التوحش الأصولي: ماذا بعد تدويل ظاهرة الإرهاب؟

 تكوين

التوحش من العنف إلى الإدارة؟

إذا كان العالم اليوم ينحو نحو تدويل الحرب على الإرهاب ومحاربة منابعه وتجفيف الأفكار والمعتقدات والأيديولوجيات الكامنة وراءه، فإنه من اللازم أن نشير أيضًا إلى أن الأيديولوجيات العنيفة والمتطرفة تواكب هذه المسيرة وتستفيد من الإخفاقات وتطور من إمكاناتها، كي تُصبح شعاراتها مُغرية بدرجة أكبر في عالم لا حدود له ولا مجال للانغلاق فيه. وكلما زادت حدة الطوق الذي تفرضه الدول والسلطات والمجتمعات الحديثة والمتمدنة، كلما استطاع في المقابل أن يحاول هذا التوحش أن يضع الآخرين أمام مآزق وجودية، وينفلت قدر الإمكان من القبضات التي تحاول أن تجعل من ظاهرة الإرهاب ظاهرة محلية، ولكن هذا لا يمنعنا أن نعترف بأن التوحش الإرهابي ينتعش ويزدهر وينمو في بيئات خصبة لها ظروف نشأتها وصيرورتها، فكلما كانت المجتمعات ضعيفة في مستوى بيناتها الاقتصادية والثقافية والفكرية، كلما نشط الفعل العنيف وتطورت إمكاناته وزاد وَهَجُه والإقبال عليه من طرف فئات تجد فيه الملاذ الأخير للانتقام وإشاعة الخوف ونشر الرعب الأيديولوجي. يحكي المُفكر الأمريكي ويين داير: “أنه سَمِعَ شيخًا عقب أحداث 11 سبتمبر يقول لحفيده: “في داخل كل منا يا بُني كائنان: أحدهما مملوء بالغضب والحقد والألم ويتمنى أن ينتقم، والآخر مملوء بالحب واللطف والشفقة ويتمنى أن يسامح. سأل الطفل جده: ومن فيهما سوف ينتصر؟ فقال الجد: الكائن الذي تطعمه وتسقيه “.وهكذا نتساءل نحن. متى نقتل الوحش الذي يسكننا؟ “[1]

وإذا كنا نتحدث عن التوحش الأصولي بوصفه أحد التجليات الأساسية للظاهرة الإرهابية، فسيكون لزامًا أن نمر على مصطلح مُثير أفرزه الواقع الأصولي العنيف، ألا وهو مصطلح إدارة التوحش، هذا المفهوم الجديد، والخطير، يجعل للتوحش إدارة وهدفًا استراتيجيًا، وقد طُرح في كتاب يحمل الاسم نفسه نُشر عام 2004 منسوب إلى صاحبه أبو بكر ناجي[2]، وهو أحد المنظرين الكبار لما يُعرف بالسلفية الجهادية. وحينما طُرح هذا المفهوم كان الغاية منه هو التحفيز على التوحش والعنف والإرهاب، لا بوصفها أفعالًا معزولة عن غاياتها الكبرى، ولكن ضمن رؤية جديدة تهدف إلى تمكين الجماعات المتطرفة والحركات الإرهابية، من استغلال الفوضى وانهيار الدول وضعف السلطات المركزية لبناء كِيان إسلامي مُتشدد معتمدًا على مراحل تدريجية تبدأ بإضعاف الأنظمة الحاكمة، وتنتهي بإقامة حكم إسلامي متشدد وفق ما استقرت عليه أدبياتهم وأحلامهم ومُثُلِهِم، وكي يتحقق هذا الهدف الاستراتيجي يطرح الكتاب خُطة خطيرة جدًا ثلاثية الأبعاد:

  1. مرحلة النِكاية والإنهاك: تعتمد هذه المرحلة على استنزاف الأنظمة الحاكمة والقوى الدولية التي تدعمها، عن طريق نشر العنف والخوف والهلع بين الناس. وتُوظف تكتيكات وخطط مُحكمة مثل: التفجيرات في الأماكن العامة والاغتيالات السياسية والأيديولوجية واللعب على الوتر الديني والنزاعات الطائفية أو العرقية، وكل ذلك يتم عبر مُخطط خبيث يضرب ثقة الشعوب في حكوماتها، ويزرع الخوف والفوضى بين مواطنيها.
  2. مرحلة إدارة التوحش: تبدأ هذه المرحلة عندما تنجح الخُطوة السابقة في زرع الخوف لدى فئة كبيرة من الناس، وبثِّ الرعب والشك في قدرة السلطة على المواجهة. في هذه المرحلة تستغل الجماعات الجهادية الفراغ الأمني والإداري في تلك المناطق للسيطرة عليها وفرض نفوذها. تعتمد إدارة التوحش على خلق ما يسموه بالبدائل المتاحة في مناطق النزاع والفوضى، فيُوفر الأمن وتُطبقُ الأحكام الشرعية أو ما يُسمى بالقانون الجنائي الشرعي المُعتمد على فلسفة الحدود بقول أدق، وإدارة الموارد الاقتصادية، كما يُدرب الأفراد وفرض الولاء التام لأيديولوجيتهم، والعمل لإنشاء بيئة تضمن استمرار الهيمنة العسكرية والأيديولوجية.
  3. مرحلة التمكين: هذه المرحلة هي خاتمة النسق الفكري للجماعات الإرهابية، فبعد فرض السيطرة على مناطق النزاع، وضمان الولاء الأيديولوجي المُتسم بالعنف في حدوده القصوى، يُكونُ كِيان سياسي على شكل “إمارة إسلامية”. والعمل لتوسيع السيطرة الجغرافية وتوحيد المناطق الخاضعة لهم لتكوين دولة إسلامية أوسع، وفق نموذج موضوع سلفًا للدولة الدينية الثيوقراطية، أو دولة الخلافة كما هي في التمثلات الجمعية لهذا العقل الأصولي. وتشمل هذه المرحلة إقامة نظام حكم كامل، فرض الولاء، ومحاولة الحصول على اعتراف أو دعم خارجي، كما تُفرض فيها الشريعة بالقوة، واستخدام العنف الممنهج لفرض ما يُسمى بالقانون الجنائي في الفقه الإسلامي، أو فقه الحدود والعقوبات في الإسلام التاريخي. وإذا كانت هناك معارضات لهذه الدولة فإن فلسفة تصفية المنافسين والمعارضين سواء كانوا من داخل التنظيم أو من السكان المحليين لهم بالمرصاد. هذا النموذج قد عُمل به من طريق تطبيقات عديدة، لعل أهمها تنظيم القاعدة في العراق خاصة بعد الغزو الأمريكي عام 2003 وتنظيم داعش، فقد اعتمد على الفوضى في سوريا والعراق، للسيطرة على مساحات شاسعة وإعلان “الخلافة” عام 2014. وجماعات أخرى في إفريقيا مثل بوكو حرام، وحركة الشباب المجاهدين التي استغلت انهيار الدول لفرض سيطرتها في بعض المناطق.

