تذكّرون: استثمار المذهونات في فهم الكون

 تكوين

﴿وَهُوَ ٱلَّذِی یُرۡسِلُ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَقَلَّتۡ سَحَابࣰا ثِقَالࣰا سُقۡنَـٰهُ لِبَلَدࣲ مَّیِّتࣲ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَاۤءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾ {الأعراف ٥٧}.

  1. توطئة

تضعنا هذه الآية الكريمةُ أمام تصوّر العرب ــــــ زمنَ التنزّلِ ـــــــ لآلية تساقط الأمطار وإخراج الثمرات، فهي إرسال رياح، حتى تقل سحابا فيساق لبلدٍ ميّتٍ فيتم إنزال الماء.

هذا المشهدُ بتفاصيله كان أمام أعينهم، غير أن الآية الكريمة لا تتوخى نقل المشهد من الواقع المعاش إلى نصٍّ مقروء فحسب، بل تتوخى دعوة المتلقين إلى مراقبة هذا المشهد وفهمه ليس من باب كونه حدثاً طبيعيًا في جغرافيا دنيا العرب، بل من باب كونه حدثا ذا دلالات؛ فمستهلّ الآية ﴿وَهُوَ ٱلَّذِی یُرۡسِلُ﴾ يعني أنّ المتلقي ليس لديه هذه المعلومة، وإن كان الإرسال معلوما لديه؛ فالذي يرسل ــــــ في أذهانهم ــــــ غيرُ المكنّى عنه بـ”هو” ما يقتضي التخصيص بـ”الذي” إذْ يؤتى بها للتوصل إلى تعريف المعارف بالجمل[1]. وختام الآية رجاءٌ وتحفيز ﴿لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾ ما يعني أن الآية تتوخى إعادة التقميش للأذهان ليس بمشاهد جديدة، بل بدلالات المَشاهد المشهودة، وبخاصةٍ أنّه مشهد مراقَب ومرصود، ومطلوب بإلحاح في حياة العرب وقتذاك، إذ كان يمثّل حاجة ماسّة دونها الحياة أو الموت؛ فهذا عبد الله بن العجلان النهديّ[2] يقول من(الخفيف):

ربِّ إنّ الحجازَ أجحفها الأزْ               لُ[3] فقد حل في ذويها الجلاءُ[4]

جمُدتْ ريحُها فلم يُرَ فيها                  منذ حـولٍ  سـحــابـــــةٌ  هـطــلاءُ

ما يعني أن العربَ في ذلك الزمن كانت تربطُ المطر بالريح بأحوالهم، في سرائهم وضرائهم وليس غريبا ذلك الربط فهي ملحوظةٌ رأي العين، ونداؤه ربَّه ليعرض عليه واقع الحجاز بالإخبار عن ريحها، فيه دلالةٌ واضحة على ما تدل عليه من حاجةٍ ماسّة، ولا يعني نداؤه ربَّه أنه كان مؤمنا بدين محمّد، بل يعني أن الاستسقاء في ذلك الزمن كان شائعا، وبمختلف الطقوس الوثنية وغير الوثنية.

ولم تكن ملاحظاتهم لأحوال الطبيعة بعيدةً عن واقعهم النفسيّ فهم يرونها علامات على خلاص أو عقوبة،  تحت تأثير بؤسهم وهنائهم فيرقب البعض حياته تحت تأثير معرفته بحركة الرياح ووظيفتها، فهو يعرف تلك الأحوال كما تبدو له في آثارها؛ فهذا عبيد بن الأبرص وهو في قبضة الموت في يوم بؤس النعمان بن المنذر، يقول من (الطويل):

سحائبُ ريحٍ لم تُوَكَّلْ ببلدةٍ        فتتركها إلا  كما ليلةِ الطَّلْقِ[5]

وقد نقل المفسرون عن السُّدّي[6] قوله:” إنَّه تعالى يرسل الرِّيَاحَ، فتأتي بالسَّحَابِ، ثم إنَّهُ تعالى يبسطه في السَّمَاءِ كيف يشَاءُ، ثم يفتح أبوابَ السَّمَاءِ فيسيلُ الماءُ على السَّحابِ، ثم يُمْطِرُ السَّحَابُ بعد ذلك، ورحمته هو المَطَر”[7].

طبعاً ، يبدو واضحا أن ما أثبته السُّدِّي لن يستغربه أحد، ولن يعترض على عدم صوابيته أحد، ذاك لأنّ مكوّنات الأذهان لا يشكّل وقوعُ هذا القول فيها أي تنافر معها، فمصادرُ معلومات الخلق عن العالم هي تصوّراتٌ لا يؤيدها علمٌ يقيني، وتجاربهم إنما هي في مجال مصالحهم مع الكون ومفرداته، فيقرُّ في أذهانهم أن المطرَ إذا انحبس فإنما لسبب فيهم وإذا سحابةٌ هطلت كذلك لسببٍ فيهم.

إقرأ أيضا: محمد عابد الجابري باعتباره مفسرا للقرآن

والله لا يقدّم للخلق معلومات عن الكون، بل يقدّم الكون كما يبدو لهم ويدعوهم لفهمه بوصفه آياتٍ بيّنات على ضوء فهمها تُفهم الحياةُ والموتُ والبعثُ والحساب.

نرى أن الآية اعتمدت الفعل “يرسل”  مضارعاً لتدلّ على شأنٍ دائم، وأنّ الآية اعتمدت العلامة اللغويّة “يرسل” وليس أيّ علامةٍ أخرى، فذاك لكون الإرسال يجعل من المرسلةِ رسالةً أو حاملةَ رسالة، كأن نقول أرسلت زيدًا إلى الإدارة، ولا نقول بعثته إلا إن كان يسأل عن أحدٍ يتكلم معه بشأن الجامعة أو المدرسة فبعثته إلى الإدارة، أما إذا كان يحمل رسالةً مني فأكون قد أرسلته. يدلّ هذا أن الآية الكريمة لا تقدّم لنا معلومات عن حركة الرياح ووظائفها، بل تقدّم لنا حركةَ الرياح وما يليها أو يصاحبها آيات بيّنات لفهم شيءٍ ما.

  1. إظهار القدرة بإرسال الرياح

﴿وَهُوَ ٱلَّذِی یُرۡسِلُ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۖ .

بشرًا، علامةٌ أخرى على كون الآية تقدّم الرياح بهويّةٍ تُرضي طويّةَ المتلقّين، فالمفردة حالٌ للرياح، أي صفة مؤقتة، ما يعني أن للرياح صفاتٍ أخرى، ولكن السياق هنا ــــــ لغرضٍ ما ــــــ  يقدِّمُها بهذه الصفة، مع أن هناك قراءاتٍ متعددة، إلا أن اعتمادَ ما ثبت في المصحف العثماني هو الأرجح؛ فالصفةُ هذه تفتح السبلَ أمام الإرسال بوصفه حركةً إيجابيّة تزخرُ بالوعود الطيبة، فالمرسِل/هو/ الله/ وليس صنما أو وثنا أو شيخ قبيلة؛ فالعظَمة يكنّى عنها بـ “هو” وتُخصص من دون المعبودات بــ “الذي” . أما المرسلةُ فهي “الرياح”، والرسالة هي “بشراً”.

البُشر، “بُشْرًا وبُشْرَى كلها في القرآن للبشارة بخير”[8]. انفتاحٌ على ما يسرّ ويفرح، وإيراد هذه المفردة حالاً للرياح، يشي بحاجة المتلقّين لهذا السرور وهذا الفرح، ويؤكّد ذلك تظريفُ البُشر ﴿ بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۖ. فإذا صحّ أن الرحمةَ في هذا السياق تعني إنزال المطر، فهذا يعني أن الرياح المرسلةَ بهذه الحال، إنما هي لتبعث السرور والفرح في النفوس التي تعاني من تهديد المحْل والقحط؛ فالرحمةُ هي المحبة والعطف” وهي من الله عز وجل كلُّ ما يناسب البَلال والرقة من إحسان ورزق وحَنان”[9]. وأن تكون الرياح بَُِشراً بين يدي رحمته، فهذا يعني أنها بمحبته وعنايته، يرسلها كيف يشاء وأنّى يشاء.

يقول المفسرون إن﴿ بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۖتعني أمامَ رحمته، وقدّام رحمته، والحقيقة إن قول المفسرين يثير سؤالاً مهمّا، مع أن إضافةَ الظرف “بين” إلى “يدي رحمته” لا يمكن أن تعني “وراء”، وبغض النظر عن دلالة التعبير؛ فالسؤال لماذا قال ما قال، ولم يقل “أمام” أو “قدّام” ؟

إن اللفظ أمام أو قدّام يدلّ على ظرف محايد، والآية لا تقدّم حركة الرياح المرسلة بشكل محايد؛ بل هي حركة بفعل فاعل “هو الذي يرسل”، في حالٍ محددةٍ “بُشرًا” وانسجاما مع ما يعنيه حال الرياح من وعدٍ بالخير وما يعدُ به الخير بالأمن الغذائي، والاستقرار الاجتماعي، وما يوفره ذلك كلُّه من فرص للإبداع والاستقرار، وذاك لن يكون إلا بين يدي رحمته، لما تشتمل عليه الرحمة من كل ما يحتاجه الفرد والمجتمع والحيّز.

