التعصب عند بعض روُاد النهضة.. مفهومه وسبل مواجهته

 تكوين

برز مفهوم التعصُب في الفكر الإسلامي الحديث منذ التباشير الأولى لعصر النهضة عند المسلمين. فقد ألفينا جمال الدين الأفغاني يُعرفه لغةً واصطلاحًا بقوله: “التعصب، قيام بالعصبية، والعصبية من المصادر النسبية، نسبة إلى العصبة، وهي قوم الرجل الذين يعززون قوته ويدفعون عنه الضيم والعداء، فالتعصب وصف للنفس الإنسانية تصدر عنه نهضة لحماية من يتصل بها والذود عن حقه، ووجوه الاتصال تابعة لأحكام النفس في معلوماتها ومعارفها. هذا الوصف هو الذي كَوَّن الله به الشعوب وأقام بناء الأمم، وهو عقد الربط في كل أمة، بل هو المزاج الصحيح يوحد المتفرق منها تحت اسم واحد”[1].

التعصب لغة واصطلاحاً

ينطلق الأفغاني من التعريف اللُّغوي للفظ العصبية، وهو تعريف يقوم على معنى قبلي جِماعُه التفاف مجموعة ترتبط برابطة الدم والنسب على فرد منها لحمايته وتقويته. ويستثمر هذا المعنى لصياغة تعريف اصطلاحي للتعصب يختزله في جانب نفسي إنساني يكون قادحًا لسلوك اجتماعي يؤكد قانونًا معروفًا في علم الاجتماع يتمثل في جنوح كل جسم اجتماعي إلى الدفاع عن ذاته وكِيانه من كل خطر يتهدد أحد مكوناته أو كلها.

ولما كان هذا التعريف مُتسعَ الدلالة سعى الأفغاني في تحديده وتدقيقه من طريق العُرف اللُغوي المعمول به في زمنه، فأكد أنه يستخدم في المقام الأول للدلالة على النعرة في الجنس وأن مرجع هذه النعرة رابطة النسب والاجتماع في منبت واحد. إلا أن هذا الاستخدام توسع بعد ذلك فأطلق على قيام المرتبطين برابطة الدين لمناصرة بعضهم بعضًا. هكذا تغيرت دلالة لفظ التعصب واتسعت إلى معنى الاتحاد الديني بين أهل الدين الواحد، فالتقى بذلك هذا المعنى مع غاية متأصلة في نفس الأفغاني تتمثل في السعي في تحقيق وَحْدة إسلامية على أساس جامع مشترك بين المسلمين هو الدين الإسلامي.

ولما كان الأفغاني مُدركًا أن تصوره الإيجابي للتعصب مثالي وغير متطابق مع تاريخ الممارسة الإسلامية في كثير من الحالات حاول تنسيبه من طريق الإقرار بوجود درجات للتعصب تُعد الدرجة الوسطى فيه والمعتدلة درجة الكمال ومحل التنويه يقول:

“نعم إن التعصب وصفٌ كسائر الأوصاف له حد اعتدال وطرف إفراط وتفريط واعتداله هو الكمال الذي بينا مزاياه، والتفريط فيه هو النقص الذي أشرنا لرزاياه والإفراط فيه مذمة تبعث على الجور والاعتداء”[2].

ويبدو أن الموقف الإيجابي من التعصب المعتدل وفق عبارة الأفغاني كان له صداه عند بعض أعلام عصر النهضة على غرار سليمان البستاني (ت 1925م) الذي ذكر أن “التعصب -دينيًا كان أو جنسيًا- إذا لم يتجاوز حب الدين والجنس إلى بُغض من خرج عنهما فليس بالخلة المذمومة… وإنما المُراد هنا التعصب الذميم الذي يدفعك إلى كراهة أبناء دينك وجنسك وهو الآفة الكبرى التي نخرت عظام البشر قرونًا طوالًا وما تزال في بلاد الشرق علة العلل”[3].

ولئن انطلق الأفغاني من المعنى اللُغوي للفظ التعصب ليصل إلى معنى اصطلاحي إيجابي له، فإن روادًا آخرين ركزوا في المعنى السلبي الذي يُفيده هذا اللفظ. ومن ممثلي هذا التيار أديب إسحاق (ت. 1876م) فهو يرى أن لفظ التعصب جرى استخدامه في الكتابات العربية بمعنى الغُلو في الدين والرأي إلى حد التحامل على من خالفهما بشيء فيما يدين وما يرى. وفي المقابل يرى هذا الكاتب السوري أن

“لفظ التساهل يعني الاعتدال في المذهب والمعتقد على ضد ذلك الغلو متابعة للإفرنج في لفظهم المُعبر عن هذا القصد (توليرانس)”[4].

ومن الواضح أن هذا المفهوم متأثر بالتصور الغربي للتسامح ونقيضه وأنه ينقسم إلى قسمين محوريين: أحدهما نظري، يتمثل في تجاوز حد الاعتدال في التشبث برأي ما أو موقف ديني معين. أما المحور الآخر، فهو محور عملي ينعكس من طريقه هذا الغلو في الرأي أو في الدين في شكل سلوك رافض لرأي الآخر المخالف لرأي المتعصب، وقد يصل الأمر به إلى استخدام القوة ضده.

والظاهر أن هذا الاتجاه في فهم التعصب بوصفه ضديدًا للتسامح هو الذي قُدِّر له الانتشار والرسوخ في الفكر العربي بمختلف روافده الإسلامية والمسيحية. فأمين الريحاني اللبناني المسيحي على سبيل المثال (ت 1940م) لا نجده يُعرف التعصب لأنه يكفي في نظره تعريف التسامح كي يُفهم أن نقيضه هو التعصب، لذلك يُعرف التسامح بتعريفين: أحدهما عام والآخر خاص قائلًا:

“التساهل هو التسامح بوجود ما يُخالفك، وهذا تحديد عام. أما الخاص فهو إجازة العقائد والطقوس الدينية التي تخالف العقائد والطقوس المألوفة، وهذا تحديد لا يُطابق حالتنا ولا يوافق الظروف الحاضرة فإليكم بتحديد يأتي بالمراد: التساهل الديني هو الاعتبار والاحترام الواجب علينا إظهارهما نحو المذاهب المُتمسك بها آخرون من أبناء جنسنا ولو كانت هذه المذاهب مُناقضة لمذاهبنا”[5].

التعصب في قراءة البستاني هو أب التسامح لأنه يسبقه في كل الأحوال ولولا التعصب الذي ساد أوروبا في القرون الوسطى لما برزت فكرة التسامح الديني مع المخالفين في العقيدة والدين سواء داخل الدين نفسه أو خارجه.

