تكوين
كلنا نعلم بأننا في قلب الأزمة الثقافية والتخلف المعرفي والاحتراب الحاد بين المفاهيم المختلفة لا نملك الكثير من الخيارات، ولكن يلزمنا الشجاعة لنتخذ ونقتحم أصعب القرارات. هذا ما يضعنا فيه واقعنا طوعا وكرها ونحن نبحث عن جذور الأزمة الممتدة في التاريخ، والمتواصلة بأشكالها المختلفة إلى حدود عالمنا المعاصر، تقطف كل يوم منا ما يذيب خلافاتنا الفكرية والعقدية والدينية والطائفية والثقافية. وإذا كنا مجتمعات متنوعة ومتعددة بفعل عوامل الطبيعة والثقافة والخلقة البشرية، فإننا ليس كذلك في الكثير من الأحيان، حينما نريد أن نصنع من أنفسنا شكلا واحدا، وفكرا موحدا، ورؤية تنعزل بنا عن طبيعتنا وحدود إنسانيتنا. لهذا حينما نطرح هذا التساؤل البريء: التسامح المتبادل هل هو شرط للتعددية؟ فهذا يعني بكل تأكيد نعم، ولكن لنتوقف قليلا قبل أن نجزم بالجواب، خاصة أن هذه الكلمة التي تبدو أنها مفرطة في البشاشة والمسماة ب ” التسامح “ قد تتحول إلى النقيض حينما لا نحسن الإصغاء أو نجيد الفهم.
هكذا تنبه ريجيس دوبريه[1] إلى هذه المعضلة في سياق استعراضي للتناقضات التي يحملها ابتداء مفهوم التسامح، وشرعية وجوده داخل سياقات معرفية قد لا تحسن التعامل معه، أو تقاربه مقاربة تفاضلية تمنّ بها على الآخرين. فالمجتمعات حسب دوبريه إذا لم تكن مؤمنة يسهل التسامح فيها، لأن من السهولة أن يتسامح المرء مع أشياء لا تأثير فيها للعقيدة أو الدين أو المذهب أو التوجه الفكري، إلا أن هذا الأمر يزداد صعوبة داخل مجتمعات متدينة وعقائدية ترى الأحقية والحقيقة والسلطة المطلقة فيما ورثته من الأفكار والعقائد عن الآباء والأجداد والأسلاف. وإذا أردنا أن نفهم جيدا المأزق الوجودي والفكري الذي قد يضعنا فيه مفهوم التسامح إذا تعاملنا معه بمنطق التفاضل، والاستعلاء، والنرجسية العقدية، فإن حالة التّنازل للمختلف فكريا وثقافيا وعقديا، ومنحها بالصيغة الاستعلائية وفقاً لمقرّرات عقائدنا ومسبقاتنا الدّينية، دون الاعتراف بأحقيته في اختياراته العقدية والدينية والفكرية، تصبح بلا معنى، ما دامت صادرة عن عقل متوجس ومهووس بامتلاك الحقيقة، وإمبريالية المعنى، وصوابية الخط والمنهج. وهنا يتحول مفهوم التسامح إلى تأجيل للصراع، وإسكات لصوته إلى حين تحسين شروطه ووسائله، بدل أن يكون مفهوم التسامح مشيرا ومعززا ومعضدا لثقافة الاعتراف الذي ينفتح على التعدّدية الثّقافية والدّينية والعقدية.
