تكوين

كيف تعاملت المذاهب الدينية مع الكوارث التاريخية؟ وهل تأسست الخبرة الدينية على الماضي الكارثي للبشرية؟

أولاً: “قيامةُ العالَم” بصورة عامة في الدين والفلسفة

من المعروف في السياق الإسلامي أن القيامة هي قيامة الموتى، أي البعث. غير أن البعث يتطلب بدهيًا فناء البشرية العام أولاً. لذلك تستعمَل لفظة “القيامة” في ذلك السياق، وفي هذا السياق الحالي أيضًا للدلالة ضمنيًا على الفناء ونهاية العالَم. وتحتل فكرة النهاية موضعًا مركزيًا في أغلب الديانات الحية، والميتة، التوحيدية، والتعددية؛ فحتى الديانات، التي لم تتضمن عقيدة الحساب العادل، قد اشتملت على تصور عن نهاية العالم الطبيعي، كعقائد الشماليين مثلاً، بيد أننا نهتم في هذا المقام بالديانات الإبراهيمية لعدة أسباب، منها أننا بصدد فهم تصور العقل الإبراهيمي بالذات للتاريخ، فهو وحي كتابي بامتياز، يتضح فيه دور الوحي في هذا التصور. ولقد قدمت الديانات الإبراهيمية بالفعل تصورات تفصيلية لما يمكن أن يُدرَس كنظرية في فلسفة التاريخ، كما سنرى لاحقًا.

ونظرًا لاختلاف طبيعة الوحي بين الإسلام، والمسيحية، وفيما يتعلق خصوصًا ببنية النص بين القرآن، والكتاب المقدس، فقد اختلف بينهما موضع التركيز على القيامة. يتخذ الكتاب المقدس بنية درامية، تبدأ بخلق العالَم في سفر التكوين، وتنتهي بنهايته في سفر الرؤيا. أما القرآن فإن بنيته غير درامية، لا تتخذ شكل سلسلة من الأحداث المترابطة، بل تسلسل من الأفكار المتراتبة، ولهذا يبدأ القرآن بما انتهى به الكتاب المقدس مضمونيًا، فنجد أن التركيز على أحداث القيامة، وأهوالها، ومَشاهد البعث، والحساب، والنعيم، والجحيم، يقع بالذات في القرآن المكي، التي بدأ بها القرآن بترتيب النزول. ومن منظور أشمل يمكن ملاحظة أن القرآن، طالما جاء متممًا، ومصححًا، لا ناسخًا تامًّا لما قبله، ومصدّقًا للتوراة، والإنجيل، فمن المنطقي أن يبدأ بما توقف عنده الوحي من قَبله.

ويعبر القرآن عن القيامة بما هي كارثة كبرَى، وبما هي لحظة اليقين في آنٍ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} (سورة الحج)، ويقول كذلك: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)}(سورة التكاثر). إن لحظة المعرفة اليقينية هي لحظة الكارثة العظمى بالنسبة للبشر. ومما يدعم معنَى الكارثة أسماء يوم القيامة في القرآن، فهي الآزفة، وهي الحاقّة، وهي الصَّاخَّة (التي تصمّ الآذان)، وهي الغاشية، والواقعة، والقارعة، والخافضة الرافعة، ويوم القصاص، ويوم الوعيد، ويوم الزلزلة، ويوم الرجفة،  ويوم الصدع، ويوم عبوس قمطرير، والفزع الأكبر، والطامّة الكبرَى. وفي كل من ذلك -وغير ذلك- جانب من جوانب الكارثة الحتمية الموشِكَة.

بيد أن تاريخ البشرية قد بدأ أيضًا بكارثة، هي المعصية الأولى، والطرد من الجنّة. وتنبع جذور هذه المعصية الأولى من خَلق آدم ذاته؛ فمن هنا بدأ مشروع إبليس في إضلال البشر. بدأ تاريخ الإنسان إذن بكارثة، وينتهي بكارثة، بما يصنع دائرة مغلقة. وهو ما يساوي قولنا إن الحياة الدنيا -في الوحي الإبراهيمي- ممتدّة بين كارثتين، تترتب أخراهما على الأولى؛ فغاية الحياة الصالحة في هذا المنظور هي تجنُّب عواقب  الطرد من الجنة الأولى، تلك العواقب المتمثلة في مزيد من العصيان، والعقاب المترتب عليه. وبينما يضع الكتاب المقدس  هذه الفكرة في صورة ِسرديةٍ درامية، تبدأ فيه بالفعل من معصية آدم وزوجه في سفر التكوين، وتنتهي بمشاهد القيامة المخيفة، فإن القرآن يضعها في صورة تتابعٍ من القضايا كما قلنا، تتخذ صورة شَرطية، يمكن التعبير عنها بأننا، إذا أردنا النجاة من المصير الحتمي، ومن الفزع الأكبر، علينا أن نلزم قدر الممكن سبيل الخلاص، الذي تتحدد أهم معالمه بالإيمان بالله الواحد، واليوم الآخِر، والعمل الصالح. ولهذا، وبينما يركّز القرآن المدني على التشريعات، وعلى التاريخ المعاصر له، أي وقائع نبوة محمد (ص)، ويمثل أوضح مواضع التنجيم، أي نزول القرآن متفرقًا طبقًا للحوادث، فإن القرآن المكي يركز على “ما فوق التاريخ” Epi-historics،[1] ونعنى  به المحددات القَبلية لحوادثه العامة، وكيفية “التعبير” عن ذلك التاريخ في الواقع. وتتمثل أهم تلك المحددات في القرآن المكي في الإنذار من الحساب، وفي معنَى النبوة والوحي. هكذا تجتمع أغلب أجزاء الصورة المتعلقة بما يمكن تسميته مؤقتًا بفلسفة التاريخ الإبراهيمية، قوانين حركة التاريخ، والمسار العام له في الوحي الإبراهيمي.

وإنّ نهاية التاريخ كذلك مفهوم أساسي في فلسفة التاريخ التأملية كنظرية فلسفية تعنَى بتقديم القوانين الأساسية لحركة التاريخ البشري، ومسار تلك الحركة.[2] ومن الضروري في أغلب الحالات -من أجل إحكام بنيان هذه النظرية- تقديم رؤية لنهاية ذلك المسار، فلا معنَى لطريق لا نعرف شيئًا محدَّدًا عن نهايته. وأشهر من قدّموا نظرية متكاملة في فلسفة التاريخ ربما يكون هيجل، وتلميذه الناقد كارل ماركس. وقد قدّمنا شرحًا ملخصًا لفلسفة كل منهما للتاريخ في مقالات سابقة على تكوين، مثل “لماذا أهدى ماركس رأسماله إلى دارون ؟” الأهم في هذا المقام هو فكرة نهاية التاريخ ذاتها؛ فقد اعتقد كل منهما أن للتاريخ نهاية محددة، هي التجلّي النهائي للمطلَق عند هيجل في شكل الدولة القومية، وحالة التعادُل الطبقي النهائية عند ماركس في شكل المجتمع الشيوعي.

هكذا نجد أن نهاية التاريخ في الوحي الإبراهيمي ميتافيزيقية، لا تحدث في عالَم الشهادة، وليست في حد ذاتها مرحلة من مراحل تاريخ المجتمع البشري، على خلاف نهاية التاريخ عند هيجل، وماركس، التي هي مرحلة في تاريخنا الدنيوي، وما يميزها عما سبقها من مراحل هو كونها غير قابلة للتجاوُز؛ لأنها تخلو من التناقض، وحيث إن هذا التناقض -“صراع الأضداد” كما يعبَّر عنه في الفلسفة- هو محرّك التاريخ الإنساني. لا ينتهي العالَم كما نعرفه عند هيجل وماركس بفناء البشرية إذن، بل بمجتمع ساكن، تنحلّ فيه كل التناقضات، وينتهي فيه الصراع المجتمعي. هذا بينما ينتهي التاريخ في الوحي الإبراهيمي بنهاية الصراع الخُلُقي-الميتافيزيقي بين الخير والشرّ. لهذا يمكن القول إننا نجد تناظُرًا، لا تطابقًا، بين رؤية نهاية التاريخ الإبراهيمية، ونظيرتها الفلسفية، بيد أن فلسفة التاريخ في كل من الديانات الإبراهيمية، والفلسفة هي رؤية للتاريخ الدنيوي للبشرية بشكل أساسي، كما تعتمد كل منهما على رواية تاريخية معينة كمادة خام، لا يمكن من دونها فهم قوانين حركة التاريخ بطبيعة الحال.

قدّمَ هيجل روايته للتاريخ بما هو صراع جدلي بين السيد والعبد، صراع بين أفكار تتحول إلى أشياء ومجتمعات، وبحيث يمرّ التاريخ بمراحل محددة، لا تمثل فحسب مجرد حلقات في التاريخ البشري، تتمتع بنموذج قابل للفهم، بل هي في الآن نفسه مراحل انفضاض المطلَق من كونه فكرة ذاتية خالصة، إلى تجسده الواقعي الموضوعي في شكل الدولة القومية. أما ماركس فكانت روايته هي أن التاريخ صراع جدلي بالفعل، ولكنْ بين طبقات اجتماعية، هي أساس صراع الأفكار. بالتالي تميزت رؤية كل منهما للتاريخ بكونها تتضمن مسارًا معينًا حتميًا. في المقابل قدمتْ الأديان الإبراهيمية روايتها للتاريخ بما هو اختبار للإنسان، مع التأكيد على إمكانية تغيير المصير بالتوبة. وهو ما يعني أن الرواية الإبراهيمية تستند على رؤية خُلُقية للتاريخ، وليست جوهريًا محاولة لاستنباط قوانين حركة التاريخ على نحو موضوعي، أو يبدو على الأقل موضوعيًا. ولهذا ما يبرره؛ فإن الرواية الإبراهيمية تقدم نفسَها بما هي “وَحْي”، جاء أصلاً لإخبار الناس بما لم يعرفوا عن الماضي، والمستقبَل. وبناءً عليه فإن تلك الرواية لها سلطة التأريخ، أي تسجيل التاريخ نفسه كمادة خام، بينما لم يملك هيجل، أو ماركس، وفلاسفة التاريخ بصورة عامة هذه السلطة. وحتى إذا كانوا مؤرخين في الأصل، كفيلسوف التاريخ الألماني أوزفالد شبنجلر (ت 1936) مثلاً، فليس لهم سلطان الوحي بالتأكيد. ومن هنا يمكن استنباط أول الفروق الجوهرية بين رؤية الأديان الإبراهيمية للتاريخ من جهة، وبين رؤيته في فلسفة التاريخ من جهة أخرى؛ بحيث تجمع الرؤية الأولى بين إجابة كلٍّ مِن “ماذا حدث؟”، و”لماذا حدث؟”، وذلك بصدد أحداث الماضي، بينما تكتفي الرؤية الثانية، الفلسفية، بإجابة “لماذا” مِن دون “ما”. بعبارة أخرى تتميز رؤية التاريخ الإبراهيمية بقدرتها على كتابة التاريخ، الذي تُقدم تفسيرًا له، وبحيث يعتمد التفسير على التسجيل، كما يعتمد التسجيل على التفسير أيضًا. وقد تم ذلك -فيما نرى- بآليات معينة في الكتاب المقدس، والقرآن، تتراكب في عملية متناغمة، متمفصلة الأجزاء، سندعوها مؤقتًا بـ “وَحْي التاريخ”.

ثانيًا: وَحْي التاريخ

أ. مفهوم “وحي التاريخ” وعلاقته بالكوارث الكبرى

يعني “وحي التاريخ” في السياق الحالي تلك الحالة، التي فيها يصير التاريخ موضوعًا للوحي، وخارجًا من مشكاته نفسها، وبالتالي جانبًا من الوحي ذاته. وذلك بما يتضمن أحداثًا لم تقع لسببٍ أو آخَر في دائرة الدرس التاريخي العلمي، أو لا يمكن لها من حيث المبدأ أن تفعَل، كواقعة المعصية الأولى لآدمَ وزوجه مثلاً، التي وقعت خارج كوكبنا كله في أغلب التقديرات. وذلك بالإضافة إلى الوقائع، التي تقع في حدود دائرة علم التاريخ، وسجّلتْها مصادر أخرى سوى الوحي، مثل واقعة الطوفان، التي وردت في ملحمة جلجامش، و”تحولات” أوفيد، إلى جانب العهد القديم، والقرآن، ومصادر أخرى عديدة في حضارات كانت متباعدة، أو نظنُّها كانت كذلك.

وما يصوغ القوانين العامة، الأكثر عمومية، لفلسفة التاريخ بصورة عامة، سواء أكانت في الوحي، أم الأسطورة، أم أحد مذاهب الفلسفة، هو طبيعة الرواية التاريخية من حيث هي كذلك: رواية، وتاريخية. إنها حكاية، تختلف عن “قصة”، أو “دراما” في أن التركيز موزع في “الرواية” بالتساوي على مضمون الرواية، وشخص الراوي، من حيث مصادر علمه، وما يؤهله لرواية ما رواه، وإلى أي مدى يتصل نَسَبه كراوٍ، بالمعنى الشامل لكلمة “نَسَب”، إلى عصرنا الحالي، ليصح النقل عنه دون انقطاع في تسلسل الرواة؟ وقبل كل شيء: مَن هو بالضبط؟ بل “ما” هو؟ هل هو بشَرٌ مثلنا؟ هل هو نبي، أو أحد تجليات الإله؟ وغيرها من شروط، وملامح، لا تنبع فحسب من منطلق الشك المنهجي الواجب، بل كذلك من حساسية بعض المعلومات عن شخص الراوي، بما يمكنه أن يبدّل مضمون الرواية، أو علاقتها بروايات أخرى ذات صلة. كلام النبي قد يكون له معنى مختلف عن معناه، لو كان قد قيل على لسانٍ، لم يتمتع صاحبه بموهبة الرؤيا.

وما يلفت النظر حقًا هو أن الوحي الكتابي بصورة عامة يقوم على التوحيد بين هذين المفهومين عمليًا: الرواية، والراوي؛ فإن المرء لا يتساءل عن هوية الراوي، وشروطه، إذا كان الراوي هو الإله نفسه. ولعل المرء يتذكر في هذا السياق بالذات رواية “قلب الليل” لنجيب محفوظ، التي فيها منح محفوظٌ اسمَ “الراوي” لشخصية الجد، التي ترمز بعض جوانبها بقوة إلى تَصَوُّر مؤلِّفها الممتدّ بين عدد من أشهر أعماله للسلطة المسيطرة على مقدراتنا، فهي متعالية على تشابكات عالمنا اليومي، وتفاصيله، شخصية “عامة” حرفيًا، لا يمكن فهمها بمنطقنا بصورة مفهومة ومعبرة عن الواقع؛ لأننا مهما كنّا حكماء، فلن نكون كذلك قياسًا إلى تلك السلطة العامة في مدى سلطانها، وعلمها، وحكمتها، سنظل دومًا قياسًا إلى سلطة كهذه مجردَ تفاصيل، وذلك مقارنةً بالمَشهَد العام لحقيقة الكون، وحقيقة الوجود، ذلك المَشهَد، الذي يعبّر عن السياق الشامل لما عليه الأشياء بما هي أشياء. إنها سلطة منشغلة غالبًا بالعلل والنتائج على المدى البعيد، الأبعد مما يمكن لنا أنْ نعرف، أو أنْ نُكوِّن معنى مما عرفناه على هذا المستوى الإلهي من بُعد النظر. وهو ما يجعل تلك السلطة “حكيمة” حقًا بالنسبة إلينا، بينما نكتفي نحن بجزءٍ من “محبة الحكمة”.

في تصوُّر محفوظ المنسوج بعناية بين عدة عناوين شهيرة له، كأولاد حارتنا، وقلب الليل، وحكاية بلا بداية ولا نهاية، والرجل الثاني، والحرافيش، وغيرها، هناك دائمًا ذلك التوتّر المتزِن، وبالتالي الدائم، بين ما نحبه، ونُجلّه، ونندهش منه في أسماء الله في كُتبه، وأفعاله في التاريخ، وبين ما نخشاه كذلك فيها؛ فكلما حاولنا أنْ نتصور صفة لإلهٍ قادر على التواجد -على الأقل- في كل مكان، وكل زمان، فإننا ننتهي إلى نقائضها؛ بسبب يقيننا أننا نتكلم عمّا لا نَفهَم، بل ما نقول إنه ظَل، وسيظل، أعصى ما لن يَفهمه العقل الإنساني من حيث المبدأ! صفة الرحمة مثلاً، حين نحاول فَهمها في سياق الوجود اللا محدود، اللا مشروط، للإله، قد تتبدّل جوهريًا عما تعنيه لنا، حين نصف بها إنسانًا، وكل ما هو محدودٌ مشروطٌ. قد يكون من الرحمة فعلاً، لو كان لنا أن نستشرف الوجود من منظور الإله، أن ملايين الناس يموتون كل عامٍ بمرض لعين في اسمه، ورَسْمه، وألمه، كالسرطان، وأنه معاناة لا يسهل تخيلها بالنسبة لكل مصابٍ به، وخاصةً إذا كان عارفًا بخطورة حالته. إنه المرض المثالي، إذا كان المثالي بين الأمراض هو ما لا ينفع المريضَ العلمُ به في أحيانٍ كثيرة متنوعة الأسباب، مثل تأخُّر الحالة، وفوات أوان مواجهتها، أو زيادة قلق المريض، وخوفه من الغد، وإبدال منظوره للوجود بالكامل -بلا أي جدوَى من كل ذلك التفاعُل النفسي المتسلسِل في الغالب- بسبب معلومة مفادها إصابته بالسرطان. لربما تعلمنا كيفية إعادة برمجة خلايانا كي لا نشيخ أبدًا مِن السرطان، أو مِن مواجهتنا إياه بأساليبَ ألطفَ، وأدقَّ، وأرهَفَ مما نتخيله ممكنًا اليوم، أساليب ربما تبدو لنا اليومَ مبتكَرةً جدًا، وربما لا يفصلنا عنها سوى خمسين عامًا لا أكثر رجوعًا إلى نمط الزيادة في المتوالية الهندسية، والذي هو نمط نموّ العلم، والتِّقانة، وحصيلة تفاعُل النظرية والممارسة. وهي تبدو غالبًا مرحلة “متقدمة” نظريًا، وتقنيًا إلى درجة تبايُنٍ جوهري في الصفات، والماهيات، في تصور الإنسان عن الإنسانية ذاتها، وهي ما يطلَق عليه حاليًا مرحلة “ما بعد الإنسانية” Post-humanism ، والتي فيها -كما يُفتَرَض- يفقد الإنسان، على نحوٍ عميق، الصلة القارّة الأصيلة بينه كفَردٍ، وجماعة، ثم كإنسانية، وبين مفهوم كل هؤلاء عن الإنسانية، الذي سيدخل طَوْرَ التشظّي، مع اتحاد الجسد الإنساني، وربما العقل، أو الوعي، مع الآلة. وهو تصوُّر متشائم، مخيف، بيد أنّ السببَ في ترجيح عدد كبير، يتزايد مؤخَّرًا، من العلماء، والفلاسفة المستقبليين له، هو أنّه الأكبر احتمالاً بالفعل، ما لم تتدخل كارثة، كاصطدام كويكب بالأرض مع نهاية عصر الديناصورات، لإبطاء معدل تطور المعرفة، وتقدم الإمكانات الهندسية، الكافية للتحكّم بالجينات، والذرّات. مثل هذه ستكون على الأرجح كارثة من النوع، الذي يُعيد بناء مفهوم الإنسان عن ذاته، وعن الطبيعة، والوجود، بعدما تحطمت أصنام اليوم\آلهة الأمس، وزالت مُحرَّماتُها مع أقداسها، تحت القوة العاتية، التي تملأ بها عاصفةٌ نارية واحدةٌ العالَمَ كله في ساعات، أو التي تَشرق كشمسٍ ثانيةٍ في النهار، والليل، وتضرب ضربة واحدةً قادمةً من أعماق فَلَكٍ آخَر،  لتُفنِي 75% من الأنواع الحية على الكوكب.

إنها -نهاية عصر الديناصورات- كارثة واقعية، تاريخية، لها كل مؤهلات القصة الفريدة، التي تهيمن على ما سواها في معارف لغتها، أو بلغات أخرى، مِن السياقات التاريخية البديلة؛ فهي صالحة، بما هي حكاية فناء، وبقاء، بما هي عامة جدًا، وصفة أنطولوجية أساسية لكل ما هو موجود في الخبرة المشتركة على الأقل، ولها لذلك مرونة المجرَّد في أن يكون فحوى لكل خطابٍ، ورابط كل حكاية، وأساس وجودنا في مرحلة تالية مختلفة جوهريًا، هي كذلك حالية؛ بمعنى اختلافها الجوهري عمّا سبقها كذلك. إنْ لم يكن هذا التصور الفَنائي/البقائي المجرد -بصورة ما- أساسًا لوجودنا المادّي الحالي، فهو بالتأكيد على الأقل أساس وجودنا بالمعنى التاريخي، وهو الأهم في مقامنا هذا. إنها باختصار كارثة “طوفانية”: عامّة، مُبيدَة للحضارات، ومُصَفِّية للأعراق، تخفض الأسود، وترفع الأبيض، ثم ترفع الأسود، وتخفض الأبيض. وهي “الواقعة”؛ لأنها أهم وقائع التاريخ المعروف للناس، الماضي، والآتي، وهي كذلك “واقع” مختلف، حتمي، وتحكمه قوانين عليا مختلفة. ولا يتِمُّ العلم بها يقينًا، إلا وهي “حاقَّة” بنا، حالة فاعل الفعل دون زمَن، ودون صيغة مبالغة، دون ألوان، أو ظلال، فقط أوصاف محايدة بصيغة فاعل لا أكثر، لكن الإدغام يصورها لنا حين ننطقها، أو نسمعها، ومع التأكيد على الألف، كأنها رمية مصيبة، مع عمق حرفَي الحاء، والقاف. نحن لن نعرفها يقينًا، إلا وهي “تُحيقُ” بنا فعلاً، كفعل في زمن “المضارعٍ الأبدي” إن جاز التعبير، {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)}(سورة التكاثر).

ربما هي كارثة بحجم الاحتباس الحراري، أو الحرب النووية. وقد أُغرقت الأرضُ في طوفان، ومما يتسق مع مبدأ التناظر في الطبيعة على الأقل أن تحترق في مضاد-طوفان، حريق عظيم، من نوع لا يشتعل بسبب كويكب قاتل، نوع لا يصيب إلا الحضارات المخضرمة، التي توصلت إلى تغيير مناخ كوكب، وتدمير حضارات منافسة. إنه سرطان الحضارة الصناعية، أو طاعونها الخاص، إذا كان لكل عصر طاعونه. وقد وقع حريق قديم عظيم، تسببَ في انقراضٍ أعظم، بعد كارثة كويكب الديناصورات، وليس من المستبعد أنْ يتكرر، كما وقع “طوفان”، مفهومًا، وقصةً، في الماضي، ولا يوجد لدينا سبب يكفي لاستبعاد تكراره في المستقبل. أبعدَ من ذلك قد نذهب إلى اعتبار كل من الانقراضات العظيمة في البيولوجيا، والكوارث الطوفانية في الدين، سُنّة طبيعية؛ بحيث يتطلب استمرار الحياة لسبب ما فناء أغلب الأنواع، ونجاة الأقل.

ب. رواية التاريخ بين الدين والأسطورة وعلم التاريخ

نجد ثلاثة تَنَاظُراتٍ -نقاط تَنَاظُرٍ- أساسية في رواية التاريخ بين النص الأسطوري، بل والنص التاريخي العلمي من جهة، وبين روايته في النص الديني. وبينما نجد من هذه الزاوية تشابُهات معينة، فإن ما يميز الرواية الدينية في هذه المقارنة هو ما يمثل في نظرنا أصول “وحي التاريخ”.

1- القصة نفسها: “ماذا حدث؟”: وهي عبارة عن ترتيب معين لسلسلة من الأحداث، تحافِظ بترتيبها الخاص على متوالية السبب ثم النتيجة. على سبيل المثال لا يمكن عكس قصة خروج آدم وحواء من الجنة الأولى؛ بحيث تأتي المعصية الأولى بعد الطرد من الجنة؛ لأن هذا يُفقِد القصة فحواها. هذه النقطة في غاية الأهمية؛ إذْ يمكن عن طريقها فهم لماذا تشتمل فلسفة التاريخ في الفلسفة، وفي الدين، وفي الأسطورة على مفهوم الحتمية التاريخية. الحتمية التاريخية حتمية هي نفسها في فلسفة التاريخ عمومًا؛ لأن تتابع الأحداث المحدد في الرواية التاريخية يفرض علاقة السبب بالنتيجة. وقد سبق القول في مسألة اتحاد الرواية بالراوي في رواية التاريخ الواردة في الوحي، وهي من أهم أصول وحي التاريخ.

2- تأويل القصة: “لماذا حدث؟”: أيْ دوافع الشخصيات، وعوامل وقوع الحدث المعنيّ. نجد في التراثين الديني، والأسطوري أن أسباب الواقعة راجعة إلى كيانات مُشخَّصَةٍ، كالآلهة في ملحمة جلجامش بصدد رواية الطوفان، التي استقر قرارها على إبادة البشرية بالطوفان، أو إرادة الله العادلة في العهد القديم والقرآن، في مقابل طغيان البشر، ومعصيتهم للأوامر الإلهية. هذا بينما تأتي الأسباب في علم التاريخ، وفي الفلسفة كأنها أسباب طبيعية، لا ترجع إلى إرادة واعية. ينفضّ المطلَق عند هيجل مثلاً بغير إرادة منه، بل بسبب طبيعته، وكذلك لا تتعلق مراحل التحول التاريخية الأساسية عند ماركس بإرادة فرد، أو جماعة، بل تُقدَّم بما هي “قوانين علمية”. في كل الحالات تمثل تلك الدوافع والأسباب، سواءً أكانت واعية، أم طبيعية، تأويل القصة التاريخية.

3- النبوءة: “ماذا سيحدث؟”: أيْ الوضع القادم، الذي تتنبأ به القصة بناءً على تكرار الدوافع والأسباب، أو نتيجة تراكم تلك الدوافع والأسباب، حتى نصل إلى مرحلة نهائية حتمية الوقوع، كعقاب الله الدنيوي، إذا تكررت المعاصي، التي أدت إلى كوارث سابقة في الماضي، أو جزائه الأخروي بالثواب والعقاب بناءً على القوانين ذاتها. وهي نقطة تناظُرٍ تتشابه فيها الفلسفة مع الأديان الإبراهيمية بصورة عامة، هي صورةُ مُمَاثلةِ المستقبَلِ للماضي مع ثبات القوانين الأساسية. وهي الهدف الأساسي من فلسفة التاريخ عمومًا سواء في الأديان، أو الفلسفة؛ فلولاها لَما كانت جدوى من الرواية التاريخية.

على أنَّ فلسفة التاريخ في الأسطورة تختلف عن كل من فلسفته في الفلسفة، والأديان الإبراهيمية من زاوية هذه النقطة؛ فليس من الضروري أن تتكرر حادثة الطوفان في سياق ملحمة جلجامش، أو تحولات أوفيد مثلاً. ولعل السبب في ذلك في نظرنا هو أنّ الأديان الإبراهيمية قد اختلفت عن الأديان التعددية (غير التوحيدية) في مسألة أساسية، هي ميتافيزيقا الشرّ، أو -بعبارة لغير المختصّ- تفسير وقوع الشرّ في العالَم برغم وجود إله عليم، قادر على التدخل في التاريخ، ووقاية الناس من الشر حتى قبل وقوعه. افترضت الأديان التعددية لتفسير الشر تضارُبَ عددٍ من الإرادات الإلهية، أو على الأقل صراعًا ثنائيًا بين إرادة إلهٍ للخير، وإلهٍ للشر في العقائد الاثنينية، حيث تتحكم في الكون إرادتان إلهيتان، كإرادة كل من أهورا مزدا إله الخير والنور، وأهريمان إله الشر والظلام. أما الأديان التوحيدية فقد قدمتْ تفسيرًا مختلفًا جذريًا للشر؛ فهو ليس شرًا في أصله من منظورها، بل هو محنة، اختبار لإرادة الإنسان الخيرة، مع قدرة هذا الإنسان على تبديل مصيره بالتوبة، والإصلاح، بالمنطق ذاته، الذي لا نعتبر فيه صعوبة الاختبارات في نظُم التعليم شرًا، بل ضرورةً لتمييز الصالح من الطالح. لهذا السبب نجد الكثير من العشوائية في فلسفة التاريخ الأسطورية، التي قدمتْها الأديان التعددية، راجعة لأهواء الآلهة غير المنزّهة، وصراعها الداخلي، الأمر الذي أفضى مثلاً إلى مقتل أخيل بسهم باريس في الإلياذة، الذي وجّهه الإله أبوللو ليصيب مقتله الوحيد: كَعْبه، في حين لا نستطيع بمنطق الإلياذة الحكم على أخيل بكونه شريرًا، أو مستحقًا لهذا القتل الإلهي. من ثَمَّ فمن الصعب أن نطلق على رواية التاريخ الأسطورية في تلك الأديان التعددية لفظ “الفلسفة”؛ لأنها لا تستند إلى قوانين، إلا إذا كان قانون التاريخ فيها هو العشوائية، واللا قانون.

وقد يكفي لإغلاق هذه النقطة في سياقنا الحالي ملحوظتان: الأولى: أن هذه العشوائية، والهوائية في حركة التاريخ، التي قدمتْها الأديان التعددية، هي أصل التراجيديا الإنسانية العبثية، التي قدمها المسرح التراجيدي الإغريقي، والأسطوري بصفة عامة، المعتمدة على بطولة الإنسان السابح في بحر القدَر الخادع، الخطِر، حيث تعصف به إرادات الآلهة المتصادمة. هو في موقفه ذاته بطل، حتى وإنْ كان مصيره الحتمي الغرق في النهاية. هذا بينما نلاحظ إلى أي حد اعتمد كل من الأديان التوحيدية من جهة، والفلسفة من جهة أخرى على القوانين الحتمية الراجعة إلى مصدر واحد، الإله الواحد، أو الطبيعة الواحدة. الملحوظة الثانية: هي أنّ الملحوظة السابقة هي السبب -فيما نرى- في أن فلسفة التاريخ لم تظهر بصورة ناضجة إلا في ظل ديانة توحيدية، كالمسيحية، على يد القديس أوغسطين، ثم الإسلام متمثلة في نموذج ابن خلدون بالذات، مع الفوارق الجوهرية بين النموذجين. هناك عشرات المحاولات لتأويل التاريخ في صورة حكاية ذات دلالة، وذات قوانين معينة، في حضارات الشرق القديم، ومنذ فجر الفلسفة الإغريقية، بيد أن تلك المحاولات -قبل أوغسطين- وكما وصلت إلينا، إما لم تتركز على التاريخ بالمعنى المتداوَل، أيْ بما هو التاريخ الإنساني، وانصب اهتمام أصحابها بدلاً من ذلك على تاريخ الطبيعة، كفكرة العود الأبدي، ودائرية الوجود (مثلاً عند إنبادوقليس وهيراقليطس)، التي تختلف بوضوح عن الدورة الحضارية مثلاً لابن خلدون، وإما تم اشتقاقها من أعمال المؤرخين القدامَى، مثل هيرودوت في القرن الخامس ق. م، وبلوتارخ بين القرنين الأول والثاني الميلاديين، ولكن من دون نظرية أصيلة متكاملة منسوبة على وجه الدقة لأولئك المؤرخين. في حالة انتشار ديانة توحيدية تتحدد بين الناس التصوراتُ الأساسية عن التاريخ من حيث غائيته، واستمرار قوانينه على نحو متسق، بما يسمح بلغة مشتركة بَدءًا بين فيلسوف التاريخ، وقُراء عصره.

كما سبق ذكره، “وحي التاريخ” عملية Process، ذات آليات محددة. وتنقسم هذه الآليات بحسب الغرض منها إلى نوعين: الأول: تشفير التاريخ، وهو عملية ترميز للتاريخ الإنساني ككل في صورة رواية درامية معينة، وقوانين تنتظم على أساسها أحداث هذه الرواية، وأخيرًا مصير معين يمثل نهاية التاريخ من وجهة نظر الديانات الإبراهيمية، أو القيامة اختصارًا. يجري في هذه المرحلة، مرحلة التشفير، تحويل التاريخ إلى نص، إلى لغة، بحيث ينطق باسم مصدر الوحي. وهي عملية تعتمد على إمكانية تبديل أطراف علاقةٍ ما، ولكن من دون الإخلال بالسياق الأصلي، أو بالبنية الأساسية للقصة، من شخصيات وأحداث (وسنفصّل هذه النقطة لاحقًا). هنا لا يتحول التاريخ فحسب إلى سياق من الرموز والآيات الدالّة، بل يتحول التاريخ ذاته إلى رامِز. أما النوع الثاني من الآليات فهو فكّ تشفير التاريخ، وهو عملية معاكسة لحل الترميز السابق، أيْ آليات فهم إلامَ ترمز الرواية التاريخية؟ وكيف نستنبط منها قوانين التاريخ من وجهة نظر الوحي؟

ثالثًا: تشفير التاريخ                                                                    

عملية تشفير التاريخ عملية معقدة في تصورها الشامل، ومن غير اليسير وصفها بالتفصيل في هذا المقام الضيق نسبيًا. ومع ذلك يمكن أن نكتفي هنا بفهم أهم آلياتها. إن “وحي التاريخ” كما قلنا سابقًا هو ما يصف تلك الحالة، التي فيها يصير التاريخ -جزئيًا على الأقل- جانبًا من الوحي ذاته. وبالتالي فإن “تشفير التاريخ” هي عملية مركَّبة تهدف إلى إدماج التاريخ مع الوحي. والمدخل المناسب فيما نرى لفهم خصائص التاريخ بما هو جانب من الوحي هو وصف كيفية حضور التاريخ في النصوص المقدسة، الذي قلنا إنه يكتسب خواصًّا مميزة، حين ينطق به الوحي. ويمكن النظر إلى “وحي التاريخ” بما هو نصّ مركَّب من خصائص نصّينِ: نص الوحي، ونص الرواية التاريخية.

أ. بنية وحي التاريخ:

يظهر مركّب “وحي التاريخ” في صورة (تاريخ مقدس) أو (قداسة سارية في التاريخ حتى اللحظة الحاضرة)، وهما قوسان لإكمال دائرة واحدة، فهو تاريخ يحرم التساؤل عنه، وبالتالي يستحيل نقده. وهذا التاريخ يكتسب هذه المناعة من قداسة النص الكلية، كما أن قداسة النص الكلية تكتسب (نَصِّيتها) أي: صحة نقل النص ذاته، وصحة نقل الوقائع الواردة فيه تاريخيًا، من قداسة التاريخ.  تتأسس القداسة بالتالي على القداسة: قداسة النص على قداسة التاريخ، والعكس، في تركيب جدلي يصعب فصله عمليًا، وإن كان يمكن تحليله نظريًا.

وهو مركّب ظاهر في العهدين القديم والجديد مثلاً، حيث يمتلئ النصان بعشرات الوقائع التاريخية منذ بدء الخليقة، كما أن القرآن أيضًا يمارس دورًا تأريخيًا. وفي الحالتين – العهدين والقرآن – هناك وقائع ثابتة مطلقة الصدق -من وجهة نظر النص- لا شك في وقوعها. وفي الحالتين أيضًا هناك (فلسفة للتاريخ) في النص، لأن التاريخ لا يُذكَر من أجل حقيقته المحدودة، ولكن لصالح حقائق أكبر مهيمنة عليه، هي قوانين حركته، والقوى المؤثرة عليه، ومساره العام المحدد مسبقًا، ونهايته المتنبَّأ بها.

وهو مركّب يشتمل على مفارقة؛ نظرًا لما فيه من دَوْر، أي اعتماد كل من طرفيه على الآخَر. وهو هنا الدَّوْر (النصي – التاريخي)، أي جوهرية النص بالنسبة للتاريخ؛ لأنه دعامته، وجوهرية التاريخ بالنسبة للنص؛ لأنه ضمان صحة نقله، وصحة بياناته التاريخية. ولا مفر من أن نوضح هنا أن التاريخ في هذا السياق هو التاريخ (الوارد في النص)، و(المُوَرِّد للنص) معًا، أي: (التاريخ المرويّ في النص) و(تاريخ نقل النص) على الترتيب. بيد أن هناك مفهومًا ثالثًا للتاريخ هو (التاريخ الشامل) أي الجامع للحظات الماضي، والحاضر، والمستقبل، وهو مفهوم التاريخ في فلسفة التاريخ (وسنرجع لهذه النقطة لاحقًا مع مفهوم “مستويات التاريخ”). وبهذا المنطق نجد علاقة قارّة فيما بين التاريخ، وفلسفة التاريخ، يتوسط فيها النص المقدس؛ فالنص المقدس مرحلة يتحول فيها التاريخي إلى فلسفي، والإخباري إلى إنشائي، والمعرفي إلى قيمي، والعقلي إلى إرادي، والكلام إلى فعل.

يتكامل مع تلك البنية الدائرية مركبان دائريان بدورهما، أولهما هو (الدائرة الهرمنيوطيقية) بمعنى خاص استعمله بول ريكور بالنسبة للمسيحية،([3]) وثانيهما هو (المفهوم الدائري للعقل) بتعبيرنا بالنسبة للإسلام. يعرّف ريكور (الدائرة الهرمنيوطيقية) بأنها حالة المتدين حين يُضطر إلى التصديق كي يفهم النص، وإلى الفهم كي يكتمل التصديق([4])، وهو تنويع على دور (أُومِن)  Credoالأوغسطيني المعروف، آمِنْ ثم تعقل. ويرى ريكور أن أصل هذا الدور دور آخر هو (آمُل) Spero؛ حيث يتغلب الأمل على المنطق، وعلى العلم، فلا يجب أن يظهر النص للمؤمن متسقًا فيما بين أجزائه أو مع حقائق الواقع، بل ربما كان التناقض مانحًا للأمل في تغيير الواقع، الذي لا يقدر المرء على تغييره، أولا يعرف كيف يغيره.([5]) على سبيل المثال يؤكد أوريجن السكندري (185-254)م -مؤسس الفلسفة المسيحية والتأويل الرمزي في المسيحية في كثير من الآراء- على هذا المعنى في كتابه (ضد كلسوس).

أما (المفهوم الدائري للعقل) فهو البادي لدى المعتزلة من المسلمين بصورة أساسية. ورغم أنهم اعتبروا العقلَ أصلاً والشرعَ فرعًا، إلا أن هذا لم يعنِ حرية الاختلاف الكاملة والوعى النقدي، الذي لا يحتفظ بمسلمات مسبقة؛ نظرًا لأنهم أكدوا دومًا على توافق العقل والنقل في توازٍ دائم، لابد أن يصنع دائرة تامة الاستدارة في الممارسةِ المعرفيةِ. فالمنطق أن يكونا متعاقبَين مع أصالة العقل، أي يكون النقل عاقبًا والعقل معقوبًا، لا متوازيين. “فهُما (أي: العقل والنقل) متفقان ومتطابقان؛ إذ ليس في القرآن إلا ما يوافق طريقة العقل([6]). هذا برغم أولوية الشك لدى معظمهم([7]). ومن الصحيح أن كلاً من المركّبات الدائرية الثلاثة السابقة يعمل في مجال مختلف، إلا أنها تتكامل، وتتعاون فيما بينها كتروس متعاشقة لإدماج التاريخ مع الوحي، مرة عن طريق الإحالة المتبادلة بين التاريخ والنص المقدس: (التاريخ صادق لأنه ورد في الوحي، والوحي صادق لأن التاريخ يصدّق عليه)، ومرة عن طريق جدل الإيمان (أو الأمل) والتعقل المتبادل: (ما أومن به معقول، وما هو معقول موضوع للإيمان)، ومرة عن طريق توازى العقل والنقل الدائم: (المعقول وحي، والوحي معقول).

ب. تكوين وحي التاريخ:

يمكن وصف المراحل التكوينية لوحي التاريخ على هيئة خطوات متراتبة، يعتمد فيها اللاحق على سابقه:

  1. في البداية يظهر النص المقدس في التاريخ، ثم يتم التصديق فيه من جهة جماعة من المؤمنين الأوائل لأسباب متنوعة، (المعجزة / الأمل / السلطة / الدعاية / الاقتناع) إلى آخر الأسباب التي تنتشر بها الأديان جغرافيًا، وتستمر تاريخيًا.
  2. بعد الإيمان به يتم اعتماد النص كـ(مصدر للرواية) من جهة جماعة أو هيئة من رجال الدين. وهي فاعلية الوحي التأريخية في ما مضى من تاريخ الإنسان. هناك فاعلية أخرى في الاتجاه المعاكس، أي تنبؤ النص بمستقبل قريب أو بعيد، وربما يكون النص نفسه نبوءة من نص أسبق (كالإنجيل والقرآن). هذه هي المرحلة الأولى التي يظهر فيها مركّب “وحي التاريخ” بوضوح للمرة الأولى.
  3. تحدث (ظاهرة المدّ القدسي) -بتعبيرنا- وهي تأريخ النص الديني للإنسان على مستوى فلسفة التاريخ، أي تلخيص قصة حياة الإنسان عمومًا منذ الخلق، حتى الحساب والجزاء، مرورًا بالموت. وهو ما يؤدى إلى تدخُّل الوحي في ماضي الإنسان (في علم التاريخ)، وفي مستقبله (في فلسفة التاريخ). وهو أساس تأويل الوحي لحاضر الإنسان. ومن أهم نتائج هذه المرحلة تحوُّلُ النص إلى فعل؛ فكلام الله في العهد القديم والقرآن له رمزية تفوق معناه الحرفي بشكل تلقائي دون جهد إيجابي تأويلي. كلام الله -من وجهة نظر مَن يؤمن به- (معنى وحَدَث) في آنٍ.
  4. يتقادم مركّب “وحي التاريخ” في الزمن عن طريق القصور الذاتي للمقدس (انطلاقه وتعاليه اللا نهائي ما لم يؤثر عليه مؤثر خارجي)، ويُكرَّس من خلال التوريث في الجماعات المؤمنة، فيربو بالعصبية، ويتحول إلى مركّب يافع صلب يقاوم محاولات حله، بل ومحاولات تحليله.
  5. يتكامل المركّب تلقائيًا مع الهرمنيوطيقا الدائرية، والمفهوم الدائري للعقل الموصوفين أعلاه، وكذلك مع (الهرمنيوطيقا العكسية)، وهي حالة خاصة من التأويل، حين تؤوَّل وقائع التاريخ الجاري في الحاضر، أو في الماضي القريب طبقًا للوحي، ومن هنا وصفها بالعكسية؛ لأننا فيها نقوم بتأويل التاريخ لا النص. يقول ريكور إن الإيمان يجعل الهرمنيوطيقا حلاً ضروريًا دائمًا لكل ما يعترض طريق الأمل؛ فالتجربة تكذّب الوعدَ، والزمن يكذب النبوءةَ، لكنّ الهرمنيوطيقا لا تخذل الإنسان أبدًا،([8]) أي أن المؤمن مثلاً قد يُهزم، أو يَفشل، لكن حاجته للأمل هي التي تدفعه لتأويل الواقع ليؤجل النصرَ، ويبرر النص، على أساس أنّ هناك بقية للقصة، أو أنّه ليس من الضروري أن يتحقق نصر الله الموعود على أيدي هذا الجيل من المؤمنين . إذن فالأمل (مناط القوة والضعف البشريين الطبيعيين) من أهم أسباب الاستقرار في التدين، وربما انغلاق العقل أمام النص، وتماهِي الذات مع ما تقرأ. ونجد في السياق الإسلامي جهمًا بن صفوان يؤول صيغة الفاعل، حين تتعلق بالجماد، بحيث تكون مجازًا حقيقته تعلقها بالله، وهو ما يؤدى -في رأي نصر أبو زيد- على المدى البعيد إلى تجاهل قوانين الطبيعة، الأمر الذي يقود المجتمع إلى حالة من التخلف الثقافي والعلمي.([9]) وهي نزعة (عِلْموية Scientistic) أشرنا لها في كتابات سابقة عن نصر؛ لأن إسناد كل الأحداث في الكون إلى الله لا يؤدي بذاته إلى تجاهل السببية الطبيعية، بل يؤدي إليه، إذا تم هذا الإسناد بصورة مباشرة، وليس عن طريق توسط السببية. من الوارد دائمًا أن يكون الله هو المحرك الأول لكل ما يتحرك، ولكن ليس بالضرورة بصورة مباشرة، مما يسمح بمفهوم السببية، وبتتبُّع العلماء للأسباب.

وبعد أن يصير المركّب مكتملاً عبر المراحل السابقة، فإنه يبدأ ممارسة عمله في التحكم في التاريخ الإنساني. ونظرًا لأن ظاهرة المد القدسي (المرحلة رقم 3) هي الخطوة الهُمَّى في حياة المركّب، فإننا نفرد لها جزءًا خاصًا فيما يلي:

ج. آليات المَدّ القدسي:

وهي عدة آليات تعمل متَزامِنةً، وإن كان يمكن ترتيبها، بحيث تعمل كل منها بعد نجاح عمل سابقتها. وكلها تهدف إلى ترويض التاريخ، واستيحائه (تحويله إلى جانب من الوحي):

  1. الانتخاب Selection: قيام النص بالتركيز على أحداث معينة تدور على مسرحه، في حين يطرد البعض الآخر إلى الأطراف، فتنتفي النظرة الشاملة للتاريخ.
  2. الأنسقة Systematization: ربط بعض الأحداث التي تم انتخابها بعضها ببعض مع إزالةٍ أو تجاهلٍ لأي فجوات تاريخية بينها، وترك البعض الآخر مفككًا بلا رابط.
  3. النَّظْم Versification: وهو إكساب الأحداث المختارة بنية شِعرية، لا سيما والنص يتمتع ببيان أدبى عالي المستوى، فيتم حفظ هذه الأحداث معًا في الذاكرة الثقافية.
  4. التحويل إلى دراما Dramatization: وهي تحويل البنية الشعرية السابقة إلى بنية درامية، يظهر فيها عامل الزمن، ودور الشخص، ومبادئ العلية المختلفة، والتي تعود أغلبها إلى مصدر إلٰهي.
  5. الإكمال Completion: لو وُجدت ثغرات تاريخية يتم تجاهلها أو نفيها، أو يؤدى السياق العام للنص لعدم التساؤل حولها أو بحثها.
  6. التأويل Interpretation: وهي تأويل الكل التاريخي وإكسابه معنى ما، كأن تكون كارثة طبيعية مثلاً عقابًا إلهيًا.
  7. الإحلال Substitution: أي إحلال رواية الوحي محل مناهج البحث التاريخي، التي قد ترجح رواية مختلفة، خاصة إذا تناقضت نتائج هذه المناهج مع الحقائق المقدسة. وهذه الخطوة خطيرة الشأن؛ لأنها تقلل من أهمية البحث التاريخي العلمي، وقد تتعارض معه. وهو مما يؤدى إلى ثقافة لا منهجية مليئة ببقع المسكوت عنه، وبقع التعتيم المعرفي، وبقع الدم ربما.

4-  الوحي والتاريخ في المركّب:

في “وحي التاريخ” تتغير طبيعة كل من النص المقدس والتاريخ، حين يدخلان في علاقة جدلية، فقد أصبح النص واقعًا دراميًا، وصار التاريخ حكاية متجسدة لها مؤلف وحكمة معينة. إن وحي التاريخ نص مقدس، ونص تاريخي في وقت واحد، لذلك فمن الطبيعي أن يكتسب كل من العنصرين خصائص جديدة:

أ- النص: في “وحي التاريخ” يتبدل مدى ما ينطبق عليه النص المقدس من وقائع، فقد يزيد عدد تلك الوقائع مع ضعف الوعي التاريخي النقدي المعتمِد على مناهج علم التاريخ في مجتمع ما، وقد يقل هذا العدد مع زيادة الاهتمام بعلم التاريخ. بيد أن الوعي التاريخي النقدي له ثمن؛ لأن المجتمع المتدين بصفة عامة، وخاصة حين تتركز السلطة الدينية المعرفية في مؤسسة معينة، يقاوم تلقائيًا النقد التاريخي، الذي قد تتعارض نتائجه مع المضمون التاريخي للنص المقدس، أو ما يظنه الناس كذلك. إذن لا يعود النص محدَّد المدى بصورة واضحة دائمة؛ فهو يتمدد وينكمش طبقًا لتمدد الوعى التاريخي النقدي، وانكماشه. وهذا الوعى التاريخي ينكمش بدوره، ويتمدد طبقًا لتمدد التسلط المعرفي، وانكماشه، مما يمكننا من صياغة المعادلة التالية: [مدى النص (يتناسب عكسيًا مع) الوعى التاريخي (يتناسب عكسيًا مع) السلطة المعرفية].

إن (مَدى النص) لا ينحصر معناه في عدد الوقائع، التي يتم تأويلها من خلال الوحي، بل هو كذلك كَمُّ النص بالمعنى الحرفي. كلما قل اهتمام المجتمع، أو اعترافه بأهمية الدرس النقدي للتاريخ، كلما زادت النصوص، التي يعتمد عليها ذلك المجتمع لفهم حركة التاريخ، حتى وإن كانت نصوصًا أقل في درجة الصحة التاريخية من وجهة نظر المؤسسات الدينية نفسها. ومن أهم الأمثلة على ذلك اعتماد المذهب الشافعي للسنّة كمصدر تشريعي مكافئ للقرآن؛ فإن من أسباب ذلك الاعتماد ضعف الاهتمام بتاريخية السنّة، بوقائع عصرها، التي تزامنت معها. بالتالي تمددَ النص التشريعي ليشمل القرآن والحديث. على كل حال فإن تمدُّد النص يحقق سيطرة أكبر على التاريخ في لحظاته الثلاث: الماضي في علم التاريخ، والمستقبل في فلسفة التاريخ، مما يحكم السيطرة النصية على الحاضر الإنساني. والنتيجة العامة هي أن النص المقدس في علاقته بالتاريخ يصير طرفًا غير مستقر المدى من حيث ما ينطبق عليه من وقائع تاريخية، ومن حيث حجم النص نفسه.

ب- التاريخ: لا يعود التاريخ رواية محايدة، قد تكون غير ذات معنى، أو غير ذات قوانين أساسية دائمة، بل حكمة وقصة تفيد وعدًا ووعيدًا، وبشرى وإنذارًا. إذن فالتاريخ يكتسب معنى أكبر من معنى مجموع وقائعه، ويكسب علة أقوى، وأقدم من قوانينه الطبيعية. ربما يتحول التاريخ إلى اختبار، أو عِقاب، كما أنه يصير مغلقًا معروف النهاية، فتظهر مقولة (نهاية التاريخ/القيامة)، ليصبح النص المقدس فلسفةً في التاريخ، منغلقة وحتمية، على أساس أن التاريخ المقدس لن يتغير مهما حاول الإنسان، وهذا ليس على أساس علية طبيعية، بل إرادة إلهية.

ونلاحظ هنا ثلاثة أنواع من التاريخ في علاقته بالنص، وفي تعامل النص معه، فهناك (1) تاريخ متّحِد بالنص يشكل جزءًا منه، غالبًا ما يكون قصص الأنبياء والأمم السابقة، وهناك (2) تاريخ حر من النص، لا يعلق النص عليه ولا يذكره، لكن الناس تذكره، وهناك (3) تاريخ مضادّ للنص، مجموعة من الوقائع، التي لو ثبتت، لأدت إلى إضعاف وجاهة النص من حيث المضمون، ومن حيث النقل التاريخي. إن النوع الأول مقدس، لا يجوز الشك فيه، وقد يصير دعامة معلوماتية للأبحاث التاريخية الطبيعية المهتدية بالنص المقدس. هذا بينما يصير النوع الثاني موضوعًا لعلم التاريخ. أما النوع الثالث فيميل المؤمنون بالنص إلى إنكاره أو تأويله. ومن أشهر الأمثلة على النوع الثالث حادثة سقوط روما المدوية، وقيام أوغسطين بتأويل التاريخ لخدمة النص في (مدينة الله) De Civitate Dei Contra Paganos، فروما لم تسقط بسبب اعتناقها المسيحية، ولا بسبب ضعفها المردود إلى أسباب موضوعية، بل بسبب فسادها الخلقي. وسواء علينا أسقطت أم لم تسقط ما هي بمدينة الله، وإنما مدينة الله التي في السماء([10]). هذا مع تأكيد أوغسطين على مرجعية العلل كلها إلى الله بوصفه محركًا رئيسًا ووحيدًا للتاريخ.([11]) وفي السياق الإسلامي تكتسب غزوات الرسول (ص) أهمية كبرى عند المسلمين، إذ هي نَصر  من الله لفئة قليلة (كموقعة بدر)، حين اتبعتْ أوامره، وهي هزيمة لهم (كموقعة أحد)، حين عصت رسولَه.

بالإضافة إلى هذا التصنيف يمكن القول إن هناك تصنيفًا ثلاثيًا آخرَ، هو مستويات التاريخ بالنسبة للوحي. وقد سبقت الإشارة لها. أولاً: التاريخ الحامل: وهو تاريخ مُوَرِّد للوحي، أيْ وقائع التاريخ، التي من خلالها انتقل النص المقدس إلى يومنا الحالي، وقائع الشفاهة، والتدوين، والجمع، وربما الترجمة، والطباعة. ثانيًا: التاريخ المحمول: وهو تاريخ وارد في الوحي، أيْ تلك الوقائع، التي تم سردها في الكتب المقدسة، كقصص الأنبياء. ثالثًا: التاريخ الشامل: وهو ليس مُورّدًا للوحي، أو واردًا فيه، بل هو فلسفة التاريخ، التي نستنبطها من مجموع العلاقات المعقدة في المستويين الأول، والثاني، والتي تدور حول مسألتين أساسيتين: قوانين حركة التاريخ، ونهاية التاريخ أو القيامة.

رابعًا: فكّ تشفير التاريخ

تُفَكّ شفرةُ التاريخ بعدة مناهج، أهمها المنهج الرمزي في التفسير، الذي اشتُهر به في السياق الإسلامي كل من الشيعة الباطنية، والصوفية. عن طريق المنهج الرمزي يحاول المفسرون إعادة فهم الوقائع التاريخية، الواردة في النص، أو غير الواردة فيه، بما هي رموز دالة على معانٍ، فنفهم مثلاً أن كارثة معاصرة ما، كحرب، أو مجاعة، أو زلزال، هي عِقاب من الله، أو اختبار للناس. وسنتوقف فيما يلي من مقالات بالتفصيل عند المنهج الرمزي، ومناهج التفسير بصفة عامة في الإسلام. ما يكفي هذا المقام هو كيفية عمل المنهج الرمزي مع وقائع التاريخ، خاصة الكارثية منها. إن الكوارث العامة هي أشد ما يثير التساؤل حول الحكمة الإلهية، والعدالة الربانية. طالما كان الإله عادلاً حكيمًا، فلا بد أن هناك حكمة ما، لا يفهمها إلا ذوو الألباب، في هذا العذاب الشامل. وقد يرى البعض في ذلك طريقة للتكيف مع الكوارث، التي قد تدفع الناسَ في مجتمعٍ ما إلى حافة الأسئلة الوجودية، والعدمية.

والرمز، بخلاف المجاز، لا يشترط وقوع استعمال اللفظ بمعنى معين في التداول اللغوي؛ فهو إذن تحريك اللفظ عن معناه المتعارَف عليه، حقيقةً كان أو مجازًا، إلى دلالة أخرى، غير مألوفة في عادة أهل اللسان. وهو إذن يختلف اختلافًا كيفيًا عن المجاز. يعتمد الرمز على مصدر معرفي متجاوِز للتواضع الإنساني، مما يعني أنه يقوم على “قناة اتصال” معينة، لا يمكن أخذه بمعزل عنها، هي قناة اتصال مفترَضَة بين الإنسان/ المفسِّر من جهة، والعالَم الإلهي من جهة أخرى. ومثال على ذلك تأويل بعض الشيعة الباطنية للؤلؤ والمرجان (الرحمن-22) باعتبارها إشارة إلى الحسن والحسين كما نجد لدى الطبرسي وأبي الحسن العاملي؛ فالاستعمال اللغوي لا يؤدي إلى هذا المعنى حقيقةً أو مجازًا.

ويقوم استعمال الرمز عمومًا في تفسير النصوص المقدسة على فكرة أن في النص أكثر من مستوًى للمعنَى؛ فهناك مستوى ظاهر لعامة القراء والمفسرينَ، ومستوى آخر باطن، لا يفهمه إلا الخواصّ. وربما أمكن تلخيص ذلك في أصول الفقه بعبارة الحكيم الترمذي في “إثبات العلل”: “الحكمة ما بطن من العِلْم، والباطن هو لباب الشيء، والظاهر هو قِشر الشيء، والانتفاع باللباب لا بالقشر” (الترمذي، 69). التقشير إذن هو الطريق من التشفير إلى التفسير.

يعتمد تطبيق الرمز بشكل عام في سياق تفسير القرآن على مبدأين أساسيين؛ التمييز، والاعتقاد: التمييز بين مستوى ظاهر، ومستوى باطن، في النص، واعتقاد المفسِّر في طريق للإلهام الإلهي، قناة اتصال فوق-بشرية، أيًا كان مستواها، وشكلها. أما منهجيًا فيعتمد التفسير الرمزي عمومًا على بِنية structure بسيطة أو مركبة، تتشابه بين الرامز، والمرموز: قد يكون الرمز غير عَلاقي non-relational؛ أي من وحدة واحدة، دون التطرق إلى العلاقات الرابطة بين هذه الوحدة وما سواها بشكل مباشر، كتأويل الأحرف المقطعة بدلالات تعسفية بسيطة، لا نجد فيها نفسها بنية معينة، برغم أنها تنتظم في سياق بنية أشمل هي صفات الله مثلاً (كما نجد لدى التستري، والقشيري في تفسير الأحرف المقطعة في سورة البقرة).

وقد يكون رمزًا عَلاقيًا relational؛ أي متعدد الأطراف، كما في تفسير القصص القرآني، أو عبادة من العبادات، بحيث ترمز أطرافها إلى معانٍ غير لغوية، أي غير لازمة بالتحليل اللساني والتواضع اللغوي، ولكنها تحتفظ غالبًا ببنية العلاقات عينها. ومن أمثلة التأويل الرمزي العلاقي تأويل الطبرسي مثلاً للآيات 19-22 من سورة (الرحمن) ذات الأطراف الأربعة: البحرين، البرزخ، اللؤلؤ، والمرجان؛ فهي تنتظم في التأويل الرمزي بتبديل هوية الأطراف على الترتيب: عليّ وفاطمة، النبي (ص)، الحسن، الحسين، وتحتفظ بالعلاقات نفسها بينها: فقد “التقَى” عليّ وفاطمة، و”بينهما” الرسول (ص)، و”يخرج” منهما الحسن والحسين.

ونجد لدى الحكيم الترمذي، وابن عربي، في الأصول، أمثلة واضحة على تأويلات رمزية للشرائع، تحتفظ بالعلاقات بين أطرافها، لكنْ مع تأويل الأطراف بشكل مختلف عما يدل عليه ظاهر النص: فالحكيم الترمذي مثلاً يؤول تحريم الخمر في الإسلام بكونه تحريمًا للمعصية ذاتها، المعصية الأولى لآدم حين أكل من الشجرة المحرمة؛ فقد أكلَ آدمُ –بحسبه- من عنَب الجنة حتى امتلأ، وذهب عقله، فاغترّ بعدوُّه، وارتكب المعصيةَ (الترمذي، إثبات العلل، 232). الظاهر خطيئة مكتَسَبة، والباطن خطيئة أصلية. وهنا نجد البنية ذاتها: العلاقة بين خطيئة الإنسان بشكل عام، وخطيئة آدم. أما ابن عربي في تأويله لفريضة الصلاة مثلاً فهو يبدأ من المعنى الاصطلاحي للوقت، يعني وقت الصلاة، ويخرج إلى فلسفة الطبيعة (الأفلاك المستديرة)، وينتهي إلى فلسفة الزمان المستدير ارتكانًا إلى الحديث النبوي “إن الزمان قد استدار لهيئته يوم خلقه اللهُ” (ابن عربي، الفتوحات، 2/17). وهو كذلك يحتفظ بالبنية: بنية مواقيت الصلاة الدائرية، بنية الأفلاك الدائرية، بنية الزمان المستديرة.

ونستنتج من ذلك أن  الرمز العلاقي ينزع إلى تصوُّر البنية، ويُكيِّف بحسبها الأطرافَ؛ فالأساس عند الطبرسي، القرينة التي اعتمَد عليها في التأويل، هي بنية (البحرين، والبرزخ، وما يخرج من البحرين) وعلى أساسها أعاد وضع الأطراف، كما رأينا أعلاه. وحتى إذا غابت هذه البنية في جزئيات التفسير، كالحروف المقطعة، فهي حاضرة في السياق التفسيري الشامل. ونرى في كل ما سبق استعمال الرواية، إلى جانب المجاز، إلى جانب الرمز، ولكن تظل للرمز القدرة في هذا السياق التفسيري على صوغ السياق؛ فهو عابر للزمان (الرواية)، وعابر للمكان (اللغة في الإطار الجغرافي وفي بنيتها الاستاتيكية).

بصفة عامة فإن المنهج الرمزي في التفسير يعتمد على بنية العلاقات بين الأطراف كنقطة ارتكاز، وعلى الأطراف نفسها كمجال للحركة، وهو ما نراه كذلك بوضوح عند أحد أهم المفسرين الرمزيين للكتاب المقدس، أوريجِن السكندري (+254م)، في تفسيره لقصة النبي موسى مثلاً؛ فابنة فرعون هي “كنيسة الأمم الوثنية”، وفرعون هو السلطة السياسية الوثنية (الرومان في عهد السيد المسيح وعهد أوريجن)، ونهر النيل هو ماء المعمودية، وموسى نفسه هو شريعة موسى، أو الناموس، وقد كان مختبئًا وهو حديث الولادة في البردي، أي أن شريعته كانت كامنة في نفوس اليهود.[12]

خامسًا: الخطيئة الأنثروبولوجية

تعرضنا فيما سبق لكيفية تعامل الوحي الإبراهيمي مع الكوارث الطوفانية الكبرى، وذلك من خلال مجموعة من الآليات المتعلقة بعمليتي ترميز التاريخ في النص المقدس، وفك شفرة ذلك الترميز. وبالرغم من ذلك قد يبقى سؤال: ألسنا فعلاً في كارثة؟ أليست الحياة الدنيا بما هي حالة من الهشاشة الوجودية، التي يمكن أن يقتلنا فيها أي شيء بدءًا من حجم الفيروس، وانتهاء بكتلة كويكب الديناصورات الهائلة؟ ربما كان هذا صحيحًا من حيث الاستنتاج، وهو ما لا يتعارض كذلك بالضرورة مع كونها اختبارًا من نوعٍ ما. ربما ما يؤكد على كارثيتها أنها اختبار يتم في ظروف مخيفة على أقل تقدير؛ فالخوف من المرض، والفقر، والحرب، والشيخوخة لا مناصَ منه، ويصيبنا جميعًا، وإنْ كان البعض منّا أقدر على تناسيه من البعض. فإذا كان هذا صحيحًا، أي كون الحياة اختبارًا وعقابًا في آنٍ، فما الخطأ، الذي استوجبَ هذا العقاب؟ لا يمكن أن نقصد خطأ آدم وزوجه؛ فلا تزر وازرةٌ وزرَ أخرَى. لو كنّا نُعاقَب جميعًا بسبب خطأ بعضنا لما كانت هناك ميزة في مجال فلسفة الأخلاق للوحي الإبراهيمي التوحيدي، الذي ينزّه الإلهَ عن الظلم.

من الممكن أن تكون الإجابة أننا بطبيعتنا البشرية العميقة نحتاج إلى مثل هذا الاختبار؛ كي نرى بأنفسنا مقدار ما فينا من الخير والشر بالتجربة العملية. وهو تعليل قديم ومعروف، لكنه لا يفسر كارثة عامة كالطوفان، كادت أن تُفني الجنسَ البشري عن آخره. هل يمكن أن نكون -كجنس بشري- قد ارتكبنا خطأ جسيمًا في الماضي، أدى إلى تلك الإبادة كعقاب؟ بعبارة أخرى: هل في تاريخنا البعيد خطيئة كبرى، أصابت ضمير الناس قديمًا بعقدة ذنبٍ هائلة، تمخضت عن الاعتقاد في أن الكوارث الكبرى جزاء الخطايا الكبرى؟

ترى بعض الأبحاث الأنثروبولوجية مؤخرًا أنه من المحتمل أن انقراض الأجناس شبه البشرية الثمانية، التي جابت الأرض منذ 300 ألف سنة تقريبًا، قد وقعَ جزئيًا بسببنا نحن، الجنس البشري التاسع. نظرًا لتوافر سجلّ حفري لتلك الأجناس من جهة، ولأنه من الغريب أن يبقى جنسنا وحده، بينما انقرضت الأجناس الأخرى جميعًا من جهة أخرى، فإن السؤال يبرز: لماذا بقي واحد، ومات ثمانية؟ وهنا نشأت فرضية لتفسير هذا الوضع المثير للريبة، مفادها أننا كنّا أكثر تفوقًا من جهة التواصل الاجتماعي، الأمر الذي ساعدنا على تكوين جيوش بدائية كبيرة العدد نسبيًا، استطاعت حصار الأجناس الأضعف، مما أدى إلى انقراضها.

لو صحت تلك الفرضية، فلعل تاريخنا قد بدأ بالقتل فعلاً، ولربما كانت أولى إنجازاتنا التاريخية، التي تثبت تفوقنا كجنس بشري، هي الحرب، والحصار، والإبادة. وإذا كان هذا صحيحًا، وكنّا قد تناقلنا هذه الخبرة، هذا الذنب المهول، عبر أجيال تمتد لعدة مئات الآلاف من السنين، فلربما كانت فكرتنا عن “الطوفان كعِقاب” واردة كإنفاذ لحكم العدالة، حتى لو لم يقع طوفان. هكذا يمكن القول إن البشرية قد خرجت من رحم كارثة، وستمرّ عبر كارثة، هي الحياة الدنيا، إلى كارثة نهائية، هي القيامة. إن البشرية بنظرة عامة لا تمر بقيامة واحدة، بمفهوم القيامة في هذه المقالة، بل بأيام للقيامة.

سادسًا: القيامة ومُضادّ اليوتوبيا في الفكر العربي[13]   

نحن في عصر الفَقْد، وخاصة بعد ما نطلق عليه “الربيع العربي”، فقْد الأوطان، والخرائط، والآثار، والحقائق، والتاريخ، وذلك في سياق انهيار الدول، والأنظمة، وصعود تيارات من الإسلام السياسي، حطمت التراث الحضاري حقيقة، لا مجازًا، في محاولتها تفتيت هوية قومية، وحضارية، لصالح هوية أممية، تدعي لنفسها مشروعًا عالميًا بديلاً، له كذلك تأسيسه النظري. والأمثلة أوضح من أن تُبيَّن، وأكثر من أن تحصَى؛ ففي مقال بعنوان Apocalypse now: Why” Arab authors are really writing about the end of the world“، على موقع middleeasteye.net، بقلم Lina Mounzer ترى الكاتبة أن جل الأقلام العربية بعد الربيع العربي يتوجه إلى معالجة تيمة الديستوبيا (مُضادّ اليوتوبيا)؛ نظرًا لفشل الثورات العربية الأخيرة، باعتبار ذلك ظاهرة عامة من منظورها.[14] وهو منظور “ممكن” بشكل عام؛ نظرًا للأسباب الواردة أعلاه.

لقد كان العرب أنبياء حضارة، ثم صاروا أنبياء قيامة. والقيامة مستوى أعلى من مستويات الموت. وبرغم هذا فإن التصور القيامي apocalyptic العربي ليس بجديد؛ فقد شهد العرب في القرن العشرين انهيارات سابقة مروعة، ربما كان أبرزها هزيمة الخامس من يونيو؛ فارتبطت حداثة السبعينيات عضويًا بهذا الشعور بالنهاية، والإحساس بالتوقُّت، بعد أن كان أدب الواقعية في الخمسينيات، والستينيات متفائلاً، صلب الأرضية، واضح القضية. وفي الواقع يمكن تتبع هذه الديستوبيا عميقًا في التاريخ الإسلامي؛ فمشروع ابن تيمية (ت 728 هـ) السلفي في مشرق العالم الإسلامي يمكن تفسيره من هذا المنطلق، باعتباره محاولةً لصَوْن هويةٍ دينيةٍ، تم تهديدها من قريبٍ -بشكل حقيقي للمرة الأولى ربما بعد الفتنة الكبرى- بالتبدد، والزوال على أيدي الصليبيين، والمغول. كما أن مشروع أبي إسحق الشاطبي المتوفَّى في تاريخ مقارِب في مغرب العالم الإسلامي (ت 790 هـ) لتنظير مقاصد الشريعة، وإعادة بناء أصول الفقه في “الموافقات في أصول الشريعة”،[15] يمكن كذلك قراءته من هذا المنظور، باعتباره إعادة بناء، وإعادة نظَرٍ نقدية؛ حيث عاش في غرناطة، المملكة الوحيدة للمسلمين في الأندلس-الفردوس-المفقود في ذلك الوقت، المحاطة بالأعداء الإسبان من كل جهة.[16] الأول قاومَ بالمحافظة، والثاني حاولَ بالتجديد.

في نظرنا من الممكن عقد علاقة سببية بين الرؤية القيامية للعالَم في العقل الإبراهيمي، وبين التشاؤم من الحياة، ومن المستقبل في العقل العربي القديم، والمعاصر. ومن الوارد أن تؤدي تلك الرؤية في ظروف معينة عند البعض إلى العدمية، والإرهاب، والانتحار. وقد حاولنا في هذه المقالة المطولة الكشف عن أصول تلك الرؤية، وعن أهم نتائجها، وعن الكيفية، التي تتعامل بها الديانات الإبراهيمية مع الكوارث العظمَى، وعن فلسفة التاريخ من وجهة نظر الوحي الإبراهيمي، التي يحمل فيها الإنسان وزر خطيئته الأنثروبولوجية الأولى، ويسير بهذا الحمل الثقيل على مرتفعات التاريخ، ومنحدراته، إلى قمة، يتحرر فيها من هذا الذنب، أو إلى هوّة عميقة، يهزمه فيها ضميره، وتَربحه -في أيام القيامة- الجحيمُ.

 

قائمة المصادر والمراجع:

[1]  “ما فوق التاريخ” Epi-historics من صياغة الباحث.

[2]  يتم حاليًا التمييز بين فلسفة التاريخ التأملية speculative وفلسفة التاريخ التحليلية analytic؛ حيث إن الأولى أنطولوجية، تعتمد على رواية متكاملة للتاريخ ذات أصول ميتافيزيقية كما الحال لدى هيجل، أو مادية كفلسفة التاريخ عند ماركس، بينما الثانية إبستمولوجية (معرفية) تفحص نقديًا تصوراتنا عن التاريخ بما هي نتيجة ممارسات المؤرخين. وهو تمييز يثير خلافات عديدة بين المختصين حتى الآن. في رأينا يمكن التمييز على نحو أدقّ بين فلسفة التاريخ، وفلسفة التأريخ (بالهمز)، حيث تعني الأولى فلسفة التاريخ التقليدية كما هي لدى أوغسطين، وابن خلدون، وهيجل، وماركس، وشبنجلر،.. إلخ، بينما تشير الثانية إلى الدرس النقدي التحليلي للتأريخ ذاته. راجع للاستزادة مثلاً:

Brzechczyn, Krzysztof, Towards a Revival of Analytical Philosophy of History- Around Paul A. Roth’s Vision of Historical Sciences, Brill, Rodopi, Leiden | Boston, 2018, p. 3.

([3])      بول ريكور: صراع التأويلات، ترجمة: منذر عياشي (دار الكتاب الجديدة المتحدة، بيروت، ط1، 2005) ص 447.

([4])      السابق، الموضع نفسه.

([5])      السابق، ص 470-471.

([6])      الشريف المرتضى: الأمالى، نقلاً عن نصر حامد أبو زيد: الاتجاه العقلى في التفسير (المركز الثقافي العربى، الدار البيضاء، ط3، 1996) ص 60.

([7])      السابق، ص 66.

([8])      بول ريكور: من النص إلى الفعل، ترجمة: محمد برادة، وحسان بورقية (عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، ط1، 2001م) ص 100.

([9])      نصر حامد أبو زيد: النص، السلطة، الحقيقة (المركز الثقافي العربى، الدار البيضاء، ط1، 1995م) ص 177.

([10])     انظر القديس أوغسطين: مدينة الله (دار المشرق، بيروت، ط1، 2002م) ص 94-106.

([11])     السابق، ص 230.

–        وانظر كذلك كيف ميز أوغسطين بين مدينة روما في التاريخ، ومدينة الله في الزمان السرمدى، ليدافع عن النص من جهة، ويؤكد فاعلية الله في التاريخ من جهة أخرى، زينب الخضيرى: لاهوت التاريخ عند القديس أوغسطين (دار الثقافة – القاهرة – ط1 – 1992م) ص 45، وانظر التفاصيل في كيفية توظيف التاريخ لخدمة العقيدة المسيحية، السابق ص 64.

[12]  ملطى، تادرس يعقوب: آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، مكتبة كنيسة مارجرجس، إسبورتنج، مطبعة الكرنك، 2001، ص 159.

[13]  تعتمد الفقرتان الأولى والثانية من هذا القسم (السادس) على بحث الكاتب: الصياد، كريم: “الوجود-نَحو-الفناء Being-towards-Apocalypse“، مجلة ألف للبلاغة المقارنة، عدد 41، سنة 2021، ص 195-240.

[14] https://www.middleeasteye.net/discover/apocalypse-now-dystopia-why-arab-authors-are-really-writing-about-end-world-egypt#disqus_thread (25.12.2019, 17:40)

بالإضافة إلى الروايات التي عددها المقال لإبراهيم نصر الله، وأحمد سعداوي، ونائل الطوخي، وأحمد ناجي، يمكن كذلك وضع رواية للباحث نفسه في هذه القائمة: الصياد، كريم: نادي الانتحار، دار نيو بوك للنشر، القاهرة، 2020.

[15] الشاطبي، أبو إسحاق: الموافقات في أصول الشريعة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1991.

[16] الشطاط، علي حسين: نهاية الوجود العربي في الأندلس، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، 2001، ص 68. كذلك انظر:

– حسن، حسن علي: الحضارة الإسلامية في المغرب والأندلس-عصر المرابطين والموحدين، مكتبة الخانجي بمصر، مصر، ط1، 1980، ص 51.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete