مقدمة:
تشهد المجتمعات المسلمة اليوم عدة تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وبالأخص ثقافية، وتعد هذه التحولات من مفرزات العولمة نظراً لانتشار وسائط التواصل الاجتماعي التي هيمنت على كل المجتمعات وسارعت في تغييرها، كما أعادت تشكيل وبناء الهويات وفقا لمنطلقاتها الحداثية وفيها تداخلت الأنساق الثقافية مع القيم الكونية، ومن نتائجها نجد تغير في طبيعة التفاعلات والعلاقات الاجتماعية، وهو ما انعكس جلياً على الحقل الديني وبالتالي على هوية الشباب الدينية، فنسبة كبيرة من هذه الفئة الاجتماعية لا يمثل لهم الدين إلا مجرد انتماء للنسق الاجتماعي، وهو ما يحيلنا جلياً إلى عطوبة دور الأسر في احتواء أبنائها في ظل هذا التيار الثقافي الجديد، مما نتج عنه عدة ظواهر كالانحراف، والانتماء إلى جماعات التطرف، وخاصة التحول الديني الذي هو أساس دراستنا هذه، فالتحول هو نتيجة للتغييرات الاجتماعية التي تشهدها الأسر خاصة مع طغيان أنماط معيشية جديدة مغايرة للنمط التقليدي، كظهور العائلات النواة وتقلص عدد العائلات الممتدة، وكذلك خروج المرأة للعمل وتحول دورها من الأم الراعية والمسؤولة عن تنشئة الأبناء إلى فاعل اقتصادي داخل الأسرة وهو ما قلّص دورها الأول، وهذا ما يحيلنا إلى الخلل الوظيفي للأسرة وبالتالي خلل في التنشئة الاجتماعية والدينية للمراهقين والشباب، ولعل من بين نتائجه انسلاخهم عن المشترك الجمعي بما فيه الديني وظهور ما يمكن أن نطلق عليه “التدين الفردي”، وهذا التحول على المستوى الديني يمكن أن يحلينا فعليا إلى وجود “أزمة” إنتاج وإعادة إنتاج القيم الدينية، تتحمل فيها المؤسسات الرسمية وخاصة منها الدينية إلى جانب الأسر طبعا دورا هاما نظرا لتراجع سلطتها وحضورها في المتخيل الشبابي، مما جذر فكرة الأنوية (نسبة إلى الأنا) باعتبارها أساس الولاء لمعايير الحداثة والعيش في نطاقها، وهو ما يعد انسلاخاً فعلياً عن الضمير الجمعي المتوارث جيلا بعد جيل، وبروز الضمير الواعي والنقدي الرافض لكل موروث أو سلطة مجتمعية خاصة منها الدينية. ففي ظل التغييرات الاجتماعية التي تعيشها المجتمعات الإنسانية وخاصة منها الإسلامية، غابت صورة النموذج القيمي من أذهان المراهقين والشباب، وأصبحت الصور والنماذج التي تقدمها الوسائط الاجتماعية هي الصور المثلى بالنسبة لهم، فهي تخضع الفرد لخصائص التكنولوجيا الرقمية وهو ما ينعكس على مكونات هويته وطبيعة توجهاته” وهو ما يحدد حسب رأي عدد من علماء الاجتماع السيبراني تطوره الحضاري مستقبلا، بعد أن أصبحت الحياة الاجتماعية أو جزء منها على الأقل حياة رقمية في الفضاء السيبراني المصنع”،[1] وهنا لنا أن نتساءل: ما الذي يدفع النشء للانخراط والانصهار الكلي في هذه المنظومة الرقمية؟ فهل يكون الخلل الوظيفي للأسرة سبباً في التحول الأخلاقي والقيمي والديني لديهم؟ وإلى أي مدى يجب أن تعيد الأسر هيكلة أدوارها وفقاً للمتغيرات الثقافية والحداثية التي يعيشها أبنائها؟
والإجابة عن هذه الطروحات اعتمدنا على دراسة ميدانية أنجزناها حول الشباب المتحول دينياً، كما اعتمدنا أيضا على نتائج جلسات حوار أطّرناها بين شباب وأولياء أمورهم في إطار نشاط لبعض دور الشباب في تونس وتحت عنوان “النشء والتربية الوالدية، هل من وفاق؟”، طبعاً إلى جانب اعتمادنا على المقاربة الوظيفية لتبيان دور الأسرة وظيفيتها في السياق المجتمع الرقمي، كما اعتمدنا أيضا على المقاربة الكيفية نظرا لخصوصية البحث وذلك لأن المسألة الدينية في المجتمعات المسلمة هي من المحظورات ويمنع الخوض فيها أو في بعض جوانبها، ولكننا نعتقد بعكس هذا بالأخص مع التغيير الجذري الذي تشهده الأسر والمجتمعات.