من هنا فإدارة التوحش ليست فوضى غير منظمة، بل هي فوضى موجهة نحو هدف استراتيجي. فإذا كان التوحش فعل يعود بالإنسان إلى أصوله الأولى، فلم يكن هناك إمكان للتمدن والتحديث، فإن الجماعات والحركات الإرهابية جعلت منه الوسيلة الفُضلى لاستعادة مجدهم والتعبير عن تطرفاتهم والانحياز لأيديولوجياتهم البائدة. هكذا يُمثل مفهوم إدارة التوحش أحد أخطر الإستراتيجيات الجهادية، فهو يعتمد على تحويل مناطق الفوضى إلى بيئات خصبة للتطرف، مما يؤدي إلى استمرار الصراعات وتهديد الأمن الدولي. وقد أثبتت التجارب أن التصدي لهذا النموذج يتطلب استراتيجيات أمنية وسياسية واقتصادية شاملة لمنع انهيار الدول، وحرمان الجماعات الإرهابية البيئة التي تحتاجها لتنفيذ خططها.

لكن إذا كان التوحش غاية للمتطرفين وهواة فقه الدم، فإن هذا لا يمنع من أن جذور هذا الفقه تلامس أيضًا كثيرًا من الأشياء التي نؤمن بها ونعتقدها، وتؤول تأويلات خاطئة في مساحات من العنف وجب الإشارة إلى خطورتها داخل فضاءاتنا التربوية أو مجالات اشتغالاتنا أو في نقاشاتنا العمومية، هنا يحق لنا أن نتساءل: ماذا بعد تدويل الإرهاب؟

  • بودريار[3]: الإرهاب والعولمة؛ وجهان لعملة واحدة

كان الحدث المركزي الذي أرعب العالم وجعله يلتفت التفاتًا أعمقَ للفعل الإرهابي هو عندما ضربت الطائرات بُرجي التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001، لم يكن السؤال فقط عن حجم الخسائر المادية التي لحقت بالتجارة والاقتصاد العالمي من جراء هول الصدمة والفعل العنيف، ولكن السؤال الأخطر هو كيف استطاع الإرهاب أن يضرب أقوى دولة تقود النظام العالمي، ولم تكن تعتقد أنها ستكون أكبر ضحاياه، بعد أن تعاونت معه في أفغانستان، في مواجهة الاتحاد السوفياتي سابقًا؟ هنا انبرى عديدٌ من الباحثين والمفكرين والعلماء لفهم الظاهرة وتفكيك خلفياتها وفهم أبعادها وامتداداتها، ولعل أهمهم الفيلسوف الفرنسي جان بودريار الذي قَدَّمَ قراءةً مختلفةً جذريًا في كتابه “روح الإرهاب“، فهو لم يتعامل مع الحدث بوصفه عملًا إرهابيًا، بل بوصفه علامةً فارقةً تكشف عن تناقضات النظام العالمي الحديث.

يرى بودريار أن الإرهاب ليس تهديدًا خارجيًا، بل نتيجةً حتميةً للعولمة والرأسمالية المتوحشة. في نظره عندما يصل نظام عالمي إلى ذُروته في التوسع والهيمنة، فإنه يُوَلِّد داخله قوى معارضة تتغذى على تناقضاته. العولمة الأمريكية التي فرضت نفسها بوصفها نموذجًا وحيدًا للحضارة، لم تترك مجالًا للخيار، مما دفع بعضهم إلى اللجوء إلى الإرهاب بوصفه “رد فعل رمزي” ضد الهيمنة المطلقة، لذلك فإن أحداث 11 سبتمبر لم تكن هجومًا على أمريكا، بل كانت تعبيرًا عن انهيار وهم القوة المطلقة التي تصورها الغرب عن نفسه.

يطرح بودريار مفهوم “الحدث الرمزي“، وهو الحدث الذي يحمل دلالة تتجاوز فعله المادي. في حالة 11 سبتمبر، لم يكن تدمير البُرجين الهدف الحقيقي، بل كان المقصود هو تدمير صورة أمريكا بوصفها قوةً لا تُهزم، فما جعل الهجوم فعالًا لم يكن قوته العسكرية، بل تأثيره الإعلامي. وهنا يبرز دور وسائل الإعلام التي جعلت الإرهاب أكثر حضورًا، فهو لم يعد فعلًا عنيفًا، بل أصبح مشهدًا عالميًا يُبث لحظة بلحظة مما منحه قوة مضاعفة. من هذا المنظور، فإن الإرهاب والإعلام وجهان لعملة واحدة، كل منهما يُعزز الآخر في دائرة لا نهائية من الخوف والتضخيم.

في تحليل أكثر جذرية يرى بودريار أن كل نظام عالمي يحمل داخله بذور دمار نفسه. النظام الرأسمالي الذي يسعى في السيطرة الكاملة على العالم هو نفسه الذي يخلق ردود الفعل العنيفة ضده. في عالم يُحكم بالمعلومات والاقتصاد، يصبح الإرهاب السلاح المضاد الأكثر فعالية، لأنه لا يحتاج إلى توازن عسكري، بل إلى استغلال نقاط الضعف النفسية والرمزية للنظام الذي يحاربه، لهذا السبب فإن الردود العسكرية التقليدية على الإرهاب غالبًا ما تكون غير مجدية، لأنها لا تعالج المشكلة الحقيقية، بل تُعيد إنتاج العنف نفسه الذي وَلَّدَ الإرهاب في المقام الأول.

يعد “روح الإرهاب” كتابًا مثيرًا للجدل، لأنه لا يكتفي بإدانة الإرهاب، بل يحاول فهمه في سياق أوسع بتحليله، يضع بودريار العولمة أمام مرآة قاتمة، فتبدو قوتها هي في الوقت نفسه مصدر هشاشتها. الإرهاب لديه ليس انحرافًا عن النظام العالمي، بل جزءًا منهُ، يُولد داخله ويستمد قوته من تناقضاته. وفي النهاية لا يقدم بودريار حلولًا مباشرة، بل يفتح الباب أمام تساؤلات أكثر تعقيدًا بشأن طبيعة العالم الحديث، وعما إذا كان يُمكن لنظام يسعى في الهيمنة المطلقة أن يتجنب ظاهرة الإرهاب التي أصبحت جزءًا من بنيته الخفية.

ظاهرة الإرهاب: المفهوم والامتدادات

  • الإرهابي الطيب

في مناقشة مُهمة قام بها تشارلز تاونزند[4] لمفهوم الإرهاب، عرَّج على قضية مثيرة وهي قضية المقاتلون المتدينون والمتآمرون، ومن بين المفاهيم الرائجة في هذا الصدد نجد مفهوم “الإرهابي الطيب” بوصفه شخصيةً إشكالية تجمع بين استعمال العنف والتطرف والتشدد من جهة، ومن جهة أخرى تلتزم بالمبدأ والقواعد المُتفق عليها، فتُبرر أفعال بعض الإرهابيين، استنادًا إلى قمع الأنظمة السياسية التي يحاربونها. هذا الطرح كان موضوعًا لاستكشافات أدبية مثل رواية دوريس ليسينج التي سلطت الضوء على التنظيمات السياسية الصغيرة المنتشرة في أوروبا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

هناك صورة نمطية سعت مختلف الدراسات التي أُجريت في التاريخ الحديث في تكريسها، وهي تصوير الشخصية الإرهابية بوصفها شخصية عديمة الرحمة أو مختلة نفسيًا، رغم أن الدراسات الأكاديمية تُشير إلى أن أغلب الإرهابيين أشخاصٌ عاديون، ولا يحتاج تنفيذ العمليات الإرهابية إلى خصائص نفسية استثنائية، مثل انعدام التعاطف أو النزعة التدميرية، كما أن ظروف النشأة رغم أهميتها، لم تُثبت إثباتًا قاطعًا أنها العامل الحاسم في صنع الإرهاب، أما التجنيد في المنظمات الإرهابية، فيختلف وفق طبيعة كل تنظيم، فالتنظيمات الثورية تسعى في استقطاب الأيديولوجيين والحالمين، في حين تكون التنظيمات القومية أحيانًا جزءًا من النسيج المجتمعي، مما يجعل الانضمام إليها طقسًا اجتماعيًا. وهكذا كل تنظيم يستقطب ما يعده أدواتًا ووسائلَ تُختار بعناية وفق طبيعة الهدف والغاية والنهاية.

يُعد الاغتيال أحد أبرز أدوات الإرهابي “الطيب”، إذ يُنظر إليه بوصفه وسيلةً فعالة ودقيقة للتخلص من رموز القمع، كما فعلت منظمة “نارودنايا فوليا” باغتيال القيصر ألكسندر الثاني. هذا الاستعداد النفسي لدى الشخصية الإرهابية كان مصدرًا للدهشة والإعجاب والخوف في كثيرٍ من الأحيان، كما هو الحال مع ظاهرة “الانتحاريين” في العصر الحديث، فمهما حاولَ الإنسان أن يفهم، فما تزال لحظة الانتحار أو الانفجار أو القتل بدم بارد لحظةً عصية على الفهم بكل المقاييس، ولكن ما يمكن أن يكون طريقًا للتفسير هو ما يُسميه البعض بجنون الإيمان، إذ وراء كل حدث وواقعة إرهابية هناك إيمانٌ عميق بالقضية، ما يجعل أساليب الردع التقليدية غيرُ مجدية في التعامل معه. وهذا يثير إشكالية معيارية عند محاولة وضع تعريف دولي للإرهاب، كما حدث بعد اغتيال ملك يوغوسلافيا عام 1934، فقد تباينت الرؤى بخصوص من يُصنَّف بوصفه عدوًا للإنسانية: هل هو من يستخدم العنف لإسقاط حكومة قمعية، أم الحكومة نفسها إن كانت تمارس الإرهاب؟

في النهاية فالبروفايل الشخصي للإرهابي ليس عملية سهلة ويسيرة، إذ تعترضها عديدٌ من العقبات المنهجية، خاصة مفهوم “الإرهابي الطيب“، هذا المفهوم الجدلي والمثير والمعقد. فهو يطرح سؤالًا أخلاقيًا معقدًا بشأن شرعية العنف في مواجهة الاستبداد، وحدود التفريق بين المقاومة والإرهاب في السياقات التاريخية والسياسية المختلفة.

  • المقاتلون من أجل الحرية:

هناك أيضًا حدودًا فاصلة طرحها تشارلز تاونزند، بين “المقاتل من أجل الحرية” و”الإرهابي“، فيرى بعضهم أن ما يُعدُّ إرهابًا لدى طرف، قد يكون بطولةً لدى آخر. هذا التناقض يعكس تعقيدًا في فهم طبيعة العنف السياسي ودوره في التحرير أو القمع، فمنذ نشوء مصطلح الإرهاب في العصر الحديث، ارتبط في الغالب بالمتمردين ضد الأنظمة الحاكمة، رغم أن الدول نفسها كانت من أكبر مستخدميه، ومع ذلك لا يظهر هذا التناقض في الخطاب الرسمي، فيُنسب الإرهاب إلى الجماعات الثائرة، في حين تتجاهل الحكومات عُنفها المنظم. ورغم أن الإرهاب بدا وسيلة لمواجهة ميزان القوى المُختل، خصوصًا بعد تطور التكنولوجيا التي منحت الجماعات قدرة تدميرية كبيرة، إلا أن التجارب التاريخية أظهرت أن الإرهاب وحده لم يكن كافيًا لتحقيق التحرير، فمعظم الحركات التي اعتمدت عليه اعتمادًا محضًا، مثل الجيش الأحمر الألماني والألوية الحمراء الإيطالية، فشلت في تحقيق أهدافها، في حين اعتمدت حركات التحرر الناجحة على خليط من العنف السياسي والتفاوض. وفي كثير من الحالات أدى الإرهاب إلى نتائج عكسية، فقد عَزَّزَ من الإجراءات الأمنية وقَيَّدَ الحريات بدلًا من توسيعها.

ومن الأطروحات الكبيرة في هذا الباب، أي تلك التي ترى بأن العنف يُمكن أن يكون تحرريًا، برزت أطروحة فرانز فانون (1925-1961)،[5] وهو أحد أبرز المفكرين الذين تناولوا الاستعمار وآثاره النفسية والاجتماعية، فقد أسهمت كتاباته خاصة “معذبو الأرض” (1961)، في تكوين رؤى حركات التحرر الوطني، لا سيما في إفريقيا. طرح فانون أطروحة جذرية، تُبرز العنف بوصفه أداة أساسية للتحرر من الاستعمار، مُشددًا على الأثر النفسي العميق الذي يُخلِّفه الاستعمار في المستعمَرين. فقد أكد فانون أن الاستعمار ليس نظامًا سياسيًا أو اقتصاديًا، بل علاقةً قهريةً قائمة على العنف البُنيوي، فيفرض المُستعمر وجوده عبر القوة والقمع. ومن هذا المنطلق يرى فانون أن العنف المضاد ليس مشروعًا، بل ضروريًا لاستعادة كرامة الإنسان المستَعمَر، فالعنف وفقًا له يعيد تكوين الهُوية الوطنية ويمنح المستعمَرين وسيلة للخروج من دائرة الخضوع. وقد ساعد فانون تكوينه الطبي النفسي، في دراسة الآثار العميقة التي يُخلِّفها الاستعمار في سيكولوجية المستعمَرين. فقد وصف كيف يؤدي القهر المُستمر إلى خلق عقدة نقص لدى الشعوب المستعمَرة، مما يدفعها إلى تبني قيم المستعمر والسعي في التشبُّه به. ويرى أن التحرر لا يكون فقط سياسيًا أو عسكريًا، بل يجب أن يكون تحررًا نفسيًا وثقافيًا، يقطع مع كل أشكال التبعية الفكرية. وإذا أردنا توصيف هذه الأطروحة المُمجدة للعنف في صيغته الثورية، فيمكننا أن نقول بأنها تميَّزت برؤية ثورية تجاه التركيبة الاجتماعية في المستعمرات، فقد انتقد البرجوازية الوطنية التي تسعى في حلول إصلاحية دون المساس بالبنية الاستعمارية. ويرى أن الطبقات الشعبية خاصة الفلاحين، هم المحرّك الحقيقي للثورة، فهم الذين يعانون معاناةً مباشرةً الاستغلال الاستعماري، مما يجعلهم أكثر استعدادًا لحمل السلاح.

وإذا كان فانون يُمجد العنف الثوري بوصفه الوسيلة الفُضلى للتحرر الوطني، فإن التاريخ أيضًا يُوضح أن الإرهاب أو حمل السلاح أو العنف الثوري ليس دومًا وسيلة ناجحة للتحرر، بل قد يكون عاملًا يُفسد المجتمع ويُعزز مناخ القمع، ما يجعل التساؤل قائمًا: هل يمكن تبرير العنف لتحقيق الحرية، أم أن الحرية التي تُنتزع بالقوة تبقى مُهددة بالفشل والانهيار؟

  • الإرهاب في صيغته الدولية:

يشير تشارلز تاونزند إلى أن مصطلح الإرهاب مصطلحٌ حديث العهد، فقد ظهر في ثمانينيات القرن العشرين، ليصبح هاجسًا يؤرق الغرب، مستندًا إلى شخصيات مثل “كارلوس” الذي تحول إلى أيقونة إعلامية بفضل الصحافة المثيرة. وقد عزز كتاب كلير ستيرلنج “شبكة الإرهاب” (1981) هذا التصور، زاعمًا وجود شبكة إرهابية عالمية تُحركها وتديرها موسكو، مما انسجم مع خطاب الحرب الباردة الذي تبنته إدارة ريغان ومارغريت تاتشر ضد “إمبراطورية الشر“. ورغم ضعف الأدلة رسَّخ الإعلام والسياسة هذا المفهوم حتى نهاية الحرب الباردة، فقد بدأ يفقد مصداقيته.

