تكوين
في مفهوم العقاب الإلهي الجماعي:
العقاب الجماعي في الثقافة الإسلامية مفهوم متعدد الوجوه، يصيب في منظور المفسرين والعلماء المسلمين القدامى ” الكفار” الذين رفضوا الانصياع للدعوات النبوية، وهو ما اصطلح عليه كذلك بهلاك القرى ويضرب على ذلك قصص القرآن الكريم مثلا في تلك النهايات الفاجعة التي أصابت الأقوام التي لم تؤمن بنبيها وصولا إلى أمة محمد الناجية من العقاب الجماعي بفضل أمرين هما أولا الشفاعة المحمدية والجهاد في سبيل الله.
وأما “الكفار” الذين يعيشون بين الناس فيصيبهم العقاب الجماعي في آخر الزمان إما “صيحة” أو ” نفخة” أو “زلزالا” أو “طوفانا” أو “نارا” فتبيدهم الإبادة الأخيرة. ثم يبعثون للحساب. وهذا التصور له أسسه الميثية والتاريخية ولكننا سننظر فقط في إشكالية من الإشكاليات التي تحدى بها تصور العقاب الجماعي العقل الفقهي والكلامي الإسلامي بكل أصنافه من معتزلة وأشاعرة وسنة وشيعة، وهو التصور الذي يضع خاصيتين متناقضتين وجها لوجه: الخاصية الأولى مسؤولية الفرد على أفعاله، والخاصية الثانية عدالة الإله والجزاء. فكيف تجد الثقافة الإسلامية في تصور العقاب الجماعي عدالة متطابقة مع مفاهيم الحساب الفردي والمسؤولية الفردية التي ينص عليها نص القرآن نفسه؟
****
يسمي المفسرون الهلاك إذا أباد قوما بأنه عذاب الاستئصال ويعتبرونه سنة في الأولين لان جل القرى أهلكت وأبيدت بما يعتقد أنه عقاب إلهي جماعي أصابها حين طالبت أنبياءها بدلالات النبوة ثم كذبوا بها وأنكروها ولم يستثن من ذلك سوى أمة محمد لشفاعة منه وانظر رواية مسلم في ذلك إذ قال عن النبي انه قال
“ وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسَنَةٍ بعامةٍ “
وهو ما سيعتبر دينا على المسلمين وجب الحمد والشكر عليه لأنهم رحموا بذلك على خلاف بقية الأمم[1]. فقد “َكَانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم كَالْمُخَالِفِ لِمَنْ قَبْلَهُ فِي أَمْرِ الْعَذَابِ لِأَنَّ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ مُرْتَفِعٌ عَنْ قَوْمِهِ، أَمَرَهُ تَعَالَى بِأَنْ يَشْكُرَ رَبَّهُ عَلَى مَا خَصَّهُ بِهَذِهِ النِّعَمِ، وَبِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى مَشَاقِّ الرسالة. فأما قوله: آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ فَهُوَ تَبْكِيتٌ لِلْمُشْرِكِينَ وَتَهَكُّمٌ بِحَالِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ آثَرُوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ عَلَى عِبَادَةِ اللَّه تَعَالَى، وَلَا يُؤْثِرُ عَاقِلٌ شَيْئًا عَلَى شَيْءٍ إِلَّا لِزِيَادَةِ خَيْرٍ وَمَنْفَعَةٍ“[2]
الطوفان
والطوفان هو أول عقاب جماعي كان غرضه استئصال الشر كليا. إنه يندرج ضمن التعجيل بالعقاب في الدنيا ولكنه يطرح جملة من المآزق التي على المفسرين والمتكلمين حلها. الإبادة بالريح العاتية لعاد، بالطاغية لقوم هود، بالصيحة والحجر من سجيل لقوم لوط، بالإغراق في البحر لقوم فرعون، وغير هؤلاء حسب الآيات القرآنية كثير لم يفصل فيه القرآن القول ولا تفاسيره ولا قصص الأنبياء، ولكن كل اشكال الإبادة للقرى هي مواضيع خلافية في كتب الكلام والتفسير لانها تطرح مشاكل تناقض الجزاء بالخير خيرا وبالشر شرا، ففي العقاب الجماعي يستوي المذنب والبريء.
أما المعتزلة فقد طرحوا أهم المآزق حين تساءلوا:
“هل يجوز أن ينزل الله تعالى عذاب الاستئصال على قوم كان في المعلوم أن فيهم من يؤمن أو كان في أولادهم من يؤمن؟[3]
واختلف المفسرون في إجابة هذا التساؤل، فقوم قالوا لا يجوز، وقرر الرازي أن “ذلك من الله تعالى جائز وإن كان فيهم من يؤمن”.
غير أن هذا الموقف يثير قضية العدل الإلهي ويجعل ميزان الجزاء مختلا فلم يعاقب المؤمن إذا كان مؤمنا ولم يسوى بين المذنب وغير المذنب؟ لقد تخطت الأديان التوحيدية التي تؤمن بالجزاء بعد الموت أحادية المصير الذي كان ميزة العوالم السفلية في الأساطير القديمة حيث يستوي المحسن والمسيء والبطل والجبان والقوي والضعيف فهل يتخلى الرازي عن مفهوم “كل نفس بما كسبت رهينة” من أجل أن يبرر القصة بأي ثمن ولو على حساب التصور الذي اتفقت حوله الجماعة للإله العادل. وللإجابة عن سؤال العدالة هذا نرتحل بين مختلف التصورات لنقارن كيف تبدو نفس الإشكالية في بقية الأديان والميثولوجيا ونرى إن كانت الثقافة الإسلامية مختلفة أو متشابهة مع تصورات الثقافات الأخرى السابقة لها أو المجاورة والمتحاورة والمتصارعة معها.
- إشكاليات عدالة الإله وصورته:
يحلل مرسيا إلياد صورة يهوه في التوراة فيصفه بكونه يجمع بين أمرين إذ يحمل الخصائص والعيوب الإنسانية من جهة: الحقد والصفح والحزن والفرح والثأر والعفو، لكنه من جهة ثانية لا يعكس ما عليه الوضع البشري فليس ليهوه عائلة ولا يلد ولا يتزوج إلى غير ذلك مما هو من سمات البشر. ويؤكد الباحث على حضور خصائص سلبية للإله تجعله يشبه الشيطان فمن ذلك أعمال غير معقولة ومتناقضات كثيرة تجعل يهوه مختلفا عن” الكائن المثالي الكامل”. إن السمات السلبية تمحي مع الزمن حسب رأيه ولكنها تظل من عناصر تركيبته الأصلية.[4] أما مايكل دوس فإنه رأى يهوه ربا بلا شعب يبحث عن شعب بلا رب.[5] هذه السمات السلبية التي تكوّن الرب اليهودي حاول القرآن وكذلك المفسرون محوها نهائيا ليتصوروا ربا مثاليا كائنا عادلا واحدا وقادرا، ليس من صفاته التناقض وليس من صفاته القرارات المزاجية وليس من صفاته الظلم.
فإذا كانت قضية تنزيه الإله ملحة ومن أهم تحديات التفسير فبأي معنى نفهم المواقف المتناقضة للرازي خاصة وللمفسرين عامة؟
الرازي يدافع في التفسير في كل موضع عن أصل من أصول الفكر الأشعري المتعلق بالعقاب والثواب: مرتكب الكبيرة هل يغفر الله له أم لا، والأصل لدى المفسر أن الله يغفر الكبيرة وأن التوبة لا حد لها ويحتج بآيات من القرآن من ذلك:
“غافر الذنب، وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير”[6]
فغافر الذنب هنا حسب المفسر ترادف غافر الكبيرة لأن” قوله غافر الذنب مذكور في معرض المدح العظيم فوجب حمله على ما يفيد أعظم أنواع المدح وذلك مصدر كونه غافرا للكبائر قبل التوبة وهو المطلوب“[7]
يؤكد الرازي في تفسير هذه الآية أن المطلوب هو كون الله يرجح جانب الرحمة والفضل على النقمة والعقاب، ويصر المفسر أن ذلك دليل قاطع على أنه يغفر الكبيرة مثلما يغفر سائر الذنوب.حين نقارن بين هذا الرأي الذي يرجح الرحمة وينتصر لصورة الرب الغفور المتسامح الذي يتعالى عمن يكفر به ويسيء إليه وبين الرأي السابق الذي يؤكد فيه الأشعري أن الله يهلك القرى حتى لو كان فيها مؤمنون، بسبب طغيان الفساد فيها، حين نقارن بين هذا الرأي وذاك نلاحظ التباين الشديد في موقف المفسر الواحد. فالله رحيم بمرتكبي الكبائر من جهة وهو مهلك غير المذنب مع المذنب من جهة ثانية.
إقرأ أيضًا: منهجية التعامل مع القرآن فيما قبل النص
إن هذا الموقف الذي اتخذه الرازي مثال على طبيعة التناقض الذي وجد فيه المفسرون أنفسهم فمن جهة لدى هؤلاء مسلمات كلامية ومذهبية تحتم عليهم تخريج صورة معينة للإله ومن جهة ثانية يواجه هؤلاء قصصا ممتدا ومتنوعا وروايات كثيرة تنتمي إلى حقب زمنية مختلفة وتحمل تصورات مختلفة عن الإله، وأضف إلى ذلك التصورات الدينية اليهودية والمسيحية السائدة في نفس العصر. من هذا المنطلق مثلت قصص هلاك القرى أو ما يسمى بعقاب الاستئصال تحديا أمام أصول المفسرين واختبارا لمفاهيم العدل والرحمة الإلهيين.
الهلاك الجماعي ومفهوم العدل
لقد سرد المفسرون عن النبي حديثا حاولوا إيجاد قصة له: “لو رحم الله أحدا من قوم نوح لرحم أم الصبي” وأم الصبي هذه امرأة كانت تشفق على رضيعها أن يأخذه الماء فكانت تركض به هاربة رافعة إياه أعلى الجبال حتى إذا داهمها الماء رفعته أعلى ما تستطيع فلم تستطع أن تنقذه من الغرق إذ التهمه الموج[8]. إن هذه القصة التي تكشف عن عاطفة الأمومة، وتسلط الضوء على شفقة الوالد على ولده، أكثر من شفقة المرء على نفسه، تعبير حزين عن خوف كل أب على ابنه أن يهلك، هذا الخوف يبرز في حركة هذه الأم في المكان إذ هي جابت الأرض ركضا تبحث عن مكان آمن، تبحث عن مرتفع، تود لو تصعد إلى السماء فتنقذ وليدها، لكن الماء كان جارفا، كانت هذه المرأة هاربة بابنها من الموت وكان الموت أقوى من إرادتها، وهكذا فإن راوي القصة يعبر عن أساه وتوقه إلى النجاة وعجزه عن مقارعة الغضب الإلهي.
هذا ما تعبر عنه القصة، تكشف حب الأم لأبنائها الأبرياء الصغار، الذين لم يفهموا بعد ما الخطيئة حتى يمسهم العقاب وتعبر عن حزن بشري عميق وإصرار دائم على الهروب من وجه الموت حتى لو كان الموت هو الغالب. لكن المفسرين رأو في القصة دلالة ثانية، إنها لا تمس من عدل الله ولكنها منتهى عدالته، ف” العبرة بقرابة الدين لا بقرابة النسب” [9] وهذه المرأة التي تحمل ابنها لا يمكن أن تنجيه من العقاب لمجرد كونها أمه، لكن الولد غير مكلف فلم يعاقب؟
سيساير المفسرون الحديث النبوي رغم ما فيه من تناقض مع أصل من أصول الجزاء التي ترتبط بالتكليف، فلا يعاقب أو يثاب سوى المكلف أما من لم يكن مكلفا كالولد دون سن البلوغ والمجنون فليس عليه جزاء. فلم الاستئصال نساء ورجالا وولدانا إذا كان الولدان غير مكلفين؟
ستأتي هنا قصص ثانية تعبر عن استحالة ظلم الله وتنزهه عن الجور، فأكثر ما تردد عند المفسرين أن الله أعقم أرحام النساء فلا يولد لهم ولد وقد حدد القرطبي المدة بسبعين سنة قبل الطوفان.[10] وهنا نلاحظ أن المفسرين لم يصرحوا بالمأزق الذي هم فيه، بل هذه الروايات كانت تحدثنا عما هم فيه، لقد سكتوا عن المشكل ولم يطيلوا الحديث في تفاصيله لكن تكرارهم لكون الله أعقم أرحام النساء يدل أنهم يستبعدون أن يكون من العدل إهلاك الرضع وكذلك ينزهون الله عن الظلم لأنه لم يهلك قوم نوح إلا بخطاياهم، لا رغبة منه في انتقام أو نزوة عابرة لإهلاك خلقه.
لم تكن تلك الرواية الحل الوحيد للخروج من المأزق بل ثمة قصة ثانية رواها القرطبي وروى منها صيغا مختلفة:
” قيل إن رجلا من قوم نوح حمل ابنه على كتفه فلما رأى الصبي نوحا قال لأبيه أعطني حجرا فأعطاه حجرا ورمى به نوحا عليه السلام فأدماه فأوحى الله إليه” أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون”[11] أي فلا تغتم بهلاكهم حتى تكون بائسا أي حزينا.”[12]
هذه القصة تبرئ نوحا وتنزه الله، أما نوح فهو نبي فكيف له أن يدعو على قومه بالهلاك وأن ييأس من رحمة الله؟ وأما الله فهو العادل الرحيم فكيف يهلك أطفالا بذنوب غيرهم؟
تحمل القصة المسؤولية للأطفال وتنتصر لمبدأ معرفة الله بالقضاء والقدر، فهذا الطفل الذي أدمى نوحا يحمل بذرة الشر من صغره والله يعلم علم الغيب أنه لن يؤمن. وهو يعلم أن لا أحد في المستقبل سيؤمن لذلك فهذا الخلق فاسد ووجب إهلاكه. ويعترف الرازي أن هذه الآية 36 من سورة هود “احتج بها أصحابنا على صحة قولهم في القضاء والقدر“[13] وبذلك يخرج المفسر من المشكل نهائيا لأن في علم الله أن هؤلاء الأطفال ليس فيهم إلا الكافرون.
إننا رغم ذلك نتبين أن المفسرين جميعا يفضلون القول بكون الله قد أعقم أرحام النساء على القول بكونه يعلم أن هؤلاء الأطفال لن يؤمنوا به. فإن ذلك يتماشى أكثر مع التصورات التي يدافعون عنها أما الحل الثاني فإنه دون شك الأقرب للتصورات اليهودية والمسيحية.
إن الطوفان في اليهودية والمسيحية لا يطرح هذه المشاكل المتعلقة بالعدل الإلهي والتي تخص موت الأبرياء وعقابهم دون ذنب، ففي عقلية هاتين الديانتين:
” الأبرياء لا يموتون من أجل ما ارتكبوا من أخطاء بل من أجل الخطيئة الأصلية” الأبرياء هم أبناء آدم ويحملون الخطيئة التي ورثوها عن أبيهم ولذلك ” فإن الله يفعل ذلك بعدل” [14].
إن إلحاح الثقافة الشفوية من خلال الرواة ومن خلال ما ذكر المفسرون على استحقاق الأطفال الهلاك مع ذويهم أو إلحاحهم على فكرة عقم النساء يدل على اختلاف الثقافة العربية في هذا الأمر عن الثقافات الأخرى. فحتى قصة الطوفان البابلية لم تعبأ بموت الأبرياء، رغم أنها انبنت كذلك على فكرة أن الطوفان عقاب على ذنوب البشر[15]:
« Douze cents ans ne s’étaient pas écoulés
Que le territoire se trouva élargi
Et la population multipliée.
Comme un taureau, le pays tant donna de la voix
Que le dieu souverain fut incommodé par le tapage. »
حين تكاثر البشر وتكاثر ضجيجهم أزعج ذلك الآلهة فسلطوا عليهم العقاب، بدء بالجفاف والمجاعة وانتهاء بالطوفان. فلولا ذلك الضجيج ما عاقب الآلهة البشر. لذلك فإن لهذا الطوفان كذلك دلالة العقاب على ذنب، ولكن هذه القصة لم تميز بين البشر إذ غاص جميعهم في الظلمات ومات الكل كما لو كانوا ذبابا متساقطا. أما البطل الذي صنع الفلك ونجى داخله من الموت فقد حمل معه أهله و كل ما يملك.
« Tous ce qu’il avait d’or
Tous ce qu’il avait d’argent
Les animaux purs
Les plus gras
…
Il invita ses gens à un banquet
Après avoir embarqué sa famille »[16]
لقد ابتلع الماء الجميع ولم يفرق بين صغير أو كبير إنه استئصال جماعي لهذا الجنس المزعج الذي خلقته الآلهة لخدمتها. إن الطوفان في هذه الأسطورة عقاب جماعي تنتفي فيه دلالة العدل بل هو ناتج عن قرارات الآلهة المتعددين وليس سوى غضب سرعان ما ينكشف أنه لحظة سيطر فيها الحقد على قلوب الآلهة لأنهم بعد أن أفنوا البشر ندموا على قرارهم المتسرع وودوا لو أنهم لم يفنوا ذلك المخلوق الذي كان يحمل عنهم الأعباء ويوفر لهم القوت.
« Les gens mouraient comme des mouches
Le fracas du déluge
Épouvantait même les dieux. »[17]
هذا الطوفان البابلي عقاب لكنه صادر عن تسرع بعض الآلهة وما نجاة الجنس البشري من الإبادة إلا بوحي رؤيا بعثت بها آلهة رحيمة لتحافظ على الإنسان من أن يندثر. أما في الإسلام فإن القصة تشاركها في مكوناتها الرئيسية: الذنب، قرار العقاب، اختيار مخلص للنوع البشري، السفينة، الطوفان، لكن التأويل مختلف، والتفاصيل كذلك.
- الخلاص:
لقد أقر الباحثون والمقارنون بين الأديان أن نص الطوفان في التوراة يشبه إلى حد كبير نص الطوفان البابلي[18]. وإنه يشبهه إلى حد بعيد من الزاوية التي نحن بصدد النظر فيها، أي من حيث عدالة الإبادة الجماعية.
لو أن الطوفان في النص البابلي لم يكن عقابا بل كان له دلالة غير جزائية لما جاز أن نبحث في عدالته أما أن يكون عقابا فذلك يطرح كل المسائل المتعلقة بالعدل. ونفس الأمر ينطبق على التوراة والقرآن.
سبب الطوفان في التوراة يرتبط كذلك بالشر الذي أحدثه الإنسان، حتى جعل ذلك الرب يقرر أن يفني الإنسان. فالإنسان هو من اختار ما أصابه وهو من يتحمل مسؤولية العقاب الجماعي.
فعندما ” رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور قلبه يتسم دائما بالإثم”[19] قرر أن يهلك كل الآثمين ويطهر الكون من شرهم. فقال لنوح:” قد أزفت نهاية كل البشر جميعا أمامي، لأنهم ملأوا الأرض ظلما لذلك سأبيدهم مع الأرض”[20] . اصطفى الرب نوحا وأهله، وعلمهم كيف يصنعون الفلك ووفقهم في الخلاص.
الرب هو المخلص والرب هو المهلك “ودام الطوفان أربعين يوما على الأرض، وطغت المياه ورفعت الفلك فوق الأرض، وتكاثرت المياه على الأرض وطغت جدا فكان الفلك يطفو فوق المياه، وتعاظمت المياه جدا فوق الأرض حتى أغرقت جميع الجبال العالية التي تحت السماء كلها وبلغ ارتفاعها خمس عشرة ذراعا ( نحو سبعة أمتار) عن أعلى الجبال فمات كل كائن حي يتحرك على الأرض من طيور وبهائم ووحوش وزواحف وكل بشر مات كل ما يحيا ويتنفس على اليابسة. وباد من على سطح الأرض كل كائن حي سواء من الناس أم البهائم أم الزواحف أم الطيور، كلها أبيدت من الأرض، ولم يبق سوى نوح ومن معه في الفلك.” سفر التكوين 7/17-24. ووحده نوح حظي برضا الرب[21].
ومثلما سمحت الآلهة الرحيمة للبطل السومري بحزم أملاكه وأهله وصناعه ومن كل حيوان زوجا، سمح يهوه لنوح أن ينقذ أهله والحيوانات. ولم يرد في هذا النص أو ذلك معيار يرتبط باستحقاق أهل المنقذ النجاة دون غيرهم سوى كونهم أهله. أما في القرآن فقد ألح النص على إغراق ابن نوح رغم أن نوحا نادى ربه طالبا منه أن يفي بوعده إياه إنقاذه وأهله لكن الله أمره أن ذلك الابن الذي لم يؤمن ليس من أهله بل من الكافرين:
” ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعضك أن تكون من الجاهلين الخاسرين”[22].
هنا تنزاح القصة القرآنية عن التوراة فينزاح معها التفسير عن ثقافة سابقة، الموت ليس للجميع بل للكافرين والنجاة ليست للأهل بل للمؤمنين. المعيار هو الطاعة وليس النسب. لاحظ مرسيا إلياد أن القصة التوراتية أكثر تشددا من تلك البابلية في ارتباط العقاب بالطاعة والإيمان[23] لكننا نلاحظ أن القصة القرآنية أكثر تشددا من تلك التوراتية في هذا الارتباط. لأن غرق الابن يرمز إلى نصرة الرابط الديني على حساب قرابة الدم.
إذا كان الأمر على هذا النحو فإننا نفهم لماذا طرح المفسرون قضية موت الأطفال، ونفهم كذلك سبب وجود تلك الروايات التي تجعل النساء عقيمات فتنهي المأزق أو تجعل علم الله بالغيب ومعرفته أن أولئك الصغار لن يؤمنوا حلا من الحلول للحفاظ على العدالة المطلقة للإله.
لقد سعى المفسرون لتنزيه الله أكثر مما كان عليه في بقية الأديان وسعوا كذلك للبحث عن عدالة مثالية مطلقة، ولكن النص القرآني نفسه كان يقف أمام ذلك السعي أحيانا حين يصر على بعض التفاصيل أو الصفات التي تذكر بصفات الآلهة القديمة مثل منتقم وجبار، أو بعض الآيات التي وضعت المفسرين أمام مأزق حقيقي مثل قوله تعالى:
” إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا”[24].
ففي هذه الآية تسبق إرادة الإهلاك فسق القوم بل إن فسق القوم استجابة لأمر الله. لكن المفسرين سينفون دلالة التركيب التلازمي على أسبقية الشرط على جوابه، ويعلنون أن الله ليس ظالما وجائرا حتى يهلك من لم يكن مذنبا.[25]
لقد مثل العقاب الجماعي للناس في الدنيا قضية اختلف المسلمون في تأولها، يعبر عن ذلك هذا الحديث المنقول عن زينب بنت جحش:
” خرج رسول الله يوما فزعا محمرا وجهه يقول:” لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه” وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها. قالت فقلت يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث، المعاصي إذا ظهرت ولم تغير كانت سببا لهلاك الجميع”[26]
إن هذا الحديث يقر بوضوح شرعية العقاب الجماعي بل شرعية أن يؤاخذ الصالح بما فعل الطالح وليس ذلك من روح الرسالة التي جاء بها محمد، من أن كل الذنوب فردية والعقاب فردي.
لقد لاحظنا أن المفسرين يقبلون أفكارا تتناقض مع مسلماتهم أحيانا ويبدو أن ذلك القبول ليس فقط بسبب القصص وما تحتويه بل إن للظروف التاريخية دورا في ذلك.
الطوفان والتاريخ المقدس:
ليس للطوفان عند المفسرين المسلمين نفس الوظيفة التي له في الثقافة التوراتية، فقد بين باحثون أن قصة الخلق منذ الجنة الضائعة إلى الطوفان تمثل محاولة عبرية لكتابة تاريخ خال من الخطايا، تاريخ مقدس.[27] وحدد باحثون آخرون منزلة نوح بأنها تقاس بدوره في إحلال الغفران والتمجيد على شعبه.[28] إن الطوفان عندهم تطهير للأرض في محاولة إيجاد بداية للتاريخ تكون خالية من الخطيئة والشر، وقد ذكر الطبري في تاريخه أن اليهود تؤرخ من الطوفان أما “أهل الإسلام فإنهم لم يؤرخوا إلا من الهجرة ولم يكونوا يؤرخون بشيء من قبل غير أن قريشا كانوا فيما ذكر يؤرخون قبل الإسلام بعام الفيل وكان سائر العرب يؤرخون بأيامهم المذكورة كتأريخهم بيوم جبلة وبالكلاب الأول والكلاب الثاني”.[29]
الطوفان لدى اليهود بداية تاريخ مقدس لكنه لدى المسلمين مرحلة من ذلك التاريخ الذي لن يصير مجيدا إلا بعد الهجرة، أما فترة ما قبل الطوفان فلا ينزعج التصور الإسلامي من أجلها لأن لا وجود لخطيئة أصلية يراد تجاوزها، ولأن الأب الأول الذي ترغب التوراة في تجاوزه واستبداله بأب جديد ليس عند المسلمين مسؤولا عن ذنوب البشر ولذلك فلا يراد استبداله مثلما تود التوراة ويود المسيحيون.
وخلاصة القول أن هذه القصة في الإسلام تخلو من الدلالات التي كانت لها في الثقافات السابقة. فقد وظفها المفسرون حسب المنظومة التي يتحركون داخلها لكنهم لم يتخلصوا من رواسب التصورات القديمة لمسألة العقاب الجماعي. فهذا العقاب الذي لا ينسجم مع الدين الجديد يبدو جزء لا يتجزأ من وسائل الضغط التي يمارسها أصحاب هذا الدين للتذكير بقدرة وبطش الله اللامتناهي.
- الشفاعة الإبراهيمية في التوراة وقصصه:
لقد لاحظنا أن نجاة أمة محمد من عقاب الإبادة الجماعي الذي يسمى استئصالا أو سنة الهية تم بشفاعة من النبي المرسل إلى قريش، وهو مفهوم أساسي في خلاص المسلمين في الدنيا والآخرة وهو كذلك مفهوم أساسي في عقائد الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لان الفكرة تتمثل في كون المسلمين لا يزالون ناجين مادام فيهم فئة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتدعي بعض الفرق من الإسلام السياسي انها الطائفة التي بها تنجو أمة محمد من عقاب الاستئصال إلى أن يتم الدين ويأتي يوم الحق أي يوم الحساب فهذا الفكر له تأصيل انطولوجي عميق يفسره. ولكن حين نبحث حولنا عند الثقافات المجاورة للمسلمين سنجد شبيها بذلك عن الناس فليست مفاهيم الشفاعة خاصة بالمسلمين، وكل دين يرى أهله انهم الناجون، وأنهم الأصح وأنهم أقرب إلى الإله الخالق العليّ وأنهم على حق وهذه قصة من القصص التي تحدث كيف شفع إبراهيم في قومه الأولين، نرويها من داخل وجهة النظر التوراتية:
- أ- رب يبحث عن شعب:
إن الشعوب عادة هي التي تبحث لنفسها عن آلهة تعبدها أما بنو إسرائيل فقد بحث الرب يهوه عنهم. لقد بحث عن شعب من بين الأمم استخرجه من بين الشعوب وناداه واصطفاه وميزه وحمله العهد وجعله شعبه[30].اقتلع يهوه شعبه من أرض مصر ليعبده: إنه الباحث لنفسه عن شعب يفتكه افتكاكا ويشرده في الصحراء لكنه في نفس الوقت يلعب دور المخلص لهذا الشعب[31]، فهو المهلك وهو المخلص:
ها قد أخرج إبراهيم من بين أهله وطلب منه أن يتغرب ووعده بأن يصبح أمما وقبائل[32]. حين اختار يهوه شعبه صار ربا، ربا لإسرائيل وحدها. ولن تمتد ربوبيته إلا بقدر ما تمتد إسرائيل. لم يعد لشعب إسرائيل دور عادي في التاريخ صار لشعب إسرائيل دور مقدس فهي من يحمل العهد المقدس وهي من بسطوته سطوة الرب يهوه. إن ذلك النداء المستجاب، جاء من عند الرب ولم يرفضه إبراهيم، وهو العجوز الذي لم ينجب أبناء بل استسلم إليه وتغرب من أجل الرب، كل شيء بمقابل في هذا العالم الديني فهذا الدين ينبني أولا على الدين: الغربة مقابل الضنى وهل زينة الحياة سوى الضنى أما الغربة فلها شأن آخر. فهل لمثل هذا الشعب الموعود من صلب إبراهيم والذي لم يكن هو بحاجة إلى إله بل كان الرب بحاجة إليه ليثبت أنه موجود وأن له شعبا مثل كل الآلهة هل لمثل هذا الشعب علاقة مختلفة بربه، علاقة لا تقوم على العقاب بل على الود والثواب والخير كل الخير. أليس هذا الرب هو من انتزع إبراهيم -أب هذا الشعب- من مصر وأطلقه في الفلاة ليعبده ويتيه أم أن إبراهيم مثل كل الصالحين لم ينل بركة ولا ثوابا بلا مقابل؟
- ب- المحنة: انتزاع أبرام من أرضه
كان أبرام أحد أبناء سام بن نوح، وكانت ساراي زوجته عاقرا، ونادى الرب أبرام قائلا:”اترك أرضك وعشيرتك وبيت أبيك واذهب إلى الأرض التي أريك”[33]. وكان الرحيل مريرا. لكن أبرام وعد بما لم يكن في حسبان العجوز ذي الزوج العاقر” أن يجعل منه ربه أمة كبيرة وأن يبارك اسمه.
ها هو الثواب: يعد الرب الرجل حيث استقر بكنعان أن يهبه تلك الأرض ولذريته، لكن لم يكن لأبرام ولد ، فبنى أبرام للرب معبدا يشكره ويثبته في المكان الموعود به. أيهما الواهب الثواب لصاحبه؟ الرب أم الرجل العجوز الذي لايزال يبني المعابد كما لو كان من زمن غير الزمن البشري حيث لا يقدر البشر في الخامسة والسبعين من العمر على الرحيل كما لو كانوا في مقتبل العمر
فكيف بتشييد المعابد؟
هي مهمة مقدسة تتطلب عملا خارقا ورجلا خارقا. وتغرب أبرام بمصر، وكانت المجاعة شديدة، فعاد واتجه نحو المكان الذي شيد فيه المذبح ودعا باسم الرب.
وعاش أبرام في سهل ممرا وشيد للرب مذبحا. ورأى بعد ذلك في الرؤيا ربه يقول: “لا تخف ياأبرام .أنا ترس لك. وأجرك عظيم جدا” [34]
- ج- الثواب: المال والبنون زينة الحياة
خاطب أبرام الرب محتجا:”أيها السيد الرب أي خير في ما تعطيني وأنا من غير عقب ووارث بيتي هو أليعازر الدمشقي؟”[35] لم تكن سوى كلمات من مسن عاش حياته دون ولد، ولكنه عبد ربه و صدقه،وكان الثواب على يد المرأة:هاجر. وهكذا تحول أيرام إلى أب وصار يسمى إبراهيم.
هو آدم جديد لذرية جديدة من البشر. تحول العقم إلى إنجاب ووعد بكثرة النسل وزيادة الحرث. من لاشيء جاء الأبناء. من وعد يتحقق. وكان في البدء آدم وزوجه. والجنة والشيطان. والشجرة التي نهى عنها الرب. أحب الله إبراهيم فأكرمه بنسل من سارة أيضا. لا شيء يستحيل فالله قادر على كل شيء. فهل كان تحقيق هذا الوعد ثوابا لإبراهيم أم كان خطة إلهية ليسيطر الرب على الكون؟ ويكثر شعب الرب ويزداد عدد المؤمنين به؟
د- إبراهيم يناهض العقاب الجماعي:
النص:
” فاقترب إبراهيم وقال:” أتهلك البار مع الآثم ؟ لو وجد في المدينة خمسون بارا فهل تدمرها ولا تصفح عنها من أجل الخمسين بارا الذين فيها؟ تنزهت عن أن تهلك البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم، حاشا لك. أديان الأرض لا يجري عدلا؟” فقال الرب:” إن وجدت في سدوم خمسين بارا فإني أصفح عن المكان كله من أجلهم” فأجاب إبراهيم: “ها أنا قد أخذت في مخاطبة المولى مع أنني لست سوى تراب ورماد. ماذا لو نقص الخمسون بارا خمسة؟ أفتهلك المدينة كلها من أجل الخمسة؟ فأجابه:” إن وجدت خمسة وأربعين بارا لا أهلكها” فخاطبه إبراهيم ثانية : ” وماذا لو وجد هناك أربعون بارا فقط؟” فأجابه :” لا أهلكها من أجل الأربعين” وقال إبراهيم: ” لا يغضب المولى بل دعني أتكلم. ماذا لو وجد هناك ثلاثون بارا؟ فأجابه:” لا أهلكها إن وجدت ثلاثين” وقال إبراهيم:” ها أنا قد استرسلت في الكلام أمام المولى، فماذا لو وجدت هناك عشرين بارا؟ فقال:” لن أهلكها من أجل العشرين” وقال إبراهيم:”لا يغضب المولى، فأتكلم مرة أخرى: ” ماذا لو وجد هناك عشرة فأجابه الرب: لا أهلكها من أجل العشرة” وعندما فرغ الرب من محادثة إبراهيم مضى ورجع إبراهيم إلى مكانه.” سفر التكوين،18/ 23-33.
سدوم هي الأرض التي اختارها لوط ابن عم إبراهيم حين افترقا عن بعض. يصفها النص التوراتي بكونها” جنة الرب كأرض مصر الممتدة إلى صوغر”. لكن أهلها كانوا ” متورطين في الشر وخاطئين لدى الرب”. وكاد الرب يكتم ما ينوي فعله عن إبراهيم لكنه قرر أنه سيطلعه عما يدور بذهنه فأخبره بقراره تدمير سدوم وعمورة “لأن الشكوى ضد مظالم سدوم وعمورة قد كثرت وخطيئتهم قد عظمت جدا” .
واستغرب إبراهيم ذلك، بل سأل ربه متعجبا: ” أتهلك البار مع الأثيم؟”. إن هذا السؤال يلخص المأزق الذي يجد فيه الرب نفسه أمام العقاب الجماعي أقدم أنواع العقوبات على الإطلاق.
في هذا النص يتضح صراع الإنسان المتطور في الزمن ضد الظلم الذي يمثله العقاب الجماعي. فالعقاب الجماعي غير مبرر في منطق إبراهيم لأنه اعتداء على الأبرياء. وفي هذا دلالة على تطور الأفكار بتمييزها بين الفرد والجماعة. وتمييزها داخل الجماعة الواحدة بين أفرادها. يؤسس هذا الأمر لمبدأ ستقوم عليه الأديان التوحيدية هو العدل. فعلى الرب الواحد أن لا يعاقب من يطيعه بذنوب الآخرين. فإذا عاقب الرب البار بذنب الآثم فما مزية البر إذن. وهكذا يتحول الأمر ليؤسس لمفهوم نقيض للعقاب الجماعي هو ” الشفاعة”.
فالشفاعة من خلال هذا النص تبدو بحثا عن عدل لا يمكن الوصول إليه فإبراهيم يطلب أن يشفع البار لجمع من الآثمين فينجون بسببه. وهكذا فنحن في كلا الحالين لم نعدل سواء عاقبنا من لا جرم له أو سامحنا من له جرم.
إنها على كل حال خطوة نحو إقرار مبدأ “كل نفس بما كسبت رهينة“
ما إن نقرأ ذلك الجزء من سفر التكوين حتى نلاحظ أن خطاب إبراهيم كان صريحا وواضحا، لقد حدد أمورا ما كان يجرؤ نبي على وقفها، حتى أيوب الذي عانى دون ذنب ما عاناه لم يستطع أن يبوح مباشرة بكون العقاب دون سبب يعد منافيا لعدل إله يدين له أهل الأرض جميعا. أما إبراهيم فقد استطاع ذلك وكأنه يشارك الرب في القدرة حين علم بالأمر قبل حدوثه فهو عالم بالغيب استطاع أن يدلي بوجهة نظره في الأمر وأن يناقش ربه. أخيرا فقد حدث ما قرر الرب ولم يسنح لنا النص أن نعرف إن كان الرب قد نزل كما وعد ليميز الصالحين ويشفع بهم للبقية لكن الفساد الذي لا قبل به ازداد فحلت اللعنة التي لا رجعة فيها ولم ينج سوى لوط وابنتيه.
- في النص القرآني ثمة اختلاف واضح:
(وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوٓاْ إِنَّا مُهۡلِكُوٓاْ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِۖ إِنَّ أَهۡلَهَا كَانُواْ ظَٰلِمِينَ، قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطٗاۚ قَالُواْ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَن فِيهَاۖ لَنُنَجِّيَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ) العنكبوت، 29/ 31-32.
لم يطول النبيّ إبراهيم في الكلام مثلما فعل إبراهيم التوراتي في التوراة. بل اكتفى بالسؤال عن مصير ابن عمه، فلم يجز لنفسه ما لا ينبغي في حضرة الرب الواحد. لكن التفسير صرح بما لم يقله النص القرآني: “ثُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُمْ قَالَ لَهُمْ إِنَّ فِيهَا لُوطًا إِشْفَاقًا عَلَيْهِ لِيُعْلَمَ حَالُهُ، أَوْ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا قَالُوا: إِنَّا مُهْلِكُوا وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُهْلِكُ قَوْمًا وَفِيهِمْ رَسُولُهُ، فَقَالَ تَعَجُّبًا إِنَّ فِيهِمْ لُوطًا فَكَيْفَ يُهْلَكُونَ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ نَحْنُ أَعْلَمُ بمن فيها، يعني تعلم أَنَّ فِيهِمْ لُوطًا فَلَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ وَنُهْلِكُ الْبَاقِينَ، وهاهنا لَطِيفَةٌ: وَهُوَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ كَانُوا أَهْلَ الْخَيْرِ، أَعْنِي إِبْرَاهِيمَ وَالْمَلَائِكَةَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ كَانَ يَزِيدُ عَلَى صَاحِبِهِ فِي كَوْنِهِ خَيْرًا. أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فلما سمع قوله الملائكة إِنَّا مُهْلِكُوا أَظْهَرَ الْإِشْفَاقَ عَلَى لُوطٍ وَنَسِيَ نَفْسَهُ وَمَا بَشَّرُوهُ وَلَمْ يُظْهِرْ بِهَا فَرَحًا، وَقَالَ: إِنَّ فِيها لُوطاً [العنكبوت: 32] ثُمَّ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ مِنْهُ زَادُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا إِنَّكَ ذَكَرْتَ لُوطًا وَحْدَهُ وَنَحْنُ نُنْجِيهِ وَنُنْجِي مَعَهُ أَهْلَهُ، ثُمَّ اسْتَثْنَوْا من الأهل امرأته، وقالوا: إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ أَيْ مِنَ الْمُهْلَكِينَ“[36]
نلاحظ إذن الفرق في النصين قبول النبي في النسخة الإسلامية بالعقاب الإلهي الجماعي ووجود آثار الاستغراب أن يهلك الصالح مع الطالح لكن ذلك الأثر يمحي في التفسير عند الرازي بالتأكيد أن الله قادر على أهلاك الخطاء وترك الصالحين بقدراته العجيبة ورحمته الواسعة وحكمته.
- ه- كل جزاء بأوان
كل شيء ممكن في هذه النصوص، والرب هنا يترصد الأمم الخاطئة فيفنيها ليبدأ من جديد، وما زرع إبراهيم في أرض ليست أرضه سوى بداية جديدة، من لا شيء من بطن امرأة عقيم، وجارية كأنما لم تكن حاضرة للنكاح من قبل، ترتبت الأمور بحيث ترى الزوجة العاقر جاريتها كأنما اكتشفت للمرة الأولى أن هذه الخادم امرأة من لحم ودم، كل شيء بأوان: وجاء النسل ليملأ الكون ثانية وجاء قابيل وهابيل آخر، في سفر التكوين نفسه:
- فقد كان لإبراهيم ولدان:
- أولهما إسماعيل بكره تطرده القصة لأنه من بطن مصرية، كبر في أرض حاران وتزوج من مصرية.
- الثاني إسحاق وهو ابن سارة، يبقى ليتم ما وعد به الرب أباه من قبله.
وهكذا تتواصل القصة مبنية ثانية على ثنائية الغياب والحضور، ليس موتا بل إقصاء وطردا. ويبقى العنصر الذي تحتاجه القصة لتنمو: إسحاق.
- لإسحاق ولدان كذلك:
- أنجبت رفقة زوجته الولدين بعد أن كانت عاقرا ، فهي نفس القصة تتكرر ثانية، أما الولدان عيسو ويعقوب فقد تصارعا وهما ما يزالان في بطن أمهما، حتى إذا ما ولدا وكبرا وحان أوان المباركة للولد البكر، يحتال يعقوب بمساعدة أمه فيسرق بركة أخيه عيسو من والدهما.
- يقسم الأخ المخدوع أن ينال من يعقوب ويقتله، مثلما يحدث دائما ينبعث في كل مرة قابيل جديد وهابيل جديد. لكن تختار القصة مرة أخرى أن تبعد يعقوب عن أخيه، دون أن تقتله. فهو الغياب بالغربة والرحيل .
- ينجو يعقوب فيكون له بدوره أبناء كثار ويوسف أصغرهم، يلقي الإخوة يوسف في البئر ثم يبيعونه لتجار عابرين. فيمر النص ثانية من عين الإبرة ذاتها ليخيط فكرة بدت منذ طرد آدم من الجنة واضحة: لا يكون الكون إلا إذا كان الإقصاء من الجنة قتلا أو طردا وتهجيرا. إن رينيه جرار يعتقد أن” الرب هو من مارس العنف وهو من أسس البشرية بطرد آدم وحواء بعيدا عنه”.[37]
هذه القصة تقوم على ثنائيات: الخير والشر، الرضوخ والعصيان، الحب والكره، الثواب والعقاب، رموزها أكبر من أن تتضح للوهلة الأولى لكن بها معاني وتدل على أشياء. ومنطقها عجيب لأننا لا نعاصره لكن بها منطقا وفيها دلالات. ما يشغلنا فيها هو ما يتعلق بمسألة عدالة العقاب الجماعي، لكن حركة الثواب والعقاب فيها تجعلنا نتريث قبل أن نصدر المعنى فكل ما في النص متحول ويمكن أن يتراءى في صور شتى.
- و- رد الدين
في اليهودية، الموت عقاب والإقصاء عقاب والقتل عقاب ولا شيء يتحرك في الكون خارج ثنائية الثواب والعقاب: الوعد دين على الرب ولذلك لا يمكن أن يخل به، حتى بعد وفاة إبراهيم ظل يعقوب يطالب الرب بسداد الدين الذي عليه لأبيه وجده.
فعندما ضاق بيعقوب الدهر وحان موعد لقاء أخيه الذي سرق منه البكارة والبركة من أبيهما اسحاق، صلى يعقوب إلى ربه وذكره بالوعد.[38] يفقد هنا الثواب والعقاب معناهما الجزائي لأنهما يتخذان دلالة رد دين. فالرب وحده قادر أن يضع للعنف حدا، وعيسو الذي توعد أخاه بالقتل هب إليه وعانقه وبكى. كأن شيئا لم يكن. وكأنما نزلت عليه من السماء رحمة فتصالح الأخوان.
-
دين يوسف: عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم
إن العنف الذي بدأ منذ قايين وامتدت رقعته، يتسع مع قصة يوسف فينتج أجمل القصص التي يؤدي فيها العنف بين الإخوة إلى انفراج في نهاية الأمر. فيوسف الذي استأثر بحب والده وكاد إخوته يسفكون دمه، لم يقتل لأن جريمة قتل الأخ تحولت عبر النص المقدس لتأخذ أشكالا أخرى، فإذا كان لا بد من غياب يوسف فقد وضعوه في البئر، ثم أخرجوه وباعوه إلى بعض التجار العابرين. وهذا غياب جديد. تاه يوسف بلا ذنب فما عزاء الرجل في محنته؟ كان مدلل أبيه ولم يختر أن يأتيه على كبر، ورأى في المنام حلما ولم يختر أن يرى شيئا فيغضب بذلك إخوته. ولكن كل ما في هذا العالم الميثي خاضع للغيب وللدين فأي دين على يوسف حتى يدفعه للرب؟ هل هو شيء فعله من قبل أم هو شيء سيفعله من بعد؟ أم هي النعمة التي ستأتي يوسف والإكرام الذي سيحل به لا بد أن تسبقه المحنة والآلام؟ إن كل شيء في هذا العالم بمقابل.
ترتب الأمر كما لو كان محنة ولكن تهيـأ ليوسف القدر الجميل، فقد أنقذه أخوه من الموت، ليخرج من مجموعة إخوته، تلك المجموعة التي ستجوع حين تحل السبع السنوات العجاف، وإذا يوسف عندئذ حاكم مصر الذي تجري على يده الخيرات ليطعم الجياع القادمين من أنحاء الأرض. كان يوسف يعرف أن ما وراء ذلك الشر سوى الخير، فلذلك سامح إخوته لأن ما من رحمة إلا ويدين بها إلى ربه إله آبائه:
“أنا يوسف أخوكم الذي بعتموه إلى مصر، فلا تتأسفوا الآن، ولا يصعب عليكم أنكم بعتموني إلى هنا لأن الله أرسلني أمامكم حفاظا على حياتكم. فقد صار للمجاعة في هذه الأرض سنتان، وبقيت خمس سنوات لن يكون فيها فلاحة ولا حصاد. وقد أرسلني الله أمامكم ليجعل لكم بقية في الأرض وينقذ حياتكم بخلاص عظيم. فلستم أنتم إذا الذين أرسلتموني إلى هنا بل الله. الذي جعلني مستشارا لفرعون وسيدا لكل بيته ومتسلطا على كل أرض مصر.”[39]
وضع يوسف أساسا لفكرة أن كل ما يصيبنا إنما كتبه الله لنا. وهو كتب جميل، يعذبه ليريحه ويشقيه ليسعده وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
هذا يوسف يدفع ثمن خلاص شعبه الموعود. من قبل الخلاص يكون الألم والغربة وبعد ذلك يأتي فكل ما في القصة يبشر بنمط واضح يتعلق بآلام المخلصين. آلام المخلصين هي القربان. والخلاص ليس ثوابا، بل ردّ دين.
- المحنة ثانية
لكن ما هذا الذي حل بشعب إسرائيل؟ فرعون يسخرهم عبيدا، كلما ولد لهم ذكر ألقي به في النهر. يضطهد الأحياء ويبيد نسلهم، يسلط كل شعب مصر أعداء لهم فلا يفرون من العذاب والموت.[40]
لذلك اعتبر دوس أن هذا الشعب خلق كما الخلق الأول بمعجزة كمعجزة البدايات جاء موسى مثلما جاء آدم، منتشلا من الماء، من لا شيء منبعثا به شعب اختاره الرب من قبل وعاهد أسلافه أنه له لمن الحافظين. عهدا قطعه مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
وتجلى الرب لموسى “في لهيب نار”[41] . الرب المخلص هذه المرة من الهلاك الذي حل بشعبه. وكلف موسى بالخروج من مصر. وذكر الرب بنفسه ثانية وعرف بها للشعب عن طريق موسى، ووعدهم الخلاص. الرب اليهودي يُهلك من أجل أن يخلّص. ويخلّص ثم يُهلك ثانية من أجل أي إثم سمح الرب بأن يستعبد فرعون شعبه؟ ولماذا لم يتدخل باكرا ليخلصه؟ لسبب واضح: كيف يمتنُّ الشعب الذي كان هانئا في مصر للرب؟ إذا لم يكن للرب على الشعب مزيّة فلم يعبد ربا ليس بحاجة إليه؟
نستنتج إذن من خلال الأمثلة القليلة من كثير من القصص التوراتي أن للهلاك والخلاص وتكرارهما دور حاسم في ربط الشعب بالرب؟ لهما علاقة بخلق ذلك الإحساس بالامتنان والتبعية. وذلك جوهر الدين: الحاجة إلى الرب.
( يتبع الجزء الثاني)
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم، برواية ورش عن الإمام نافع، مجمع الملك فهد لرواية المصحف الشريف.
الكتاب المقدس، كتب العهد القديم والعهد الجديد، القاهرة، ط6، 1995.
الرازي فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي التميمي البكري الرازي، التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، 32ج، بيروت/ مكة، دار الكتب العلمية/ دار الباز، ط1، 1999.
الطبري أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، جامع البيان في تأويل القرآن، 24ج، الدار البيضاء، مؤسسة الرسالة، ط1، 2000. (تحقيق أحمد محمد شاكر).
القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، 20 ج، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط2، 1985.
Alfred Laepple, L’Apocalypse de Jean, livre de vie pour les chrétiens. Traduit de l’allemand par Ch. Chauvin (« Lire la Bible », 24). Paris, Cerf, 1970
BOTTERO Jean, et KRAMER Samuel Noah, lorsque les dieux Faisaient l’homme. Mythologie Mésopotamienne, Paris, Gallimard, 1989.
DELUMEAU Jean, Le Péché et la peur. La culpabilisation en occident (XIII- XVIII siècles), Paris, Fayard, 1983
DOUSSE Michel, Dieu en guerre. La violence au cœur des trois monothéismes, Paris, Albin Michel, 2002
GIRARD René, Des Choses cachées depuis la fondation monde, Paris, Barnard Grasset, 1978.
KRAMER Samuel Noah, L’histoire commence à Sumer, Paris, Flammarion, 2004
SKA Jean -louis, L’Argile, la danse et le Jardin. Essai d’Anthropologie biblique, (Traduit de l’italien par Bernadette Escaffre), coll. Connaître la Bible, 27, Bruxelles, Lumen Vitae, 2002.
[1] – التفسير، الرازي، ج24، ص524.
[2] التفسير، الرازي، ج24، ص524.
[3] – التفسير، الرازي، ج24، ص524.
[4] -« la violence de Yahvé fait éclater les cadres antropomorphiques.sa rage s’avère parfois tellement irrationnelle qu’on a pu parler du demonisme de Yahvé » Eliade, Histoire des croyances et des idées religieuses, TI, p57-194.
[5] – Michel Dousse, Dieu en guerre la violence au cœur des trois monothéismes, p112.
[6] – مفاتيح الغيب، الرازي، ج27، ص496
[7] – مفاتيح الغيب، الرازي، ج27، ص496.
[8] – جامع البيان، الطبري، ج12، ص21.
[9] – التفسير الكبير، الرازي، ج24، ص524.
[10] – التفسير، الطبري، ج12، ص21. الأحكام في تفسير القرآن، القرطبي، ج9، ص29.
[11] – هود/11-36.
[12] – الأحكام في تفسير القرآن، القرطبي، ج9، ص290.
[13] – مفاتيح الغيب، الرازي، ج17، ص 344
[14] – J, Delumeau, Le Péché et la peur, p273
[15] –Bottéro-Kramer, Lorsque les dieux faisaient l’homme, p544.
[16] -ibid p549, 550.
[17] -ibid ; p551.
[18]– M.Eliade, Histoire des croyances et des idées religieuses, t1, p182. J.Bottéro- S.N.Kramer, Lorsque les dieux faisaient l’homme. P601. J.l.Ska, L’Argile, la danse et le Jardin, Essai d’Anthropologie biblique, p20.
[19] – العهد القديم، سفر التكوين، 6/5-6.
[20] – التكوين، 7/13-14.
[21] – “ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور فكر قلبه يتسم دائما بالإثم، فملأ قلبه الأسف والحزن لأنه خلق الإنسان. وقال الرب:” أمحو الإنسان الذي خلقته عن وجه الأرض مع سائر الناس والحيوانات والزواحف وطيور السماء، لأني حزنت أني خلقته” أما نوح فقد حضي برضا الرب” العهد القديم، سفر التكوين7/5-8.
[22] – هود11/45-46.
[23] – M.Eliade, Histoire Des Croyances et Des Idées religieuses, p182.
[24] – الإسراء17/16-17.
[25] – جامع البيان، القرطبي، ج10، ص232. التفسير الكبير، الرازي، ج20، ص216.
[26] – جامع البيان، القرطبي، ج10، ص232.
[27] -M.Eliade,
[28] – Alfred Laepple, L’Apocalypse de Jean, livre de vie pour les chrétiens. Traduit de l’allemand par Ch. Chauvin (« Lire la Bible», 24). Paris, Cerf, 1970
[29] – الطبري، التاريخ، ج1، ص163.
[30] هذا رأي الباحث مايكل دوس أنظر: Michel Dousse, Dieu en guerre, la violence au cœur des trois monothéismes, p111
[31] – “Dieu à la fois sépare et façonne son peuple comme il sépara les éléments et façonna le premier homme. Cette initiative divine fondatrice fut également assimilée à la pâque comme “passage” et comme “salut”, combat et victoire de Yahvé”. Michel Dousse, Dieu en guerre, la violence au cœur des trois monothéismes, p111.
2- ” وقال الرب لإبرام:” اترك عشيرتك وبيت أبيك واذهب إلى الأرض التي أريك، فأجعل منك أمة كبيرة وأباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة لكثيرين وأبارك مباركيك وألعن لاعنيك وتتبارك فيك جميع أمم الأرض” العهد القديم، سفر التكوين، 12/ 1-3.
[33] – العهد القديم: سفر التكوين/ 1/،2.
[34] – العهد القديم، سفر التكوين/ 15/2.
[35] – العهد القديم، سفر التكوين/ 15/3
[36] التفسير الكبير، الرازي، ج25، ص56.
[37] – GiRard René, Des chosez cachées Depuis la Fondation Du Monde, T1,p217.
[38] – ” يا إله أبي إبراهيم وإله أبي إسحاق، أيها الرب الذي قال لي: ارجع إلى أرضك وإلى قومك فأحسن إليك..نجني من يد أخي عيسو لأني خائف أن يقدم علي فيهلكني ويهلك معي الأمهات والبنين، وأنت قلت: إني أحسن إلى أيك وأجعل ذريتك كرمل البحر فلا تحصى لكثرتها”. العهد القديم، سفر التكوين/ 32/9-12.
[39] – العهد القديم، سفر التكوين/45/5-9.
[40] – سفر الخروج،1-2.
[41]– سفر الخروج، 3.