تكوين
1-تقديم
في الوقت الحالي نسمع صافرات إنذار الفكر الأحاديّ للصورة الإسلاميّة الأكثر تشددًا، والتي يطلق عليها (الإسلام الجهادي). وعلى الرغم من كون هذه الظاهرة تمثّل أقلّية في المجتمعات الإسلاميّة، إذا تمّت مقارنتها بالمؤسسات الدينيّة الفاعلة في البلدان العربيّة، فإنّ وسائل الإعلام الغربيّة وبعض القيادات السياسيّة تضخّم من شأنها، ومن تواجدها الفعليّ على أرض الواقع، وتُرهّب شعوبها والبلدان المجاورة لها بكثرة الحديث عنها، مستغلّة ذلك بشتّى الطرق.
وليست هناك وسيلة أحسن من ذلك لتقديم خدمات مثاليّة لتغذية هذا الفكر الأحاديّ، الذي يمكن اعتباره نسخة غربيّة من الإسلام تنطق بلسان عربيّ! فالإسلام في رأي كثير من المنابر الغربيّة يساوي الأصوليّة الجهادية التكفيريّة ولا شيء غيرها! ومن هنا يرى بعض المفكّرين المسلمين في الغرب أنّ من الواجب علينا أن نناضل بذكاء ضدّ هذه الأشكال من التطرّف أو بالأحرى هذين الشكلين: (التطرّف الإسلامويّ، والتطرّف الغربيّ).
حاول جاهدًا إيريك جوفروا (Eric Geoffroy) تقديم نموذج مغاير لما هو منتشر عن الإسلام في الغرب، فكتب في فرنسا عن تجديد الفكر الإسلاميّ من خلال التجارب الصوفيّة، راصدًا واقع الطرق الصوفيّة في مصر وسوريا، ومسلّطًا الضوء على تجارب النساء الصوفيّة في العالم الإسلاميّ، مقترحًا مجموعة من الحلول للخروج من مأزق الإسلام الجهاديّ، معتمدًا في ذلك على قراءة عصريّة للتراث الإسلاميّ، مستعينًا بكتابات المصلحين والمجدّدين في الإسلام، على اختلاف مشاربهم([1]).
إنّ مشروع جوفروا وأمثاله من المسلمين الجدد يقدّم لنا صورة ووجهًا مختلفًا للإسلام، يبتعد عن الصراع السلفيّ/ الصوفيّ، والعلمانيّ/ الإسلاميّ، كما يبتعد عن المذهبيّة والاقتصاريّة الدينيّة، ويستفيد من كافة المعارف دون أن يتبنّاها أو يخاصمها، كما هو الشأن في الكتابات الإسلاميّة المعاصرة.
تستحق أمثال هذه القراءات للإسلام أن يُكشف عنها ويتعرّف القارئ على شكلٍ من أشكال مواجهة التطرّف بالكشف عن وجوه أخرى للإسلام، ومن هنا رأينا أن نقدّم في هذا المقال رؤية لسيّدة فرنسية تلقّت تعليمها الدينيّ في الغرب، وصقلت معارفها بالعلوم النظرية والتجريبية، ثمّ فُتنت بعد ذلك بعالم الإسلام، لتعكف طيلة حياتها على تقديم رسالة الإسلام للأوربيّين بالوجه الذي آمنت به ورأت أنّه الأنفع للإنسان في وقتنا الراهن. إنّ مثل هذه النخب المتمسّكة بطقوسها في الغرب هي ما لا يركز عليها؛ لأنّها لا تخدم (تثمير الخوف من الإسلام). ويأتي هذا المقال تتمّة لمقالنا السابق (رحلة المرأة في عالم التصوّف وآثارها).
2- اكتشاف الإسلام ومعرفته من خلال دارسيه
المستشرق الفرنسيّ ماسنيون (Louis Massignon) هو اسم لامع من أعلام المستشرقين الدارسين للإسلام، وبوجه خاصّ التصوّف الإسلاميّ، لقيت بحوثه ودروسه اهتمامًا واسعًا في البلدان العربيّة، فُتن به في مصر عبد الرحمن بدوي، وفي دمشق وبيروت توطّدت صلاته بعلماء الإسلام المعاصرين، وتابع مسيرته في الكشف عن آثار الحلاج كامل مصطفى الشيبيّ في العراق، لكن بعد فترة قصيرة صارت أعماله عن التصوّف محلّ انتقاد واسع، وتلخّصت جهوده عند البعض في (نصرنة الإسلام)! إلّا أنّ مطالعتنا لشهادة امرأة في قلب الصوفيّة، ستجعلنا نتعرّف على صورة مطويّة لهذا الدارس الكبير للإسلام.