1-وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التغيير الثقافي للمجتمعات
لقد أحدثت الوسائط الرقمية طفرة نوعية وهامة صلب المجتمعات، ليس فقط على مستوى التواصل والتفاعل الاجتماعي بل أيضا على منظومة القيم لمستخدميها. كما أنها دفعت الباحثين لإعادة تحديد مفهوم الجماعة الاجتماعية فهي خلقت أنماط جديدة من الجماعات والعلاقات الاجتماعية المتحررة من المشترك الجمعي كالهوية والمجال الجغرافي، والعادات والتقاليد، فهو فضاء معلوماتي افتراضي لا يتطلب العبور أو الانتماء اليه الا أن يكون مستخدمه ملم بإحداثيته وشروط وتقنيات استخدامه، ويعد الشباب من أكثر مستخدمي هذه الوسائل (الفايسبوك، توتير، تيك توك، يوتيوب…)، وكلما ظهرت تطبيقات اتصالية جديدة زاد توسع المجتمعات الافتراضية والتي يعرفها قاموس الإعلام والاتصال بأنها ” مجموعة من الأشخاص يتفاعلون في الأنترنت مثل غرف الدردشة ويتبادلون الاهتمام”، أما “سيرج برولكس” فيعرفها بكونها مجموعة “من الأفراد يستخدمون منتديات المحادثة، حلقات النقاش أو مجموعات الحوار…، والذين تنشأ بينهم علاقة انتماء إلى جماعة واحدة يتقاسمون نفس الأذواق، القيم، الاهتمامات، ولهم أهداف مشتركة”[2]. فهذا الفضاء الافتراضي هو فضاء شبابي بامتياز ولهذا اهتمت السوسيولوجيا بهذه الفئة باعتبارها المحرك الأساسي لكل تغير اجتماعي أو سياسي، أو ثقافي، فالفضاء الافتراضي فضاء متجدد غير مقيد ولا يخضع لسلطة أو لجبرية اجتماعية، وهو ما يتوافق مع جموح الشباب الذين تحولوا إلى أفراد رقميين جمعوا بين حتمية العلاقات الاجتماعية وحتمية التقنيات، وهنا بتنا نتحدث عن مجتمع “تكنو انساني”، يتسم بالانفتاح والسرعة، ويخلق من خلاله الشباب أنماطا ورموزا جديدة من التواصل لا ترتبط بزمان أو مكان، يتم الاتفاق عليها وإعطائها المعنى وتداولها ضمن هذه المواقع وادخالها في السياق الثقافي للمجتمع الأصل، وهذا ما يجعل الفرد ينسلخ عن الجماعة الاجتماعية الواقعية لينخرط في جماعة اجتماعية افتراضية، فعلاقة الفرد بالأولى هي علاقة عمودية هرمية تخضع لضوابط وأخلاقيات بعينها، تفترض بعض الشروط كالحضور الجسدي، والحيز الجغرافي المشترك، كذلك الانغلاق على جماعات الانتماء الضيقة التي تتسم بالديمومة، لها مشترك لغوي وديني ورمزي تسعى للحفاظ عليه وتوريثه، والأهم تنعدم فيها الحريات الفردية ،كما لها قواعد وقوانين تخول لها ممارسة سلطة قمعية للمحافظة على المعايير الاجتماعية وعلى ترابط “الجسد الاجتماعي” في محاولة لخلق صورة مثالية تتسم بالتجانس بين الأفراد ، وهنا تتجلى الهوية الاجتماعية الجماعية كهوية طاغية ومهيمنة ومقوضة لرغبات “الأنا”، مما يجعل الفرد يدخل في صراع نفسي بين ما يريده وبين ما تفرضه الجماعة، وبالتالي يدخل في حالة من الاغتراب النفسي الذي يؤدي بدوره إلى الاغتراب الاجتماعي، أما علاقته بالثانية فهي علاقة أفقية لا تخضع لشروط أو قيود بعينها، فهي جماعة متحررة من كل جبرية اجتماعية، لا تفترض حضور جسدي ولا حيز جغرافي لأنها متحررة مجاليا، تتميز بالكونية لذلك تستعمل لغة وسلوكيات خاصة بها، يمارس فيها الفرد هوياته ورغباته بحرية، وهنا تتجلى الهوية الافتراضية كبديلة للهوية الاجتماعية بل يمكن القول أنّها باتت هي ذاتها هوية اجتماعية بديلة، فهي تمكن الفرد من تشكيل ذاته بعيدا عن رقابة محيطه بل حتى انها تساهم في بناء مجتمع افتراضي يسمح بتفاعل العديد من الافراد الذين تربطهم اهتمامات وانشطة مشتركة، فمفهوم المجتمع لم مرتبطا بسياق زماني أو مكاني، بل أصبح مرتبط بمبدأ الاهتمامات كما ان هذا الفضاء يوفر للفرد الذي ينخرط فيه ضمانات أهمها غموض هويته للعموم مما يخلق له فرصة للتعبير عن قناعاته الدينية والفكرية التي تتعارض في أغلب الأحيان مع توجهات الجماعة، باختصار عرض تمثلاته الذاتية دون الخوف من تسلط المجتمع عليه، فهو فضاء يجعله يخرج من حالة الرُهَاب والاغتراب التي وضعته فيه “الجماعة الواقعية”، وفي هذا السياق تقول الباحثة ( شيري توركل) في مؤلفها “الحياة على الشاشة” ” تبنى الذات وتبنى قواعد التفاعل الاجتماعي، ولا تٌلقى تلقائيا، فحين نستخدم شبكة الانترنت يعني أننا “نبتدع ذواتنا على نحو متواصل”… فأنت ما تزعم أنك عليه، وهويتك على الحاسوب هي حصيلة حضورك المشتت… ذلك أنّ هويّتك شديدة السيولة والتعدد إلى الدرجة التي تجعل مفهوم الهوية ذا حدود فضفاضة”[3]. فالفضاء الافتراضي هو فضاء يمنح الفرد الحرية لعرض تمثلاته لفاعلية ذاتيه، وبالتالي اشباع حاجياته النفسية والاجتماعية والثقافية، ورغم هذا يذهب البعض إلى ان المجتمعات الافتراضية هي مجتمعات ضعيفة الهوية وبالتالي هي مجتمعات مؤقتة وليست دائمة لكنها رغم هذا تبقى كبديل وجوبي للمجتمع الأصل أو امتداد له.
لذلك فكل تغير ثقافي هو بالضرورة وليد ديناميكية الجماعات الإنسانية، كما يمكن اعتباره أحد الحتميات الاجتماعية المدروسة، لأن التراكم الثقافي هو نتاج لعدة عوامل تعد من المغذيات المحفزة للنمو الثقافي وزيادة عناصره، وأهمها العلم والاختراعات، وحالات التثاقف الناجمة عن الحروب أو التجارة…لكن “ليسلي وايت” يرجع التغير الثقافي إلى ثلاثة عوامل “تكنولوجية، فكرية، واجتماعية، لكنه ينتصر للعامل التكنولوجي على حساب غيره ويرى أنه المحدد لكل العوامل الأخرى”[4]. لقد ساهمت الوسائط الاجتماعية الرقمية في تغير شبه جذري للمنظومة الاجتماعية والثقافية للمجتمعات، فمن خلالها تغيرت سياسات واقتصاديات دول بشكل سريع، وعن طريقها أيضا انفتحت المجتمعات المتباينة والمختلفة على بعضها البعض، كما انتشرت المعارف العلمية عن طريق منصاتها وشبكاتها ويعد هذا من ايجابياتها، لكن في المقابل أثرت هذه المنظومة في الجانب القيمي والأخلاقي للأفراد وعززت النزعة الفردانية في ثقافتهم، ونتبين من هذا دينامية الجدل العلائقي بينهم وبين المجتمع بخصوص التمتع بالاستقلالية عن المشترك الجمعي وحقه في بناء وبروز “أنويته وذاتيته”، وهذا ما تجسد على شكل “خلافات ضمن-مجتمعية، تبدو في تصور توتر أبدي وهوة لا قرار لها بين “العالم الداخلي” للفرد وبين “العالم الخارجي” للمجتمع“[5]، وهذا ما يجعل “ذات الفرد” “مشروعا انعكاسيا مرنا”[6]، كما تعد هذه الشبكات بالنسبة للأفراد مجالا حر لتعدد هوياتهم في اطار سياستها الاستقطابية مما يعمق الهوة بينهم وبين مجتمعاتهم وهذا ما يؤكده مانويل كاستلز بقوله “تقوم الشبكات بدور حراس البوابات، وتوفر الشبكة في داخلها عددا كبيرا من الفرص ما يجعل الحياة خارجها عسيرة”[7]، لكن ما يهمنا جليا في هذه الدراسة هو التحول الديني الناتج عن التغير الثقافي للمجتمعات، خاصة وأن هذا العالم الافتراضي وفر إمكانيات متعددة للأفراد لاكتشاف ذواتهم واعادت بنائها وفقا لهذا التغير. فهذا الفضاء السيبراني يتيح حرية تحول الهويات في ظل انعدام منظومة العقاب ضمنه، فنجد تحولات على مستوى التوجهات الجنسية والهوية الجندرية، كذلك التحولات الدينية والعقائدية…فما يمنعه الواقع الاجتماعي، يصبح مباحا افتراضيا، لكن لا تعد هذه العملية سهلة لأن ” التحول إلى “شخص آخر” بمعنى تغيير الثقافة، والدين، والحزب، أو المعتقدات، وبالتالي تغيير الهوية، غالبا ما يكون انتقالا صعبا وحساسا ومؤلما، ولكنه أيضا تجربة “ضرورية”، إن هذا الخروج من الأزمة هو بمثابة تحول للذات”[8] بين الشكل الهوياتي التقليدي والشكل الهوياتي الجديد تكون فيه “الذات الفاعلة اقوى وأشد وعيا لذاتها عندما تدافع عن نفسها ضد الهجمات التي تهدد استقلاليتها”[9]، فالإشكال الفعلي الذي يواجه الأفراد هو مسألة الاعتراف بفاعلية دورهم صلب مجتمعاتهم، فانصهارهم الكلي في الثقافة الرقمية هو نوع من التمرد عن الثقافة الواقعية التي يرون فيها تسلط وقمع وفرض لنظم وقيم لا تتماشى مع أفكارهم ومعتقداتهم وحتى متطلبات عصرهم، ويمكن هنا نعوز هذا الرفض للمشترك الجمعي إلى طريقة توريثه لهم من خلال التنشئة الاجتماعية، ولهذا سنتحول من دراسة الماكرو إلى دراسة الميكرو لمزيد تبيان أسباب العلاقة العمودية بين “الأنا ” والـ”نحن”.
2-الخلل الوظيفي للأسر في المجتمعات الإسلامية الحديثة
لقد اهتمت جل العلوم والتخصصات بالأسرة خاصة ببعدها المفاهيمي ووظائفها داخل المجتمع، ومن هذه التخصصات نجد علم الاجتماع الذي جعل منها موضوعا خاصا له، مما ساعد في ظهور اختصاص “علم الاجتماع الأسري”، الذي حدد ماهيتها وأهم الأدوار والوظائف التي تضطلع بها، بالأخص في ظل المتغيرات الثقافية السالف ذكرها، باعتبارها المجال الأول للتفاعل الاجتماعي بين أعضائها من جهة، وبينهم وبين معظم تيارات التغير التي يعرفها المجتمع من جهة أخرى.
فلقد عرف المعجم الاجتماعي الأسرة بكونها عبارة “عن جماعة من الأفراد يرتبطون معا بروابط الزواج والدم والتبني، ويتفاعلون معا، وقد يتم هذا التفاعل بين الزوج والزوجة، وبين الأم والأب والأبناء، ويتكون منهم جميعا وحدة اجتماعية تتميز بخصائص معينة”[10]، أما في تعريف آخر فنجد “الأسرة” بكونها “معيشة الرجل والمرأة على أساس الدخول في علاقات جنسية يقرها المجتمع، وما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات كرعاية الأطفال وتربيتهم”[11]، وهذا التعريف شمل الأساس البيولوجي والوظيفي للأسرة لكن في المقابل هناك تعريفات كانت عامة وشاملة في تحديد هذا المفهوم كتعريف “أوغست كونت” الذي يرى الأسرة بأنها “منظومة علاقات وروابط بين الأعمار والأجناس”[12]، لكن في المقابل هناك من حدد مفهوم الأسرة بناء على الترابط الاقتصادي بين أعضائها إضافة إلى الوحدة السكنية كتعريف “ميردوك” الذي يحددها بأنها “جماعة اجتماعية يقيم أفرادها جميعا في مسكن مشترك، ويتعاونون اقتصاديا”[13]. رغم تنوع التعريفات المحددة للأسرة في كل من الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا، إلا أنه هناك اجماع بأنها اللبنة الأساسية للمجتمع كما أنها نموذج مصغر من البناء الاجتماعي بتفاعلات أعضائها وأدوارها ووظائفها فهي “الوحدة الاجتماعية الأولى التي تهدف إلى المحافظة على النوع الإنساني وتقوم على المقتضيات التي يرتضيها العقل الجمعي والقواعد والمجتمعات المختلفة”[14]، لكن ما يهمنا ليس ماهية الأسرة بقدر وظائفها باعتبارها وحدة اجتماعية أولية تضطلع بمهمة تأهيل أعضائها للولوج إلى البناء الاجتماعي الأوسع، فأهم وظيفة تضطلع بها الأسرة هي اشباع الحاجيات الاقتصادية للمنتمين اليها، وذلك للحفاظ على استقرارها النفسي والاجتماعي والمادي، وطبعا تتباين هذه الحاجيات بتباين الأفراد والمجتمعات، بمعنى عندما تتطور وتتغير المجتمعات تتغير بدورها الحاجات والمتطلبات الاقتصادية، وهو ما ساهم في بروز ظاهرة “الفقر”، والذي كان من نتائجه تغير في الأدوار التقليدية للأسر والتي تحمل مسؤولية توفير الموارد المالية للرجل، لتكون اليوم المرأة فاعلة اقتصادية صلب العائلة طبعا إلى جانب محافظة على الالتزام بأدوارها التقليدية التي ألزمها بها العرف الاجتماعي وهذا ما سيكون له الأثر على مسألة التنشئة الاجتماعية للنشء وهو ما سنوضحه لاحقا. أما الوظيفة الأخرى والتي لا تقل عن أهمية العامل الاقتصادي، فهي الاشباع العاطفي والنفسي للطفل لأنه يشكل علامة فارقة في البناء الذهني والفكري له وهو ما ينعكس على بناء شخصيته وعلى فاعليته صلب المجتمع، فكلما كان الطفل مشبع عاطفيا صلب أسرته الا وكانت استعداداته النفسية إيجابية تجاه محيطه الاجتماعي. كما تلتزم الأسر بمهمة التربية والضبط الاجتماعي للنشء، باعتبارها إحدى آليات التنشئة الاجتماعية، فمن خلال هذه الوظيفة يتم تحديد الممنوع والمباح للطفل لتأهيله للتفاعل مع الآخر المنتمي لنفس النسق الاجتماعي، وذلك عبر توريثه منظومة القيم التي تترسخ بشكل لا واعي في سياق التنشئة الاجتماعية، لكن هنا لنا نتساءل هل تلتزم الأسر اليوم بأداء هذه الوظائف تجاه أبنائها؟
قبل أن نجيب عن هذا التساؤل يجب أن ننوه إلى نقطة جدا مهمة ألا وهي التغيير الذي طال تركيبة الأسر في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية ابتداء من سبعينيات القرن الماضي، والذي أحدث “تحولات جوهرية في البناء الاجتماعي سواء في أشكال التفاعلات الإنسانية أو في العلاقات القائمة بين الأفراد في المجتمع وفي النظم والقوانين، والعادات والقيم والمعايير، بعبارة أخرى التغير الاجتماعي يعني التحول الذي يطرأ على البناء الاجتماعي وعلى الأنساق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع في كافة الجوانب المادية والمعنوية”[15]، فأهم عامل للتغير الاجتماعي هو العامل الاقتصادي كما ذكرنا آنفا والذي غير في طبيعة تقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة، فتغير شكل الأسرة من أسرة ممتدة إلى أسرة نواة خاصة في المجتمعات الحضرية، كما غير أيضا في الحاجات الاقتصادية للأسر لأن المجال الحضري متطلباته المادية أكثر من المجتمعات الريفية التي تعتمد على النظام المعاشي للإشباع حاجياتها، لذلك يعد خروج المرأة للعمل أول بداية في حدوث الخلل الوظيفي صلب الأسرة، وذلك ليس لأن الإشكال هو عمل المرأة في حد ذاته، وإنما الإشكال الفعلي يتجسد في إشكالية تقسيم الأدوار في ظل تمسك الرجل بدوره التقليدي ورفضه إعادة بناء وهيكلية دوره وفقا للتغير الاجتماعي والثقافي لمجتمعه، بما فيه عزوفه عن الاشتراك في تربية أبنائه باعتباره من الأدوار المنوطة