اتبعت ستيرلنج أسلوبًا ذكيًا في كتابها، إذ تفادت تعريف الإرهاب تعريفًا دقيقًا، مما سمح لها بضم طيف واسع من الجماعات والأحداث ضمن نظريتها، كما استخدمت تكتيكات تضخيمية، مستندة إلى منهج وكالة الاستخبارات المركزية، لخلق صورة عن تهديد منظم ومتجانس، رغم التناقضات الأيديولوجية بين الحركات الإرهابية المختلفة، وقد تجاهلت السياقات السياسية والاجتماعية المحلية، رافضة فكرة أن الإرهاب يُمكن أن يكون نابعًا من داخل المجتمعات الغربية نفسها. وفي سبعينيات القرن الماضي، اكتسب الإرهاب بُعدًا دوليًا، بسبب انتشار عمليات اختطاف الطائرات التي قادتها منظمة التحرير الفلسطينية والتي دعمتها بعض الدول الشرقية بالسلاح والمتفجرات، مثل مادة “سمتكس” شديدة الانفجار التي استخدمتها عدة مجموعات حول العالم. ومع ذلك لم يكن هذا الدعم حاسمًا في استمرار هذه الجماعات التي غالبًا ما كانت دوافعها قومية أكثر من كونها جزءًا من مؤامرة دولية، كما أن التداخل بين المصطلحات مثل “الإرهاب الدولي”، “الإرهاب العابر للقوميات”، و”الإرهاب الذي ترعاه الدولة” أدى إلى خلط في الفهم، مما أسهم في تعزيز سياسات خارجية عدائية، خاصة مع تبني الولايات المتحدة لنظرية “الدول المارقة” التي تطورت لاحقًا إلى مفهوم “محور الشر“.

مع بداية القرن الحادي والعشرين تصاعدت المخاوف من الإرهاب باستخدام أسلحة الدمار الشامل، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، رُغم غياب هذه الأسلحة عن تلك الهجمات، إلا أن الخطاب السياسي ركَّز في ضرورة الاستعداد لاحتمال وقوع هجمات نووية أو بيولوجية أو كيميائية. ومع ذلك يرى بعض المُحللين أن التهويل في هذا الأمر يخدم أجندات سياسية واقتصادية، فتُسهم شركات الأسلحة والدفاع في تضخيم هذا التهديد لتحقيق مكاسب مالية.

في النهاية يظل الإرهاب ظاهرة معقدة، غالبًا ما يُستغل لأغراض سياسية، مع التركيز على الخوف بدلًا من فهم الأسباب الجذرية التي تدفع الأفراد والجماعات إلى اللجوء للعنف.

  • كيف يصبح الناس العاديون متطرفين؟ قراءة في أطروحة جيرار برونو[6]

من الأطروحات المُهمة في فهم الظاهرة الإرهابية نجد ما كتبه جيرار برونو بخصوص التطرف، وهو سؤال يطرحه كل واحد منا بأسلوبه، ونظرته إلى ظاهرة التطرف، ولكن المؤكد من طريق هذا السؤال وغيره، هو أن الإرهاب ظاهرة معقدة لها جذور متعددة تمتد عبر الأبعاد الاجتماعية، النفسية، السياسية. لكن كيف يتحول الأفراد العاديون إلى متطرفين؟ هذا هو السؤال الذي يحاول عالم الاجتماع الفرنسي جيرار برونو الإجابة عنه في أطروحته التي تناقش كيف يصبح الأشخاص العاديون عُرضة للأفكار الراديكالية. يطرح برونو رؤية تتجاوز التفسيرات التقليدية التي تربط التطرف حصريًا بالظروف الاقتصادية أو الاجتماعية، ويركز بدلًا من ذلك على الآليات المعرفية التي تدفع الأفراد نحو التطرف. ويمكننا أن نلخص هذه الأطروحة المهمة في العناصر التالية:

  1. التحيز المعرفي وانتقاء المعلومات: يبدأ برونو تحليله من ظاهرة “التحيز التأكيدي”، وهي ميل الأفراد إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد معتقداتهم المسبقة، متجاهلين الأدلة التي تتناقض معها. في العصر الرقمي، تُعزز خوارزميات الإنترنت هذه الظاهرة، فتضع المستخدمين في فقاعات معلوماتية تجعلهم محاصرين داخل أنظمة فكرية مغلقة. المشكلة لا تقتصر على التحيز التأكيدي، بل تمتد إلى “التوافر المعرفي”، أي أن المعلومات المتاحة بسهولة تؤثر فيما يعتقده الأفراد بأنه صحيح. عندما يُسيطر الخطاب المتطرف على الفضاء الرقمي، يُصبح الأفراد أكثر عرضة لاعتناق أفكار راديكالية لأن هذه الأفكار هي الأكثر انتشارًا أمامهم.
  2. العقلانية المُضلَّلة والتطرف التدريجي: على عكس ما يُشاع، لا يقع الأفراد في براثن التطرف بسبب الجهل، بل لأنهم يمارسون ما يسميه برونو بـ “العقلانية المضلَّلة“، أي أنهم يستخدمون الاستدلال المنطقي، لكن ضمن إطار معرفي مُنحرف يقودهم إلى استنتاجات خاطئة، على سبيل المثال، قد يعتقد شخص ما أن هناك مؤامرة عالمية ضد مجموعة معينة، فيبحث فقط عن الأدلة التي تدعم هذا الاعتقاد، متجاهلًا أي معلومات تناقضه. يؤكد برونو أن التطرف لا يحدث فُجائيًا، بل هو عملية تدريجية تُعرف بـ “الانزلاق الإدراكي“، فيبدأ الأمر بتبني أفكار هامشية ثم تتصاعد تدريجيًا حتى يصل الفرد إلى مواقف متطرفة. هذه الظاهرة تُفسر كيف يمكن لأشخاص عاديين، لم يكن لديهم ميل للعنف أو التعصب، أن يصبحوا مُنخرطين في حركات متطرفة.
  3. دور العاطفة والهوية: إلى جانب العوامل المعرفية، تلعب العواطف دورًا حاسمًا في دفع الأفراد نحو التطرف، الغضب، الشعور بالظلم، الخوف من المستقبل، تدفع الأشخاص إلى البحث عن إجابات راديكالية، كما أن البحث عن الهُوية الجماعية يجعل بعض الأفراد أكثر عرضة للانخراط في جماعات متطرفة، خاصة إذا شعروا بالتهميش أو الإقصاء. الجماعات المتطرفة تستغل هذه المشاعر لتجنيد الأفراد، فتقدم نفسها بوصفها بديلًا يمنحهم الانتماء والمعنى في حياتهم. على سبيل المثال، قد يشعر بعض الشباب بأنهم مُهمشون في المجتمع، فتقدم لهم الجماعات المتطرفة شعورًا بالقوة والانتماء، مما يسهل استقطابهم.
  4. السيطرة على الفضاء المعرفي: يشير برونو إلى أن الجماعات المتطرفة لا تنجح بسبب خطابها، بل لأنها تُهيمن على الفضاء المعرفي الذي يتفاعل فيه الأفراد. وسائل التواصل الاجتماعي، المنتديات المغلقة، وحتى بعض وسائل الإعلام، تُستخدم لنشر الأيديولوجيات الراديكالية. عندما يصبح المحتوى المتطرف هو الأكثر توافرًا وأسهل وصولًا، فإن احتمالية اعتناق الأفراد لهذه الأفكار تزداد، لهذا السبب يعتقد برونو أن مكافحة التطرف لا يجب أن تقتصر على الحلول الأمنية، بل يجب أن تشمل إستراتيجيات معرفية تهدف إلى تعزيز التفكير النقدي وتحسين جودة المعلومات المتاحة.