ماسنيون ذلك الرجل الطيّب الذي دان بحياته لرجل عربيّ! ظلّ يذكره حتّى نهاية حياته، وَعَدّ لحظة الفرج في حياته منحة إلهيّة وإشارة ربّانية تثبّت إيمانه وتعرّفه بأنّ خدمة الإنسانيّة هي سبيله إلى الله في هذه الحياة([2]). كانت حياة ماسنيون مثالًا على الكرم الحقيقيّ. وهب طعامه وثيابه لكلّ غريب ومحتاج، ولم يتوان لحظة في تقديم المساعدة لكلّ حائر، كان يناديني (يا ابنتي) حينما كنت ألجأ إليه، وفي كلّ سؤال ألتمس منه الإجابة عليه يضع بين يديّ جملة من الأفكار والرموز والحكايات تجعلني أعيش في عالمي المرغوب، وكلّما تدبّرت في تلك الأفكار أجد الإجابة على كثير من الأسئلة التي شغلتني.
إقرأ أيضاً: الإسلام والوجه الآخر: الروحانيّة في مواجهة الأصوليّة
هذه الصورة التي نتعرّف عليها هي جزء مما تسرده إيفا دوفيتري ميروفيتش (Eva Devitray-Meyerovitch) في كتابها الإسلام: الوجه الآخر (L’Islam l’autre visage) ([3]) عن ماسنيون. قد تبدو صورة رومانسيّة لمستشرق وصفه بعضُ الدارسين العرب بأنّه كان حليفًا للاستعمار! فلا يقبل كثيرٌ من العرب هذه الصورة الإنسانيّة لمستشرق، ولا تطمئن قلوبهم لمن يدرس الإسلام وهو على دين المسيح! إذ يظل الدارس محلّ شك ونتائج بحثه موضع ارتياب وشكّ([4]).
تصف إيفا ماسنيون بأنّه “كان رجلاً خارقًا للعادة، وكثيرًا ما أدهش المسلمين لعدم اعتناقه للإسلام، رغم معرفته الكبيرة به، لكنّه في الحقيقة كان متصوّفًا استطاع أن يتجاوز الفوارق بين الديانات”. وقد عرف للصوفيّة المسلمين قدرهم، فقد رأى أنّ الإسلام لم ينتشر في كثير من البلدان بواسطة الحروب، ويضرب مثالًا على ذلك بالهند. بل انتشر بفضل الصوفيّة، والطرق الكبرى، من أمثال: الجشتيّة، والكبراويّة، والنقشبنديّة. ذلك لأنّ التوفيق الاجتماعيّ بين الظافرين والمقهورين لا يتمّ إلّا بواسطة أولئك الذين يعطون ولا يطالبون، ويقرضون ولا يأملون في شيء. وقد كانت حياة ماسنيون خير مثال على هذه الرؤية([5])!
3-ضرورية المعرفة لبناء التصوّر
كلُّ من يخضع لقدر الله فهو مسلمٌ! لم تكن إيفا تعرف الكثير ممّا ستعاينه في رحلة حياتها الزاخرة بالأحداث، فمن استقرار واطمئنان وراحة إلى قلق وحيرة وخوف، ليس على المستوى الفكريّ فحسب، بل على مستوى الحياة اليوميّة، شتّت الحرب كثيرًا من الناس، فوجدت إيفا نفسها في ألمانيا، لا تعرف الكثير من التعابير الألمانيّة التي تعصمها من الوقوع في الأسر، لكنّها أُلهمت الشجاعة لتواجه الغرباء، فحفظت حياتها، وبعد معاناة ليست بالقليلة عادت إلى فرنسا.
لم تتوقف إيفا يومًا عن السؤال، وفي سبيل ذلك كانت تتعلّم اللغات، لتدرس ما حفّزها عقلها على الاهتمام به، لم تأنس روحها العطشى بما ورثت من معارف دينيّة، فأرادت أن تتعرّف على معارف روحيّة جديدة، ومن هنا راحت تدرس اللغة السنسكريتيّة والفلسفة الهنديّة، كما درست علوم الأديان لتقف على فهم أفضل لنصوص الكتب المقدّسة، وفي كلّ اكتشاف جديد تترسّخ لديها قناعة أنّ الحقيقة واحدة مهما اختلفت اللغات، ومهما كانت صورة التعبير عن تلك الحقيقة.
تدهشنا البيبلوغرافيا الخاصّة بباحثة عن الحقيقة الدينيّة، إذ يتوقّع القارئ أن يشاهد في باكورة إنتاج إيفا كتابات عن البوذيّة والهندوسيّة والمسيحيّة والإسلام، تعبّر عن بدايات رحلة المقارنة بين الديانات، لكنّ إيفا لم تصنّف في هذا الباب شيئًا على النسق المشهور، فتنقد فكرة دينيّة معينة، وترجّح أخرى لتحلّ محلّها، كما هو الشأن عند كلّ ملتحقٍ بديانة جديدة، بل إنّنا نطالع في مسرد مؤلفاتها الأولى كتابًا عن الصين، وكتابًا عن علم الاجتماع، وكتبًا ذات طابع تاريخيّ، ككتابها عن حياة هنري الثامن (Henry VIII)، وكتابها عن حياة كريستين دي بيزان (Christine de Pizan). وقد تُرجمت كتاباتها منذ وقت مبكّر إلى العديد من اللغات الأوروبيّة.