ومن الظاهر أن هاتين القراءتين المتباينتين لمفهومي التعصب والتسامح وإن استندتا إلى مرجعيتين مختلفتين إحداهما لُغوية والأخرى فلسفية مثلما لمَّح إلى ذلك فرح أنطون بقوله: “لا نقدر أن نُعرف “التساهل” تعريفًا لُغويا لأن تلك الكلمة دخيلة في اللغة العصرية الجديدة وإنما نُعرف معناه باصطلاح الفلاسفة”[6]، فإن خلفياتهما وغاياتهما مختلفة أيضًا بين من يُركز على عامل الدين أساسًا يَشدُّ بناء الأمة، ومن يرى أن رابط المواطنة هو الذي ينبغي أن يؤدي هذا الدور، ليسمح بدخول كل من يعيش في البلاد الإسلامية ضمن الأمة بقطع النظر عن انتمائه الديني.

ولا خلاف –فيما نقدر- أن المفهوم السلبي للتعصب هو الذي كانت له الغلبة في الفكر الإسلامي المعاصر وأن مرجعيته الفلسفية الأوروبية هي التي أضحت السلطة الحاكمة في أذهان مُمثلي هذا الفكر، ولم يعد الدين وحده المكون الوحيد لهذا المفهوم وإنما أصبح أحد مكوناته وتجلياته إلى جانب التجلي السياسي والفكري والقومي.

ويذهب حسن حنفي في هذا الصدد إلى أن التعصب هو الانحياز التحزبي إلى شيء من الأشياء: فكرة أو مبدأ أو معتقدًا أو شخصًا… ويتضح عنصران بارزان في التعصب أحدهما إيجابي والآخر سلبي: الأول، هو اعتقاد المرء بأن الفئة التي ينتمي إليها أسمى وأرفع من بقية الفئات. والآخر، هو اعتقاده بأن تلك الفئات أحط من الفئة التي ينتمي إليها. ويرتبط مفهوم التعصب ذاته في أذهان الناس أكثر بالجانب السلبي، فالتفسير الحديث للمتعصب هو ذلك الذي يحتقر فئة معينة أو يتحامل عليها. فالتعصب هو في أساسه نظرة سلبية إلى المختلف والمتعصب يتجه إلى تحقير الآخرين وإلحاق الضرر بهم أكثر مما يميل إلى تأكيد مزاياهم الخاصة”[7].

وما من شك في أن حسن حنفي تأثر في صياغة هذا المفهوم بتراث فلاسفة عصر الأنوار وخاصة سبينوزا وفولتير، فالأول تَرجم له حنفي كتابه “رسالة في اللاهوت والسياسة[8] والآخر، يعده حنفي أبرز مفكري القرن الثامن عشر دفاعًا عن التسامح ومحاربة للتعصب، وكتب كتابًا بعنوان “مقبرة التعصب” عام 1736م ونشره عام 1767م[9].

كيف نتخلص من التعصب؟

  • 1- الحل القيمي الأخلاقي: قيمتا العدل والحرية الدينية

ذهب أديب إسحاق استنادًا إلى سلطة أحد الكتاب الفرنسيين إلى أن التشبث بالقيم الإنسانية العليا هو المُخلص من التعصب يقول: “وأما وجوب التساهل على الإنسان من جهة حق الناس عليه فلأن العدل المُوجب للتكافؤ يُلزمه بقبول ما يريد أن يقبله الناس منه سواء. ولما كان أول واجباته الأدبية التماس الحق والصواب، وثانيها إيضاح ذلك الحق بالأقوال والأعمال كان من الظلم القبيح أن يمنع غيره من إبداء ما يظنه ذلك الآخر صحيحًا… وأما وجوب التساهل من الجهة الثالثة جهة الحقيقة الخالصة فقد أثبته العقل ولم تنفه نصوص الأديان قال ترتليانوس الكلامي: ليس من البر ولا التقوى أن تسلب حرية الناس في أمور الدين فإن الله سبحانه وتعالى مُنزه عن أن يريد أن يُعبد اضطرارًا”[10].

وقد سلك الأفغاني مسلكًا مشابهًا لهذا عندما رأى أن الاعتصام بالرابطة الدينية الخاضعة للعدل والاعتدال هو حل التعصب المُفرط المذموم يقول: “ولكن عليكم في رعايتها (الرابطة الدينية) أن تخضعوا لسطوة العدل فالعدل أساس الكون وبه قوامه، ولا نجاح لقوم يزدرون العدل بينهم وعليكم أن تتقوا الله وتلتزموا أوامره في حفظ الذمم ومعرفة الحقوق لأربابها وحُسن المعاملة وإحكام الألفة في المنافع (يقصد المصالح) الوطنية بينكم وبين أبناء أوطانكم من أرباب الأديان المختلفة، فإن مصالحكم لا تقوم إلا بمصالحهم كما لا تقوم مصالحهم إلا بمصالحكم، وعليكم أن لا تجعلوا عصبية الدين وسيلة للعدوان وذريعة لانتهاك الحقوق فإن دينكم ينهاكم عن ذلك ويتوعدكم عليه بأشد العقاب”[11].

ونلفي من جهة أخرى من رَكَّزَ في قيمة المواطنة لتكون وجهًا من وجوه التصدي للتعصب الديني. وفي هذا الصدد يدعو أمين الريحاني إلى أن يبقى كل فرد على دينه إذا دله عقله على صحته وبعد الاستنارة الكافية والترفع عن الأهواء. ويشدد على أنه لا ينبغي انتظار الوصول إلى دين واحد مقبول عند الجميع على شاكلة الحقائق الرياضية والعلمية، لذلك فالحل في نظره في رابطة المواطنة أو الوطنية يقول:

“ولتجمعنا الوطنية إذا فرقنا الدين والله لا يُريد التفريق”[12].

اقترح الريحاني من جهة أخرى حلًا من حلول التعصب الديني يتمثل في فصل الدين عن الدنيا فالدين اختلط في نظره بكل مجالات العمل الإنساني الاقتصادية والسياسية وغيرها، فكان باعثًا على الانقسام ومدعاة لتوظيفه لغايات دنيئة، لذلك كان النأي بالدين عن مجال الدنيا أمثل حل لهذا الوضع. يقول:

“فلنتناسَ الديانة في التجارة وللنبذ التجارة في الاجتماعات السياسية والأدبية ولنسجد لربنا ولنمجده –إذا كان لنا رب غير المال- غير مُفترقين إلا في المعابد، وإني لأعجب من التناقض الذي يُخالط أعمالنا وعقائدنا، فمن وجه نقول إن الدين هبط من وراء الغيوم وهو مقدس، ومن وجه آخر نستخدم الدين لتنفيذ مآربنا الدنيئة فنسلب منه القداسة وننزع عنه الاحترام بإدخالنا إياه في الدوائر المدنية من سياسية وتجارية”[13].

وقد نادى الريحاني –فضلًا عن ذلك- بتأصيل التسامح الديني في تربة التعصب للتخلص من مساوئه وهدمه، يقول: “متى تزول الشقاقات الدينية ويُداس التعصب تحت نعال المدنية؟ متى نؤلف جمعية التساهل ونبني كنيسة التساهل ونشيد مدرسة التساهل ونؤسس جريدة التساهل وتصير أعمالنا كلها تساهلا بتساهل؟”[14].

فالتساهل أو التسامح في نظره أساس التمدن الحديث وحجر الزاوية الجامعة المدنية وهو الذي وضع حدًا للاضطهادات الفظيعة وكسر السيف الذي استخدمته الدول لاستئصال شأفة من خالفها بالمذهب، ومما يُدعم شرعية قيمة التسامح الديني تنصيص الإنجيل والقرآن عليه ففي الإنجيل: “من لطمك على خدك الأيمن فحول له الأيسر، من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فدع له رداءك أيضًا (متى 65 و40 و41) وفي القرآن: “إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون” (البقرة 62). ويُستخلص من هذا أن التساهل هو الطريق وهو الحق وهو الحياة وهو أول درجة في سلم العمران: “التساهل هو الباب ومن يدخل فيه لا يهلك فلندخل فلندخل[15].

وقد توسع فرح أنطون في فكرة الفصل بين السلطتين المدنية والدينية مُحللًا خمسة أسباب تدعو إلى ذلك:

  • فأما السبب الأول والأهم في نظره، فهو إطلاق الفكر الإنساني من كل قيد خدمة لمستقبل الإنسانية.
  • أما السبب الثاني، فهو الرغبة في المساواة بين أبناء الأمة مساواة مطلقة بقطع النظر عن مذاهبهم ومعتقداتهم ليكونوا أمة واحدة.
  • ويتمثل السبب الثالث، في أنه ليس من شؤون السلطة الدينية التدخل في الأمور الدنيوية، لأن الأديان شُرعت لتدبير الآخرة لا لتدبير الدنيا، ومن يُلزمها بتدبير الدنيا فإنه ينتهي في رأيه إلى الفشل وإن نجح في البداءة.
  • ويرى أن السبب الرابع، يفيد أن ضعف الأمة واستمرار الضعف فيها إلى ما شاء الله يعود إلى جمعها بين السلطتين المدنية والدينية، وهو أكبر الدواعي التي أدت إلى الفتن والاضطرابات في المسيحية والإسلام.
  • وبناء على تلك الأسباب يُعلن فرح أنطون أنه :

“لا مدنية حقيقية ولا تساهل ولا عدل ولا مساواة ولا أمن ولا أُلْفَة ولا حرية ولا علم ولا فلسفة ولا تقدم في الداخل إلا بفصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية[16].

2-الحل القانوني للتعصب؛ إصدار الدستور والمواطنة

بَيَّنَ سليمان البستاني أن أول بارقة أمل بَشَّرَت بالقضاء على المظهرين الأساسيين للتعصب: وهما التعصب الديني والتعصب الجنسي يتمثل في نشر الخط الهمايوني عام 1839. إلا أن هذا الحدث لم يؤدِ إلى النتائج المرجوة منه، فقد عقبته قلاقل واضطرابات كان فيها للسياسة والغايات الشخصية يد فوق يد التعصب. وبعد بضعة عقود نضجت هذه الفكرة على يد مدحت باشا وأنصاره فنادوا بإعلان الدستور عام 1876، لكنه فشل أيضًا في تحقيق ما كان يُرتجى منه.

وعُد إعلان الدستور عام 1908 وتعميم المساواة باستخدام نصوصه مما يضمن رسوخ مظاهر التَوادُد والإخاء بين الطائفتين المسيحية والإسلامية. والمُلاحظ أن البستاني كتب بخصوص هذا الإعلان كتابه “عبرة وذكرى أو الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده”. وهذا الكتاب هو عرض لمذهب سياسي شخصي يقبل بالأمة العثمانية والوطن العثماني، لكن جوهره إصلاح نظام الحكم في الدولة العثمانية وفق الفلسفة الليبرالية الدستورية والنظرة التطورية الارتقائية. والملاحظ أن هذه الأفكار أوردها البستاني في سياق تعاليقه على الدستور العثماني الذي صدر عام 1908 بعد تعطيله منذ مجيء عبد الحميد الثاني إلى الحكم عام 1876.

تبنى هذا الرأي المفكر السوري خليل سعادة فقد كتب في عام 1915 مقالته عن “التعصب الديني في الشرق والشرقيين“. واقترح لمقاومة داء التعصب الديني طريقة العلاج بطريق التحويل أي تحويل المرض من مكان إلى آخر مما يعني “أن نُحدث في جسم الأمة تعصبًا آخر تنصرف إليه عواطف الشعب عوضًا عن انصرافها إلى التعصب الديني الذميم[17].

ولهذا اقترح أن يكون التعصب الجنسي أو الوطني بديلًا للتعصب الديني، فيجب في رأيه أن يشعر المسيحي والمسلم والدرزي أن له تعصبٌ وطنيٌ حميدٌ يصرفه عن التعصب الديني الذميم. وقد تحقق هذا في نظره عند إعلان الدستور العثماني “كان الدستور العثماني التهابًا سطحيًا تحول به التعصب الديني إلى تعصب وطني، فنسي القوم في مثل غمض الجفن اختلافاتهم الدينية ومشاحناتهم المذهبية، وتعانق شيوخ المسلمين وقسوس المسيحيين جَهَارًا في الشوارع والساحات وحل الوطن والوطنية محل الإسلام والمسيحية[18].

3-آلية تعليق الموقف أو تجنب المواقف المتنازع فيها

إن من أخص خصائص الفكر المضاد للتعصب والطائفية تجنب الانحياز إلى موقف فريق من الفرق المتخاصمة بشأن مسألة دينية أو سياسية، وسعى في هذا السياق كثيرٌ من رواد النهضة وأعلام الفكر الإسلامي الحديث إلى أن يتفادوا القضايا المُحرجة التي فرقت بين أهل السنة والشيعة على مدى قرون، لذلك كانوا يعتمدون آلية تعليق الموقف التي نعني بها تجنب اتخاذ مواقف تأويلية للنصوص الدينية تحمل الطابع المذهبي على غرار المواقف التي اتخذها العلماء القُدامى إجمالًا. ومن الأمثلة البارزة في هذا الشأن موقف الشيخ محمد عبده، فقد تعرض في أثناء شرحه لحديث افتراق الأمة في حاشيته على شرح الجلال الدواني للعقائد العضدية فقال في أوله:

“لا بُد أن نتكلم في هذا الحديث بكلام موجز فاستمع واعلم أن هذا الحديث قد أفادنا أنه يكون في الأمة فرق متفرقة وأن الناجية منهم واحدة… وأما تعيين أي فرقة هي الناجية أي التي تكون على ما كان عليه النبي عليه وأصحابه فلم يتعين لي إلى الآن، فإن كل طائفة ممن يدعين لنبينا بالرسالة تجعل نفسها على ما كان عليه النبي وأصحابه”[19].

يُعد هذا الموقف شاهدًا جليًا على استخدام آلية تعليق الموقف والتسامي عن الأحكام والمواقف المشحونة بالطابع المذهبي والأيديولوجي، وهي المواقف الموروثة عن عصور الصراع المذهبي الذي لم يكن تخمد نيرانه حتى تَسْتَعِرَ من جديد. هكذا استطاع محمد عبده أن يتخلص من أسر انتمائه السني إلى المذهب الحنفي وإلى مقولات علم الكلام السني، لأنه أدرك أن الوضع الحضاري للمسلمين في العصر الحديث يقتضي وَحْدة المذاهب والفرق الإسلامية ويفرض على العالم المُشتغل بالقضايا الدينية نحتًا جديدًا لشخصيته العلمية لا يكون فيها عالة على آراء السلف ومواقفهم التي كانت تعكس خصوصيات عصرهم.

وقد انتبه الشيخ رشيد رضا إلى الأبعاد الإيجابية التنويرية لموقف أستاذه محمد عبده فعلق عليه قائلًا: “إن هذا الكلام من الأستاذ يدل على أنه كان في عهد تأليفه لهذه الحاشية أيام اشتغاله بعلم الكلام في الأزهر ممتازًا باستغلال الفكر وعدم التقليد والبراءة من التعصب مع الحرص على جمع كلمة المسلمين”[20].

والظاهر أن رشيد رضا تأثر بأستاذه عبده فاستخدم آلية تعليق الموقف حرصًا على جمع كلمة المسلمين سواء كانوا سنيين أو شيعة، لذلك نجده يُعلق على حديث “من كنت مولاه فعلي مولاه” قائلًا:

“ويقول أهل السنة إن الحديث لا يدل على ولاية السلطة التي هي الإمامة أو الخلافة ولم يُستعمل هذا اللفظ في القرآن بهذا المعنى… وللفريقين أقوال في ذلك لا نحب استقصاءها والترجيح بينها، لأنها من الجدل الذي فرق بين المسلمين وأوقع بينهم العداوة والبغضاء. وما دامت عصبية المذاهب غالبة على الجماهير فلا رجاء في تحريهم الحق في مسائل الخلاف ولا في تجنبهم ما يترتب على الخلاف من التفرق والعداء. ولو زالت تلك العصبية ونبذها الجمهور لما ضر المسلمين حينئذ ثبوت هذا القول أو ذاك لأنهم لا ينظرون فيه إلا بمرآة الإنصاف والاعتبار فيحمدون المُحقين ويستغفرون للمخطئين. “ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم”(الحشر/10).

يُبرز هذا الموقف أن الشيخ رشيد رضا خير التعالي على انتمائه السني وعدم إثارة الخلافات التي فرقت بين أهل السنة والشيعة على الصعيد السياسي عامة وخاصة فيما يتعلق بمسألة الأحق بالخلافة هل هو أبو بكر أم علي؟ ومُبرر رضا لتجنب هذه المسألة طُغيان التعصب على من يُقاربها. وهذا يعني أن رضا لا يتهرب من معالجة هذه المسألة إلا لأن الشروط العلمية لمقاربتها غير متوفرة، بسبب طغيان العوامل الأيديولوجية والمذهبية على أغلب الناس، ومع ذلك فإن رضا يفترض أنه حتى في حالة توفر الشروط العلمية لمقاربة المسألة فإن مقياس التعامل مع المُخطئ لن يكون قائمًا على العنف، بل على الكلمة الحسنة المتمثلة في الاستغفار للمخطئين وتعضيدًا لموقفه هذا يُورد آية تتضمن جملة يجدر بكل من يرفض الطائفية والتعصب المذهبي داخل الدين الواحد أن يُعبر بها وهي “ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا”.

وقد تكرر موقف رضا هذا في أكثر من حالة لا إزاء نصوص الحديث فحسب، وإنما إزاء نصوص القرآن، على غرار الآية “إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا”، فهذه الآية استدل بها الشيعة على ثبوت إمامة علي بالنص بناء على ما رُوي من نزول الآية فيه واعتمدوا عليها في إثبات معنى سياسي هو أحقية علي بالخلافة، لكن أهل السنة جادلوهم بأن معنى الولاية ليست بمعنى الحكم وإنما هي ولاية النصر، وفي المسألة كلام كثير وحجج يصعب حصرها أدلى بها الطرفان عبر العصور إلا أن صاحب تفسير المنار يراها “مُجادلات ضارة غير نافعة فهي التي فرقت الأمة وأضعفتها فلا نخوض فيها”[21].

هكذا نستخلص أن اعتماد آلية تعليق الموقف وتجنب مسائل الخلاف خيار منهجي تجلى في عدة مواضع من كتابات الشيخ رشيد رضا وخاصة في تفسيره، فقد وجدناه يُصرح أن هذا خيار منهجي ألزم به نفسه ابتغاء تحقيق وَحْدة المسلمين وعدم تفرقهم، يقول: “ولا سِعة في التفسير لهذه المباحث، بل أخشى أن أكون قد خرجت بهذا البحث عن منهاجي فيه وهو الإعراض عن مسائل الخلاف التي لا علاقة لها بفهم القرآن والاهتداء به وعن الترجيح بين المذاهب الذي هو مثار تفرق المسلمين وتعاديهم، على أنني أبرأ إلى الله من التعصب والتحيز إلى غير ما يظهر لي أنه الحق والله أعلم بذات الصدور”[22].

ولم يقتصر استخدام هذه الآلية على العلماء السنيين، وإنما انخرط فيه عدد من علماء الشيعة على غرار محمد باقر الصدر الذي لم يتضمن كتاباه “فلسفتنا” و”اقتصادنا” أية قضية خلافية بين أهل السنة والشيعة، فكان للكتابين –وفق بعض الباحثين- أثرًا كبيرًا في تقليص الحالة الطائفية وتصعيد الحالة الإسلامية الرسالية المُتعالية على الخلافات المذهبية[23].

آلية تغيير مفهوم الإجماع الحديث ورفض التعصب

شهد الفكر الإسلامي الحديث بوادر الخروج من المفهوم المذهبي الإقصائي للإجماع بتصوره القديم، وأُكد فيه مفهوم مُتسع لكل مجتهدي الأمة مهما كانت انتماءاتهم المذهبية. وقد برز هذا الموقف بروزًا صريحًا وجليًا لدى عبد الوهاب خلاف في أثناء تعريفه للإجماع في كتابه “علم أصول الفقه” فقد ذكر أن الإجماع: “هو أن يتفق على الحكم الشرعي في الواقعة جميع المجتهدين من المسلمين في وقت وقوعها فلو اتفق على الحكم الشرعي في الواقعة مجتهدو الحرمين فقط أو مجتهدو العراق فقط أو مجتهدو الحجاز أو مجتهدو آل البيت أو مجتهدو أهل السنة دون مجتهدي الشيعة، لا ينعقد شرعًا بهذا الاتفاق الخاص إجماع، لأن الإجماع لا ينعقد إلا بالاتفاق العام من جميع مجتهدي العالم الإسلامي في عهد الحادثة ولا عبرة بغير المجتهدين”[24].

