تكوين
مقدمة:
إن أكثر ما يشغل عالمنا الحالي هو مفهوم الحريات، الذي يعد من أكثر القضايا تعقيدا في الفكر الإنساني، كما مثل قيمة إنسانية واجتماعية واجهت كل أشكال الاستبداد والتظالم الاجتماعي، فرغم أن مجالات الحرية متعددة، كالمجال السياسي والقانوني والاقتصادي والاجتماعي …. إلاّ أنها متعددة المفاهيم بتعدد الإيديولوجيات والمرجعيات السياسية والفكرية والدينية. فالحقيقة أن العالم الإنساني هو عالم الصراعات وهو يتسم بالديناميكية خاصة بظهور التنظيمات الاجتماعية والقانونية والمتمثلة أساسا في كينونة الدولة والتي ضبطت ممارسة الحرية في إطارها الوضعي. لكن ما يهمنا من خلال ورقتنا هذه هي الحرية الدينية والعقائدية باعتبارها من أقدس الحريات الانسانية، والتي يصطلح عليها قانونا بالحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، فهي حرية شخصية ذاتية، وجدانية، وفكرية ضميرية، ورغم كثرة النصوص والتشريعات القانونية الدولية ومواثيق حقوق الانسان “إلاّ ولا تزال الحرية الدينية في القرن الحادي والعشرين تترنح وتقف في وجه الأطماع، وترزح تحت التوجهات السياسية، والمؤامرات السرية، والتعصبات المقيتة، وتنالها الأقلام الحاقدة”[1].
لذلك بات الدين في مجتمعنا الحالي يمثل إشكالية في ظل المفاهيم القيمية المرتبطة به والمتمثلة في حريّة المعتقد، الحق في الاختلاف، والأهم التعددية الدينية والمواطنة، حيث أصبح له تأثير على النسيج الاجتماعي باعتباره أحد أهم وأقوى النظم الاجتماعية الفاعلة في ضبط وتنظيم وتجسيد سلوكيات الأفراد والجماعات، لذلك يقاس تطور المجتمعات بما مدى تطبيق حرية ممارسة العقائد. إلا أنه في بلادنا العربية وبما فيها تونس تعد الحرية الدينية غير مكفولة اجتماعيا على الرغم من كفالتها قانونيا ربما يعود ذلك للأزمات الثقافية والفكرية التي تعايشها البلاد، خاصة ما بعد الثورة. لذلك تسعى دراستنا هذه للبحث في أهمية حرية المعتقد بما لا يتعارض مع مصلحة وأمن واستقرار البلاد التونسية، على اعتبار أن من الركائز الأساسية للمواطنة في المجتمعات المتحضرة هي التعددية باختلاف صورها واحترام حقوق الانسان بما فيها الحريات الدينية
التي تواجه منذ القدم إلى اليوم إشكالات متعددة، ذلك أن مجتمعنا ملئ بالأفراد ذوي الذهنيات المتحجرة الرافضة للتعدد الديني، وليس الأفراد فقط بل حتى بعض الأنظمة والمعتقدات اتخذت موقف المحاذر.
الحرية الدينية
وبما أن الحرية الدينية هي من المواضيع الحساسة في عصرنا الراهن خاصة فيما يتعلق بتغيير عقيدة ما بعقيدة أخرى كما هو الحال في دراستنا هذه (الخروج من الإسلام واعتناق المسيحية) فإن الموضوع يصعب طرحه أساسا حتى لمجرد النقاش في أحيان كثيرة، ويعود ذلك لعدة ضوابط منها الشرعية أو العرفية وحتى القانونية (تجريم التبشير).
لذلك وفي مجتمع مثل مجتمعنا يصعب فيه الدعوة إلى حرية الاعتقاد خاصة مع عدم الاستقرار الأمني وانتشار الفكر الجهادي، ويرى الكثير من الأفراد أن مثل هذه الدعوات يمكن أن تقود المجتمع التونسي إلى تبعات خطيرة تهدد امنه وهويته الاجتماعية والدينية ، فلمجرد أن يمنح المسيحيين التونسيين باعتبارهم أقلية دينية في تونس الحق في ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، فهذا في حد ذاته تهديد للمنظومة الدينية التي يشكلها الأغلبية (المسلمين) التي تتسم بمفارقة تديينيه غريبة اذ ان اشكال التدين التونسي مختلفة و تتراوح بين الالتزام بالعقيدة و بين ممارسة المحرمات فمثلا نجد التونسي يقوم بصوم رمضان و لكنه في نفس الوقت يمارس القمار او تجده يصلي يوم العيد ليشرب الخمر في المساء و رغم هذه المفارقات الا انه يبقى متعصب لما نشئ عليه من عقائد . وقد يكون القانون التونسي قد أدرك مدى صعوبة هذه المعادلة العقائدية فخير أن يكون وسطيا بمعنى يكفل الدستور حرية المعتقد وممارسة الطقوس الدينية في إطار الذي يحدده القانون في المقابل يمنع التبشير خارج الكنائس كما يمنع إقامة القداس لذلك يرفض القانون التونسي ومتمثل في شخص وزارة الشؤون الدينية منح تراخيص لتظاهرات دينية مسيحية محلية ومن هذا المنطلق سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات في سياق تحليلي علمي:
ما مقصود بالتعددية الدينية وحرية المعتقد وهل يعد المسيحيين في تونس أقلية دينية؟
وما هو تاريخ المسيحية في تونس؟ وإلى أي مدى يمكن أن تتعايش في الأوساط الاجتماعية المسلمة؟
ولتحليل هذه الطروحات اعتمدنا على نماذج من اتباع الظاهرة المدروسة ومن أغلب طوائفها كالكاثوليك والإنجيلين والاسقفيين واللذين رغم اختلافاتهم المذهبية تجمعهم نفس الآمال وهو الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية.
1-التعددية الدينية
الحقيقة باتت التعددية الدينية في عصرنا الراهن ذات منحى إشكالي في ظل الصراعات الإيديولوجية والفكرية التي يتسم بها عالمنا اليوم، والمتأمل في تاريخ البشرية والمجتمعات سيلاحظ عدم خلو أيا منها من التعدد لأنه حقيقة اجتماعية فكرية ثقافوية وبها تتميز مجتمعات عن أخرى.
فماذا نقصد بالتعددية الدينية؟
أولا يجب أن نقر بأن الدين هو نظام اجتماعي قائم الذات فهو “مجموعة من المعتقدات تؤمن بها جماعة ما وتكون نظاما متصلا ويتعلق في العالم ما بعد الطبيعة وممارسة شعائر وطقوس مقدسة والاعتقاد في قوة روحية عليا وقد تكون هذه القوة متكررة أو أحادية”[2] كما أنه “يفرض قواعد السلوك، وبهذه الكيفية يتجه نحو التوحيد بينها وبين قواعد الأخلاق التي لا تخرج عن كونها قواعد سلوكية كذلك”[3].
لذلك يراه دوركايم من أهم وأقوى النظم الاجتماعية الفاعلة في ضبط وتقنين وتأطير سلوك الافراد وبالتالي حفظ الاستقرار المجتمعي على المستوين الفردي والجماعي، لأن “الوظيفة الأساسية للدين هي تزويد الإنسان بهدوء في النفس وسلامة في العقل والإحساس بالأمن في عالم ملئ بالمخاطر والشكوك والأوهام. ومن الوظائف الهامة الأخرى قيامه بدور فعال في تكامل وتوافق شخصيات الأفراد مع معايير وقيم المجتمع الذي ينتمون إليه”[4].
فالظاهرة الدينية هي واقع اجتماعي معاش منذ أمد بعيد ولهذا تتسم هذه الظاهرة بالعالمية والكونية باعتبار أن جل المجتمعات قد أٍرست هياكلها الاجتماعية على الأسس الدينية لأنها تحافظ على النظام والاتساق الاجتماعي، وربما لهذه تعددت الاديان والعقائد في العالم وبتعددها تعددت الممارسات.
فنجد مثلا الأديان الرئيسية الكبرى (المسيحية والإسلام واليهودية) الى جانب العقائد الفكرية كالبوذية والكونفوشيوسية والطاوية…، ولا ننسى العقائد الطائفية كالبهائية والقاديانية والدرزية والزيدية… وهذا في المشرق أو في جل الدول الاسيوية.
فهذا التعدد جعل من العالم فسيفساء فكرية ثقافية متمايزة بين بعضها البعض. هذا بالنسبة للدين أما التعددية “فلها معنيان رئيسان لهما صلة بمفهوم المصطلح أحدهما فلسفي، والآخر سياسي اجتماعي، ومدارهما على التعدد النوعي في المبادئ والمعتقدات والتعايش بين هذه المتعددات مع بقاء خصائصها، وأما كلمة (الدينية) فهي في بلد منشأ المصطلح محل جدل كبير في مدلولها في مجالات تداولها، في أحكام الدين، وعلم اللاهوت، وعلم الإنسان، وعلم الاجتماع، ومقارنة الاديان، وهو اختلاف كبير جدا جعل بعض الباحثين يرى استحالة أو شبه استحالة الوصول إلى تعريف يتفق عليه الجميع. وهناك اتجاه قوي في مجال الدراسات الإنسانية والاجتماعية ومقارنة الأديان وفلسفة التدين، يدخل في معنى الدين جميع ما يدين الإنسان به، سواء تضمن ذلك اعتقادا بوجود إله وعبادته أو لم يكن كذلك”[5].
فتعددية الدينية تقوم على ركيزتين: أولهما حرية المعتقد وتعدده داخل المجتمع الواحد، ثانيهما التعايش السلمي بين أتباع هذه المعتقدات بما يضمنه القانون الوضعي لكل بلد وبما يكفل حق المواطنة لكل الأطراف.
وفي تعريف أخر فإن التعددية الدينية هي “ضرورة الاعتراف المعرفي ليس فقط الاجتماعي والأخلاقي بكافة الأديان والمذاهب، وإعطاء المعذورية للمؤمنين بها، وبالتالي عدلت من مفهوم النجاة الذي كان يعني في الماضي حصر الخلاص في طائفة دينية واحدة بحيث صار أكثر شمولا واتساع ليشمل أكثر أبناء الديانات والمذاهب، كما عدلت من مفهوم التعايش من مجرد كونه ضرورة مرحلية إلى حاجة إنسانية ثابتة “[6].
ومن هذا المنطلق نرى أن التعددية هي التنوع الذي يشمل الخصوصية والاختلاف اللذان يقودان إلى التميز وبالتالي الاقرار بأن الاختلاف هو حقيقة إنسانية حتمية يمكن أن تكون مصدرا للدفع بمعنى إذ ما حسن استثمارها تطورت الشعوب وازدادت عملية و حتى انتاجية عوض الدخول في الجدليات العقائدية الصراعية التي نراها اليوم والتي باتت جزء لا يتجزأ من سياسات العالم العربي ، وهو ما انجر عنه تدهور الاخلاقيات العامة واضمحلال العدالة الاجتماعية في ظل التجاذبات الإيديولوجية، لذلك فلكل إنسان الحق في حرية اتباع الدين والعقيدة التي يريدها.
وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على “أن لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملاء أو على حدة”[7].
وحتى الدين الإسلامي لم يكن يعارض التعدد الديني مثلا يقول الشيخ محمد أبو زهرة “لقد احترم الإسلام حرية الاعتقاد، وجعل الأساس في الاعتقاد هو أن يختار الإنسان الدين الذي يرتضيه من غير إكراه، وأن يجعل أساس اختياره التفكير السليم، وان يحمي دينه الذي ارتضاه فلا يكره على خلاف ما يقتضيه”[8].
اما الشيخ محمد الطاهر بن عاشور فيقول “…ان الاعتقاد الذي اضيف له لفظ الحرية يراد به الاعتقاد فيما وراء الحس ومعبر عنه في الاسلام بالأيمان بالغيب، ويعبر عنه الفلاسفة بما بعد الطبيعة او ما وراء الطبيعة، او الالهيات ويحوم هذا الاعتقاد حول وجود خالق للعالم. وهذه الحرية اوسع الحريات دائرة”[9]
اما محمد الغزالي يقول في تعريفه:”الايمان الصحيح المقبول يجيء وليد فطنة عقلية واقتناع قلبي انه استبانة العاقل للحق ثم اعتناقه عن رضا ورغبة”[10].
ولهذا نصت العديد من الدول في دساتيرها على اهمية حرية المعتقد والدين فمثلا:
- ينص دستور فرنسا الحالي لسنة 1958 على حرية المعتقد والذي يجعل من اعلان حقوق الانسان والمواطن لسنة 1789 ومقدمة دستور 1946 مرجعية له، فنص المادة 10 من اعلان حقوق الانسان والمواطن: لا يتعرض أحد للإزعاج بسبب آرائه، حتى الدينية شرط ان التعبير عنها لا يخل بالأمن العمومي الذي يحدده القانون”.
- اما ديباجة دستور 27 اكتوبر 1946 فهي تنص،”…. بان كل انسان دون تمييز في العرق والدين ولا في المعتقد، يحوز على حقوق غير قابلة للتصرف فيها ومقدسة”
- اما الدستور الامريكي المعدل في سنة 1741 فانه نص على انه “لا يجوز للكونجرس ان يصدر اي قانون خاص بإقرار دين من الاديان او منع حرية ممارسته”[11].
- اما روسيا ونص دستورها لسنة 1993 في عدة مواد ان “روسيا الفيدرالية هي دولة علمانية، وانه لا يجوز تبني اي دين رسمي للدولة ولا ان تقوم الدولة بدعم اي دين، اما الفقرة الثانية فتنص: تفصل الجمعيات الدينية عن الدولة وهي متساوية جميعها امام القانون …. وتوج الوضع بسن قانون خاص بحرية المعتقد في سنة 1997”[12]
وهذه عينة من بعض الدساتير الغربية والتي في الحقيقة تشترك جلها في نفس المبادئ القانونية المتعلقة بحرية المعتقد، نأتي الان الى بعض من الدساتير العربية فنجد مثلا في الجزائر:
- تنص المادة 36 من دستور 1996 على انه “لا مساس بحرية المعتقد وحرمة حرية الرأي “
- اما دستور الكويتي لسنة فتنص 1962مواده (35-36-37) “على حرية الاعتقاد وحرية القيام بالشعائر الدينية وحرية الرأي والبحث العلمي وحرية التعبير”
- واما الدولة التونسية فقد نص دستور 2014 في فصله السادس على ان “الدولة راعية للدين كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية”[13].
وهنا نرى اجماعا على التنصيص القانوني للحرية الدينية لكن تبقى الممارسة وكيفية التطبيق هي المحددة لما مدى التزام الدول بهذه التشريعات سواء كانت عربية او غربية.
ما نلاحظه انه في الدول الغربية لا تعتبر المسلمين المولودين في دولهم اقلية باعتبار عددهم بل تعتبرهم مواطنون بغض النظر عن انتمائهم العقائدي اما في العالم الاسلامي فان من يختلف عنهم في الدين او الطائفة او العرق… يدعون بالأقلية.
فماذا نعني بالأقلية الدينية؟ وهل المسيحيين في تونس يمثلون أقلية؟
-
مفهوم الاقلية:
- الإطار المفاهيمي لحقوق الاقليات
تعد مسالة الاقليات وتحديد مفهومها من المسائل التي لاقت الكثير من الخلافات الفقهية، وذلك نظر للاختلاف الظروف التاريخية والاقتصادية والاجتماعية في كامل دول العالم الى جانب اختلاف السمات الثقافوية والخصائص المميزة للأقليات.
لكن المؤكد ان وجود ظاهرة الاقليات له جذور تاريخية ارتبطت بظهور المذاهب الدينية قبل انتشار القوانين الوضعية والتنظيم الدولي، فـ” مسائلة تحديد مفهوم الاقليات وتعريفها بشكل منضبط من أكثر مسائل تعقيدا ولا تقتصر هذه الصعوبة على الدراسة القانونية فقط بل شملت معظم الحقول المعرفية المعنية بظاهرة الاقليات، وذلك بسبب تباين أوضاع الاقليات وعدم اعتماد معيار موحد لوصف جماعة بشرية بالأقلية”[14].
ولهذا اختلفت وتعددت التعريفات الخاصة بالأقلية فنجد مثلا الموسوعة السياسية قد عرفت الأقلية على أنها ” مجموعة من سكان قطر أو إقليم أو دولة ما تخالف الأغلبية في الانتماء العرقي أو اللغوي أو الديني، دون أن يعني ذلك بضرورة موقفا سياسيا وطبقيا مميزا”[15]. وأما الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية فقد عرفتها بأنها “جماعة من الأفراد الذين يتميزون عن بقية أفراد المجتمع عرقيا أو قوميا أو دينيا أو لغويا، وهم يعانون من نقص نسبي في القوة ومن ثمة يخضعون لبعض أنواع الاستعباد والاضطهاد والمعاملة التميزية”[16].
كما عرفتها الموسوعة العربية بأنها: “مجموعة من الناس تختلف في سماتها على المجموعة الرئيسية التي تمثل غالبية المجتمع، وتعد اللغة والمظهر والدين ونمط المعيشة والممارسات الثقافية لهذه المجموعة من أهم مظاهر الاختلاف، تهيمن الأغلبية في ظل هذه الأوضاع على السلطة السياسية والاقتصادية مما يمكنها من ممارسة التمييز والاضطهاد ضد الأقليات” [17].
هذه أهم تعريفات الخاصة بمفهوم الأقلية لكن نفس هذا المفهوم يخض لمعايير قياسية وضعها فقهاء القانون الدولي في تحديد تعريف مناسب لذلك ” توافق العاملين في حقل حقوق الأقليات على شرط إنصاف الجماعة الموسومة بالأقلية بعدد من المعايير التي تميزها عن غير من الجماعات داخل الدولة، وتتنوع هذه الضوابط إلى معيار عددي، معيار الوضع غير المهيمن، معيار شخصي وآخر موضوعي”[18]:
- المعيار العددي: يعد هذا المعيار عنصر أساسي في تحديد ماهية الأقلية، والتي تعني بالتأكيد أقل عدد من الأغلبية إلا أن الأقلية لا تتشكل للضرورة من خلال الضبط العددي وحده، فعلاقة السيطرة والخضوع القائمة بينها وبين الأغلبية لا يكونه مردها كمي عددي.
مثلا نرى أن عدد المسلمين في الهند يفوق 140 مليون نسمة وهذا العدد ضخم مقارنة بين عدد المسلمين في أنحا العالم العربي إلا أنه يعدون أقلية في بلدهم مقارنة بالديانة الهندوسية ولهذا ” يمكن القول إن المعيار العددي ليس كافيا بمفرده لإطلاق وصف الأقلية على جماعة تعاني من التهميش والإخضاع”[19].
- معيار الوضع المهيمن أو الأهمية والمكانة:
فالمنظرين لهذا المعيار يعرفون الأقلية بأنها ” كل جماعة عرقية لا تتمتع بالمشاركة السياسية ومضطهد ومستغلة من ناحية الاجتماعية والاقتصادية”[20]، فهم يركزون على مدى الفعالية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الفئة التي تكون في الغالب مترابطة ببعضها البعض إما على أساس العرق أو الدين واللغة… وفي غالب تكون متمسكة بهويتها كمرجعية أساسية لإثبات تواجدها وثقافتها ضمن الاغلبية المسيطرة.
- المعيار الذاتي:
إن الوحدة الاجتماعية أو تعاضد الاجتماعي هو أساس الترابط أفراد الأقليات رغم أنها وحدة يمكن القول عنها أنها جزيئة باعتبار المجتمع الذي تعيش فيه، فأساس هذا المعيار هو داخلي نفسي وجداني يتجلى من خلال التقارب الجماعي لأفراد الاقليات من أجل الحفاظ على خصائصها النوعية التي تميزهم عن البقية ذلك أن “العنصر الذاتي في حقيقته إنما يعتمد على أساس ما تتوفر داخل البلد من مناخ سياسي وثقافي واجتماعي وقد تكون الأقليات منفردة عن أبناء الأغلبية وتفرض عليهم أن يظهر عدم اللامبالاة لثقافتهم أو مميزاتهم الخاصة مما يؤدي ذلك تذويبهم في إطار المجتمع والمتمثل بالأغلبية”[21].
- المعيار الموضوعي:
اعتمد القانون الدولي مخطط الأقلية للإشارة إلى المجموعات المختلفة داخل مجتمع معين ويكون هذا الاختلاف إما على الأساس ( ثقافة، العرق، الدين، اللغة، …) لهذا نجد أن النصوص القانونية الخاصة بحماية الأقليات عادة ما تشير إلى الأقليات اللغوية والإثنية والقومية والدينية دون اعتبار بقية الطوائف الأخرى من الأقليات لهذا يمكن أن نستنتج أن القانون الدولي لا يشمل حماية لسائر الأقليات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية الموجودة داخل الدول “وهذا لا يعني أن القانون الدولي لحقوق الإنسان لا يتضمن حماية لهؤلاء ولكنه لا يتعامل معهم بوصفهم أقليات بالمعنى القانوني”[22].
هذه أهم التعريفات الخاصة لتحديد مفهوم الأقلية ونلاحظ أنها متنوعة بتنوع مصادر التعريف وحتى المعايير لكن ما يهمنا هو الأقلية الدينية باعتبارها أساس بحثنا.
- الأقلية الدينية:
رغم ما أسلفنا نلاحظ أن الحماية الدولية للأقليات شرعت أساسا لحماية الأقليات الدينية إلا أن تحديد تعريف للأقلية الدينية يعد إشكالا في حد ذاته حيث تعتبر هذه الظاهرة “من أقدم الظواهر التي عرفتها البشرية والتي تزامنت مع الديانات التوحيدية (الإسلام والمسيحية واليهودية) لكن ظهورها كإشكالية بدا جليا حديثا وأنتشر”[23].
فالمقصود من الأقلية الدينية هي “كل جماعة عرقية يمثل الدين المقوم الرئيسي بذاتيتها وتميزها عن غيرها من الجماعات العرقية التي تشاركها ذات المجتمع” [24]، اذ لا تخلو أي دولة من التعدد الديني فمثلا فالهند نجد البراهمة والهندوس والمسلمين والسيخ والمسيحيين واليهود…، كما أن عالمنا العربي يشهد تعدد للأديان والطوائف مثال العراق نجد السنة والشيعة والمسيحيين، الأزديين، الصابئة، الدروز … وتونس أيضا تشهد تعدد ديني وطائفي رغم جهل اغلبية افراد المجتمع بهذا التعدد فمثلا نجد السنة والشيعة الاثني عشرية والإباضين واليهود والمسيحيين والبهائيين…
عموما “هذا التنوع الديني في مجتمع واحد لا يكتسي أهمية “سياسية كانت أو دولية إلا إذا ترتب على وجودها صراع أو تنازع في مجلات القيم أو الثروة أو السلطة”[25]، وعادة ما “تنحصر مطالبات الأقلية الدينية في المطالبة بحقها في المساواة وعدم التمييز وبحقها في ممارسة شعائر ديانتها بحرية وبإنشاء مؤسساتها الدينية والتعليمية” [26]، وعلى هذا الأساس فإن المعتنقين للمسيحية في تونس هم يعدون أقلية لأنها تقوم على أسس دينية وعقائدية مشتركة.
فماهي تاريخية الوجود المسيحي بتونس؟
-
الوجود المسيحي بتونس
- تحقيب تاريخي
كانت البلاد التونسية تدين بالوثنية خاصة عبادة الالهة “تانيت: حامية قرطاج ثم وبدخول الرومان حاولوا طمس معالم هذه العبادة واستبدالها بعبادة الأباطرة إلا أن العامة تمسكوا بعقائدهم الدينية، كما انتشرت عدة ديانات أخرى مثل المانوية”[27] والتي انتشرت بإفريقيا وجنوب إيطاليا وقد انتسب إليها القديس أوغسطين قبل اعتناقه المسيحية. ومع بداية القرن الثاني ميلادي دخلت المسيحية إلى أفريقية عن طريق روما ومصر وكان من أتباعها في تلك المرحلة فئات من الفقراء والعامة باعتبارها رمزا للمحبة والخلاص الروحي ضد الممارسات القمعية الرومانية خاصة في عهد الامبراطور قلديانوس مما أدى إلى ظهور حركة مسيحية متمردة تسمى الدوناتية. وقد ات المسيحية منحى جديد بأفريقية عند تولي الامبراطور قسطنطين (306-337 م) الحكم واعلانه اعتناق المسيحية. وقد وقف ضد اتباع الدوناتية وساعده في ذلك “القديس اوغسطين[28]” الذي حارب المنشقين عن الكنيسة الكاثوليكية في افريقية وانتصر (412م).
وبمرور الوقت ضعفت الإمبراطورية الرومانية وتوالت بعد ذلك الحضارات كالحضارة الوندالية والتي احتلت قرطاج سنة 435م وفرضوا مذهبهم الآريوسي (هذا المذهب مخالف للعقيدة الكاثوليكية لأنه يقول بطبيعة المسيح البشرية).
ثم عادت افريقية تحت الحكم الروماني المتمثل في بيزنطة وذلك سنة 527 م على يد الإمبراطور جستنيان وتواصل حكمهم إلى حدود 647 م. هذه كانت لمحة عابرة وسريعة عن تاريخ المسيحية بالبلاد التونسية لكن لا يسعنا ان نغفل دور القديسين التونسيين في الاشعاع الحضاري والفكري والثقافي للحضارة الرومانية مثل القديس اوغسطين الذي حارب الكنيسة الدوناتية و كل الهرطقيات التي سادت ذلك العصر ،له عدة مؤلفات تتجاوز المائتي رسالة الى جانب المواعظ و المطويات التي كتبت باللغة اللاتينية و قد اشتهرت بالبلاغة و البيان و هي تنقسم الي عدة مجالات منها الفلسفة و الرياضيات و الدين الى جانب اهتمامه بالتاريخ للإبراز البعد القيمي للمسيحية فأعتبر ان الوثنية دعمتها الأسطورة بينما المسيحية دعمها التاريخ ،فأوغسطين يعد فيلسوفا لاهوتيا و قد ترك ارثا فلسفيا و دينيا متكامل مازال يدرس الى يومنا هذا في جل الملتقيات اللاهوتية و الفكرية .
لا ننسى أيضا القديس ترتليانوس الملقب بالإفريقي فهو كان لاهوتيا الى جانب انه من أشهر المحامين في ذلك العصر وقد رافع في قضايا بروما، وهو يعد من أبرز رجال القانون والفلسفة ويتجلى هذا في كتاباته البالغة واحد وثلاثين كتاب حسب المؤرخ Paul Monceaux ومن بينها “للأوطان”، “المرافعة”، “رسالة إلى سكابولا”. وتاريخ الكنيسة قرطاجية يذكر عدة قديسين كانوا فاعلين ومؤثرين كالقديس كبريانوس وأرنبيوس ولاكتانتيوس وغيرهم كثر رغم أن الرومان قد حاولوا رومنة غالبيتهم لكنهم كانوا متشبثين بانتمائهم الافريقي القرطاجي. وقد استمر التواجد المسيحي بإفريقية حتى بعد الفتوحات الإسلامية التي لم تحاول طمس الجانب المسيحي للبلاد، وقد تعامل المسلمون مع المسيحين المحليين على أساس أنهم من أهل الذمة “مما يعني ممارستهم لطقوسهم المسيحية وحرياتهم الدينية التي كفلها لهم الإسلام في مقابل الجزية التي وضعت عليهم وعلى عجم افريقية ومن اقام منهم على النصرانية من البربر”[29]، وفي شهادة أخرى يقول جوليان “لقد كانت مئات الأسقفيات موجودة بإفريقية، وفي أوائل القرن الثامن لم يبقى ما يقارب الأربعين غير أن وجود المسيحية بقيت الأدلة عليه حتى عهد الموحدين …”[30]
ورغم ما شهدته افريقية من تواتر لعدة دول كالدولة الأغلبية والفاطمية والصنهاجية … وكذلك الحروب والغارات البيزنطية على سواحل أفريقية إلا أن المسيحيين لم يتعرضوا لأي سخط أو عنف بل على عكس كانت علاقتهم تسودها الاحترام إلى أن قامت الدولة الموحدية. والتي تبنت هجوم واسع على المسيحيين واليهود المحليين وخيرتهم بين الإسلام أو القتل وذلك كردة فعل عما يتعرض له الأندلسيين من قتل وتهجير من قبيل ملوك اسبانيا ولهذا انتهى التواجد المسيحي المحلي داخل افريقية لأن أغلب المسيحيين خيروا الإسلام وأما الباقية قد قتلوا وتذكر بعض من المصادر أن عدد القتلى فاق الألف.
- عودة المسيحية المحلية(الوطنية):
إن التاريخ التونسي لم يشهد اعتناق شخصيات مسلمة للدين المسيحي خاصة بعد اندثار المسيحيين المحليين مع العصر الموحدي، لكن ظل الوجود المسيحي قائما منذ العهد الحفصي مرورا بالفترة الباشية الى الحسينية والحقيقة في محاورة خاصة مع المؤرخ عبد الستار عمامو أكد لنا انه “لم يذكر التاريخ وجود حالات ردة وحتى وان وجدت فان العائلات تتكتم وتقوم بجنازة رمزية والتي تعني انها تخلت عن ذلك الابن”[31]، وطالبنا بالتحقق في سجالات المحكمة الشرعية وبتثبتنا فيها لم نجد أثرا للأحكام بالردة (بمعنى عقوبات خاصة بالخروج عن الإسلام واعتناق دين أخر)، لكن كانت هناك قضايا حول الإرث، اذ أن القانون التونسي يحتكم الى قاعدة إسلامية وهي لا تورث ملة لغير ملة بمعنى من كانوا مختلفين في الديانة لا يحق لهم أن يرثوا من بعضهم حتى وان كانوا أقارب في الدم، واستنادا لهذا المبدأ صدر قرار شهير عرفه القانون التونسي وهو قرار حورية تحت عدد 3384 صادر في 31/01/1966 وهو مرجعية أساسية في دراسة القانون التونسي.
المهم أن الحراك التنصيري تجلى أساسا في الاستعمار لكن تبلورت ملامحه مع الاستقلال وبالتحديد في الثمانينات خاصة في 1986 حيث بدأ بعض التونسيين باعتناق المسيحية والتبشير بها وقد تناولت عدة صحف تونسية هذه الظاهرة مثل جريدة الأنوار وذلك في عدة مقالات لها بداية من 1986 وغيرها من الصحف والمواقع الالكترونية فتمسيح التونسيين يراها البعض خطرا على امن المجتمع خاصة وان المبشرين يستعملون الكثير من الأساليب لجذب المؤمنين بها من بينها:
- أولا: الاغراء المادي فالكنيسة تمنح العديد من الامتيازات المالية للأتباعها كالرواتب الشهرية أو حتى تمويلات للإنشاء مشاريع صغرى و طبعا هذا استقيناه من البحث الميداني حيث يؤكد لنا “الطائر” كما يريد أن يسمي نفسه و هو أحد الخارجين عن الكنيسة إذ يقول “لقد تنصرت في بداية الالفية الثانية كنت وقتها طالبا و كانت الكنيسة تمنحني راتبا شهريا يقدر ب 500 دينار كدعم، خاصة و أنني أنحدر من وسط ريفي و عائلتي محدودة الدخل ” ،كما أردف “و قد ساعدت الكنيسة الكثيرين من أتباعها و منحتهم مساعدات مالية من أجل الاستثمار في مشاريع صغرى كورشات النجارة أو الحدادة …” الى جانب انها تساعد في منح التأشيرات للسفر الى اروبا إما في إطار منح للدراسة او كلاجئين بسبب عقيدتهم والأهم والذي يراه البعض خطرا يتهدد المجتمع التونسي هو التشكيك في العقيدة الاسلامية.
-ثانيا: انتشار التعصب الديني والتطرف والمتمثل أساسا في الجماعات الراديكالية خاصة بعد الثورة وهو نتاج حتمي للتغيب التعليم الزيتوني المعتدل لما يقارب السيتين سنة مما جعل الساحة الدينية مفرغة من تعليم ديني معتدل مما دفع بالشباب للاستقاء حاجته الدينية من مصادر مشرقية مختلفة في مذهبها عما رسخه التعليم الزيتوني منذ مئات السنين وبالتالي نشوء عدة أنماط من الشباب:
*شباب متدين بالفطرة والوراثة يمارس بعض من التعاليم الدينية الإسلامية دون روحانية.
*شباب متطرف عقائديا دون معرفة شاملة بالدين يستمد معرفته من مصادر متعصبة فكريا ودينيا مما اعطى صورة سلبية عن الدين الإسلامي وباعتباره قائما على العنف والدم والسيف وهذا أساس الفكر الراديكالي.
*ثالثا: شباب رافض لمنطق العنف الذي يروج له الجماعات المتطرفة وبالتالي بناء صرح بينهم وبين العقيدة الإسلامية أساسها النفور والخروج عن هذا الدين واختيار إما ان يكون لا ديني او يعتنق دين اخر كالبهائية او المسيحية أو اللادينية…
اما مصادر الدفع فهي عادة ما تكون اما اشخاص لهم مشاكل اجتماعية خاصة البطالة واما مشاكل نفسية وعادة ما يكونون من فئة الشباب وهذا ما أشار اليه الأستاذ عبد الستار السحباني الدكتور في علم الاجتماع والمشرف على المرصد الاجتماعي التونسي بقوله: “نحن اليوم في مواجهة خطر كبير ومتعدد الأوجه على غرار الفعل الجهادي والهجرة غير المنظمة والحركات التنصيرية التي تستهدف في مجملها الشباب غير المحصن والمقصى عن كل فعل سياسي أو مدني أو ثقافي”[32]، لكن لا يمكن انكار أن الكثير ممن اعتنقوا المسيحية كانوا مؤمنين بها كدين وبتعاليمها.
لكن ما يهمنا حقيقة هو أننا نعيش واقع التعدد المسيحي في مجتمعنا بمعنى أنه يوجد مسيحيين تونسيين متعددي الطوائف، بغض النظر عن كيفية جذبهم أو أسباب اعتناقهم لهذا الدين، رغم أنه لا توجد إحصائيات رسمية عن عدد المسيحيين في تونس، وربما هو تقصير من وزارة الشؤون الدينية التي نعتبرها وزارة الشؤون الإسلامية لأن اهتمامها الفعلي هو بكل ما يخص الإسلام والمسلمين في تونس، أما أتباع الديانات الأخرى فلا علم لها بعددهم أو أي شيء يخصهم، ففي تصريح لها لجريدة الخبر في 21 سبتمبر 2012 أفادت أن عدد التونسيين المسيحيين لا يتجاوز 200 نفر وذلك استنادا للعدد الأشخاص المعمدين من قبيل الكنيسة في تونس والمصرح بهم، ولكن في إطار بحثنا الميداني وجدنا أن الكثير من التونسيين تم تعميدهم في كنائس مصر لذلك لا يمكن اعتبار هذا العدد رسمي، خاصة وان الأب جان فانتان Jean Fontaine في محاضرة له قبل وفاته قال: “إن عدد المسيحيين في تونس ليسوا كثر فتقريبا يوجد 50 كاثوليكي تونسي و 800 تونسي موزعين بين الطائفة الإنجيلية والأسقفية”[33]، لكن في المقابل صرحت لنا احدى المسيحيات وهي مبشرة وعضوة في المجلس الأسقفي بأن عدد المسيحيين التونسيين بلغ بعد الثورة 40 ألف شخص ناهيك عن الذين اعتنقوها من قبل.
الحقيقة لا نعرف لماذا تتكتم الكنيسة عن العدد الحقيقي للمسيحيين حيث أنها تصرح بعدد المعمدين الرسميين في الكنائس التونسية والذين يعدون تقريبا بين 4 و5 أنفار كل سنة حسب مصدر من وزارة الشؤون الدينية بينما لا يصرحون بالمعمدين في الكنائس المصرية وهم بالآلاف حسب العديد من المسيحيين التونسيين.
من هذا المنظور نحن نرشح فريضتين:
الفرضية الأولى: عدم تصريح الكنيسة بعدد منتسبيها هو الخوف من أي اجراء تقوم به الدولة ضدهم مما يضيق عليهم ممارسة التبشير مثلما تم بدولة الجزائر.
الفرضية الثانية: التكتم هو استراتيجية لتكبير قاعدة المنتسبين مما يخول لها جمع عدد أكبر من المؤمنين وبالتالي المطالبة بحرية ممارسة معتقداتهم عن جدارة استنادا للمعيار العددي، خاصة وأن النظم السياسية لا تعترف بهم.
3) المسيحين والنبذ الاجتماعي
عادة ما يتقبل التونسيون الأجانب دون اعتبار لديانتهم سواء كانوا مسيحيين أو يهود، لكن الأمر يختلف إذا كان التونسي هو المسيحي، فاتباع الديانة اليهودية وكما أسلفنا الذكر تعايشوا مع المجتمع التونسي منذ ألاف السنين لكن المسيحية تعد ظاهرة جديدة قياسا بها، لكن ما يجعل هذه الظاهرة منبوذة هو الأساس الشرعي والمتمثل في مفهوم الرّدة فمثلا يرى الأستاذ علاء الأسواني “أن حرية تغيير الدين مشمولة في حرية الاعتقاد والأكيد ان الاسلام لم يتعارض مع هذا الحق في هذه الحرية، فلم يرد في القرآن أو السنة أمر يقتل من يتحول عن الإسلام، فالقرآن قد أرسى مبدأ عظيما عندما قال لا إكراه في الدين وهكذا كفل الإسلام حرية العقيدة ويمكن تصور حرية العقيدة بغير أن يكون للإنسان الحق في تغيير دينه. أما قتل المتحولين عن الإسلام فهو وجهة نظر لبعض رجال الدين تقابلها وجهة نظر أخرى قوية تؤكد أنه لا عقوبة على من يتحول عن الإسلام”[34]
وفي استشهاد آخر واعتمادا على الآيات القرآنية التالية: “ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا”[35]، “فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ”[36]، يرى الأستاذ عبد الستار قاسم أن “هذه الآيات، وغيرها تؤكد على حرية الإنسان في اختيار العقيدة التي تروق له دون ملاحقة أو مضايقة أو اضطهاد. فعلى المسلمين الالتزام بالأمر إلى الرسول الكريم، بأن يشرحوا معتقدهم دون ذيول قمعية”[37]
إقرأ أيضاً: توجهات الإسلام السياسي في تونس ما بعد الثورة من الاشعاع إلى الاضمحلال التدريجي
لكن في المقابل يرى صبحي عبد سعيد أن “الإسلام يكفل حرية الاعتقاد لكنه يقصرها على حرية الاختيار ولا يشير إلى ان حرية الاعتقاد تشمل الحق تغيير الدين، وأن الانسان خالق فعله والمسؤول عن عمله، وليس ذلك غلا لأنه حر التفكير حر الاختيار، فإن شاء فليؤمن وغن شاء فليكفر، فالإسلام يعيب على الإنسان الذي تقوم عقيدته تقليدا لغيره دون وعي أو تفكير”[38]، وأغلب الآراء تستند في أحكامها على العاطفة، لذلك فإن أكثر المجتمعات تكفر مغير دينه وتدعو لقتله او هجره. لذلك كان القانون عبارة عن حصانة ضد هؤلاء. أما في تونس فإن المسيحيين لم يتعرضوا للقتل ولكن مورس عليهم كلا العنفين المعنوي والمادي:
العنف المعنوي، أغلب النماذج اكدّوا لنا انهم نبذوا من عائلاتهم وطردوا من منازلهم وشردوا من أجل عقيدتهم التي يؤمنون بها، مثال سارة وهو اسم مستعار تقول: “حين أعلنت مسيحيتي طردتني أمي خاصة وأن والدي متوفي، ورفضت التكلم معي وحتى رؤيتي وظللت شهور وأنا اتنقل من مكان الى آخر وقد تعرضت الى التشرد والعنف اللفظي، وكلما حاولت أن أقنع والدتي إلاّ وقد تمسكت بموقفها أكثر وانا بصراحة تمسكت أكثر بعقيدتي، فأنا أتساءل كيف يريدوني المجتمع ان امارس عقيدة لا أعيها ولا أحسها لا تأجج فيا العاطفة الروحية.”
أما “كـ” فيقول: “لقد كان رفض عائلتي شديد الصرامة فقد طردوني ولم يقبلوا دخولي إلى المنزل، حتى وصل بهم الأمر بمنع تواصلي مع إخوتي وقد ظللت اكثر من عشر سنوات شريد، ثم اقتنعوا بإيماني وعقيدتي ورويدا رويدا أمنوا جميعا إلاّ أمي، ولما وفت المنية أبي تم دفنه في مقابر المسلمين ولكن بعد مرور فترة علم بعض الاجوار بان والدي مسيحي فحاولوا هدم القبر واخراجه بدعوى أنه كافر لا يجوز دفنه بين المسلمين” ويردف قائلا “أنا لا أفهم على أي اساس يكفرون الناس كل يعبد الله بطريقته، فلماذا هذا الغلو”
العنف المادي، تعد “م” من بين الفتيات اللاتي تعرضن للضرب والحبس لإيمانها بالمسيحية، وفي شهادة لها تقول: “عندما تعرفت إلى المسيح، أخفيت عقيدتي لأكثر من أربع سنوات كنت أصلي فيها بالخفاء وفي مرة دخلت أمي غرفتي لتوظبها، ولكنها وجدت الإنجيل وحين واجهتني لم أنكر ديني وأيماني لأن يسوع معي فهو مخلصي وما كان منها إلّا وانهالت عليا ضربا ولكما وركلا وفي المساء أخبرت أبي الذي أكمل وصلة العنف الصباحية ثم منعني من الخروج من غرفتي إلّا لقضاء حاجتي إلى أن تدخل بعض الأقارب وأقنعوه أنني أتبع موضة وسوف أتوب وما ان خرجت من حبسي حتى اعتزلت عائلتي وأنا اليوم متزوجة من مسيحي تونسي ولا أتواصل معهم البتة”
أما “ر” فيقول: “أمنت بالمسيحية بعد دراسة وتأمل وظللت قرابة شهر ثم أخبرت عائلتي عن ديني الجديد، فسخروا مني وظنوا أني أمزح، وحين رأوا جديتي تهجم عليا والدي وضربني ودفعني خارج المنزل ومنع عني المصروف اليومي رغم أني كنت طالبا وقتها، ولكن أمي كانت تساعدني خلسة، إلى أن وافته المنية ولم يقبل بي حتى أنه أوصى بعدم حضوري إلى جنازته.”
هذه نماذج بسيطة من جملة النماذج الأخرى التي تعاني من نفس الوضعيات لكن بدرجات متفاوتة.
لكن تعد مشكلتهم الأهم هي حرية ممارسة العقيدة رغم أن البلاد التونسية قد سنت قانون حرية الضمير والذي يسمح بممارسة العقيدة ويحميها وتبقى هذه الحرية رهينة الأمن العام.
توجد في البلاد التونسية إحدى عشر كنيسة متوزعة ما بين العاصمة وبعض المدن الساحلية تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية لمختلف الطوائف الموجودة بالبلاد كما توجد تسعة مدارس تحت اشراف الكنيسة الكاثوليكية والملاحظ أن بعض الكنائس القديمة والتي يعود تاريخها إلى عهد الاستعمار قد تم تحويلها إما الى قاعات رياضة تابعة للسلك الأمني مثل كنيسة العوينة أو كإدارات فرعية.
وهو ما يحز في أنفس المسيحيين التونسيين الذين صرحوا برغبتهم في كنيسة مسيحية وطنية تونسية لكن لا يمكن للدولة أن تمنح تراخيص لمثل هذا الطلب ربما لأنه سيخلق بلبلة في صفوف الأغلبية مما يؤدي إلى الاخلال بالنظام العام، كما ترفض الدولة والمتمثلة في شخص وزارة الشؤون الدينية منح ترخيص لإقامة قداس محلي، مما حذى ببعضهم للإقامة قداساهم في المنازل خلسة لأن هذا مظهر من مظاهر التبشير الممنوع، وحيث يسمح القانون التونسي بالتبشير في صلب الكنيسة وكل دعوة خارجها هو خرق للقانون العام، حيث يعاقب القانون المبشرين بالترحيل مع مصادرة المنشورات والكتب المتمثلة في الإنجيل أما بالنسبة للتونسيين فيعاقبون (بالسجن وغرامة مالية) هذا في القانون القديم لكن مع قانون حرية الضمير فان كل مبشر تونسي تصادر مناشيره و يحقق معه ثم يخلى سبيله، فهم يرون أن تونس قد صادقت على مواثيق دولية وعالمية في مجال الحريات ومن بينها حرية المعتقد، وهي بهذا تعد من دول العربية الأكثر تقدما في هذا المجال ولكنها تمنع ممارسة الدعوى إلى المسيحية في الفضاءات العامة والخاصة، وقد قدموا مقارنة بالعالم الغربي حيث في أوروبا أو أمريكا لا يمنع فيهما الدعوى إلى الإسلام سواء في الفضاءات العامة وحتى الخاصة بل حتى كثيرا ما نرى على “اليوتيوب” كيف يقوم المسلمون بالدعوى في الشوارع وتوزيع القرآن فهم يردون أن تكون تونس نموذج موازي لهذه الدول. لكن حينما نرى القوانين في الدول الاسلامية حول ما يسمى “الرّدة” نرى أن تونس قد ارتقت في مجال حقوق الانسان وحتى الحريات وإن كانت هذه الحرية نسبية كما يراها البعض، فتونس لا تستطيع الانسلاخ عن الضوابط الاجتماعية والدينية للأغلبية. وفي هذا الصدد سنردف بعض من القوانين الخاصة ببعض الدول:
*السعودية: ينص القانون السعودي على قطع رأس من ارتد عن الإسلام ولكن يعطى فرصة ثلاثة أيام من أجل التوبة والعودة للإسلام. وأشهر قضية ردّة في السعودية هي قضية الشاعر الفلسطيني المقيم على أراضيها “أشرف فياض الذي حكم بالإعدام بتهمة الردّة سنة 2015 وبعد ضغوطات سياسية ودولية تم تخفيض الحكم إلى 8 سنوات. وعادة من كان لهم ميول دينية مخالفة للإسلام يحاكمون بتهم جنائية كزعزعة الأمن العام والوحدة الوطنية أو ازدراء الأديان وتصل الأحكام أحيانا إلى السجن المؤبد.
*المغرب: المادة 220 من قانون العقوبات تقضي بالسجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات لكل من يزعزع أسس إيمان مسلم.
كما أصدر المجلس العلمي الأعلى بالمغرب فتوى توجب قتل المرتد وذلك سنة 2013 ثم تراجعت عن هذا القرار في 2016.
*السودان: تنص المادة 126 من القانون الجنائي السوداني:
-يعد مرتكبا جريمة الردّة كل مسلم يروج للخروج عن ملة الإسلام أو يجاهر عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة.
-يستتاب من يرتكب جريمة الردّة يمهل مدة تقررها المحكمة فإذا أصر على ردّته ولم يكن حديث عهد الإسلام يعاقب بالإعدام.
وفي مثال يسوقه المركز الإفريقي لدراسة العدالة والسلام أنه تم إعدام 15 حالة من أصل 155 وجهت لهم تهم بالردّة وذلك بين 1968م و2017.
*موريتانيا: ينص القانون الموريتاني على الإعدام على كل من اعتنق ديانة غير الإسلام حتى أنها من ضمن الدول الغير مصادقة على قوانين الدولية الخاصة بالحرية الدين والمعتقد.
*الأردن: مثال القانون الأردني في مجلة الأحوال الشخصية الأردنية لسنة 2010، قد كرس العديد من مواده هدرا للحقوق المدنية والسياسة للمرتد عن الإسلام فمثلا في :
المادة 48 تلزم المرأة المرتدة بإعادة المهر .
المادة 171 يشترط في مستحق الحضانة ان لا يكون مرتدا.
المادة 142: تقضي يفسخ عقد الزواج في حالة الردّة.
*اليمن: تنص المادة 259 على أن “كل من ارتد عن دين الإسلام يعاقب بالإعدام بعد الاستتابة ثلاثا وإمهاله 30 يوما للعدول.
كانت هذه بعض النماذج من القوانين في بعض الدول وكلها إما تصب في الحكم بالإعدام أو السجن أو التجريد من كل الروابط العائلية والحقوق الدينية. لهذا تعد تونس رائدة في ضمان حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية مقارنة بالذي قدمناه، لكن هل هذا ما يرغب فيه كل فرد “عابر” ؟، طبعا لا فأغلب المسيحيين يرون أنفسهم مواطنون من الدرجة الثانية لا لشيء فقط لأنهم يدينون بما لا يدين به أغلب المواطنين لا في حرية ممارسة الشعائر الدينية أو حتى من خلال انعدام الشعور بالأمان للإفصاح عن معتقدهم و قد صرح لنا العديد منهم برغبتهم في الهجرة بسبب هذا الاغتراب الاجتماعي و النفسي الذين يعايشونه .ففي ظل المواطنة و الانتماء الى الوطن الواحد كان الاجدر ان تنتفي مثل هذه الفروقات و الاختلافات لأن العقائد لا تلزم الا معتنقيها و بالتالي هي ذاتية و لكن اذ ما اخرج الدين من بعده الروحي الى رحاب التوظيف الأيديولوجي فإن مجتمعنا سيسير نحو الطائفية التي تعد من أخطر الصراعات التي واجهت الكثير من الشعوب .
- Iقراءة في الملتقيات الإسلامية المسيحية في تونس.
شهدت تونس عدّة ملتقيات للحوار الإسلامي المسيحي وذلك بداية من أواسط سبعينات القرن الماضي كانت هذه الملتقيات تهدف إلى تحقيق التواصل بين المتحاورين، حيث كانت مجالا للفهم والانفتاح. مما يرسخ أهمية الحوار والابتعاد عن جدالية الاتهام والتشكيك اللذان يولدان العنف والكراهية والتاريخ يشهد على مثل هذه الصراعات الدينية منذ مئات السنين، بل إن المميز في هذه الملتقيات هو الحوار العلمي للإيصال الأفكار والقناعات العقائدية وفتح باب التأويل والتفسير لكلا الديانتين ونقصد النقاش في أهم نقاط الاختلاف، سواء المحددات الزمنية وحتى الممارستية، وكذلك نقاط الالتقاء كالتوحيد وعبادات الله حتى وإن اختلفت طريقة العبادة.
ورغم أهمية هذا الحوار إلاّ أن البعض ثمنها واعتبرها من الجدالات الفلسفية الهادفة للوصول إلى الحقيقة، في المقابل يراها البعض وسيلة للانتزاع التنازلات لكن ما يهمنا هو أنها وسيلة للتقارب الديني لأننا نريد النظر من الزاوية الإيجابية لا السلبية.
لهذا أعلن الأستاذ عبد الوهاب بوحدبية: “نيابة عن كل المشاركين بأن الهدف يكمن في “أن نساهم بقسطنا المتواضع في بناء صرح التفاهم والإخاء بين الأديان”[39] فالأستاذ علي بن مبارك يؤكد في مقاله على أن المشاركين كانوا يجهلون ذواتهم الثقافية تماما كجهلهم بثقافة الاخر، لهذا اعتبر أن الملتقيات كانت منيرا لبناء ثقافة حوارية جديدة أساسها معرفة الأخر من خلال ثقافته وشواغله ومشاكله. قصد الاستفادة منها وبناء تصورات بديلة للتصورات السابقة، خاصة وأن الآخر (المسيحي يعرف العالم الإسلامي من خلال مستشرقيه ومراكز بحوثه وخبرائه حيث تغلغل في دراسته في كلا البعدين الحضاري والعقائدي إلى جانب أهم خصائص المجتمعات الإسلامية بما فيها من صعوبات ومشاكل ومميزات.
لهذا اهتمت الدولة التونسية بإنشاء تخصص علمي يهدف لدارسة مثل هذه الظواهر “كالدراسات المقارنة للأديان والحضارات، كما احدثت ايضا مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والاديان المقارنة بسوسة، بمقتضى أمر عدد 1855 لسنة 2005.
خاتمة
تعد المسيحية متجذرة في التاريخ التونسي بل صرحا من صروح الحضارة تشهد عليها المعالم الاثارية المتمثلة بالأساس في الكنائس المنتشرة في كامل انحاء الجمهورية من شمالها الى جنوبها و من شرقها الى غربها، بل ان الحفريات الاثارية مازالت في كل مرة تكتشف هذه المعالم و التي هي عبارة عن قبور مسيحية و كنائس من بقايا الحقب الرومانية و البيزنطية ولكن و بسبب المتغيرات التاريخية و التي اسلفنا ذكرها اندثر هذا التجذر و بالتالي انتهاء المسيحيين المحليين بعكس الديانة اليهودية التي بقيت صامدة الى اليوم .لذلك فان عودة هذا التواجد و بالأخص في عصرنا الراهن في تونس يعد ظاهرة إشكالية ويتمثل إشكالها في مدى تقبل التونسيين لها، لأن قابلية التسامح ضعيفة فيما يخص العقيدة الدينية خاصة و ان هذا الرفض المجتمعي لا يتقبل الشخص الذي يغير دينه او يمارس شعائر دينية غير الشعائر الإسلامية ،وهذا ما يثبته تقرير الحالة الدينية في تونس حيث نلاحظ في إحصائيات حول مدى تقبل التونسي لظاهرة التبشير بالمسيحية نجد أن 9% يقبلون مقابل 91 % يرفضون هذه الظاهرة.
والحقيقة أن البلاد التونسية تشهد ديناميكية كبيرة في ظواهرها الاجتماعية خاصة الدينية منها، وتجلى هذا النمط التسارعي ابان الثورة، فبات هناك نوع من الانفلات الفكري والقيمي وحتى الأخلاقي وتنامي العنف في الأوساط الاجتماعية وبرز الغّلو والتعصب كواجهة سائدة لكل منطق وهو ما حذى بالحقوقيين إلى تقنين الحريات كوسيلة ضمان للتونسيين المختلفين عن الاغلبية وحتى يتم الحفاظ على الامن العام والابتعاد عن الصراعات الدينية أو الطائفية، فالهدف من تقنين الحريات هو إرساء نظام عام يقوم على التقبل والتآلف الاجتماعي بما يسمح من إرساء قيم التعايش والتسامح اللذان عرفتهما تونس على مدار تاريخها الطويل باعتبار ان التنوع الديني هو جزء من التراث الإنساني العالمي، لهذا يجب ان نتقبل حقيقة وجود مسيحين تونسيين بغض النظر عن ماهية ايمانهم كما يجب كذلك عدم التشكيك في انتمائهم الوطني فكونهم اختلفوا عن دين الأغلبية فهذا ليس معناه اسقاط صفة المواطنة عنهم فكل شخص حر في اعتناق ما يشاء طالما انه لا يضر بحريات الاخرين او بالنظام الأمني العام .لذلك بقدر ما يكون المجتمع متقبل لفكرة الاختلاف و مؤمن بحرية المعتقد بقدر ما تترسخ اركان الدولة الديمقراطية و يسود الاستقرار الاجتماعي. وختاما ان البلاد التونسية في مرحلة انتقال جذرية لمفهوم الديمقراطية والاجدر ان ننأ عنها بمثل هذه الطروحات التي تعد متاهة فكرية وثقافية لذلك الاجدر بنا معالجة الأوضاع الاقتصادية والسياسية حتى ننهض ببلادنا قدما في ظل ائتلاف وطني موحد دون اعتبار لصيغ الاختلاف وحدها محبة و مصلحة الوطن تجمعنا.
الهوامش والمراجع:
- أحمد رشاد طاحون: حرية العقيدة في الشريعة الاسلامية، نقلا عن الشيخ محمد أبو زهرة في كتابة: تنظيم الإسلام والمجتمع.
- أحمد مخيمر: موقع رسالة الإسلام، مقال بعنوان “التعددية الدينية رؤية تأصيلية” 05 سبتمبر 2015.
- أحمد وهبان: الصراعات العرقية واستمرار العالم المعاصر ط2، الإسكندرية دار الجامعة 1999 ص 97.
- البارودي رضوان: أضواء على المسيحية والمسيحيين في المغرب في العصر الوسط، دار الفكر العربي، القاهرة 1990، ص 12.
- الدستور التونسي 2014 الفصل السادس.
- السيد محمد جبر: مركز الدولة للأقليات في القانون الدولي العام مع المقارنة بالشريعة الإسلامية، منشأة المعارف الإسكندرية ص 88.
- القديس أوغسطين: هو أحد رجال الدين وأعظم الفلاسفة المسيحيين ولد في نوميديا، تلقى علومه الأولى في قرطاج ثم انتقل إلى روما أين اعتنق المسيحية ثم أصبح أسقفا.
- المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان صادر عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة
- المانوسية: هي ديانة تجمع بين المسيحية والوثنية الشرقية.
- بدوي، أحمد زكي: معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، بيروت 1982 ص 353.
- جان فانتان: المسيحية في تونس: ندوة بفضاء التياترو بتونس 19 جوان 2018
- جوليان شارل اندريه: تاريخ افريقيا الشمالية جزآن تعريب محمدمزالي، البشير بوسلامة الدار التونسية للنشر ط 5، 1985.ج ص 384 – 385.
- حيدر حب الله، التعددية الدينية نظرة في المذهب البلورالي، الغدير للدراسات والنشر بيروت لبنان، ط1، 2001، ص 34.
- رقية السالمي: مقال بعنوان المتحولون إلى المسيحية من التونسيين غياب التأطير والجهل بتعاليم الإسلام والاستقطاب الذي تمارسه المجموعات التبشيرية أبرز المتهمين، موقع باب نات babnet.net 9 أفريل 2016.
- سعد الدين الإبراهيم: تأملات في مسألة الأقليات القاهرة مركز ابن خلدون 1996 ص 37
- سليم حداد، المعجم النقدي لعلم الاجتماع (د، ط) المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت 1986، ص 50-51.
- سورة الأنعام، الآية 107
- سورة الشورى، الآية 48
- شعبان الطاهر الأسود: علم الاجتماع السياسي، قضايا الأقليات بين العزل والاندماج ص 15.
- صبحي عبد سعيد، الإسلام وحقوق الإنسان، دار النهضة، القاهرة 1994 ص 102-103.
- طاهر ابن أحمد حماية الأقليات في ظل النزاعات مسلحة بين الفقه الجنائي الإسلامي والقانون الدولي الإنساني جامعة الحاج لخضر 2010 ص 54.
- عبد الحليم موساوي المركز القانوني للأقليات في القانون الدولي لحقوق الانسان، مذكرة ماجستير، جامعة ابو بكر بلقايد تلمسان 2007/2008، ص 09-12.
- عبد الستار قاسم، الإسلام والديمقراطية، رؤية اجتهادية في مسألة الحريات، موقع إسلام أون لاين 2006.
- عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسية، ج1، ط3، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1990، ص 244.
- علاء الأسواني: “لماذا يكره الغربيون الإسلام”، مجلة الدستور الصادرة بتاريخ 3-12-2008، منشورة على الموقع ebnmasr.net أخذ عن مقالة مجهولة الكاتب.
- علي بن مبارك: تجربة تونس في الحوار الإسلامي المسيحي نقلا عن عبد الوهاب بوحديبة، تقديم الملتقى الأول ص 6، ثقافتنا للدراسات والبحوث (مج 5، العدد السابع عشر 2008) ص 175.
- كمال طيرشي: مقال بحثي تحت عنوان (فلسفة التعددية الدينية) مؤسسة مؤمنون بلا حدود. 2015 ص 5.
- لونا سعيد فرحات: الحرية الدينية وتنظيمها القانوني دراسة مقارنة /دار المشرف ط1، بيروت-لبنان 2010ص303-308.
- ماكيفر، شارلز بيرج، المجتمع، الجزء الأول، ترجمة على أحمد عيسى ط3، مكتبة النهضة العربية القاهرة 1974، ص 333.
- محمد بلبشير: بحث بعنوان الأقليات سيرة المصطلح وذلك المفهوم – المؤتمر الدولي تاسع عشر للوحدة الإسلامية منشور على موقع المجتمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، طهران 2006
- محمد الزحيلي: الحرية الدينية في الشريعة الاسلامية أبعادها وضوابطها، منظمة المؤتمر الإسلامي، مجمع الفقه الإسلامي، الدورة التاسعة عشر، إمارة الشارقة، دولة الإمارات، ص 07.
- محمد رياض: الإنسان- دراسة في النوع والحضارة، ط2 بيروت 1974 ص 556.
- محمد الطاهر بن عاشور، اصول النظام الاجتماعي في الاسلام دار سحنون للنشر والتوزيع تونس ط2 2006 ص 160.
- محمد الغزالي: حقوق الانسان بين تعاليم الاسلام واعلان الامم المتحدة دار المعرفة الجزائر 2007 ص 60
- محمد يوسف علوان ومحمد خليل الموسي: القانون الدولي لحقوق الإنسان ج 2 الحقوق المحمية، ط 1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن 2009 ص 138.
- محمد يوسف علوان ومحمد خليل موسي: مرجع سابق ص 45.9
- محمد يوسف علوان ومحمد خليل الموسى: مصدر سابق ص 461 ويقصدان بالأقليات الاجتماعية مثل المصابين بالإعاقة ومثليي الجنس، والأقليات السياسية كالعاطلين عن العمل والمهمشين بسبب المالية السيئة.
- مجدي الداغر: أوضاع الأقليات والجاليات الإسلامية في العالم، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة، 2006 ص 48.
- مجموعة من الباحثين (حسن عواد السويحي، عبد الرشيد عبد العزيز حافظ. فالج عبد الله الضرمان، ليلى جابر آل غالب، صالح عبد الرحمان السعد، عواطف أمين يوسف): التفكير والبحث العلمي، مركز النشر العلمي (جامعة الملك عبد العزيز) صفحة 206-215.
- مقابلة في 16 جانفي 2018 بمكتبة بن عاشور.
- ناصر لبادة دساتير وقوانين سياسية لباد لنشر سطيف الجزائر 2007
[1] محمد الزحيلي، الحرية الدينية في الشريعة الاسلامية أبعادها وضوابطها، منظمة المؤتمر الإسلامي، مجمع الفقه الإسلامي، الدورة التاسعة عشر، إمارة الشارقة، دولة الإمارات، ص 07.
بدوي، أحمد زكي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، بيروت 1982، ص 353.[2]
ماكيفر، شارلز بيرج، المجتمع، الجزء الأول، ترجمة على أحمد عيسى ط3، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، 1974، ص 333.[3]
[4] محمد رياض، الإنسان-دراسة في النوع والحضارة، ط2، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2012، ص 490.
أحمد مخيمر، موقع رسالة الإسلام، مقال بعنوان “التعددية الدينية رؤية تأصيلية”، 05 سبتمبر 2015.[5]
[6] حيدر رحب الله، التعددية الدينية نظرة في المذهب البلورالي، ط1، الغدير للدراسات والنشر، بيروت لبنان، 2001، ص 34.
[7] المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان صادر عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة.
[8] احمد رشاد طاحون، حرية العقيدة في الشريعة الاسلامية، نقلا عن الشيخ محمد أبو زهرة في كتابة: تنظيم الإسلام والمجتمع.
محمد الطاهر بن عاشور، اصول النظام الاجتماعي في الإسلام، ط2، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس،2006، ص 160.[9]
[10] محمد الغزالي، حقوق الانسان بين تعاليم الاسلام واعلان الامم المتحدة دار المعرفة، الجزائر، 2007، ص 60.
[11] ناصر لبادة، دساتير والمواثيق سياسية، لباد للنشر، سطيف الجزائر، 2007.
لونا سعيد فرحات، الحرية الدينية وتنظيمها القانوني: دراسة مقارنة، ط1، دار المشرف، بيروت، 2010، ص 303. 308.[12]
[13] الدستور التونسي 2014 الفصل السادس
[14] عبد الحليم موساوي، المركز القانوني للأقليات في القانون الدولي لحقوق الانسان، مذكرة ماجستير، جامعة ابو بكر بلقايد تلمسان 2007/2008، ص 12.9.
[15] عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسية، ج1، ط3، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1990، ص 244.
[16] سليم حداد، المعجم النقدي لعلم الاجتماع (د، ط) المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 1986، ص 50.51.
[17] محمد بلبشير، بحث بعنوان الأقليات سيرة المصطلح وذلك المفهوم – المؤتمر الدولي تاسع عشر للوحدة الإسلامية منشور على موقع المجتمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، طهران، 2006.
[18] محمد يوسف علوان ومحمد خليل الموسي، القانون الدولي لحقوق الإنسان ج 2، ط 1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 2009 ص 138.
[19] مرجع سابق ص 45.
[20] شعبان الطاهر الأسود، علم الاجتماع السياسي، قضايا الأقليات بين العزل والاندماج، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2003، ص 15.
[21] السيد محمد جبر، مركز الدولة للأقليات في القانون الدولي العام مع المقارنة بالشريعة الإسلامية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1990، ص 88.
[22] محمد يوسف علوان ومحمد خليل الموسى، مصدر سابق ص 461، ويقصدان بالأقليات الاجتماعية مثل المصابين بالإعاقة ومثليي الجنس، والأقليات السياسية كالعاطلين عن العمل والمهمشين بسبب المالية السيئة.
[23] مجدي الداغر، أوضاع الأقليات والجاليات الإسلامية في العالم، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة، 2006، ص 48.
[24] أحمد وهبان، الصراعات العرقية واستمرار العالم المعاصر، ط2، دار الجامعة، الإسكندرية، 1999، ص 97
[25] سعد الدين الإبراهيم، تأملات في مسألة الأقليات، مركز ابن خلدون، القاهرة، 1996، ص 37.
[26] طاهر ابن أحمد، حماية الأقليات في ظل النزاعات مسلحة بين الفقه الجنائي الإسلامي والقانون الدولي الإنساني، جامعة الحاج لخضر، الجزائر، 2010، ص 54.
[27]المانوية: نسبة إلى ماني من بلاد الفارس الذي حاول الجمع بين المسيحية والوثنية الشرقية، وبنى مذهبه على الثونية أي وجود إلهين إثنين أو عنصرين أزليين، عنصر الخير متمثل في النور والشر متمثل في الظلمة.
[28] القديس أوغسطين: هو أحد رجال الدين وأعظم الفلاسفة المسيحيين ولد في نوميديا، تلقا علومه الأولى في قرطاج ثم انتقل إلى روما أين اعتنق المسيحية ثم أصبح أسقفا.
[29] رضوان البارودي، أضواء على المسيحية والمسيحيين في المغرب في العصر الوسط، دار الفكر العربي، القاهرة، 1990، ص 12.
[30] جوليان شارل اندريه، تاريخ افريقيا الشمالية، ط5، تعريب محمد مزالي، البشير بوسلامة، الدار التونسية للنشر، 1985، ص 384 .385.
[32] رقية السالمي، مقال بعنوان المتحولون إلى المسيحية من التونسيين غياب التأطير والجهل بتعاليم الإسلام والاستقطاب الذي تمارسه المجموعات التبشيرية أبرز المتهمين، موقع باب نات www.babnet.net 9 أفريل 2016
[33] جان فانتان: المسيحية في تونس: ندوة بفضاء التياترو بتونس 19 جوان 2018
[34] علاء الأسواني: “لماذا يكره الغربيون الإسلام”، مجلة الدستور الصادرة بتاريخ 3-12-2008، منشورة على الموقع www.ebnmasr.net أخذ عن مقالة مجهولة الكاتب.
[35] سورة الأنعام، الآية 107
[36] سورة الشورى، الآية 48
[37] عبد الستار قاسم، الإسلام والديمقراطية، رؤية اجتهادية في مسألة الحريات، موقع إسلام أون لاين 2006.
[38] صبحي عبد سعيد، الإسلام وحقوق الإنسان، دار النهضة، القاهرة 1994 ص 102-103.
[39] علي بن مبارك، تجربة تونس في الحوار الإسلامي المسيحي نقلا عن عبد الوهاب بوحديبة، تقديم الملتقى الأول ص 6، ثقافتنا للدراسات والبحوث (مج 5، العدد السابع عشر 2008) ص 175.