4-تجديد التفكير الدينيّ في الإسلام
كانت إيفا تحبّ العلم والمعرفة حبًّا شديدًا، وترى فيهما نعمة من نعم الله، فأجمل هدية يقدّمها ملاك من ملائكة الرزق لطفل صغير هي غرسه لبذرة محبّة المطالعة في قلب الصغير. فكلّ شيء في العلم هامٌّ ومفيد، كلّ معلومة تنادي المتعطّش إليها، كما تنادي اللقمة الجائع، وما تبحث عنه يبحث عنك كما يقول الروميّ! وحتّى يتغيّر مجرى حياتك لا بدّ أن تكون مستعدًا لذلك، إنّك كادح إلى ربّك كدحًا فملاقيه!
إنّ منْ يطالع أدبيّات السيرة المحمّدية التي شغلت المسلمين على اختلاف مشاربهم، ما بين مؤرخ وفيلسوف ومناظر وأديب، سيعرف أنّ بعض الفلاسفة المسلمين اعتبر مرحلة ما قبل النبوة في حياة الصادق الأمين مرحلة إعداد وتأهيل، فكما أنّ محمّدًا اصطفاه الله بالنبوّة وتلقّي الرسالة، كذلك كان عليه أن يستعدّ فيتأمل الليالي الطوال في غار حراء، ويزهد فيما رغب فيه غيره من قومه، ويبتهل إلى الله ليل نهار. هذا التصوّر للنبوّة عبّر عنه الفيلسوف تعبيرًا بليغًا، فعدّ جزءًا من النبوة اصطفاء ووهبًا، وجزء منها عن طريق الكسب والاستعداد!
لم تنشغل إيفا كثيرًا بمشكلات علم الكلام الإسلاميّ كما انشغلت بأفكار اللاهوت المسيحيّ الذي نشأت عليه، لكنّها كانت مستعدّة للانفتاح على ديانات جديدة، وأقرب الديانات إلى قلبها في تلك اللحظة كان الإسلام.
أحد أصدقائها من باكستان عرف ذلك عنها، فأهداها كتابًا لمحمّد إقبال. وجذبها ما وجدت فيه من أسئلة: هل الدين أمر ممكن؟ ما مكانة الرياضة الروحيّة في التجربة الدينيّة في الإسلام؟ ما معنى الصلاة؟ ما معنى الألوهية؟ كانت هذه بعض الأفكار التي شغلت إقبالًا في كتابه الذي حمل عنوان: تجديد التفكير الديني في الإسلام.
كان من حسن حظّ إقبال أن آمن به أساتذته والمحيطون به، وأعجبتهم بعض أفكاره، فأرادوا أن يعرّفوا العالم الغربيّ بما يدور في الهند، فنقلوا جزءًا من أعماله المدوّنة بالأورديّة والفارسيّة إلى اللغة الإنكليزيّة. فلم يكن اسم إقبال غريبًا على مسامع الدارسين للفكر والفلسفة والآداب الإسلاميّة.
رأت إيفا في كتاب إقبال رسالة قريبة من أفكارها، إذ يمثّل كتابه إمكانية بناء عصريّة وحداثيّة للإسلام، لا تتخلّى عن الموروث القديم ولا تخاصم الآخر، وتصوغ الإسلام صياغة أكثر نضارة دون التخلّي عن مبادئه الأساسية. والشيء الملحوظ عند محمّد إقبال هو بحثه الحثيث والمستمر عن الوحدة في نظرته إلى العالم. لم يكل إقبال في بحثه، إنّه دائم الإرادة لذلك، ومن يطالع عمله التجديديّ سيلاحظ محاولته التوفيقيّة بين المبادئ الأساسية للقرآن والمناهج الحديثة والاكتشافات العلميّة. إنّ ملاحظة إيفا لذلك جعلتها مطمئنة لصحّة ما يقال عن إقبال في الغرب، ألم يقل برغسون عنه: إنّه يمنح بكتاباته الروح للثقافة الغربيّة بترجمته إيّاها ومساجلتها في أشعاره!
ما جذب إيفا أكثر إلى العالم الذي قدّمه محمد إقبال عبر كلماته، أنّها لم تشعر يومًا في كلماته بما أصاب الكثيرين من لوثة العنصريّة والقوميّة، فليس هناك فرق عنده بين الأفغانيّ والتركيّ والهنديّ، كلّ الناس ثمرة حديقة واحدة، من جذع واحدٍ. إنّ الانتماء إلى قبيلة أو فئة يُطلب منها تحديد نمط الحياة والفكر مسبقًا هو نمط من العبوديّة التي رفضها إقبال، لأنّه وفقًا لهذا النمط تتحدد سلفًا نظرة الإنسان إلى الأشياء كافة، ويعتري أحكامه الخطأ على الأفكار والأشخاص.
ألحّ إقبال في دواوينه على التسامح والانفتاح على الآخرين، وهو ما اعتبرته إيفا ميروفيتش دليلاً على تصوّفه الحقّ، ومن ذلك قوله:
سمائي الزرقاء دون حدود
أنا درويش عالم الطّيور
فالصّقر لا يبني أيّ عشّ
أيّها الجاهل اترك التعصب في البيت الزجاجيّ في هذه الدنيا
لو أنت تفهم! فإنّ الحرّية مستترة في المحبّة بين الناس
وإلّا فإنّ التمييز بين أنا وأنت هو العبوديّة
إنّ محبّة الناس هي الخمر المربّية للروح
وهي التي علّمتني النشوة بدون الكأس والقدح،
وإنّ الشعوب المريضة وجدت الشفاء بسبب المحبّة.