هذا المفهوم الكُلي الجامع للإجماع وإن كانت جذوره قديمة في الفكر الإسلامي، فإن مُمثلي الفكر الإسلامي الحديث هم الذين شددوا عليه بفعل التغير الطارئ في الفكر الإنساني إزاء المخالف والمغاير والمختلف. وقد لمسنا أثر هذا التغير لدى محمد رشيد رضا، فهو عند توقفه لتعريف الإجماع عند أغلب الأصوليين بأنه: “اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد وفاة نبيها في عصر على أمر أي أمر كان”[25] استخلص منه أنه لا عبرة فيه باتفاق بعض المجتهدين ولو الأكثر، مما يعني أنه يرفض الإجماع الخاص بطائفة دون أخرى أو بمذهب دون مذهب. والظاهر أنه لا يُقصِي من المشاركة في الإجماع إلا المُقلدين أي العوام وغير المسلمين الذين يكفرون ببدعتهم والذين يجعلون الإسلام جنسية لهم لا دينًا طبقًا لعبارته[26].

ونلمس في هذا الموقف فتح الباب للعلماء غير السنيين المعتدلين للمشاركة في الإجماع. وفي هذا السياق نفهم كثيرًا من مواقف الاحترام التي أبداها الشيخ رشيد رضا للشيعة. ومن تجليات هذا الاحترام في نظرنا عرض رأي الشيعة في كثير من المسائل الفقهية ونأيه عن ظاهرة تهميش مواقفهم في أغلب الكتب السنية القديمة. فمن ذلك مثلًا أنه عند تفسيره الآية “أو يعفو الذي بيده عُقدة النكاح” يقول: “قيل هو الولي مطلقا، وعليه جماعة من المفسرين أو الولي المُجبر وهو الأب أو الجد فيعفو له عن النصف الواجب كله أو بعضه، والشيعة لا تُبيح له العفو عن كله، وقال كثير منهم: إن الذي بيده عُقدة النكاح هو الزوج الذي بيده حلها”[27].

وقد ذكر الشيخ رشيد رضا في عدة مواضع موافقات الشيعة لأهل السنة، من ذلك أنه عندما أثار مسألة التَيَمُّم ذكر أن محل التيمم طبق نص الآية هو الوجه واليدان وأن كثيرًا من العلماء وأصحاب الحديث يذكرون هذا الرأي وأن الشيعة الإمامية تتبناه أيضًا[28].

ويصرح رشيد رضا في بعض المواطن من تفسيره بأنه مُتفق مع إجماع الشيعة، يقول: “ويدل على ما ذُكر ما ثبت بإجماع أهل السنة والشيعة أن الإمام الحسن لما حضرته الوفاة استأذن من عائشة الصديقة وسألها أن تُعطيه موضعًا للدفن في جوار جَدِّه المصطفى”[29].

ومن الجلي أن رشيد رضا كان يبتعد عن مواقع الاختلاف بين المذهبين السني والشيعي ويسعى في إبراز نقاط الاتفاق بين الفريقين على غرار مناداته بالجمع في الصلاة على الرسول بين الصحابة وآل النبي، يقول: “والأفضل الجمع بين الصلاة والسلام عليه… وعلى آله وأكثر المسلمين يخص بالسلام الأنبياء والملائكة وكذا جماعة آل بيته والشيعة يلتزمون السلام على السيدة فاطمة وبعلها وولديهما والأئمة المشهورين من زية السبطين ويوافقهم كثير من أهل السنة وغيرهم في الزهراء والسبطين ووالدهما إذا ذُكروا جماعةً أو أفرادًا”[30].

ولعل من أهم عوامل هذا الموقف المُنفتح على الآخر غير السني تفطن صاحبه إلى عدم جدوى التعادي بسبب الخلافات في تأويل النصوص التأسيسية للدين الإسلامي يقول: “وغرضنا من هذه النقول بيان أن أهل السنة قد أولوا بعض أحاديث الرؤية كما أولت المعتزلة والخوارج والشيعة، فلا مقتضى للتعادي والتفرق في الدين لأجل التأويل”[31]. وقد أدرك رضا أيضًا أن الشيعة في مخالفاتها إنما هي تعكس فعلًا اجتهاديًا دون أن تقصد المخالفة لذاتها. ولهذا ذكر في تحديد وقت الغروب أنه وإن كان العلماء يزيدون فيه على وقت الغروب التام خمس دقائق على الأقل، فإن بعض الشيعة شرطوا فيه ظهور بعض النجوم. وهذا في رأيه نوعًا من الاعتداء على حدود الله، لكنه اجتهادٌ لا تَعَمُّد طبقًا لعبارته[32].

ولا تعني هذه المواقف غياب أي نقد لمواقف الشيعة في “تفسير المنار“، بل هو حاضر في كثير من المسائل وخاصة ما كان منها متصلًا ببعض المسائل الخلافية في العقيدة على غرار رده تأويلهم عبارة أولي الأمر في الآية 59 من سورة النساء بأنهم الأئمة المعصومون[33] لكنه كان في هذا التفسير خصوصًا يتجنب المسائل الخلافية، لأنه كتبه بروح تقريبية تسعى في تجاوز الخلافات المذهبية والعصبية الطائفية، لذلك صرح بأنه: “ليس في تفسيرنا هذا موضع للمناقشات والجدل في مسائل الخلاف”[34].

وقد بدا تأثر عبد الحميد الزهراوي بمدرسة محمد عبده ورشيد رضا اللذين دشنا عملية مراجعة نظرية الإجماع السنية، فهو يرى أن إقصاء المخالفين مذهبيًا من مفهوم الإجماع أدى إلى بروز مسائل ادُّعيَ فيها الإجماع ادعاءً خاطئًا، لأنها لا تشمل المخالفين. فقد نظر الزهراوي في كتب جمعت المسائل المُجمع عليها ككتاب: “الإجماعلابن المُنذِر واستخلص منها غياب اتفاق العلماء في أية مسألة مما ادعوا فيها الإجماع. ويُعزا هذا في رأيه إلى عدم معرفة أصحاب تلك الكتب الآراء المخالفة أو سكوتهم عنها. ويُعضد هذا الرأي قول ابن تيمية (ت728ه) في كتابه “رفع الملام” والإجماع المُدعى في الغالب إنما هو عدم المعرفة بالمخالف وقد وجدنا من أعيان العلماء من صاروا إلى القول بأشياء مُتمسكهم فيها عدم العلم بالمخالف مع أن ظاهر الأدلة عندهم تقتضي خلاف ذلك”[35].

ويتجلى نقد الزهراوي كذلك لمن لا يُعتد بالمخالفين مذهبيًا في إطار الإجماع من طريق موقفه المخالف لتكفير مخالف الإجماع، فمن الممكن في رأيه عدم الاتفاق مع المجمعين لانتفاء العصمة عنهم، يقول: “فكأن الكفر عندهم عبارة عن مخالفة هؤلاء الأشخاص الذين ليسوا بمعصومين، وإن كان المُخالف مؤمنًا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر قلبًا ولسانًا ومتبعًا النبي علمًا وعملًا”[36].

وقد وجد الزهراوي في موقف صاحب كتاب “إحياء علوم الدين” خبرًا مؤيدًا لرأيه، ذلك أنه في كتابه “فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة” يُقلل من أهمية موقف تكفير الخارج عن الإجماع، بسبب غموض التحقق من الإجماع بشروطه المعروفة فضلًا عن أن معرفة من تبنى هذه المواقف محدودة تقتصر على الفقه، لذلك دعا الغزالي إلى الإعراض عن الفقيه الذي يخوض في التكفير والتضليل مع أن بضاعته هي مجرد الفقه أي إن ثقافته تقتصر على الفقه[37].

وقد تواصل هذا النهج المتصالح مع المخالفين مذهبيًا من طريق مسألة مشاركتهم في الإجماع فقد تساءل محمد أبو زهرة عمن يتكون منهم الإجماع وعن دخول المجتهدين من المبتدعة: كالخوارج والشيعة والقدرية والجهمية، وأجاب بما أجاب به أغلب العلماء. فإن كانوا يدعون إلى بدعتهم لا يدخلون أما إذا كانوا لا يدعون إلى آرائهم كبعض المجتهدين الذين نُسب إليهم الكلام في القدر أو الإرجاء فإن هذا لا يخرج بهم عن صفوف أهل الإجماع[38].

وقد كان عبد الكريم زيدان أكثر وضوحًا في تبني مفهوم شامل للإجماع يتسع لكل المذاهب فقال: “واتفاق المجتهدين يُراد به اتفاق جميع المجتهدين فلا يكفي إجماع أهل المدينة أو أهل الحرمين مكة والمدينة أو إجماع طائفة أو إجماع طائفة معينة”[39]. وليس هذا الموقف بمستغرب من هذا الكاتب فهو يدعو المُقلد إلى تطهير نفسه من التعصب الذميم للمذهب[40].

وقد نظر وهبة الزحيلي في كتابه “أصول الفقه الإسلامي” في مسألة الفقيه المبتدع والمجتهد الفاسق ومشاركتهما في الإجماع فأما في حالة الأول فإنه ظل أسيرَ التقسيم الأصولي القديم فهناك من جهة فقيه مُبتدع مُنكر لما عُلم بالتواتر والضرورة من الشريعة، فهذا كافر ببدعته فلا يُعتد بوفاقه أو خلافه وينعقد الإجماع دونه. وهناك من جهة أخرى مُبتدع لا يُكفر ببدعته وإنما يكون مُضللًا، فهؤلاء اختُلف فيهم، فقال الإمام مالك والأوزاعي ومحمد بن الحسن ونقل عن أهل السنة: لا يُعتد بهم في الإجماع، لأنهم ليس لهم أصل ينقلون عنه بسبب تكفيرهم السلف الذين أخذنا عنهم أصل الدين وقال الصيرفي: يُعتد بهؤلاء في الإجماع فلا ينعقد دونهم واختار هذا الرأي الغزالي والآمدي وبعض الأصوليين لأن هؤلاء من أهل الحِل والعَقد ويدخلون في مفهوم لفظ الأمة المشهود لهم بالعصمة، لأنهم لم يصلوا ببدعتهم إلى الكُفر وكل ما في الأمر أن الواحد منهم يكون فاسقًا والفِسق لا يُخل بأهلية الاجتهاد[41].

وينبه الزحيلي على عدم صحة الاستدلال على بُطلان البِدع المُكفرة وتكفير أصحابها بإجماع المخالفين لها لأن كون أهل السنة المخالفين للبدعة هم كل الأمة متوقف على إخراج المبتدعة من الأمة والإخراج من الأمة متوقف على دليل التكفير، فلا يجوز أن يكون دليل تكفيرهم ما هو متوقف على التكفير (أي الإجماع) فيؤدي إلى إثبات الشيء بنفسه[42]. ويرى الزحيلي على صعيد آخر أن المجتهد الفاسق من أهل الإجماع، ولا ينعقد الإجماع دونه، لأن الفاسق المجتهد لا يُلزمه أن يُقلد غيره، بل يتبع ما يؤدي إليه اجتهاده، وهو من الأمة، ورد خبر الفاسق يكون في غير مجال التأويل والاجتهاد إذا كان عالمًا بفسقه والمعصية لا تُزيل اسم الإيمان[43].

هكذا وقف الزحيلي موقفًا مُعتدلًا من المجتهد الفاسق أي الخارج عقائديًا عن الاعتقاد السُني فلم يُقصه من دائرة الإجماع، ولا شك في أنه والفريق الذي اختار نهجه هذا لا يبني موقفه على العدم، ذلك أن فريقًا من المتكلمين والأصوليين اختار منذ القديم تشريك “المبتدعين” في الإجماع لأنه مكون من مكونات الأمة الإسلامية وينتمي إلى جماعة العلماء والمجتهدين الذين يرتبطون بميثاق أخلاقي قوامه العدالة والصدق والثقة. وعلى هذا الأساس عد الغزالي المبتدع ثَقة مقبول القول لا يدري أنه فاسق[44] إلا أن الاستناد إلى المرجعية القديمة لا يُفسر في تقديرنا سوى بعد من أبعاد تغير الموقف الحديث من المخالف مذهبيًا، فلا بُد أن نضيف إلى ذلك ما طرأ من مواقف حديثة منذ تباشير ما يُسمى بعصر النهضة الإسلامية. وكان موقف شيخ الأزهر السابق محمود شلتوت علامة بارزة وأساسية في هذا الشأن. فالملاحظ أن هذا الشيخ تأثر برشيد رضا وتبنى مثله موقفًا متسامحًا مع الآخر لذلك رأى أن الإجماع النخبوي بمعناه الأصولي لم يكن معروفًا لدى السلف الأول، يقول: “وقد رأى بعض الباحثين أن الإجماع الذي كان يُرجع إليه ويَجري على الألسنة في الصدر الأول حيث لا نص هو إجماع بمعنى آخر غير هذا الإجماع الذي اصطَلح عليه الأصوليون واشتهر بين الناس أنه حجة شرعية، واعتمدت عليه عصور التقليد في سد باب الاجتهاد وعصور التعصب في الرمي بالتضليل والتفسيق والخروج عن سبيل المؤمنين”[45]. ومما يُعضد تأثره برشيد رضا دعوته في الهامش إلى مراجعة ما كتبه صاحب “تفسير المنار” في مسألة الإجماع عند تفسيره للآية 59 من سورة النساء.

وفي هذا الإطار أصدر شلتوت في عام 1959 فتواهُ المشهورة التي تُجيز العمل والالتزام بمذهب الشيعة الإمامية الجعفرية بوصفه مذهبًا يجوز التعبد به كسائر مذاهب أهل السنة، وقد أيد هذه الفتوى بعض علماء الأزهر، وهي موجودة في العدد الثالث من السنة الحادية عشرة من مجلة “رسالة الإسلام” في عددها المؤرخ بجويلية 1959. ولم يقتصر التجديد الأصولي في الموقف من المخالف مذهبيًا على العلماء المُنتمين إلى المؤسسات أو البلدان السنية، وإنما شمل علماء المذاهب الأخرى.