ولتجلية الجانب الرخو في مفهوم التسامح يمكننا أن نذكر بما قاله ريجيس دوبريه، حينما قال بأن التسامح كفضيلة خصوصية لا تكفي، لأنه ليس سوى تنازل عفوي، وبالتالي فهو استنسابي ومؤقت. لماذا يصر البعض بأن مفهوم التسامح هو فضيلة مطلقة مع أن التاريخ يشهد على أن المتسامحين ينتهون دوما ويعودون لواقع ما قبل التسامح. لنأخذ على سبيل المثال هنري دي نافار الذي أوقف الحروب الدينية بمرسوم نانت المعروف بمرسوم التسامح، فمن أتى بعده قد ألغاه وكان ذلك مع لويس الرابع عشر استنادا إلى الشرعية ذاتها. لأن المساواة الأخلاقية بين المواطنين، وحرية المعتقد، يجب أن تكون في يد دولة محايدة يعيش فيها الكل على قدم المساواة في الحقوق والواجبات. الدولة الضعيفة دوما كانت تعني أن السيادة تكون للأقوى، وللمال، وللتحالفات السياسية والدينية. في الواقع كلمة تسامح كلمة مغرية بشكل كبير،
لكن هل بالفعل هناك تسامح؟
الواقع على عكس كل التوقعات، وكل الشعارات الرنانة يقول بأن ليس هناك تسامح. فلا وجود لعالم يسمح فيه بقول كل شيء، وطباعة كل شيء، والإعلان عن أي شيء على حد تعبير دوبريه. وحتى أكبر المدافعين عن الحرية المطلقة للتعبير وهو جون ستيورات مل[2] تحدث أيضا عن شرط مبدأ الضرر، أي أنه ضد الحرية التي تلحق الضرر بالآخرين. لأن حقيقة هذا الكلام، وتحت هذا الغطاء الناعم الذي يدعو إلى السرور والمسمى بالتسامح يتحول كل شيء إلى فوضى، وإلى تعاسة على نطاق واسع. التسامح وليد ثقافة غربية آمنت بحرية التفكير والفعل إلى حد بعيد، ولكن الواقع يؤكد أنها ليست حرية مطلقة، بل حرية مشروطة. ولنضرب مثالا بما ورد في النص التأسيسي لحرية الصحافة في فرنسا مصدر الفكر والأنوار:” حرية الأفكار والآراء واحدة من أثمن حقوق الإنسان. يحق لكل مواطن الكلام، والكتابة والطباعة بحرية إلا في الحالات التي يحددها القانون “. وهذا يعني أن هناك شروط يحددها القانون فلا يمكن في الوقت نفسه أن تقول ما تشاء، أو تسب من تشاء، أو تتهم من تشاء. كما صادق مجلس الشيوخ في عام 1825 على مرسوم ملكي يعاقب السرقة التدنيسية في فرنسا لخبز القربان المقدس مثل عقاب قتل الأب أو الأم بقطع اليد قبل قطع الرقبة، على غرار ما كان سائدا وما زال في بعض الأقطار الإسلامية. وكذلك تنشأ دوما نزاعات لا حصر لها حول الحرية الدينية وحدود الاحترام والإهانة، وغير ذلك من المواضيع الحساسة في عالم اليوم.
- المفاهيم جروح لا تندمل
حينما نتردد في أن ننبش ونحفر ونحمل مطرقة النقد لتاريخنا وثقافتنا وتراثنا، نحكم على أنفسنا بالتكرار، وإعادة إنتاج الرأسمال الثقافي نفسه بصيغة متشابهة، وفي الكثير من الأحيان بصيغ مشوهة تختلف عن النسخ الأصلية بسنوات ضوئية، لأننا حينها سنكون مثلما قال جمال علي الحلاق[3] نسلم بالتحريم، وعندما نكون في قلب مسألة التحريم أو التسليم بما وجدنا عليه آباءنا، فإن ذلك يعني أنه لا مجال للتغيير الاجتماعي، وأن الأفراد سيظلون في قاعدة معرفية واحدة تكرر استنساخ كيانها، عبر آلية التحريم ذاتها، أي أن الكل فائض، ولا تبرير لوجوده على الإطلاق.
مخطئ من يعتقد بأن المفاهيم مجرد كلمات عابرة تتقاذفها الألسن هنا أو هناك، إنها مثل طابوهات يتم توارثها على الأكتاف جيلا عبر جيل ما لم تصحح أو تنقح. ولأن ثقافتنا العربية والإسلامية، ومجتمعاتنا التي لم تخض تجربة العيش الحر بعد ما زالت تحن إلى الماضي الجميل، والتاريخ الطوباوي، فإن زاوية التحريم، وثقافة التسليم، ما زالت تكشف لنا عن العمق الخفي الذي تمارسه الثقافة في كل زاوية من زوايا تفكيرنا، وبالتالي فإن الأسلوب المتبع من السلطة الثقافية في هذا الصدد هو ذلك الأسلوب القمعي والتضليلي والتشويهي لكل مفهوم، وإقصاء المراكز الفاعلة، وجعل الحقيقة متمركز في اتجاه واحد، وأسلوب واحد، وعقل جمعي واحد.
