الإسلام السياسي القصة وما فيها: من الأفغانى إلى حسن البنا عبر قنطرة رشيد رضا

تكوين

يُعد إذن من نافلة القول إن جماعة الإخوان المسلمين هي أصل الإسلام السياسي، فهى الجماعة الأم[1]، لكل هذه التنظيمات والأصل الحركي والفكرى لها، وأصل هذا الأصل ومنبعه، هو «حسن البنا» ومن تأثر بهم[2].

فـ”حسن البنا“، ذاك الرجل الذى تجاوز-فى نظر أفراد هذه الجماعة، وغيرها من الجماعات الأخرى- كونه منشئ أو مؤسس الجماعة، والواضع للبناتها، والمحدد لأدق معالم طريقها، تجاوز كل هذا لما هو أبعد وأكثر من ذلك. فهو الإمام[3] صاحب الدعوة [4].

ومن هنا تأتى أهمية الكشف عن المصادر المعرفية لكتابات وأفكار هذا الرجل؛ وكيف صار إمامًا، وهو لم يحذق فنانًا واحدًا من فنون الشريعة وغيرها! بل قصارى القول فيه أنه كان مجرد مثقف ليس حتى متوسط القيمة بل أقل-كما سيتضح فيما بعد- فكيف وصل إلى ما وصل إليه؟ هنا تأتى أهمية أن نلقى الضوء على جزء من سيرته، لا من حيث الترجمة التاريخية لسيرته ،وإنما من حيث البيئة التى نشأ فيها وكيف أثرت فيه وشكلت وعيه وأفكاره الاولى؟ فهوية الانسان، ومعرفته لذاته، ودوره الاجتماعي، تحدد-بشكل ما- خطواته في الحياة، وتفسر سر اختياراته الاجتماعية، والسياسية، والدينية.

فما هى المحددات والعوامل المؤثرة فى سيرة، ومسيرة، حسن البنا، ومن هى أبرز الشخصيات التى ساهمت فى تشكيل أفكاره؟ وماهية هذه الأفكار وجذورها الأولى ومدى علاقتها بالتراث إن وجدت، أو بهؤلاء الأشخاص؟ وذلك من خلال ثلاثة مباحث يتبعها خاتمة تتضمن نتائج هذه الدارسة وذلك كالآتى:

المبحث الأول: من هو حسن البنا وكيف تشكلت أفكاره

فى قرية “شمشيرة” التابعة لمركز “فوة” عاش “أحمد عبدالرحمن الساعاتي” والد حسن البنا، أما فى قرية “المحمودية”، والتي لا يفصل بينها وبين “شمشيرة” إلا فرع النيل ولد حسن البنا عام 1906م[5]،حيث جاء والده مرتحلا من “شمشيرة“، ومعه زوجته “أم السعد ابراهيم صقر” حبلى بطفلها الأول “حسن”[6].

ويرتبط التكوين الشخصي والنفسي لإنسان ما في الريف المصري ارتباطًا وثيقًا بالعائلة ولقبها الذى ربما يكون معبرًا، أو منبئًا عن شيء ما، كمهنة ،أو مكانة، أو عمل، أو أصل عرقي، أو لا ينبئ عن شيء من ذلك لكنه يحمل عنوانًا لهوية المرء وتعريفًا به ،ومن ثم يحرص هو أو مجتمعه على الصاقها به، والاحتفاظ  به[7] .

وفى حالة حسن البنا تأتى لفظة “الساعاتي” لقبًا لوالده “أحمد عبد الرحمن الساعاتي” فى حين لا نجد للقب البنا ذكر، أما عن العائلة فنجد جمال البناالشقيق الأصغر لحسن البنا– يذكر مقولة كاشفة، وفارقة حيث يصف والده بأنه كان مجاورًا وأنه لم يكن يفخر بطول عرض أو مال أو أرض[8].

ووفقًا لمؤرخ الإخوان محمود عبد الحليم، فوالد حسن البنا كان يعمل بإصلاح الساعات فالتصق به وبأسرته من بعده لقب الساعاتي[9]، وهو ما يؤكده “جمال البنا”[10] ولا نعرف لماذا تخلى الأب عن اسمه الصحيح (البنا) مقابل لقب مهنته (الساعاتي) كما لا نعرف لماذا قرر الابن “حسن” تعديل اللقب، في حين لم يفعل أو يهتم ابنه الثاني عبد الرحمن بتعديل لقبه كما فعل “حسن” إذ ظل يحتفظ بلقب (الساعاتي).

ولعدم استقرار والد “حسن البنا” في عمل أو مهنة تدر دخلا معقولا لهم، عاشت أسرة البنا تعانى من عدم قدرة الوالد على توفير متطلباتهم واحتياجاتهم[11].

ولعل هذا ما دفع الوالد “أحمد الساعاتي” لأن يقترض من بعض العلماء الميسورين، ولا  يسدد لهم ما اقترضه مما يضطره للاعتذار والتأسف لضيق ذات اليد وحاجته الشديدة. ففي رسالة كتبها العالم الموسوعي محمد فريد وجدي لوالد حسن البنا يقول فيها [12]:

“قد حظيت بكتابكم الكريم وأعجبت بوفائكم وذكركم لهذا المبلغ التافه طول هذه المدة، وإني ما ذكرتها قط وما عولت على مطالبتكم بها فهي جنب فضلكم لا تُعد شيئا، وثقوا يا حضرة الاستاذ أني تجاوزت عن المبلغ عن طيب خاطر ولا أحب أن تزعجوا أنفسكم بالفكر فيه”

البحث عن هوية

يُعد العلم أحد طرق الترقي والانتساب التعويضي في المجتمعات[13]، وقد جهد حسن البنا في مذكراته ليصور والده عالما دينيا، دون أي إشارة من قريب أو بعيد تدل على أنه حصل على أي إجازة علمية أزهرية أو غيرها[14].

وقد حاول جمال البنا تبرير ذلك بالتقليل من شأن التعلم المدرسي المؤسسي، فانبرى يدافع عن التعلم الحر، باعتباره سلوك العلماء قديما، ويؤكد أن والده اختار أن يحصل على العلم من منبعه عن طريق الكتب والقراءة الحرة ومجالسة العلماء، ونسي أن جل من جالسة والده كانوا من العلماء المدرسيين المؤسسيين[15]!

حاول الأب أن يدخل زمرة العلماء فقام بعملة الوحيد وهو تصنيف (الفتح الرباني في تصنيف مسند الإمام أحمد الشيباني) الذى هو عبارة عن تبويب أحاديث مسند الإمام أحمد بن حنبل.

حينها كان حسن البنا شابًا في بداية رحلة البحث عن الذات، وقد فشل في الالتحاق بالأزهر الشريف، لكونه لم يتمكن من حفظ القرآن الكريم، فتحتم عليه طريق التعليم النظامي، فالتحق بمدرسة المحمودية، ثم مدرسة المعلمين في دمنهور وهو في الرابعة عشر من عمره وتحديدًا كان ذلك عام 1920م[16] .

وفي دمنهور بدأ الفتى يرتدى زيا غريبًا لا يمت لطلاب مدرسة المعلمين بصلة، جلباب وعليه وعمامة ذات ذؤابة على رأسه، ونعلا بديلًا عن الحذاء، وعندما نبهه مدير المدرية وبعض المفتشين لضرورة الالتزام بالزي الرسمي أخذ يجادل؛ ربما في محاولة لترسيخ هوية لذاته ،من خلال كونه مسلم متدين متشدد وليس مجرد طالب في مدرسة المعلمين ،بأن زيه هذا هو زي الرسول الذى لا يرتضى بديلًا عنه[17].

من الأشياء الفارقة والتى لها ما بعدها هى قناعة البنا المبكرة برأى الغزالى فى تعلم العلوم ومطالعتها حيث كان يرى- حسبما فهم البنا- أن العلم الواجب بأنه العلم المحتاج إليه فى أداء الفرائض وكسب العيش، ثم الانصراف بعد ذلك للعمل، وربما كانت هذه استراتيجية عامة تبناها حسن البنا طوال حياته، فبرغم حبه للقراءة واطالعه على بعض الكتب خارج المناهج الدراسي، وحفظه لبعض المتون –حسبما يقال- لكنه لم يسعى أبدًا لتعميق معرفته العلمية بل يكتفى بما يراه ضرورى[18].

وفى ظل إلحاح الحاجة للانتماء وتقدير الذات؛ يأتي انتماء الفتى للطرق الصوفية لتكمل الصورة، حيث يحظى المنتسبين إليها وقتها بالكثير من الاحترام والتقدير بالإضافة للدفء العائلي لما يتصف به أهل التصوف دائما من حنو خاصة على من هو غريب، وزاد من تعلقه بالطريقة أن رفيقه في المحمودية أحمد أفندي السكري أحد أعضاءها [19].