ويندرج أحمد بن محمد بن علي الوزير اليماني (ت 1372هـ) في دائرة الناقدين لمفهوم الإجماع النخبوي الذي اقتصر على علماء مذهب بعينه سواء كان سُنيًا أو شيعيًا أو خارجيًا. فيحق في نظره للمجتهدين المنتسبين إلى كل المذاهب الإسلامية أن يُشاركوا في الإجماع. وقد بنى رأيه هذا على فهم موسع لتعريف الإجماع عند الأصوليين. ويُورد في هذا الصدد التعريف التالي: “هو اتفاق المجتهد من أمة محمد بعد وفاته في عصر من العصور على حكم شرعي في أي واقعة”[46]. ويستخلص من هذا التعريف أن أركان الإجماع التي لا ينعقد إلا بها أربعة يهمنا منها الركن الثاني، وهو وجوب اتفاق جميع المجتهدين بمختلف مذاهبهم وهو ما يعني رفض إجماع علماء طائفة بعينها دون موافقة علماء الطوائف الأخرى، يقول: “لا بُد أن يتفق جميع علماء المسلمين المجتهدين على التشريع في الواقعة بصرف النظر عن اختلاف بلدانهم وأجناسهم ومذاهبهم، فلو خرج عن الاتفاق علماء اليمن أو علماء مصر أو علماء أهل البيت أو علماء السنة أو علماء الشيعة أو واحد منهم فلا يُعد ذلك إجماعًا شرعًا، إذ لا بُد من اتفاق جميع المجتهدين في العالم الإسلامي الموجودين وقت الحادثة”[47].

وعلى هذا الأساس نجد هذا الفقيه يرفض مفاهيم الإجماع المقتصرة على طائفة ما أو مذهب بعينه مثل: رفض حُجية إجماع أهل البيت يقول في هذا السياق: “وما ورد في الإجماع العام من استحالة إمكانه ووقوعه يرد هنا على إجماع أهل البيت لانتشارهم في الأقطار واختلاف مذاهبهم، ففيهم الشيعي والسني كغيرهم”[48].

ويُعزز موقفه برفض إجماع أهل المدينة رفضًا صريحًا يتجلى في بيان الموقف الأول منه، وهو رأي الجمهور أي أغلب العلماء، وهو يُفيد أن إجماع أهل المدينة ليس بحجة ولا يُسمى إجماعًا، لأنهم بعضُ الأمة، ويعلق على هذا قائلًا: “وهذا واضح لا ريب فيه وهو الحق”[49].

ومحصلة رأي هذا الفقيه، أن وراء إقصاء المخالفين مذهبيًا من الإجماع عامل التعصب المذهبي، لذلك حذر من هذا الداء قائلًا: “وأخيرا عليك أن تتمسك بنظرياتك الأصولية لنفسك وأن تُحذر من التقليد والتعصب، فقد بلغ التعصب المذهبي حدًا جعل بعضهم يقول لا يُعتد بخلاف الظاهرية وقال بعضهم لا يُعتد بأهل القياس وقال بعضهم لا يُعتد بالشيعة وقال بعضهم لا يُعتد بالسنة، وهكذا بلغ التعصب المذهبي إلى درجة سيئة يصح لنا أن نسميه “طفولة التمذهب” وقال الله شر التعصب للمذاهب”[50].

نجد خارج الدائرة السنية والزيدية من اعترض على المفهوم الإقصائي للإجماع ومن ممثلي هذا الاتجاه شيخ إباضي هو علي يحيى معمر تطرق إلى مواقف الأصوليين القدامى الذين أقصوا غير السنيين من المشاركة في الإجماع بسبب الخلافات المذهبية معهم، وتساءل عن معنى إجماع الأمة الإسلامية إن غيبنا منها من ليسوا على المذهب السني، واستنكر انزياح الإجماع من دلالته المشعة إلى دلالة ضيقة محدودة، يقول في هذا الصدد: “ومع الاقتصار على هذا الجانب الذي عرضه الإمام الشوكاني فقط، فإنك تجد الإجماع قد انتقل عن تلك الصورة الرائعة من التعميم والشمول للأمة الإسلامية جمعاء إلى فكرة تتنازعها المذهبية وتحاول أن تحتكرها. فلو أخذت في الاعتبار جميع الأقوال السابقة (الواردة في كتاب الشوكاني) فأخرجت من الإجماع الحنابلة والظاهرية، لأنهم لا يقولون بالقياس، وأخرجت المعتزلة والشيعة والخوارج، وأخرجت الفقهاء والأصوليين. فماذا بقي من الأمة الإسلامية؟ وهل يبقى للإجماع معنى إذا أخذت بقول من يرى أن إجماع العِتْرَةِ يكفي أو من يرى أن إجماع أهل الحرمين يكفي أو من يقول إذا أجمع أهل المدينة فلا يُعتد بخلاف غيرهم؟”[51].

ولا ينبغي أن يذهب الظن بنا إلى أن المقصود بهذا الموقف أهل السنة فحسب، وإنما مراده الذي صرح به أن كل الفرق مُدانة لأنها استخدمت تهمة الرمي بالهوى والبدعة استخدامًا مُتبادلًا بينها، أي إن الذين يُطلق عليهم السنيون أهل الأهواء والبدع يرون من جهتهم أن السنيين من المبتدعين.

بناءً على هذا الوصف لحالة التعصب والاحتقان المذهبي والطائفي يدعو الكاتب إلى ضرورة اختفاء تهمة الابتداع في صلات المذاهب بعضها ببعض، وينفي حق أصحاب أية فرقة في عد أنفسهم ممثلي الإسلام الصحيح والحق، ويعلن ضرورة احترام دور كل فرقة في خدمة الإسلام، إن بالكلمة وإن بالفعل، سواء أكانوا خوارج وسنيين أم شيعة أم معتزلة.

وتُعد مراعاة هذه الآراء وسيلة موصلة إلى بناء كِيان موحد للأمة الإسلامية يتسع فيه المجال لعلماء كل فرقة إسلامية للدخول في مُسمى الإجماع المعتبر والمُعتد به.

الخاتمة

اتضح لنا في مُحصلة هذا البحث أن مفهوم التعصب ليس بالمفهوم البديهي والمتفق عليه بين ممثلي الفكر العربي من المسلمين والمسيحيين، فقد بدأ مشحونًا بالدلالات الإيجابية لدى جمال الدين الأفغاني، لكنه تحول ليدل على معنى سلبي يتلخص في الغلو في الدين والرأي إلى حد التحامل على من خالفهما. والظاهر أن العصر الحديث دفع إلى ظهور هذا المعنى السلبي للمفهوم، لوضعه في تقابل مع مفهوم التسامح.

ووقفنا في هذا السياق على انتباه بعض وجوه عصر النهضة إلى أن التعصب يسبق التسامح، وأنه لولا التعصب الذي ساد أوروبا في القرون الوسطى لما برزت فكرة التسامح الديني مع المخالفين في العقيدة والدين .

وقد سجلنا تأثر المفكرين العرب المحدثين والمعاصرين في صياغة مفهوم التعصب بتراث فلاسفة عصر الأنوار وخاصة منهم سبينوزا وفولتير. واستخلصنا أن من سبل الخلاص من التعصب الحل القيمي الأخلاقي، المُتمثل في قيم العدل والحرية الدينية والمواطنة.

