تكوين
مقدمة
تنطلق مجموعة المقالات المُقدمة تحت عنوان “المفاهيم المؤسسة للعقل العربي المعاصر” من رؤية للعقل بوصفه مجموعةً من المفاهيم التي كونت بِناءه وطريقة تعاطيه وإدارة شأنه الدنيوي. تعملُ مجموعة المقالات لتحديد المفاهيم المؤسسة للعقل العربي المعاصر، زاعمةً أنها تُسهم في بناء رؤية بشأن العقل العربي المعاصر، ومن ثم رؤية بخصوص إدارة شأنه الدنيوي وممكنات المستقبل التي يمكن أن يُفضي إليها هذا العقل بالمفاهيم المُكونة له، التي تنعكس على واقعه المأزوم والمُهزم حضاريًا.
تحديد هذه المفاهيم يرتكنُ في الزاوية الأولى إلى قدرةُ الثقافة على تمرير نفسها داخل القوالب الجديدة التي تُطرح عليها وتتسلل داخلها، إن لم تُعِدْ صياغة نفسها في هذه القوالب من جديد، ومهارة التخفي والاتحاد مع المُقدس لتضمن لنفسها البقاء والتأبيد، والدفاع عنها الذي يأخذ بُعدًا عقائديًا يضمن لها القدسية وعدم المساس. وفي الزاوية الثانية يرتكنُ إلى المؤثرات الخارجية في بناء هذا الجهاز المفاهيمي، الذي يغلبُ عليه الطابع السلفي/الوهابي الدفاعي المتمحور حول الذات، نتيجة للتاريخ الاستعماري والاستغلال السياسي للتفوق المعرفي والحضاري، بسبب فرض النظم السياسية هيمنتها على العالم باستخدامه. وبصمة التيار السلفي/الوهابي في المفاهيم المؤسسة للعقل العربي المعاصر لها الحضور الأقوى، لأنها جاءت بنزوع ودعوى إعادة إحياء الذات الإسلامية القديمة ومقاومة الثقافات المختلفة، وأسست لهذا مجموعة من المفاهيم الصارمة التي قدمتها بوصفها المفاهيم المكونة للضمير الإلهي من جانب، والمُعبرة عن الذات العربية الإسلامية من جانب آخر، وكلا الجانبين أسهما في انتشارها وبسط سيادتها من بُعد أنها دعوى عقائدية، وبُعد أنها مقاومةً للتفكك المُمنهج وحفاظًا على الهُوية.
ويأتي الجهاز المفاهيمي المكون للعقل العربي المعاصر من مفهوم الهُوية النقية والمُهددة، ويستدعي مفاهيم الماضي وانجازاته ويستحضرها في الراهن، ويضعها في حالة تماهٍ مع الهُوية، ومُحددًا لأدوات بناءه وتعامله الواقعي. وتأتي المفاهيم المؤسسة للعقل العربي المعاصر من أفق الانهزام والتهديد الحضاري الذي مَثله الاستعمار بقيمه الحداثية وتكنولوجيته العسكرية، تحت ضغط المطالبة بالحضور النِّدِّي نجد عديدًا من المفاهيم بُنيت بنزوع مقاوم، ومن هذا النزوع استدعى العقل العربي المعاصر مفهوم البدعة في صورة المقاومة، ودعم بها مهمته في الحفاظ على الهُوية، ووضع مُجمل ما أنتجه العقل الإسلامي في منظومة فكرية يجب أن يعمل العقل المعاصر من طريقها، ويُعد مجمل ما جاءت به الحداثة يقع ضمن دائرة البدع التي تستهدف الدين الإسلامي والمجتمع العربي.
ويُعد مفهوم البدعة من المفاهيم الرئيسة المُؤسسة للعقل الإسلامي، بل من طريقه عمل العقل الإسلامي واستثمر جهوده، المعرفية منها والفقهية بطبيعة الحال، عادة ما قُدمت تحت لواء حفظ المجتمع من البدع والشتات، ومن ثم فإن استدعاءه في البناء الأيديولوجي المعاصر جاء متناغمًا مع آليات عمل العقل العربي الإسلامي، فقد لجأ عادة إلى مفهوم البدعة بدعوى حفظ المجتمعات العربية والإسلامية، واستدعاها في أشد اللحظات حاجة إليها، وهي مواجهة الاحتلال الذي يهدف إلى محو ثقافته، ويمثل تهديدًا هُوياتيًا وعقائديًا عليه. ويَستحضر مفهوم البدعة كل ما هو جديد وغير متناغم مع المنظومة الفكرية التي يفضها بوصفها حقيقة الدين.
والالتزام بمنظومة فكرية ما يَحرم العقل الإنساني التجديد وطرح السؤال وعدم البحث عن إجابات جديدة، فكل شيء مُجاب عنه سلفًا وعليك الالتزام به خوفًا من الوقوع في البدعة، وقد حَدَّ العقل العربي الإسلامي المُهدد بنزوع نِدي وتحت ضغط المطالبة بحضور المعارف السابقة تُمثل المعرفة، بألف لام التعريف، أي كل ما يمكن أن يصل إليه العقل من معارف، وعليه فقد استخدامها واستدعاها في واقعه اليومي، وصاغ هذا النمط في صورة نضالية يُعبر فيه عن حفظ الذات والمجتمع وصيغه دينية، فقد عَدَّ الخروج عن هذا النمط بدعةً مرفوضةً، وتعامل معها من داخل السياق العقائدي.
الاتباع والابتداع
انطلاقًا من الإيمان المعرفي الإنساني بأن الأشياء تُعرف بأضدادها، يُعمل لتحديد مفهوم البدعة من طريق ثنائية الاتباع والابتداع، فيمثل الابتداع خروجًا عن الاتباع، فالإبداع هو خروجٌ عن المألوف والمعروف والمُتبع، وثنائية الاتباع والابتداع هي ثنائية تحكم العقل الإنساني، وتتجلى في الاجتماع الإنساني وذاكرته الجمعية وكذا بناءه الثقافي:
“فلا تنقطع رغبة الجماعة في استعادة ماضيها، من أجل تحفيز ديمومتها، فتكون العودة إلى البدايات والأصول طريقًا مرغوبًا، مُعبدا بالحكايات والأساطير والخرافات”[1]
وعادة ما تعمل الثقافة بنزوع البقاء وتعمل لمدح الاتباع، بل إنها تُقدسه في بعض الأحيان، فوفق عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم David Émile Durkheim (1858-1917) فإن العادات والتقاليد ونمط العرف واللغة:
“توجد خارج الفرد، وقد زُودت بقوة قَهر مكنتها من فرض نفسها عليه”[2]
وغير مقبول خروج الإنسان عن الظواهر الاجتماعية التي تُكون وعيه وبناءه المعرفي، يقول دوركايم في هذا الخصوص:
“إنني إذا خرجت على العادات المَرعية، ولم أُقم وزنا للعرف المُتبع في وطني وفي طبقتي بخصوص الزي فإن ما أُثيره من عاطفة السخرية، وما أبعثه حولي من الاشمئزاز ينتجان، ولو بصورة مخففة، النتيجة نفسها التي يُؤدي إليها العقاب الحقيقي”[3]
فإن العادات والتقاليد واللغة والنقود وغيرها من أدوات الاجتماع الإنساني تمارس دورًا قهريًا على المجتمع وتحدد سماته وتفرض على افراده الاتباع، وإلا كان عقابه الاقصاء والرفض والاستهجان وهي عقوبات إن كانت تبدوا مُخففة، ولكن لها فاعليتها وقوتها القهرية على الفرد والمجتمع.
ووفق ما قَدمه خالد حاجي فإن الثقافة كالكائن البيولوجي تتحرك بفعل قوة دفع ذاتيه، تدفعها غريزة البقاء وتجعلها تُعبر عما في داخلها[4]، ومن ثم تُمرر نفسها في كافة الانساق الاجتماعية وأهمها الدين، لتعطي نفسها القدسية التي يتمتع بها الدين، وتتمكن من الاستمرار والتحكم المستتر من خلف الأنساق الدينية[5]، ويرى دوركايم أن الثقافة تُكون الضمير الجمعي للأفراد وتقودهم، وتصبح جزءًا من شعورهم الداخلي[6]، ومن طريق سعي الأفراد في تأكيد الثقافة التي أصبحت تُمثل تكوينًا داخليا لهم، سعوا في صياغة الأنماط الدينية وفق ثقافتهم وتقديس الأجداد، فتقديس الأجداد تُعد إحدى سمات المجتمعات البدائية[7]. ومن طريق تمرير الثقافة نفسها داخل الأنساق الدينية، أخذت ثناية الاتباع والابتداع شكلًا دينيًا عقائديًا، فقد مدحت الثقافة الاتباع وعَدته التزامًا بالدين، ورفضت الابتداع وعَدته خروجًا عن الدين، أو بالتعبير المسيحي هرطقة.
ويفرض الاتباع وجود مسارٍ ما يجب أن يُتبع، وسلطة ما تُشرف على هذا الاتباع، وكان المسار عادة تُحدده الجماعة وهو ما قدمه السلف، والسلطة في يد الكهنة أو الطبقة المُوكلة بقيادة المجتمع، وبتمرير الثقافة نفسها داخل النسق المسيحي جاءت السلطة في الكنسية، والمسار يُحدده رجال اللاهوت، ووُضع العلم اللاهوتي أعلى سُلم العلوم جميعها الذي يعطي إلى باقي العلوم شرعيتها[8]، وهو ما جعل كافة العلوم ومنجزاتها مرهونةً بقبول رجال الدين لها، وما يقتضيه هذا من معرفة رجال الدين بهذه العلوم حتى تتمكن من الحكم عليها، وما كان من رجال الدين السعي في المعرفة بقدر فرض رؤيتهم من طريق سلطتهم التي مكنتهم من ذلك، وعُرفت محاكم التفتيش Inquisitio Haereticae Pravitatisفي العصور الوسطى المسيحية، وكانت مسئولة عن التحقيق في البدع والهرطقة، وعَدت مُجمل ما يأتي بدعًا وهرطقة ترفضها المسيحية، ووفق التاريخ المعرفي ولا سيما التاريخ العلمي فإن الاتباع كثيرًا ما وقف أمام التقدم العلمي، وتحري الموضوعية في إنتاج العلوم والمعارف، وهذا ما نلمسه في تجربة كوبرنيكوس، وجاليليو وغيرهم من العلماء والمفكرين، وكانت جريمتهم هي الإبداع والخروج عن الاتباع، وحُوكم جاليليو جاليلي Galileo Galilei (1564-1642) من محكمة التفتيش الرومانية الكاثوليكية عام 1633م، لقوله بمركزية الشمس التي عَدتها محكمة التفتيش الكاثوليكية بدعة وهرطقة، وأصدرت المحكمة انذار لجاليليو بترك هذه الأفكار وعدم القول بها أو نشرها وقبلها جاليليو رغمًا عنه.
وإذا كانت الجماعة عادة ما تركن إلى الاتباع وتطمئن إليه وتعده في عديد من الأحيان تأكيدَ هُويتها، إلا أنها تعمل بسيرورة داخلية تُمكنها من صَوغ احتياجاتها من طريق تجديد قوانينها وأعرافها تدريجيا، باستخدام حاجة الأفراد والاتساع إلى حاجة الجماعة، فمنذ وجود الإنسان في الأرض وهو يسعى في تطويع محيطه لأجل تلبية احتياجاته وتبريرها من طريق أُطر تُعطيها شرعية ممكنة وحتى يسيطر على محيطه ابتدع وسائل تساعده على توفير سُبل الراحة التي خرجت هي الأخرى من بنية حاجته ورغبته في التغيير والتطوير، ومن ثم يأتي وجود سلطة ما تُحدد ما يجب وما لا يجب على الأطر الاجتماعية تهديدًا وجوديًا لهذه الجماعات، فهي لا تكون المُحددة لما يجب وما لا يجب وفق احتياجاتها، وعليه فهي مُجبرة على تجاوز احتياجاتها التي كثيرًا ما تُمثل سببًا لوجودها، من هنا جاءت الثورة المضادة على الكنيسة وعلماء اللاهوت لأنها عزلت المجتمعات الأوروبية عن حركات التاريخ، وسلبت حق الذات في أن تكون ذاتًا، وسيطرت على الأطر المعرفية، وأوكلت لنفسها حق تكوين الوعي الجماعي وحمايته، وهو معتاد على التكونِ ذاتيًا وحماية نفسه ذاتيًا أيضًا والتطور وفق حاجته، لذا جاء وجود الاتباع وعُد الابتداع عائقًا أمام الوجود المعرفي والتاريخي لأوروبا في هذا العصر، وأنتجت السياقات الاجتماعية الحداثة التي جاءت مُعبرة عن روح الرفض للوصاية اللاهوتية التي قيدت الجماعة والظواهر الاجتماعية، وعزلتها عن سياقها التاريخي.
وجاءت الحداثة مُتبنيه موقف العلم من الموضوعية والمنهجة، بوصفها رد فعلٍ على طغيان الكنيسة وسلطتها الواسعة ووضع نفسها رقيبةً على المنظومة الفكرية، وتقديم معارفها بديلًا عن كافة العلوم الدنيوية ورقيبة عليها. وكان رد الفعل –تبعا لقانون نيوتن– مساويًا لقوة الفعل مضادًا له في الاتجاه، فقد مُدحت الفردانية، وتعاملت مع التأقلم والانصياع للأعراف والتقاليد والانقياد تحت مظلة الجماعة بصورة غير مقبولة، وأعادت صياغة النمط الاجتماعي الذي قدمه دوركايم في عدم خروج الفرد عما تحدده الجماعة من تقليد مُعاش، إلى توجه الأفراد وفق مصالحها الشخصية، وعمل عالم الاجتماع والمؤرخ الألماني ماكس فيبر Maximilian Carl Emil Weber (1864-1920) لإعادة فهم الظواهر الاجتماعية من طريق أفق العقلنة والفردانية اللذان جاءت بهما الحداثة، ورأي أن النظام الاجتماعي يُحدد ويُوجه: “تبعا لظروف المصالح الشخصية البحتة“[9] يعمل الأشخاص فيه لمصالحهم الخاصة التي تجعلهم يميلون إلى ضبط فعلهم مع فعل الآخر، لم فيه من مصلحة للفرد وللآخر:
“فإنه كلما تصرفوا بصورة عقلانية غائية أكثر صرامة، كانت ردود أفعالهم على المواقف التي يواجهونها أكثر تشابها، وزاد تشابه وانتظام واستمرارية ضبط الفعل والفعل الآخر، وهي أمور غالبًا ما تكون أكثر مقارنة بتوجيه الفعل تبعًا لمعايير أو واجبات يعتبرها مجموعة من الأشخاص ((ملزمة)) بصورة فعلية”[10]
ويأتي تفسير فيبر وقعيًا ومتناغمًا مع أفقه المعاصر الذي عمل لمدح الحرية واحترام الفردانية والإبداع، وذم الاتباع وثقافة القطيع التي هي قوام أساسي لأي سلطة تعمل لصياغة وعي الجموع، فهي تُقدس الاتباع والفناء في مظلة الجماعة ولا تقبل الإبداع والتفرد.
وتنبهت الحداثة إلى أن مجمل المعارف الإنسانية والمنجزات التكنولوجية تأتي من رحم الإبداع وعدم الاتباع، وأضحت تُطالب الذات بما يمكن أن نقول عنه الوجود الأصيل وفق تعبير الفلسفة الوجودية، وهو صياغة الفرد نمط وجوده المختلف عن الجماعة، فقد أضحت الجماعة موجودة لأجل الفرد وليس العكس الذي كانت تقدمه ثقافة الاتباع. والواقع أن ثنائية الاتباع والابداع عادة ما تعمل في الذهن الإنساني والاجتماعي عملًا متوازيًا، فهي تحترم الاتباع بوصفه مؤكدًا ذاتيتها وحضورها، وفي الوقت عينه تُقدر الإبداع بوصفه نمطًا من أنماط الحضور للذات/النحن الذي يُعطيها الحق في الإعلان عن نفسها، إلا أن المُشكل يكمن في أي سلطة ما تعمل لقيادة المجتمع بقيم تأتي من خارجه ولا تُعبر عنه، وتعمل لإلزامه باتباع أي قيم لا تُعبر عنه أو تمكنه من تجاوز أزماته ومشكلاته، ومن ثم تخرج به من إطار الوجود الطبيعي الذي يعمل بثنائية الاتباع والإبداع، ويعمل للتأليف الإنساني بينهما، إلى الاتباع الذي ينفي أي حضور فعلي للذات، فعندما تتخلى الذات/النحن عن الإبداع وتنحصر في الاتباع وحده، فإنها بذلك تُعلن استقالتها عن الوجود الإنساني وحركة التاريخ، فيصنع الاتباع من الذات/النحن ظِلًا لأي منظومة ما عليها أن تتتبعها وتقلدها، غير مؤهلة أو صالحة لقيادة ذاتها.
الاتباع والابتداع في السياق الإسلامي
تحضر ثنائية الاتباع والابتداع في السياق العربي الإسلامي بعد موت النبي محمد ﷺ مباشرة، فقد ظهرت الحاجة إلى الإرشاد النبوي بعد موته وانقطاع الوحي، ومُدَّت في اقتفاء أثره وذلك من طريق أصحابه الذين عملوا بالقرآن وحاجة الناس، فطوال القرن الأول الهجري لم يكن هناك دستور أو نص ملزم، غير القرآن –وإن كان هناك تداخل مع العرف من طريق السنن العملية التي سنها الصحابة والخلفاء السابقون، وأعمال الرسول المنقولة بطبيعة الحال، ولكن لم يكن هناك نص يتمتع بالقوة الإلزامية التي يتمتع بها القرآن- فكان المصدر الأساسي لكافة أوجه التشريع[11]. وحملت تجربة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما مرونة كافية، جعلتهم يتجاوزون عن النص إلى المصلحة وما تقتضيه، وذلك من طريق إبطال عمل سهم المؤلفة قلوبهم بواسطة أبو بكر، ووقف حد السرقة في عام الرمَادة بواسطة عمر بن الخطاب، وترك عمر بن الخطاب أثرًا كبيرًا في نفوس المسلمين لحرصه الشديد على مصلحة العباد والسهر على راحتهم والعمل بالعدل، مما جعله أمثولة الحكم الفردوسي إلى يومنا هذا. وبسبب ما تركه الشيخان من أثر كبير في العقل البدوي القبلي الذي يُقدس تجارب السابقين، جاء عملهما ضمن إطار الإرشاد الديني والدنيوي للمسلمين، لمكانتهما من النبي ﷺ وأثرهما اللذان تركاه، ولكن تجربتهم لم تكن تتمتع بالقوة الإلزامية التي يتمتع بها القرآن.
ولم يعرف الفكر الإسلامي قبل محمد بن إدريس الشافعي (150 هـ – 204 هـ / 767م – 820م) قوة إلزامية غير القرآن، وان كان للسُنة العملية دورًا ولتجربة الشيخان حضورًا، لكن كان القرآن المصدر الأوحد للتشريع حينها، وكذا كان القرآن مصدرًا لتقنين السنة بوصفها مصدرًا ثانٍ للتشريع لدى الشافعي. فقد ربط الشافعي السُنة بالنص القرآني من ثلاث جهات:
- أولها، تكرار السنة للوحي القرآني وتبنيه، وما ينتج عنه من تشابه دلالي بينهما.
- وثانيها، تبني السنة تفسير ما غمض من الآيات القرآنية[12].
- وثالثها، وضع السنة بوصفها مُكملًا للنص القرآني فيما سكت عنه الوحي القرآني[13].
ويَضرب الصلاة مثالًا، فقد فرضها القرآن وبَيَّنت السنة أعدادها وكيفية أدائها([14]). والواقع أن الشافعي لم يضع السنة بوصفها مصدرًا ثانيًا للتشريع فحسب، بل أعطاها ميزة إلهية، لأنه عَدها وحيًا من نوع مختلف غير الوحي القرآني، واستند إلى ذلك في قوله تعالي في سورة النجم
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4)
وعدها مُكملة للوحي وتتمتع بقوته الإلزامية والتشريعية. ووضع الشافعي منهجه لأصول الفقه بوصفه طريق العمل والوصول إلى الصراط المستقيم وحفظ الدين من الهلاك، لذا حصر أصول الفقه في الاتباع والقياس على تجارب السابقين[15].
ووضعت أصول الفقه الشافعية السنة بجوار القرآن بوصفها مصدرًا للتشريع ورؤيةً إرشادية، ومن ثم تمتع الحديث بحضور قوي وحظي الحديث باهتمام كبير في عصر التدوين، فقد جاءت بدياته بتدوين المسلمين للحديث والسيرة النبوية ومناقشة الأحكام على نمط الحديث، ومن ثم صُبغت كل العلوم بصبغة علوم الحديث فكانت مادة الحديث تشمل جميع المعارف الدينية تقريبًا، فتروى الأحاديث: للأحكام الفقهية وأحاديث للغزوات وأحاديث للحالات الاجتماعية وكذا أحاديث لتفسير القرآن. فالتفسير جرى عليه ما جرى على غيره من العلوم، وأصبح فرعًا من فروع علم الحديث يتخذ شكله، وبابًا من أبوابه[16]. ومن طريق التاريخ الإسلامي يظهر اهتمام السلطة بالسنة القولية (الحديث)، وذلك لأنها ظلت مفتوحة على الإضافة ولم تُغلق مثل القرآن، وكان للسلطة أن تضيف في مدونة الحديث ما تشاء وما يوافق وجهتها، وهذا ما نلمحهُ في غزارة الأحاديث التي تقول بحكم الأموين والأحاديث التي تقول بحكم العباسيين. ولاهتمام السلطة بالسنة وعلم الحديث من جانب، وبحث العقل الإسلامي عن راية الإرشاد النبوية من جانب، وُضعت السنة النبوية مقابلًا للبدعة والابتداع، فلم تعد ثنائية الاتباع والابتداع، بل أضحت السنة والابتداع، ويظهر هذا في عديد من أعمال الفقهاء والمشتغلين بالعلوم الدينية وعناوين كتبهم الرئيسة، مثل: السنة والبدعة لمحمد الخضر حسين[17].