لماذا لا ينمو التسامح في المجتمعات العربية؟
هنا لا بد بنا أن نعترف بأن ما تحدثه المفاهيم في العقل الجمعي يشبه إلى حد كبير ما تفعله الجروح، فهي تعرّي على حقيقة المرء، وطبيعة ثقافته، وشكل ونمط تفكيره، فإما أن يقرأ مساره بشكل صحيح فيتقوم بالنقد، وإما يكابر فيديم التخلف كما هو حال ثقافتنا. هذه هي مسيرة الإنسان منذ لحظة الوعي الأولى، ومنذ أن شق مسيرة التمدن بعيدا عن إكراهات الخلقة، والطبيعة، والغريزة، بما في ذلك مسار الإنسانية وخروجها من حالة الظلام الذي عاشته أوروبا خلال عصور التخلف. فلولا أن حمل هذا الإنسان الغربيّ إرادته ورغبته في الخروج من طور الإنسان القاصر إلى طور الإنسان العاقل والمسؤول، لما أحدث ما وصلت إليه الإنسانية اليوم من تطور. إنها الصّدمات الكبرى المقلقة التي تعرّض لها الإنسان المعاصر. الأولى: حسب فرويد هي الصّدمة الكزمولوجية أيْ تدمير الوهم النّرجسي عند الإنسان. وهكذا تعلّم هذا الأخير أنّ الشّمس لا تدور حول الأرض، وأنّ الأرض لم تعد مركز الكون، بل هي نقطة غبار في هذا الكون اللانهائي. الثّانية: هي الصّدمة البيولوجية التي انتزعت الإنسان هذه المرّة من أحضان أجداده وأنبيائه، وفهِم الإنسان أنّ نسَبَه السُّلالي لا يعود إلى الأنبياء زمن النّبوة، وأنّه تحدَّر من سُلالة القرود الأقرب إلى الإنسان. أمّا الثّالثة: فهي الصّدمة السِّيكولوجية حيث استنتج فرويد أنّ عقله ليس سوى جزيرة معزولة مستقرّة على سطح محيط من القوى اللاّواعية[4].
- غوستاف لوبون وعدم تسامح المعتقدات
سؤال يعيدنا إلى نقطة البداية، حيث يغدو مفهوم التسامح رخوا في المنظومات العقائدية والصلبة، كما يعود بنا إلى أن حيث نستحضر تاريخ الثورات الكبرى، والصدمات الفكرية المرجعية، أي إلى حيث نلتقي مع أحد كبار المفكرين المحدثين الذين درسوا تاريخ وسيكولوجية الجموع، ونفسيات الجماهير، والذهنيات التي تحرك أصحاب الإيديولوجيات العابرة للحدود. وحين نسترجع هذا التاريخ لا بد أن تستوقفنا كتابات غوستاف لوبون، وأبحاثه النفسية ومشاريعه المرجعية، خاصة كتاب “روحُ الثّورات والثّورة الفرنسية”، الذي نستعين به للإشارة إلى علاقته بالنفسية التي يكون عليها المجتمع الثائر، وأيضا الروح التي يستلهم منها الجمهور أخلاقه وقيمه بما في ذلك التسامح مع المختلف، أو ما يمثله الآخر من دلالات التنوع والاختلاف الممكن.
ولأن العناوين كما يقال هي عتبات النص، أو هي المداخل الطبيعية لفحوى الكتاب، فإن تسمية غوستاف لوبون كتابه “روح الثّورات” لم يكن بمحض الصدفة، لأن الكتاب يهدف إلى تحليل وفهم الجوانب النفسية والاجتماعية التي تحرك الثورات، وليس الغرض فقط مجرد سرد الأحداث التاريخية مع إغفال هذه العناصر الحيوية في كينونة الثورة. ولعل كلمة “روح” تشير في أحد أبعادها إلى هذه الدلالات العميقة، فهي تشير إلى العناصر الداخلية والعوامل النفسية التي تؤدي إلى اندلاع الثورات وتشكيل مسارها. وقد كان لوبون واعيا بذلك تمام الوعي، وهو يستنطق الجماهير، ويكشف عن دواخلها، وطبيعة القيم التي تؤمن بها في أشد المراحل النفسية التي قد يمر منها الإنسان، وهي الثورات.
