئك الذي تبنوا منظورات تقليدية في الفهم والتقدير. لقد كان ضيف يسعى إلى بلورة مفهوم “البلاغة” بوصفه بديلا لمفهوم “الأدب” بالمعنى التقليدي الممتد من التراث العربي إلى كثير من الممارسات الإحيائية المعاصرة له في سياقه الثقافي. ولعل أهمية ذلك المفهوم الجديد تعود إلى أنه كان يؤكد الطبائع النوعية المميزة لضروب من الكتابات الإبداعية شعرية كانت أم نثرية، التي تتأسس على أنماط الاستخدامات الجمالية النفعية للغة بما يجعلها (حاملة لأسرار اللغة وقيمتها، وهي- من هذه الناحية – قادرة على أن تُمتعَ المتلقي إمتاعا يصل به إلى تربية الذوق وتهذيبه، ولمَّا كانت تلك الكتابات قد تحددت – في خطاب ضيف بكونها بلاغة – فإنها قد أصبحت وسيلة من وسائل تربية النفوس تربية فنية)(6). ولقد أسَّس ضيف على ذلك المفهوم تمييزا بين صيغتين مختلفتين لتلك البلاغة، وهما: صيغة البلاغة الوجدانية التي تعني أن الأدب تعبير عن وجدان منشئه، وصيغة البلاغة الاجتماعية التي تعني أن الأدب صورة الاجتماع أو المجتمع، أو أن الأدب تعبير عن المجتمع. وقد قادته تلك الصيغة الثانية إلى الاهتمام الواسع ببيان الأسس التي يعتمد عليها كون الأدب أو البلاغة تمثيلا للمجتمع، وهو ما كانت له تأثيرات متعددة وبالغة الأهمية في إبرازه فروقا جمالية ووجودية في الأنواع الأدبية في الأدب العربي القديم والوسيط من ناحية والأنواع النثرية الحديثة كالرواية والقصة القصيرة والمسرحية، من ناحية ثانية، جاعلا من الأنواع “الموضوعية” أصدق تمثيلا لصيغة البلاغة الاجتماعية وكاشفا عن عدد من الإضافات التي يمكنها إثراء الثقافة العربية الحديثة بها، ومُبينا أيضا عن عديد من العقبات الثقافية التي تجبه تأصيل أو تأسيس تلك الأنواع في الثقافة العربية الحديثة(7). ولعله بذلك كان واحدا من أبرز النقاد الذين التفتوا، على نحو مبكر جدا في سياقات النقد العربي الحديث، إلى عدد من العقبات الثقافية التي تجبه مسعى تثبيت تلك الأنواع الأدبية الحديثة في سياقات الإبداع والتلقي في الثقافة العربية الحديثة. لعله هذا المسعى يدلل على كونه واحدا من مساعي أحمد ضيف إلى الجمع بين “التحديث” و”الحداثة” بوصفهما معا سبيلين لتفعيل الأدب في سياقات الحياة المصرية والعربية الحديثة.

و لعل من أبرز الإضافات الجوهرية التي قدمها أحمد ضيف لمجالات دراسة الأدب صياغته التأسيسية للمفهوم الجديد لتاريخ الأدب؛ وذلك ما يمكن إبرازه من ملاحظة السياق الثقافي الذي بلور فيه ضيف رؤاه؛ فإذا كانت تأثير الناقد ومؤرخ الأدب الفرنسي “لانسون” (1853-1934) في أفكار أحمد ضيف وخطابه وتوجهاته العلمية والنقدية أمرا مقررا ومؤكَّدا لدى دارسيه (8) فلاريبَ أن أهمية ما قدمه ضيف تعود إلى أنه كان يمثل محاولة مبكرة لصياغة بديل فعال يقاوم الآثار السلبية العديدة التي نجمت عن تسطيح ممارسات دراسة أو كتابة تاريخ الأدب من منتصف القرن التاسع عشر إلى نهاية الربع الأول من القرن العشرين في سياقات الثقافة العربية الحديثة؛ وذلك قبل أن يقدم طه حسين صياغته “اللافتة” في مداخل كتابه “في الأدب الجاهلي”(1927)؛ إذ غلبت مجموعةٌ من الممارسات الثقافية التي حولَّت دراسة تاريخ الأدب إلى لون من الأفكار العامة عن علاقات الأدب بالبيئة والمجتمع تصاحبها صياغةُ مجموعات من التراجم الموجزة للشعراء والكتاب والأدباء التي تتحول إلى محض “خانات” تنطوي على قدر من المعلومات “الجافة”، هو ما تنجلي كثيرٌ من علاماته لدى معظم الكتابات التي تمثل تحقيقًا لمفاهيم دراسة تاريخ الأدب العربي في الفترة المشار إليها (9). كما أن صياغة أحمد ضيف تلك لماهية دراسة تاريخ الأدب قد اكتسبت جوانب عديدة من أهميتها لكونها صادرة عن “أستاذ الآداب العربية” بالجامعة الوليدة مما يخلع عليها مجموعةً من الدلالات المؤسسية التي تؤكد جميعها أن تلك الصياغة تمثل المؤسسة الحديثة المعنية ببلورة مناهج دراسة الأدب وطرائق الكشف عن وجوه فاعليته في سياقات إنتاجه وتلقيه. ولقد رأى أحمد ضيف أن دراسة تاريخ الأدب تعني (دراسة الاجتماع في زمن من الأزمان، ودراسة الحالة العقلية، أي معرفة الزمن بواسطة البحث عن كبار المفكرين والعلماء وآثار آدابهم في المجتمع)(10). ولعل من اللافت بقوةٍ لانتباه القارئ أن أحمد ضيف لم يكن يستخدم تعبير “تاريخ الأدب” بل كان يستخدم تعبير “الدراسة التاريخية للأدب” ولعله كان بذلك يؤكد بدايةَ مفارقته للمصطلح الذي كان شائعا في سياقه التاريخي. كما أنه كان يجعل من هذا النمط من الدراسة التاريخية نشاطا معرفيا خاصا يقوم على ما كان يصفه بأنه “الطريقة النقدية” و”طريقة النقد الصحيح”؛ مما يؤكد لقارئه أن الأبعاد النقدية في مثل هذا النمط من الدرس أبعادٌ محورية وجذرية فارقة تجد فاعليتها أو تأثيراتها في سياقات بلورة هذا النمط  المعرفي حيث جعل ضيف من تلك الدراسة منحى معرفيا يتأسس على سعي الدارس إلى الوقوف على طبائع العلاقات التي تربط المنتَج الأدبي بمختلف العناصر المؤثرة فيه مما يجعل من هذه الدراسة نشاطًا مبنيًا على (سؤال العِليّة التي تجعل من النصوص والظواهر الأدبية – على تنوعها- معلولات لعلل ملازمة لها، وعلى مؤرخ الأدب أن ينتقل دائما من وصف المعلولات إلى تحليل العلل)(11) وذلك ما يفضي إلى ان يصير خطاب ذلك الدارس خطابا عقلانيا كاشفا عن قدرته على  تعليل ظواهر الأدب موضوع دراسته تعليلا يؤكد، من ناحية، فعالية موقف الدارس المؤرخ إزاء ما يدرسه، وبما يجعل من ممارسته تلك، من ناحية أخرى، وسيلة لإقناع القراء، ومنهم هؤلاء الطلاب الذين يتلقون عنه عمله، أن ما يُقدم لهم وسيلة لتعليمهم كيفية إنتاج رؤى تحقق قيمة العقلانية في الفهم والتفكير. وكما فعل طه حسين من بعد من ضيف بسنواتٍ، وذلك في مقدمات كتابه “في الأدب الجاهلي”، حيث جعل من ذلك الفهم المادي المباشر القائم على منطق العلة والمعلول الخطوةَ الأولى لتنقيح المواد والعناصر التي يتخذ منها ذلك الناقد أو الدارس مجالا لممارسة نشاطه، فقد سبقه أحمد ضيف في جعله تلك الخطوة تمهيدا سابقا للخطوة التالية التي يواجه فيها، ذلك الدارس، النصوصَ الأدبية مستندا إلى (ذوقه الشخصي، وإلى ما اكتسبه من النقد بالتجربة والدرس في الحكم على المؤلف)(12). وبذلك تكتمل ممارسة دراسة تاريخ الأدب في رؤية أحمد ضيف؛ إذ تجمع بين منحيين: أحدهما عقلي يتسم باعتماده الغالب على التعليل والتفسير؛ وذلك للكشف عن العوامل المؤثرة في الظواهر أو لفهم الظواهر في ضوء سياقاتها عبر الكشف عن وجوه العلاقات المختلفة التي تربطهما معًا، وثانيهما فني أو جمالي يستند إلى ذوق الناقد أو الدارس الخاص، ليتحقق من ذلك التكامل صيغٌ نقدية قادرة على إقناع القارئ وتعليمه في الوقت ذاته مجموعةً من قيم “العقلانية” و”الحرية” التي يبلورها ذلك النشاط المعرفي في عقول متلقيه. كما يتيح لهم الوقوفَ على رؤى متعددة للممارسات المختلفة التي يتخذ منها مؤرخو الأدب موضوعات للدرس والتحليل بما يرسِّخ في أفئدة أولئك المتلقين قيمَ التعدد الفكري المبني على أسس لها منطقها الخاص المتصل بطبائع المادة التي يتناولها أولئك المؤرخون في كتاباتهم.

 

  (2/1) “النثر في عصور اللغة” وتجليات الحداثة والتحديث في منظور قراءة أحمد ضيف

ويعد كتاب أحمد ضيف المجهول(13) “النثر في عصور اللغة”(1926-1927) كتابا بالغ الأهمية من حيث موقعه في مشروع الحداثة والتحديث عنده؛ فإذا كان أحمد ضيف قد توصل منذ رسالته للدكتوراه إلى أن مجال التجديد في الشعر العربي القديم والوسيط كان محدودا لاقتصاره على التجديد في وسائل الصنعة الفنية دون أن يؤدي هذا التجديد إلى ابتكار أنواع أدبية جديدة، وذلك ما جعله يؤكد دائما أن “التجديد” الحقيقي في الأدب العربي الوسيط إنما يظهر في النثر وليس في الشعر؛ وذلك لأن تطور النثر من الجاهلية وعصر الإسلام والعصر الأموي قد اتخذ صيغة بارزة  مجلاها الرئيسي التحولُ من فنون أو أنواع الخطب والرسائل السياسية إلى أنواع جديدة مثل الرسائل أو المكاتبات المتبادلة بين الأدباء في موضوعات متعددة، او الرسائل التي ينشئها كاتبٌ في موضوع بعينه كرسائل الجاحظ أو رسائل ابن المقفع. ففي هذه الفنون تشكَّلت أساليب جديدة في الأداء اللغوي؛ ومن ثم صار بالإمكان حسب رؤية أحمد ضيف (تقسيم الكتابة الأدبية في هذا العصر من وجهة الأسلوب إلى أنواع، إذ ميزتُها بالأسلوب أظهرُ وأبينُ)(14). ولهذا ميَّز أحمد ضيف بين ثلاثة أساليب كبرى وشائعة في نثر ذلك العصر، وهي: الأسلوب السهل المرسل، و(أسلوب الإطناب وذكر الكلام جملا جملا تشبه السجعَ وإن كانت ليست منه، بليغةً في معانيها، فصيحةً في ألفاظها تعترضها جملٌ ليست من المعنى في شيء وكأنها منها أو كأن الكلام لا يتم بدونها، وأنك لتسمع هذا الكلام الذي على هذا النمط فيخيل إليك أنك تسمع نغمة من نغمات الموسيقى، وتظن أنه ليس أعلقَ بالنفس من هذا الأسلوب ولا أجمعَ للمعني منه، ولا أبلغَ إلى الفؤاد من فصاحته)(15)، ثم الأسلوب المسجع. ثم جعل احمد ضيف من أبرز أنماط التطور والتجديد في النثر العباسي ظهورُ تلك القصص المسجعة المسماة بالمقامات كمقامات الهمذاني والحريري التي وصفها بأنها أحدثت (في اللغة العربية طريقة جديدة في أسلوب الكتابة والتفكير كما “أحدثت” نوعا جديدا في الأدب والخيال) (16). وقد اكتمل رصد أحمد ضيف لمسيرة التطور في النثر العربي بعرضه نماذج من مختلف النصوص التي تمثل الفنون والأشكال النثرية المختلفة. ولعل جانبا من جوانب الأهمية الكبرى التي يحملها هذا الكتيب، في إطار مشروع  صناعة الحداثة والتحديث عند أحمد ضيف، إنما تنجلي من ملاحظتنا ذلك الاهتمامَ الكبير وغير المألوف الذي أبداه أحمد ضيف – خلافا لما كان عند كثير من معاصريه من مؤرخي أو دارسي الأدب العربي القديم والوسيط في النصف الأول من القرن العشرين- من قلة العناية بمجال في النثر العربي الوسيط وضعه أحمد ضيف في مرتبة عالية، وهو ذلك الجانب الخاص بالقصص؛ فأغلب الظن أن عناية ضيف “الفائقة” بهذا الجانب تعود إلى سببين رئيسين يتصلان  بمرامي مشروع الحداثة والتحديث عنده، وهما: رؤية أحمد ضيف لمحدودية التجديد في الشعر العربي الوسيط واقتصاره على جوانب الصنعة اللفظية وحدها، ورغبته في التأصيل الضمني لحركة الكتابة السردية الحديثة والمعاصرة في مجالي الرواية والقصة القصيرة. ويتصل هذان السببان معًا – من زاوية أخرى – برؤية جذرية تسود مجمل إنتاج أحمد ضيف النقدي؛ وهي رؤية قوامها أن التجديد “الحق” والمأمول في الأدب العربي الحديث والمعاصر له سيتحقق في مجال إبداع الأنواع النثرية الحديثة؛ وذلك لأن هذه الأنواع الحديثة تمثل “البلاغة الاجتماعية” القادرة على تصوير المجتمع المصري أو العربي المعاصر، والتي لن يجد مبدعوها قيودًا جامحةً ممتدةً من التراث العربي تعوق رغباتهم في الانطلاق بهذه الأنواع وتفعيلها في ولوج مجالات جديدة للتعبير عن الخبرات الاجتماعية والحضارية التي بلورها تطورُ المجتمع العربي الحديث. وهو موقف مضاد تماما لموقف الشاعر العربي الحديث والمعاصر؛ فهو في كلِّ سعيٍ يمارسه للتجديد، سواءٌ من الجانب الفني أو الشكلي أو من الجانب المضموني – يجد نفسه محاصرا بتراث ممتد من الشعر ذي التقاليد الجمالية والثقافية الراسخة مما يعوق بقوةٍ محاولتَه تلك. أمَّا كاتب الرواية أو القصة القصيرة أو المسرحية فلديه مساحة كبيرة من البراح الجمالي والوجودي تمكِّنه من التحرك بحرية بعيدا عن القيود الثقافية والجمالية التي تفرضها غلبةُ الشعر على الأنواع الأدبية المختلفة في التراث العربي وسيادته على الأنواع الأدبية التي عُني