تكوين
يشهد الحقل الديني في المجتمعات المعاصرة تحولات كبرى لاسيما في ظل ما يعايشه العالم العربي من تنام للحركات الدينية بمختلف أطيافها. فالاختلاف الإنساني هو شيء بديهي ومتجذر في العلاقات الاجتماعية التي تتسم بالتنوع، لكنه في المقابل يكون مصدرا للصراع والاقتتال ولذلك أصبح الدين مادة للبحث الفلسفي واللاهوتي، ناهيك عن ارتباطه بالمسائل المتعلقة بالواقع الاجتماعي والسياسي للمجتمعات.
تعتبر التعددية الدينية من إفرازات هذه المباحث كمصطلح معاصر شاع تداوله، كما أنها إحدى مباحث فلسفة الدين التي تهتم بتفسير ظاهرة تعدد الأديان واحتوائها، “وهي تتجاوز المنظور العملي لمبدأ التسامح والتساهل الديني إلى التنظير بموجبه لا يكون الحق والحقيقة حكرا على دين معين بذاته”[1]، إن التعددية تقر بواقع الاختلاف ولا تنكره. وقد كانت هذه التعددية الدينية ولازالت مصدرا للجدل بين من يعتبرها آلية من آليات الوفاق الاجتماعي وبها يتم تجاوز حالات الصراع والنزاع الديني والمذهبي خاصة في العالم الإسلامي بما فيه تونس التي مازالت إلى اليوم تعيش وهم التجانس الديني، وبين من يراها عكس ذلك.
فأساس الاختلاف الديني يمكن في ثلاثة مواضيع: الحقانية والحقيقة والأحقية، ذلك أن كل أتباع الديانات يعتقدون أن ديانتهم تمتلك الحقيقة، مما يجعل لهم حقانية اجتثاث الآخر غير المنتمي إليها، وهَو اعتقاد ينطبق نوعا ما على المجتمع التونسي. ففكرة التعدد الديني لم تكن مطروحة على الساحة الإعلامية والاجتماعية في تونس وهو ما ولد جهلا نسبيا لدى عموم الناس بأشكال هذا التعدد وحقيقته، خاصة وأن البعد الديني في تونس ما قبل الثورة كان حكرا على النظم السياسية التي جعلت من الإسلام أساس كل بناء ثقافي واجتماعي إضافة إلى أنه العامل المحوري في تشكيل هوية المواطن التونسي وانتمائه الجمعي والوطني مما يجعله يعتبر شأنا جماعيا خالصا. ومن هنا يبدأ الإشكال الفعلي لأن الدين يتحول إلى أيديولوجيا تتآلف فيها كل عوامل الرفض والنبذ والوصم متى أصبح شأنا فرديا مبررا بكل الاستنادات العقائدية والشرعية والتاريخية والذاكرة الجمعية.
ويرتبط التنوع الديني أساسا بالتحولات الثقافية القيمية والاجتماعية التي تشكلت وفقا لعدة مراحل آخرها ثورة الربيع العربي، بما شهدته من حراك ديني صاحبه حراك حقوقي داعم للأقليات الدينية المغيبة مما جعلها تتنامى في صمت اجتماعي، لتصل إلى مرحلة الإعلان عن وجودها بحثا عن تموقع واعتراف اجتماعي بها في ظل تعددية دينية كافلة لمبدأ احترام الآخر والتعايش السلمي ناهيك عن المواطنة الكاملة.
وإن مقالنا هذا هو سعي منا إلى معالجة مسألتين:
أما المسألة الأولى فهي المواطنة كهوية كلية تجمع بين كل الأطياف والجماعات بغض النظر عن اختلافاتها.
وأما المسألة الثانية فهي التعددية الدينية في تونس والتي برزت ملامحها أساسا بعد الثورة بالتزامن مع الحراك الحقوقي الداعي إلى ترسيخ الحريات الفردية داخل المنظومة القانونية أولا ثم الاجتماعية ثانيا.
ولكن ماذا لو كانت فكرة التعددية الدينية في حد ذاتها تعكس علاقة جدلية بين مبادئ المواطنة وتمثلات المواطنين؟ وبالتالي كيف يمكن للأطياف الدينية المختلفة في تونس أن تتعايش كمواطنين؟
الإشكالية:
مثلت الثورة منعرجا هاما في الحياة السياسية والاجتماعية للبلاد التونسية، صاحبتها تحولات قيمية ومعيارية برزت أساسا من خلال الحراك الحقوقي الداعي إلى ترسيخ جملة من الحريات الفردية ومن بينها الحرية الدينية باعتبارها شأنا فرديا لا يخضع لوصاية الجماعة ذات الأغلبية المسلمة. وقد أثارت هذه الدعوات الحقوقية جدلا واسعا بين ممثلي الأطياف السياسية ما بين الدعم والرفض خاصة بعد إقرار قانون حرية الضمير في دستور 2014، والذي عد إنجازا قانونيا يجسَم مبدأ مدنية الدولة والمواطنة الكاملة، إلا أن هذا الجدل تواصل خاصة وأن العمل بهذا القانون بقي غير مفعَل كما أن بعض فصول هذا الدستور تقصي غير المسلم من المشاركة السياسية، وقد تزامن ظهوره مع عديد الإرهاصات والاعتداءات التي طالت التونسيين المتحولين دينيا والذين يعانون أزمة في الاندماج الاجتماعي ناهيك عن أزمة مواطنة على اعتبار أن المواطنة هي “مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي (دولة)، ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول الولاء، ويتولى الطرف الثاني الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق القانون”[2]، إلا أن هذا الأمر يعد نسبيا بالنسبة إلى المتحولين دينيا في تونس، فمن خلال البحث الميداني أقر أغلبهم بأن مواطنتهم منقوصة خاصة وأن جهل أغلب أفراد الشعب التونسي بأنه مجتمع متعدد الأديان سيؤدي حسب وجهة نظرهم إلى تهديد سبل التعايش السلمي بينهم، وهذا التصور يدفع بنا إلى طرح تساؤلين مهمين: هل أن التعددية الدينية من شأنها أن تخلق الفوارق بين المواطنين على مستوى الممارسة؟ وكيف يتشكل الانتماء المواطني للفرد التونسي ما بين الدين والهوية الوطنية؟
وللإجابة عن هذه الطروحات سنعتمد على المنهج الكيفي باعتبار أن موضوعنا هو من المواضيع النوعية التي عادة ما تثير الجدل الفكري باعتبار أن المسألة الدينية تصنف في خانة المحظورات الاجتماعية، لذلك يمكننا هذا المنهج من فهم أعمق للظاهرة المدروسة من خلال استقراء الروابط الاجتماعية بين الأفراد وتفاعلاتهم…باختصار هو دراسة الإنسان وعلاقته بمحيطه الاجتماعي من خلال أدواته المعرفية كالمقابلة والملاحظة بالمشاركة وغيرها من التقنيات البحثية التي تهدف إلى تقديم قراءة شاملة للظاهرة موضوع البحث. أما بالنسبة إلى العينة فقد شملت خمسة أفراد (ثلاثة ذكور وأنثيين) من أصحاب العقائد المختلفة كالمسيحية والبهائية وأيضا اللادينية.
1-التعددية الدينية والحراك الاجتماعي
شهدت البلاد التونسية ما بعد الثورة عدة تحولات جذرية صلب البناء الاجتماعي طالت مجالين هامين هما المجال السياسي والديني اللذان تحررا للمرة الأولى من فكرة الوحدانية التي فرضتها النظم السياسية السابقة، ليكون التعدد أحد إفرازات الحراك الاجتماعي وهو بدوره مولد لحراك اِجتماعي باحث وداعم للحقوق ومن بينها الحرية الدينية أو حرية المعتقد.
في هذا القسم من البحث سنعمل على معالجة مفهوم التعددية الدينية في تونس باعتباره من المفاهيم الحقوقية التي طفت على الساحة الاجتماعية إبان الثورة فهذا المفهوم يشتمل “على خاصية أساسية تتمثل بالحرص على التطبيق الحي للمواطنة في صورها الكبرى، لكون هذه الخاصية في حد ذاتها تشمل مسألتين، الأولى هي الاعتراف بتعددية المعتقدات الدينية داخل البلد الواحد من دون صراع ديني، والثانية هي التعايش السلمي بين أصحاب تلك المعتقدات، ومن ثم تمثل الاعتراف الرسمي بالتعدد والتنوع في الثقافات واللغات والديانات والتجارب البشرية”[3] ، إلا أنه ورغم تجذر التعددية الدينية صلب البناء الاجتماعي التونسي منذ قرون مضت، فقد ظلت غير معلومة بالنسبة إلى التونسيين بسبب ما مورس عليها من تعتيم”[4].
يمكن بالاعتماد على البحث الميداني التمييز بين ثلاثة أصناف من الأقليات الدينية: الأول هو الأقليات الناتجة عن التحول الديني أي التي تحول أتباعها عن الدين الإسلامي إلى دين أخر مثل المسيحيين والبهائيين. أما الأقلية الثانية فهي الناتجة عن التحول المذهبي أي اعتناق مجموعة ما لمذهب أو طائفة من نفس الدين كاعتناق المذهب الشيعي الاثني عشري. بينما تعد اليهودية الأقلية الثالثة وهي أقلية لا علاقة لها بالتحول الديني بل تعد أحد مكونات النسيج الاجتماعي التونسي التي ألفها التونسيون وتعايشوا معها، على عكس الأقليات الأخرى التي خلق بروزها بعد الثورة رفضا مقترنا بالوصم والنبذ الاجتماعي. وهو رفض نابع من تبريرات عقائدية واجتماعية مستندة إلى الذاكرة الجمعية والموروث الاجتماعي.
الأمر الذي جعل هذه الأقليات تسعى إلى تنظيم حراك ديني مؤسس على حراك حقوقي داعم لمسألة الاعتراف الاجتماعي بها باعتبار أن التعددية تفترض “تعايش المعتقدات الدينية المتنوعة والمختلفة (الأديان بمفهومها الواسع) في وقت واحد، مع بقاء مميزات وخصائص كل منها”[5].
فما هو مفهوم التعددية الدينية؟
- مفهوم التعددية الدينية
قبل أن نحدد مفهوم التعددية الدينية يجب أولا التطرق إلى مفهوم التعددية والذي يعني الكثرة، الوفرة والتعدد، “وقد كان يطلق في بداية نشوئه على الشخص الذي يتولى عدة مناصب في الكنيسة، وبمرور الزمن بدأ يتخذ إطارا فلسفيا، فصار التعددي هو الشخص الذي يرحب بالتعدد والكثرة في المجالات الفكرية والثقافية وغيرها”[6]، “والتعددية كذلك تعبر عن تنظيم لحياة المجتمع وفق قواعد عامة مشتركة، تحترم وجود الاختلاف والتنوع في اتجاهات السكان ضمن المجتمعات ذات الأطر الواسعة، ولاسيما المجتمعات الحديثة، إذ تختلط الاتجاهات الفلسفية والفكرية والدينية”[7] . فالتعددية لها دلالات خاصة بكل مجال تبحث فيه ففي مجال الأخلاق نجد أن التعددية تبقى نسبية تنكر كل ثابت ولا تعتبر أن المعايير والقيم الأخلاقية مطلقة. أما في المجال السياسي فتقترن بمفهوم الليبرالية، بينما لا نجد للتعددية الدينية كمصطلح أصلا لغويا وإنما هي مقتبسة من الفكر الغربي من خلال ترجمة مصطلح Pluralisme Religieux، الذي يقوم على خاصية أساسية تتبلور فيها كل مقومات المواطنة، لكون هذه الخاصية تتضمن مسألتين، “الأولى هي الاعتراف بتعددية المعتقدات الدينية داخل البلد الواحد من دون صراع ديني، والثانية هي التعايش السلمي بين أصحاب تلك المعتقدات، ومن ثم تمثل الاعتراف الرسمي بالتعدد والتنوع في الثقافات واللغات والديانات والتجارب البشرية”[8]. وتجدر الإشارة إلى أن للتعددية الدينية تعاريف مختلفة منها: ما يعني التعايش السلمي والتسامح الديني عبر تجاوز التفكير في إلغاء الآخر، فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة، لذلك وجب على الأفراد تقبل بعضهم البعض دون الدخول في صراع الحقانية ومن الأحق. ومنها أيضا تعريف آخر يراها القبول الأخلاقي والاجتماعي لكل الأديان واحترام أتباعها ومنحهم الاعتراف في إطار التلازم بين التعددية الدينية والتعددية الاجتماعية، فالدين حسب هذه الرؤية ليس أمرا دخيلا على المجتمع، بل يمثل مكونا من مكوناته ومؤسسة من مؤسساته التاريخية. إذ يتمظهر الدين غالبا ويتكيّف ويندمج ضمن الأطر الاجتماعية والنظم التعبيرية اللغوية والرمزية التي تشكل البنى الثقافية، ما يعني أن الدين لا يرتهن لتراث النبي المؤسس أو لنص الوحي الذي يعتبر مقدسا بالنسبة إلى الأفراد، وإنما هو حصيلة التمأسس التاريخي للدعوة الدينية التي تحدث بعد رحيل المؤسس، ذلك أن الدين انتقل من حالة الوعي الوجداني والالتزام العفوي بتعاليم المؤسس إلى حالة منظمة ومعقلنة للوعي تشتمل على عقائد مشتركة وطقوس دينية جماعية تتحدد بأطر تنظيمية للعلاقة بين المعتقدين.
فالتعددية الدينية هي نتاج للإصلاح الديني الذي شهدته أوروبا إبان عصر الأنوار والذي قامت مبادئه على العقل، أي الاعتماد على التفكير العقلي لتجاوز كل الصراعات القائمة على الاختلافات الدينية أو الطائفية. وكنتاج لهذا التوجه برزت مفاهيم مثل: “التسامح”، “حقوق الانسان”، “النزعة الإنسانية”، وذلك كمحاولة لجعل أتباع الديانة المسيحية متسامحين مع باقي الديانات، وحتى التسامح بين الطوائف المسيحية ذاتها خاصة وأن التاريخ الأوروبي زاخر بالحروب الدينية أشهرها الحرب الكاثوليكية البروتسنتية والتي تعد من أكثر الحروب الدامية في المنطقة، وقد توقفت إثر “توقيع اتفاقية وستفاليا للسلام سنة 1648م، ومن بين أبرز بنود تلك الاتفاقية هو الاعتراف بحرية المعتقد والعبادة”[9].
وتعد أفكار فلسفة “جون هيك”[10] من أهم الأفكار التي عالجت مسألة التعددية وبلورت توجهاتها الفكرية من خلال صورتين أوليتين جسدتهما كتاباته، تمثلت أولاهما في (التعددية الدينية المعيارية) التي ترتبط أساسا بالمنهج الأخلاقي بمعنى أن يتعامل المسيحيون بتسامح مع غير المسيحيين، وهذا النمط والتوجه يمكن أن ينطبق أيضا على غير المسيحيين فالمهم أن تتلاشى صورة التفرد والتعالي.
بينما تمثلت الصورة الثانية فيما يصطلح عليه (بالتعددية الدينية الخلاصية) التي تتمحور حول إشكالية الخلاص، وفيها يرى “هيك” أن الخلاص والجنة ليسا منوطين بأتباع ديانة دون غيرها، فهو أمر ممكن لكل الأفراد بغض النظر عن اختلافاتهم وتمايزهم، المهم عند هذا المُنَظرْ هو أن يتحرر الفرد من مركزية الذات إلى مركزية الحقيقة وذلك من خلال الالتزام الفعلي بتعاليم الدين الذي ينتمي إليه. وقد خلُصَ “هيك” في تنظيراته الفكرية إلى صورة ثالثة ختم بها أبحاثه وسماها ب (التعددية الدينية المعرفية) وهي تفترض أن كل دين يحمل جانبا من الحقيقة وأن هذه الحقيقة لا يجب ربطها بدين دون غيره من الأديان الأخرى.