لكن ما يهم من هذه الروح هو ذلك الجانب المرتبط بمفهوم التسامح.
فهل يتسامح الثوار؟ وهل تتسامح العقائد المختلفة سياسيا وفكريا ودينيا في ذهنيات الجماهير والجموع؟
هناك فكرة مهمة يقودها كتاب روح الثورات، ويسعى إلى تأصيلها غوستاف لوبون، هي أنه بالرّغم من أنّ أصل الثّورة يكون دائما عقلانيا، أو لنقل بشكل أدق يتوسل ويختفي وراء مبررات عقلانية، غير أن الأسباب التي تهيئها الثّورة لا تؤثّر إلاَّ بعد أنْ تتحَّول إلى عواطف. وهذا كلام مبنيٌّ على سيكولوجية الجماهير التي تُدار ويؤثّر فيها الوجدان والعواطف، أكثر مما يؤثِّر فيها الجانب العقلي. فالجماعة حسب لوبون:” تُتِمُّ الثّورة ولا تكُون مصدرها، وهي لا تقدر على شيء ولا تريد شيئاً إنْ لم يكن عليها رئيس يقودها “. وحينما نتحدث في هذا السياق عن الثورة فإننا نقصد بالتحديد الثورات السياسية والدينية، على عكس الثورات العلمية التي لا تسترعي اهتمام العوام بشكل أكبر، بالرغم من الأهمية التي تكتسيها في التحولات التي عرفتها البشرية منذ نشأتها الأولى. ولعل ما يميز الثورات الدينية والسياسية هو المعتقدات المتأصلة في النّفوس التي تخلق استياء عاما من الوضع القائم، ومن التوجهات السائدة حينذاك. فمتى عمَّ هذا الاستياء، وترسخ التعصب تولدت توجهات وفصائل وحركات تواجه الحكومة، وحينما تنتصر هذه التوجهات فإنها تنظِّم المجتمع وفْقَ مصالحها، وما يخدم ديمومة جماعتها، وهذا هو منشأ الصّراع ومنطلقه، حين يبدأ النّظام المنتصر بتقويض القديم، واضطهاد عناصره. هذه هي الصورة التي عبر عنها روبسبيير بمقولته المشهورة: “إنّنا كالحقيقة لا نلين صامدين متجانسين، وأقول: إننا تقريبا كالمبادئ لا نطاق“. ولكي نفهم هذه المقولة، يضعنا برنار شوفييه[5] أمام تحليل نفسي للدّافع الاضطهادي لدى روبسبيير، والتي يمكن سحبها على مجموعة من النّماذج الأصولية اليوم التي تتحرّك وفق دوافع سيكولوجية تشبع من خلالها حاجتها إلى التعصّب والتطرّف، وصولا إلى الفعل الإرهابي. ولعلّ أوّل الدّوافع الاضطهادية في حياة روبسبيير هو الرّغبة في قتل الأب معنويا أو نفسيا؛ فالفعل التّدميري أو الإرهابي يسعى إلى تدمير الصّورة الأبوية، التي كانت لها علاقة سيّئة بروسبير الابن. في المقابل كوّن هذا الأخير صورة مثالية وهمية للعلاقة الأبوية من خلال الكائن الأعلى. لذلك، جعل نفسه إلها للأنوار والعقلانية وقيم الخير إلى الحدّ الذي جعله يقترح عبادة جمهورية عبر أناشيد واحتفالات تحتفي بهذا المثال. وبهذه الصّورة المثالية خلق روبسبيير قناعة بصحّة أفكاره ومبادئه وقيمه.