بها الإحيائيون إبداعيا ونقديا. ومن هذه الزاوية يمكن لقارئ خطاب أحمد ضيف أن يكشف عن دلالة اهتمامه بتناول “الأسلوب القصصي وأثره في النثر العربي”؛ إذ يعدُّ هذا الاهتمام، فيما نرجِّح، وسيلةً لتدعيم التوجه المعاصر لضيف ومجموعة من أدباء عصره للعناية بالرواية والقصة القصيرة والمسرحية سواءٌ اتخذت هذه العناية صيغةَ إبداع هذه الأنواع أو تبلورت في صيغة نقد تلك الأنواع؛ فهاتان الصيغتان تلتقيان في مصبٍّ واحد وهو مصبُّ تدعيم حركة الحداثة في الثقافة المصرية أو العربية “الجديدة”. ولقد رأى أحمد ضيف أن (الأسلوب القصصي) يعدُّ (من أعظم أنواع النثر في الكتابة الأدبية عند جميع الأمم)(17)، ولكنه لم يكن عند العرب، طوال الفترة الممتدة من الجاهلية إلى نهاية العصر الأموي، في مكانة عالية رغم وجود القصص التاريخي ورغم إتيان القرآن الكريم بكثير من القصص؛ وذلك لأن النقاد لم يرشدوا الكتَّاب تجاه ذلك النوع من الإبداع القولي. ومن ثم يؤسس أحمد ضيف على ذلك رؤيةً قوامُها تأكيد قوة التأثير الهندي والفارسي في نشأة القصص الفني في العصر العباسي، ويرى أن هذا (القصص الفني) قد أخذ ينتشر بين العامة مما يجعله يحفل بالعامية من ناحية ويمتلأ بعناصر فارسية وهندية متعددة. ويمثل أحمد ضيف لذلك بقصص “ألف ليلة وليلة” التي تعد – في رؤية أحمد ضيف – الأصلَ الأول الذي تحول إلى نماذج متعددة يحاكيها العامةُ خاصةً في صورة قصص عنترة والزير سالم وغيرهما من أبطال القصص “الشعبية” التي حرص الرواة على نسبتها للعلماء المشهورين؛ وذلك على نحو ما نسبوا سيرة عنترة إلى الأصمعي. وقد كانت هذه القصص تحوي أوصافا كثيرة لحياة العرب الاجتماعية والتاريخية كما تتضمن أيضا أخبارهم(وأشعارَهم وأوصافَ حروبهم وعاداتهم وأخلاقهم من كرم وشهامة وميل إلى الانتقام، وعلى حبهم للشعر وفنونه ثم على جملة أحوالهم الاجتماعية والتاريخية قبل الإسلام)(18). ولا ريبَ أن المتصل بالتراث العربي يمكنه أن يرى في عبارات أحمد ضيف تلك تناصا بالغ الأهمية مع مقولات متواترة في التراث العربي عن كون “الشعر ديوان العرب” وعن تفسيرات رائجة لها تعلل هذا الوصفَ بكون ذلك الديوان يشمل كلَّ ما يتصل بحياة العرب. وكأن أحمد ضيف في صنيعه هذا إنما يؤكد، بقوةٍ ورجحانٍ، أن هذه القصص الموروثة تمثل ديوان العرب الثقافي الحقيقي. فإذا تذكر القارئ أن أحمد ضيف كان يلحُّ على كون القصص والروايات والمسرحيات نمطًا من أنماط (البلاغة الاجتماعية) التي تعلو على (البلاغة الوجدانية) التي تنجلي بقوة في الشعر “الغنائي”، وإذا تذكر ذلك القارئ أيضا إلحاحَ خطاب أحمد ضيف على الحاجة إلى (البلاغة الاجتماعية) والأنواع الأدبية المحققِّة لها؛ بوصفها مظهر التجديد “الحق” و”المنشود” في الأدب العربي الحديث – كان ذلك كله دالا كاشفا عن ذلك الفهم الذي سعى أحمد ضيف إلى إبرازه ليس فقط بمحض الدعوة المتكررة إلى تحقيق دلالاته بل بالعمل على تقديم مؤلَّفه هذا – أي كتاب “النثر في عصور اللغة”- وتقديمه لطلابه بالجامعة – فذلك ما يؤكد أن موقف أحمد ضيف ذاك إنما ينصرف إلى الأدب العربي الحديث والمعاصر له؛ بما يجعله مجلى من مجالي تحقيق “الحداثة”، وبما يجعل من أحمد ضيف واحدا من الدعاة “الهادئين” إلى تحقيق الحداثة في الأدب أو الثقافة العربية أو المصرية الجديدة. ولعل ما يؤكد لقارئ خطاب أحمد ضيف “صواب” ذلك الاستنتاج هو ذلك الموقف “الجاد” الذي وقفه أحمد ضيف من “المقامة” التي تعامل معها كثير من الإحيائيين بوصفها نموذجا للقصة(19) على حين أنه رأى أن مقامات الهمذاني والحريري لم يكن هدف كتَّابها (الكتابة القصصية الفنية “…”، بل كان غرضهم إظهار البراعة في أساليب الكتاب المسجعة وأنواع الشعر الصناعي وتنميق الأسلوب. وهذا يدل على أنهم لم يفهموا الفن القصصي في الكتابة على حقيقته)(20) مؤكدا أن هذا النمط الفني يحتاج إلى (أسلوبٍ سهلٍ آخر) مما يشي لقارئ خطابه – في سياقه التاريخي والثقافي – أنه لا يقصد تقديم محض تفسير لطبائع لغة المقامة فقط قدر ما يُعني ضمنيًا ببيان ما يؤكد حاجة الأنواع السردية والمسرحية الحديثة إلى لغة ذات ألفاظ قريبة من حياة المتلقين ومتصلة بعوالمهم الكائنة والممكنة مما يمكِّن لنصوصها من الحصول على قبول فئات كثيرة من هؤلاء المتلقين، ومما يتيح أيضا لهذه الأنواع إمكانَ الترسُّخ في حياة أولئك المتلقين. ولعل احتفاء أحمد ضيف بالأسلوب القصصي في الأدب العربي