يؤمن أتباع التعددية الدينية بأن أصل الاختلاف لا يكمن في جوهر الدين وإنما في طريقة فهمه، كما أن الحقيقة الدينية تبقى نسبية عند جميع الأفراد لأنها تتجاوز إدراكهم، لكن في المقابل يمكن لكل فرد أن يعي بعضا من مظاهرها. ثم إن سعي أتباع الديانات لإنكار الأديان التي لا ينتمون إليها ليس له داع، لأن أي حقيقة ترتبط بذهنية كل فرد والظروف المحيطة به. لذلك فإن مفهوم التعددية الدينية لا يعني التسامح والتعايش الاجتماعي السلمي فقط، “بل هو يتجاوز الجانب العملي للتعايش وقبول الآخر الديني إلى أبعد من ذلك، حيث يتضمن جِنْبَة معرفية وتقييمية تعطي الحق والصواب لأتباع الديانات ذات الإرث الروحي والحضاري، أو الديانات ذات الأدلة المتكافئة بحسب زعم بعض منظري التعددية الدينية”[11]. فالتعددية الدينية هي منهج فكري وسلوكي يجسم إنسانية الإنسان كما أنه الأساس الذي يجسد كونية حقوق الإنسان التي نصّت عليها المنظمات الدولية. فمفهوم التعددية في العالم العربي بما فيه تونس يثير جدلا خاصة فيما يتعلق بتقاطعه مع مسألتي الانتماء والهوية، وهذا ما ستبينه في الشأن التونسي الذي يتسم كما ذكرنا بخصوصية دينية نوعية خاصة بعد الثورة التي فسحت المجال للكشف عن التنوع الديني الذي عاشه المجتمع والذي غيب سياسيا.
1-2 التعددية الدينية بين الانتماء والهوية
إن المتعمق في تاريخ البلاد التونسية يتبين أنها من أول البلدان التي أقرت حرية المعتقد وساوت بين جميع المواطنين بغض النظر عن اختلافاتهم وذلك في إعلان قانون عهد الأمان في 1 سبتمبر 1857 والذي “ نصت بنوده على أمان جميع السكان في تونس على اختلاف أديانهم ولغاتهم، وعلى مساواتهم أمام القانون، والضرائب وحرية الاعتقاد الديني”[12]، وهو ما يعني أولا إقرارا فعليا بتعدد مكونات النسيج الاجتماعي التونسي، وتجسيما للتعددية الدينية من خلال الاعتراف بالمواطنة الكاملة لكل التونسيين بغض النظر عن تبايناتهم ثانيا. لكن بعد الاستقلال وفي إطار بناء الدولة الحديثة ألغى النظام السياسي كل المقومات التي من شأنها أن تضعف الهوية الوطنية عند التونسيين، وخاصة التنوع الديني الذي كان يشهده المجتمع التونسي (يهود، مسيحيين، بهائيين)، وحاول فرض الوصاية على المجال الديني ومأسسته بما يتوافق مع توجهاته السياسية، وقد واصل نظام بن علي نفس التمشي من إنكار الآخر وتغييبه اجتماعيا لدرجة عدم السماح له بالتواجد كأحد مكونات النسيج الاجتماعي التونسي، لهذا عاش التونسيون فكرة أنهم متجانسون دينيا لعقود طويلة طبعا دون انكار اليهود التونسيين الذين ألفوا وجودهم صلب الساحة الاجتماعية.
إلا أنه وبعد الثورة ومع انفجار الفضاء العام بالحركات الدينية المكبوتة والمقموعة، خرجت الأقليات الدينية الباحثة عن وجودها صلب اعتراف الدولة بتعددية دينية تؤسس لمبدأ المواطنة الكاملة. ليطرح سؤال حول مرتكزات هوية هذه الأقليات؟
تعد مسألة الهوية من أكثر المسائل تعقيدا في المجتمع التونسي خاصة ما بعد الثورة، فالحالة الإقصائية التي عايشتها الأقليات الدينية جعلتهم يؤسسون لهوية خاصة تجسم انتمائهم، كما أن الهوية هي وعي الذات بتفردها وتمييزها، أما بالنسبة إلى تعريف الهويّة للجماعة فيمكن القول “بأنها الشفرة التي يمكن للفرد عن طريقها أن يٌعرَف نفسه في علاقته بالجماعة الاجتماعية التي ينتمي إليها، والتي عن طريقها يتعرف عليه الآخرون بعدّه منتمياً إليها”[13]، وهنا يبرز المعنى السوسيولوجي للهويَّة في الهيكلية التقليدية لوظيفة الأنثروبولوجيا “بطريقة تفهم أنها متجذرة تاريخياً وثقافياً مع الصورة الذاتية لمجموعة من الناس التي كانت في الغالب قد رسمت خطها باتصالها بالمجموعات الأخرى من الشعوب. ويرتبط هذا المعنى من الهويّة بالمفاهيم الأنثروبولوجية الأخرى، مثل (النظرة، والقيمة، والروح، وأخيراً وليس آخراً، الثقافة)، التي تقترح نوعاً معيناً من التجانس بين أفراد المجتمع، وكان الرأي أنّ هويّة الأفراد تعكس هويّة مجموعة ما وثقافتهم”[14]، لكن هناك من يذهب إلى أبعد من ذلك ويعتبر الهوية “استراتيجية” تجسم قدرة الفرد باعتباره فاعلا اجتماعيا قادرا على المناورة، وبالتالي يوظفها طبقا للحالات التي يتواجد فيها بمعنى أن الفرد “يستخدم مصادره المتعلقة بالهوية على نحو استراتيجي يحتسب فيه مصادر القوة ونقاط الضعف، في إدارة الصراع والتنافس. وما دامت الهوية تشكل رهانا لصراعات “التصنيف” الاجتماعية الهادفة إلى إعادة إنتاج أو إلى قلب علاقات السيطرة، فإن الهوية تتكون من خلال استراتيجيات الفاعلين الاجتماعيين”[15].
كما “أن الهوية متطورة ومتغيرة، وهي تُبنى وتَنهدم ويُعاد بناؤها وفقاً للوضعيات، إنها حركة دائبة، إذ يحملها كل تغير اجتماعي على إعادة صياغة نفسها بطريقة مغايرة، فالهوية تُبنى ويُعاد بناؤها باستمرار داخل التبادلات الاجتماعية”[16]، “وهي تتحول مع الوقت وتُحدث في السلوك البشري تغيرات عميقة”[17]، إلا أن هذا لا يعني أن الهوية لا تنحصر إلا في التغير والتحول والديناميكية والاستقرار، بل هي تشمل قضايا مثل التنوع والتعدد والوحدة، النسبي والمطلق، الحقيقة والواقع، وغيرها من القضايا التي جعلت منها مبحثا مشتركا بين سائر العلوم والثقافات.
ولعل ما كتبه العالم الأنثروبولوجي ومؤسس البنيوية كلود ليڤي ستراوس على هامش نــدوة: الهوية، “على أنها تقع اليوم في مفترق الطرق، له أكثر من دلالة، وبخاصة ما تعلق بالأزمة العميقة التي تعرفها مختلف المجتمعات والثقافات المعاصرة المتقدمة منها والسائرة في طريق النمو”[18]، هو ما يفسر ما ذكرناه آنفا حول حالات الصراع التي عايشتها المجتمعات الأوروبية والتي امتدت لقرون وسنوات طويلة، ناهيك أنها شهدت حالات من التثاقف خاصة من خلال حركات الهجرة، مما جعلها مجتمعات مائلة للاختلاف والمغايرة. لأن الاختلاف يؤدي إلى تفرد المختلف وتمايزه، مما يشكل هويته، كما أن الهوية بتباين تجلياتها كالوطنية والقومية أو الشخصية، تشير كلها إلى الفرد والجماعة في الآن ذاته، فهي تشكل انتماء الفرد إلى وطن معين مثلا، أو جماعة سياسية، أو جماعة عرقية ودينية…وهذا الانتماء يشكل هوية الأفراد مما يستوجب الاعتراف بهم، لأن هذا الإقرار المتبادل يشكل بدوره العنصر المشترك بين مختلف الهويات، وهذا ما أشار إليه “تيلور” الذي أكد على أن “المجتمعات المعاصرة التي تتسم بالتعدد الثقافي يصبح فيها الاعتراف بالهوية حاجة ضرورية وملحة”[19]، والتعددية الدينية هي جزء من التعددية الثقافية مما يجعل مسألة الاعتراف بالمختلفين دينيا في تونس أمرا وجوبيا في ظل قيم التعايش السلمي، وفي هذا السياق يقول “سامي” (26 سنة طالب ماجيستر حقوق، مسيحي): “أن نكون مسيحيين في بلاد كتونس أمر صعب، فالآخر المختلف هو العدو رغم أنني تونسي ثقافتي عاداتي تفكيري هو تونسي، إلا ديني فهو أمر يخصني وحدي لماذا يجب أن أكون مسلما حتى أكون منتميا لهذا البلد، لماذا يقايضونني بين هويتي الوطنية وهويتي الدينية، لماذا يكون انتمائي المواطني رهين الدين، اعتقد أن الهوية الوطنية أشمل وأعمق لأنها تحوي كل الهويات الفرعية بما فيها الهوية الدينية، آن أوان التغيير لأن مسألة الاعتراف بالآخر هو أمر وجوبي نحن لا ننتظر المنّ من أحد لأن هذا ما تفترضه شروط المواطنة، لكن رغم هذا فحضورنا رهين الأغلبية التي تملك السلطة”، وهذا ما يذهب إليه تايلور بتأكيده على أن هوية الفرد وذاتيته تمر أساسا بالجماعة وبالآخر ولهذا يرى أن الهوية الحديثة تتشكل بطريقة حوارية، على اعتبار أن الحوار هو نتاج للتجربة الاجتماعية للإنســان القائمة على التفاعل مع الآخرين. ومــن هنا اســتنتج تايلور قاعدة معرفية ووجودية وهي: “ليس الفكر الإنساني أحاديا، وإنما هو فكر حواري”[20]، وخلاصة هذه القاعدة أن مفهوم الجماعة والآخر لا يتعارض بالضرورة مع مفهوم الذات والهوية، وهو ما يعني حرية الفرد في اختيار توجهاته في الحياة دون الخضوع لمعايير الجماعة أو لأحادية الفكر الجماعي، كما أن علاقة الفرد بالجماعة يجب أن تكون علاقة حوارية يشوبها الاعتراف كقاعدة أساسية للتفاعل وأنموذج جديد للاندماج يسمح بترسيخ قيم العدالة في صورتها الثقافية والتي من خلالها يتم منح حقوق الأقليات التي لا تتعارض مع مبدأ كونية حقوق الإنسان.
كما أن مسألة الانتماء هي مسألة جوهرية في حياة الفرد باعتبار أنها من أهم السلوكيات الاجتماعية التي تحقق له التوازن النفسي، وذلك من خلال النسق التفاعلي بينه وبين والجماعة مما يخول له الانتماء إلى مجموعة معينة كشكل أولي ثم الانتماء إلى المجموعة الكبرى والتي هي الوطن، إذ يشعر الفرد فيه بالأمان والاندماج باعتباره عضوا معترفا به وفعالا داخله ومن خلاله يعتـز بهويته والولاء نحوه. والتطبيق الفعلي للتعددية الدينية والثقافية يعزز انتماء الأفراد لمجتمعاتهم، لأن الحاجة إلى الانتماء تكمن في كل التفاعلات الإنسانية، ذلك أن المشاركة الإيجابية تدفعه لتجاوز وجوده الفردي، وهذه الحاجة ضرورية للحفاظ على الاستقرار النفسي والاجتماعي للفرد، لأن أكثر ما يصبو إليه هو الاعتراف بهويته الشخصية واحترامها من قبل المنظومة الاجتماعية التي ينتمي إليها، وهذا ما يحلينا إلى أن مسألة الانتماء تقودنا بالضرورة إلى الهوية التي تقودنا بدورها إلى سبل العيش المشترك بين المختلفين والذي هو جوهر التعددية الدينية والثقافية وهذا ما يذهب إليه “سامي ” بقوله:” إن هويتنا الدينية لا تتعارض مع انتمائنا الوطني لكن شرط عدم اقصائنا، لأن تونس بلادنا وهي تتسع للجميع بغض النظر عن اختلافاتهم لكن الإشكال يكمن في الرافضين لوجودنا بتعلة أننا متحولين دينيا وخارجين عن نواميس عن المجتمع، وهذا ما يشكل تهديدا لأمننا وسلامتنا في محيطنا الاجتماعي وبالتالي يمثل رفضهم تهديدا لسبل التعايش بيننا ونحن لا نرغب في دخول صراع حول لمن تكون بلادنا لنا أم لهم”.
وبناء على ما سبق يجوز لنا أن نتساءل: هل أن تونس تتبنى فعلا توجهات ومبادئ التعددية الدينية؟ أم أنها مازالت تحت إرهاصات الفكر الجماعي الأحادي الرافض للتعدد والداعم لفكرة التجانس الاجتماعي؟
2-تمثلات المواطنة في ظل التعددية الدينية
تعد المواطنة من المفاهيم الإشكالية في تحديدها الدلالي داخل مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، لهذا نجد لها عديد التعريفات صب أغلبها في أن المواطنة “في جوهرها موقف عاطفي، ومشاركة وجدانية بين الفرد والوطن”[21]، وهو ما يجعلنا نستشف بعدين هامين ترتكز عليهما هذه العلاقة:
البعد الأول عاطفي يشير على المستوى التجريدي والنظري إلى طبيعة العلاقة التفاعلية بين الأفراد من خلال الاشتراك في نفس المنظومة الاجتماعية بما فيها من قيم وأفكار ومشاعر تربط الأفراد فيما بينهم من جهة، وتربطهم في نفس الوقت بالأرض التي ينتمون إليها من جهة أخرى. أما البعد الثاني فيتعلق بالجانب المادي الذي يشير إلى الالتزام بالقانون الضابط للعلاقة بين الأفراد كجماعات من ناحية، وبين الأفراد والوطن باعتباره كيانا سياسيا وباعتبارهم مواطنين من ناحية أخرى.
وقد اهتم علم الاجتماع بالمواطنة باعتبارها وسيلة للتموقع الاجتماعي داخل المجتمع، كما أنها آلية من آليات الاعتراف بالفرد كفاعل ضمن الجماعة التي ينتمي إليها. فقد عرّف “محمد عاطف غيث” المواطنة في قاموس علم الاجتماع “بأنها مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي(الدولة) ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول الولاء ويتولى الطرف الثاني الحماية وتحدث هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق القانون”[22]، الأمر الذي يبرز أن الجانب السوسيولوجي يهتم في هذا المجال بالوفاق الاجتماعي كمحدد لمواطنة الأفراد، ويؤكد على السبل التي تخول لهم الانخراط في انتماءات جماعية أخرى داخل نفس المجتمع مما يسمح لهم ببناء تمثلات مغايرة تماما لتمثلات المجتمع العام دون الانسلاخ عنه، ف“المواطنة هي القدرة على التعايش في مجتمع ديمقراطي تعددي، ومنفتح على العالم، والقدرة على الإسهام والمشاركة في بناء مجتمع عادل ومنصف يوفق بين احترام الخصوصيات وتقاسم القيم المشتركة”[23].