بالمرأة ، وهو ما ولد صراعا صلب الأسرة وأساسه السلطة والهيمنة والبحث عن المساواة. فالمرأة تجد صعوبة في التوفيق بين أدوارها التقليدية ودورها الجديد كفاعلة اقتصادية صلب أسرتها، خاصة وأن الكثير من النساء العاملات يمضين أكثر من( 9) ساعات عمل يوميا مثل (تونس)، هذا دون اعتبار الوقت الذي تستهلكه في الذهاب والعودة من وإلى العمل والذي يقدر بساعتين كأقل تقدير، وهو ما يولد ضغوط نفسية للمرأة في ظل عجزها عن تلبية حاجيات أسرتها خاصة أبنائها، وهذا الضغط ولد بدوره حالة من الصراع وعدم التوافق بين الأزواج يصل في الكثير من الأحيان إلى ممارسة العنف وطبعا تكون المرأة ضحيته، لكن في الحقيقة يكون الأبناء ضحيته الأولى، لأن الأسرة هي الفضاء الحميمي الأول للنشء فإن اتسم هذا الفضاء بالصراع والعنف فإن من نتائجه الحتمية هو انعدام الأمن النفسي والاجتماعي للطفل، خاصة وأنه لا يتوفر لكلا الأبوين الوقت لاحتوائه وتوجيهه، وعادة ما تكون علاقاتهم عمودية مبنية على فرض الأوامر وانتظار الطاعة المطلقة من الأبناء، وهذا ما استنتجناه من خلال إدارتنا لجلسات حوارية وتوجيهية بخصوص التربية الوالدية وعلاقة النشء بذاويهم أنجزتها بعض دور الشباب في تونس، وكانت هذه الجلسات عبارة عن محاورات مباشرة بين مراهقين وشباب بأولياء أمورهم، وقد كشفت عن الخلل الوظيفي للأسر في احتواء وتوجيه أبنائها وهذا ما يوضحه الجدول التالي:
ما يعيشونه | وما يرغبون في عيشه |
عنف وتشتت أسري | الاستقرار والألفة الأسرية |
أوامر، عدم احترام خياراتهم… | حوار، الاعتراف بذواتهم واحترام خياراتهم |
المتطلبات المادية متوفرة | الاحتواء العاطفي |
الانتماء والولاء لمجموعات غير العائلة | الانتماء للعائلة |
انعدام النموذج القيمي | وجود النموذج قيمي متفهم |
كما كشفت هذه الجلسات عن جانب نعتبره جدا هام وهو انحصار دور الأسرة في توفير الجانب المادي لأبنائها وتخليها عن باقي أدوارها لمؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى كالمحاضن الخاصة والمؤسسات التربوية، وهو ما يعد خللا وظيفيا جسيما، نظرا لأن بعض الوظائف تكون منوطة بالأسرة دون غيرها كالتنشئة الدينية والقيمة والأهم الإشباع العاطفي، كما كشفت لنا هذه الجلسات أيضا عن تخلي الأولياء عن مراقبة أبنائهم خارج المنزل نظرا لطول عدد ساعات العمل رغم أنه ليس مبررا، لأن هذا التخلي يطالهم حتى في المنازل، وذلك من خلال توفير شبكة الأنترنت للتمتع براحة من طلباتهم، وطبعا توفر عليهم جهد مراقبتهم، لذلك أعرب العديد من الشباب الذين شاركوا في هذه الجلسات أن المواقع التواصل الاجتماعي وفرت لهم فرصة للتعبير عن ذواتهم، كما منحتهم فرصا لتكوين صداقات كانت ملاذا لهم من الهروب من حالة الاغتراب النفسي والاجتماعي اللذان يعايشونه صلب أسرهم، فقد أقر غالبيتهم أن آبائهم وأمهاتهم لا يعرفون أبسط التفاصيل التي تخصهم مثلا كلونهم أو طبقهم المفضل، ما هي آمالهم أو حتى هويتهم، وهذا ما حذا بهم إلى الانصهار الكلي في العالم الافتراضي لأنه يوفر لهم فضاء حر وفيه أشخاص يشتركون في نفس التوجهات والهويات، وهذا ما يجعل المراهقين والشباب ينكفئون على الهوية الافتراضية وينتجون هويات بديلة لا تكون فيها الهويات التي تلتزم بها عوائلهم حاضرة حتى الدينية منها. وكنتيجة لهذا الخلل الوظيفي تراجع رمزية صورة الأب وسلطته داخل العائلة، كذلك التجرد من كل ما هو مشترك جمعي باعتباره لا يتوافق مع التغييرات الثقافية والاجتماعية الجديدة، وأيضا تبني قيم تتسم ببعدها الإنساني لا الجمعي والتي في الغالب تكون مرفوضة اجتماعيا لأنها تتعارض مع المنظومة القيمية والدينية للمجتمع. فالأسر بتخليها عن وظائفها خاصة في ظل هيمنة الشبكات العنكبوتية وظهور بدائل تفاعلية واتصالية جديدة سدت مكانها، قد دفعت بأبنائها في اتجاه المخاطر، فنجد عدة تحديات يوجهها الشباب والمراهقين اليوم وهي نتيجة فعلية لأزمة الهوية والانتماء التي يعيشونها، ومن بين هذه التحديات انتماء العديد منهم للحركات الراديكالية والجهادية من خلال استقطابهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك انخراط بعضهم في جماعات الانحراف (كترويج المخدرات، السرقات الالكترونية…)، كما تعرض الكثير من المراهقين وبالأخص الفتيات إلى التحرش الجنسي الإلكتروني مما دفع بالكثيرات منهن إلى الانتحار، هذا دون انتماء بعضهم لجماعات فكرية وعقائدية متطرفة كعبدة الشيطان…وهذا ما نعايشه يوميا في جل المجتمعات العربية، فهذه الحالة من اللا معيارية كما أشار اليها دوركايم هي نتيجة فعلية للاختلالات التي طالت الأسرة كوحدة اجتماعية أولية مما عمق النزعة الفردانية لدى النشء وبرزت ظاهرة التباعد الجيلي.
3-التنشئة الاجتماعية والتحول الديني
تعد عملية التنشئة الاجتماعية من أهم الوظائف التي تضطلع بها الأسر لأنه من خلالها تحويله من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي، كما تكسبه الآليات اللازمة لتأهيله كفاعل اجتماعي، وهذا التأهيل حسب ما ذهب اليه دوركايم هو “ضرب من ضروب الترويض، التي يصار من خلالها الفرد إلى استبطان المعايير والأعراف والمواقف، والأدوار والمعارف، وحسن التصرف، والذي يشكل كبرنامج مصمم ليوضع لاحقا موضوع تنفيذ وتحقيق، بمعنى أنه تنشئة ترويضية للفرد”[16]، فعملية التنشئة الاجتماعية على قدر بساطتها إلا أنها عملية جدا معقدة، فليس من السهل نقل المعارف والخبرات الاجتماعية إلى الطفل وتجذيرها في شخصيته وسلوكه، ذلك أن الحقيقة الاجتماعية عند دوركايم هي “عبارة عن نسق من التصورات والمشاعر والأفكار الجمعية التي تتغلل إلى ضمائر الأفراد، ومع ذلك تبقى خارجة ومستقلة عنهم، وبالتالي يرى أن عملية التنشئة الاجتماعية هي العملية التي يباشرها الضمير الجمعي في ضمائر الأفراد وعقولهم، لتكوين الأنساق على نحو ما يريده المجتمع”[17]، ومن خلال هذا التعريف نستشف تذويب “الأنا” (الفرد) لصالح الـ”نحن” (المجتمع)، فكل ما هو قيمي هو من إنتاج الجماعة للتفاعل صلب المجتمع، وبالتالي الزامية خضوع الفرد لهذه الجبرية المجتمعية، وأكثر القيم التي ترتكز عليها التنشئة الاجتماعية هي القيم الدينية باعتبارها الوعاء الحاوي للأخلاق والتي تضبط الجماعة كينونتها وماهيتها وضوابطها، لذلك يعدّ الدين منظومة إنسانية متكاملة تحوي كل ما هو ثقافي واجتماعي، كما يلعب الدين أيضا دورا هاما في تحقيق التماسك الاجتماعي بين الأفراد وهذا حسب ما ذهب اليه دوركايم، إذ يخلق نسقا قيميا يكون مرجعا لمتدينين ينضوون تحت لوائه، هذا ويحقق الدين للفرد عدة إشباعات نفسية تساعده على تطوير ذاته واستقرارها صلب محيطها الاجتماعي، لكن “قد تظهر بعض الجوانب السلبية لعدم التمسك بآداب الدين وهذه السلبيات تؤثر على عناصر البناء الاجتماعي وأحيانا تؤدي إلى احداث الصراع والتفكك الاجتماعي وسوء التنظيم الاجتماعي في العديد من المجتمعات التي تؤمن بهذا الدين”[18]، وتعد ظاهرة التحول الديني هي احدى هذه السلبيات والتي هي نتاج صراع بين المتحول ومحيطه العائلي والاجتماعي، وهذا ما لامسنا من خلال بحث الميداني أجريناه مع شباب متحول دينيا، والذي كشف لنا أن الإشكال الفعلي يكمن في نظرية الانتماء للفكر الجمعي وللموروث الاجتماعي وليس للدين في حد ذاته رغم أهميته في المنظومة الاجتماعية، فمن خلاله تبنى الأفكار والمعتقدات وتهذب السلوكيات، فالحياة الدينية للمجتمعات تشكل جزءا مركزيا من الحياة الاجتماعية إن لم نقل إنها هي الحياة الاجتماعية ذاتها، وهو ما يؤكده المستشرق مكسيم رودنسون بقوله: “يجب التأكيد على أن الديانة الإسلامية تقدم للمنتسبين إليها مشروعا اجتماعيا عكس ما يعتقد الغربيون حينما يظنون أن كل الديانات هي على شاكلة المسيحية. فالإسلام يختلف عن المسيحية والبوذية ويكمن هذا الاختلاف في كون الإسلام لا يتمظهر كجمعية تضم مؤمنين يقرون بحقيقة واحدة وإنما كمجتمع كامل“،[19] فمن خلال المقابلات التي أجريناها مع المتحولين دينيا استنتجنا الآتي:
-أنّ النمط التديني في تونس هو نمط مرتبط أساسا برغبة التونسي وميولاته وتمثلاته للدين.
-أن عقيدتهم الإسلامية هي عقيدة مُوَرَّثَةٌ (إسلام بالوراثة)، لذلك فإنّ أغلبهم غير ملمين بالأحكام الدينية إلاّ بأبسطها.
– ممارسة الطقوس الدينية هو وسيلة لتفادي الدخول في صراع مع محيطهم الاجتماعي خاصة إذا كانوا من وسط ديني محافظ.
فالاعتقاد الديني عند التونسيين وجل مواطني الدول العربية، هو هوية جماعية بعيدة كل البعد عن الاعتقاد الفردي، “فيها يتطابق الثقافي والديني، حينها يمثل الدين ثقافة كاملة لشعب أو أمة أو حضارة، ليس في كونه نصوصا وتعاليم وقيما فحسب بل بما هو كيان مجسد اجتماعيا، ومبلور بالممارسة في أنماط وتقاليد وافعال”[20]. ومن أسباب التحول الديني المتعلقة بمسألة التنشئة الاجتماعية، نجد استبطان للموروث الديني والمتمثل في الحديث النبوي القائل “علموهم سبعا واضربوهم عشرا”، فبتمعننا في محتوى العديد من شهادات المتحولين لاحظنا أنهم لم يتكلموا عن العقيدة الإسلامية أو نواهيها واحكامها، بل كان حديثهم يتمحور حول صورة الأب وما مدى ارتباط ماضيهم الديني بالصورة السلبية له، وهو ما يمكن أن يؤول بأزمة سيكولوجية مردها الهرسلة والالم العاطفي اللذان ترسخا ضمنيا في أذهانهم، خاصة من خلال وصفهم لحالات العنف التي تعرضوا إليها لإجبارهم على النهوض لصلاة الفجر، أو اجبارهم وهم أطفال على الصوم ممارسين عليهم سياسة الترهيب لا الترغيب، وهذا ما أشار إليه “فرويد” تعبيريا بقتل الاب دينيا من خلال استبداله بأب ديني آخر. وهنا نستشف أنّ التحول هو انسلاخ عن الثقافي والاجتماعي قبل الديني وهو ما سماه الباحث المغربي عياد ابلال بـ” الانقلاب الاوديبي للدين” كما أن تغيير المعتقد هنا هو شكل من أشكال الهروب من الواقع العائلي الذي اتسم بالصراع والمعاناة إلى “البحث عن الأمان والسلم، هو بحث ليس عن الديني بالدرجة الأولى، بقدر ما هو بحث عن التعويض، تعويض رمز الأب برمز آخر بعدما تآكلت وظيفته الاجتماعية والثقافية”.[21]
من الأسباب الأخرى للتحول والتي تتمحور حول التنشئة الاجتماعية، هو تخلي بعض العوائل عن الجانب الديني في تنشئتهم لأبنائهم، ، فهم مسلمون شكلا وليس ممارسة، بل ويتعاملون مع الطقوس الدينية على أساس أنّها موروثات ثقافية تصنف في باب العادات والتقاليد أو الفلوكلور الشعبي، كما أن جل العوائل التي تنتمي للطبقة الراقية التي لا تعطي للدين حيزا هاما في حياتها اليومية وهو ما يفسر تقبلهم لعبور أبنائهم ” إذ تختلف مستويات التلقي الاجتماعي لظاهرة تغيير المعتقد الديني من طبقة اجتماعية إلى أخرى، ومن مستوى معرفي وعلمي لآخر، ومن نسق ثقافي إلى آخر.[22]
عموما توجد أسباب أخرى للتحول الديني ولكننا اخترنا تلك المرتبطة بالتنشئة الاجتماعية والدينية والتي تتمحور كلها حول صورة الأب القاتمة، وفي هذا السياق يقول الباحث عياد ابلال: ” فإذا كانت صورة الاب عاملا أساسيا في تفسير تمثل المتحول الديني والاجتماعي للأسرة التي ينشأ فيها المتحول ، فإن الخلل الوظيفي الذي أصاب النسق الثقافي من خلال الاطلاع على ثقافات ومرجعيات دينية وثقافية أخرى، وتأثير الوسط والبيئة، له من الأهمية ما يجعل هذا النموذج التأويلي قابلا للامتداد في حقل تغيير المعتقد الديني”،[23] فالتحول هو نتاج أزمة دافعة والتي هي بالأساس أزمة هوية اجتماعية، أزمة هوية ثقافية والأهم أزمة هوية دينية، وكما أسلفنا الذكر تشترك هذه الأزمات الهوياتية في أنّها نتاج للخلل الوظيفي داخل الأنساق الإجتماعية والتي ينتج عنها بالضرورة خلل وظيفي للفعل والتفاعل الاجتماعي بين الافراد في المحيط الواحد، وتكون من نتائج هذا الإعتلال والإختلال الوظيفي التنصل والإنسلاخ عن منظومة القيم المصوغة اجتماعيا وثقافيا والبحث عن هويات بديلة للمنظومة المُستهلكة في محاولة لإعادة إنتاج الذات وترميم الهوية وبالتالي بناء مجتمع بديل وهو المجتمع الافتراضي الذي ذكرنا معاليمه آنفا.
خاتمة:
يعد الانتماء الاجتماعي من أهم المفاهيم المركزية التي ترسم وتؤطر العلاقة بين الفرد والجماعة وهو الشكل أو التصور المضاد لمفهوم الاغتراب الاجتماعي، والذي ينسلخ فيه الفرد عن ذاته وعن جماعته، وفي حالة التحول أو العبور الديني نجد أن الفرد يعيش حالة انسلاخ عن مجتمعه الأصل الذي يرفضه ويرفض قيمه ليتحول إلى مجتمع بديل يجب الانصهار والتموقع فيه حتى يتحقق له التوازن والاستقرار النفسي، والذي يتمثل في المجتمع الافتراضي الذي يقر له بفاعلية ذاتيه، ويمنحه الحق في التمرد على كل الضوابط التقليدية. وعليه يجب على الأسرة إعادة هيكلة أدوارها ووظائفها وفقا لهذه التغيرات الثقافية الاجتماعية، من خلال إعادة تجسير الروابط العاطفية أولا، والاجتماعية ثانيا بينها وبين أبنائها، والأهم إعادة تنظيم وتقسيم الأدوار بين الأب والأم لخلق فضاء أسري يسوده الوئام، بعيد كل البعد عن الصراعات والمشاحنات المنفرة لصورة العائلة في أذهان النشء، وأخيرا إن التربية الوالدية ان لم تبنى على أساسيات كالحوار، والاشباع العاطفي، والاعتراف فهي تنتج مشروع عاقين.
المراجع باللغة العربية:
-ابراهيم السيد مديحة، علم الاجتماع الديني ومشكلات العالم الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1990.
-ابلال عياد، الجهل المركب الدين والتدين وإشكالية تغيير المعتقد الديني في العالم العربي (مقاربة سوسيو انثروبولوجية)، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 2018.
– إلياس نوربرت، مجتمع الأفراد، ترجمة، هاني صالح، دار الحوار للنشر والتوزيع، دمشق، 2014.
– بارني دارن، المجتمع الشبكي، ترجمة، أنور الجمعاوي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015.
– تورين آلان، براديغما جديدة لفهم عالم اليوم، ط1، ترجمة: جورج سليمان، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2011.
– جعنيني حبيب نعيم، علم اجتماع التربية المعاصر بين النظرية والتطبيق، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، 2009.
– حجازي مجدي أحمد، التغير الاجتماعي وقضايا المجتمع، دار المعرفة الجامعية، مصر، 2005.
– خليل احمد خليل، المفاهيم الأساسية لعلم الاجتماع، دار الحداثة، بيروت، 1984.
– خليل معن، التغير الاجتماعي، دار الشروق للنشر والتوزيع، الأردن، 2004.
– رمضان السيد، إسهامات الخدمة الاجتماعية في مجال الأسرة والسكان، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1999.
– عماد عبد الغني، سوسيولوجيا الهوية جدليات الوعي والتفكك وإعادة البناء، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2017.
– غيث محمد عاطف، علم اجتماع النظم والتغيير والمشاكل، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1967.
– منصور نديم، سوسيولوجيا الانترنت، ط1، منتدى المعارف، بيروت، 2014.
– غريب السيد أحمد وآخرون، علم اجتماع الأسرة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2001.
المراجع باللغة الأجنبية:
– Abou Diab Khattar, Maxime Rodinson, “L’islam : politique et croyance”, In Politique étrangère, n°2, Fayard 1993.
– Claude Dubar, La Crise des Identités, L’interprétation d’une Mutation, Presses universitaires de France, 2000.
– Joseph Sumpf et Michel Hugues : Dictionnaire de Sociologie, Librairie, Larousse, Paris, 1973.
– Serge Proulx « Les communautés virtuelles construisent-elles du lien sociale ? Colloque international« L’organisation média. Dispositifs médiatiques, sémiotiques et de médiations de l’organisation », Université Jean-Moulin, Lyon, 19-20 novembre 2004.
[1] نديم منصور سوسيولوجيا الانترنت، ط1، منتدى المعارف، بيروت، 2014، ص 20.
[2]Serge Proulx « Les communautés virtuelles construisent-elles du lien sociale? Colloque international « L’organisation média. Dispositifs médiatiques, sémiotiques et de médiations de l’organisation », Université Jean-Moulin, Lyon, 19-20 novembre 2004.
[3]عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الهوية جدليات الوعي والتفكك وإعادة البناء، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2017، ص 209.
[4] معن خليل، التغير الاجتماعي، دار الشروق للنشر والتوزيع، الأردن، 2004، ص 71.70.
[5] نوربرت إلياس، مجتمع الأفراد، ترجمة، هاني صالح، دار الحوار للنشر والتوزيع، دمشق، 2014، ص 178.
[6] دارن بارني، المجتمع الشبكي، ترجمة، أنور الجمعاوي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015، ص 168.
[7] المرجع نفسه، ص35.
[8] Claude Dubar, La Crise des Identités, L’interprétation d’une Mutation, Presses universitaires de France, 2000.p.171.
[9] آلان تورين، براديغما جديدة لفهم عالم اليوم، ط1، ترجمة: جورج سليمان، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2011، ص 170.
[10] Joseph Sumpf et Michel Hugues : Dictionnaire de Sociologie, Librairie, Larousse, Paris, 1973, P131
[11] السيد رمضان، إسهامات الخدمة الاجتماعية في مجال الأسرة والسكان، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1999، ص 25.
[12] خليل احمد خليل، المفاهيم الأساسية لعلم الاجتماع، دار الحداثة، بيروت، 1984، ص 60.
[13] غريب السيد أحمد وآخرون، علم اجتماع الأسرة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2001، ص 118.
[14] محمد عاطف غيث، علم اجتماع النظم والتغيير والمشاكل، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1967، ص 6.
[15] أحمد مجدي حجازي، التغير الاجتماعي وقضايا المجتمع، دار المعرفة الجامعية، مصر، 2005، ص 91.
[16] خليل احمد خليل، المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع…مصدر سابق، ص 50-49.
[17] نعيم حبيب جعنيني، علم اجتماع التربية المعاصر بين النظرية والتطبيق، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، 2009، ص248.247.
[18] مديحة السيد إبراهيم، علم الاجتماع الديني ومشكلات العالم الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1990، ص 15-16.
[19] Abou Diab Khattar, Maxime Rodinson, “L’islam : politique et croyance”, In Politique étrangère, n°2, Fayard 1993, P30.
[20] عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الهوية…، مرجع سابق، ص 77.
[21]عياد ابلال، الجهل المركب الدين والتدين وإشكالية تغيير المعتقد الديني في العالم العربي (مقاربة سوسيو انثروبولوجية)، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 2018، ص426.
[22]عياد ابلال، الجهل المركب … مصدر سابق، ص 263.
[23]نفس المصدر، ص438.