الوسيط هو الذي دفعه إلى تقديم ثلاثة أمثلة من تجلياته لقرائه، وهي: المقامة الحلوانية لبديع الزمان الهمذاني والمقامة الإسكندرية للحريري، ثم حكاية الملك عمر النعمان وابنيه شركان وضوء المكان من “ألف ليلة وليلة”(21). ولعل تقديمه نموذجا من “ألف ليلة وليلة” يؤكد المنحى الحداثي في فهمه للأسلوب القصصي والقصص؛ فبقدر ما كانت قصص الليالي ذخيرة واسعة ومتنوعة لأشكال القصص وأساليبه وأنماطه كانت ثقافة النخبة في التراث العربي تستبعدها من مفهوم التراث الذي كانت ترتضيه تلك النخبة، وذلك ما مثَّل موقفا دالا ورؤية راسخة ورثها الإحيائيون في القرن التاسع عشر، وحين أدركوا الحاجة إلى هذه النصوص لترسيخ إبداع الأنواع الأدبية الحديثة أخذوا يسعون إلى تعريض موقفهم  ذاك لأشكال من “الاهتزاز” التي تؤذن بتعديله وبناء بديل له يتوافق مع سياقهم الثقافي الجديد، ولكن هذا الأمر استغرق وقتا طويلا في طبقات خطابهم النقدي وخطابهم الثقافي أيضا، ثم كان أن أخذ الموقف الجديد من “ألف ليلة وليلة” بوصفها مخزونًا ثريًا للقص بأشكاله وأساليبه وأنماطه المتعددة – في الثقافة العربية الحديثة- يتغير على أيدى الرومانسيين ومن جاروهم، بدءًا من ثلاثينيات القرن العشرين، مما كان له أثره في دعم إبداع الأنواع النثرية الحديثة(22). ولعل من الأهمية بمكان أن نكشف للقارئ المعاصر أبعادَ الدور المهم الذي أدَّاه أحمد ضيف للإسهام في بلورة الموقف الجديد والحداثي من “ألف ليلة وليلة”، فلم يكتف أحمد ضيف بوضعه نصوص “الف ليلة وليلة” ضمن دائرة “النثر العربي الوسيط” ولا بأن يقدم لطلابه في النصف الثاني من عشرينيات القرن العشرين واحدًا من أبرز نصوصها، بل إنه دعّم هذا الموقف تدعيما كبيرا في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين؛ وذلك حين قدم دراسة مطولة بعنوان “بحث تاريخي نقدي في ألف ليلة وليلة)(1935)، بدأها بعرض موجز لموقف الثقافة الرسمية العربية الوسيطة من “ألف ليلة وليلة”، وعرض مطاهر الاهتمام بها في الثقافة الغربية الحديثة من القرن التاسع عشر، ولخَّص أبرزَ الآراء التي أبداها مجموعةٌ من كبار المستشرقين الذين عُنوا بها. وقد اعتمد في هذه الجوانب كلها على الكتابات الاستشراقية التي أحال إلى أسماء كتَّابها في ثنايا دراسته تلك. ولكن الجانب الرئيسي الذي يعنينا من دراسته تلك إنما هو أمران، وهما: بيانه طبائع القصص المصرية في “ألف ليلة وليلة”، وإشارته إلى تميز “الطبيعة القصصية أو السردية” في الليالي. وهما أمران يخدمان بقوة وفعالية، فيما نرى، توجهاته الحداثية. وقد اعتمد ضيف في إبرازه طبائع “القصص المصرية” في الليالي على مجموعة كبيرة من العناصر المضمونية المتكررة في هذه القصص من قبيل: التشابه بين ما تعرضه هذه القصص والأحوال الاجتماعية والنفسية للمصريين، وكون الأشخاص الذين تعرضهم هذه القصص يعيشون بكدِّهم مما يفسِّر كثرةَ الحديث عن “الصناعات” في تلك القصص”، وبروز شخصية الكاتب فيها، ووضوح الفكاهة والنقد “الحلو” وخفَّة الروح(23). وإذا كان من المنطقي أن تكون غلبة اللهجة المصرية علامةً من العلامات الدالة على مصرية تلك القصص فلعل من اللافت لانتباه قارئ خطاب أحمد ضيف أن يسجل أن بعض العناصر التي اتخذ منها ضيف علامات على مصرية تلك القصص تعد، فيما نرى، علامات على سمات “إيجابية” في صورة تلك الشخصية المعنوية التي تشكلها القصص هذه للشخصية المصرية، ومنها علامتان رئيسيتان فيما نظن، وهما: أن موضوعات هذه القصص (ليست خيالية بحتة، بل مأخوذةٌ من الحياة المصرية، وأن ليس ُ الغرض منها جذبَ القراء بما فيها من الغرائب والعجائب التي لا يصدقها إنسانٌ عاقلٌ كما في القصص الفارسية أو الهندية المملوءة بالأساطير والخرافات)(24)، ومنها أيضا (أن الكاتب يعتمد فيها على ما في نفسه من أثر الحوادث التي شاهدها في حياته ورسم الأشخاص الذين عرفهم ورآهم، وأنه إذا وُجد شيءٌ من الأساطير فإنه يكون بقدر الحاجة)(25). ولعل هاتين السمتين علامتان دالتان على أن الشخصية المصرية التي تقدمها قصص الليالي إنما تتسم بميلها إلى نفي المبالغة والابتعاد عن الإغراق في الخيال أو التخييل أي أنها شخصية “واقعية” التفكير والمسلك الحياتي بمعنى ما. ولعل هذا ما يؤكد، بطريقة ضمنية قوية، صلاحيتَها للاستلهام في كتابة نصوص وأنواع سردية حداثية تقدر عقلانية التفكير وعقلانية المسلك وتعمل على ترسيخهما في وجدان المتلقين وأذهانهم.