اعتبر إقبال التعدديّة مجازًا، فالوجود الحقيقي للشعب المجتمع على كلمة لا للفرد المتشظّى بين الفِرق. ونصح قارئه أن يكون في الدنيا كالشمعة التي تذوب في المحفل، مناشدًا كلّ أفراد الشعب أن يتوحّدوا ليتحقّق الجمع بين شتّى الطوائف. من هنا اعتبرت إيفا إقبالًا مثالًا للإنسان الكونيّ الذي أراد أن يرتفع البناء الإنسانيّ فوق أيّة عصبيّة أو قوميّة أو حزبيّة، سعيًا منه لوضعه في عالم الحداثة في حاضرنا اليوم.
5-من المسيحيّة إلى التصوّف
امرأة في قلب الصوفيّة، عاشت زمنًا تعتنق المسيحيّة وتقدّر المعتقدات الكاثوليكيّة، لكنّها بعد دراسة وبحث واكتشاف لنصوص التراث المسيحيّ نحت نحو التعاليم الصوفيّة في الأديان الكبرى. قرأت نصوص هذه الأيادن بحساسيّة خاصّة وذكاء مكّنها من عدم القطع مع الديانات، فلم تفضّل إيفا اصطلاح اعتناق الإسلام، بمعناها الشائع الذي يعني إلغاء الشخص لكلّ ما مضى من حياته، والدخول في دين الله كيوم ولدته أمّه! والتنصّل من كلّ معتقد سابق، بل على العكس من ذلك استفادت إيفا من خبرتها المسيحيّة، وقراءاتها عن الهندوسيّة والبوذيّة، وفضّلت أن تكون (ملتحقة) بالإسلام، وآمنت أنّ كلّ من يسير إلى آخر المطاف في يهوديّته أو مسيحيّته أو إسلامه يلتقي بالآخرين، وكلّ هذه الاتجاهات تنتهي إلى الخضوع لله. فكلّ من يخضع لله هو مسلمٌ من وجهة نظر إيفا. وقد تعلّمت ذلك من التصوّف الإسلاميّ، ففي مركز الدائرة يُشفى الإنسان من حبّ التسلّط المنفرد على الحقيقة!
بعد قراءتها لمحمد إقبال لم يكن الأمر سهلًا على إيفا ميروفيتش، فقد كانت تربيتها تربية فتاة كاثوليكيّة، روادتها الأحلام وشعرت كما لو أنّها ستصاب بالجنون، لكنّها أتمّت طريقها في الإسلام، وعبر إشارات أُلهمتها إيفا شعرت بأنّ كلّ شيء قد رُتّب لها سلفًا، حتى اسمها الإسلامي الذي اخترته لنفسها (حواء) رغم أنّه جاء استجابة لطلب شيخ الأزهر، إلّا أنّه كان تأكيدًا لرؤيا رأتها سابقًا من أنّها سوف تختار هذا الاسم.
لا يحتاج الاعتراف بمحمّد كرسول لله والشهادة بالتوحيد إلى أيّ إعلان وإشهار. ما يلزم فقط أن يقول الإنسان “أشهد بكلّ عقلي وقلبي أنّه لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدًا رسول الله”. ولا يعني ذلك التنكّر لأحد من أنبياء الله. وتضيف إيفا: “لا أزال مؤمنة بمهمّة عيسى، وعذرية مريم. شعرت فقط بعد التحاقي بالإسلام أنّني تركت جانبًا ثرثرة رجال الدين، وأقصد بذلك الجدل البيزنطيّ العقيم، والذي اعتاده كثيرٌ من اللاهوتيّين قديمًا وحديثًا.. الجدل والكلام هو الذي يفرّق الناس”([6]).
لم تتحوّل إيفا بعد إسلامها إلى مسلمة تعتنق الشائع من الأفكار الدينيّة، فتفرح لكثرة المسلمين وتحزن لخروج بعضهم من الدين، بل ظلّت على عقلانيّتها تخدم من دون النظر إلى سفاسف الأمور، ومن ذلك أنّها حينما سُئلت عن ردّ فعلها إذا ما جاءها شخص يريد اعتناق الإسلام، هل ستشجعه على هذه المبادرة؟ أجابت: لا يمكنني فعل ذلك في كافّة الحالات التي أتعرّف عليها. وتروي لنا قصّة شاب فرنسيّ زارها بعد أن عاد من سفره من اليمن، فقال: “سيدتي جئتُ إليك محبّة في الاستماع إلى محاضراتك عن العرب والإسلام، لقد قضيتُ حياتي في خدمة رجال الأعمال والبنوك، وعند زيارتي لليمن عشتُ في خيمة في الصحراء، لكنّها منحتني تأمّلًا عظيمًا، وأعجبني كلّ ما رأيت، لذا أودّ أن أعتنق الإسلام”. لم توافقه إيفا إذ لا يكفي الإعجاب بكرم بعض الناس أو رؤية بعض المظاهر الإيجابيّة ليغيّر الإنسان حياته! فنصحته إيفا قائلة: “إذا كان أهل اليمن كرماء وظرفاء، ويعزفون الموسيقى البديعة تحت سماء مقمرة، إنّ هذا غير كافٍ لك.. إنّ الإسلام يعني الزهد الطويل، ويجب أن تحضّر نفسك لذلك”.