الأنسنة أفقا للتعايش الآمن من خلال أعمال محمد أركون
وإذا كانت الحالة العامة للاستياء الجماهيري هي من تسود في أيام الثورة، فإن التسامح يصبح هنا مجرد شعار لا معنى له في واقع معقد ورخو. وهذا هو الملاحظ فيما سمي بالإصلاح الديني الذي قاده مارتن لوثر، حيث إن أحوال ثورة الإصلاح كانت تشبه إلى حد بعيد الثّورة الفرنسية، خاصّة في الجزء النفسي:” فقد رُئي في هاتين الثّورتين أنّ شأن العقل ضئيل في انتشار المعتقد، وأنّ الاضطهادات فاقدة التأّثير، وأنتسامح المعتقدات المتباينة مستحيل، وأنّ أشدّ المظالم والملاحم يصدُر عن تصادم العقائد المختلفة، وأنّه يستحيل تبديل عقيدة النّاس قبل تبديل كيانهم“. لمْ يتوقَّف لوبون عند هذا الجزء من التّحليل النّفسي، بل أكّد على أنّ انتشار الإصلاح الدِّيني لمْ يكنْ وليد البراهين والعقل، بل تحكّمت فيه عوامل أخرى كالتّوكيد والتّكرار والعدوى النفسية والنّفوذ، وهو الشيء نفسه الذي حدث إبّان الثّورة الفرنسية. فالحقيقة صادمة حسب تحليل غوستاف، فالثّورات الدّينية أو الثّورات القوية كما يسمّيها، تفرز لنا صراع المعتقدات، واستحالة التّسامح. تحت هذا العنوان ينحت لنا الكاتب واقعاً مريراً يتجلّى في عدم تسامح المعتقدات القوية:” فإذا نظرنا إلى المعتقدات التي شطّرت فرنسا زمنًا طويلًا رأيناها لا تختلف إلّا في الأمورالثّانوية، فالكاثوليكي والپروتستانتي إلههما واحد، ولا يختلفان إلاّ في كيفية عبادته، ولو كان للعقل شأن في صوغ معتقدهما لأراهما أنّ الله لا يبالي بالصّورة التي يُعبد عليها” . فلوبون يحلّل نفسيات النّاس أيّام الثّورات، ويكشف عن الخصائص الجامعة لهم في الأيام العصيبة، خاصة حينما يحسون أن كياناتهم مهددة، وموروثاتهم وما وجدوا عليه آباءهم على سهام النقد والتجريح. إنها خصائص نفسية مشتركة لكلِّ النفسيات المنشئة والمكونة للثّورات بكل أنواعها: 1- تحوّل الشخصية 2- الحقد 3- الخوف 4- الحرص والحسد والزهو 5- الحماسة. أمّا النفسيات التي تسود الثًّورة، فهي كثيرة بدءاً من النّفسية الدينية، إلى النّفسية اليعقوبية، وهو مصطلح نحته لوبون للدّلالة على تيّار كان يزعم استخدام العقل أيّام الثورة الفرنسية. إضافة إلى النّفسية الثّورية، والنّفسية المجرمة. فكما أنّ هناك نفسيات متعدِّدة، فإنّ هناك بالمقابل خصائص متعدِّدة تطبع روح الجماعات في الثّورات، ولعلّ أهمّ هذه الخصائص تغلُّب اللاّشعور الخاضع لأحكام منطق خاص يُسمَّى منطق الجماعات، وسرعة الانفعال والتأثّر. فالإنسان، وهو جزءٌ من الجماعة، يهبط كثيرًا من سلَّم الحضارة، فتصدُر عنه عيوب الشَّراسة ومزاياها؛ أيْ أنواع الظُّلم والاستبداد وأنواع الحماسة والبطولة، فالجماعة وإنْ كانت من الجهة العقلية أدنى من الرّجل المنفرد فقد تكون أسمى منه شعورًا وخلقًا. ويسهل عليها أنْ تقترف إثمًا كما يسهل عليها أنْ تضحِّي بنفسها.
المراجع:
[1] – ريجيس،دوبريه. المفكِّر في مواجهة القبائل. ترجمة غازي برو. بيروت، دار الفارابي،2015،ط1. ص: 36.
[2] – نايجل، ويربيرتن. حرية التعبير مقدمة قصيرة جدا. ترجمة زينب عاطف. مؤسسة هنداوي، ط1، 2017.
[3] – الحلاق، علي جمال. مسلمة الحنفي قراءة في تاريخ محرم. منشورات الجمل، ط8،2008. ص: 5 .
[4] – المرجع نفسه. ص: 119
[5] – شوفييه، برنارد. المتعصبون. ترجمة. قاسم المقداد. دار نينوى. ط1. 2017. ص: 106.