ولا شك في وضوح الخلاف بين المفكرين المسلمين والمفكرين المسيحيين في الحلول التي اقترحوها للخلاص من التعصب، فهناك من اقترح الحل الديني وهو الاعتصام بالرابطة الدينية، وهناك من اقترح عدم إدخال الدين في هذه المسألة بالفصل بين الدين والدنيا.

وقد توقفنا عند نتيجة مُهمة في بحثنا تتمثل في موقف الحياد المذهبي الذي سميناه بتعليق الموقف، وهو اختيار واعٍ يقوم على تجنب الخوض في المسائل الخلافية بين المذاهب؛ حرصًا على جمع كلمة المسلمين سواء كانوا سنيين أو شيعة.

وختمنا عملنا بآلية اعتمدها الفكر الإسلامي الحديث، تتمثل في تغيير المفهوم المذهبي الإقصائي للإجماع بتصوره القديم وتأكيد مفهوم متسع لكل مجتهدي الأمة مهما كانت انتماءاتهم المذهبية.

لقد اقتضت اللحظة التاريخية لرواد عصر النهضة بحث مسألة التعصب والاجتهاد في العثور على سبل الخلاص منه لتكريس التسامح فكرًا وممارسة. ولا شك في أنه حري بنا في وقتنا الراهن أن نتفاعل مع تلك المسألة وأن ننشد ما يوحد بين المسلمين وأن نترك ما يفرق بينهم.

 

قائمة المراجع

محمد أبو زهرة، أصول الفقه، القاهرة، دار الفكر العربي، 1958.

جمال الدين الأفغاني، التعصب، ضمن كتاب جماعي بعنوان “أضواء على التعصب” ط1، بيروت، دار أمواج، 1993.

فرح أنطون، ابن رشد وفلسفته، ط1، بيروت، دار الفارابي، 1988.

ابن تيمية، رفع الملام عن الأئمة الأعلام، الرياض، وكالة الطباعة والترجمة ،1413ه.

عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه ط8، القاهرة، مكتبة الدعوة الإسلامية (د.ت).

محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ط2، بيروت، دار الفكر، 1973.

الزحيلي، أصول الفقه الإسلامي، ط1،دمشق، دار الفكر، 1986.

عبد الحميد الزهراوي، الأعمال الكاملة، تحقيق عبد الإله نبهان ، دمشق، منشورات وزارة الثقافة ،1995.

عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه، مؤسسة قرطبة، 1976.

محمود شلتوت، الإسلام عقيدة وشريعة، القاهرة، دار الشروق، (د.ت.).

الغزالي، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، تحقيق سليمان دنيا، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية،  1961.

الغزالي، المستصفى في علم أصول الفقه، ترتيب وضبط محمد عبد السلام عبد الشافي، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1993.

أحمد بن محمد بن علي الوزير ، المصفى في أصول الفقه، ط1، بيروت، دار الفكر المعاصر، 1986.

[1] – جمال الدين الأفغاني، التعصب، ضمن كتاب جماعي بعنوان “أضواء على التعصب” ط1، بيروت، دار أمواج، 1993، ص 28.

[2] – الأفغاني، المرجع نفسه، ص 29.

[3] – سليمان البستاني، الدستور والتعصب، المرجع نفسه، ص 109.

[4] – أديب إسحاق، التعصب والتساهل، ضمن كتاب جماعي : أضواء على التعصب، ص 13.

[5] – المرجع نفسه، ص 47.

[6] – فرح أنطون، ابن رشد وفلسفته، ط1، بيروت، دار الفارابي، 1988، ص 243.

[7] – حسن حنفي، تعصب / تسامح، المرجع نفسه، ص175.

[8] – ظهرت الطبعة الثانية من هذا الكتاب في بيروت سنة 1985 وقد أصدرتها دار الطليعة.

[9] – حنفي، المرجع المذكور، ص 176.

[10] – أديب إسحاق، التعصب والتساهل، المرجع المذكور، ص 20.

[11] – المرجع نفسه، ص 38.

[12] – المرجع نفسه، ص 55.

[13] – المرجع نفسه، ص 56.

[14] – المرجع نفسه، ص 58.

[15] – المرجع نفسه، ص 61.

[16] – فرح أنطون، ابن رشد وفلسفته، المرجع المذكور، ص 260.

[17] – المرجع نفسه، ص 138.

[18] – المرجع نفسه، ص 138.

[19] – محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ط2، بيروت، دار الفكر، 1973، 8/194.

[20] – المصدر نفسه، 8/196.

[21] – المصدر نفسه، 6/366.

[22] – المصدر نفسه، 5/15.

[23] – انظر محمد علي آذرشب، الوحدة الإسلامية.

[24] – عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه ط8، القاهرة، مكتبة الدعوة الإسلامية (د.ت)، ص 46.

[25] – رشيد رضا، تفسير المنار، 5/165.

[26] – المصدر نفسه، 5/168.

[27] – المصدر نفسه 2/342.

[28] – المصدر نفسه 5/103.

[29] – المصدر نفسه 4/337.

[30] – المصدر نفسه 11/22.

[31] – المصدر نفسه 9/128

[32] – المصدر نفسه 2/148.

[33] – المصدر نفسه 5/147.

[34] – المصدر نفسه 3/231.

[35] – ابن تيمية، رفع الملام عن الأئمة الأعلام، الرياض، وكالة الطباعة والترجمة ،1413ه، ص 31-32. وانظر عبد الحميد الزهراوي، الأعمال الكاملة، تحقيق عبد الإله نبهان ، دمشق، منشورات وزارة الثقافة ،1995، 2/280.

[36] – الزهراوي، المصدر نفسه، 2/281.

[37] – الغزالي، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، تحقيق سليمان دنيا، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية،  1961 ، ص 201.

[38] – محمد أبو زهرة، أصول الفقه، القاهرة، دار الفكر العربي، 1958، ص 207.

[39] – عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه، مؤسسة قرطبة، 1976، ص 180.

[40] – المرجع نفسه، ص 413.

[41] – الزحيلي، أصول الفقه الإسلامي،ط1،دمشق، دار الفكر، 1986،ج1، ص504.

[42] – المرجع نفسه، 1/504.

[43] – المرجع نفسه 1/504.

[44]– الغزالي، المستصفى في علم أصول الفقه، ترتيب وضبط محمد عبد السلام عبد الشافي، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1993، ص 145.

[45] – محمود شلتوت، الإسلام عقيدة وشريعة، القاهرة، دار الشروق، (د.ت.)، ص 69.

[46] – أحمد بن محمد بن علي الوزير ، المصفى في أصول الفقه، ط1، بيروت، دار الفكر المعاصر، 1986، ص 386.

[47] – المصدر نفسه، ص 386.

[48] – المصدر نفسه، ص 393.

[49] – المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[50] – المصدر نفسه، ص ص 398-399.

[51] – علي يحيى معمر، الإباضية بين الفرق الإسلامية ط1، القاهرة، مكتبة وهبة، 1976، ص 372.

اقرأ ايضا

المزيد من المقالات

مقالك الخاص

شــارك وأثــر فـي النقــاش

شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

error Please select a file first cancel
description |
delete
Asset 1

error Please select a file first cancel
description |
delete