إنّ رؤية إيفا تتسق مع حالات كثيرة مماثلة لهذا الإعجاب اللحظيّ بديانة أو بطقوس مجموعة من الناس، سرعان ما تنطفئ جذوة الإعجاب بمجرد أن يقابل المرء بعض الشرائط والضوابط التي تفرضها تلك الجماعة على المنتسبين إليها، ومن هنا على الإنسان أن يتأنّى ويتعرّف بشكل جيد على معالم الديانة التي أخذته إلى عالمها، والطريق الأمثل لذلك البحث والمطالعة.
6-ثمار رحلة إيفا مع الإسلام ورموزه
ماذا قدّمت إيفا للإسلام وللغرب؟ هذا هو السؤال الذي يبرز عند تخصيص أحدهم دراسة أو مقالاً عن عالم غربيّ اهتدى في طريقه إلى الإسلام! بعيدًا عن الفرح الساذج بإسلام شخص غربيّ، وترديد مقولاته في المناسبات الدينيّة للتعريف بعظمة الإسلام، لا بدّ أن يسأل المسلم المعاصر ماذا قدّم العالم الغربيّ لإيفا؟ وكيف استفادت هي من قيم الحضارة الغربيّة في رحلتها الجديدة إلى عالم الإسلام؟!
قدّم العالم الغربيّ لإيفا الكثير في رحلة حياتها البحثيّة بداية من دراستها للآداب وعلم النفس والأديان المقارنة. وبفضل البعثات العلميّة([7]) تعرّفت إيفا على الكثير مما يخصّ الأديان. لم تسرد إيفا في حديثها عن الرحلة شيئًا يظهر لنا أنّها تعرّضت لاضطهاد بسبب كثرة شكوكها وقلقها المعرفيّ حول المسيحيّة، بل على العكس من ذلك كانت تقابل أسئلتها التي تتوجّه بها إلى القساوسة ورجال الدين باهتمام بالغ، حتّى أنّها عندما أرادت أن تعلن إسلامها ذهبت لماسنيون واستشارته في أمرها، فأحالها على أحد الآباء، الذي رجّح لها أن تلتحق بالبروتستانت، لكنّها لم ترض بغير ما استقر عليه رأيها.
إنّ الحرية واحترام ثمرة البحث أمر من الصعب أن يتفهّمه من يؤمنون بالمذهب الواحد وبالخلاص لفرقة من الفرق بعينها، أصحاب الرؤية الآحاديّة لا يمكنهم أن يتقبّلوا أن ينتقل الإنسان من فكرة إلى فكرة أخرى، والأصعب من ذلك أن يبدّل دينه الذي نشأ عليه، لذا يفرح الأصوليّون بمن يعتنق مذهبهم، لكنّهم سرعان ما يعتبرون الإنسان خارجًا ويستحق التنكيل إذا أعلن عن قلقه إزاء بعض الأفكار، ومن هنا لا ينتج تديّنهم ثمرة تفيد الإنسان في رحلته!
حينما التقطت الرحمة الإلهية إيفا تعرّفت على شخص جمع بين المعارف الإسلاميّة والغربية، فقرأت في رسالة إقبال ما حفّزها على المضي قدمًا في طريقها، ورأت في مشروعه ما يعبّر عن رؤيتها الخاصة، فراحت تنقل أغلب أعماله عن اللغة الإنجليزية إلى الفرنسية، لتعرّف أوروبا بما يقوله هذا المفكر المسلم. ولمّا كانت ناقلة أمينة لتلك الرسالة كلّفتها سفارة باكستان في فرنسا بترجمة كتاب جامع يشتمل على أهم نصوص إقبال، وقد فعلت ذلك بمهارة واقتدار، وإليها يعود الفضل في تعرّف الفرنسيّين على رسالة إقبال.
كان هناك شيخ مجهول بالنسبة لها، وإليه يعود الفضل في تفتّق عبقرية إقبال، وكثيرًا ما أشاد به في أعماله، لم تكن إيفا على معرفة به، فراحت تقرأ ما كتبه نيكلسون وأربري عن جلال الدين الروميّ، وهنا أدركت أنّ إقبال فتح لها الباب على عالم كُتب لها منذ الأزل أن تشارك فيه وتكون جزءًا منه!
فُتنت إيفا بجلال الدين الروميّ فتنة عظيمة، لم تكن تتكلّم الفارسية من قبل، فأعدّت عدّتها لتتقن هذه اللغة التي أعجب بها كثير من المستشرقين الأوربيّين. جزء من هذه الفتنة عرفه العرب فنقلوا قسطًا من أعمال الروميّ إلى العربيّة، لكنّهم توقّفوا فيما بعد عن العطاء في هذا الجانب، وشغلتهم أمور السياسة. لكن إيفا لم تكن كذلك، فحينما استقدمها شيخ الأزهر لتلقي محاضرات على طلّاب جامعة الأزهر ولتعرّف بالإسلام عبر منابر الأزهر باللغة الفرنسيّة حملت معها كتاب المثنوي باللغة الفارسيّة، وجلست في القاهرة وقتًا لتترجم حكايات الروميّ([8])، ومن الطريف أنّها كانت تناقش الناطقين بالفارسية في صحّة تفسير كلمة ما، وتصحّح لهم بعض ما ظنّوه صوابًا، وتخبرنا أنّ رأيها دائمًا ما كان محلّ اعتبار عندهم!
ليس غريبًا على مؤمنة برسالة الحبّ والسلام والتفاهم بين البشر أن تنقل المثنوي بمجلداته الستة من اللغة الفارسيّة إلى الفرنسيّة، وتتابع نشر رسالة الروميّ إلى الإنسانيّة، فتترجم كتابه النثري فيه ما فيه، وتترجم غزليات شمس تبريزيّ، كما تنقل تعاليم المولويّة عبر تنظير سلطان ولد ابن الروميّ إلى اللغة الفرنسيّة.
استفادت إيفا كثيرًا من صحبتها لماسنيون، فكما أخلص هو لدراسة التصوّف الإسلاميّ عبر أحد أبزر أعلامه (الحسين بن منصور الحلّاج) ووهب حياته كلّها في سبيل تقديم هذه الشخصيّة إلى العالم، فعلت إيفا كذلك. وكما مثّلت كلمات الحلّاج المسلم جزءًا من صلوات ماسنيون الكاثوليكيّ، خالط الروميّ حياة إيفا مخالطة عجيبة، فلم تعد ترى إلّا العالم الذي عاش فيه الروميّ، بل إنّها أرادت أن تكون خاتمة حياتها في المكان الذي حوى جسد الروميّ! فحينما سُئلت عن أحبّ البلاد إلى قلبها، لم تكن فرنسا أو أي بلد أوروبيّة، بل كانت قونية هي البلد الذي تتمنى أن تعيش فيه، وكثيرًا ما عبّرت عن محبتها لهذه البقعة المباركة، فمن يطالع وصفها لقونية في كتابها عن “جلال الدين الروميّ والتصوّف” سيدرك ذلك منذ اللحظة الأولى.
إنّ أحلامها تحقّقت بفضل مثابرتها وإخلاصها لما آمنت به وبفضل ما قدّمته من جهود حقيقية، يستحقّ أن يتعرّف عليها كلّ من يبحث عن التعاليم الروحيّة في الإسلام.
7-ما يقدّمه التصوّف للإنسان الغربيّ وانعكاسه على وعي المسلم المعاصر
يتذكّر القارئ عند مطالعته لكتاب الإسلام: الوجه الآخر إسلام عديد من الدارسين الغربيين أو المنشغلين بقضايا الشرق الأوسط عبر بوابة التصوّف، فعلى سبيل المثال نذكر أنّه قبل وقت قصير أسلمت صحفيّة ألمانية، وأعلنت عن ولادتها الجديدة في كتاب يقصّ تفاصيل رحلتها من الإعلام الأوروبيّ إلى جوار مكّة المكرّمة، ربما يرى بعض الناس أنّه لا شيء جديد في خبر إسلام أوروبيّة أو أعجميّ خارج بلاد الإسلام، كذلك لا جديد في إعلان التنصّل من دين الإسلام والانتقال إلى دينٍ آخر، أو ترك جميع الأديان، في النهاية يعود القرار إلى من يحب أن يولد في أرض تحيا فيها بذرته، وتتطور حياته بشكلٍ يراه أفضل، وكما يشهد القرآن (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:148]. هذا أصل من أصول الخلق، وطبيعة أقرّها القرآن!
ربّما كان الجديد بالنسبة لجمهرة القراء المسلمين الذين يبحثون عن فرصة للإصلاح وتطوير حياتهم الدينيّة، أن يكتشفوا الإسلام من جديد، عبر قراءة هذه التجارب الحيّة التي تُولد أمام أعينهم، وهم يبصرون مئات الكتب المسوّدة بأقلام المشايخ والأساتذة التي تدبّج عن عظمة الإسلام ومحاسنه، فلا شيء يحرّك المشاعر من هذه المسودات العريضة، كما لم تعد كلمات المشايخ وصرخاتهم في الخطب تبعث في المسلم روح الحياة.
تحكي السيدة التي أسلمت أنّها أرادت أن تتعّرف على الصوفيّة في إسبانيا، بعدما سمعت من أخبارهم، ممّا رغّبها في الرحلة إلى البلاد التي عمرّها المسلمون قديمًا بآيات الذكر الحكيم والفلسفة والعلوم، ففي كلّ مدينة من مدن إسبانيا ترى كلمة (لا غالب إلاّ الله) تعلو البنايات، وتعيد تخطيط حيوات البشر القاطنين هناك، رحلت السيدة بجناحي الشوق آملة أن ترمّم هيكلها([9]) أو أن تنفخ فيه من روح الله، متذكّرة رابعة العدويّة التي قرأت عنها بفضل كتابات أنّا ماري شيمل في كتابها روحي أنثى. وإن عاشت السيدة في بلد نشرت فتوحات ابن عربيّ وترجمان الأشواق ولُمع الطّوسيّ، إلّا أن كتابات شميل كانت غذاءً روحيًّا لها، فما شهدته بقلم عاشقة الإسلام لم تره عند غيرها، مما جعلها تواظب على حضور محاضراتها وسؤالها عن كلّ ما يعنّ لها من جديد في ديانتها التي التحقت بها.
التقت السيدة بزوجة شيخ صوفيّ آمن كغيره من المشايخ بأنّ الكثرة دليل النجاح؛ فالشيخ يتبع سنّة النبي في تعدّد الزوجات، أدهش المرأة أن تعرف عن قرب مشاعر زوجة يرغب زوجها في أن تشاركها عدّة نساء في بيتها، فقد روت زوجة الشيخ لكريستيان بيكر أنّها شاهدت زوجها، وهو يداعب زوجته الثانية الصغيرة في السن، وكم أنّ ذلك جرح مشاعرها!
أعلنت كريستيان بيكر عن استيائها مما سمعت، وحينما عادت إلى لندن حدّثت صديقها عن رفضها لفكرة التعدّد في الإسلام، فهذا مما لا تقوى عليه امرأة فكيف يبيح دين الرحمة للرجل أن يفعل ذلك؟ ما أجيبت به السيدة هو نفسه عين ما يُقال من كون التعدد فسحة للرجل بدلًا من أن يتّخذ عشيقة له في الحرام كما يفعل الرجال والملوك في أوروبا منذ زمن وحتّى اليوم، فالإسلام يجعل ذلك في إطار علاقة شرعيّة، إذ الرجل لا تكفيه امرأة واحدة، وأغلب الرجال نزّاعون إلى التعدد، وطبيعتهم لا تأبى ذلك، وبالطبع عُصم النبيّ عن فهم العلاقة بين الرجل والمرأة على هذا النحو فقد تزوج بأكثر من زوجة بعد بلوغه الخمسين، وكانت أغلب زيجاته لظروف خاصّة، والنبيّ ليس كهيئة بقية المسلمين، فالله المعطي والنبيّ هو القاسم.
سكّنت الردود قليلًا من إزعاج السؤال عند كريستيان لكنّها لن تقبل كغيرها من النساء أن تكون زوجة ثانية، أو تشاركها في حياتها الخاصّة امرأة أخرى مهما كانت الضرورة التي تستدعي ذلك. لا يعني الالتحاق بالإسلام القبول بكلّ أفكاره، ذلك ما رأته إيفا ميروفيتش أيضًا بخصوص موضوع تعدد الزوجات في الإسلام.
8- الصبرُ ضياءٌ!
حديثٌ نبويّ من جوامع الكلم التي أوحي بها إلى النبيّ وفضلًا عن نطق النبيّ بهذا الحديث (الصبرُ ضياءٌ). فإنّ حياته وحياة غيره من إخوته الأنبياء كانت مثالًا عمليًّا للصبر والكفاح تجربة وحياة ورسالة. وقد وصف القرآن من تمثّل بالصبر أنّه من أولي العزم، ويُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب. لكنّ قليلا من يصبر أو يمسك عما يحبّه. كانت تجربة صوم المسلمة الجديدة شهرًا كاملًا في العام مرهقة. لم تتحرّج السيّدة من رواية بعض آلامها التي كابدتها في الأيام الأولى، فقد اعتادت على تناول الوجبات والمياه في عملها، ويقتضي العمل الشاقّ أن يتناول المرء قدرًا من الطعام يساعده على مواصلة عمله في نشاط كامل لا يقصّر في واجباته، لكنّها استجابت لتعاليم الدين الجديد. وكما روت الآلام روت ثمرة التجربة، ممّا يجعلك تتقبّل بأريحية ما تقوله عن تجربة صيام شهر رمضان.
تقول كريستيان بيكر: (على الرغم من محافظتي على صفاء ذهني، فإنّي كنت أحس كأنّي في عالم آخر، وبدا لي كأنّ الصيام كان يؤثّر في قلبي وروحي وجعلهما مستعدّين أكثر لتلقّي بركات ذلك الشهر. إضافة إلى ذلك، وجدت أنّ الصيام ينقّي حاستي الشمّ والتذوق لديّ.. ولقد أحسست بعد أن انصعتُ بانضباط للتعاليم الخاصّة بالصيام بأنّي حققت إنجازًا كبيرًا، وأخيرًا وليس آخرًا، فإنّ الصيام اختبار حقيقي لقوة إرادة الإنسان).