ووفق آلية عمل الذهنية القبلية التي تسعى (بوعي أو دون وعي) عادة في الارتكان إلى سلطة إرشادية ما، وللحضور الفريد لتجربة النبي ﷺ وتكوين الإسلام رابطة جديدة غير صلة الدم وهي الدين، وتخلل الطبيعة القبلية نمط الدين الإسلامي، أضحى الاتباع يُمثل اتباعًا للدين الإسلامي (رغم نهيه عن الاتباع الأعمى) وبعد ذلك أصبح اتباعًا للسنة النبوية، وهي أداة تمتد من طريقها وظيفة النبي الإرشادية، وإذا كانت الكنيسة قد لعبت دورًا مهمًا في الإشراف على عملية الاتباع كونها مؤسسة دينية، فإن هذه المؤسسة تُرجمت بوصفها مؤسسة معنوية في الفكر الإسلامي وهي الفقه، وعدهم بعض الفقهاء أمناء الشارع/الله على شريعته من بعده، فلا اعتراض عليهم فيما “بَيَّنُوهُ لِلْخَلْقِ، واستنبطوه من الشريعة، لا سيما الإمام أبو حنيفة – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فلا ينبغي لأحد الاعتراض عليه، كونه من أجَلِّ الأئمة وأقدمهم تدوينًا للمذهب وأقربهم سَنَدًا إلى رسول الله ﷺ”[18]، وعليه حمل الفقهاء راية الإرشاد النبوية وحق قيادة المجتمع وضمان السلامة الدينية له، وصاغ الفقهاء مفهوم البدعة من بنية عمل الفقه، فقد مَثَّلَ الدين الالتزام بقول الفقهاء وما يطرحه الفقهاء، والبدعة الخروج عن الدين الذي اختزل في السنة، وما يحدده الفقهاء ومن خلفهم السلطة السياسية التي عادة ما أعلنت نفسها حامية للدين وللشريعة.
وعادة ما تستند المدونة الفقهية في بناء مفهوم البدعة إلى الحديث النبوي الذي يقول فيه النبي ﷺ:
“فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ “([19])
وهو حديث يُقر آلية عمل المنظومة الفقهية التي أنشئت في العصر العباسي، أي بعد موت النبي بما يقرب من قرن وعقدين أي 121 عامًا، فقد وُضعت السنة النبوية وسنة الخلفاء ضمن الإطار التشريعي، وهو ما لم يكن معروفًا في عصر أبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وثمة حديث نبوي آخر يعارض حديث البدعة يقول فيه النبي ﷺ:
“لا تكتبوا عني. ومن كتب عني غير القرآن فليمحه. وحدثوا عني، ولا حرج. ومن كذب عليَّ – قال همام أحسبه قال – مُتعمدًا فليتبوأ مَقْعَدَهُ من النار”[20]
وهو حديث عن النبي ينهى فيه عن كتابة السنة القولية، فكيف له أن يأمر المسلمين في حديث آخر أن يلتزموا سنته وسنة الخلفاء من بعده؟! وبالنظر إلى القرآن الكريم وقول الله تعالى في سورة المادة:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)
وأخذه على أهل الجزيرة العربية اتباعهم لأبائهم الأعمى، يجعل فرضية صياغة الحديث بعد بلورة المنظومة الفقهية وآلية عملها أمرًا مُرجحًا، خاصة أن الأحاديث لعبت دورًا مهما في العصر العباسي من طريق بداية تدوينها، وأضحت قالبًا دينيًا يمكن أن يُقدم فيه أي رأي أو وجهة نظر تبحث لنفسها عن شرعية ما.
الأشعرية وتأطير العقل الإسلامي
من طريق المدونة الإسلامية يتبين أنه كثيرًا ما يعلوها نبرة حماية الدين والعقيدة، فنادرًا ما قُدمت معارف إنسانية لا تُعلن سعيها في حماية الدين والعقيدة، وكان حفظ الدين من البدعة هو المحرك الرئيس للبناء المعرفي الإسلامي، بوصفه جاء محاولًا حفظ الدين من البدع والضلالات من طريق تقديم الأنساق التي تضمن الالتزام بما يقدمه على أنه صحيح الدين، وجاء التراكم المعرفي الإسلامي من طريق حفظ الدين من البدع والضلالات، ولولا حُجة الحفاظ على الدين من البدع والضلالات ما أُنتجت المدونة الفقهية الهائلة، التي تتطَرَّقُ إلى أخص الأمور، وتعمل لتخصيص العام وتضييق المباح. فيمكن القول إن مفهوم البدعة كوَّنَ آلية عمل الفكر الإسلامي، فقد جاء في مُجمله حريصًا على حفظ الدين، وبذهنية القبيلة جاء حفظ الدين في تقديس الماضي وتجاربه، ولكنه اختلف هنا، لأن هذا الماضي يبدأ بالبعثة النبوية وبدايات الإسلام، ليضع الدين موضع عادات القبيلة وأعرافها ويعلن نفسه حاميًا لها.
وطبقًا للتاريخ الإسلامي فإن من أهم الشخصيات التي عملت لتأطير العقل الإسلامي وصياغته بدعوى حفظ الدين من البدع والضلالات أبو الحسن الأشعري (260 – 324 هـ/ 874 – 936 م)، وهو رجل بدأ حياته مُتبعًا المذهب الاعتزالي، فقد تتلمذ على يد أبو علي الجُبائي شيخ المعتزلة، وكان زوج أمه، وتحول الأشعري بعد ذلك إلى ما أسماه مذهب أهل السنة والجماعة، وأنشاء مدرسة كلامية تُعلن إلى اليوم أنها المُمثل الأوحد لأهل السنة والجماعة. والواقع أنه كما أفضى منهج الشافعي للأصول إلى غياب الاجتهاد فيما فيه نصَّ وحضورهُ حضورًا يشبه الغياب في مضمونه فيما لم يرد فيه نص، وتحديد نمط محدد ومعين لعمل الفقه، فإن الأشعري كذلك قد أنهى الاختلاف الكلامي ومنطق التعدد لحسابه، وذلك لنسبة نفسه إلى أهل السنة والجماعة والقرآن، والحديثُ باسمهم وتأييد السلطة السياسية لما يقول وتماهيها معه ومع القرآن والسنة.
ويمكن القول إن نظرية الكسب الأشعري تُمثل جوهر الفكر الأشعري؛ وهي نظرية تذكر باسم المدرسة الأشعرية ومؤداها أن الأفعال كلها خلق لله كسب للإنسان([21]) وكانت هذه النظرية استجابة للسؤال عن قدرة الإنسان على الفعل وحسابه عليه في الأخرة، وأعلن الأشعرية غياب أي مسئولية للإنسان حيال الفعل وأنها كلها خلق لله. وتقع الأشعرية هنا في موضع يجبرها على الإجابة عن أسباب حساب الإنسان في الأخرة وعقابه، وفي هذا الأمر نجد إجابات مُشوشة تُفضي في نهاية الأمر إلى قولهم بأن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، والإنسان مِلك لله عز وجل، فعدل أن يفعل الله ما يشاء في مُلكه فكل تصرف فيه عدل لأنه مُلكه([22]). وسعت الأشعرية بذلك في نسب القدرة كلها لله، ومن ثم تتماهى مع التعاليم الإلهية وتصبح هي والدين في حالة من الاتحاد والتماهي، لتصبحَ هي الدين، فوضعت الأشعرية خطابها ضمن أهل السنة والجماعة مقابل أهل الأهواء والجهالة[23].
وقد أنكرت الأشعرية أي دور للعقل في الواجبات، وجعلوها كلها سمعية جاء بها النص، فالفعل المأمور به في النص حسن، حتى وإن لم يتبين للعقل أنه كذلك[24]، وسعت في نفي النظريات المقابلة بدعوى أنها تُمثل العودة إلى صحيح الإسلام (أهل السنة والجماعة)، من هنا كان أول ظهور للماضي بوصفه نسقًا مكتملًا إلهيًّا مُفارقًا عن الذات الإسلامية القائمة، وكان هذا مع أبو الحسن الأشعري حين خلع ردائه على المنبر وأعلن عودته إلى السنة والجماعة، وبلورة هذا نظريًّا في كتبه وتكملة أعضاء المدرسة بلورة لنظريته[25]. فقدمت الأشعرية مذهبها بوصفه يُمثل الوَحْدَة والائتلاف في مقابل التَفْرُقَةِ والاختلاف اللذان يُمثلان مقدمة لسقوط الأمم، لذا أعلن الأشعري سعيه في الأصل الذي لا يَعرف الاختلاف[26]، ونفي كل ما عداه بوصفه انحرافًا عن الأصل.
ويرى المفكر الجزائري محمد أركون (1928-2010) أن انكار الأشعرية للعقل واستخدامها للهيبة الدينية والنبوية التي لا تُناقش وضع المحاجات العقلية في موضع مشبوه[27]، فقد مثلت الهوى والجهالة وعمل النفس في مقابل الإلهي المقدس والأبدي النافع، ومن طريق هذا يرى أركون أن الخطاب الأشعري قد فرض نفسه على أنه “الأكثر صحة: أي ذلك الذي يُعبر تعبيرًا مطابقًا وأمينًا على التعاليم الموجود في المدونة الأرثوذكسية للاعتقاد والمُلخصة في الشهادة الإيمانية”[28]، ووفق المفكر المصري علي مبروك (1958-2016) لم يكن الانتصار الشعبي الذي حققه الفكر الأشعري نابعًا من دعواه بالتفوق والتماهي مع الله والتعاليم الدينية الصحيحة بقدر ما كان لفرضه سياسيًا، بسبب عمل الخطاب الأشعري لتحويل الدين قِناعًا للسلطة السياسية، فأضحى كما يقول مبروك:
“الديني يحضر، ظاهرًا، على صعيد اللغة والشكل، في حين السياسي يحضر، كامنًا، في مستوى الجوهر والبنية الأعمق”[29]
لذا تُمثل انتصارها انتصارًا للسلطة السياسية، وفُرضت بآليات السطو السياسي.
ووفق التاريخ الإنساني ولا سيما التاريخ الإسلامي فإن الخطاب الديني عادة ما كان أحد الأدوات السياسية التي في يد السلطة، ولا ينفك الخطابان (الديني والسياسي) عن بعضهما، ومن بنيتهما خرج مفهوم البدعة عادة، وتعامل الفقهاء خصوصًا المالكية والحنابلة مع الاختلاف في المجال السياسي، حتى وإن كان بالرأي، من داخل مفهوم البدعة الفقهي[30]، بيد أن مفهوم البدعة بوصفه خروجًا عن الماضي فتعود بلورته المنهجية إلى أبو الحسن الأشعري، فقد أعلن اتباعه السنة والجماعة، والارتكان إلى الماضي وإلى الهيبة النبوية، مما جعل الخروج عن المذهب الأشعري بدعة، وهذا ما يُبرر رؤية علي مبروك أنه مثلما رفع الشافعي أصوله الكبرى في الفقه مقام الوحي الذي لا ينفك عن الإسلام، فإن الأشعري وضع نمطه العقائدي ضمن المتعالي والمقدس في مقابل الآخر المدنس على النحو الذي يقتضي إقصاؤه والقضاء عليه[31]، ومنذ اعتماد الأشعرية بوصفها ممثلًا لصحيح الإسلام على يد الخليفة المتوكل (206ه، -247ه) في حضور الشرفاء والقضاة وشهود العدل، والقضاء بتحريم القول بخلق القرآن وعدها خارجة عن الدين، ومُستباح دمُ من يعتنقها، وأضحى العقل الإسلامي يُفكر من طريق المذهب الأشعري ويعدُّ الخروج عليه بدعة.
كذا يمكن القول إن الشافعي وأبو الحسن الأشعري قدما الأسس العليا في الإسلام التي قدمت نفسها في صورة تتماهى مع الإسلام في شقيه الفقهي والعقائدي، وهذا يعني تحديد طريق ما، يُقدَّمُ الإسلام فيه في كلا الاتجاهين، ومن ثم عدم الالتزام بهما يُعد بدعة في الدين غير مقبولة، فقد حُدد سلفًا من هذين العالِمين. وتعد هذه أولى مراحل تكوين مفهوم البدعة في العقل الإسلامي، فقد جاءت البدعة ممثلةً عدم الالتزام بالمنهج الفقهي الذي وضعه الشافعي، أو النسق العقائدي الذي قدمته المدرسة الأشعرية ارتكازًا على ما قدمه أبو الحسن الأشعري، اللذان تماها مع الدين الإسلامي وأعادا صياغته صياغةً أكثر انغلاقًا بمباركة السلطة السياسية المعتاد حيال هذه الأمور.
البدعة وآليات عمل العقل الإسلامي
بعد أن وضع الأشعري السنة والجماعة قوامًا للحق والحقيقة التي عليها أن تقود الإسلام والمسلمين، أضحى العقل الإسلامي الذي نجده في المعارف الإسلامية يعمل لتعزيز هذه الرؤيا، خاصة أنها حظيت بدعم السلطة السياسية وتأييدها، وأعاد انتاجها برؤى عديدة ومختلفة، ونلمس إعادتها من جديد مع أحد أقطاب المدرسة الأشعرية ومؤسسيها وهو أبو حامد الغزالي (450ه-505) الذي أخذ على نفسه مهمة هداية العالم الإسلامي من جديد، ووضع مؤلفه المعنون بـ “المنقذ من الضلال” ليقدم من طريقه رحلة الوصول إلى الحقيقة.
عمل الغزالي على ضبط حركة الفكر والتأويل بهدف الدفاع عن أصول العقيدة، ضد مُفسديها، ورأى الغزالي أن مُفسديها من لا يسعون في الفكر الأشعري ويعملون لتقديسه وحمايته، لذا لم يكن متسامحًا قط مع الباطنية وبعض المتكلمين وبعض الفلاسفة (الفارابي، ابن سينا، إخوان الصفا) وقضى بألا يخرج الفكر والتأويل عن حد العقل والشرع ([32]). والعقل عند الغزالي قادر على الوصول إلى الحقيقة شريطة أن يتنازل عن أي جُهد أو رغبة في عملية الاستدلال من العلة والمعلول، وذلك ليقتصر دوره بوصفه مكتشفًا للنظام الإلهي، والعقل المُنير بمساعدة العلماء السابقين الذين يحفظونه من الخطأ هو القادر على الوصول إلى الحقيقة[33]. والعقل وفق ما يقدمه الغزالي يعني المنظومة السابقة التي قُدمت أو بالأحرى المنظومة الأشعرية التي تُطلق على نفسها أهل السنة والجماعة، أو إن شئنا الدقة التفكير من طريقها والعمل لحمايتها وتقديسها، وهو ما يعنيه بالعقل المنير بمساعدة العلماء السابقين، فمن طريق هجومه على الفلاسفة والمتكلمين والباطنية وكونه أحد مؤسسي المدرسة الأشعرية فإن العلماء السابقين هم الذين يوافقون وجهته، وعليه أضحى على العقل أن يفكر من طريق النسق الأشعري وإلا أضحى مبتدعًا في الدين.