وانطلاقا من التعريف السابق نستنتج أن التعدد لا يتعارض مع مبدأ المواطنة، وبالتالي فإن التعددية الدينية لا تتعارض بدورها مع هذا المبدأ لأنها أصل وجداني للتماهي والتآلف الاجتماعي، وقد أشار أحد علماء الاجتماع الأمريكيين إلى أهمية الحرية الدينية في المواطنة الأمريكية مؤكدا على أن ” الحرية الدينية أو حرية الضمير، هي حق إنساني أساسي وثمين ولا يمكن التنازل عنه. وهي حرية المرء في الوصول إلى معتقدات معينة، والتمسك بها، وممارستها بحرية، أو تغيريها، بحيث لا يخضع إلا لما يمليه عليه ضميره ويكون مستقلا عن أي سيطرة خارجية خاصة السيطرة الحكومية. فهي ليست حقا من الدرجة الثانية، فهي حق لا يخضع إلى تصويت ولا يمكن لبيروقراطية الدولة الاعتداء عليه”[24].
مما يجعل مفهوم المواطنة مرتبطا أساسا بتطور المجتمعات وتمدينها وهيكلتها صلب كيان أطلق عليه مسمى “الدولة”، وهو ما يستوجب بالضرورة الحاجة إلى نظام اجتماعي يقود العلاقات الاجتماعية ويؤطرها ويوجهها للحفاظ على الأسس القيمية والمعيارية التي ينتظم ضمنها الأفراد.
فهل تفترض المواطنة شروطا معينة للتمتع بها؟ وكيف يكون الفرد مواطنا؟
2-1حرية المعتقد والوصم الاجتماعي
إن المتأمل في مفهوم الحرية سيرى أن جلها مرتبطة بالمسائل الاجتماعية المقترنة بدورها بالتغير الاجتماعي وبالعدالة والحق أيضا، كما أن الحرية من الجانب السوسيولوجي هي قدرة الأفراد على ممارسة إرادتهم الحرة في السياق الفردي والجماعي، وهو ما يعكس قدرتهم على الفعل من عدمه وذلك استنادا لإدراكاتهم المختلفة.
ويتجلى هذا بالأساس في المنحى الخاص بحرية المعتقد عندما “تتداخل المعتقدات الدينية بشدة في حياة الإنسان الخاصة، إذ أنها تمس بقناعاته الشخصية وطريقة فهمه للأشخاص الذين يحيطون به فلا يمكن إجباره على معتقد معين أو فكر معين، أو دين معين حيث أن المعتقد متعلق بإرادة الإنسان ويخضع لها بكل حرية، وبالتالي فهو مسؤول عنها”[25]، وفي هذا التحليل ما يعني أن للفرد الحرية “في أن يعتنق الدين أو المبدأ الذي يريده، وحريته في أن يمارس شعائر ذلك الدين سواء في الخفاء أو العلانية، وحريته في ألا يعتقد بأي دين، وحريته في ألا يفرض عليه دين معين أو أن يجبر على مباشرة المظاهر الخارجية أو الاشتراك في الطقوس المختلفة للدين، وحريته في تغيير دينه، وكل ذلك في حدود النظام وضمن الآداب”[26]، وهذا ما يؤكده مبحوثنا “سامي” (26 سنة طالب ماجيستر حقوق مسيحي) في قوله: “من المفروض أن كل إنسان حر في اختيار الدين الذي يريد، أنا ولدت في أسرة مسلمة هذا لا يعني أنني يجب أن أتبع نفس الدين، كما لا يعني أيضا أنني عندما أصبحت مسيحيا يجب أن أخفي معتقدي وانتمائي الذي أفخر به والذي يجسد إيماني وقناعاتي العقائدية، فلا أحد له الحق في معاتبتي أو محاسباتي لأنني أصبحت مسيحيا حتى والداي لا يملكان هذا الحق، فأنا لم أكن مسلما حتى أكون مرتدا”.
فالحرية الدينية هي من أكثر القضايا تعقيدا في العالم وتونس ليست بمنأى عن هذا التعقيد خاصة ما بعد الثورة إلى اليوم، ففي هذه العشرية بتنا نشهد حالات غليان خلقت صراعا بإسم الدين وهو ما بات يمثل إشكالية في ظل المفاهيم القيمية المرتبطة به، لذلك فان إجبار شخص على الاعتقاد بدين ما، يعد سلبا لإنسانيته كإنسان وفي هذا السياق يقول “جون فلوري”: “أية قيمة أخلاقية يمكن أن تكون لدين مفروض بالقوة، أو بالقهر المادي، أو بالضغط الاجتماعي أو بالعادات العشائرية أو بقوانين الحكومة؟ أية قيمة يحظى بها الانتماء إلى دين كيفما كان هذا الدين. إذا لم يكن الانتماء مبنيا على اختيار حر”[27].
وإن المسألة الدينية في تونس مبهمة إلى درجة تبعث على الاستغراب وربما يعود ذلك إلى جهل أغلب التونسيين بالتعدد والتنوع الديني الذي تعايشه البلاد منذ قرون مضت، لكن وبما أن المجتمع التونسي يعايش منذ الثورة إلى اليوم حالة من الدينامية التي أدت إلى بروز تحولات قيمية وأخلاقية وثقافية وحتى نفسية، وبالأخص في مسألة الحرية الدينية باعتبارها من أهم الحريات الفردية، فإن الطرح السوسيولوجي “لا يدخل الحتمية أو الجبرية في تناوله لمسألة الحريات الفردية. بل يركز على ضرورة وجود قوانين وقواعد ومعايير تحدد الفعل الإنساني داخل المجتمع، لأن الحرية يجب أن تقدم دوما كفعل”[28]، ولهذا فإن الخوض في مسألة الحريات الدينية هو بالضرورة خوض في التمثلات والمخيال الجمعي للمجتمع، مما يجعل الحرية في تونس أمرا مقدسا إلا فيما يتعلق بالشأن الديني فهو شأن ليس متاحا للنقاش أو الجدال، لذلك فمسألة التحول الديني أو تغيير العقيدة هي مسألة تثير الكثير من الامتعاض وعدم التقبل و”إنّ ما يجعل تغيير المعتقد أو التحول الديني مرفوضا… هو عدم اعتراف الثقافة الإسلامية بفردية التدين نفسه، ومن ثم فدين الفرد تفرضه الجماعة المؤمنة المتكلمة باسم الله. من هنا يختلط الاختيار الفردي الذي لا يوافق اختيارات الجماعة، وتاريخها الديني بالجماعة نفسها، ويصبح خاضعا لها، الشيء الذي يستدعي مفاهيم الطرد والإقصاء بما هي إفرازات لثقافة المجتمع“[29]، وفي نفس هذا السياق أشار الأستاذ عبد الوهاب حفيظ في مقاله المعنون ب” الدين وحرية الضمير، منعرج التحولات الكبرى”، إلى أنّ التونسي يرفض تماما أن يتحول أي فرد من مجتمعه إلى أي ديانة أخرى سواء كانت مسيحية أو بهائية أو حتى أن يتحول إلى المذهب الشيعي، ولئن وجدت نسبية في التقبل إلاّ أنّ “الطابع النسبي للرفض يتحوّل إلى رفض شديد وبنسبة عالية %88 عندما تستيقظ الهويات التاريخية والخصومات القديمة. وما يمكن أن يعامل كحرية شخصية في العموم يتحوّل إلى خطر على كيان الجماعة أي خطر “الانسلاخ”. ويمثل الموقف من الديانات غير الإسلامية اختبارا آخر لاشتغال كل من آليات الاستمرارية والوفاء للهوية من جهة ورياح التغيّر الديني من جهة أخرى”[30]، وهذا ما يعني أن مصير الأفراد غير المسلمين يضبط وفقا لإيديولوجيا يمكن استثمارها في أي وقت من اجل تأجيج الصراع الهوياتي والديني، وفقا لهذه الأيديولوجيا فإن كل متحول ديني هو شخص موصوم وتلازمه صفة “الغدر والخيانة”، وهذا ما تؤكده “مريم”( 42 سنة، تقني صحي، مسيحية) بقولها: ” منذ أن أعلنت اعتناقي للدين المسيحي أصبحت في نظر عائلتي ومحيطي الاجتماعي “كافرة” و”مرتدة”، والأهم أني أصبحت منبوذة كأنني مسخ، لا أفهم سبب هذا التحامل فأنا كما أنا لم أتغير فقط معتقدي هو الذي تغير وهو أمر يخصني وحدي، لكنهم لا يترددون في اعتباره أمر يخص كرامتهم وشرفهم ومعتقدهم ولهذا قطعت عائلتي كل علاقة تربطهم بي”، وهنا يشير “الوصم الى خلاف اجتماعي جدي حول مميزات أو معتقدات شخصية ينظر إليها على أنها تعارض القيم أو المعايير الثقافية السائدة وحسب جوفمان يحدث وصم الفرد عندما يحمل متغيرا نسبيا مقارنة بالنماذج الموجودة في الوسط الاجتماعي المباشر”[31]، فالتونسيون عادة ما يرون المتحول هو “الجاسوس” أو “المطورن”[32] باللهجة العامية، وهو ما يخول لهم إقصاءه وتجريده من انتمائه الوطني، لأنهم يخلطون بين مسألة الدين كعقيدة أو ممارسة فردية وبين الهوية الوطنية كانتماء جماعي، بمعنى أنّ الاعتراف الفعلي بوطنية الفرد التونسي مرتبطة بالانتماء لنفس النسق الاجتماعي خاصة منه الديني، فأنت إن لم تكن مسلما فلست تونسيا، وذلك لأنهم يزاوجون بين عملية التحول الديني والأحداث التاريخية الماضية أي أن الرفض مستند إلى الذاكرة الجمعية الموجوعة، فالتحول إلى المسيحية يرتبط بالحروب الصلبية ناهيك عن الاستعمار الفرنسي، أما التحول للشيعة فهو مرتبط بالصراع الطائفي السني الشيعي والسجال العقائدي بينهما، بينما ترتبط البهائية بالحركة الصهيونية وعادة ما تتم المزواجة بينهما.
“ليكون التحول الديني بذلك عند أغلب التونسيين بمثابة الانسلاخ عن الجسد الاجتماعي، هو “خيانة” لنظمه وقيمه باختصار هو التخلّي عن الانتماء الذي به تتأسّس الوحدة الاجتماعية، وهنا نستشف مدى التأثير الاجتماعي للدين والذي به تضبط مستويات العلاقة بين الفاعلين الدينين المختلفين، كما أن الوصم الاجتماعي للمتحولين هو عبارة عن عقوبة جماعية للفرد الخارج عن النسق السائد الذي حددته الجماعة، مما يجعل منه منحرفا عن القاعدة الكلية لذلك يجب عزله”[33].
2-2 حراك ديني باحث عن الاعتراف الاجتماعي
يرى العديد من الفاعلين الحقوقيين أن الإقرار الدستوري بحرية المعتقد والضمير والذي كان من أهم ما جاء به دستور 2014، ما هو إلا تنصيص شكلي أو صوري فهو لم يفعَل كقانون صادر في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، كما يتضمن هذا الإقرار العديد من التناقضات التي تحد من حيز حرية الضمير بل وتقييدها، وهو ما يجعل الأفراد المتمتعين بهذا الحق مواطنين من درجة ثانية على حد تعبير بعضهم، وذلك استنادا “إلى الفصل الرابع والسبعين من الباب الرابع، السلطة التنفيذية، نقرأ: “الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلام”[34]، وهو ما يعني أن باقي الأطياف الدينية والعقائدية ليس لها الحق في أن تترشح لهذا المنصب، مما يجعلنا نتساءل هل أن المواطنة الفعلية تقوم على معيار المساواة في الحقوق والواجبات أم على أساس الإنماء الديني؟
فقد اعتبر العديد من المتحولين دينيا والحقوقيين أن ما أرفده هذا الفصل يعد إقصاء فعليا لباقي المواطنين غير المسلمين وهو ما يتعارض مع مفهوم المواطنة والتي ينص جوهرها على المشاركة في الحكم والمساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن الدين أو العرق، فالانتماء للوطن والالتزام بقانون الدولة هو المعيار الأساسي للحصول على كافة الحقوق والواجبات، وفي هذا الصدد يقول مبحوثنا “رامي”( 38 سنة مهندس إعلامية، بهائي) ” أنا كبهائي من حقي أن أشعر بأني موطن تونسي متمتع بكل حقوقي، خاصة وأنني أقوم بكل واجباتي تجاه الوطن، لهذا يعد الفصل 74 فصلا إقصائيا يجسم التفرقة بين التونسيين على أساس ديني وهذا لا يجوز خاصة وأن تونس على ما أعتقد هي دولة مدنية التوجه وليست دينية، وبالتالي هذا الفصل يتعارض مع مدنية الدولة”، ناهيك أنّ العديد من المبحوثين نددوا ببعض الإجراءات التي تقوم بها الدولة والتي اعتبروها انتهاكا لخصوصياتهم ولحرياتهم في الفضاء العام، ومنها إغلاق المقاهي والمطاعم في شهر رمضان والحملات البوليسية المصاحبة لهذا الإجراء وفي هذا الإطار تقول “أميمة”( 27سنة طالبة ماجيستر صحافة، لا دينية) :”أنا كثيرا ما أتساءل هل أنا فعلا مواطنة تونسية تعيش في إطار دولة مدنية؟، لأن المتأمل يلاحظ أنه لا تتوفر أدنى مقومات الدولة المدنية في بلادنا فهي أقرب لنظام إسلامي منه للدولة المدنية خاصة بعد الثورة إلى اليوم، أنا تونسية لا دينية، فبأي حق يتم حرماني مثلا من أن أتناول الطعام خارج المنزل في شهر رمضان؟، أنا أحترم عقائد الأخرين لكن في المقابل لا أسمح بأن يتم هتك حريتي على أساس ديني، ولماذا يجب على الأفراد غير المسلمين أن يحاسبوا وأن تتم دعوتهم لمراكز الشرطة بمجرد التعبير عن أفكارهم أو معتقدهم الديني، والأنكى أن تهمتهم هي الإخلال بالأمن العام ! إن كل ما أنشده هو أن أمارس حريتي وأبسط حقوقي في الفضاء العام الذي هو فضاء مشترك بين كل المواطنين دون اعتبار لاختلافاتهم”.
لقد شهدت الساحة الاجتماعية في تونس العديد من الانتهاكات التي طالت معالم دينية غير إسلامية كالاعتداء على مقبرة يهودية في 2020، وقبلها تخريب كنس يهودي في صفاقس في 2014 إلى جانب دعوات من بعض المتعصبين دينيا تدعو إلى تحويل كاتدرائية شارع الحبيب بورقيبة إلى مسجد، كل هذه الانتهاكات رصدتها عدة جمعيات حقوقية مهتمة بالشأن الديني في تونس وبالأخص بالأقليات الدينية.
كما نددت هذه الجمعيات إلى جانب ثلة من الحقوقيين بسياسة الدولة في التعامل مع مثل هذه التجاوزات رغم أن قوانينها تجَرم هذا التجاوز، مما يجعلنا نعتقد أن الدولة تستعمل الدين كمجرد أيديولوجيا وآلية من آليات الهيمنة السياسية، كما حذرت مجموعة من الحقوقيين من مغبة المفاضلة بين الجماعات والتمييز بينها، لأن هذا التمايز يصنع التطرف والتعصب بين الجماعات ويتحول الانتماء من الانتماء الخالص للوطن إلى الانتماء الخالص للجماعة بسبب الإحساس بالظلم والاضطهاد والمكانة الدونية وهذا الانتماء “قد يتحول إلى غطاء ديماغوجي شعبوي لانعدام المساواة، هذه جاذبية القومية، هذه فرصتها وهذا خطرها”[35].