يرى جيرار برونو أن التطرف ليس نتيجةً للفقر أو الإقصاء الاجتماعي، بل هو نتاج لآليات معرفية ونفسية يمكن فهمها ومواجهتها بتحليل الطريقة التي يتفاعل بها الأفراد مع المعلومات، وكيف تتكون قناعاتهم، يمكننا تطوير استراتيجيات فعالة لمكافحة التطرف قبل أن يتحول إلى تهديد حقيقي. في النهاية تبقى المعركة ضد التطرف معركة فكرية بقدر ما هي أمنية، وتتطلب منا جميعًا العمل لبناء وعي نقدي ومجتمع قادر على مواجهة الأفكار الراديكالية بطرق عقلانية ومستنيرة.

التوحش الأصولي الإسلامي: جذور العنف

  • التأويل العنيف للدين

تأتي هذه الدراسة في سياق البحث في إشكالية الأصوليات الإسلامية وظروف نشأتها ومصادر الخلل في بنيتها الفكرية. ثمة اتفاق واسع على وجود أزمة بنيوية تتجلى في العنف الصادر عن الإسلام السياسي، إلا أن الخلاف يَكمن في تحديد الأسباب، بعضهم يرى أن المشكلة تنبع من الفهم والتفسير، في حين يعود بها آخرون إلى طبيعة النصوص المؤسسة نفسها. وفي ظل هذا الجدل تستمر إعادة إنتاج الأزمات دون حلول واضحة، مما يجعل القضية تتجاوز كونها مجرد خلاف فكري إلى إشكالية وجودية تمس البنية العميقة للفكر الإسلامي.

لطالما كان مفهوم “النص” محورًا لنقاش واسع داخل الفكر الإسلامي، تتباين فيه المقاربات والمدارس الفكرية في تعريفه وفهمه. فبينما يرى الشافعي مثلًا أن النص هو الواضح الذي لا يحتاج إلى بيان، نجد أن آخرين يرون فيه نِتاجًا لتفاعل ثقافي يخضع لعمليات تأويلية متغيرة. وهنا تظهر إشكالية مركزية تتعلق بالموقف من التأويل، فيسعى الاتجاه السلفي في تثبيت المعنى ورفض تاريخية الفهم، مما يؤدي إلى انغلاق في الرؤية ورفض للقراءات المتجددة للنصوص.

كان التأويل على الدوام موضوعًا إشكاليًا في الفكر الديني، ما أدى إلى ظهور علم الهرمينوطيقا في الدراسات الغربية بوصفه أداة لتفسير النصوص وفهم أبعادها المختلفة. في السياق الغربي تطورت هذه الدراسات مع شخصيات مثل دانهاور وغادامير، في حين في السياق الإسلامي ظل التأويل محل جدل بين مدارس العقل والنقل، مما أفرز صراعًا مستمرًا بين أهل الأثر وأهل الرأي. نصر حامد أبو زيد على سبيل المثال، أشار إلى ضرورة مقاربة النص وفق بُعدين: التاريخي والاجتماعي، مُنتقدًا القراءات التي تفتح النص على تأويلات غير مُنضبطة أو التي تُجمده في إطار قراءات ماضوية مغلقة.

إحدى المشكلات الكبرى تُكمن في التعامل مع النصوص بوصفها كيانات مقدسة منفصلة عن تفاعلها التاريخي، مما أدى إلى ظهور “نصوص موازية” تحاكي النص الأصلي وتعيد إنتاج معانيه وفق أطر أيديولوجية معينة. هذا الوضع جعل الفكر الديني بدلًا من الانفتاح على الشروط المعرفية الحديثة، يَدَّعي احتكار الفهم الإلهي، مما أدى إلى تكفير أي اجتهاد أو محاولة لتفسير النصوص في سياقها التاريخي. وهكذا بدل أن يكون النص مصدرًا لإنتاج معرفة حية ومتجددة، أصبح أداة لإعادة إنتاج الماضي، بما يحمله من أنماط تفكير تجاوزها الزمن.

في ظل هذا السياق تتكرر الأسئلة بشأن علاقة العنف الإسلامي بإشكالية التأويل: هل يعود العنف إلى أزمة في فهم النصوص وتفسيرها، أم أنه مستمد من طبيعة النصوص ذاتها؟ هذا التساؤل يعكس إشكالية أعمق تتعلق بإمكان تجاوز القراءة التقليدية للنصوص، في ظل سيادة فكر يُعيد إنتاج الماضي بوصفه بديلًا عن مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل. فالنصوص الدينية بحكم طبيعتها، تحمل مستويات متعددة من المعاني، والتعامل معها بجمود يعني تكريس رؤى ماضوية تفتقر إلى القدرة على التكيف مع التحولات المعرفية والاجتماعية الحديثة.

إذًا الحل لا يَكمُن في رفض النصوص أو القطيعة معها، بل في تطوير منهجيات تأويلية جديدة تأخذ بعين الاعتبار سياقات إنتاجها، وتعيد قراءة مضامينها وفق منظور تاريخي نقدي. إن الأزمة ليست في النصوص ذاتها، بل في طريقة توظيفها وهذا يتطلب تحولًا جذريًا في أنماط التفكير الديني، فيُحررُ من الانغلاق الدوغمائي والانفتاح على أدوات تحليلية جديدة تستوعب تعقيدات الواقع المعاصر.

إن الحاجة إلى مراجعة شاملة لمنظومة الفهم الديني باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، فالتحديات الراهنة تفرض على الفكر الإسلامي إعادة النظر في مفاهيمه وتصوراته، بما يُتيح له التفاعل مع الأسئلة الكبرى التي يطرحها العصر، بدل الاستمرار في إعادة إنتاج إجابات جاهزة لم تعد قادرة على تفسير المستجدات والوقائع المعاصرة.

  • الإسلام والاستبداد والتخلف: قراءة في أطروحة أحمد تي كورو[7]

يأتي كتاب “الإسلام والاستبداد والتخلف: مقارنة عالمية وتاريخيةلأحمد تي كورو ليعالج واحدة من أكثر الإشكاليات الفكرية المعاصرة تعقيدًا، وهي العلاقة بين الإسلام والأنظمة السلطوية والتخلف التنموي. يحاول الكتاب أن يُفكك هذه العلاقة من طريق مقاربة تاريخية مقارنة، تدرس كيف انتقلت المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة من مرحلة ازدهار علمي وفكري واقتصادي في العصر الذهبي الإسلامي إلى الركود والتخلف الحالي. يؤكد كورو أن هناك 49 دولة ذات أغلبية مسلمة، يتحدث ثلثها العربية، وهي تعاني السلطوية والتخلف الاقتصادي والاجتماعي بدرجات متفاوتة. وبهذا يطرح سؤالًا جوهريًا: لماذا تعيش المجتمعات الإسلامية اليوم في هذه الحالة في حين كانت قبل قرون في طليعة الحضارة العالمية؟ للإجابة عن هذا السؤال، يُناقش كورو ثلاث فرضيات رئيسة تتعلق بالأدوار التاريخية للعرب والترك، إضافة إلى طبيعة السلطوية المعاصرة.