إنّني كمسلم لا يمكنني أن أصف تجربة صيامي على هذا النحو، فالصيام بالنسبة لكثيرين منّا لون من ألوان التأديب، وليس قربة من القربات أو محاولة للغياب عن هذا العالم، وما يقوله الصوفيّة عن ضرورة تقليل الطعام عبر الصيام الكثير نقرأه بتقدير وإجلال لكنّا لا نذكر إلّا لحظات قليلة مرّت بنا ونحن نعيش مثل هذا الشعور
إنّ قراءتنا لمثل هذه التجارب تجعلنا نكتشف الإسلام، خطوة خطوة ومعنى معنى كلّ يوم عبر عيشهم ومطالعاتهم واستماعهم لتجارب الآخرين.
ما يراه المسلمون الجدد من كون تعاليم المصطفى صلّى الله عليه وسلم تتجاوز الأمور الظاهريّة التي تشيع بين مسلمي اليوم، فهو القائل: “إنّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”. هو فهم حقيقيّ لروح الإسلام يغيب عن بال الدعاة والوعّاظ. تقول كريستيان بيكر حول هذا الموضوع: “ما دعاني إلى تغيير حياتي هو جوهر هذا الدين وروحه، والصلة المباشرة بالله عزّ وجل، وعلمت من خبراتي أنّ الإيمان يسمو بنا، ويهدينا إلى ما يعجز عنه الترفيه الباطل، والنزعة الاستهلاكيّة التي لا تبلغنا الكمال الواجب، أو الرضا الصحيح؛ فلو اتخذنا الإخلاص فضيلة في معيشتنا، فسيحولنا والعالم حولنا نحو الأفضل، لقد أعطى الإسلام معنى لحياتي وهدفًا، وهو أن أعبد الله. أعبده ما استطعتُ إلى ذلك سبيلا”!
المراجع:
([1]) راجع له على سبيل المثال كتابه: المستقبل الروحانيّ للإسلام، ترجمة أسامة نبيل، (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2016).
([2]) استعرض علي بدر حياة ماسنيون بشكل مفصّل في كتابه ماسنيون في بغداد: من الاهتداء الصوفيّ إلى الهداية الكولونيالية، واعتمد في التأريخ لرحلته في عالم الإسلام على رسائل ماسنيون إلى الأب أنستاس ماري الكرمليّ، وفي صفحات الكتاب الأولى يروي ذلك الحدث الذي غيّر حياة ماسنيون، راجع ماسنيون في بغداد (بيروت: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، 2010)، 9، 10، 40، 41 .
([3]) اعتمدنا على الترجمة العربيّة لهذا الكتاب، والتي أنجزتها الكاتبة الجزائريّة ويزة فلاز ونشرتها تحت عنوان: امرأة في قلب الصوفية، ضمن منشورات وثائق المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان، في السلسلة الجديدة، عدد 15، عام 1999، وقد أهدتنا المترجمة ويزة فلاز نسخة من هذه الترجمة.
([4]) ربّما كان ذلك من أسباب مبالغة الألوسيّ في وصف ماسنيون بأنّه “يكره النصارى وعوائدهم” في الرسالة التي بعث بها إلى القاسميّ، طالبًا منه أن يساعد ماسنيون، ففكرة عدم محبّته للنصارى تقرّبه من الإسلام والمسلمين! راجع في ذلك الرسائل المتبادلة بين جمال الدين القاسمي ومحمود شكري الألوسيّ، جمع وتحقيق محمد بن ناصر العجمي، (بيروت: دار البشائر الإسلاميّة، 2002)، 170.
([5]) راجع: امرأة في قلب الصوفيّة، مرجع سابق، 108-110.
([6]) راجع: امرأة في قلب الصوفيّة، مرجع سابق، 47-50.
([7]) أرسلت الحكومة الفرنسيّة إيفا في بعثات علميّة إلى المغرب وتركيا ولبنان ومصر.
([8]) كان لقاء إيفا بشيخ الأزهر ( فضيلة الشيخ محمد الفحّام) ووزير الأوقاف عبد العزيز كامل مثمرًا للغاية بالنسبة لها وللأزهر، إذ أصبحت عضوًا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة، وظلّت تكتب بصفة مستمرة مقالات عن الإسلام باللغة الفرنسيّة في مجلّة منبر الإسلام، كما قُدّمت إليها منحةُ تفرّغٍ من المجلس لستة أشهر لاستكمال أبحاثها عن الإسلام. وفي كلية البنات بجامعة الأزهر ألقت العديد من المحاضرات، التي ركّزت فيها على العوامل المشتركة بين الحضارة والثقافة الإسلاميّة، وسجّل لها المركز الثقافي الفرنسيّ بمصر محاضرة عن (التصوّف في شعر إقبال)، وفي جمعية (نساء الإسلام) التي ترأستها وقتئذ الأستاذة مفيدة عبد الرحمن حاضرت عن التصوّف الإسلاميّ. وبدعم من الأستاذ محمد توفيق عويضة أسَّست في فرنسا ما يُعرف بالجمعية الفرنسيّة الإسلاميّة، التي كانت راعية للتبادل العلميّ بين الأزهر وفرنسا.
([9]) الإشارة إلى كتاب كريستيانا باكر، من إم تي في إلى مكّة: كيف غيّر الإسلام حياتي، ترجمة كوثر المرنيسيّ، (الرياض: العبيكان، 2012).