وكان منطق عمل الغزالي وهدفه وفق ما يُقدم، حماية الدين من البدع والضلالات، وأنتج كتابه إحياء علوم الدين الذي قدمه بوصفه موسوعةً شاملة تعمل لإرشاد المسلم في العقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق، ولقبه المسلمون بحجة الإسلام، وكان له صدىً كبيرًا حتى أنه يوضع في بعض الأحيان مع الأئمة الأربعة المعروفين في السياق السُني الإسلامي. ومن الناحية الأنثروبولوجية يُعد شيوع فكر الغزالي وانتشاره مفهومًا في إطار سعي المجتمعات عادة في الماضي وتنزيهه وربما تقديسه؛ فعادة ما تعده الجماعة مُمثلًا لهُويتها وذاتيتها، وما قدمه كان يهدف إلى التفكير من طريق ما يطرحه السلف مما يجعله بشكلٍ أو بآخر يُعبر عن هوية الأمة والعودة لأصالتها، واستخدامه لأبجديات المقدس لدى الجماعة والحديث باسم الله ونبيه ﷺ، وإعلان ما يُقدمه بوصفه حماية الدين وسنة النبي والقدماء، والحفاظ على الأمة الإسلامية من هلاك والبدع والضلالات، جعل منه حاملًا جديدً للراية النبوية الإرشادية ومجدد دين الأمة في عصره.
وقد فرضت الرؤية الأشعرية نفسها بوصفها حقيقة الدين وجوهره، مما جعلها تُمثل السائد والمستقر والحقيقة التي يعمل من طريقها الأفق المعرفي، ولعبت دور العادات والتقاليد في العقل العربي صاحب الطبيعة القبلية، وأصبح عليه أن يُدافع عنها ويفكر من طريقها، ومَثَّل المُنجز المعرفي لدى للمسلمين ما يعمل لحماية هذه الرؤية وتثبيتها بوصفها حقيقة الدين، ومن ثم أضحى العقل الإسلامي يدور في أفق الفكر الأشعري والخوف من البدعة التي تُمثل الخروج عن النسق الأشعري، ومن طريق هذا الأفق الرافض لأي رؤية مختلفة جاء خطاب الوليد بن رشد (520ه-595ه) الذي يحاول أن يبني شرعية دينية للفلسفة اليونانية، أو يُثبت عدم تعارضها مع الشرع، وبدأ ابن رشد بتوضيح عدم تعارض العقل مع الشرع، كي يُدخله من جديد في الأفق المعرفي الإسلامي فيقول: “الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات… فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي”[34]. ويُعبر عن اهتمام ابن رشد في الرد على ما كتبه الغزالي تحت عنوان “تهافت الفلاسفة” بكتابه المعروف “تهافت التهافت” عن مكانة الغزالي، وما كان يُمثله من وجودٍ حي في الأفق الفكري القائم، مما جعله يعمل في رحلته لبناء شرعية لدراسة الفلسفة والرد على هذا الكتاب والانخلاع منه.
والواقع أن تجربة ابن رشد كانت بمكانة محاولة إقناع العقل الإسلامي بوجود منظومة فكرية مختلفة عنه، وليس ضروريًا أن تُناصبه العداء أو تكون مُحرمة، فيمكننا القول إنها بمنزلة محاولة شرعنة لدراسة الفلسفة اليونانية وتبريرها -المُمَثِّلَةُ للعقل آنذاك- وعدم تحريمها، من طريق إثبات ما جاءت به (أي الفلسفة اليونانية) من النص الديني، ووضوح وتجلي الاتفاق وعدم التعارض بينهما[35]، وقد عمل ابن رشد للتشريع دراسة الفلسفة وإرساء منهجه في التأويل من طريق كتابين له هما: كتاب (الكشف عن مناهج الأدلة) و(فصل المقال وتقرير ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال). ويأخذ ابن رشد في كل كتاب طريقًا مختلفًا لإثبات شرعية دراسة الفلسفة وعدم تعارضها مع الدين، ففي الأول يبدأ من الشريعة وينتهي إلى النتائج التي وصل إليها العقل (الفلسفة اليونانية)، وفي الآخر يأخذ الطريق العكسية، فيبدأ من الحكمة العقلية المُمثلة في الفلسفة اليونانية– وتحديدًا الأرسطية– وينتهي إلى ما جاء به الوحي أو ما يُطلق عليه الشريعة[36]، فهو يرى العلاقة بينهما وفق تعبير دي بور: “كالعلاقة بين النظرية وتطبيقها العملي“[37]. ووقع ابن رشد أخيرًا في الاتهام بالابتداع والمؤامرة على الدين، وأُحرقت كتبه، كذا جاءت البدعة عادة تعمل لانحصار العقل الإسلامي في منظومة ما يفكر من طريقها، وهي التي تُضفي على الوجود شرعيته بكافة نواحيه المعرفية والاجتماعية والسياسية والحياتية، ولم تَسمح المنظومة القائمة (الأشعرية) بالاختلاف معها والاطلاع على الفلسفات اليونانية، وعَدت ما كتبه ابن رشد بدعًا وضلالًا، وانتصرت عليه بوصفها صحيح الدين.
البدعة والوصاية
يتضمن مفهوم البدعةِ الانحراف عن الصراط المستقيم المُحدد بواسطة السلطة الإلهية التي لا تعرف النقصان البشري، وعليه فإنه يحمل وصاية ما على العقل، فيكون العقل مُلزمًا بما حددهُ الله وقرره من شريعة متعالية على الزمان والمكان. وبتماهي الأشعرية مع الله وصحيح الدين والسنة والجماعة، ورفع الشافعي منهجه في أصول الفقه موضع العقيدة، أضحت البدعة تُمثل الخروج عن المنظومة الفكرية التي تعدها وترسمها العقيدة الأشعرية، وما أقره الشافعي من أن النصوص تُجيب عن كل الأسئلة الممكنة، وأن الاجتهاد ينحصر في القياس إلى النصوص، ومفهوم البدعة بهذا النمط يسحب حق الخطأ من الذات البشرية ويعدُّ نفسه وصيًا عليها وحارسًا لها، بموجب حقٍ إلهي يرى مجموعة من البشر أنهم موكلين به، لأنه حددَ إجابة كافة الأسئلة الممكنة في النصوص السابقة، وحدد نمط التفكير وعمل العقل في النمط الأشعري، لذا حين كانت تصطدم الذات العربية بالراهن العاجز عن إنتاج احتياجاته ومواجهة مطامع الغير كانت تلوذ بالشريعة والقديم، لأنه المَخرج المسموح دينيًا لديهم، خاصة إذا كان يُقَدَّم بوصفه مستقبلًا مضمونًا وتجربة مسبقة أثبتت نجاحها.
وعوضًا عن الوصاية التي تضعها البدعة لنفسها على العقل الإسلامي، فهي تُمثل أداة تعمل في اللاشعور الجمعي، فقد استخدمها عديد من الأشخاص لتنصيب أنفسهم وصاة على المجتمع الإسلامي، ولعل أهمهم محمد بن عبد الوهاب (1703-1792) الذي أنطلق بدعوته من نَجد التي حملت نوعًا من التبشير النبوي، وطالبت المسلمين بالإيمان بها. وزعم ابن عبد الوهاب بأن هدفه المقاومة ضد الأتراك، وإقامة سلطنة إسلامية بديلة[38]، ولشيوع التدين الصوفي في نَجد[39]، وميل الخلافة العثمانية لبريطانيا، كَفَّرَ ابن عبد الوهاب المجتمعات المُسلمة، ودعاها إلى الإسلام من جديد، ولشدة قناعته بحمل الراية النبوية الإرشادية، أو ربما ادعاءه عودة النبوة فيه أطلق على الحروب التي خاضها في شبه الجزيرة العربية الغزوات.
وكانت آلية ابن عبد الوهاب في تكفير المجتمعات المُسلمة وتنصيب نفسه هاديًا ومرشدًا لها، وضع البدعة ضمن عقيدة التوحيد، فعند تحديده لمعنىً التوحيد يقول
“المسألة الكبيرة: أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت“[40]
ويحدد الطاغوت قائلًا:
“هو ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع”[41]
وإذا كان اتباع المتبوع والمطاع وفق ما يقدمه ابن عبد الوهاب هو ضمن عقيدة التوحيد، فإن الخروج عن المتبوع الذي يُحدده بالسنة والجماعة يُعد شِركًا بالله عز وجل، ويجعل البدعة مقام الشرك ويقول هذا صراحةً:
“والشرك بدعة، والمبتدع يؤول إلى الشرك، ولهذا لم يوجد مبتدع إلا وفيه نوع من الشرك”[42]
وبوضع ابن عبد الوهاب البدعة ضمن عقيدة التوحيد وعد المبتدع مُشرك يجعل الإيمان والتوحيد ينحصران فيما يقدمه ابن عبد الوهاب والعمل تحت قيادته وإلا كان غير موحد ومن ثم غير مُسلم.
وأسهم وضع ابن عبد الوهاب البدعة ضمن عقيدة التوحيد في ترسيخها داخل الذهن الإسلامي أكثر، فقد أضحى كل ما هو جديد يُمثل شركًا لله عز وجل، وهو أكبر الكبائر وغير مغفور، وفرض على أي اجتهاد أو مُنجز معرفي أن يقدم في البداية ما يُثبت أنه ليس ببدعة، ووضع البدعة في موضع أهم من العبادة، حيث أضحى العقل الإسلامي يفكر في البدعة وعدم الوقوع فيها أكثر مما يفكر في كيفية العبادة، وكيفية إدارة شأنه الدنيوي، خاصة أن جماعة محمد بن عبد الوهاب تُشهر سيف التكفير أمام من خالفها في أبسط الأمور، وهو سيف له قوته وحضوره في المجتمعات الإسلامية.
وبالعمل بمفهوم البدعة فإن غالبية المعارف ذات نتائج مقدسة تسبق رحلات البحث والمعرفة، لأن النتيجة تُعد معروفة سلفًا وتسبق البحث، وغير مسموح بنتائج مخالفة –خاصة في المعارف الإسلامية- وإلا كانت هناك عواقب غير محمودة في كل حال، من: الاغتيال المعنوي والطرد من الدائرة الإيمانية وأحيانًا الأطر الاجتماعية، مما يُفضي عادة بأن يكون صاحب الرأي المختلف والبحوث المختلفة منبوذًا وشريدًا، وهذا ما حدث مع غالبية الباحثين الذين امتلكوا حسًا نقديًا ورؤية تعمل للاستقلال، مثال ذلك: نصر حامد أبو زيد فهو خير دليل على ذلك، ووجود النتائج المسبقة والمنظومة التي تُفكر نيابة عن الفرد والجماعة، سحبت منهما حق الخطأ والتجريب، إذ أصبح كل شيء مُجرب سلفًا والخطأ غير مغفور، وعادة ما يُقَدَم مفهوم البدعة داخل البناء العقائدي ويُعد طريقًا للعقيدة النقية الخالية من أي تشويه أو تشويش وحارسًا عليها، ويماثل مفهوم الهرطقة في المسيحية، مما يجعل الخطأ يقع ضمن إطار الخروج عن العقيدة. فمفهوم البدعة يعني القول غير المقبول من الأطر الاجتماعية والدينية، مما يُعطي الإباحة لما أقرته الأطر الاجتماعية والدينية، وفي تصريحات للمفكر المصري نصر حامد أبو زيد (1943-2010) أقر أن هدفه الرئيس الدفاع عن حق الخطأ الذي يسلبه الخطاب الديني من الفرد والجماعة[43].
وما يخلفه غياب حق الخطأ قصور في ثقة الذات بنفسها، لأنها في هذا الحين تكون عاجزة عن الحضور الفعلي من طريق المغامرة والاكتشاف، أو بناء خبرات ذاتية لها عبر الوقوع في الخطأ وتفاديه، ويُفضي هذا إلى سيطرة منطق المرجعية التي تتخفى الذات خلفه وتحاول أن تشرعن رؤيتها من طريقه، فإما أن تُشرعنها من طريق التراث الإسلامي أو من طريق المُنجز المعرفي الغربي، مستبعدة أن تشرعن الفكرة ذاتها من طريق القبول المنطقي لها وثباتها أمام العقل، وهذا ما جعل نصر حامد أبو زيد يقول:
“نحن ثقافة تعبد النصوص فيكفي أن تقول قال فلان ويتوقف العقل”
، وفي ظني أن استدعاء الذات للمقولات سواء الإسلامية منها أو الغربية هو نوع من محاولة تخفيف التوتر بينها وبين الواقع الذي لا يكون مُرضيًا لها على كل حال، وحيلةً تلجأ لها لجوءً واعيًا أو غير واعي لإدارة أزماتها. ويرى المفكر المغربي عبد الله العروي (1933) أن منطق الخطاب العربي/الإسلامي “تقليدًا أو سنة أو تراثًا، ليس أفكارًا وأحكامًا متناثرة، وإنما هو منظومة وسائل ذهبية للفصل والاختيار والاتجاه: الاختيار بين سلوكين، الفصل بين رأيين، الاتجاه وسط دروب التاريخ المتشعبة“[44]، ويستكمل هذه الرؤيا محمد وقيدي، فهو يرى أن الفكر العربي/الشرقي الإسلامي مُولع باستخدام المنهج المقارن “سواء كان التفكير متعلقا بالتراث وعلاقته بعلوم الأوائل، أو كان متعلقا بالإنتاج الفكري الحالي وعلاقته بالعلوم الغربية المعاصرة، فإن الفكر العربي المعاصر يكون مدعوا إلى المقارنة من أجل أن يثبت نوعا من الأصالة أو الجدة أو من أجل أن يسترشد بالمقارنة لتحديد الشروط الخاصة لوضعيته ولشروط النوعية التي يستخدم فيها كثيرا من المفاهيم”[45]، فالذات/النحن العربية تحت وطأة البدعة والانهزام الحضاري تقع في إثنية التراث والحداثة، وتحصر دورها في الاختيار، دون حق الخروج عما يُفرض عليها والبحث في واقعها المأزوم.
والواقع أن سحب حق الخطأ بطريق أو بآخر يعني انحصار الذات وتوصيل رسالة ضمنية بعدم صلاحيتها للمغامرة والتساؤل وإنتاج الأفكار، ويتضح هذا في تقديس المنجز المعرفي الإسلامي الذي جاء بخصوص القرآن والسنة، ومن ثم تلجأ الذات إلى التفكير بواسطة عقل ما عادة لا يُمثلها وغير نابعٍ من أزمتها، فتحت ضغط أعباء الراهن المهزوم وأزماته أمام الآخر الغربي، ومفهوم البدعة الذي يقدم ضمن عقيدة التوحيد، تخرج الرؤية التقدمية التي ترى في الشريعة حلًا لكافة الأزمات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والعسكرية والمعرفية التي يعانيها الراهن، وفي الماضي مستقبلًا مضمونًا يجب أن يُفرض على الراهن، والرهان على الشريعة بوصفها حلًا سحريًا وفوريًا، ومن ثم يُصبح التقدم معنيًّا بوجود الشريعة في المجتمع الإسلامي، والماضي صورة المستقبل. وطبقًا للمعطيات التاريخية والأنثروبولوجية تُعد أول أدوات بناء الذات بوصفها ذاتًا هو إعطاءها حق الخطأ لينفتح أمامها باب التجريب ودائرة الاحتمال، لا الاحتماء فيما هو كائن، والأنساق المعرفية القديمة خشية الوقوع في الخطأ، وإدراك أن الخطأ فعل إنساني مشروع يميز الذات عن غيره، فحين مدح الله عز وجل عبده أيوب قال: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} وهو بمنزلة تبليغ من الخالق سبحانه أن سمة الانسان الخطأ، كما أن التاريخ الإنساني يشهد للخطأ بوصفه معلمًا ومنتجًا للمعرفة. فحق الخطأ يفتح باب التساؤل عن الواقع المطروح والبحث عن إجابات، لا وجود إجابات جاهزة سواء من التاريخ الإسلامي أو من الحداثة بوصفها ممثلةً للعقل والصوابية المطلقة، طرح السؤال والبحث عن إجابات جديدة تطبق على الواقع المأزوم وقد تفضي إلى خطأ أو تنتج نمطًا معرفيًا جديدًا، المهم أن حق الخطأ يفتح الباب أمام التساؤل والمغامرة، ويُمكن الذات من التعبير عن نفسها وهو أمر يُعطي للذات ذاتيتها، وهو ما تفتقده الذات العربية.
المراجع:
[1] – عبد الستار جبر، الهوية والذاكرة الجمعية إعادة انتاج الأدب العربي قبل الإسلام (أيام العرب نموذجًا)، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2019، ص77.
[2] – اميل دوركايم، قواعد المنهج في علم الاجتماع، ترجمة محمود قاسم، السيد محمد بدوي، دار المعرفة الجامعية، الأسكندرية، 1988، ص53.
[3] – المرجع السابق، ص 52.
[4] خالد حاجي، تأملات في واقع الثقافة الإسلامية الراهنة: تحديات التوفيق بين المغلق والمطلق، الإصلاح الديني والتغيير الثقافي نحو رؤية إنسانية، سلسلة الندوات، مؤمنون بلا حدود الرباط، 2014، تأملات في واقع الثقافة الإسلامية الراهنة: تحديات التوفيق بين المغلق والمطلق، ص 44.
[5] – عبد الستار جبر، الهوية والذاكرة الجمعية، ص 55.
[6] – دوركايم، قواعد المنهج، ص 54.
[7] – جورج بلانديه، الأنثروبولوجيا السياسية، ترجمة علي المصري، ط2، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2007، ص146.
[8] – راجع، عبد الرحيم العلام، العلمانية والدولة المدنية، مؤمنون بلا حدود للدراسات والنشر، بيروت، 2016، صـ 337.
[9] – ماكس فيبر، مفاهيم أساسية في علم الاجتماع، ترجمة صلاح علال، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2011، ص61.
[10] – المرجع السابق الموضع نفسه.
[11] – أركون، نحو نقد العقل الإسلامي، سبق ذكره، ص 102-103
أيضا، عبد الجواد ياسين، الدين والتدين، ص 396- 397
[12] – THEARCHITECTS OF ISLAMIC CIVILISATION, Editor by ALEXANDER WAIN MOHAMMAD HASHIM KAMALI, Pelanduk, iais Malaysia, 2017, pp.54
[13] – أبو زيد، الإمام الشافعي، ص 118
[14] – رسالة الشافعي، ص 92
[15] – الشافعي، الرسالة، ص 505.
[16] – أمين (أحمد)، ضحى الإسلام (نشأة العلوم في العصر العباسي الأول)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998، ص 137
[17] – محمد لخضر حسين، السنة والبدعة، تحقيق محمد عمارة، نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة، 1999.
[18] – محمد عبد الرشيد النعماني الباكستاني، مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة: الرابعة، ١٤١٦، ص115.
[19] – بن حنبل (احمد)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج28، ط1، مؤسسة الرسالة، 2001، صـ375. حديث رقم 7145.
عن الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قال حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ، وَحُجْرُ بْنُ حُجْرٍ، ورواه مسلم، في الجزء الثاني، صـ 592، حديث رقم 867، مطبعة عيسى الحلبي وشركاه، القاهرة، 1955.
[20] – أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (٢٠٦ – ٢٦١ هـ)، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة (ثم صورته دار إحياء التراث العربي ببيروت، وغيرها)، ١٣٧٤ هـ – ١٩٥٥ م، ج4، ص298. حديث رقم 3004.
تخريجه: حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛
[21] – راجع، الطيب (أحمد)، أهل السنة والجماعة، الحكماء للنشر، أبو ظبي 2019، صـ 314.
انظر أيضا، التفتازاني (أبو الوفا)، أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، علم الكلام وبعض مشكلاته، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، د.ت صـ 150.
[22] – راجع، أبو الوفا التفتازاني، علم والكلام وبعض مشكلاته، صـ 149.
[23] – راجع، مبروك أفكار مؤثمة، صـ 155.
[24] – التفتازاني، علم الكلام وبعض مشكلاته، صـ 159-160.
[25] – راجع، مبروك، الإمامة والسياسة (الخطاب التاريخي في علم العقائد)، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، مؤمنون بلا حدود بيروت، 2015، صـ 189.
[26] – راجع، مبروك، الخطاب السياسي الأشعري من إمام الحرمين إلى إمام العنف، ط1، المصرية العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 205، صـ 125.
[27] – محمد أركون، نحو نقد العقل الإسلامي، ط1، ترجمة، هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، 2009، صـ 136.
[28] – أركون، المرجع السابق، صـ 135.
[29] – علي مبروك، الخطاب السياسي الأشعري من إمام الحرمين إلى إمام العنف، مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2015، صـ 57.
[30] – ياسين، السلطة في الإسلام، ج2، ج2، التنور للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2012، ص 171
[31] – مبروك، أفكار مؤثمة (من اللاهوتي إلى الإنساني)، ط1، مصر العربية للدراسات والنشر، 2015، صـ 149، 153.
[32] – إسماعيل (فاطمة)، مقالات في فلسفة التأويل، سبق ذكره، ص 50
[33] – راجع إرينانديث (كروث)، تاريخ الفكر في العالم الإسلامي، ج1، ص 494-495
[34] – ابن رشد (الوليد)، فصل المقال في تقرير ما بين الحكمة والشريعة من اتصال، ص 87
[35] – المصدر السابق، الموضع نفسه.
[36] – محمود (زكي نجيب)، قيم من التراث، سبق ذكره، ص 22
[37] – دي بور، المرجع السابق، ص 390
[38] – راجع، دياب (محمد حافظ)، نقد الخطاب السلفي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2017، صـ178. راجع أيضا، دينا رزق، المجتمع السياسي في عصر الإصلاح والتمرد والإمبراطورية (1780-1820)، دراسة منشورة ضمن كتاب، الفكر العربي بعد العصر الليبرالي، تحرير، دجنس هانسن -ماكس واسي، ترجمة فؤاد عبد المطلب، ط1، مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، بيروت، 2019، صـ 213.
[39] – راجع، الآلوسي (محمود شكري)، تاريخ نجد، تحقيق محمد بهجة، ط1، الفرات للنشر والتوزيع، بيروت، 2007، 101-105.
[40] – بن عبد الوهاب، التوحيد، صـ 11.
[41] – بن عبد الوهاب (محمد)، أصول الدين الإسلامي مع قواعده الأربع، رتبها محمد الطيب بن إسحاق الأنصاري، دار الحديث الحيرية بمكة المكرمة، صـ 24.
[42] – بن عبد اوهاب (محمد)، مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام ابن تيمية، نشر وتحقيق، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، 1206 هـ، 1791، صـ 83. (طبع الكتاب ضمن مؤلفات محمد بن عبد الوهاب الجزء الثاني عشر)
[43] -نصر حامد أبو زيد، التفكير في زمن التكفير ضد الجهل والزيف والخرافة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2014، ص20-21.
[44] – عبد الله العروي، ثقافتنا في ضوء التاريخ، ط 4، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1997، صـ 194.
[45] – محمد وقيدي، بناء النظرية الفلسفية (دراسات في الفلسفة العربية المعاصرة)، ط 1، دار الطليعة، بيروت، 1990، صـ 46.