إقرأ أيضا: المشهد الثقافي المصري

وأمَّا الجانب الثاني فهو تأكيد أحمد ضيف أن من أعظم مميزات قصص الليالي المصرية (أن كاتبها عارفٌ بالافتنان والأساليب القصصية، عارفٌ بكيفية سرد الحوادث كما قال العالمُ الألماني “كرامر”، وكما يرى في قصة معروف الإسكافي وعلي الجوهري وقصة التاجر علي المصري والتاجر حسن الجوهري)(26). ولعل ذلك الوصف الدال يكتسب أهميته في سياقه التاريخي والثقافي من ملاحظة أن مثل هذا التقدير للأبعاد السردية التي تنطوي عليها قصص “الف ليلة وليلة” المصرية كان يؤكد للكتَّاب المعاصرين أن لديهم مخزنا ثريا بما يضمُّه من الأساليب القصصية أو السردية المهيأة للاستلهام والإفادة منها في تشكيل الأنواع السردية الحديثة والمعاصرة، وهو ما كان يتم في ذات المرحلة التي كان ضيف يقدم فيها خطابه النقدي مما يعني – من مستوى لحظتنا الراهنة – أن خطاب أحمد ضيف المعني بالأدب الشعبي الموروث إنما يمثل سبيلا جانبيا من السبُل الكاشفة عن كيفية تحقيق “الحداثة” في الأنواع الأدبية الحديثة. ولعل هذا الجانب يتصل بجانب آخر بالغ الأهمية في خطاب أحمد ضيف؛ وهو ذلك الجانب الخاص بموقفه من موقع “الأدب العامي” الحديث في إطار حركة الأدب العربي الحديث؛ فمن الملحوظ لقارئ خطاب ضيف النقدي أنه قد جعل من “الأدب المصري الحديث”، ونموذجه هنا “الشعر”، قائما على نمطين متجاورين، وهما: الشعر الفصيح والشعر العامي اللذان يلتقيان في (تصوير الاجتماع المصري)(27)، وإذا كان تعبير “الاجتماع” هنا وفي سياقات متعددة في كتابات أحمد ضيف يعني “المجتمع” فمن الدال أيضا الإشارة إلى أن أحمد ضيف قد ساوي بين الأدب الفصيح والأدب العامي من حيث كونهما مجليين متكافئين في قدرتهما على تصوير المجتمع المصري، وكان أحمد ضيف معنيا بتناول نماذج من هذا الشعر العامي(28) بما يؤكد نزعتَه الحداثية التي جعلت من تصوير الإبداع الأدبي لمجتمعه العامَل الحاسم في تحقيق “أدبيته، نافية الفروقَ بين “الفصحى” و”العامية” من حيث هما أداتان متاحتان للأديب يستخدم أيًّا منهما مادام قادرا على تطويعها لمتطلبات تجربته أو موقفه. ولعل هذا ما يفسر لقارئ خطاب أحمد ضيف رهانه على “المسرح” النوع الأدبي الحديث؛ وذلك من منظور يُعلي قيمته الاجتماعية؛ إذ وصفه قائلا: إنه (أقربُ شيءٍ إلى تصوير الحياة الاجتماعية تصويرا صحيحا، وهو تلك القصص التمثيلية المصرية بلهجة قريبة جدا من لهجة العامة)(29). وإذا كان استخدام مصطلح “القصة التمثيلية” و”القصص التمثيلي” بديلا عن مصطلح “المسرحية” عرفًا من الأعراف الثقافية التي سادت في سياقات الممارسة المسرحية العربية من منتصف القرن التاسع عشر إلى قرب منتصف القرن العشرين (30) فلا ريبَ أن إدراك أحمد ضيف لأهمية المسرح من حيث كونه أقدر الأنواع الأدبية الحديثة على تصوير المجتمع هو الذي يفسِّر لقارئ خطابه الثقافي وممارسته الفعلية عنايتَه الدالة بالمسرح؛ ففي خضم مرحلة ثلاثينيات القرن العشرين حيث أنشئ معهد التمثيل في النصف الأول من ذلك العقد فثارت ثائرة الاتجاهات المحافظة محاربةً تلك المؤسسة الثقافية والفنية الوليدة- كان أحمد ضيف واحدا من الأساتذة المعنيين بالتدريس في هذا المعهد كما تدل على هذا عدة معلومات موثقة نُشرت قبل أربع سنوات(31)، وهو مسلكٌ كان يتوافق بقوة مع صنيع أحمد ضيف المؤلف والمترجم؛ فقد قدم مسرحية قصيرة عنوانها “شاب مفتون” صوَّر قدم فيها رؤيته لجانب من جوانب علاقتنا بالغرب، كما ترجم مسرحية “هوراس” لكورني التي تعد واحدة من نماذج المسرح الكلاسيكي المحدث في فرنسا.. ولا تعد ترجمة هذا النص الكلاسيكي ردة على التحديث أو الحداثة؛ فوجهٌ من وجوه “الحداثة” في تشكيل المسرح العربي الحديث في مرحلة تأصيله في المجتمع العربي؛ أي تلك المرحلة الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، كان يتحقق بالإفادة من النماذج الكلاسيكية الكبرى في المسرح الأوربي، ومن هنا كانت ثمة حركة واسعة لترجمات نصوصها وفق صيغ مختلفة من الترجمة.  ولم يكن هذا المنحى يختلف عن سعي ضيف إلى إتاحة مسرحية “هوراس”؛ وذلك لما تحققه نصوص كورني من مهام اجتماعية أخلاقية بلورها ضيف في إقراره أن كورني (كان يرى أن للمأساة حرمة تقتضي أن يكون فيها من حوادث أعظم من العشق، حتى تتبين هِممُ النفوس العظيمة، وتظهر كبار آمال الشعوب، بما لحياتها القومية من كرامة وبسالة وانتقام من الأعداء، وأن تكون المصائب التي يلاقيها الإنسان في سبيل ذلك أشدَّ مصائب الحب، وأن تكون خسارتُه اعظم من خسارة حبيبة أو عشيقة)(32). ولعل هذا ما يدلل لقارئ خطاب ضيف النقدي أن تحقيق المسرح تلك المهام الاجتماعية الأخلاقية يندرج في إطار “الحداثة” التي يمثلها هذا النوع الأدبي والفن الأدائي بوصفه مجلى فنيا لسعي مبدعيه إلى الوفاء بمتطلبات تنوير واقعهم.

 (3) الكتابة الإبداعية سبيل لتحقيق النهضة عبر صيغتي “الحداثة” والتحديث”

تمثل الكتابات الأدبية التي قدمها أحمد ضيف لونا من ألوان التجريب الإبداعي في إطار مشروع النهضة الثقافية عنده؛ إذ اتخذ منها وسيلة ناجعة لتجلية رؤيته لعديد من جوانب تحقيق تلك النهضة التي ترتكز على مقومي “التحديث” و”الحداثة”. وثمة علامة بالغة الأهمية من حيث دلالتها على منحى “التجديد” الذي ينطوي عليه إسهام أحمد ضيف في هذا المجال؛ فقد غلب على ضيف في كتاباته النقدية التعويلُ الدائم على العناية بقضايا “النثر” و”النثر الفني” وتقديمها على ما يتعلق بالشعر؛ وذلك لأنه كان يؤكد أن إمكانات التجديد في النثر العربي الوسيط كانت متاحة بقدر كبير من “الحرية” مقارنةً بمحدودية مثليتها في الشعر العربي الوسيط. وذلك ما يتيح لقارئ خطابات ضيف المختلفة أن يستنبط أن هذا الموقف كان ينعكس، بدرجات مختلفة، على مجمل مواقف ضيف الإبداعية والنقدية أيضا؛ فعلى العكس من أغلبية معاصري ضيف من النقاد عُرف عن كثير منهم أنهم كانوا شعراء أو مارسوا الإبداع الشعري، وليست أسماء من قبيل طه حسين وعباس محمود العقاد وعبد الرحمن شكري وإبراهيم عبد القادر المازني وغيرهم إلا شواهد دالة في هذا الإطار، على حين أن أحمد ضيف لم يُعرف عنه أنه كان شاعرا أو أنه حاول ممارسة الإبداع الشعري أو أن له إسهامات شعرية ما، بل كانت إسهاماته في كتابة الأنواع الأدبية النثرية الحديثة مجالا من مجالات نشاطه الإبداعي بما يوحي لقارئه بأنه كان يعوِّل عليها – بصورة أو بأخرى – في تحقيق مشروعه النهضوي في مجال الثقافة. ولعل مثل هذا التعويل يمكن أن يساعد قارئ تلك الكتابات على تفسير ما يلاحظه من كون “تيمة” العلاقة بأوروبا بما تتضمنه من محاور متنوعة تيمةً محورية ومتكررة في هذه الأعمال بدءا من قصته الطويلة “قبل التعارف وبعده” المنشورة بمجلة “السفور” (1919و1920) حيث تدور حول علاقة تعارف “عابرة” بين “فؤاد” الشاب المصري الذي وُلد ابنًا لعرِّيف كتّاب في درب الجماميز بالقاهرة، وتلقى التعليم “التقليدي” الذي أهلَّه ليصير موظفا بمحافظة القاهرة، كما أصبح واحدا من حاشية أحد الأغنياء مما أتاح له مصاحبتَه في رحلته الشتوية إلى فرنسا؛ فالتقى “فؤاد” في مدينة “نيس” بفتاة فرنسية وسيدة فرنسية أيضا. وإذا كان أحمد ضيف الكاتب قد جعل من هذين اللقاءين وسيلة لإنشاء إمكان علاقة ما بينه وبينهما فإنه قد راوح بين تقنيتين جماليتين تسهمان في أداء وظيفة واحدة، وهما: تقنية الراوي الضمني الذي يصف مواقف اللقاء وأزمنته التي يتم التعارف بينهم، والحوار الذي يجري بين “فؤاد” وهاتين الفرنسيتين؛ إذ تلتقى التقنيتان معًا في التعبير “المباشر” دائما عن رؤية ما لعديد من جوانب العلاقة بين “الشرق” و”الغرب” منعكسةً في موضوعة “الزواج” الذي كان “فؤاد” يفكر في الشروع فيه مع تلك الفتاة، ومن ثمة تثار  أسئلةٌ في ذهنه حول هذا الزواج لاسيما أنه يبدو مُحبًّا للمال مما جعله يحدِّث القارئ بأنه لا يعيشُ في أوهام ولا يحبُّ الخداعَ كما أنه كان يصفُ نفسَه بالقول:(الفضيلةُ عندي هي كسبُ المال والتمتُّع به من أي طريقٍ كان ما دام هذا لا يجرُّ على الإنسان عارًا ظاهرًا)(33). وقد جاء هذا في صيغة المنولوج الداخلي الذي جعل “فؤاد” يهمس لنفسه (أتمتعُ بجمال هذه الفتاة وآخذها زوجةً لي. وهذا لا يمنعني من أن أتبعَ ما هو في نفسي)(34). وبذلك يظنُّ أنه قد حقق نوعًا من المواءمة بين قِيَمه الشخصية من ناحية والنفع الخاص الذي يرتجي نيلَه، بذلك الزواج، من ناحية أخرى. ويبدو أن هذا الحل الذي تجلِّيه قصة “قبل التعارف وبعده” كان مُوجِّهًا لضيف كي ينسج في مسرحيته القصيرة “شاب مفتون” (1936) على وترٍ آخر من أوتار تأثيرات العلاقة بالغرب، وهو وترُ “الفتنة” التي تنشبُ في نفوس بعض الشبان المصريين الذين يتعلمون في أوربا فتشدُّهم المدنيةُ الغربية، وينجرفون في مسار عاطفة الحب فيتعلقون بفتاة أوربية وينسون كلَّ شيء ما عداه ويزدرون وطنَهم ويجحدون حقَّه عليهم، كما يتخلون عن بعض التقاليد الاجتماعية المستقرة في مجتمعهم. وقد بنى أحمد ضيف هذه المسرحية القصيرة على تصوير أزمة شخصية الدكتور “محمود”، وهو طبيب مصري شاب تعلم بفرنسا وارتبط بعلاقة عاطفية مع فتاة فرنسية هي “مدلين”، ولم يستطع “محمود” أن يجدَ متنفسَه في بيئته المصرية فيقرر العودةَ إلى فرنسا ليسعد بالعيش فيها وبالحياة مع محبوبته، وإذا كان أبوه “شهاوي بك” وأمه يناشدانه دائما الإقلاعَ عن مطمحه ذاك والزواج “بسعاد” ابنة خالته وفاء لتقاليد اجتماعية، فلعل من اللافت للانتباه – في هذا الإطار- أن ثمة شخصيتين أوربيتين هما اللتان تكشفان لمحمود عن إيجابيات بيئته المصرية؛ وهما: زوجة صديقه “جمالي بك” الأوربية التي لم يحدد لها المؤلف اسمًا، واكتفي بوصفها بأنها “زوجة أوربية” لتصير، عند المتلقين، “تمثيلا” لصوت نسائي أوربي في عمومه، كما تصير أيضًا مجرد صوت ناطق بأفكار مضادة لما يريده “محمود”؛ فهي التي تتبنى وجهة نظر مضادة تؤكد أن مصر رغم ما فيها من سلبيات كالخمول والكسل (بلدٌ جميلٌ له تاريخٌ مجيدٌ وجوٌّ بديعٌ وعيشٌ رغد. ألا ترى يا محمود جمالَ هذا المزيج من مدَنية الشرق القديمة وحضارة العصور الحديثة)(35). وحين يجيبها محمود واصفا رؤيتها لمصر بانها رؤية “السائحين الأجانب” الذين يرون (جمالَ مصر في تلك الأكوام والمنازل العالية والأقذار المتراكمة والأشكال المختلفة)(36). تقارعه الحجةَ بحجّة مضادة ومباشرة: (هذا ليس خطأَ بلادكم وإنما هي أخطاؤكم أنتم أيها المتعلمون وخطأُ حكوماتكم)(37). وبذلك تضعه بوصفه، بمعنى ما، تمثيلا دالا لفئة من فئات المثقفين المصريين – سواء في ثلاثينيات القرن العشرين أم في غيرها من حقب التاريخ المصري الحديث والمعاصر- ممن يكتفون برصد سلبيات الحياة المجتمع المصري دون أن يدركوا مسئوليتهم المباشرة عنها – أمام مسئوليته الوطنية أو القومية مما يؤكد لقارئ هذه المسرحية القصيرة أن كاتبها أحمد ضيف معنيٌّ، بدرجة جلية، بتوجيه نقد صريح ومباشر إلى رؤية تلك الفئة. ولعل هذه الرؤية الإيجابية لمصر لدى تلك السيدة الأوربية كانت تجد المساندة، من وجهة أخرى، من رؤية “مدلين” حبيبة “محمود” لمصر إذ لا ترى فيها إلا بيئة ذات طبيعة جميلة بما فيها من (مياه النيل الجارية العذبة “… وما فيها من (أشجار النخيل الباسقة، ذات القوام المعتدل، وهي باسطة فروعَها إلى السماء كأنما تطلبُ شيئًا من الله)(38). وإذا كانت هذه المسرحية القصيرة قد أبرزت  قبول الدكتور “محمود” في نهايتها البقاء في مصر تقديرًا لمشاعر أبويه ورغبةً في الالتزام بالواجب الأخلاقي الذي تحتمه التقاليد الاجتماعية من الزواج بابنة خالته ..فلا ريب أن هذا المنحى الذي يجعل من الشخصيات المسرحية الممثلة لأوروبا في المسرحية أصواتًا كاشفة عن الجوانب الإيجابية في الواقع المصري، ولاسيما ما يتعلق بوضعية الطبيعة،  فلا ريبَ أن هذا المنحى يعد واحدا من تجليات الرؤية الرومانسية الأوربية الشائعة لمصر؛ مما يشير، بصورة أو بأخرى، إلى قوة الأثر الأوربي الفكري المباشر في موقف ضيف الذي تجلِّيه تلك المسرحية.

ولعل تيمة العلاقة بأوروبا بوجوهها المتعددة كانت المرتكز الأساسي الذي نهضت على جلائه وتمثيله روايةُ أحمد ضيف القصيرة “أنا الغريق”(1939)، وهي رواية تعرض تجربة شاب مصري عاش في فرنسا قبل نشوب الحرب العالمية الأولى التي اضطرته ظروفُ اشتدادها إلى العودة إلى وطنه مصر، وخلال رحلة العودة تلك تعرض ذلك الشاب لحادثة غرق السفينة التي كان يستقلها، ولكنها نجا منها. وقد أشارت بعض الوثائق التاريخية إلى أن أحمد ضيف نفسه قد تعرض لما يشبه هذا الموقف خلال عودته من بعثته للحصول على درجة الدكتوراه(39). وقد أتاح الإطار الزمني الذي تعالجه هذه الرواية لذلك الشاب المصري، الذي جعله ضيف أيضا الراوي الأساسيٍ للوقائع، أن يصور ما طرأ على قطاعات عديدة من المجتمع الفرنسي من تغيرات ناتجة عن حالة الحرب تلك. ولقد نبعت مسألة الموقف من الغرب والمقارنة بين الشرق والغرب من هذه النقطة؛ إذ جعل الكاتب من لقاء بين ذلك الراوي والشخصية الرئيسية ومصري مثقف مهاجر، غادر وطنه قبل خمسة وعشرين عاما منتقلا بين عدة دول أوربية إلى أن استقر في فرنسا، وسيلةً لتدور حوارات متعددة بينهما تتناول حب الوطن والمقارنة بين سلوك المصريين وسلوك الأوربيين؛ لتتكشف عبر تلك الاختلافات بينهما رؤى كلٍّ من هاتين الشخصيتين؛ وقد كان “المهاجر المصري” يردُّ (تخلف مصر إلى مجموعة من الأسباب السلوكية والأخلاقية كاعتماد المصريين على غيرهم، ومبالغتهم في احترام الدخيل عليه، وانعدام الثقة في مواهبهم، ثم يجعل من بروز “الفردية” العامل الأكبر وراء ذلك التخلف)(40). ورغم الخلاف بين هاتين الشخصيتين في عديد من عناصر رؤيتهما للقضاء على ذلك التخلف (فإن الراوي كان يشارك ذلك المهاجر رؤيتَه عن شيوع الفردية وغياب الجماعية عن سلوك المصريين، ولهذا أتاح له الراوي فرصة الإفاضة، “…”، ليقوم بعرض عدد من السلبيات التي تمخضت عن طغيان الفردية على جموع الشعب)(41). وقد أفضى هذا إلى بروز نمط من النقد الذاتي الكاشف عن اعتراف المهاجر المصري بمسئولية المجموع عن العيوب الاجتماعية السائدة (42)، وذلك ما يدلل للقارئ على سعي أحمد ضيف إلى تفعيل التمثيل السردي في تجلية المهمة الاجتماعية للرواية بوصفها وسيلة جمالية لمساءلة الذات القومية لاسيما حين تعيش التمثيلات السردية لتلك الذات مواقف مقارنة أو موازنة مع تمثيلات سردية لثقافة أخرى.

ولعل عناية أحمد ضيف بقضية المقارنة بين الشرق والغرب في إطار العالم المتخيل الذي شكله خطابه السردي في رواية “أنا الغريق” قد أدى به إلى ابتكار شخصية سيدة روسية من النبلاء تجبرها أحداثُ الثورة الروسية في عام 1917 على الهرب إلى باريس، فتعمل خادمة في فندق بها. وحين تلتقي بالراوي يدور الجانب الأكبر من حوارهما حول الثورة الروسية وتأثيرها على المجتمع الروسي مما يقود إلى الحديث عن الاشتراكية)(43). ومن ثمة تعرض هذه الشخصية الروسية في حوارها ذاك المسالك السلبية التي مارسها أصحاب الثورة لتحقيق الإصلاح والعدالة من منظورهم هم، على حين كان الراوي يتبنى منظورا مخالفا لمنظورها ذاك؛ إذ علق على حديثها ذاك:(إنهم يريدون النصَفة بين الناس، أو كما يقولون كلٌّ على قدر حاجته)(44).

ولعل تأمل تجليات التيمة المحورية في كتابات أحمد ضيف الأدبية يؤكد لقارئه أن مسعاه في اتخاذ هذا اللون من الإبداع وسيلة لتجلية بعض معالم الطريق إلى تحقيق النهضة كان أمرا مقررا في مشروعه الإبداعي يماثل وضعيتَه في مشروعه لدراسة الأدب ونقده؛ وذلك ما يدلل على أن أحمد ضيف كان يراهن على أن مشروعه في دراسة الأدب وإبداعه سبيل من أنجع السبل الثقافية لتجلية أبعاد النهضة المنشودة؛ وذلك عبر تفعيل مكونات ذلك السبيل وعناصره المختلفة في أداء أدوارها المنوطة بها في خطاب ضيف النقدي والإبداعي بوصفهما معا تجليين لخطابه الثقافي الذي اتخذ منه وسيلة لإبراز دور الأدب بإبداعه ونقده في تحقيق النهضة المنشودة.

 

 

الهوامش

(1) انظر: طه حسين: الأيام، طبع مركز الأهرام للترجمة والنشر، مؤسسة الأهرام، القاهرة، 1992. حيث وردت الإشارات إلى أحمد ضيف في أحد عشر موضعا في ص- ص 400-430، منها: ص 401، 403، 404، 416، 417-418. ويغلب على وصف طه حسين لأحمد ضيف في هذه المواضع الطابع “المحايد”، ولم يذكره باسمه أبدا على الرغم من أنه ذكر كثيرين ممن اتصل بهم في “الأيام” بأسمائهم “الحقيقية”. والمعروف بين دارسي طه حسين أنه تناول كتاب أحمد ضيف “بلاغة العرب في الأندلس” بالنقد العنيف في واحد من مقالات “حديث الأربعاء”، انظر الجزء الثالث، الطبعة الثانية عشرة، دار المعارف، 1989، ص – ص 72-77، وقد أشار في سطوره الأولى إلى صلته بأحمد ضيف في “الجامعة المصرية” وفي فرنسا أيضا. ولعل من المفيد، والجديد أيضا في هذا الشأن، أن نشير إلى أن الصحافي الكبير حافظ محمود (1907-1996) قد بيَّن بعض جوانب العلاقة “غير المعروفة” بين أحمد ضيف وطه حسين، وذلك في مقاله: عندما اعترف طه حسين بخطئه في حق تلاميذه، مقال منشور بعدد 14 أكتوبر 1995، مجلة الإذاعة والتليفزيون. وقد أعاد إبراهيم عبد العزيز نشره في الجزء الثالث كتابه: طه حسين: وثائق مجهولة، منشورات مؤسسة بتانة، القاهرة، 2019، ص – ص 75-87. وفي ص – ص 86- 87 حديث عن جانب من جوانب علاقة طه حسين بأحمد ضيف.