السكري لم يكتف بالأوراد والإنشاد والحضرة، فقرر إنشاء جمعية دينية بالمحمودية وهي جمعية “إخوان الحصافية الخيرية“، تضيف للفتى مزيدًا من الاعتبار الاجتماعي، إذ يقوم بمهمة نشر الأخلاق الفاضلة، ومقاومة المنكرات، والمحرمات الفاشية كالخمر، والقمار وبدع المآتم ملتصقا برفيقه أحمد السكري ومتدثرا بمكانته العائلية في مجتمع المحمودية[20].

بعد أن أنهى حسن البنا دراسته للمعلمين انتقل إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة دار العلوم التجهيزية، ليكون مؤهلًا للابتعاث للخارج[21]! وكان عامه الدراسي الاول 1923/1924، ليجد الفتى نفسه غريبا للمرة الثانية مع معاناته في البحث عن سكن والتكيف مع رفاق لم يختارهم، ونظرا للحالة الاقتصادية التي كانت تمر بها العائلة في المحمودية عمل حسن البنا في محل بقالة ليعول نفسه وينفق على دراسته[22].

ربما كان هذا هو السر وراء عدم انخراط الفتى في العمل السياسي هذا الوقت، وقد كانت هذه السنة تحديدًا غاية في الأهمية في تاريخ مصر؛ إذ شاع ان سعد زعلول سيستقيل من الوزارة نظرا للدسائس التي يقوم بها أعوان الملك فخرجت مظاهرة كبيرة في القاهرة في نوفمبر 1924م[23]، لكن البنا لا يعرف في القاهرة سوى الطريقة الحصافية التي يحضر لقاءاتها بانتظام [24].

ومع بدء الاجازة الصيفية يهرع البنا إلى صديقه الثري في المحمودية ليقيم معه طوال الصيف إقامة كاملة في بيته، ويتشاركان اللقمة والعمل في جمعية إخوان الحصافية بالمحمودية، والترفيه بالاستحمام في ترعة المحمودية في قيظ الصيف[25]، ثم يفارق رفيقه وتوأم روحه ليعود هو وأسرته لإكمال دراسته والإقامة بالقاهرة في صيف 1924م[26].

المبحث الثانى: المنهج الحركى للأفغانى

لا جرم أن نعد الأفغانى أول من أقام تنظيمًا سياسيًا مدربًا على التغيير، وأول من انعطف نحو الجماهير والعامة مبشرًا بأهمية التنظيم الفكرى السياسي فى العصر الحديث [27]، فالرجل ملك قدرة على حشد وتعبئة الجماهير ومخاطبة الشرائح الاجتماعية المختلفة، لجمعها على أهداف موحدة[28]. تلك الاهداف التى تتلخص فى ثلاثة نقاط هى:

  • بناء دولة إسلامية نموذجية مستقلة مرجعيتها القرآن والسنة وملتزمة بالشورى والمبادئ الدستورية.
  • حشد وتعبئة الجماهير للثورة ضد الاستعمار والهيمنة الغربية.
  • ثم تكوين جامعة إسلامية من خلال هذه الدول الإسلامية النموذجية الحرة؛ لحماية نفسها وتحرير بقية الدول.

اعتبر الأفغاني مصر هى الدولة الأصلح لتحقيق هذه الأهداف[29] ،فأستوطنها وأسس منظمته السرية المسماة بالحزب الوطنى الحر، وعمل على إقناع أصحاب النفوذ وقادة الرأى واختراق الدوائر المؤثرة فى الدولة، فتمكن من اجتذبب بعض كبار الضباط فى الجيش، الذين أصبحوا فيما بعد قادة للثورة العرابية، بل وصلت قدرته على التأثير أن الخديوى توفيق الذى كان وليًا للعهد فى ذلك الوقت بدا مقتنعًا بأفكاره[30].

قويت شوكة الحزب الوطنى الحر، بطريقة جعلته رقمًا مهمًا فى معادلة الإطاحة بالخديوي إسماعيل عام 1879 ، الأمر الذى لفت انتباه الخديوى توفيق وجعله يستشعر القلق تجاهه فلما جلس على العرش قرر نفى الأفغانى للهند[31].

مزج بالأفغانى فى مشروعه بين الوحى وما رآه صالحًا من القيم الفكرية والمادية التى انتجتها الحضارة الغربية، وبين مشروعه ورؤيته للإصلاح الدينى، والإصلاح السياسي جنبًا إلى جنب، مزج أيضًا بين المشروع الفكرى والحركى.

فأنشأ الأفغانى منظمة “العروة الوثقى” ذات الخلايا السرية بهدف إثارة الشعوب الإسلامية وتحريضها على الثورة ضد الاستعمار وكانت مصر والهند معقل التنظيم الأول وقوته الأساسية[32] .

وفى ذات الوقت أصدر عام 1884م مجلة “العروة الوثقى” معبرة عن أفكار التنظيم، وهى المجلة التى أشرف عليها جمال الدين الأفغانى وترأس تحريرها الشيخ محمد عبده[33]. وقد عملت على ترسيخ فكرتين أساسيتين؛ لإيقاظ الشعوب وتحقيق ما تنشده من أهداف[34]

  • الفكرة الأولى هي: تجديد عقائد المسلمين، وإثارة الحس الدينى فى نفوسهم، ودعوة الأمة للعودة للإسلام الصحيح وتخليصه مما علق به من الخرافات والجهل، وهذا هو الجانب الفكرى التربوي النظرى[35].
  • أما الثانية: فهي  التأليب ضد كل من خانوا بلادهم وتحالفوا مع المستعمر الذى سعى لتدمير الوحدة الإسلامية الجامعة لهم، حكامًا كانوا أم محكومين، ويري أن لا علاج لهم إلا القتل ليلحقوا بالخائنين ممن سبقهم ويذقوا عذاب الهون بما كانوا يكسبون[36]، وهذا هو ملعب الجانب الحركى الذى أبدع فيه الأفغانى، والذى تراجع عنه محمد عبده، وترسخت قناعته بخطأه وفساده وسوء مآلاته.

ولما كانت السياسة جزء مهم من سعى  الأفغانى وخطته[37] فقد سبق البنا وإخوانه بشعارهم الأثير “الغاية تبرر الوسيلة” فمزج بين المتناقضات وفعل الشيئ وعكسه، محققًا إزدواجية السلوك العام[38] بطريقة جعلت حتى حياة الرجل فى بعض فصولها ومساراتها يكتنفها الغموض من كل جانب[39]، وهو ما أعترف به ورصده حتى أقرب الناس إليه[40]، فمازالت الأسئلة تطرح عن مذهبه وموطنه فهل هو شيعى أم سنى؟

أفغانى أم إيرانى؟[41] باطنى أم واضح جلى؟ رجل التصوف[42] والعرفان[43] أم رجل الإغتيالات الذى أمر بها[44] وأسرها واعتمدها وسيلة ولم يجهر[45]،ذلك هو سيبل السياسة الذى يجعل للمرء أوجه كثيرة، ومن ثم كان عرضة للنقد[46] الذى تجاوز ليصل حد الطعن والتشكيك فى نواياه وحركته وفكرته ودعوته[47].

لقد مضى البنا على طريق الأفغانى السياسي[48] الرجل باني التنظيمات البارع؛ فألف رجالها دون أن يؤلف فى العلم شيئًا[49]، وزاد عليه بأن جعل السياسة دين[50] والسرية أصل والإغتيالات شريعة[51]، فخلط السياسة بالدم والسلمية بالدهاء والتحالفات بالمكر والدين بالدنيا والإسلام بالتنظيم[52] ولم يُعرف عدوه من صديقه[53]، والأفغانى كان يؤمن أن قوة المسلمين تتمثل فى اتحادهم حول مرشد واحد[54]، فسمى البنا نفسه مرشدًا، حتى ازدواجية الخطاب السياسي بين الشرق والغرب عند الأفغانى[55] أخذها البنا وإخوانه وفاقوا فى ذلك شأن الضالعين فى ساس يسوس سياسة.

اتصل الأفغاني بالمحفل الماسوني ظنًا منه أنهم ينتصرون للحرية والإنسانية فلما تبين له سوء قصدهم وبطلان مزاعمهم نفض يده منه وتبرأ ممن بقى من اتباعه على صلة به، لكنه فى الوقت ذاته ظل محتفظًا بتنظيم سرى يعمل ظاهرًا فى المحفل لكنه مخلص له ولأفكاره حماية لهم من الكيد ليظهروا فى الوقت المناسب[56].

فاقتنص البنا الفكرة فبث رجاله فى المؤسسات والأحزاب المخالفة لجماعته خلافًا يصل لدرجة التناقض؛ ليحفظ رجاله بعيدًا عن أعين التتبع ثم يظهروا وقت الحاجة فإن تكلموا سمعوا وإن سعوا استجيب لهم، فضلًا عن عملهم الأساسي وهو الإختراق[57] والرصد والتجسس[58] على هذه المؤسسات فى عمل مخابراتى غير مشروع[59].