وفي إطار هذا الحراك الديني الحقوقي تقوم ثلة من المتحولين دينيا بعقد عدة ندوات حوارية بين مختلف الأطياف الدينية في تونس يتناقشون فيها حول عدة مواضيع تنصب كلها حول مسألة الاعتراف السياسي بهم لأن هذا الاعتراف سيمنحهم الأمن الاجتماعي، خاصة وأن المنظومة الأمنية في تونس تقترف عدة تجاوزات في تعاملها معهم فعلى حد تعبير “رمزي”( 39سنة، متحصل على الاستاذية في الاقتصاد وصاحب مشروع، مسيحي) ” أنا كمتحول ديني كثيرا ما أجد نفسي مضطهدا في المراكز الأمنية، فمن الضحية أجد نفسي المتهم لا لشيء فقط لأنني أرتدي الصليب، كما أن الأمن دائما ما يترك المشكل الأصل ويصب اهتمامه في أسباب تحولي الديني، وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى شتمي ووصمي”، بالإضافة إلى ما سبق تجدر الإشارة إلى أن الكثير من المتحولين دينيا وطائفيا نددوا خلال عملنا الحقوقي عبر عديد المقابلات التي اشتغلنا عليها على مدار الست سنوات الماضية، بحرمانهم من أبسط حقوقهم كمنعهم من إنشاء دور عبادة محلية، وعدم تمكينهم من إنشاء مقابر خاصة بهم خاصة في ظل الانتهاكات التي تطال موتاهم عند دفنهم في مقابر المسلمين والتي تصل إلى حد نبش القبر في الكثير من الحالات بتعلة أنه لا يجوز دفن “الكفار” في مقابر المسلمين. وإن ما لاحظناه من خلال البحث الميداني هو أن المتحولين دينيا لا يبحثون عن الانتساب إلى المجتمع التونسي لأنهم ينتمون إليه فعليا وهم لا يبحثون عمن يمنحنهم صفة المواطنين لأنهم يرون أنفسهم مواطنين لكن مسلوبي الحقوق بسبب انتمائهم الديني، وهذا ما يجعل مواطنتهم منقوصة وفي هذا السياق يقول خليل أحمد خليل: ” وذلك لأن الانتساب هو معطى اجتماعي تقليدي، أما الانتماء هو حدث اجتماعي ينجم عنه الفردية الاجتماعية أو الشخصية الاجتماعية للفرد الطبقي أو الوطني”[36]، وهو ما يحلينا على عجز النظام السياسي عن اِحتواء كل الأطياف الدينية، وهذا العجز يحيلنا بدوره على بروز نعرات التعصب والتطرف الديني سواء كان ذلك من الأغلبية المسلمة تجاه المتحولين أو العكس بالعكس، فالدولة مسؤولة عن ترسيخ قيم التعددية الدينية حتى يتسنى لكافة الأفراد العيش في كنفها مما يجسَم مبادئ التعايش السلمي، فمسألة الاعتراف بالآخر هي مسألة تتحملها الدولة أولا وأخيرا كما أنها تساهم في تعزيز مسألة الانتماء في نفوس المختلفين دينيا وتقوي رابط الهوية الوطنية.
خاتمة:
إن العمل على ترسيخ مبادئ التعددية الدينية في ظل المجتمعات المختلفة دينيا بما فيها المجتمع التونسي هو أمر واجب، لعدة اِعتبارات أهمها الحفاظ على الوحدة الوطنية من التشتت ومن خطر الانقسامات الدينية، فضلا عن الصراعات الطائفية التي يمكن أن تطال المجتمع التونسي خاصة أمام جهل أفراده بتنوعهم وتعددهم مما يجعلهم يتعاملون مع مسألة التحول الديني إما بعنف باعتباره تهديدا لمنظومة القيم الاجتماعية أو باللامبالاة عند مجموعة أخرى تراهم مجرد حالات شاذة لا يجب التعامل معها وفي ذلك شكل من أشكال الإقصاء أيضا. وفي المقابل يرى المتحولون دينيا أنه على الدولة ترسيخ قيم التعددية الدينية والتي أساسها مسألة الاعتراف بهم كمكون أساسي ضمن النسيج الاجتماعي التونسي، لأنها الضمانة الوحيدة لأمنهم الاجتماعي خاصة في ظل ما يواجهونه من نبذ ووصم اجتماعي، فالاعتراف بهم كعناصر فاعلة صلب المجتمع التونسي يستوجب استراتيجية كاملة تشمل كل المجالات الحيوية في البلاد وأهمها قطاعي الإعلام والتربية والتعليم، فقد طالب العديد من النشطاء من مختلف الأديان والأطياف الدينية بإدراج مقررات دراسية في المناهج التعليمية تتناول مسألة التنوع والتعدد الديني وتاريخه في تونس حتى يتسنى للنشء معرفة أنهم يعيشون ضمن مجتمع متعدد الثقافة الدينية، كما طالبوا أيضا بوجوب الإعلان عن الاحتفالات الدينية الخاصة بكل ديانة أو طائفة في الإذاعات الرسمية تماما كما يقع الاحتفال بالأعياد الإسلامية و بأن تدرج أعيادهم أيضا في هذه الرزنامة، إلى جانب عدم تغيب الآخر وإقصائه من المشهد السياسي وكذلك من السياق الدرامي والإعلامي باعتبارهما من أهم الوسائل التي تعرَف بهم وبوجودهم في النسيج الاجتماعي التونسي لأنهما يعتبران أيضا وسيلة من وسائل الضغط والتغيير الإجتماعي مما يسهل عملية تقبَلهم وتقبَل معتقدهم في المجتمع.
المراجع:
1-حسام علي حسن العبيدي، التعددية الدينية…المفهوم والاتجاهات، مجلة العميد للأبحاث والدراسات الإنسانية، المجلد الرابع، العدد 14، 2015، ص99.
2-محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية للنشر والطبع والتوزيع، بيروت، 2000، ص56.
3-أكرم بلخير، التعددية الدينية كحل للتعايش السلمي، مجلة العلوم الاجتماعية، العدد 7، المركز العربي الديمقراطي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ألمانيا، 2018، ص. (69-70).
4-الفنا هداية ملك، الإسلام والتعددية الدينية في اندونيسيا، فكري: مجلة الدراسات الدينية والاجتماعية والثقافية، 2019، ص.244.
5-علي غيضان السيد، فلسفة الدين: المصطلح من الإرهاصات إلى التكوين العلمي الراهن، ط1، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، لبنان، 2019، ص 36.
6- حسن الصفار، التعددية الدينية قراءة في المعنى، ط1، مكتبة الملك فهد الوطنية، السعودية، 2015، ص 47.
7-ماجد الغرباوي، إشكاليات التجديد، ط3، مؤسسة المثقف العربي، أستراليا، 2016، ص 56.
حسن الصفار، مصدر سابق، ص 22.
8-حسام علي حسن العبيدي، التعددية الدينية…المفهوم والاتجاهات، مصدر سابق، ص115.
9-ابن أبي ضياف، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، مجلة 2 ج4، الدار العربية للكتاب، تونس، تونس،1999، ص 240.
10-رشاد عبد الله الشامي، إشكالية اليهودية في إسرائيل، عالم المعرفة، الكويت، 1997، ص 43.
عامر عبد زيد الوائلي، الدين والهوية بين ضيق الانتماء وسعة الابداع، مؤمنون بلاحدود، 2016، ص 8.
11-عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الهوية: جدليات الوعي والتفكك وإعادة البناء، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2017، ص26.
12- دنيس كوش، مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، ط1، ترجمة: منير السعيداني، مراجعة: الطاهر لبيب، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2007، ص154.152.
13-أمين معلوف، الهويات القاتلة، ترجمة: نهلة بيضون، دار الفارابي، بيروت، 2004، ص 24.
14-Claude Lévi-Strauss, L’identité, Presse universitaire de France, 2007, p9.
15-بغورة الزواوي، التعددية الدينية والهوية الوطنية والقومية، مجلة التفاهم عدد 49، 2015، ص 224.
16-محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، مصر، 1995، ص.96.
17-لحسن بوتكلاي، التربية على المواطنة من نقل المعارف إلى بناء الكفایات، مجلة عالم التربية بعنوان التربية على المواطنة وحقوق الإنسان، العدد 15، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البیضاء، 2004، ص 325.
18-Charles Taylor, Multiculturalisme Différence et démocratie, Paris, Flammarion, 1994, p50.
19-شريف الدين بن دوبة، المواطنة مفهومها جذورها التاريخية وفلسفتها السياسية، ط1، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، بيروت، 2019، ص.18.
20-دون أي ايبرلي، بناء مجتمع من المواطنين، ط1، ترجمة هشام عبد الله، الاهلية للنشر، الأردن، 2003، ص.364.
21-أماني محمد غازي جرار، الإتجاهات الفكرية لحقوق الإنسان وحرياته العامة، دار وائل، عمان 2009، ص54.
22-بدوي ثروت، النظم السياسية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972، ص422-423.
23-Jean Flori, « Religions et liberté religieuse », conscience et liberté, 2010, n° : 71, p 14.
24-Herni Bergson, la pensée et le mouvant : Essais et conférences, bibliothèque de philosophie contemporaire, paris : presses universitaires de France, 1969, P 16.
25-عياد ابلال، الجهل المركب الدين والتدين وإشكالية تغيير المعتقد الديني في العالم العربي (مقاربة سوسيو انثروبولوجية)، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 2018، ص 262.
26-عبد الوهاب حفيظ،” الدين وحرية الضمير، منعرج التحولات الكبرى، تقرير الحالة الدينية في تونس، 2015، ص 20.
27-وسيلة شابو، تأثير الوصم على أعمال حقوق الانسان، “مجلة صوت القانون” العدد 8، الجزائر، 2017، ص347.
28-صبرين الجلاصي، ارهاصات التحول الديني في تونس، مؤسسة تكوين للفكر العربي، 2024.
29-محمد يوسف ادريس، حرية الضمير في الدستور التونسي الجديد بين دواعي الانفتاح على القيم الانسانية وسلطة المرجع الثقافي، مؤسسة مؤمنون بلا حدود 2016، ص 8.
30-عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الهوية: جدليات الوعي والتفكك وإعادة البناء، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2017، ص 149.
[1]حسام علي حسن العبيدي، التعددية الدينية…المفهوم والاتجاهات، مجلة العميد للأبحاث والدراسات الإنسانية، المجلد الرابع، العدد 14، 2015، ص99.
[2] محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية للنشر والطبع والتوزيع، بيروت، 2000، ص56.
[3] أكرم بلخير، التعددية الدينية كحل للتعايش السلمي، مجلة العلوم الاجتماعية، العدد 7، المركز العربي الديمقراطي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ألمانيا، 2018، ص. (69-70).
[4] سعت النظم السياسية السابقة في إطار بناء الدولة الحديثة ما بعد الاستقلال إلى القضاء على كل أشكال التمييز بين التونسيين، سواء كان هذا التمييز على أساس اللون أو العرق أو العروشية والأهم الدين وذلك من أجل بناء اجتماعي متجانس يتسم بالاتساق والتكامل. لكن خلال سعيها لوضع لبنات هذا التجانس قامت الدولة بفرض وصاية على المجال الديني ومأسسته رسميا، وبالتالي أصبح الدين يمارس تحت الوصاية والرقابة السياسية للحفاظ على صورة الوفاق الاجتماعي بين المواطنين، وهذا ما يفسر عدم معرفة العديد من أفراد الشعب التونسي بأنهم يعيشون ضمن تعددية دينية.
[5] الفنا هداية ملك، الإسلام والتعددية الدينية في اندونيسيا، فكري: مجلة الدراسات الدينية والاجتماعية والثقافية، 2019، ص.244.
[6] علي غيضان السيد، فلسفة الدين: المصطلح من الإرهاصات إلى التكوين العلمي الراهن، ط1، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، لبنان، 2019، ص 36.
[7] حسن الصفار، التعددية الدينية قراءة في المعنى، ط1، مكتبة الملك فهد الوطنية، السعودية، 2015، ص 47.
[8] ماجد الغرباوي، إشكاليات التجديد، ط3، مؤسسة المثقف العربي، أستراليا، 2016، ص 56.
[9] حسن الصفار، مصدر سابق، ص 22.
[10] جون هروود هيك (1922-2012) أستاذ في فلسفة الدين وثيولوجي، يعد من أول المنظرين للتعددية الدينية فمن قناعاته أن اختلاف الآلهة في العالم هو ببساطة طريقة مختلفة لرؤية الإله عبر تفكير مرتبط بتداول الحضارات.
[11] حسام علي حسن العبيدي، التعددية الدينية…المفهوم والاتجاهات، مصدر سابق، ص115.
[12]ابن أبي ضياف، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، مجلة 2 ج4، الدار العربية للكتاب، تونس،1999، ص 240.
[13] رشاد عبد الله الشامي، إشكالية اليهودية في إسرائيل، عالم المعرفة، الكويت، 1997، ص 43.
[14]عامر عبد زيد الوائلي، الدين والهوية بين ضيق الانتماء وسعة الابداع، مؤمنون بلاحدود، 2016، ص 8.
[15] عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الهوية: جدليات الوعي والتفكك وإعادة البناء، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2017، ص26.
[16] دنيس كوش، مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، ط1، ترجمة: منير السعيداني، مراجعة: الطاهر لبيب، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2007، ص154.152.
[17] أمين معلوف، الهويات القاتلة، ترجمة: نهلة بيضون، دار الفارابي، بيروت، 2004، ص 24.
[18] Claude Lévi-Strauss, L’identité, Presse universitaire de France, 2007, p 9.
[19] بغورة الزواوي، التعددية الدينية والهوية الوطنية والقومية، مجلة التفاهم عدد 49، 2015، ص 224.
[20] Charles Taylor, Multiculturalisme Différence et démocratie, Paris, Flammarion, 1994, p50.
[21] شريف الدين بن دوبة، المواطنة مفهومها جذورها التاريخية وفلسفتها السياسية، ط1، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، بيروت، 2019، ص.18.
[22] محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، مصر، 1995، ص.96.
[23] لحسن بوتكلاي، التربية على المواطنة من نقل المعارف إلى بناء الكفایات، مجلة عالم التربية بعنوان التربية على المواطنة وحقوق الإنسان، العدد 15، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البیضاء، 2004، ص 325.
[24] دون أي ايبرلي، بناء مجتمع من المواطنين، ط1، ترجمة هشام عبد الله، الاهلية للنشر، الأردن، 2003، ص.364.
[25] أماني محمد غازي جرار، الإتجاهات الفكرية لحقوق الإنسان وحرياته العامة، دار وائل، عمان 2009، ص54.
[26] بدوي ثروت، النظم السياسية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972، ص422-423.
[27] Jean Flori, « Religions et liberté religieuse », conscience et liberté, 2010, n° : 71, p 14.
[28] Herni Bergson, la pensée et le mouvant : Essais et conférences, bibliothèque de philosophie contemporaire, paris : presses universitaires de France, 1969, P 16.
[29] عياد ابلال، الجهل المركب الدين والتدين وإشكالية تغيير المعتقد الديني في العالم العربي (مقاربة سوسيو انثروبولوجية)، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 2018، ص 262.
[30] عبد الوهاب حفيظ،” الدين وحرية الضمير، منعرج التحولات الكبرى، تقرير الحالة الدينية في تونس، 2015، ص 20.
[31] وسيلة شابو، تأثير الوصم على أعمال حقوق الانسان، “مجلة صوت القانون” العدد 8، الجزائر، 2017، ص347.
[32] مطورن هو لفظ كان يطلق على المتجنسين التونسيين في عهد الاستعمار، ثم أصبح يطلق على كل فرد يعتنق الدين المسيحي فهو من الأوصام الاجتماعية المتداولة بالنسبة للمتحولين.
[33] صبرين الجلاصي، ارهاصات التحول الديني في تونس، مؤسسة تكوين للفكر العربي، 2024.
[34] محمد يوسف ادريس، حرية الضمير في الدستور التونسي الجديد بين دواعي الانفتاح على القيم الانسانية وسلطة المرجع الثقافي، مؤسسة مؤمنون بلا حدود 2016، ص 8.
[35] عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الهوية: جدليات الوعي والتفكك وإعادة البناء، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2017، ص 149.
[36] خليل أحمد خليل، سوسيولوجيا الجمهور السياسي الديني، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، لبنان، 2009، ص321.