(2) انظر: عبد الفتاح بدير: الأمير أحمد فؤاد ونشأة الجامعة المصرية، الطبعة الثانية، دار الكتب والوثائق القومية، 2008، ص 203 حيث يذكر المؤلف ضمن أحداث عام 1918 أن (الشيخ أحمد ضيف قد عاد من فرنسا، وأسندت إليه الجامعة تدريس مادة آداب اللغة العربية). كما ذكر أيضا في سياق آخر أن (الشيخ أحمد ضيف عضو بعثة الجامعة المصرية سنة 1909، وهو يدرس آداب اللغة العربية)، ص 376.

(3)انظر: عبد الفتاح بدير: الأمير أحمد فؤاد ونشأة الجامعة المصرية، ص 228 حيث يقدم بعض تفاصيل مناقشة رسالة العالِمية (= الدكتوراه) المقدمة من الطالب محمد أفندي كمال حلمي، في 17/5/ 1920 ويرد اسم أحمد ضيف ضمن لجنة الممتحنين. وانظر أيضا، ص 326، حيث يعرض للجنة وضع نظام “للدراسة المتوسطة” بأقسام الجامعة الأربعة، ومن بينها قسم الآداب، ويرد اسما أحمد ضيف وطه حسين بوصفهما من ممثلي قسم الآداب في هذه اللجنة.

(4) للتعريف الموجز بهذه “المدرسة الحديثة” وأعضائها وأبرز جهودهم انظر: حمدي السكوت (إعداد وتحرير): قاموس الأدب العربي الحديث، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2014، ص – ص 763- 764.

(5) انظر: عيسى عبيد: مقدمة مجموعته القصصية إحسان هانم(1922)، منشورة ضمن أعماله الكاملة، إعداد وتحرير صبري حافظ، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2019، ص – ص 75-76، حيث لخص دعوة أحمد ضيف ثم رأى أن (كتابه هذا سيخلق عهدا جديدا في عالم الأدب المصري الحديث، ويخط طريقا جديدا للأدباء)، ص 75. وقد ورد النص الذي أحال إليه عبيد في كتاب أحمد ضيف: مقدمة لدراسة بلاغة العرب، مطبعة البسفور، القاهرة، 1921، ص 6.

(6)  سامي سليمان أحمد: خطاب التجديد النقدي عند أحمد ضيف، مع النص الكامل لكتابه “مقدمة لدراسة بلاغة العرب”، مكتبة الآداب، القاهرة، 2003، ص 64.

(7) انظر: خطاب التجديد النقدي، ص – ص 81-91.

(8) انظر: عبد المجيد حنون، اللانسونية وأثرها في رواد الأدب النقد العربي الحديث، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1996، ص – ص 99-144، حيث يناقش تأثيرات أفكار “لانسون” في توجهات أحمد ضيف.

(9) انظر: طه حسين: في الأدب الجاهلي، الطبعة الرابعة عشرة، دار المعارف، 1981، ص – ص 10-11.

(10) مقدمة لدراسة بلاغة العرب، ص 16.

(11) خطاب التجديد النقدي، ص 95.

(12) مقدمة لدراسة بلاغة العرب، ص 10.

(13) أشار علي شلش إلى أنه لم يستطع التوصل إلى نسخة من هذا الكتاب، انظر: علي شلش: أحمد ضيف، سلسلة نقاد الأدب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992، ص 200.

(14)أحمد ضيف: النثر في عصور اللغة، المطبعة الحديثة، القاهرة، 1926-1927، ص 29.

(15)النثر في عصور اللغة، ص 30.

(16)النثر في عصور اللغة، ص 31.

(17) النثر في عصور اللغة، ص 44.

(18)النثر في عصور اللغة، ص – ص 47-48.

(19) انظر: سامي سليمان: التمثل الثقافي وتلقي الأنواع الأدبية الحديثة: النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مكتبة الآداب، القاهرة، 2016، ص 223. والموقف النقدي من القص الشعبي ودوره في تأسيس الرواية العربية الحديثة، مجلة الفنون الشعبية، عدد أكتوبر 2010، ص – ص 63-72.

(20) النثر في عصور اللغة، ص48.

(21) انظر: النثر في عصور اللغة، ص – ص50-61.

(22) نشير إلى أننا نعد من سنوات دراسة مطولة لهذا الموضوع؛ وذلك للكشف عن تحولات موقف النقد العربي الحديث من تلقي “ألف ليلة وليلة” ودلالاتها الثقافية.

(23) أحمد ضيف: بحث تاريخي نقدي في ألف ليلة وليلة، مجلة المقتطف، عدد 1 مارس 1935، ص – ص 268-269.

(24) بحث تاريخي نقدي في ألف ليلة، ص 268.

(25) بحث تاريخي نقدي، ص 269.

(26) بحث تاريخي نقدي، ص 269.

(27)أحمد ضيف: الأدب المصري في القرن التاسع عشر(1)، المقتطف، عدد إبريل 1926، ص 502.

(28) انظر: أحمد ضيف: الأدب المصري في القرن التاسع عشر(3)، المقتطف، عدد يونيو 1936، حيث يتناول، ص – ص 640-41 ، شعر العامية أو الزجل المصري، ويشير إلى بعض شعرائه، ويعرض لأزجال الشيخ محمد النجار مدللا على وظائف النقد الاجتماعي الذي تؤديه.

(29)الأدب المصري في القرن التاسع عشر(1)، ص – ص403-404.

(30) انظر على سبيل المثال واحدا من معاصري أحمد ضيف وهو إدوار حنين صاحب كتاب: شوقي على المسرح، تحقيق ودراسة وتقديم سامي سليمان أحمد، المركز القومي للمسرح، القاهرة، 2006.

(31) أشار سيد علي إسماعيل إلى أن أحمد ضيف كان يدرس مقرر “اللغة العربية” بمعهد التمثيل في عام 1930، وفي جزء من عام 1931، انظر كتابه: تاريخ معهد التمثيل، طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب وأكاديمية الفنون 2021، ص 50، 75، 77. ونرجح أن هذا العمل هو الذي دفع أحمد ضيف إلى ترجمة مسرحية “هوراس” لكورني، كما دفعه إلى تجريب الكتابة المسرحية في مسرحيته القصيرة “شاب مفتون” التي سنتوقف عندها في فقرة قادمة.

(32) مقدمة أحمد ضيف لترجمته مسرحية كورني: هوراس، مطبعة الاعتماد، القاهرة، 1937، ص 3 من المقدمة .

(33) أحمد ضيف: قبل التعارف وبعده، السفور، عدد 5 فبراير 1920، ص 6.

(34)أحمد ضيف: قبل التعارف وبعده،  السفور، عدد 5 فبراير 1920، ص 6.

(35) أحمد ضيف: شاب مفتون، مجلة الهلال، عدد إبريل 1936، ص 713.

(36) شاب مفتون، ص 713.

(37) شاب مفتون، ص 713.

(38) شاب مفتون، ص 714.

(39)انظر: عبد الفتاح بدير: الأمير أحمد فؤاد ونشأة الجامعة المصرية، ص 203.

(40) أحمد ضيف: أنا الغريق، تحرير وتقديم ودراسة سامي سليمان أحمد، المجلس الأعلى للثقافة، 2008، ص 83.

(41) أنا الغريق، ص – ص 84-85.

(42) انظر: أنا الغريق، ص – ص 72-73.

(43) أنا الغريق، ص 73.

(44) أنا الغريق، ص 73.

 

 

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete