تكوين
هل الثورة أنْ تقيم للوطن دولةٌ أخرى، أم الثّورة أنْ تقيم للنّاس وطناً؟
لنستعير هذا السؤال من المفكر العراقي عبد الرزاق الجبران آملين أن نضيء مفهوم الثورة، وخصوصيتها، وحساسيتها. فالثورة مثلت دوما في المخيال الجمعي ذلك الحلم الذي يستهوي كل الطبقات الاجتماعية، خاصة الطبقات المسحوقة والمهمشة، وذات الحمولات الإيديولوجية القائمة على الصراع الاجتماعي. ذلك الصراع المهووس بأبعاد الدراوينية الاجتماعية، المبنية على البقاء للأصلح، والانتخاب الطبيعي، والصراع المفضي إلى تقليص المساحات غير المرغوب فيها اجتماعيا. لكن بالرغم من أهمية الثورة في المخيال الجماعي للشعوب المقهورة، إلا أن التركيز على الثورة في بعدها السياسي والاجتماعي، جعل من الثورة فقط تغييرا لنظام الحكم، أو إسقاط الثورة عن طريق الجماهير الشعبية. في حين أن مفهوم الثورة يمكن أن ينسحب على مجالات متعددة، خاصة مجال العلوم والمعارف الإنسانية. لهذا لا نجد الحديث عن الثورات العلمية والمعرفية مترسخا بالشكل الكافي في مجتمعاتنا، وهو شيء نفهم منه موقع السياسة والدولة والسلطة في الثقافة السياسية، داخل البناء النظري الاجتماعي للإنسان العربي المسلم. ولعل ما يزكي هذا الطرح الفكري، هو أن الحالة التي كانت عليها مجتمعاتنا تحت الاحتلالات المتلاحقة، فرضت نوعا من التركيز على البعد السياسي في الثورة، حيث واجهت هذه المجتمعات المحتل من أرضية سياسية واجتماعية، أكثر ما واجهتها من أرضية فكرية ومعرفية، خاصة وأنها عانت لفترات زمنية طويلة من الجهل والتخلف والتكلس الفكري، في غياب تام للاجتهاد والإصلاح الديني والثقافي، وفي سيادة تامة لسيطرة الكهنوت السياسي والديني، الذي أدخل الدول في نفق الاستنزاف، ونهب الموارد والمقدرات، وهدر الكفاءات والمؤهلات بغية سيطرة توجهات تنتمي إلى عالم القدامة، وتحارب التحولات الكبرى التي عرفتها الإنسانية منذ بزوغ فجر الحداثة الأوروبي.
كان لزاما أن تشهد مجتمعاتنا عدة ثورات سياسية تسقط العديد من الأنظمة، لكنها ترسخ في الوقت نفسه النظام المعرفي، والبنيات المتخلفة للثقافة السائدة، على أساس أن ما ترسخ في الوعي الجمعي لهذه المجتمعات، هو أن السلطة، أو لنقل رأس السلطة وهرمها هو دوما المشكلة الأساسية، والعائق الوحيد أمام تنمية الشعوب. هنا يمكننا فهم كتابات غذت هذا الوعي، وأشعلت الجانب السياسي في الثورة داخل مجتمعاتنا. مثلما فعل فرانز فانون وهو أحد المفكرين الثوريين التحرريين، والذي ناضل بشكل مستميت على القضايا التحررية المرتبطة بالاحتلالات المتلاحقة التي عرفتها مجتمعاتنا، وتأثيراتها السلبية عليها. وهي أفكار تقاطعت أيضا مع تلك الشعلة الاشتراكية التي انتشرت بشكل كبير في مجتمعات ما بعد الاحتلال الأوروبي، خاصة في نقدها للطبيعة الرأسمالية اللاأخلاقية، وشكل الدولة المتوحشة، والمفضية إلى نفي العدالة الاجتماعية.
كان فانون واحدا من الأقلام المناضلة، والداعية إلى تكريس تلك النظرة المعادية للاستغلال الإنساني الممثل في الدولة الرأسمالية، كما كان مؤمنًا بأن الثورة الجذرية هي السبيل الوحيد لتحرير الشعوب المحتلة، واستعادة كرامتها وهويتها. لم تمثل الثورة بالنسبة إليه فقط وسيلة لإسقاط الاحتلال، بل كانت عملية لتحرير الإنسان نفسيًا وثقافيًا من هيمنة المحتل. وإذا ما نظرنا في كتابه “المعذَّبون في الأرض”، نجد هذا التوصيف يعمق الجرح بشكل أكبر في اللاوعي الجماعي لهذه المجتمع، فهو بيان ثوري بامتياز، يدعو فيه الشعوب المستعمَرة إلى الكفاح المسلح كوسيلة للتحرر.
قد تكون مجتمعاتنا ضحية لتضليل فكري وثقافي أنتجته إيديولوجية تحررية، كانت ترى بأن الشكل الوحيد للتحرر من الاحتلال هو الثورة المسلحة، كما قد تكون ضحية لتأثيرات مفاهيمية تصف الشعوب بأنها معذبة في الأرض، وأن الشكل الوحيد للتحرر، هو هذا المفهوم السحري الذي لا زالت آثاره تلقي بظلالها على المشهد السياسي داخل منظومتنا السياسية إلى حدود اللحظة المعاصرة. فمصطلح المعذبون في الأرض، قد يكون له ما يبرره في واقع الحال، لكنه ليس مفهوما أو مصطلحا قابلا للقياس، أو مصطلحا موضوعيا يقيس الثورة والتحرر خارج حدودها السياسية. وإذا أردنا أن نقيم هذا المصطلح فلا بد لنا من معرفة تداعياته وامتداداته ومآلاته في فكر فانون.
- فانون[1] ومفهوم “المعذبون في الأرض”
يستخدم فرانز فانون هذا المصطلح مشيرا إلى الوضعية التي كانت عليها الشعوب في فترات الاحتلال المتلاحقة إبان الحملات الإمبريالية، والغزو الأوروبي. هؤلاء الشعوب ليسوا فقط مضطهدين على المستوى المادي والاجتماعي، بل أيضًا هم أولئك الذين شوهت هوياتهم وثقافاتهم ونفسياتهم نتيجة هذا الغزو غير المبرر.
- التدمير النفسي والثقافي: رأى فانون أن الاحتلال لا يقتصر على السيطرة العسكرية أو الاقتصادية، بل يتغلغل في النفس البشرية، حيث يزرع شعورًا بالدونية لدى الشعوب المحتلة. المحتل يصوّر نفسه كحضارة متفوقة على الشعوب المحتلة، ويعطي لنفسه الحق في أن ينظر إلى هذه الشعوب نظرة استعلائية استقوائية، تحط من ثقافتهم الأصلية.
- العنف المزدوج: الاحتلال عند فانون عنيف بطبيعته، فهو يستخدم القوة المادية (كالجيش والشرطة) لاستعباد الشعوب، لكنه أيضًا يمارس عنفًا رمزيًا عبر فرض لغته، وثقافته، ونمط حياته على المحتلين. هذا العنف المزدوج هو ما يجعل الشعوب المحتلة تعاني على مستويين: الحرمان الاقتصادي والاجتماعي، الاغتراب النفسي والثقافي.
- الفقر والتهميش: الاحتلال لا ينهب فقط الموارد الطبيعية، بل يحوّل اقتصاد الدول المنهوبة والمستنزفة لخدمة المحتل. النتيجة هي مجتمعات تعاني من الفقر والبؤس، حيث تصبح الشعوب المحتلة مجرد أدوات للإنتاج، دون أي اعتراف بإنسانيتها أو حقوقها.
- العنف الاستعماري والعنف المضاد: بالنسبة لفانون، الثورة والتحرر من الاحتلال لا يمكن أن يتحققا إلا عبر العنف الثوري. وبما أن الاحتلال يستخدم العنف للسيطرة، واستنزاف الموارد والمقدرات، فإن فانون يرى أن العنف المضاد هو وسيلة لاستعادة الكرامة واسترداد السلطة. وينظر إلى العنف الثوري، ليس كمجرد وسيلة مادية، بل هو أيضًا علاج نفسي للشعوب المحتلة، فهو الكفيل أن يساعدها على استعادة هويتها وإنسانيتها. وبهذا يصبح النضال ضد المحتل الغاشم ليست غايته فقط تحرير الأرض، بل أيضا تحرير النفس المستلبة والخاضعة. فالشعوب التي تثور تستعيد الإحساس بقيمتها الذاتية وكرامتها المسلوبة.
- النخب المستلبة: بعد الاستقلال، ينتقد فانون بشدة النخب المحلية التي تتولى السلطة. غالبًا ما تكون هذه النخب متأثرة بالمحتل ثقافيًا وفكريًا، وتعيد إنتاج نفس أنماط القمع والاستغلال التي مارسها الاحتلال. وهكذا بعد خروج المحتل، تستمر معاناة “المعذَّبون في الأرض” إذا لم يتم تغيير الهياكل الاقتصادية والاجتماعية. حيث يظل الفقراء والعمال والمهمشون يعانون إذا حلت نخب محلية محل المحتل دون تغيير جذري.
- رسالة كونية: رغم أن كتاب فانون كتب في سياق إفريقي وعربي (خاصة خلال الثورة الجزائرية)، فإن مفهوم “المعذَّبون في الأرض” يتجاوز ذلك ليصبح رسالة عالمية. فالمعذبون موجودون في أي مكان يعاني فيه الإنسان من القمع والاستغلال، سواء في ظل الاحتلال المباشر أو الأنظمة القمعية والاقتصاديات الرأسمالية الجائرة. ولهذا كان تأثير الكتاب ممتدا على طول العالم العربي والإفريقي تحديدا، وما زالت هناك العديد من الأصوات المنادية بأفكاره، وثوريته، بالرغم من تغير السياقات، وتغلغل النظام الرأسمالي في جميع بنيات المجتمع العربي والإسلامي. بل حتى في أعتى الدول الاشتراكية لم نعد نشاهد تلك الصلابة في مقاومة الاقتصاد الرأسمالي.
-
بنية العقل السياسي العربي: ما الثورة؟
ليس فقط الإحساس بالدونية والتهميش، وغياب المساواة والعدل بين طبقات المجتمع، هي من تجعل الثورات السياسية متغلغلة في البناء الإيديولوجي والثقافي للإنسان العربي، بل الأمر يمتد بشكل كبير في عمق العقل السياسي العربي. هكذا على الأقل يطلعنا الجابري من خلال كتابه العقل السياسي العربي. يبدأ الجابري كتابه النّقدي للعقل السِّياسي العربي بمدخل عامّ، يوضِّح من خلاله مقارباته على مستوى المنهج والرّؤية. فالسّياسة بالنسبة إليه فعْلٌ له محدِّداته وتجلّياته. والمقصود بالفعْل هنا أنّه فعلٌ اجتماعي يعبِّر عن علاقة قِوى بين طرفين، يمارس أحدهما على الآخر نوعاً من السّلطة، أيْ سلطة الحكم. كما أنّ إضافة العقل إلى السّياسة يوحي بحسب الجابري، بأنّ محدِّدات الفعْل السّياسي وتجلّياته تخضع جميعاً لمنطق داخلي، يحكُمها وينظِّم العلاقات بينها، ومن هنا جاء التّوصيف بالعقل. أما كلمة السّياسي فتوحي بأنّ وظيفة هذا العقل ليس إنتاج المعرفة، بل ممارسة السّلطة، أيْ سلطة الحكم[2].
يؤكِّد الجابري في هذا الكتاب بأنّه اعتمد على جهازٍ مفاهيمي، يدرك جيدًا خطورته. فجزءٌ من هذا الجهاز استعاره من الفكر العلمي، والاجتماعي المعاصر. والآخر مستمدٌّ من التّراث العربي المعاصر. ولعل أهمّ المفاهيم التي استعملها في هذا الكتاب هو مفهوم اللاشعور السّياسي، الذي يستمدّه الجابري من دوبريه، ويتصرّف فيه، ولا يأخذ بكلّ حمولته الثّقافية والفكرية، فإذا كانت وظيفة هذا المفهوم حسب دوبريه، هي إبراز ما هو عشائري وديني في السّلوك السّياسي في المجتمعات الأوروبية المعاصرة، فإنّ وظيفته بالنّسبة للجابري هي إبراز ما هو سياسي في السّلوك الدّيني، والعشائري داخل المجتمع العربي القديم منه والمعاصر[3].
أمّا المفهوم الثّاني الذي يوظّفه الجابري في هذا الكتاب، فهو مفهوم المخيال الاجتماعي، الذي يمثِّل أهميّة كبرى في الدّراسات الاجتماعية المعاصرة. فالمقصود بهذا المفهوم هو الصّرح الخيالي المليء برأس مالنا، من المآثر، والبطولات، وأنواع المعاناة. وهنا يتبيّن حسب الكاتب أنّ العقل السّياسي بوصفه ممارسة وإيديولوجيا هو في الحالتين ظاهرة جمعية، بمعنى أنّ مرجعيته توجد في المخيال الاجتماعي، وليس في النِّظام المعرفي.
أمّا المفهوم الثّالث فهو مفهوم المجال السّياسي الذي استعاره الجابري من برتراند بادي. وأيضا مفهوم الكتلة التّاريخية الذي استعاره الجابري من غرامشي.
إلى جانب هذه المفاهيم المعاصرة، استعان الكاتب بالحقل السّياسي التّراثي العربي الإسلامي. ليحدّد بذلك ثوابت هذا العقل السّياسي العربي. ومن هذه المفاهيم هناك:
- القبيلة: وهي تعبيرٌ عن البعد السّياسي، أو العصبية على حدّ تعبير ابن خلدون.
- الغنيمة: وهي تعبيرٌ عن البعد الاقتصادي الرّيعي، أو غير الإنتاجي.
- العقيدة: وهي تعبيرٌ عن البعد الفكري والإيديولوجي، سواءٌ كان فكرا دينياً، أو علمياً[4].
إنّ الجابري من خلال هذا البحث التاريخي، يبيِّن لنا بأنّ الفكر السّياسي العربي المعاصر، هو امتدادٌ للعقل السّياسي العربي في مساره التّاريخي، منذ مرحلة الدّعوة المحمّدية. ذلك العقل المسكون ببنية المماثلة بين الإله والأمير، وهي البنية التي تؤسّس على المستوى اللاشعوري السّياسي ذلك النّموذج الذي يجذِب العربي حتى اليوم، نموذج المستبدّ العادل[5]. ليس هذا فقط، بل هو محكوم بالبنية الثّلاثية التي تحدّثنا عنها سابقاً: القبيلة، الغنيمة، العقيدة. وللخروج من هذا الواقع السّياسي المتردّي، لا بدَّ من الخروج من بنية الغنيمة، التي تمثّل الاقتصاد الرّيعي، إلى الاقتصاد الإنتاجي. والخروج من بنية القبيلة إلى أُطر الدّولة الحديثة، من مؤسّسات، وأحزاب. والخروج من بنية العقيدة بالتّعامل بعقلية نقدية، وعلمية.
بالرّغم من هذا التّفكيك الذي قام به الجابري لبنية العقل السِّياسي العربي، فإنّ البعض يرى بأنّ هذه الاختزالية للوضع العربي الرّاهن في ثلاثية القبيلة، والغنيمة، والعقيدة، لا تشخِّص الوضع القائم بدقّة. فالقضية ليست مجرّد سيادة القبلية أو الاقتصاد الريعي، أو الجمود، أو التعصّب العقائدي، على خطورتها كظواهر سياسية وفكرية واقتصادية. بل القضية أساساً هي في الهيمنة الإمبريالية العالمية الأمريكية بوجهٍ خاص، على مقدَّرات حياتنا السّياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية[6].
-
الثورة تغيير نظام الحكم أم تغيير نظام الفهم؟
لا يمكن أن يبقى الفهم الأساسي للثورة داخل منظومتنا الثقافية حبيس رؤية اختزالية، ترى فيه فقط إسقاطا لنظام حكم معين، أو سلطة محددة. بل الثورة أعمق من ذلك بكثير، إذا ما استحضرنا الواقع التاريخي للثورات التي مرت بها مجتمعاتنا. إذ كلما سقط نظام سياسي محدد، واستبشر الناس خيرا بالذي بعده، إلا وازدادت الأمور تعقيدا، وعمت الفوضى، وزادت حدة التناقضات الداخلية إلى الحد الذي يصعب معه إقامة دولة أو سلطة مركزية يخضع لها الجميع. وهنا تصبح الثورة نقمة على أبنائها تأكلهم، وتزيد من تعميق جروحهم. وهنا لا بد من قلب سؤال الثورة، هل هي تغيير نظام الحكم أم تغيير لنظام الفهم؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من استحضار أن الثورة لا تقاد فقط من الجماهير أو الجموع، بل هي خاضعة أيضا لمعايير وحسابات من يحركها من وراء الكواليس، ومن يفهم جيدا كيف تقاد نفسيات الجماهير. وهذا سيمنحنا إمكانية القول بأن الفهم سابق على التغيير، أو لنقل بتعبير أدق الفهم أعمق من تغييرات شكلية أو سطحية لا يمكنها أن تؤسس لواقع أفضل، أو واقع مختلف عن سابقه. هنا تقفز أمامنا المقولة المشهورة لماركس والتي يقول فيها:” لقد فسر الفلاسفة العالم بطرق شتى، ولكن المهم تغييره”.
تعتبر المقولة الماركسية السابقة واحدة من أبرز الشعارات التي جسدت الفكر الماركسي، وعلاقته بالواقع المعيش، حيث تعكس تحول الفلسفة من مجال التأمل النظري إلى الفعل العملي، أو تجعل من الماركسية أداة لتغيير المجتمعات، وليس فقط شعارات منزوعة عن سياقات تشكلها. غير أن هناك العديد من الفلاسفة والمفكرين والكتاب المعاصرين الذين انتقدوا هذه المقولة، وبينوا مكامن الضعف فيها، كما فعل سلافوي جيجيك[7] وغيرهم، الذين أعادوا النظر في معناها وأبعادها الفلسفية والعملية. ويمكن أن نختصر هذا النقد فيما يلي:
- أهمية الفهم النظري قبل التغيير: يشير النقاد إلى أن ماركس، في تركيزه على التغيير العملي، قد يُهمل أهمية الفهم النظري العميق للواقع. سلافوي جيجيك، على سبيل المثال، يؤكد أن أي تغيير عملي غير مدعوم بتحليل دقيق للأسباب والظروف قد يؤدي إلى نتائج عكسية أو إلى إعادة إنتاج نفس النظام الذي يسعى المرء إلى تغييره. يرى جيجيك أن الأيديولوجيا تشكل جزءًا أساسيًا من الواقع الاجتماعي. فتجاهلها في سياق التغيير العملي يؤدي إلى حلول سطحية. وبالتالي فالتغيير الجذري لا يقتصر على الهياكل الاقتصادية أو السياسية، بل يجب أن يتضمن أيضًا نقدًا للأيديولوجيا التي تشكل رؤيتنا للعالم.
فمثلا يمكن النظر إلى بعض الثورات السياسية التي ركزت على الإطاحة بالأنظمة الحاكمة دون معالجة الجذور الثقافية والفكرية التي أدت إلى الظلم. هذه الثورات، في كثير من الأحيان، انتهت إلى إعادة إنتاج نفس الممارسات التي كانت تسعى لتغييرها.
- التغيير السطحي مقابل الجذري: النقد الآخر الذي يوجه إلى قولة ماركس هو أن التركيز على “التغيير” قد يُفهم بشكل سطحي، بحيث يتم استبدال الهياكل الظاهرة دون تغيير الأسس العميقة. جيجيك وغيره من المفكرين يرون أن أي تغيير يجب أن يبدأ بتفكيك الأسس التي تقوم عليها المنظومة الحالية. كما يؤكد أننا بحاجة إلى تفسير أكثر تعمقًا للواقع لفهم كيف تتشكل الهياكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فالتغيير الحقيقي لا يتعلق فقط باستبدال الأشخاص أو السياسات، بل بإعادة صياغة الطريقة التي نفكر بها ونتفاعل بها مع العالم.
على سبيل المثال الثورة الفرنسية أزاحت النظام الملكي، لكنها لم تستطع التخلص بالكامل من الهياكل الطبقية، مما أدى إلى ظهور أشكال جديدة من الاستغلال واللامساواة.
- التسرع في التغيير: يشير النقاد إلى أن الاندفاع نحو التغيير العملي دون إعداد كافٍ قد يؤدي إلى الفوضى أو الفشل. من وجهة نظر جيجيك، الفعل يجب أن يكون مسبوقًا بمرحلة طويلة من التأمل النظري لفهم الواقع وتعقيداته. وكلما كان التغيير غير مدروس فإنه يؤدي إلى عواقب غير متوقعة. فمثلاً، قد تؤدي السياسات الإصلاحية غير المدروسة إلى تفاقم الأوضاع بدلاً من تحسينها، مما يجعل النظام أسوأ مما كان عليه. لذا فقولة ماركس قد تتجاهل الطبيعة المعقدة للتغيير الاجتماعي. فالتغيير يتطلب وقتًا طويلًا لتفكيك البنى القديمة وبناء أخرى جديدة، مما يجعل التحول الفوري غير ممكن عمليًا.
- التوازن بين النظرية والعمل: يرى النقاد أن المقولة تضع التغيير فوق الفهم النظري، مما قد يخلق حالة من الفصل بين النظرية والممارسة. ولكن في الحقيقة، النظرية والفعل العملي يجب أن يسيرا جنبًا إلى جنب. هذا على الأقل ما أكده غرامشي في فلسفة البراكسيس، فهو يرى بأن ما يسميه “المثقف العضوي”، يجب أن يجمع بين الفهم النظري العميق والعمل الميداني. هذا التوازن هو ما يضمن تحقيق تغيير فعلي ومستدام.
مثلا حركات الإصلاح الاجتماعي التي تنطلق من دراسة معمقة للواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي غالبًا ما تحقق نجاحًا أكبر مقارنة بالحركات التي تندفع دون رؤية واضحة.
- قراءة جديدة للمقولة: يمكن إعادة قراءة مقولة ماركس بطريقة تجمع بين أهمية الفهم النظري وأولوية العمل. فالتفسير الدقيق للعالم يجب أن يكون جزءًا من عملية تغييره. التغيير الذي يدعو إليه ماركس ليس مجرد تغيير سطحي، بل هو تغيير جذري يتطلب وعيًا شاملًا. وبدلاً من النظر إلى التفسير والتغيير كخيارين متناقضين، يمكن النظر إليهما كعمليتين مترابطتين. التفسير يساعد في فهم الواقع، بينما التغيير يختبر صلاحية هذا الفهم.
تظل مقولة ماركس “لقد فسر الفلاسفة العالم بطرق شتى، ولكن المهم تغييره” مصدر إلهام للكثيرين، لكنها أيضًا عرضة للنقد والتحليل. النقد الذي يوجهه مفكرون مثل سلافوي جيجيك لهذه القولة يعكس أهمية التوازن بين الفهم النظري والعمل الميداني. العالم، بتركيبته المعقدة، يحتاج إلى تفسير دقيق يرافقه عمل حذر ومدروس. بهذا الشكل، يمكن أن يتحقق التغيير الحقيقي الذي لا يقتصر على السطح بل يخترق الجذور العميقة للمشكلات.
-
ثورات أم انتفاضات. ما الفرق؟
حينما نتحدث عن الثورة، فإننا نتحدث عن سياق جماهيري محكم، له نظام، وقيادة، ورؤية. أما حينما تغيب هذه الأشياء فنحن أمام واقع غير منظم، أو شبه منظم، يعكس نوعا من الحركية العفوية التي تنتج غالبا وقائع عكسية. وبالعودة إلى الأحداث التي عرفتها المجتمعات العربية منذ 2011، يتضح لنا أننا أمام حركات عفوية، وتجمعات جماهيرية استفادت من التذمر الشعبي على بعض الأنظمة العربية، وتم الركوب على هذه الجماهير للوصول إلى السلطة. وبالتالي كان هذا الركوب بمثابة إعادة إنتاج النظام القائم بأشكال أخرى تختلف في الوسائل وتتفق في المضمون. هنا يمكننا أن نستحضر إحدى الكتابات الهامة في قراءة هذه الأحداث، ولو بطريقة تبرر هذا العنف، وتجعل منه عملية قيصرية، سينتج عنها واقع آخر أكثر تحضرا، وأكبر قيمة من سابقه. إنه العمل الذي قام به هاشم صالح في كتابه المعنون ب “الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ”[8]، وهو عمل فكري يتناول الثورات العربية وتحليلها في إطار فلسفي وتاريخي عميق. فالكتاب لا يقتصر على وصف الأحداث فقط، بل يحاول فهم الثورات كمظاهر لتحولات اجتماعية وثقافية كبرى في العالم العربي.
يرى هاشم صالح أن الانتفاضات العربية تمثل جزءًا من حركة التاريخ، وهي موجة تغيير ضرورية للوصول إلى حالة الحداثة السياسية والفكرية التي سبقتنا إليها المجتمعات الغربية. كأن هذه الحالة تشبه المخاض الذي ينتج عنه الولادة. إذ الانتفاضات حسب تصور هاشم صالح تشبه الثورات الكبرى في أوروبا، مثل ما حدث في الثورة الفرنسية، التي احتاجت عقودًا لتحقيق أهدافها النهائية. لقد تناول الكتاب الثورات من منظور فلسفي، حيث وظف أفكار هيغل عن ديالكتيك التاريخ وفكرة أن التغيير يتم عبر صراع مستمر بين القديم والجديد، في فهمه للأحداث المتعاقبة التي تلت ما سمي بالثورات العربية، أو الانتفاضات الجماهيرية سنة 2011. فهو يركز على أن الثورات ليست خطية ولا تصل إلى نتائجها مباشرة، بل هي عمليات طويلة الأمد تتخللها إخفاقات وتراجعات.
اقرأ أيضا: التعددية الدينية والمواطنة في تونس ما بعد الثورة
يشير هاشم صالح إلى أن الواقع الذي أفرز الانتفاضات العربية جاء تلبية لحاجات ظلت مكبوتة في العمق الاجتماعي للإنسان العربي، التواق إلى أفق يعكس ما تستحقه المجتمعات العربية من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، وهي قيم عالمية إنسانية لا يمكن تجاهلها. كأن هذه الانتفاضات بهذا المعنى هي بداية مشروع حضاري، يسعى لتحرير الإنسان العربي من القيود السياسية والاجتماعية والدينية التي كبلته سنين طويلة بفعل الانحدار الثقافي، والاستبداد السياسي.
لم تحقق الانتفاضات العربية غاياتها الكبرى، وفشلت في العديد من البلدان نتيجة عوامل كثيرة. لعل أهمها غياب الطبقة الوسطى الواعية، وغياب الفكر الديمقراطي، وهيمنة الأنظمة الاستبدادية والقوى التقليدية. ناهيك عن أن الدور السلبي الذي لعبه الإسلام السياسي في الركوب على هذه الموجات والوصول إلى السلطة، ضاعف من نسبة الفشل، في غياب تام لبديل إسلامي يمكنه أن يضاهي ما يسمى بالدولة الحديثة. فتم الرجوع إلى مشاريع ما قبل الحداثة، حيث الحروب الطائفية، والنزعات العقائدية، والتحالفات السياسية والقبلية. فكان الفشل في تقديم مشروع حداثي حقيقي هو النتيجة الطبيعية لمشاريع الإسلام السياسي، والدولة الدينية، فتمت عرقلة مسار التغيير. وهنا يؤكد هاشم صالح أن الانتفاضات السياسية، أو التي تدار بعناوين سياسية صرف، كإسقاط النظام، لا يمكن أن تؤدي إلى تغيير جذري دون إصلاح فكري وثقافي عميق. فالثورة السياسية وحدها ليست كافية إذا لم ترافقها ثورة فكرية لتحرير العقل العربي من الجمود والتقليد، وبالتالي فالأمل يبقى بالرغم من كل مظاهر الفوضى التي تبدو على المشهد. كأن فهم الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ هو دعوة لفهم الثورات ليس كأحداث سياسية فقط، بل كعملية حضارية طويلة الأمد تهدف إلى تحرير الإنسان العربي، وتضع الأساس لنقاش فكري أعمق حول علاقة الحرية بالتاريخ، وكيف يمكن للعالم العربي أن يستفيد من تجارب الشعوب الأخرى لتحقيق نهضته.
وإذا كان هاشم صالح يقرأ العوامل الداخلية في إنتاج واقع ما بعد 2011، ويعتبرها الحاسمة في إخراج المشهد عن ما كان عليه، فإنه أغفل أو قلل من العوامل الخارجية، على اعتبار أن العوامل الخارجية كانت حاسمة في المشهد العربي، وأن العديد من الدراسات والبحوث تؤكد على أن ما حدث لم يكن بفعل عوامل داخلية متمثلة في الانحباس السياسي، أو القمع الفكري، بقدر ما كان الأمر مدبرا، ومخططا له أيضا من دول ومراكز قرار متعددة دفعت بشكل أو بآخر إلى تغيير أنظمة لم تعد تنتج شيئا لواقعها، ولا إلى العالم الذي تنتمي إليه، فتم التخلص منها بسهولة. ولهذا فكل ما نراه أو رأيناه من حركات احتجاجية، أو هبّات جماهيرية لن تنتج في واقعنا إلا الدمار، والرجوع إلى تبني أشكالا قديمة من الدول، على رأسها الدولة الدينية، حيث يسود العنف، والتوحش البشري، والسيادة للشرع والفقه القديم، بدل أن يسود القانون، والحكم العادل، وهي إشكالية ما زالت تداعياتها تلقي بظلالها إلى حدود اللحظة المعاصرة.
-
سيكولوجية الثورة – غوستاف لوبون وحنا آرنت
غوستاف لوبون:
غوستاف لوبون، عالم النفس والاجتماع الفرنسي الشهير، يُعد أحد أبرز المفكرين الذين تناولوا ظاهرة الثورة من منظور سيكولوجي واجتماعي. في كتابه “سيكولوجية الثورة”، يقدم لوبون رؤية تحليلية عميقة تتجاوز الفهم السطحي السياسي والاقتصادي ، ليكشف عن الجوانب النفسية والاجتماعية التي تقف وراء الثورات. الثورة في نظره ليست مجرد حدث عابر أو صراع على السلطة، بل هي تعبير عن اضطراب نفسي واجتماعي يعكس تحولات عميقة في وعي الجماهير، ومدفوعة بتغير الأفكار والمعتقدات التي تتحكم في بنية المجتمعات.
الثورات وفقاً لوبون تنبع من تراكم طويل للإحباط والغضب الذي يعيشه الناس، لكنها غالباً ما تأتي بشكل مفاجئ وغير متوقع. يؤكد لوبون أن الثورات لا تندلع فقط نتيجة الفقر أو الظلم، بل نتيجة فقدان النظام القائم لشرعيته في عقول الناس، ما يؤدي إلى تحول الأفكار والمعتقدات وانتشارها بين الجماهير. هنا يظهر دور القيادة الكاريزمية التي تستطيع توجيه هذه المشاعر الجماعية وتحويلها إلى قوة موحدة قادرة على هدم النظام القديم.
يركز لوبون على دراسة سلوك الجماهير أثناء الثورات، حيث يرى أن الجماهير تتحول إلى كيان نفسي موحد، تتحكم فيه العواطف والمشاعر أكثر من العقل. يتسم هذا السلوك بالعاطفية المفرطة التي تجعل الجماهير تتصرف باندفاع شديد، وقابلية للتأثر بالشعارات البسيطة التي تتماشى مع مشاعرها اللحظية. في هذا السياق، تصبح الجماهير أكثر تطرفاً في مواقفها، سواء في الهدم أو البناء، مع غياب المسؤولية الفردية، وهو ما يفسر العنف والدمار الذي يصاحب العديد من الثورات.
يتناول لوبون المراحل المختلفة للثورات، حيث تبدأ بمرحلة الهدم التي تسيطر فيها مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام، ويتم فيها تدمير المؤسسات القائمة والأفكار التقليدية. تليها مرحلة الفوضى، التي تسود فيها الاضطرابات والصراعات بين القوى المختلفة. وفي النهاية، تأتي مرحلة البناء، حيث تظهر قوى جديدة تسعى لإعادة تشكيل النظام الاجتماعي وفق الأفكار التي دفعت الثورة في البداية.
رغم إدراكه لأهمية الثورات كأحداث تاريخية ضرورية في بعض الأحيان، إلا أن لوبون كان متشائماً بشأن نتائجها. يرى أنها غالباً ما تؤدي إلى فوضى واسعة النطاق، أو استبدال الأنظمة القديمة بأخرى أكثر استبداداً، دون تحقيق التغيير الجذري المنشود. في رأيه، غالباً ما تظل جذور المشاكل قائمة، مما يجعل التغيرات الناتجة عن الثورات سطحية وغير مستدامة.
يبقى كتاب “سيكولوجية الثورة” مرجعاً فكرياً مهماً لفهم الثورات في سياقها النفسي والاجتماعي. تحليلات لوبون تسلط الضوء على كيفية تحرك الجماهير ودور الأفكار في تشكيل الأحداث الكبرى، وتقدم دروساً مستفادة من الثورات السابقة لفهم تعقيداتها وآثارها. قراءة هذا الكتاب تدعونا إلى دراسة الثورات بعين نقدية واعية، تسعى لفهم أعمق للظاهرة بدلاً من الاكتفاء باعتبارها أحداثاً تاريخية معزولة.
حنا آرنت:
حنَّا آرنت، الفيلسوفة الألمانية-الأمريكية البارزة، قدَّمت في كتابها “في الثورة” (On Revolution)[9] تحليلًا عميقًا لمفهوم الثورة باعتبارها ظاهرة سياسية أساسية في التاريخ الحديث. ترى آرنت أن الثورة ليست مجرد عملية تحرر من الظلم والاستبداد، بل هي فعل تأسيسي يعيد بناء المجال السياسي والاجتماعي. في فلسفتها، ركزت على الثورة كحدث جماعي يستهدف إحداث تغيير جذري في النظام القائم، حيث تمثل بداية جديدة تتسم بالحرية والإبداع. الثورة عندها ليست فقط لحظة للتحرر من القيود، بل فرصة لتأسيس نظام سياسي جديد قائم على الحرية والمساواة. لذلك تميز بين التحرر، الذي يعني التخلص من الظلم، والحرية، التي تمثل القدرة على الفعل والتفكير والإبداع في فضاء عام مشترك.
تشترط آرنت مجموعة من العوامل لقيام الثورات، أبرزها وجود حالة من الظلم والاستبداد تُحفز الجماهير على التمرد، وانهيار شرعية النظام القائم، بالإضافة إلى توفر رؤية جديدة لنظام سياسي بديل. كما تؤكد على أهمية وجود فضاء عام يمكّن الأفراد من التفاعل والمشاركة في النقاش السياسي، لأن الثورة الناجحة تُبنى على العمل الجماعي الهادف الذي يُحقق الحرية من خلال تأسيس نظم سياسية تعكس تطلعات المجتمع.
في تحليلها للثورات الكبرى، قارنت آرنت بين الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية، مشيرة إلى الفوارق الجوهرية بينهما. الثورة الفرنسية، برأيها، ركزت على القضايا الاجتماعية مثل الفقر والجوع، مما جعلها ثورة للتحرر أكثر من كونها ثورة تأسيسية. على العكس، كانت الثورة الأمريكية نموذجًا للثورة الناجحة، حيث ركزت على تأسيس نظام سياسي جديد قائم على دستور يضمن الحرية والمشاركة في المجال العام. الثورة الأمريكية، بالنسبة لها، مثّلت ثورة تأسيسية حقيقية، لأنها وضعت أسسًا سياسية مستدامة تسعى لتحقيق الحرية والمساواة.
ترى آرنت أن الثورة لا يمكن أن تنجح دون مشاركة فاعلة من الجماهير التي تتحول من حالة السلبية إلى الفعل الجماعي الواعي. تؤكد أيضًا على أهمية الفضاء العام الذي يُتيح للأفراد تبادل الأفكار والمشاركة في صنع القرار، لأنه يشكل الركيزة الأساسية لبناء نظام سياسي تعددي يحترم الحرية. أما بالنسبة للعنف، فتعتبره وسيلة قد تكون ضرورية لإسقاط النظام القديم، لكنها ترى أن الثورة الناجحة هي التي تركز على البناء السياسي والاجتماعي بسرعة، متجاوزة العنف إلى تحقيق أهدافها الحقيقية. تنتقد آرنت الثورات التي تطيل من أمد العنف، لأنها غالبًا ما تنتهي بإنتاج أنظمة استبدادية جديدة.
رغم تقديرها لأهمية الثورة، تعبر آرنت عن قلقها من فشل العديد من الثورات في تحقيق أهدافها بسبب غياب رؤية واضحة للمستقبل أو النزاعات الداخلية بين الفصائل الثورية. فهذه العوامل تُضعف الثورة وتجعلها عرضة للانقسامات والفوضى، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى استبدال الاستبداد القديم بآخر جديد. ومع ذلك، تعتبر آرنت الثورة لحظة حاسمة في التاريخ السياسي، حيث تتيح للناس فرصة لإعادة اكتشاف الحرية والابتكار السياسي.
في النهاية، الثورة عند حنَّا آرنت ليست مجرد حدث عابر أو انفجار شعبي، بل هي فعل سياسي تأسيسي يعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والمجال السياسي. تحليلها يعكس اهتمامها العميق بفهم جذور الثورات وشروطها وأهدافها، كما يشير إلى أهمية الحرية كغاية أساسية لكل ثورة ناجحة.
المراجع:
[1] – فرانز، فانون. معذبو الأرض. ترجمة سامي الدروبي وجمال أتاسي. دون دار نشر أو سنة نشر.
[2] – الجابري، محمد عابد. نقد العقل العربي(3) العقل السياسي العربي: محدداته وتجلياته. مركز دراسات الوحدة العربية. ص: 7.
[3] – المرجع نفسه. ص: 13
[4]– العالم، محمود أمين. مواقف نقدية من التراث. دار قضايا فكرية للنشر والتوزيع. ص: 75
[5] – المرجع نفسه. ص: 79
[6] – المرجع نفسه. ص: 81
[7] – سلافوي جيجيك. تغيير العالم أم فهمه؟. ترجمة يوسف اسحيردة. مجلة الفلسفة، العدد 100، يونيو 2016، عنوان العدد، ما هي الفلسفة. ص: 67
[8]– هاشم، صالح. الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ.دار الساقي،ط1،2013.
[9] – حنا، آرنت. في الثورة. ترجمة عطا عبد الوهاب. مركز دراسات الوحدة العربية،ط1،2008.