إذن، تعيد الآيةُ الكريمةُ تشكيل مخزونات أذهانِ المتلقين، بالتأسيس على المعرفة السطحية المختزنة عندهم، إلا أنها تجعل الحركة المعهودةَ بيد الله أي بقدرته وهيمنته وعنايته. هذه هي الرحمةُ التي لا ينبغي لأي إله مزعومٍ أن يمنحها لأحد.

اقرأ أيضا: لا نسخ في القرآن الكريم بنص القرآن نفسه

حصل ــــــ مؤخرًا ــــــ الملتقى الدولي للاستمطار في أبو ظبي/ الإمارات العربية المتحدة، على مدى ثلاثة أيام،(28ـــــ 30يناير/كانون الثاني/ 2025).  “شهد سلسلة من الجلسات الحوارية الثرية والعروض التفاعلية ضمن خمسة محاور رئيسية شملت التعاون، والابتكار، وبناء القدرات، والذكاء الاصطناعي، والأبحاث التطبيقية.

واستقطب الملتقى نحو 600 عالم وباحث ومتخصص في مجال تعديل الطقس وعلوم الاستمطار، كما شهد مشاركة 50 متحدثاً من الخبراء وصناع القرار والباحثين”[10].

نستطيع القول إن هذا الخبر من شأنه أن يعيد تشكيل أذهاننا بإزاء حركة الرياح وأماكنِ الهطول وتخصيب السحاب ….  وهكذا، ولكن الآية الكريمة لا تقدّم لنا معلومات عن حركة الرياح بل تعتمد القارّ في الأذهان نتاجَ رأي العين، وتريد تخليص الأذهان من المحتويات المعيقة التي تشكل مصدرا لإعمال الذهن بالكائنات وحراكها، ما ينجم عنه خللٌ ذهنيّ لا يمكن معه أن يتعامل الذهنُ مع حقيقة، ولا ينتج معرفةَ حقيقة ممكنة؛ وأبرزُ هذه المحتويات المعيقة هي في نسبة أعمال الطبيعة إلى غير أسبابها الحقيقية، وما يحيط بذلك من الأوهام والتصورات الخرافيّة.

هل طلب القرآن من الناس أن لا يدرسوا الكون وأجزاءه؟ أو هل طالبهم بأن يلتزموا بالاستسقاء بدل التفكير بمخرجات بحوث الاستمطار، طبعاً لم يحصل؛ بل يجب أن يقتنع الإنسان بأن طريق الدين إلى الحقيقة أو إلى المعرفة مختلفةٌ عن طريق العلم، وذاك لا يضير مصالحَ العبادِ بشيء.

  1. غاية إرسال الرياح  

﴿ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَقَلَّتۡ سَحَابࣰا ثِقَالࣰا سُقۡنَـٰهُ لِبَلَدࣲ مَّیِّتࣲ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَاۤءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰتِۚ ﴾

حتى حرف ابتداء تستأنف به الآيةُ تسلسلها، لبيان غاية الإرسال، فهو حرف غاية أو انتهاء الغاية، ويكون ما بعدها مستقبلًا، فتتولى “إذا” دفْعَ الأحداث إلى المستقبل ، لكونها ظرفاً لما يستقبل من الزمان يتضمن معنى الشرط فيتزامن فيه حدثان “أقلّتْ سحابا” و”سقناه لبلدٍ” ، وإذا هي الظرف الذي تتحققُ فيه غاية الإرسال، لذا، هو خافض لفعله، متعلّقٌ بجوابه، فالخفض لجملة الفعل يجعلها مضافا إليه، وفي هذه الإضافة تتبيّن أهمية الظرف “إذا”؛ فالحدث الأول “أقلت سحابا ثقالاً”  هي مظروف “إذا”، وبالنظر في هذا المظروف نرى الرياح في إطار الاستئناف بـ”حتى” تبدي  الجزء الأول من غايتها، وهو حمل السحاب المثقل بالماء، وقد عبّرت الآية عن  جهوزيّة الماء، باعتماد الفعل “أقلّت”، واعتماد هذه اللفظة دون غيرها من ألفاظٍ تدلّ على الحمل؛ لكونِها مشتقة من الإقلال للدلالةِ على سهولة هذا الحدث تناسبا مع الرحمة السابقة لحرف الغاية، ويأتي وصف السحاب بـ” ثِقالا” على هذا الوزن للدلالة على الجمع والخير العميم.

أمّا الجزء الثاني من غاية إرسال الرياح فهو “سقناه لبلدٍ ميّت” فالظرف متعلِّقٌ بفعل السَّوق المسند إلى “نا” العظَمة، تناسباً مع استقلال الثقيل الذي لا يكون إلا من عظيم،  وكونه بصيغة الماضي لا يفسد استقباليّةَ “حتى” بل يكون للتأكيد؛ ففعل الشرط المضاف إليه بصيغة الماضي، وكذلك جواب الشرط بصيغة الماضي للتأكيد، فيكون هذا الحدث بجزأيه مؤكّدا لا جدال فيه.

وتأتي “اللام” بعد فعل السّوق لتوصل أثر هذا الفعل إلى بلد موصوف بـ”الميّت”؛ فاللام ليست حرف غاية وهو أصلٌ في معانيها، بل حرف تعليل  بمعنى “لأجل بلدٍ ميّت”، وتم العدول عن “أجْل” إلى “اللام”، لفرق بينهما كبير؛ فاللام للإلصاق والتمليك أيضا، ويستفيد التعليل من هذا المعنى بجعله الحدثَ مؤكّد الحصول، أما لو اعتُمدت ” أجْل” فليس بالضرورة أن يحصل، فيكون السَّوقُ من أجله ليس إلا.

وتعطف الآيةُ على جواب الشرط “سقناه”، فعلا آخر بواسطة “فاء التعقيب” ” فأنزلنا به الماء”. وأوّل ما يلفت الانتباه هنا لفظ الماء معرّفاً بـ”ال” العهدية، ولو أنه قال ولم يقل فأنزلنا به ماءً لصحّ هذا القول وفق أصول القول في العربية، غير أنه اختار التعريف للدلالة على أن الماء المنزل هو ماء معهودٌ ومُنْتَظر؛ فاللفظُ “ميّت” من شأنه أن يقدّم صورة هذا البلد وأهله في قبضة اليباس، ويعرف أهل البلد أن الذي ينقذهم من اليباس هو الغيث المعهود، لذا أنزل الماء وليس أيّ ماء.

وأنّ الذي أعقب بيان غاية إرسال الرياح هو إنزال الماء؛ فهذا لاستكمال المشهد الخصيب، فكان الإنزال وليس التنزيل لإفادة الخصوبة المضمونة ، وإنقاذ الميّت قبل أن يصبِحَ ميْتاً؛ فالإنزال يفيد الهطولَ الكثيف بلا انقطاع إلى أمد، أمّا التنزيلُ فيفيد التقطع بالهطولِ ما يوهم بريب النفع. إلى ذلك فالإنزال يناسب حاجة “الميّت” كما يتناسب مع “ثقالًا”.

أمّا “به”، فهي بين الظرفية والسببية تبيح للقارئ أن يتوقع الإثنين، ولكن لنا رأي آخر؛ فإذا كانت ظرفيةً يعني أن “الهاء” عائدٌ إلى بلدٍ، وأنّ “في” الظرفية تفيد احتواء البلد للماء المنزَل، مثلما نقول “الماء في الإبريق”، بينما الباءُ الظرفية تفيد إلصاق الماء المنزَل بالبلد، ما يقلل من احتماله لعدم تناسب القليل مع السحاب الثقال، ولعدم توافر الخصوبة بالإلصاق، لذا؛ نرجّحُ أن تكون الباء سببية أو حرف استعانة، مثلما نقول “كتبت بالقلم”، أي بسبب الإقلال والسّوق أَنزل الماء، أو يكون الإقلال والسَّوق آلة الإنزال.

وتواصل الآية التعقيب بــ” الفاء”، لتعطف به “أخرجنا من كل الثمرات”، انسجاماً مع الحال الواعدة “بشرًا” في مطلع الآية، ولتبلغ الحركة منتهى غايتها في بلوغ الموعود، فيأتي التعبير عن ذلك بـ” فأخرجنا به من كلّ الثمرات” .

أما وقد جيء بـ” الثمرات” جمع قلةٍ والمقام على ما يبدو لنا مقام تكثير لإظهار القدرة العظيمة، وتناسباً مع “نا” العظَمة المسند إليها فعل الإخراج، و”كل” التي تشمل أصنافها من دون استثناء ؛ فهل لذلك من دلالة؟

هذا الجزء من الآية ينطوي على حرف “من” التبعيضية، ومجرورها “كل” الشمولية المضافة إلى الثمرات، ما يعني أن كل الثمرات أبعاض، وهي أبعاض قليلة في شبه الجزيرة العربية، لكنها تفي بالحاجة، وهي: الأشجار المثمرة (النخيل، الرمان، الكرمة، التين، التفاح، الليمون، اليقطين، والبطيخ) ، الأشجار غير المثمرة أو التي لا يؤكل ثمرها( السنط، الأثل، الغضا، اللبان ، المر) كانت لاستخراج البخور والفحم، والحبوب( القمح، الشعير، الذرة، الأرز، والكلأ).

الأبعاض ثلاثة، وإن كانت “كل” تشمل كلّ عناصرها، الأمر الذي اقتضى ذكر المحاصيل بهذه الصيغة “الثمرات” التي تدل على القلة. وهناك رأي يقول بأن جمع المؤنث السالم يدل أحيانا على الكثرة “ولكنّ ادّعاء النحاة هذا ، في دلالة الأف والتاء على الجمع القليل، لا يستند إلى استقراء لغويّ دقيق، مما دفع سيبويه إلى القول: “وقد يجمعون بالتاء وهم يريدون الكثير”[11][12]، فإذا ذهبنا في هذا المذهب يبقى السؤال عن علة استعمال هذه الصيغة بالذات تعبيرا عن الكثرة وهي ملتبسة، في الوقت الذي تدلّ صيغة “فِعال” من دون أي لبس؟ أيكون لأن احتمال الوجهين يدل أنهما مطلوبان! ربما وفي ذلك توسّع لطيف.

والشيء يستدعي شيئا، فنسأل أيضا، إذا كانت “الثمرات” جمع قلة كما هو شائع في الجمع السالم، فلماذا جيء بـ”الثمرات” للدلالة على القلة ولم يؤتَ بـ “الأثمار” الدالة على القلة أيضا؟

يقول النحاة ” الجمع السالم يدلّ على إرادة الحدث، والتكسير يباعده عن ذلك”[13]، وأنّ المفردة هنا بصيغة الجمع بالألف والتاء، فذاك على إرادة الحدث؛ وهذا يناسب توالي الأحداث من “يرسل”  حتى “أخرجنا”.

  1. تعديل الفهم

﴿ كَذَ ٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ﴾

وأنّ النص قد اكتمل فيه أداءُ المشهد من مبتداه إلى منتهاه، بات لزامًا أن يثبت  في الختام فائدة العرض المشهديّ، فقد ربط هذا التوالي للأحداث بواسطة “كذلك” بجملة خبرية عمْدتُها فعلٌ يدل على الاستمرار بصيغته المضارعية، وفضْلةٌ تحيل على مآل الخلق بعد أن يصيروا ترابا.

المشهد النهائي للعيان، يقدّم الخلق مشروع خلقٍ آخر، فهم في العدم ترابٌ في تراب، بلغوا هذه العدمية بوصفها مآلاً حتميا لحياة محدودة، والمشهد المعبَّرٌ عنه بالمركّبِ الإسناديّ “نخرج الموتى” يحيل على كونٍ آخر غير ملحوظٍ، يحتجُّ النصّ بمشهدٍ ملحوظ لإقناع المتلقّي به.

العناصر الملحوظة من هذا المشهدِ الغيبيّ، هي الحياة والموت، وعند نقطة النهاية، التي هي الموت، تنتهي علاقة الإنسان الحيّ بالميْت، وما يقال في زمن التنزّل عن عالم ما بعد الموت، ليس إلا من التصوراتِ بغض النظر عن محتواها.

لم تقدّم المصادر الجاهلية لنا رأيا نهائيا في الحياة بعد الموت، ولا عن الجنة والنار، بل يمكن التعرّف على آراء الجاهليين من خلال القرآن الكريم الذي خاطبهم بما هم عليه من اعتقاد، وقد كان الذين ينكرون البعث يقدمون القرابين للأصنام لا لترضى عنهم بعد الموت بل لترضى عنهم في الحياة الدنيا[14]، كما كان أكثرهم يقولون”﴿وَقَالُوا۟ مَا هِیَ إِلَّا حَیَاتُنَا ٱلدُّنۡیَا نَمُوتُ وَنَحۡیَا وَمَا یُهۡلِكُنَاۤ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ﴾[15]، وحاجّوا محمّدا(ص) كثيرًا حول البعث، وحاولوا كثيرا أن يحرجوه بإنكارهم ذلك.

إذن، الموت عند أكثر المتلقين للقرآن كان الخاتمة، وأن المعلوم لديهم أن آباءهم الأولين باتوا عظاما نخرة، أو ترابا، فلا يحيي الله الموتى ولا يبعث من في القبور.

الآية هنا بانطلاقتها “هو الذي يرسل” حتى ” فأخرجنا به من كل الثمرات” سيقت بهذا الترتيب لتسفّه اعتقادهم بأن مسألة البعث ماثلةٌ أمام أعينهم ويلحظون سيرورتها في بيئتهم ، وما عليهم سوى إعادة فهم هذه الحركة؛ فكما قلنا يتوخى النص تعديل الفهم بترسيخ الحركة المألوفة في أذهانهم، ودعوتهم لأن يرقبوها من جديد، ليعرفوا كيف يكون إخراج الموتى من الدوارس والدثور؛ فكانت “كذلك” بوصفها رابطًا للعرض تأسيسا لمحتوى جديد في الأذهان.

لم تقدم الآية المشهد بما يغاير معرفتهم به، فهو في ذهنهم على هذا النحو المذكور، ولكنه بعد عرضه عليهم، عرض المشهد الغيبي “إخراج الموتى”، ما يحيل على عرض أعمق بأن يُعمل المتلقي ذهنه بمحتوياته ليفهم الحياة والموت وفق عقيدة القرآن.

  1. … وأخيرًا

﴿لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾

“الترجّي هو إرادة إظهار الشيء الممكن أو كراهته”[16] أو إرادةُ كراهته، مثل لعلي أموت الساعةَ. وأهم ما في هذا التعريف أنّ الترجّي يقع على الممكن بعكس التمني الذي يحتمل الاثنين، فيقع على الممكن “ليت زيدا يأتي”، ويقع على المحال مثل “ليت الشباب يعود يوما”. وهو “ارتقاب شيء لا وثوق بحصوله”[17]. وفي كلامه على “لعلّ” يقول السامرائي:” هي لتوقّع شيء محبوب أو مكروه، توقع المحبوب يسمى ترجيا وإطماعاً، وتوقع المكروه يسمى إشفاقا”[18] وهو يرجح أنها للتوقع مطلقًا؛ فيستبعد أن تكون للتعليل بمعنى “كي”.

في كل الأحوال الترجي ليس طلبا، إنما هو توقع؛ فما الذي اقتضى هذا التوقع؟

يأتي هذا التوقعُ بعد سرد مشهدية معلومة، بوظيفةٍ معلومة، إلا أنها موجهةٌ إلى حيثُ تُوجّه بفعلٍ مسندٍ إلى الله المكنى عنه بـ”هو الذي” ، ما جعل هذا المشهدَ بدلالةٍ جديدة لم تكن معلومة، وهذا يعني أنّ المتوقعَ أن تنتفي المعلومة السابقة التي تشكّلُ مضمونا للذهن، بمضمونٍ جديدٍ يُتوخى به أن يتغيّرَ فهم الإنسان للكون وأعماله.

وأن يكون أسلوب الترجّي هو المعتمد لتغيير فهم الإنسان ، فذاك يعني أن الآيةَ تقدّم توقعا لحراك ذهني بإزاء الموجودات مختلفًا عمّا كان عليه سابقا، ليس فقط للاقتناع بالبعث بعد الموت، وأن خالق الحياة والموت قادرٌ على إعادة الخلق بعد الفناء بدليل هذا الشاهد؛ بل سيق أيضًا لاعتماد النظر في محتويات الذهن دوما، فالمضارع الذي تأسلبَ به خبرُ لعلّ “تذكّرون” إنما هو بهذه الصيغة ليكون أسلوباً للتعامل مع الكون كما هو في الأذهان، ويتحمّلُ مسؤوليتَه الإنسان بوصفه مسؤولا عن تعيين الحراك الذهني باستمرار، كلما تلقّى معلومةً عن أي ظاهرة طبيعية أو اجتماعية  أو سياسية… يعرضها على مدخراته الذهنية وعليه أن يمتثل لما يصل إليه نتاج هذا العرض، وهذا هو التذكّر، ليس مجرّدَ استرجاعٍ للمعلومات، بل إعمال الذهن بها كما يقتضي المنهج التابع للحقيقة المفترضة. وينبغي أن تكون النتيجة غير نهائية لأنّ العلوم لا تقدم حقيقة نهائية بل تقدّم الممكن الراهن.

وتأتي صيغة تتذكّرون، بالإدغام أو بإسقاط التاء، للتأكيد والتحفيز الذهني لأهميّة هذا الفعل المؤسس للحركة النقدية النهضوية، التي تكاد تنحصر أولوياتها بمراجعة الأفكار المسبقة والتعامل معها بأمانة وصدقٍ وعدم ادعاء صدقيتها النهائية.

  1. الخلاصة

عندما يزاحمُ تصوّرٌ جديد تصوّراً قارّا في الذهن، لا بدّ من تنخّل الأساليب حتى يتمَّ اختيارُ أسلوب ملائم قادرٍ على التسلل من دونِ أي تصادمٍ بلا طائل، فالمعلومات التي كانت عند متلقّي هذه الآية هي معلومات محسوسة؛ لا تعمد الآية إلى تصديقها أو نزع الصدقيّةِ عنها؛ بل تعمد إلى تزويدهم بمهارةٍ ذهنيّة تمكنهم من تعديلها أو تعزيزها، وهي مهارة التذكّر بوصفها نشاطاً ذهنيا يريده النصّ نقديا عندما يدعو المتلقين إلى القيام به بهدف اعتماده للاستدلال بالتعامل معه على نشاطهم الحياتي المنسجم مع دلالة المشهد، وكذلك على مواقفهم من الحياة والكون سيرورةً وصيرورة، بوصفها مواقف ناجمة عن فهمهم للمشهد الكوني فتكون المزاحمةُ ممكنة فلا يكون الموقف نهائياً عندما يتغير الفهم أو يتوسع .

خلصنا في ختام هذا العمل إلى أن الفاصلة﴿لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾هي عمدة الآية ، بوصفها مشروعاً مرتجى لنشاط ذهنيّ يحدث انقلابا حقيقيا في مناهج التطلعات الإنسانيّة نحو الأفضل، ويحدث أيضاً تعديلا في منهج الإقناع تأسيساً على المعهود من المعارف وإن كانت مغلوطةً فمن شأن هذا النشاط أن ينقدَها ويعيد تصويب معلوماته، وتلك رياضةٌ ذهنية شاقّة تحتاج دأباً متواصلا لا رجعةَ فيه؛ فالتحفيز على التذكّر ليس تحفيزًا على عودة ميكانيكية إلى محتويات الذهن وانتقاء ما يناسب، وقد لا يكون مناسبا؛ بل هذا التحفيز جاء بعد عرضٍ متتالٍ لحركة طبيعية تَغيّر فيها الفاعل بأسلوب خبري يحترم قدراتهم على التلقي والفهم، وتغيرت فيها حال الغاية ﴿ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۖ . فاستبدل الغيث بالرحمة، كلّ ذلك بهذا الأسلوب الكنائي، يهدف إلى إقناع  المتلقّين من دون استفزاز، فلم يبخّس رؤيتهم ولم يأمرْهم باعتماد رؤيةٍ بديلة، لعلّهم يعيدون النظر بما يزعمونه معرفة، فيقيمون لعقولهم شأنًا يرفع شأنهم بين الأمم، بل دعاهم بأسلوب الترجّي إلى توظيف ما لديهم في فهم الحياة والموت والبعث.

المصادر والمراجع:

  1. القرآن الكريم.
  2. ابن عادل، عمر بن علي، اللباب في علوم الكتاب، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمّد عوض، دار الكتب العلمية، بيروت، 1998
  3. التهانوي، محمد علي، كشاف اصطلاحات الفنون، تحقيق علي دحروج، مكتبة لبنان، بيروت، 1996.
  4. جبل، محمد حسن، المعجم الاشتقاقي،
  5. الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز، تحقيق: محمد عبده، دار الكتب العلمية، بيروت ، 1988.
  6. الجرجاني، علي، التعريفات، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة، القاهرة، 2004.
  7. الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت،ط11، 1996.
  8. السامرائي، فاضل صالح، معاني الأبنية العربية، دار عمّار ، عمان، 2007.
  9. السامرائي، فاضل صالح، معاني النحو، دار الفكر، عمان، 2000.
  10. سيبويه، عمرو بن عثمان بن قنبر، الكتاب، تحقيق: عبد السلام هارون، الهيئة المصرية للكتاب، 1975.
  11. عبيد بن الأبرص، ديوان عبيد بن الأبرص، شرح أشرف أحمد عدرة، دار الكتاب العربي، بيروت، 1994.
  12. علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ساعدت جامعة بغداد على نشره، بغداد، ط2، 1992.
  13. نور الدين، عصام، المصطلح الصرفي مميزات التذكير والتأنيث، الشركة العالمية للكتاب، دار الكتاب العالمي، مكتبة المدرسة، بيروت، 1988.

[1] الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز، تحقيق: محمد عبده، دار الكتب العلمية، بيروت ، 1988، ص. 154 وما بعدها.

[2] عبد الله بن العجلان النهديّ (50 ق.هـ)، شاعرٌ جاهليٌّ قديمٌ من قبيلةِ نهد المنحدرة من قبائل قضاعة. عُرِفَ بأنّه أقدمُ الشّعراءِ المتيّمين العرب الّذين تتشابه قصصُهم مع شعراءِ الشعر العذريّ في العصرِ الأمويّ، واشتُهرت قصّته مع طليقته “هند” الّتي طلّقها بضغطٍ من أبيه ثمّ ندم عليها ندماً شديداً، وظلّ حزيناً أسِفاً عليها إلى أن توفّي. وبرغمِ قصّةِ حبِّه إلّا أنّه كان سيّداً من ساداتِ قومِهِ ومقدّماً فيهم، وقد ورثَ السّيادةَ عن أبيه. يدورُ أغلبُ شعرِهِ في الشّوقِ إلى هند والبكاءِ عليها، وله شعرٌ في وصفِ بأسِ قومِهِ بني نهد وقتالهم المستمرّ لبني عامر. رَبِّ إِيَّاكَ نَحْنُ نَدْعُو وَنَرْجُو – عبد الله بن العجلان النّهديّ – الموسوعة الشعرية، تمت الزيارة في ليل 17/2/2025.

[3] الأزلُ: الضيق في العيش

[4] الجلاء: الصحو في السماء

[5] عبيد بن الأبرص، ديوان عبيد بن الأبرص، شرح أشرف أحمد عدرة، دار الكتاب العربي، بيروت، 1994،   ص12

[6] أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمـٰنِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ اَلسُّدِّيُّ اَلْحِجَازِيُّ ثُمَّ اَلْكُوفِيُّ اَلْأَعْوَرُ اَلْقُرَشِيُّ، مولىٰ زَيْنَبَ بِنْتِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، تابعيٌّ، مُحَدِّثٌ، مُفَسِّرٌ، صَدُوقٌ. توفي في 128هـ . 745م. (الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت،ط11، 1996، 5/264ـــــ 265)

[7] ابن عادل، عمر بن علي، اللباب في علوم الكتاب، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمّد عوض، دار الكتب العلمية، بيروت، 1998، 9/ 171

[8] جبل، محمد حسن، المعجم الاشتقاقي، مادة “بشر”

[9] م.ن. مادة “رحم”.

[10] “الملتقى الدولي للاستمطار” يختتم أعماله في أبوظبي – الاتحاد للأخبار   . . تمت الزيارة في 22/2/2025.

[11] سيبويه، الكتاب، تحقيق: عبد السلام هارون، الهيئة المصرية للكتاب، 1975. 3/578

[12] نور الدين، عصام، المصطلح الصرفي مميزات التذكير والتأنيث، الشركة العالمية للكتاب، دار الكتاب العالمي، مكتبة المدرسة، بيروت، 1988، ص.210.

[13] السامرائي، فاضل صالح، معاني الأبنية العربية، دار عمّار ، عمان، 2007، ص. 128 .

[14] علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ساعدت جامعة بغداد على نشره، بغداد، ط2، 1992، 6/ 123 وما بعدها.

[15] القرآن الكريم، الجاثية، 45: 24.

[16] الجرجاني، علي، التعريفات،  تحقيق: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة، القاهرة، 2004، ص.51.

[17] التهانوي، محمد علي، كشاف اصطلاحات الفنون، تحقيق علي دحروج، مكتبة لبنان، بيروت، 1996، 1/ 415

[18] السامرائي، فاضل صالح، معاني النحو، دار الفكر، عمان، 2000، 1/305

اقرأ ايضا

المزيد من المقالات

مقالك الخاص

شــارك وأثــر فـي النقــاش

شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

error Please select a file first cancel
description |
delete
Asset 1

error Please select a file first cancel
description |
delete