فالبنا قسم أفراد الإخوان لفئات ثلاث[60]:

  1. الأول، یكون بعیدًا عن النشاط الظاھري منقطعًا انقطاعًا تامًا عن التنظيم بتقلیل الاجتماعات السریة إلى أقل عدد ممكن لترسيخ انقطاعه عن أي نشاط عام أو خاص لدى جمیع أصدقائه وأقاربه؛ لیمكن تكلیفه بمهمات أكثر اتساعًا وأعمال أكثر خطورة، وتعمل الجماعة على زیادة هذا النوع بقدر المستطاع.
  2. النوع الثاني: لا یبتعد عن النشاط الظاھري ولكنه معد للعمل الخاص ويتم تدریبه في حرص تام ولا یستخدم أبدًا إلا وقت الحرب العلنیة..
  3. النوع الثالث: وهم رجال تمويل الجماعة ويتم انقطاعهم التام عن الجماعة بعد تمام التكوین.

ورغم ما بات راجحًا من كون الأفغانى إيرانى الجنسية وربما شيعى المذهب[61] لكنه تجاوز الجنسية[62]بغرض وحدة المسلمين[63] بل الشرق كله ضد استغلال وإحتلال الغرب[64] فى الجامعة الشرقية أو الجامعة الإسلامية التى تحفظ استقلال الأوطان الشرقية أو الإسلامية-عند استحالة الوحدة الشرقية- واتحادها فى ذات الوقت ضد الهيمنة الغربية.

كذلك تجاوز الأفغانى المذهب لصالح التقارب ونبذ التعصب ليس بين السنة والشيعة فحسب بل بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الأديان[65] الأخرى فلما رأى ذلك بعيد المنال قصر هدفه على تجاوز السنة والشيعة[66]، ولكنه فى الوقت ذاته ظل يحارب التفرقة الدينية ويري أن الأديان الثلاثة على تمام الإتفاق فى المبدأ والغاية ويتمنى لو اتحد أهلها كما اتحدت هى فى جوهرها وهدفها فيخطو البشر بهذا الإتحاد خطوة كبيرة نحو السلام[67]، بخلاف البنا الذى يظهر سنى ولكنه شيعى أصولى فى مذهبه السياسي إذ جعل السياسة والحكم ركنًا من أركان الدين متماهيًا مع التشيع سياسيًا وعقائديًا فقال[68]:

إن الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنا من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد.. والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع.

وأهل السنة مجمعون على أن الإمامة من الفروع والفقهيات، وليست من الأصول والمعقولات كما زعم البنا، فيقول الجويني[69]:

وليست الإمامة من قواعد العقائد، بل هي ولاية تامة عامة، ومعظم القول في الولاة والولايات العامة والخاصة مظنونةٌ في التأخي والتحري.

ثم أكد ذلك من بعده تلميذه الغزالي (505 هـ) فقال[70]:

اعلم أن النظر في الإمامة أيضًا ليس من المهمات، وليس أيضًا من فن المعقولات، بل من الفقهيات، ثم إنها مثارٌ للتعصبات، والمُعرض فيها أسلم من الخائض فيها وإن أصاب، فكيف إذا أخطأ؟.

وأخيرا فبدءًا من تعدد الصحف التى أصدرها الأفغانى، مرورًا بدعوته فى المقاهى[71] وحتى الآية التى جعلها البنا شعارًا للجماعة لهى مما أشار إليه فى الأفغانى عند حديثه عن أسباب ضعف الأمة وفسادها مرجعًا ذلك لخمسة أبواب منها- حسبما يري- أن الدين الإسلامى جعل أمته أمة مجاهدة قوية محاربة ويأمرها الله بقوله”وأعدوا” فلما استهانت بهذا الأمر، ولم تعد لكل موقف عدته ذلت بعد عزة وضعفت بعد قوة[72]، لقد نادى الأفغانى بالجهاد والقوة ضد المحتل المعتدى من أجل تحرير الأوطان، لكن البنا حينما اقتفى أثره جعله جهادًا ضد أبناء وطنه وجعل القوة وسيلة لإستخلاص الحكم ونزعه من أهله[73].

المبحث الثالث: أهم الشخصيات التى أثرت فى البناء الفكرى لحسن البنا وجماعته.

تعرف البنا خلال مسيرته التى سبقت بناء جماعته على العديد من الشخصيات التى أضافت إليه ،أو نظر إليها بعين التقدير لكن تأتى شخصية الشيخ “رشيد رضا“،و”محب الدين الخطيب” لتحفر فى نفس “حسن البنا” وتهدم، وتبنى فى تكوينه الشخصى، والفكرى، حتى أن البعض قال[74]:

إن حسن البنا ما هو إلا مجرد مردد لآراء الشيخ محمد رشيد رضا، ومحب الدين الخطيب.. والتنظيم الماسوني. وليس صاحب فكر خالص له، أخذ من الماسونية التراتبية والسرية، ونظام البيعة السرى مثال على ذلك، وفى جماعة الإخوان دوماً هناك المرشد الظاهر والمرشد الخفى.

وأخذ من محمد رشيد رضا الكثير من الأفكار والمبادئ ومنها “من يخالفنى فهو كافر“…وأخذ فكرة خطيرة من محب الدين الخطيب، فقد كان “الخطيب” يعتقد أن كل إمام تأتيه حالة إلهام يكون فيها على تواصل مع البارى،أى تأتيه إشراقات من الله وهى فكرة تشبه مبدأ “ولاية الفقيه” وخطورتها أن الخروج على الإمام يصبح خروجاً عن الملة، وقد طور هذه الفكرة وبنى عليها لاحقاً سيد قطب.مما يجعل الوقف أمام هاتين الشخصيتين ، وبيان تأثيرهما فى حسن البنا شيئ مهم وذلك كالآتى[75]:

1-التأثر برشيد رضا:

أفرز هذا التحدى الغربي للحضارة الإسلامية اتجاهات ثلاث؛ تهدف كلها لمحاولة النهضة، والخروج بالأمة من هذه الحالة المزرية[76]

  • الاتجاه الأول: انحاز للسير فى طريق التقدم الحضارى وفق المنهج الغربي لا تنصلًا من الدين، وإنما خروجًا من المأزق بالهروب للأمام والقفز على الأسباب لصالح النتيجة المشاهدة والحالة الواقعة ،وهذا ما نادى به بعض من دعاة الإصلاح والزعامة الفكرية والسياسية ،وهو ما استندت عليه حركة التنظيمات الإصلاحية في الدولة العثمانية.
  •  أما الاتجاه الثانى: فهو الاتجاه الذى قام على المزج بين الوحى الإسلامى باعتباره ركيزة أساسية للإصلاح وبعض القيم الفكرية والمادية التى انتجتها الحضارة الغربية، مما استلزم المزج أيضًا بين مشروع للإصلاح الدينى بجانب مشروع للإصلاح السياسي، وهو الاتجاه الذى بدأ مع جمال الدين الأفغاني ثم أكمله ورسخ قواعده الشيخ محمد عبده، وهو الاتجاه الذى انتج التيار الليبرالى المصرى الكبير.

حيث كرس محمد عبده حياته لمشروعه الإصلاحى، بعدما انتهت قناعاته إلى أن الشعوب العربية والإسلامية ليست على درجة من الوعى تمكنها أو تسمح لها بإقامة نظام حكم دستوري، وقد كان لفشل الثورة العرابية بعد تأييده لها ؛ دور كبير فى ترسيخ هذه القناعات لديه[77].

تلك القناعات التى خالف فيها رفيقه فى الإصلاح جمال الدين الأفغانى، وبلغ الخلاف بينهما ذروته حينما قال محمد عبده بأن الشرق لا ينهض به إلا مستبد عادل[78]  , وهو ما انتقده الأفغاني[79] انتقادًا حمله على أن يصف محمد عبده بـقوله: “إنما أنت مثبط”[80]

  • أما الاتجاه الثالث فهو الاتجاه الذى كان بعيدًا عن مصر ليس وجود داخلها محصور فى شبه الجزيرة العربية، يري أن هذه الأمة لن يصلح لآخرها إلا ما صلح لأولها ،وهو ما يستلزم العودة بالأمة لمثل كان عليه سلفها الصالح، فى حالة هروب زمانى لا شعورى وانسحاب من الواقع الضاغط احتمائًا بقوة تاريخية قد مضت، وهذا هو الاتجاه السلفى بصفة عامة، بغض النظر عن تفصيلاته وتبايناته، ومثلته فى ذلك الوقت الحركة الوهابية في الجزيرة العربية، وقد انحاز رشيد رضا لهذا الاتجاه وكان مندوبه الرسمى فى مصر، فكيف حدث هذا؟

الأفغانى ورشيد رضا الأصل والصورة

عثر رشيد رضا في سن الثامنة والعشرين على هذه المجلة –العروة الوثقى– في محفوظات والده، فلما قرأها حدث له الانقلاب الأعظم في فكره وتوجهه، فقد أحدثت في نفسه هزةً وانفعالًا نقلاه من طور إلى طور ومن حال إلى حال[81]. ومن هنا تعرف رشيد رضا على التنظيمات السرية الحركية بجانب تعرفه على الأفكار.

كان رشيد رضا يرى الأفغاني المعلم الأول في حين كان يلقب عبده بالمعلم الثاني، فوجهته وقناعاته الأولى كانت نحو جمال الدين الأفغاني، فراسله وهو في سجنه مبديًا إعجابه الشديد بأفكاره، راجيًا منه أن يقبله واحدًا من مريديه وأتباعه[82]!

لم يتمكن الأفغاني من الرد على رشيد رضا بسبب إقامته الجبرية بالدولة العثمانية والرقابة اللصيقة المفروضة عليه من قِبل السلطان عبد الحميد الثاني، وللسبب ذاته فشل رشيد في اللحاق به، إذ مات الأفغاني بالآستانة في 7 مارس (آذار) 1897. حينها لم يرَ رضا سوى محمد عبده للبحث عنده عما واعاه من الأفغانى، بالاضافة لكونه من المتفردين، ربما هذا ما دفعه للحاق به والتلميذة على يديه [83]، لكن الشيخ محمد عبده كان قد تجاوز طريقة الأفغانى واختار لنفسه طريقة ومسارًا جديدًا مخالفًا لما كان عليه مع الأفغانى.

لذا حينما طلب رشيد رضا من الشيخ أن يكون مشرفًا على مجلة المنار وافق عبده شريطة أن الابتعاد عن  القضايا السياسية فوافق رشيد بالرغم من عدم قناعته, وربما لهذا السبب كانت الأعداد الأولى للمجلة تخرج عن هذا الاطار المتفق عليه سلفًا إلى ان استقرت على طريقة الإمام [84].

رشيد رضا والعودة للمعلم الأول

حاول رشيد أن يتلمس منهجية الأفغانى عن طريق صحبته للشيخ، فلم يأخذ من تعاليم الشيخ إلا ما رأه متوافقًا معه[85]، ثم مثلت وفاة الإمام محمد عبده عام 1905م الفرصة السانحة لعودة رشيد رضا لروح الأفغانى المعلم الأول مقتفيًا أثره السياسي خاصة بناء دولة إسلامية نموذجية، وإقامة الجامعة الإسلامية[86].

فحول رشيد رضا طريقة أداء مجلة المنار نحو مجلة العروة الوثقى، وأعاد نشر كثير من مقالاتها تحت عنوان “المقالات الجمالية[87]،ثم ساهم فى إنشاء منظمة أو جمعية “الشورى” السرية على غرار الحزب الوطنى الحر، وترأسها عام 1906م ،وهى تهدف لإصلاح الدولة العثمانية باعتبارها الدولة التى تصلح لإقامة الدولة النموذج[88] .

ثم تبنى رشيد فكرة الجمعيات وشجعها ودعا إليها فانشأ العديد من الجمعيات واشترك فيها مثل: الجمعية الخيرية الإسلامية فى مصر والشام ،وجمعية شمس الإسلام [89]وجمعية الشبان المسلمين عام 1927م إذ شارك فى تأسيسها مع محب الدين الخطيب والشيخ عبد العزيز جاويش ،لكن انحصرت دائرة فاعليتها بين الشباب ودوائر المتعلمين ولم تهتم فى نشاطها بتعميق التعاليم الإسلامية [90].”

ومن هنا تكون ملامح رشيد الفكرية والحركية قد عادت متوافقة مع الملامح الفكرية لمعلمه الأول. أكثر من توافقه مع محمد عبده مما جعل البعض يعتقد أن رشيد رضا قام بإنقلاب فكرى على شيخه محمد عبده والحقيقة أن الفرصة سنحت فقط لرشيد رضا بالأعراب عن نفسه بعيدًا عن سطوة شيخه محمد عبده فقط.

بداية الخيط بين رشيد رضا وحسن البنا

فى المكتبة السلفية تعرف البنا على الشيخ رشيد رضا من خلال محب الدين الخطيب كما تعرف على السيد فريد وجدى، وأحمد تيمور باشا[91] .

ففى مذكراته يقول البنا: “كما كان ينفس عن نفسي كذلك التردد على المكتبة السلفية، وكانت إذ ذاك قرب محكمة الاستئناف، حيث نلقى الرجل المؤمن المجاهد العامل القوي العالم الفاضل والصحفي الإسلامي القدير: ” السيد محب الدين الخطيب”، ونلتقي بجمهرة من أعلام الفضلاء المعروفين بغيرتهم الإسلامية وحميتهم الدينية، أمثال فضيلة الأستاذ الكبير السيد محمد الخضر حسين، والأستاذ محمد أحمد الغمراوي، وأحمد باشا تيمور رحمه الله. وعبد العزيز باشا محمد رحمه الله، وكان إذ ذاك مستشارا بمحكمة الاسثشاف، ونسمع منهم بعض ما ينفس عن النفس. كما كنا نتردد على دار العلوم، ونحضر في بعض مجالس الأستاذ السيد رشيد رضا رحمه الله، ونلقى فيها الكثير من الأعلام والفضلاء كذلك، أمثال الشيخ عبد العزيز الخولي رحمه الله، وفضيلة الأستاذ الشيخ محمد العدوي فنتذاكر هذه الشئون أيضا، وكانت للسيد رشيد رضا رحمه الله جولات قوية موفقة في رد هذا الكيد عن الإسلام”[92].

اتصل البنا إذن برشيد رضا فى وقت مبكر ، وعلى صفحات مجلة المنار كانت أولى محاولات البنا للكتابة، وفى الحقيقة كان تأثير رشيد رضا فى حسن البنا مباشرًا وعميقًا، أو بوصف “إبراهيم البيومى” كان تأثيرًا كبيرًا ومتعددًا وكان أبرزها ما يتعلق بالجامعة الإسلامية إذ كان على صلة وثيقة بالشيخ منذ كان طالبًا بدار العلوم وظل على اتصال به حتى بعد تأسيسه للجماعة وكان حريصًا على أن يسشيره فى كثير من الأمور[93].

ولا شك أن حسن البنا أخذ الكثير من أفكار رشيد رضا، حتى يمكن  القول أن معظم أفكار البنا هى فى الأصل من مدرسة رشيد رضا، خاصة مدرسة الدعوة التى سبق الحديث عنها، والتنظيمات والجمعيات السرية، ومجلة المنار حتى المقولة التى اشتهرت على لسان البنا وأصبحت من مسلمات الأخوان من بعده وأعنى مقولة:

“نتعاون فيما نشترك فيه ويعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه”

فهى من مقولات رشيد رضا الراسخة[94] ، والتى سعى لتطبيقها بانخراطه فى بعض النشاطات وتحالفه مع بعض الجمعيات وقبوله العضوية بها برغم كونها لا تتسم بالطابع الإسلامى الصرف من وجهة نظرة مثل تحالفه وتعاونه مع جمعية الرابطة الشرقية [95].

وبعد وفاة رشيد رضا سعى حسن البنا لإعادادة إصدار مجلة المنار ونجح فى ذلك[96] وتولى رئاسة التحرير بها وفى افتتاحية العدد الأول أشار البنا إلى العلاقة بين رشيد رضا وجماعته حيث ذكر البنا أن هذه الجماعة- جماعة الإخوان المسلمينهى الجماعة التى كان يتمناها رشيد رضا لتقوم مقام جماعة الدعوة والإرشاد، فى الدعوة للإسلام وجمع كلمة المسلمين [97].

وذلك تعقيبا على ما قاله الشيخ رشيد رضا قبيل وفاته حيث قال ما نصه إن: المنار سيكون منذ هذا العام(1935م) لسان جماعة للدعوة إلى الإسلام وجمع كلمة المسلمين أنشئت لتخلف جماعة الدعوة والإرشاد. لم يذكر رشيد اسم هذه الجماعة ولكنه قال: آمل أن تتألف تلك الجماعة من خيار الرجال المتفوقين وفى الأقطار وآمل كذلك أن يشد الأزهر من أزرها [98].

كما أشار إلى أن رشيد رضا كان يهدى جماعة الإخوان كثيرًا من مؤلفاته[99]، كاتبًا عليها من المؤلف إلى جماعة الإخوان المسلمين النافعة[100].

حتى هجوم رشيد رضا على شيوخ الأزهر ووصفهم بأنهم قد  ازوروا إلى زوايا مساجدهم أو حجور بيوتهم عاجزون عن اداء واجبهم والأبقاء على نقاء أقدس التقاليد وأنبلها[101]. هى نفس نظرة البنا ووصفه لعلماء الأزاهرة[102].

كذلك نظرة رشيد رضا للسياسية من أن الإسلام دين عالمى لا يعترف بحدود لغوية أو جنسية أو جغرافية ومن هنا كانت دعوته للوحدة الإسلامية هى نفس نظرية جماعة الإخوان المسلمين[103].

وقد ظل البنا مخلصًا لرشيد رضا حتى النهاية، فعندما أصدر البنا مجلة الشهاب أكد مجددًا فى افتتاحية عددها الأول على وفائه للشيخ رشيد رضا، وأمنيته أن تسير الشهاب على أثر المنار[104].

الخلاصة:

وخلاصة ما سبق يمكن إجماله فى الآتى:

  1. نادى جمال الدين الأفغانى بالإصلاح الدينى واشتغل بالفلسفة وعمل بالسياسة، وكانت شخصيته محورًا للعالم الإسلامى حسب تعبير ولفورد سميث[105]، فقلما وجدت حركة أو مدرسة وطنية أو منتسبة للإسلام فى القرن العشرين لم تتأثر به فالرجل جمع بين الزعامة الروحية والفكرية والسياسية[106]، ولعل هذه الزعامة الأخيرة هى التى جعلته متناقضًا فالسياسية تجعل للمرء أصدقاء وتكسبه فى ذات الوقت عدوات كما أنها تتطلب امتلاكه مساحة من المناورة والتكتيك.
  2. والأفغانى كسياسي من الطراز الأول، استطاع بذكاء شديد أن يجعل من الدين دافعًا ومثورًا لجماهير المسلمين، بحيث لم يبد الدين لديه كغاية فى ذاته ولكنه كان وسيلة لتحقيق السعادة الإنسانية بالتحرر والكرامة الوطنية من خلال قهر المستعمر والمساواة داخل الوطن وخارجه[107].
  3. من هذه الناحية –السياسية- تأتي شخصية جمال الدين الأفغانى بوصفها الشخصية الحقيقية الملهمة لجماعات الإسلام السياسي بصفة عامة ولحسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين بصفة خاصة عبر قنطرة رشيد رضا مع فارق جوهرى بين الرجلين-الأفغانى والبنا-فى سعة العلم والفكر وطبيعة العدو وموقع الدين من نضاله السياسي كما أسلفنا، ففى حين نادى جمال الدين الأفغانى بالإصلاح الدينى وكان يملك أدواته واشتغل بالفلسفة وكانت له بصماته وعمل بالسياسة وكانت له هناته، لكنه برغم ذلك كان منطلقًا من واقع دفع المحتل وطرد المستعمر والتكريس للمدرسة الوطنية الجامعة[108]، فهو صاحب شعار مصر للمصريين[109]، وهو امتداد لمدرسة التجديد الدينى المصرية التى وجدت من قبله على يد الشيخ حسن العطار ورفاعة الطهطاوى، ولم يكن موقع الدين فى السياسة لديه سوى أنه وسيلة لا غاية، بعكس البنا الذى لم يري سوى السياسة التى حولها لدين ففرق بها المصريين ولم يقم وزنًا للأوطان فوجه سلاحه لها وجعل عداوتها منطلقًا له[110].
  4. بعد فشل الثورة العرابية فى مصر وما نتج عنها من احتلال تطورت نظرية التغيير التى كرس لها الأفغانى على يد تلميذه الأقرب محمد عبده فتحول من السياسة للتربية ومن الثورة للتغيير الإجتماعى، ومن النفس القصير للنفس الطويل ابتداء من إصلاح اللغة العربية والمحاكم الشرعية وانتهاء بالوقائع المصرية من ثبت للقوانين لمقالات نقدية إصلاحية[111].
  5. وبعد وفاة محمد عبده وانتصار القومية الطوارنية على الجامعة الإسلامية[112]، وحزب الإتحاد والترقى على الإصلاحيين، وتركيا الفتاة على الخلافة، وأقيمت دولة سلفية وهابية فى شبه الجزيرة العربية، حدثت ردة فعل سلفية على يد رشيد رضا بدافع الخوف، فانتقل رشيد رضا للدفاع عن الخلافة ضد تطرف العلمانية التركية،من الناحية السياسية، وعن الوحى المحمدى ضد العقلانية الغربية يحاجج عن الإسلام محاججة من هو خائف فى قلب معركة حامية الوطيس فاتحد مع مدرسة محمد بن عبد الوهاب الذى يرده لابن تيمية والذى بدورة يردة  لأحمد بن حنبل باسم النص، تاركًا بذلك مدرسة شيخه محمد عبده الأصلية بخطوات بعيدة، مبقيًا من ذلك على ما هو سياسي متطرف من مدرسة معلمه الأول جمال الدين الأفغانى؛ ثم ناقلًا قبلته فى الإصلاح الدينى من مصر للسعودية، ومن الدستور والبرلمان للأهل والعشيرة.
  6. ثم تأتى الضربة القاضية على يد حسن البنا تلميذ رشيد رضا وقد ضعفت الحركة الإصلاحية وصارت محاصرة بين تطرفين، ولم يتبقى شيئ سوى الخوف، والتخلف، وأحلام الماضوية المثالية؛ فينجح فى تكوين جيل جديد دوجمائى يَكفر ويٌكفر إن اقتضى الأمر كل الخارجين عليه، يدعو لما يعتقده حق مطلق، والحق المطلق لا يقبل المساومة، أوالحوار ، ولا يعرف سوى بالقتل والدمار.

 

الحواشي والمراجع:

[1]– الطريق إلى الجماعة الأم ، عثمان عبدالسلام نوح، دار الإيمان للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1998.

[2]انظر: المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين ، سعيد حوى،  ص178 وما بعدها، مكتبة وهبة، الطبعة الثانية.

[3] -انظر:”مع الإمام الشهيد حسن البنا” محمود عساف ،ص 6 ،ط:يطلب من مكتبة جامعة عين شمس ،44ش القصر العينى بالقاهرة ،لسنة 1993م.

[4] -وانظر أيضًا: “المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين” سعيد حوى ص 178 وما بعدها ،ط2: مكتبة وهبة.

[5]-انظر:”خطابات حسن البنا الشاب لأبيه” جمال البنا ، ص 18، ط: دار الفكر الاسلامي ،لسنة  1990م.

[6] – “خطابات حسن البنا الشاب لأبيه” ، ص 18.

[7] -انظر:”علم الاجتماع الريفي” على فؤاد أحمد ، ص 124، ط: درا النهضة العربية، بيروت لسنة1981م.

[8]-المجاور في بلد ما يعني أن ذاك الرجل الذي ليس له أصل ولا عائلة في هذا المكان. انظر: “رسائل حسن البنا الشاب لأبيه” جمال البنا ،ص 17.

[9] -“الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ” محمود عبد الحليم،”  ج 1، ص 57،ط:دار الدعوة.

[10]-“خطابات حسن البنا الشاب لأبيه” ، ص 16

[11] – يذكر جمال البنا ان والده عمل خطيب مسجد ،ومأذون شرعي، وبائع أسطوانات جرامافون ،وعمل فى تجليد الكتب ،والبقالة، ومهنة إصلاح الساعات، انظر: “خطابات حسن البنا الشاب لأبيه” ، ص .

[12]-“خطابات حسن البنا الشاب لأبيه”، جمال البنا ،ص 29.

[13] -انظر:”التعليم والحراك الاجتماعي”، محمود سالم جدور، المجلة الجامعة، العدد السابع، 2005م، ص248.

[14] -انظر:”خطابات حسن البنا الشاب لأبيه”، ص 27، حيث يفسر لماذا لم يلتحق والده بمؤسسة علمية كالأزهر وسار في طريق طلب العلم حرا من امهات الكتب.

[15]– “خطابات حسن البنا الشاب لأبيه” ص28 .

[16]-“مذكرات الدعوة والداعية” ص26:27،ط1: افاق لسنة 2012م، حيث أكد انه كان في المدرسة الأ عدادية بالمحمودية في شهر نوفمبر 1919م مما يصح معه أن يكون على الأقل في مدرسة المعلمين العام الذي يليه أي في 1920م.

[17]– المرجع السابق ص 26.

[18]-المرجع السابق ص 34.

[19] – “مذكرات الدعوة والداعية “، ص 13 تحت عنوان الطريقة الحصافية

[20] – المرجع السابق ص16.

[21]-مذكرات الدعوة والداعية ، ص 34.

[22] -“الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ” محمود عبد الحليم ،ج 1، ص 57.

[23]-“تطور الحركة الوطنية في مصر”عبد العظيم رمضان ، ج2 ص 461.

[24] -مذكرات الدعوة والداعية ص 45.

[25] -مذكرات الدعوة والداعية ص 48.

[26] – “خطابات حسن البنا الشاب لأبيه” ص 42

[27]-“جمال الدين الأفغانى موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام” محمد عمارة ،ص 234 ،ط2:دار الشروق لسنة 1988م .

[28]-“جمال الدين الأفغانى موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام”ص 25 : 28 ، 232 : 239 .

[29]-“جمال الأفغانى موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام” ص230 : 233.

[30]انظر:”ثلاثة من أعلام الحرية” قدرى قلعجى ،ص63: 65،ط:دار الكاتب العربي.وانظركذلك:”جمال الأفغانى موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام” ص 240 :242.

[31]-“ثلاثة من أعلام الحرية”،ص 56، 63. وانظركذلك:”جمال الأفغانى موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام” ص 57 : 60.

[32]-“جمال الأفغانى موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام” ص 61 : 64.

[33]-“ثلاثة من أعلام الحرية”،ص 82.

[34] -أوردت المجلة ستة بنود تلخص أهداف المجلة فى أول عدد لها وهى أهداف عامة ومنها ومما ورد بها من أبحاث نخلص للهدفين المذكورين. انظر:”ثلاثة من أعلام الحرية”،ص 89.

[35]-“ثلاثة من أعلام الحرية” ،ص 89.

[36]-“ثلاثة من أعلام الحرية”،ص 90.

[37]– حيث كانت خطة الأفغانى للإصلاح  تبدأ بتكوين الدولة النموذج التى تتمكن من قيادة العالم الإسلامى فى معترك السياسة الدولية  من خلال ما سمى بالجامعة الإسلامية، انظر: محمود عباس العقاد”عبقرى الإصلاح والتعليم” ص86.

[38]-ترجع نيكى كيدى ذلك فى كتابها”رد الفعل الإسلامى للإستعمار ، الكتابات السياسية والدينية للسيد جمال الدين الأفغانى”إلى أن أهداف الأفغانى كانت أهدافًا سياسية لا دينية؛ ولذلك كان يضحى بالمثل السياسية عند تعارضها مع أهدافه السياسية… وإذا كان الأفغانى لا يبدو فى كتاباته رجلًا تحركه رؤية دينية أصلية حقيقية فمن الصعب بعد قراءة أعماله تفادى نتيجة معينة، وهى أن الإسلام الذعا إليه اتصف بالعلمانية والمحتوى الدينى الإيجابي المحدود وهذا ما نراه حين يتخذ المظهر البرجماتى فيبدوا أمام الشيعة بقناع وأمام السنة بقناع آخر. نقلا عن  د/على شلش،مرجع سابق،  ص 92 :93 .

[39]-تقول نيكى كيدى فى كتابها”رد الفعل الإسلامى للإستعمار ، الكتابات السياسية والدينية للسيد جمال الدين الأفغانى”إنه كان: رجلًا ميالًا للعمل السريع والعنف وكانت الإغتيالات والحروب والمؤمرات او الثورات وسائل لغلياته. وتقول أيضًا: إن حياته-الأفغانى-كانت حافلة بالدسائس الغامضة والمعقدة، وإن نشاطه كان يسوده الإضطراب والتناقض سواء فى نضاله السياسي أو فى كتاباته، فقد اتصل بأناس شديدى الإختلاف لمساعدته على تحقيقي أهدافه…ابتداءً من رجال الدين مرورًا بالملحدين والمفكرين الأحرار والحكام والروس والأنجليوز والفرنساويين والرجعيين واللبراليين فى وقت واحد. أ.ه بتصرف نقلا عن على شلش، مرجع سابق،  ص88 : 89.

[40]-انظر سيرته التى ترجم لها الإمام محمد عبده حينما قال فى بدايتها: يحملنا على ذكر شيئ من سيرة هذا الرجل الفاضل ما رأيناه من تخالف الناس فى أمره وتباعد ما بينهم فى معرفة حاله وتباين صوره فى مخيلات اللاقفين لخبره حتى كانه حقيقة كلية تجلت فى كل ذهن بما يلائمه أو قوة روحية قامت لكل نظر بشكل يشاكله. “الرد على الدهريين للسيد جمال الدين الأفغانى” ترجمة الإمام محمد عبده، ط: مطبعة الموسوعات-باب الخلق- مصر الطبعة الثالثة، ص 5.

[41] انظر:”الفيلسوف الثائر السيد  جمال الدين الأفغانى” د/على الوردى، ص22 وما بعدها،ط: مؤسسة البلاغ-لبنان.

[42] انظر:أحمد أمين “زعماء الإصلاح فى العصر الحديث” دار الكتاب العربي،بيروت،لبنان،  ص112.

[43] انظر:”رسائل فى الفلسفة والعرفان” مكتبة الشروق الدولية.

[44] انظر:”جمال الدين الأفغانى ذكريات واحاديث” عبد القادر المغربى، ص49، 57. ط:دار المعارف، وانظر أيضًا:”زعماء الإصلاح فى العصر الحديث”  ص104.

[45]حيث صرح الأفغانى فى حديث له مع الأستاذ برون قائلًا إنه:لا امل فى الإصلاح قبل قطع ستة أو سبعة رؤوس”وسمى بالاسم شاه العجم وكبير وزرائه وكلاهما قتل بعد ذلك، ووضع خطة لإغتيال الخديوى إسماعيل عند فشل محاولة خلعه انظر: تشارلزم آدمز ” الإسلام والتجديد في مصر” ترجمة عباس محمود ط:المركز القومى للترجمة،ص 15: 16،ص210: 211.

[46] فعقب وفاة الأفغانى (مارس 1897م) وتحديًا فى شهر أبريل كتب إبراهيم اليازجى سيرته فى مجلة البيان وكان مما قاله عقب الترجمة: هذا ما وقع إلينا من ترجمة هذا الرجل الشهير وهى كما تراها أدنى أن تكون ترجمة رجل سياسي قد جعل نصب ناظره غرضًا بعيدًا لا تبلغ إليه ذراعه، ولا تصبر عنه همته وأطماعه” ثم ود لو كان الرجل صرف همته عن السياسة قائلًا: “ولو فعل لكان إمام الدنيا بلا مدافع وكانت حياته طافحة بالفوائد والمنافع” نقلًا عن على شلش، مرجع سابق،  ص22 :23.

[47] يقول مصطفى عبد الرزاق:”وكان الرجل سياسيًا يعتبره أشياعه وطنيًا عظيمًا، ويعتبره خصومه مهيجًا خيرًا” انظر:”العروة الوثقى” ط:مسسة هنداوى للتعليم والثقافة، ص 19.

[48] فبالرغم من الغايات النبيله التى تبناها الأفغانى والدعوة الصادقة لتجديد الدين وتحرير الشعوب ونبذ الطائفية والفرقه بين المسلمين، إلا أن الرجل عول على الثورات والسياسة وبالغ فى ذلك لدرجة الجموح الذى لامس التطرف السياسي  بلا شك بحسب تعبير تشارلزم آدمز, مرجع سابق ص 16.

[49] مع التأكد على  أن الأفغانى كان يملك من العلم والمعرفة ما لا يملكه البنا قطعًا.

[50] يقول البنا:حدثوني بربكم أيها الإخوان ، إذا كان الإسلام شيئا غير السياسة وغير الاجتماع ،وغير الاقتصاد ، وغير الثقافة … فما هو إذن ؟ يجيب البنا باذرًا بذور التكفير بناء على السياسة والعمل السياسى فيقول: “أستطيع أن اجهر في صراحة بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا”. انظر:”مجموعة رسائل حسن البنا” دار الدعوة للطباعة والنشر الطبعة الأولى 2002م،ص296.

[51] انظر:”مجموعة رسائل حسن البنا” دار الدعوة للطباعة والنشر الطبعة الأولى 2002م،ص185: 187.

[52] البنا عمل على إزالة الحواجز بين الدين والسياسة والجماعة والدولة حتى لا ندرى ما هو المقدس وما هو غير المقدس فقال:”علم الله أيها السادة أن الإخوان ما كانوا يوماً من الأيام غير سياسيين، ولن يكونوا يوماً من الأيام غير مسلمين، وما فرقت دعوتهم أبداً بين السياسة والدين، ولن يراهم الناس في ساعة من نهار حزبيين(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)، ومحال أن يسيروا لغاية غير غايتهم أو يعملوا لفكرة سوي فكرتهم أو يتلونوا بلون غير الإسلام الحنيف :(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)”. انظر:”مجموعة رسائل حسن البنا”،ص297: 298.

-[53] ويكفى موقفه من إغتيال النقراشي فهو يأمر به ثم يتبرأ من الحادث وفاعليه، وهو يذم النقراشي ولما قتله إخوانه يخرج بيانًا يمدحه، وجماعته تقوم باستهداف محكمة الإستئناف فيخرج بيانًا”ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين” والرجل يجعل القوة وسيلة للوصول للحكم ثم يتبرأ من ذلك، وهو مع الملك وضد الملك وإخوانه مع ثورة يوليو 1952م ثم ضدها ومع عبدالناصر ثم يحاولوا قتله، ومع السادات ثم يشتركوا فى محاولة الإنقلاب عليه، وهكذا دائمًا هم . ويكفى فى ذلك أن نضع نص البيانين اللذين أصدرهما البنا عقب إغتيال النقراشي، وعقب محاولة تفجير محمة أستئناف القاهرة وذلك كالآتى:

– نص بيان: “هذا بيان للناس” الذى أصدره البنا عقب إغتيال النقراشي باشا:

“كان هدف دعوتنا حين نشأت، العمل لخير الوطن وإعزاز الدين، ومقاومة دعوات الإلحاد والإباحية، والخروج على أحكام الإسلام وفضائله؛ ‏تلك الدعوات التي دوى بوقها وراجت سوقها في تلك الأيام‎.‎

وإذا كان ذلك كذلك، فما كانت الجريمة ولا الإرهاب ولا العنف مِن وسائلها؛ لأنها تأخذ عن الإسلام، وتنهج نهجه، وتلتزم حدوده، ووسيلة الإسلام في الدعوة مسجلة في كتاب الله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ ‏الْحَسَنَةِ) (النحل:125)، والقرآن الكريم هو الكتاب الذي رفع مِن قدر الفكر، وأعلى مِن قيمة العقل، وجعله مناط التكليف، وفرض احترام الدليل ‏والبرهان، وحرَّم الاعتداء حتى في القتال: (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190)، والإسلام الحنيف هو دين ‏السلام الشامل، والمطأنينة الكاملة، والروحانية الصافية، والمُثُل الإنسانية الرفيعة، ومِن واجب كل مسلم ينتسب إليه أن يكون مظهرًا لهذه ‏الحقيقة التي صوَّرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) (متفق عليه).

ولقد حدث أن وقعت أحداث نُسبت إلى بعض مَن دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها أو يلتزموا نهجها؛ مما ألقى عليها ظلاً مِن ‏الشبهة فصدر أمر بحلها، وتلا ذلك هذا الحادث المروع حادث اغتيال دولة رئيس الحكومة المصرية “محمود فهمي النقراشي باشا” الذي ‏أسفت البلاد لوفاته، وخسرت بفقده عَلَمًا مِن أعلام نهضتها، وقائدًا مِن قادة حركتها، ومثلاً طيبًا للنزاهة الوطنية والعفة مِن أفضل أبنائها، ‏ولسنا أقل مِن غيرنا أسفًا مِن أجله، وتقديرًا لجهوده وخلقه‎.

ولما كانت طبيعة دعوة الإسلام تتنافى مع العنف، بل تنكره، وتمقت الجريمة مهما يكن نوعها، وتسخط على مَن يرتكبها؛ فنحن نبرأ إلى الله ‏مِن الجرائم ومرتكبيها… ولما كانت بلادنا تجتاز الآن مرحلة مِن أدق مراحل حياتها مما يوجب أن يتوفر لها كامل الهدوء والطمأنينة ‏والاستقرار، وكان جلالة الملك المعظم -حفظه الله- قد تفضَّل فوجه الحكومة القائمة -وفيها هذه الخلاصة مِن رجالات مصر- هذه الوجهة ‏الصالحة، وجهة العمل على جمع كلمة الأمة وضم صفوفها، وتوجيه جهودها وكفاءاتها مجتمعة لا موزعة إلى ما فيه خيرها وصلاح أمرها في ‏الداخل والخارج، وقد أخذت الحكومة مِن أول لحظة تعمل على تحقيق هذا التوجيه الكريم في إخلاص وأدب وصدق، وكل ذلك يفرض ‏علينا أن نبذل كل جهد، ونستنفذ كل وسع في أن نعين الحكومة في مهمتها، ونوفر لها كل وقت ومجهود للقيام بواجبها، والنهوض بعبئها ‏الثقيل، ولا يتسنى لها ذلك بحق إلا إذا وثقت تمامًا مِن استتباب الأمن واستقرار النظام، والعمل على استتباب الأمن واستقرار النظام واجب ‏كل مواطن في الظروف العادية؛ فكيف بهذه الظروف الدقيقة الحاسمة التي لا يستفيد فيها مِن بلبلة الخواطر، وتصادم القوى، وتشعب الجهود؛ ‏إلا خصوم الوطن، وأعداء نهضته….

لهذا أناشد إخواني -لله وللمصلحة العامة- أن يكون كل منهم عونًا على تحقيق هذا ‏المعنى، وأن ينصرفوا إلى أعمالهم، ويبتعدوا عن كل عمل يتعارض مع استقرار الأمن وشمول ‏الطمأنينة حتى يؤدوا بذلك حق الله وحق الوطن عليهم، والله أسأل أن يحفظ جلالة الملك ‏المعظم، ويكلأه بعين رعايته، ويسدد خطى البلاد حكومة وشعبًا في عهده الموفق إلى ما فيه ‏الخير والفلاح، آمين”.‏

– نص بيان: “ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين!” الذى أصدره البنا عقب محاولة تنظيمه تفجير محمة الإستئناف:

“وقع هذا الحادث الجديد -حادث محاولة نسف مكتب سعادة النائب العام- وذكرت الجرائد أن مرتكبه كان مِن الإخوان المسلمين، فشعرتُ بأن مِن الواجب أن أعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله مِن الجرائم، لا يمكن أن يكون مِن الإخوان ولا مِن المسلمين؛ لأن الإسلام يحرمها، والإخوان تأباها وترفضها، ومِن المرجح -بل مِن المحقق- أنه أراد به أن يتحدى الكلمة التي نشرت قبل ذلك بيومين، تحت عنوان: (بيان للناس).

ولكن مصر الآمنة لن تروعها هذه المحاولات الآثمة، وسيتعاون هذا الشعب الحليم الفطرة مع حكومته الحريصة على أمنه وطمأنينته في ظل جلالة الملك المعظم على القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، وليعلم أولئك الصغار مِن العابثين أن خطابات التهديد التي يبعثون بها إلى كبار الرجال، وغيرهم، لن تزيد أحدًا منهم إلا شعورًا بواجبه، وحرصًا تامًّا على أدائه، فليقلعوا عن هذه السفاسف، ولينصرفوا إلى خدمة بلادهم، كل في حدود عمله، إن كانوا يستطيعون عمل شيء نافع مفيد.

وإني لأعلن أنني منذ اليوم؛ سأعتبر أي حادثٍ مِن هذه الحوادث يقع مِن أي فرد سبق له اتصال بجماعة الإخوان، موجهًا إلى شخصي، ولا يسعني إزاءه إلا أن أقدِّم نفسي للقصاص، وأطلب مِن جهات الاختصاص تجريدي مِن جنسيتي المصرية التي لا يستحقها إلا الشرفاء الأبرياء… فليتدبر ذلك مَن يسمعون ويطيعون، وسيكشف التحقيق ولا شك عن الأصيل والدخيل، ولله عاقبة الأمور”. انظر فى ذلك:محمود عبد الحليم”الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ”ط:دار الدعوة، ج2 ص 75، وانظر أيضًا نص البيان على الرابط التالى: اضغط هنا

[54] انظر: هوما باكدامان فى بحثها الذى حصلت به على رسالة الدكتوراه من جامعة باريس حيث نقلا عن على شلش، مرجع سابق، ص 142.

[55] -تقول نيكى كيدى:وكالعادة كان الأفغانى قادرًا على التعامل مع الجمهور الغربي بلغة مختلفة تمامًا عن لغته فى التعامل مع الجمهور الإسلامى العريض ، وذلك عن طريق الإلحاح على المبادئ الليبرالية والعقلانية أكثر من الإلحاح على المبادئ الدينية. وكالعادة أيضًأ نجده يقلل من من لهجته المعادية لبريطانيا حين يخاطب البريطانيين.نقلا عن على شلش ، مرجع سابق ص 176  .

[56] انظر: محمود عباس العقاد”عبقرى الإصلاح والتعليم” ص91.

[57] مثل اختراق الإخوانى وعضو التنظيم الخاص البارز”أسعد السيد أحمد”لحزب مصر الفتاة انظر: أحمد عادل كمال”النقاط فوق الحروف”، ط: الزهراء للإعلام العربي لسنة 1986م، ص 166.

[58] “التاريخ السرى لجماعة الإخوان المسلمين” على عشماوى، ص 11،ط: دار الهلال الطبعة الثانية .

[59] حيث أنشأ البنا فى التنظيم الخاص قسم مخابرات الجماعة ومن أقسامها قسم الوحدات وتتكون الوحدة من عدة مجموعات أفرادها منبثون ببنية الهيئات والحركات، كالتنظيمات الشيوعية والاخزاب والهيئات والعمال والنقابات العمالية والبوليس السياسي؛ لاستقاء الأخبار وموافاة رئيس الوحدة بها وتوصية الأفراد وأمراء المجموعات كل فى اختصاصه. انظر: أحمد عادل كمال مرجع سابق، ص 162 :166.

[60] ” حقيقية التنظيم الخاص” محمود الصباغ، ص69.،ط: دار الاعتصام.

[61]-“الفيلسوف الثائر السيد جمال الدين الأفغانى” د.على الوردى، ص 14 :15.

[62] التى لم تكن علامة من علامات ذلك العصر.

[63] يقول عنه فى ذلك مصطفى عبد الرازق :” والسيد جمال الدين الافغانى من الشيعة كان أم من اهل السنة قد تسامى عن كل معانى التعصب لفرقة من فرق المسلمين، بل هو تسامى عن كل معانى التعصب الضيق الذى يلقى بين الناس إحنًا وعدوات” نقلًا عن على شلش، مرجع سابق ص 42 :43.

[64] “الفيلسوف الثائر السيد جمال الدين الأفغانى” ص 205 وما بعدها.

[65] “خاطرات جمال الدين الافغانى-أراء وأفكار-” محمد المخزومى، ص 76 :77، ط:مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الاولى 2002م القاهرة.

[66] تقول نيكى كيدى:فرغبته فى توحيد كل فروع الجماعة أو الامة الإسلامية، كانت تحتاج-من وجهة نظره-إلى عزل للفروق الفقهية والمذهبية، وهذا ما يتضح فى جهوده لتوحيد السنة والشيعة وهجومه على الطوائف والمذاهب . انظر:على شلش مرجع سابق ص 92 :93.

[67] انظر:”خاطرات جمال الدين الافغانى-أراء وأفكار-“ص76 :77.

[68] “مجموعة رسائل حسن البنا” ص186،ط:دار الدعوة للطباعة والنشر الطبعة الأولى 2002م.

[69]أبو المعالي الجوينى ، الملقب بإمام الحرمين (المتوفى: 478هـ)”الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم” تحقيق: عبد العظيم الديب، ط: مكتبة إمام الحرمين الطبعة: الثانية، 1401هـ، ص61.

[70]أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ)” الاقتصاد في الاعتقاد” ط: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، 1424 هـ – 2004 م، ص127.

[71] أحمد أمين “زعماء الإصلاح فى العصر الحديث” أحمد أمين، ص67.

[72] -“زعماء الإصلاح فى العصر الحديث”  ص84.

[73] فقال فى رسائله: يتساءل كثير من الناس هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم؟ ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة، بل إني أنتهز هذه الفرصة لأكشف اللثام عن الجواب السّافر لهذا في وضوح وفي جلاء، فليسمع من يشاء …إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة” فإما دولته وإما السيف والنار فقد عد القعود عن طلب الحكم جريمة لا يكفرها إلا استحدام القوة فقال: “إن قعود الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفّرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف ” انظر:”مجموعة رسائل حسن البنا” دار الدعوة للطباعة والنشر الطبعة الأولى 2002م،ص184: 187.

[74] – الكلام للدكتور عصمت نصار، أستاذ الفكر الإسلامى الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، فى حوار له مع جريدة الوطن المصرية، تحت عنوان: عصمت نصار: القوى التى حاربت «محمد على وعبدالناصر» ستحاول ضربنا إذا واصل «السيسى» مشروع بناء مصر. بتاريخ 20فبراير 2019م. ويمكن رؤيته لى الرابط التالى:

https://www.elwatannews.com/news/details/4009049

[75]-انظر:”الفكر السياسيى للإمام حسن البنا”إبراهيم البيومى ،ص153،ط1: مركز مدارات للأبحاث والنشر،يناير 2013م.

[76]-انظر:”الاتجاهات الوطنية فى الأدب المعاصر” د-محمد محمد حسين ج1 ،ص 107 ، 307 ،ط7: مؤسسة الرسالة لسنة 1984م.وانظر أيضا:”هل الإسلام هو الحل” محمد عمارة ،ص14 :16 ،ط3: دار الشروق لسنة 2006م.

[77] -انظر:”الإمام محمد عبده مجدد الدنيا بتجديد الدين” محمد عمارة ،ص182 ،ط4:دارالشروق لسنة 2015م.

[78]-“الاعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ص 845 ،ط1:دارالشروق لسنة 1993م.

[79] – رأى الأفغانى أن الشرق يحتاج للقوى العادل وليس للمستبد العادل. انظر:”جمال الدين الأفغانى المفترى عليه”محمد عمارة ،ص 209 ط1:دار الشروق لسنة 1984م.

[80] -“الإمام محمد عبده مجدد الدنيا بتجديد الدين”،ص182

[81]-” المشروع الحضاري الإسلامي”محمد عمارة، ص12،ط:دار السلام، الطبعة الأولى، 2008م.

[82]” المشروع الحضاري الإسلامي” ص13-14.

[83] -“المشروع الحضارى الإسلامى”،ص14.

[84]-“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”تحقيق وتقديم –د- محمد عمارة ص 134،ط1:دار الشروق لسنة 1993م. وانظرأيضًا: “رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن الوهاب” محمد بن عبدالله السلمان ،ص 486 ،ط: مكتبة العلا بالكويت لسنة 1988م، وانظر:”رشيد رضا الإمام المجاهد” إبراهيم أحمد العدوى ،ص131 ،ط:المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر.

[85] -“رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن الوهاب” محمد بن عبدالله السلمان ، ص420 ،ط1: مكتبة العلا بالكويت لسنة 1988م . وانظركذلك:”المشروع الحضارى الإسلامى”،ص16.

[86]-“رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن الوهاب”ص 272،انظرأيضًا:”تاريخ الصحافة الإسلامية”أنور الجندى ج1 ص 50 ،ط:دار الأنصار.وانظر أيضًا:”رشيد رضا الإمام المجاهد”ص223.

[87]– “محمد رشيد رضا ودوره في الحياة الفكرية والسياسية” أحمد فهد بركات الشوابكة,ص 215 ،ط: دار عمان 1989م.وانظر أيضًا:”تاريخ الصحافة الإسلامية” ص 25 :27.

[88]-“رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن الوهاب” ص491.

[89] -“رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن الوهاب”،ص 436 : 438.

[90] – حسن البنا متى وكيف ولماذا”د-رفعت السعيد، ص 65 : 66 ،ط10:دار الطليعة الجديدة-سوريا –دمشق-لسنة 1997م.

[91] -“حسن البنا متى وكيف ولماذا”ص 59 :60

[92]– مذكرات الدعوة والداعية ص 76

[93]– “الفكر السياسيى للإمام حسن البنا” إبراهيم البيومى ،ص153،ط1: مركز مدارات للأبحاث والنشر،يناير 2013م.

[94]-“رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن الوهاب”،ص 423.

[95]-“رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن الوهاب”، ص 438.

[96] -صدر العدد الأول برئاسة تحرير حسن البنا يوم 18 يوليو 1939م ، حيث توفى رشيد رضا عام 1935م ، واستمر البنا فى إصدارها حتى سبتمبر عام 1940م حيث اوقفت بقرار من حكومة حسين سرى باشا، :”رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن الوهاب” ،ص 309 : 311.

[97] – “رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن الوهاب”،ص 563.

[98] -“الفكر السياسيى للإمام حسن البنا” إبراهيم البيومى ، ص154 .

[99] – ا”رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن الوهاب”،ص 563.

[100] -“الفكر السياسيى للإمام حسن البنا”، ص155.

[101] -.”حسن البنا متى كيف ولماذا” ص 48 .

[102] -انظر حواره مثلا مع الشيخ يوسف الديجوى مذكرات الدعوة والداعية 77 : 78 ، كذلك انظر:”أيدلوجية جماعة الإخوان المسلمين” ص108 وما بعدها ،ط:مكتبة مدبولى.

[103]-“رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن الوهاب” ،ص487.

[104] -“الفكر السياسيى للإمام حسن البنا”، ص155.

[105]-“ثلاثة من أعلام الحرية ” قدرى قلعجى ، ص14،ط:دار الكاتب العربي.

[106] “جمال الدين الأفغانى باعث نهضة الشرق” عبد الرحمن الرافعى،ص3 :4،ط: دار الكاتب العربي للطباعة والنشر.

[107] “جمال الدين الأفغانى واشكالات العصر” ص 159 :160.

[108] وفى هذا السياق يمكن فهم المحاولات غير المنصفة للنيل من جمال الدين الأفغانى كرمز لمناضل عنيد فى الشرق الإسلامى، من قبل بعض المستشرقين”جمال الدين الأفغانى وإشكاليات العصر” ص156.

[109] انظر:”خاطرات جمال الدين الافغانى-أراء وأفكار-” محمد المخزومى،ص 82 : 84،ط:مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الاولى 2002م القاهرة.

[110] لذا كانت النتائج مختلفة فمن مدرسة الأفغانى ومعطفة خرج الشيخ محمد عبده ومنهما، ولدت حركة تحرير المرأة المصرية على يد قاسم أمين، وكانت بداية الليبرالية السياسية، والنقد الجديد بفضل طه حسين، والعودة للتراث الفلسفى على يد مصطفى عبد الرازق ومن تراكمات ذلك كله جاءت ثورة 1919م على يد تلميذ الأفغانى والشيخ محمد عبده فى آن واحد”سعد زغلول” وهى الثورة التى وحدت المصريين وجعلت القس فوق منبر الجامع الأزهر، والشيخ يخرج من الكنيسة، فى بداية لتأسيس عصر ليبرالى كان له أثره الهائل على مصر والعالم العربي، وهذا ما أدركه اللورد ألفرد ملنر وزير المستعمرات البريطانى رئيس اللجنة المكلفة بدراسة امر الثورة لذا قال عبارته الخطيرة: إن ما وحدته الأرض لا تفرقه غير السماء. بعدها بسنوات كان البنا يتلقى أول دعم البريطانيين.

انظر:”جمال الدين الأفغانى المئوية الأولى” حسن حنفى ص 12، ط: المكتب المصرى للمطبوعات 2009م.

[111] حسن حنفى مرجع سابق ص12.

[112] انظر فى تطور الحركة الإصلاحية، حسن حنفى مرجع سابق ص13 :14.

اقرأ ايضا

المزيد من المقالات

مقالك الخاص

شــارك وأثــر فـي النقــاش

شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

error Please select a file first cancel
description |
delete
Asset 1

error Please select a file first cancel
description |
delete