  1. الدور العربي في العصر الذهبي: يُشير كورو إلى الفترة المُمتدة بين القرنين التاسع والحادي عشر، فقد كانت المُجتمعات الإسلامية رائدة في مختلف العلوم والفنون، مُتفوقة على أوروبا.
  2. دور الأتراك في ركود الحضارة الإسلامية: يبدأ الركود بعد القرن الحادي عشر، وهو ما يربطه الكاتب بتغيرات سياسية واقتصادية أدت إلى تقويض المؤسسات الفكرية والاقتصادية الحيوية.
  3. السلطوية المعاصرة: يرى بعض الباحثين أن الدول العربية أكثر سلطوية من البلدان الإسلامية غير العربية، مما يفتح باب النقاش بشأن دور الدين والثقافة والسياسة في هذه الظاهرة.

لاستكشاف هذه الإشكاليات يعتمد كورو على المنهجية التاريخية المقارنة، فيقارن بين فترات مختلفة من التاريخ الإسلامي ومراحل من التاريخ الأوروبي، مستخدمًا أيضًا منهجية التتبع التاريخي وتبعية المسار لفهم التحولات التي أدت إلى الأوضاع الحالية. على سبيل المثال يوضح كيف أدى رفض الطباعة في العالم الإسلامي لعدة قرون إلى تدني معدلات القراءة وانتشار الأمية، مما كان له آثار طويلة الأمد في المجتمعات الإسلامية.

ينتقد كورو المقاربات التفسيرية التقليدية التي حاولت تفسير حالة التخلف في العالم الإسلامي:

  1. المقاربة الجوهرانية: ترى أن الإسلام في ذاته هو سبب المشكلة، وأنه يؤدي حتمًا إلى الاستبداد والتخلف. ينتقد كورو هذه الفكرة بتسليط الضوء على الفترات المزدهرة في التاريخ الإسلامي.
  2. مقاربة ما بعد الاستعمار: ترى أن القوى الاستعمارية هي السبب الوحيد للتخلف الحالي، وهو ما يرفضه كورو بالإشارة إلى أن المجتمعات الإسلامية كانت تعاني أزمات داخلية قبل فترة الاستعمار.
  3. المقاربة الوسطى: يقترح كورو مقاربة تجمع بين العوامل الداخلية والخارجية، يركز فيها على التحولات السياسية والاقتصادية التي أدت إلى تكريس السلطة الاستبدادية.

يعود كورو إلى منتصف القرن الحادي عشر ليوضح كيف أدى تحالف العلماء والدولة إلى تدهور المجتمعات الإسلامية، مع صعود الدولة السلجوقية، أُضفي الطابع المؤسسي على نظام الإقطاع، مما أدى إلى تقويض الملكيات الخاصة، وإضعاف دور التجار والمثقفين، وتعزيز السيطرة العسكرية على الاقتصاد. تزامن ذلك مع تأسيس المدارس النظامية، فقد أصبح العلماء موظفين عند السلطة، مما أدى إلى تقييد التفكير النقدي والاستقلال الفكري. واستمر هذا التحالف في العصر الحديث، فقد نجح في تهميش الطبقات المثقفة، مما أدى إلى ركود طويل الأمد في العالم الإسلامي. لم يكن الغزو الصليبي والمغولي في القرنين الثاني عشر والرابع عشر هجمات عسكرية، بل عززت تعزيزًا غير مباشر من التحالف بين العلماء والدولة. إذ لجأ المسلمون إلى قادة الجيوش ورجال الدين، مما عزز الاستبداد الديني والسياسي.

يَخلصُ كورو إلى أن التخلف الحالي في العالم الإسلامي ليس نتيجة جوهرية للدين، ولا يمكن اختزاله في العامل الاستعماري، بل هو نتيجة تحولات تاريخية معقدة، أبرزها تحالف العلماء والدولة الذي أدى إلى إضعاف القطاع الخاص وتهميش الفكر النقدي وعرقلة التحديث الاقتصادي والسياسي. يقترح كورو أن أي نهضة مستقبلية تحتاج إلى فصل المؤسسات الدينية عن الدولة، وإعادة الاعتداد بالقطاع الخاص والطبقات المثقفة، وتَبني نماذج سياسية أكثر انفتاحًا وديمقراطية.

كتاب “الإسلام والاستبداد والتخلف” ليس تحليلًا أكاديميًا، بل هو دعوة للتفكير العميق في تاريخ المجتمعات الإسلامية ومساراتها المستقبلية. فهو يفتح باب النقاش بشأن كيفية تجاوز الإرث التاريخي الثقيل، والبحث عن نماذج جديدة للتنمية والحداثة دون القطيعة مع الهُوية الإسلامية. ومن هنا يُمكن عدُّ الكتاب مرجعًا أساسيًا لكل من يسعى في فهم جذور الأزمة الحضارية في العالم الإسلامي وسُبل تجاوزها.

  • فقه الدماء في ذهنية المنظرين للتوحش الأصولي[8]:

يعد كتاب “مسائل في فقه الدماء” المنسوب إلى أبي عبد الله المهاجر من أكثر النصوص الفقهية إثارة للجدل في الفكر الجهادي المعاصر. فقد كون هذا الكتاب مرجعًا أساسيًا لكثيرٍ من الجماعات المتطرفة التي تبنَّت العنف بوصفه وسيلة لتحقيق أهدافها. يعتمد المهاجر على تأويلات خاصة للنصوص الإسلامية ليضع أساسًا فقهيًا لما يُسميه “الجهاد المسلح“، لكنه يبتعد عن القراءة التقليدية التي قدمها الفقهاء عبر التاريخ التي كانت دائمًا محكومة بضوابط شرعية وأخلاقية واضحة، في هذا الكتاب يسعى المهاجر في تقديم تصور فقهي يستند إلى تفسيرات مُتشددة لمسائل القتال والدماء والتعامل مع الخصوم، فهو يوسع مفهوم الجهاد ليشمل استهداف الأفراد والدول والمؤسسات التي يرى أنها “معادية” للإسلام، سواء من المسلمين أو غيرهم، كما يضع قواعد جديدة للتعامل مع المُرتدين وأهل الذمة وأسرى الحرب، ويصل إلى حد تبرير أعمال التفجير والاغتيال بوصفها جزءًا من الحرب المشروعة في نظره، ويعتمد في تأصيله لهذه الأحكام على اجتهادات انتقائية، مقتبسًا من التراث الإسلامي ما يخدم رؤيته، في حين يتجاهل السياقات التاريخية والأخلاقية التي أُطِّرت فيها هذه الأحكام.

المثير للجدل في هذا الكتاب هو استخدامه المُكثف لمفهوم التكفير، فيوسع دائرته لتشمل فئات متعددة من الحكام إلى العلماء، بل وحتى عامة الناس، ما لم ينخرطوا في مشروعه القتالي. وهذا المنحى يخرج عن الموقف الإسلامي العام الذي يُحذّر من التوسع في التكفير، نظرًا لما يترتب عليه من استباحة الدماء والفوضى، فبدلًا من التركيز في الإصلاح الفكري والدعوي، يقدم المهاجر نموذجًا قائمًا على الصدام المباشر، غير آبه بالتداعيات التي قد تلحق بالمجتمعات الإسلامية نفسها نتيجة لهذا النهج.

إحدى القضايا المحورية التي يطرحها المهاجر في كتابه هي مشروعية استهداف المدنيين في الحرب، فيرى أن التمييز بين المدني والعسكري ليس ضروريًا في بعض الحالات، مُتذرعًا ببعض التأويلات التي تتناقض مع المبادئ الأخلاقية والتي رسَّخها الإسلام عبر تاريخه. فالإسلام، كما قرر العلماء وضع حدودًا صارمة لمسألة القتال، وأوجب حماية غير المقاتلين، كما في حديث النبي ﷺ: “لا تقتلوا شيخًا ولا طفلًا ولا امرأة”، إضافة إلى نهيه عن الغدر والتعدي، لكن هذه الضوابط لا تجد لها مكانًا في رؤية المهاجر الذي يعتمد على حالات استثنائية لتبرير أفعال غير مُنضبطة بقواعد الشرع.

من القضايا الأخرى التي يُناقشها الكتاب مسألة الاغتيالات السياسية، فيرى أن استهداف الشخصيات التي يراها “عدوة للإسلام” أمرٌ مشروعُ، دون الحاجة إلى محاكمة عادلة أو تحقق من طبيعة دورهم الحقيقي. هذا النهج يجعل من أي شخص هدفًا محتملًا، ويفتح الباب أمام حالة من الفوضى والعنف غير المنضبط، وهو ما يتعارض مع القواعد الإسلامية التي تشترط الوضوح في التعامل مع الجرائم والعقوبات، فلا يجوز لأي فرد أو جماعة أن تأخذ دور القاضي والمُنفذ في آن واحد، لأن ذلك يُؤدي إلى تدمير مفهوم الدولة والقانون، ويُدخل الأمة في دوامة لا تنتهي من الاقتتال الداخلي.

أما فيما يتعلق بمسألة الأسرى والغنائم، فيُقدم المهاجر طرحًا شديد القسوة، يبرر فيه قتل الأسرى في بعض الحالات، ويتحدث عن “أحكام الرق” بعبارات تستحضر مشاهد من العصور الوسطى، مُتجاهلًا التطورات الفقهية والإنسانية التي أدت إلى تقييد هذه الممارسات عبر التاريخ الإسلامي نفسه، بل إن الفقهاء التقليديين كانوا أكثر حرصًا على كرامة الأسرى من هذا الطرح الذي يُعيد إنتاج مفاهيم تجاوزها العصر الحديث، وأصبحت تتناقض مع الإجماع الفقهي العالمي بخصوص قوانين الحرب.

ما يجعل هذا الكتاب خطيرًا ليس فقط بسبب تأويلاته المتشددة، بل لتأثيره العملي في الحركات المسلحة التي تبنّت أفكاره بوصفها مبررًا لعملياتها. فقد أصبح مرجعًا لجماعات مثل: القاعدة وداعش، فقد استُخدمت نصوصه لتبرير عمليات القتل الجماعي وتفجير الأماكن العامة واغتيال الشخصيات الدينية والسياسية المخالفة لهم. ورغم أن الفكر الإسلامي السائد يرفض هذه الرؤى، إلا أن انتشارها في أوساط معينة يعكس حجم الأزمة الفكرية التي تعيشها بعض التيارات التي تغيب عنها الرؤية المعتدلة والشاملة للدين.

عند دراسة هذا الكتاب يجب أن نأخذ في الحسبان أن الفقه الإسلامي الحقيقي لا يقوم على العنف العشوائي، بل على مبادئ العدل والرحمة وضبط النفس. فالقرآن والسنة مليئان بالنصوص التي تدعو إلى الحكمة في إدارة الصراعات، وإلى تقديم السلم على الحرب كلما كان ذلك ممكنًا. كما أن التاريخ الإسلامي نفسه شهد فترات طويلة من التسامح والتعايش، لا تتماشى أبدًا مع ما يدعو إليه هذا الكتاب من نهج دموي يُقوِّض أُسس الاستقرار في المجتمعات المسلمة قبل غيرها. لذلك فإن نقد مثل هذه الأفكار والتصدي لها فكريًا هو مسؤولية العلماء والمفكرين والمثقفين، لأن تركها دون تفكيك يسمح لها بالانتشار والتأثير في الشباب الذين قد لا يملكون القدرة على تمييز الخطأ من الصواب في مثل هذه المسائل. وبدلًا من تقديم صورة عن الإسلام بوصفه دينًا قائمًا على البناء والتطوير، فإن مثل هذه الكتب تُعيد إنتاج صورة مشوهة للدين، تجعله يبدو وكأنه مشروع صدام دائم مع العالم، وهو أمر يتناقض تمامًا مع القيم الإسلامية الحقيقية.

في النهاية يُمكن القول إن كتاب “مسائل في فقه الدماء” نموذجٌ صارخ لكيفية استخدام الدين لتبرير العنف، دون مراعاة السياقات الشرعية الصحيحة. وعلى الرغم من أن مثل هذه الكتب قد تجد طريقها إلى بعض العقول المتأثرة بالفكر المتطرف، إلا أن الإسلام الحقيقي، كما فسره العلماء الثِقات، يبقى بعيدًا عن هذه الرؤى التي تُسيء إليه أكثر مما تخدمه. فالإسلام ليس دين حرب دائمة، بل هو دين رحمة وعدل، ومن واجبنا أن نعيد تأكيد ذلك في وجه هذه القراءات المُنحرفة التي تُهدد السلم الاجتماعي والدولي على حد سواء.

جذور العنف في العقيدة الوهابية:

في كتابه “جذور الإرهاب في العقيدة الوهابية[9]، يقدم أحمد صبحي منصور قراءة نقدية معمقة للفكر الوهابي، معتبرًا إياه أساسًا إيديولوجيًا للعنف الذي تُمارسه الجماعات المتطرفة. ينطلق المؤلف من رؤية إصلاحية تدعو إلى إعادة قراءة الموروث الديني وفق منظور قرآني، وهي الرؤية التي جعلته مؤسسًا للتيار القرآني الذي يُعارض الاعتماد المطلق على الروايات الحديثية ويُخضعها للنقد بوصفها مصدرًا للتفسيرات التي أدت إلى هيمنة التطرف على العقل الإسلامي. وقد جعلته مواقفه هذه عُرضة للاضطهاد والملاحقة، إذ يرى أن الإصلاح الديني لا يتحقق إلا بتفكيك الأيديولوجيات التي تكونت عبر التاريخ تحت مُسمى الدين، وعلى رأسها الوهابية التي يعدها المصدرَ الفكري الأول للحركات الإرهابية المعاصرة.

يرى منصور أن جذور الوهابية تمتد إلى تحالف سياسي وديني بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود، فقد وجد الأول في الدولة السعودية الناشئة قوة تحمي دعوته، واستفاد الآخر من العقيدة الوهابية في توحيد القبائل تحت رايته، مستخدمًا الدين لتبرير التوسع العسكري. وقد تأسس هذا التحالف على قاعدة العنف والتكفير، فقد رفع شعار “الدم الدم، الهدم الهدم”، وهو ما يعكس طبيعة الفكر الوهابي الذي يرى العالم منقسمًا إلى قسمين: دار الإسلام ودار الحرب، ويُكفر كل من يخالف تأويلاته الدينية، سواء كانوا من المسلمين أو غيرهم. ولم يكن سقوط الدولة السعودية الأولى على يد العثمانيين كافيًا للقضاء على الفكر الوهابي، إذ أُعيد إحياؤه لاحقًا مع الدولة السعودية الثانية، ثم ترسخ مع نشأة الدولة السعودية الثالثة بقيادة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي اعتمد على جماعة إخوان نجد، وهي حركة مُتشددة قامت على تكفير المجتمعات واستباحة دماء من يخالفها، مما جعلها الذراع العسكري الأول للوهابية في القرن العشرين.

من وجهة نظر الكاتب فإن السعودية لم تكتفِ بنشر الوهابية داخل حدودها، بل سعت في تصديرها إلى بقية العالم الإسلامي، مُستخدمة المال والنفوذ السياسي لإعادة تكوين الخطاب الديني وفق أسسها المتشددة. وكان لمِصر دورًا محوريًا في هذا المشروع، فقد حاول عبد العزيز استغلال انهيار مشروع الإصلاح الديني الذي قاده محمد عبده، ليجد في تلميذه محمد رشيد رضا أداة لنشر الفكر الوهابي في الأوساط الدينية المصرية. وبفضل الدعم السعودي تمكن رضا من التأثير في عديدٍ من الحركات الإسلامية، أبرزها جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا بدعم مباشر من شخصيات سعودية مثل حافظ وهبة، وهو ما جعل الجماعة امتدادًا للوهابية في مصر وشمال إفريقيا. ويؤكد الكاتب أن السعودية عملت لاستبدال إخوان نجد العنيفين بـإخوان مصر الذين تبنوا الفكر نفسها لكن بأساليب أكثر دهاءً، مما جعلهم قادرين على اختراق المجتمعات الإسلامية والتأثير فيها بعمق.

يتتبع منصور دور الإخوان في نشر العقيدة الوهابية، مُوضحًا أنهم استخدموا المؤسسات الدينية بوصفها وسيلة لترسيخ فكرهم، فقد تسللوا إلى الجمعيات الإسلامية مثل: الجمعية الشرعية، جمعية أنصار السنة، جمعية الشبان المسلمين، ومن طريقها تمكنوا من إعادة تكوين الهُوية الدينية في مصر، ثم انتقلوا إلى شمال إفريقيا، الشام، اليمن، الهند، مُستخدمين شعار “التخلص من البدع والشركيات” بوصفه ذريعة للقضاء على التنوع الديني والفكري داخل المجتمعات الإسلامية. ومن هنا يربط الكاتب بين الوهابية وتنظيمات مثل: القاعدة وداعش، مُوضحًا أن هذه الجماعات لم تأتِ من فراغ، بل هي الامتداد الطبيعي للعقيدة الوهابية التي تُؤسس للتكفير والعنف باسم الدين.

يركز الكتاب أيضًا في العلاقة بين الإخوان المسلمين والاستبداد، فيرى أن الجماعة لم تكن يومًا مُؤمنة بالديمقراطية، بل استخدمتها بوصفها وسيلةً للوصول إلى السلطة، ثم حاولت فرض رؤيتها الشمولية على المجتمع. ومن هنا ينتقد الكاتب مقولة “الإسلام دين ودولة“، مؤكدًا أن الإسلام لم يأتِ لتأسيس دولة دينية، بل جاء للقضاء على الدولة الدينية، فقد كانت دولة النبي محمد قائمة على مبادئ الحرية والمساواة، دون أن يكون فيها كهنوت أو مؤسسة دينية تحتكر تفسير الدين. ويرى منصور أن الإخوان رغم خطابهم السياسي المرن، يحملون في جوهرهم الفكر الإقصائي للوهابية نفسه، فهم يسعون في تقسيم المجتمع إلى قسمين، مما يؤدي إلى صراعات داخلية لا تنتهي.

في ختام الكتاب يناقش منصور مستقبل الوهابية والإخوان المسلمين، مُشيرًا إلى أن الحل لا يكمن في القضاء عليهم عسكريًا، بل في تفكيك خطابهم الفكري، وفتح المجال لنقد الموروث الديني من الداخل. ويقترح أن تتحول جماعة الإخوان إلى حزب سياسي مدني يتبنى الديمقراطية وحقوق الإنسان، بعيدًا عن استغلال الدين في الصراع السياسي، كما يُعبر عن مخاوفه من اضطهاد الأقليات الدينية تحت حكم الإسلاميين، مُشيرًا إلى أن الإخوان، إذا وصلوا إلى السلطة، قد يعيدون المحاكم الشرعية ويُقرون حد الردة ويستهدفون الكنائس والمعابد القبطية، مما قد يؤدي إلى تفكك المجتمعات الإسلامية.

يُعدُّ كتاب “جذور الإرهاب في العقيدة الوهابية” إضافة مُهمة للنقاش بشأن العلاقة بين الدين والسياسة، فهو يكشف كيف تحولت الوهابية إلى أيديولوجيا عنيفة، لا تقتصر على تكفير المخالفين، بل تُبرر قتلهم واستئصالهم. وبتفكيك علاقة الوهابية بالإخوان يقدم منصور رؤية جديدة لفهم جذور الإرهاب، موضحًا أن الحل لا يكمن في القمع الأمني، بل في معالجة التشوهات الفكرية التي سمحت بظهور هذه الجماعات. يُمكن القول إن الكتاب يُمثل دعوة جريئة لمراجعة التراث الديني، بعيدًا عن التقديس الأعمى، فهو يحث على قراءة الإسلام وفق منظور عقلاني، لا يتعارض مع قيم الحرية والتعددية، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع طروحاته، فإن الكتاب يفتح نقاشًا ضروريًا بشأن مستقبل الفكر الإسلامي، وضرورة مواجهته من الداخل، قبل أن يتحول إلى أداة للإقصاء والعنف.

المصادر والمراجع:

[1] – وفاء، سلطان. نبيك هو أنت فلا تعش داخل جبته.

[2] -،أبو بكر، ناجي. إدارة التوحش أخطر مرحلة ستمر منها الأمة.

[3] – جون، بودريار. ذهنية الإرهابي لماذا يقاتلون بموتهم؟ ترجمة بسام حجار. المركز الثقافي العربي ط1،2003.

[4] – تشارلز، تاونزند. الإرهاب مقدمة قصيرة جدا. ترجمة محمد سعد طنطاوي. مؤسسة هنداوي، ط1،2014 .

[5] – فرانز، فانون. معذبو الأرض. ترجمة سامي الدروبي وجمال أتاسي. دون دار نشر أو سنة نشر.

[6] – قراءة في كتاب الفكر المتطرف كيف يصبح الناس العاديون متطرفون، ترجمة محمد أحمد سالم. على الرابط التالي:

Http : //www.mominoun.com/articles/الفكر-المتطرف-كيف-يصبح-الناس-العاديون-متعصبين-2621

[7] – أحمد، ت كورو. الاستبداد السلطوية والتأخر مقارنة عالمية وتاريخية. ترجمة حبيبة حسن. الشبكة العربية للأبحاث والدراسات.

[8] -. تأصيل أحكام الجهاد. تدليلا وتعليلا وتمثيلا، تهذيب كتاب مسائل في فقه الدماء لأبي عبد الله، المهاجر.

[9] – أحمد، صبحي منصور. جذور الإرهاب في العقيدة الوهابية. دار النصر.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete