تكوين
لما كان الجسدُ يَحتلُّ موقعًا مهمًا في الثقافة الإنسانية، فقد كان من الطبيعي -والحال كذلك- أن يحظى باهتمام واعتبار في المِخيال الديني، إذ ارتبطت به صفات التقديس والتدنيس، وصار له حضور رمزيٌ مهم في جميع الأنساق الدينية التي ظهرت وتشكَّلت عبر القرون. تتمثل إشكالية الورقة البحثية في تحليل رمزية الجسد في المِخيال الشيعي الإمامي الاثنا عشري، وذلك عن طريق تقصي بعض ما كتبه ودونه علماء الشيعة عبر القرون عن أجساد المعصومين الأربعة عشر.
كما هو معروف، فإن الثقافة الشيعية قد قدست أربعة عشر شخصًا تحديدًا، إذ أُكدت عصمتهم الكاملةُ من الذنوب والخطايا، هؤلاء الأشخاص هم النبي محمد وابنته فاطمة الزهراء بالإضافة إلى الأئمة الاثنا عشر المعروفين، وأولهم هو الإمام الأول علي بن أبي طالب المتوفى 40ه، أما آخرهم فهو الإمام الثاني عشر، محمد بن الحسن العسكري (المهدي المنتظر)، الذي غاب عن الأنظار منذ عام 329ه، ولم يظهر حتى الآن.
تضع الورقة البحثية عددًا من الأسئلة على طاولة النقاش، تُرى كيف نظر المِخيال الشيعي الجمعي للمادة التي خُلقت منها أجساد هؤلاء المعصومين؟ وكيف ربطَ بين قداستهم وأجسادهم؟ وكيف تناولَ حالات التدنيس التي من الممكن أن تكون قد ألمت بهم بسبب كونهم من البشر، نقصد هنا حالات الطمث والحيض والولادة والحدث الأصغر أو الحدث الأكبر…؟
باستخدام مجموعة من المناهج البحثية المعتبرة -ومنها المنهجين الوصفي والتحليلي- عملت الورقة على الإجابة عن الأسئلة السابقة، فحاولت أن تُميطَ اللثام عن عديد من الرمزيات والدلالات والمعاني تلك التي توارت في بنية النصوص الشيعية المتراكمة، والتي يمكنها الكشف عن الحضور القوي لأجساد المعصومين في منظومة التدين الطقوسي والشعائري، لدى السواد الأعظم من الشيعة الإمامية الاثنا عشرية.
فيما يخص بنية الورقة فقد قُسمت إلى مجموعة من المحاور الفرعية، والتي سيركز كل منها على تناول أحد الأسئلة الإشكالية المطروحة، وسيتبين في كل محور أن نظرة المِخيال الشيعي لأجساد المعصومين مختلفةٌ تمامًا عن النظرة التقليدية السائدة في المذهب السني الذي يتبعهُ السوادُ الأعظمُ من المسلمين في العالم.
- المعصومُ في المِخيال الشيعي الإمامي
لما كان مفهوم الإمامة في العقل الشيعي الإمامي الاثنا عشري يتصلُ بشكل وثيق بالتعيين الإلهي، فقد ظهرت فكرة الوصية والنص والتي بموجبها أعتقدَ أن الله عز وجل قد أختار عددًا محددًا من الأئمة وسماهم بالاسم ونص عليهم بشكل واضح وصريح، وهؤلاء الأئمة هم([1]):-
- علي بن أبي طالب المتوفى 40هـ.
- الحسن بن علي المتوفى 50هـ.
- الحسين بن علي المتوفى 61هـ.
- علي بن الحسين المتوفى 95هـ.
- محمد بن علي المتوفى 114هـ.
- جعفر بن محمد المتوفى 148هـ.
- موسى بن جعفر المتوفى 183هـ.
- علي بن موسى المتوفى 203هـ.
- محمد بن علي المتوفى 220هـ.
- علي بن محمد المتوفى 250هـ.
- الحسن بن علي المتوفى 260هـ.
- محمد بن الحسن _
رغم التشابه الظاهري من ناحية الطبيعة والوظيفة والمكانة بين مفهومي الإمام عند الشيعة والخليفة عند السنة، إلا أن النظرة المتفحصة المتعمقة إلى السلطات والقيود التي تحيط بكل من المفهومين من شأنها الكشف بوضوح عن البَونِ الشاسع والاختلاف الكبير فيما بينهما. بالنسبة للإمام الشيعي سنجده وقد تمتع بصلاحيات وسلطات واسعة غير محدودة وغير مقيدة على أتباعه ومناصريه، إذ استمد الأئمة الشيعة سلطتهم المطلقة كونهم “حجج لله تعالى على خلقه بعد النبي”، فكانت منزلتهم كمنزلة النبي وكان لهم على أتباعهم حق التبعية المطلقة، وقد تطلبَ ذلك أن يكون هؤلاء الأئمة متميزون بشكل ما عن بقية البشر، فظهر الاعتقاد في عصمتهم وأن الله تعالى لما كان قد أختصهم بأن يكونوا حججًا له على العالمين والواسطة بينه وبين العباد([2])، فإنه قد عصمهم من الخطأ والزلل، كما أنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، ويصرحُ علي بن بابويه القمي المعروف بالصدوق باعتقاد الشيعة الإمامية في عصمة أئمتهم في واحد من أهم كتبه، وهو الكتاب المعروف باسم الاعتقادات، عندما يقول إن الأئمة الاثنا عشر “موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم إلى أواخرها، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل”.
يمكنُ القول إن الاعتقاد في عصمة الإمام داخل المذهب الشيعي الاثنا عشري، نتجَ عنهُ استحداثُ أمرين مهمين: الأولُ، أنه قد شاع الاعتقاد بين أهل المذهب في أن منصب الإمام يحتاج إلى تواصل مباشر ومستمر مع الله عز وجل، وذلك لتنفيذ مقاصده وتبليغ أحكامه وشرائعه، ونتيجة لذلك ظهرت عدد من النظريات التي حاولت تفسير كيفية تحصيل الإمام لكل هذا العلم الموجود في صدره، فقيل إن الأئمة يتلقون علومهم من الله بغير واسطة، وقيل إن كل إمام يتلقى علوم الإمامة من الإمام الذي سبقه، ولكن لما كان صغر سن بعض الأئمة عند توليهم منصب الإمامة يقدحُ نظريًا في ذلك الرأي، فقد ظهرت أقوال حاولت التوفيق بين الآراء السابقة، فقيل إن هناك طرق يتعلم بها الإمام مثل “الإلهام والنكت في القلب والنقر في الأذن والرؤيا في النوم”. أما الأمر الآخر الذي نتجَ عن الاعتقاد بعصمة الإمام، فيتمثلُ في اعتبار وتصحيح كل ما نُقلَ عن الأئمة من روايات دون اشتراط أن يصل سندها إلى النبي، وبذلك أضحى كل إمام من أئمة الشيعة مثل حلقة جديدة مركزية في سلسلة الاتصال الإلهي بالأرض، كما أن كتب الحديث الشيعية صارت تمتلئ بأحاديث الأئمة، والتي زادت كثيرًا عن الأحاديث التي نُسبت للرسول نفسه.
وهكذا سنجدُ أن المِخيال الشيعي الجمعي قد أولى القدر الأكبر من اهتمامه لأربعة عشر شخصية –وهم النبي وفاطمة الزهراء فضلًا عن الإثني عشر إمامًا- فنظر إليهم كونهم النموذج الإنساني الأكثرُ اكتمالًا وتفوقًا ورقيًا، وكتبَ عنهم نصوصًا تفوحُ منها رائحة القداسة المشوبة بالأسطورة، والتي سنتعرض إلى بعضها في المباحث التالية.
- التكاثرُ في الجيل الأول من البشر
لما كان المعصومون الأربعة عشر من البشر ومن نسل بني أدم، فقد عَمِلَ المِخيال الشيعي الجمعي، على صبغ قصة التكاثر الأول بين البشر، بصبغة من القداسة والاحترام الأمرُ الذي سيزيد مع الوقت حتى يصل إلى ذروته مع المعصومين أنفسهم.
لفهم تلك النقطة، يجبُ أن نرجع أولًا إلى القصة السنية المتواترة والشائعة عن وقوع التكاثر الأول بين البشر، والتي تعتمد على القول أنه –أي التكاثر- قد وقع عن طريق التزاوج بين أبناء آدم ذكورًا وإناثًا، وأن حواء كانت تضع توأمين في كل ولادة لها، وكان من المعتاد أن يتزوج الذكر في كل مرة الأنثى التي وضعت في الولادة التالية لولادته، وكذلك اعتادت كل أنثى أن تتزوج الذكر الذي وضع في الولادة التي سبقتها([3])، وهكذا وقع التزاوج في الجيل الأول بين الأشقاء، فلما تكاثرت الذرية فيما بعد حُرم زواج الأشقاء من بعضهم، وبقيَ هذا التحريم قائمًا حتى قيام الساعة.
على الرغم من أن تلك القصة قد وجدت سبيلها لبعض المدونات الشيعية، إلا أننا سنجد أن هناك قصة أخرى شائعة، وهي تلك التي ترفضُ القول بزواج الأخوة، لما فيه من شبه بزنا المحارم، الأمر الذي يعكسُ ميل العقل الشيعي الجمعي لتأكيد طهارة البشر منذ اللحظة الأولى، وهي الطهارة التي ستصل إلى ذروتها في شخوص المعصومين الأربعة عشر فيما بعد.
وفق السردية الشيعية، فإن الجيل الأول من البشر قد تناسلوا عن طريق وقوع التزاوج بين أبناء آدم من الذكور تحديداً من جهة، وبعض الكائنات الأنثوية التي أنزلها الله تعالى من الجنة إلى الأرض من جهة أخرى، وفي ذلك نَقلت بعضُ المصادر الشيعية الإمامية عن الإمام السادس جعفر الصادق، أنه حينما سألهُ بعض الشيعة عن كيفية تكاثر أبناء آدم؟ وهل فعلًا تزاوج الأخوة والأخوات بعضهم في ذلك الوقت، فإنه –أي الإمام الصادق- قد نفى مسألة تزاوج الأشقاء، بشكل تام وقاطع، ثم شرح طريقة تكاثر البشر في ذلك العهد بطريقة مختلفة، فقال إن قابيل لما قتل هابيل حزن النبي آدم وجزع جزعًا شديدًا، وتوقف عن إتيان حواء وبقي على تلك الحالة لمدة خمسمائة سنة، فلما ذهب عنه الحزن غشي حواء فأنجبت ابنه شيث هبة الله، ثم ولد له بعدها ابنه الأخر المسمى يافث، فلما كبرا في السن “أنزل الله بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها بَركة، فأمر الله عز وجل آدم أنْ يزوّجها من شيث فزوجها منه، ثم نزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها مُنزلة، فأمر الله عز وجل آدم أن يُزوَّجها من يافث فزوَّجها منه فولد لشيث غلام وولد ليافث جارية، فأمر الله عز وجل آدم حين أدركا أنْ يُزوَّج بنت يافث من ابن شيث، ففعل ذلك فولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما، ومعاذ الله أنّ ذلك على ما قالوا مِنْ الإخوة والأخوات”([4]).
بتلك الطريقة عملت السردية الشيعية على تبرئة الرعيل الأول من البشرية من تهمة ممارسة زنا المحارم، فطهرت شيثًا –وهو وصي آدم وخليفته وفق ما هو معروف وشائع في المِخيال الشيعي التقليدي- من ممارسة ذلك الفعل الشنيع المستهجن، وأكدت أن مادة النبوة/ الإمامة قد انتقلت بشكل طاهر في سلسال مقدس ضم جميع أجداد وآباء النبي محمد، بدءًا من شيث وصولًا إلى عبد الله بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف، تبعًا للرواية المشهورة التي أتفق على نقلها كل من الشيعة والسنة عن الرسول “لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات”([5])، وهي الرواية التي فَهم منها كثير من العلماء أن جميع آباء الرسول كانوا من المؤمنين الموحدين، وأن الكفر والشرك لم يجد سبيلًا إلى قلبهم عبر القرون.
- المادةُ التي خُلقت منها أجساد المعصومين
تأكيد براءة نسبِ المعصوم من كل دنس أو رجس –سواءٌ كان هذا الدنسُ مرتبطًا بالزنا أو بالكفر- لم يكن كافيًا، إذ سنجد المِخيال الشيعي الجمعي يؤكدُ في كثير من النصوص المنسوبة للنبي والأئمة أن المادة التي تَشَكَّلَت منها أجسادُ المعصومين الأربعة عشر مختلفة بشكل كبير عن المادة التي تَشَكَّلَت منها أجساد باقي البشر، على سبيل المثال نُقلَ عن النبي قوله “خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور الله عن يمين العرش، نسبُّحُ الله ونقدسهُ من قبل أن يخلق الله عزَّ وجلَّ آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله آدم نقلنا إلى أصلاب الرجال وأرحام النساء الطاهرات…”([6])، ونُقلَ عنهُ أيضًا قوله “إن الله عزَّ وجلَّ أنزل قطعة من نور فأسكنها في صلب آدم، فساقها حتى قسمها جزأين، جزء في صلب عبد الله وجزء في صلب أبي طالب، فأخرجني نبيًّا وأخرج عليًّا وصيًّا”([7]).
ولما كانت فاطمة الزهراء بنت الرسول هي الوعاءُ الجامعُ والذي سيخرج من رحمه أحد عشر من المعصومين، فإن المِخيال الشيعي الجمعي قد عمل على ربطها بالجنة وبالملأ الأعلى، وما يتصل بذلك من أنوار إلهية ربانية لا حد لها بأكثر من طريقة، من تلك الطرق ما ورد في سياقِ الحديث عن معجزة الإسراء والمعراج، عندما قال النبي: إنهُ “لَمَّا عُرِجَ بِيْ إِلَى السَّمَاءِ أَخَذَ بِيَدِيْ جِبْرَئِيْلُ فَأَدْخَلَنِيَ الجَنَّةَ، فَنَاوَلَنِي مِنْ رُطَبِهَا فَأَكَلْتُهُ، فَتَحَوَّلَ ذَلِكَ نُطْفَةً فِيْ صُلْبِي، فَلَمَّا هَبَطْتُ إِلَى الأَرْضِ وَاقَعْتُ خَدِيْجَةَ فَحَمَلَتْ بِفَاطِمَةَ، فَفَاطِمَةُ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ، فَكُلَّمَا اشْتَقْتُ إِلَى رَائِحَةِ الجَنَّةِ شَمَمْتُ رَائَحَةَ ابْنَتِي فَاطِمَةَ”([8])، ومن الطرق الأخرى تأكيدُ أن خلق فاطمة قد وقع قبل آدم وحواء بفترة زمنية طويلة، الأمرُ الذي يظهرُ في الرواية التي جاء فيها أنه “لمَّا خلق الله آدم وحوَّاء تبخترا في الجنَّة، فقال آدم لحوَّاء: ما خلق الله خلقًا هو أحسن منا. فأوحى الله إلى جبرئيل عليه السلام: ائت بعبديَّ الفردوس الأعلى. فلمَّا دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك الجنَّة، وعلى رأسها تاج من نور، وفي اُذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من حسن وجهها، فقال آدم: حبيبي جبرئيل! من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها؟ فقال: هذه فاطمة بنت محمد نبيِّ من ولدك يكون في آخر الزمان، قال: فما هذا التاج الذي على رأسها؟ قال: بعلها عليٍّ بن أبي طالب عليه السلام… قال: فما القرطان اللذان في اُذنيها؟ قال: ولداها الحسن والحسين. قال آدم: حبيبي جبرئيل! أخُلقوا قبلي؟ قال: هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة “([9]).
من الأمور التي نلاحظها على ذلك النوع من الروايات الشيعية المختصة بتحديد مادة خلق المعصومين الأربعة عشر، أن شيعة آل البيت المخلصين سيحظون ببعض النفحات من تلك الخلقة النورانية المطهرة التي اختص بها المعصومون، فعلى سبيل المثال وردَ على لسان النبي أنهُ “لما خلق الله عز وجل الجنة خلقها من نور العرش، ثم أخذ من ذلك النور فقذفه، فأصابني ثلث النور، وأصاب فاطمة ثلث النور، وأصاب عليًّا وأهـل بيته ثلث النور، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد، ومن لم يصبه من ذلك النور ضل عن ولاية آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم”([10])، هذا في الوقت الذي وردت فيه بعض الروايات التي تصف غير الشيعة بأنهم من أبناء البغايا والزنا([11])، وهكذا يصبحُ النور الذي خُلقَ منه المعصوم مصباحًا من أجل هداية الناس إلى طريق الحق والرشاد، فنراهُ وقد تحول من شكله المادي المحسوس إلى صيغة استعارية بلاغية لا يمكن تحديدها، في الوقت الذي يظهر فيه الناس من غير الشيعة تائهين وضالين، الذين ضاعوا في بحر متلاطم الظلمات. في السياق نفسه ستؤكد بعض الروايات أن النور الإلهي الذي استقر في أجساد المعصومين لم يتوقف عندهم، بل كان وسيلة من وسائل خلق الكائنات النورانية ومن ذلك ما رواه المجلسي في بحار الأنوار على لسان النبي “خلق الله من نور وجه عليٍّ بن أبي طالب عليه السلام سبعين ألف ملك يستغفرون له ولشيعته ولمحبِّيه إلى يوم القيامة”([12])، وهكذا أُكدَ الاعتقاد الشيعي الذاهبُ إلى أن المعصومين هم الواسطة بين الله عز وجل وخلقهِ وأنهم السبب في الخلق، لتتحول أجسادهم –وفق النظرة الشائعة في المِخيال الشيعي الإمامي- إلى مادة هيولية أزلية غير قابلة للفناء.
- علاماتُ القداسةِ الجسديةِ
لما كان المعصوم مختلفًا عن البشر العاديين، فقد وجبَ –وفق المِخيال الشيعي التقليدي- أن يتمتع منذ اللحظات الأولى له في الحياة بنوع من الاختلاف ذلك الذي يميزه عن الأخرين من جهة، ويؤكدُ ما ينتظرهُ في المستقبل من سيرة عظيمة من جهة أخرى. من هنا نستطيعُ أن نتفهم كثرة العلامات التي تذكرها المدونات الشيعية عن أجساد المعصومين، وهي العلامات التي ارتبطت بهم منذ فترة مبكرة واستمرت في ملازمتهم بشكل أو بأخر على طول أعمارهم.
في بعض الأحيان تبدأُ تلك السمات في الظهور على جسد المعصوم قبل أن تحين لحظةُ ولادته فعلى سبيل المثال، تحدثت كثيرٌ من كتب السيرة النبوية عن النور الذي كان يظهر في وجه عبد الله بن عبد المطلب، وهو النور الذي لم يفارقهُ حتى تزوجَ السيدة آمنة بنت وهب، الأمر الذي جرى تفسيرهُ أنه نور النبوة المحمدية والذي كان في صلب عبد الله قبل أن ينتقل منه إلى رحم زوجته.
تلك السماتُ وجدت أيضًا في مرحلة الحمل فمثلًا، نَقلت بعض المصادر الشيعية عن السيدة آمنة قولها في وصف حملها “لمَّا حملت به –أي الرسول- لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل…”([13]). الحمل الهادئ المستقر المختلف عن الحمل الاعتيادي سيكون من السمات الملازمة لبقية المعصومين فعلى سبيل المثال، يحكي المجلسي في بحار الأنوار إن الرسول بعد أن رجع من رحلة الإسراء والمعراج، فإنهُ قد واقع السيدة خديجة فنقل إليها النطفة الطاهرة التي تحمل السيدة فاطمة الزهراء ووفق الرواية، فإن السيدة خديجة قد شعرت بانتقال النطفة إليها أثناء الجماع، إذ تقول “فَلَا وَالَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ وَأَنْبَعَ المَاءَ، مَا تَبَاعَدَ عَنِّي النَّبِيُّ حَتَّى حَسَسْتُ بِثِقْلِ فَاطِمَةَ فِي بَطْنِي” ([14])، وهو الأمر الذي جرى تفسيره كونهُ حدثًا إعجازيًا اُختصت به نطف المعصومين تحديدًا دونًا عن غيرهم.
في بعض الكتابات الأخرى –والتي تغلب عليها صفة المبالغة- يُنقل عن أمهات المعصومين أنهن كن يتواصلن بشكل مباشر مع الأجنة في أرحامهم فعلى سبيل المثال، تحدثت السيدة آمنة عن تواصلها مع جنينها وكيف أنها كانت تتحدث معه فيطمئنها ويبشرها بالخير، وتصلُ تلك السردية إلى ذروتها مع اتفاق أغلبية الكتابات الشيعية على أن جميع المعصومين قد تكلموا في لحظة ميلادهم، وأنهم جميعًا قد نطقوا بالشهادة وأقروا بالألوهية لله وبالنبوة للرسول وبالوصايةِ لعلي بن أبي طالب، ومن ذلك الخبر المشهور الذي يُحكي عن لحظة ميلاد الإمام الأول علي بن أبي طالب، والذي وُلدَ مُستَقبِلًا القبلة فنزل ساجدًا وهو يقولُ “أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، وأشهد أن عليًّا وصيُّ محمد رسول الله، بمحمد يختم الله النبوة وبي تتم الوصية وأنا أمير المؤمنين”([15])، وما حكاه المجلسي في السياق نفسه، أن فاطمة بنت أسد –زوجة أبي طالب وأم علي- قد دخلت في أواخر أيام حملها إلى جوف الكعبة ولم تخرج منها إلا بعد ثلاثة أيام، فقالت لمن أحاط بالبيت الحرام وهي تحمل وليدها –عليًّا- بين يديها “…هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سميه عليًّا فأنا العلي الأعلى، وإني خلقته من قدرتي، وعز جلالي وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدبته بأدبي وفوضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي وهو أول من يؤذن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظمني ويمجدني ويهللني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبى لمن أحبه ونصره والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقه”. وتُستكملُ الروايةُ بعد ذلك أن الرسول لما رأى عليًّا، “اهتز له أمير المؤمنين وضحك في وجهه وقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم تنحنح بإذن الله تعالى وقال: بسم الله الرحمن الرحيم *قد أفلح المؤمنون* الذين هم في صلاتهم خاشعون إلى آخر الآيات. فرد عليه الرسول قد أفلحوا بك، وقرأ تمام الآيات إلى قوله: *أولئك هم الوارثون* الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون”([16]).
سمةُ الكلام في المهد لم تنحصر في شخص علي بن أبي طالب وحدهُ، بل سنجدها وقد تواترت في سير جميع الأئمة على سبيل المثال، ذكر الكليني أن أحد الشيعة قد ذهب لبيت الإمام السادس جعفر الصادق، فوجده يحمل ابنه الرضيع موسى –وهو الذي سيصبح فيما بعد الإمام السابع موسى الكاظم- ويحكي الشيعي أن الصادق قد أمره “ادْنُ مِنْ مَوْلَاكَ –يقصد الكاظم- فَسَلِّمْ فَدَنَوْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ ثُمَّ قَالَ لِيَ اذْهَبْ فَغَيِّرِ اسْمَ ابْنَتِكَ الَّتِي سَمَّيْتَهَا أَمْسِ فَإِنَّهُ اسْمٌ يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَكَانَ وُلِدَتْ لِيَ ابْنَةٌ سَمَّيْتُهَا بِالْحُمَيْرَاءِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ –الإمام الصادق- انْتَهِ إِلَى أَمْرِهِ تَرْشُدْ فَغَيَّرْتُ اسْمَهَا”([17]). في السياق نفسه ذكر المجلسي وقوع المعجزة نفسها على يد الإمام الثامن علي الرضا، إذ ينقل عن أم الرضا أنها قالت: “لما حملت بابني –علي الرضا- لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحًا وتهليلًا وتمجيدًا في بطني فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئًا، فلما وضعته وقع على الأرض واضعًا يده على الأرض رافعًا رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم”([18]). المعجزة نفسها سوف تتكرر مع ميلاد الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري، إذ يُذكر أنه لما ولد، حمله أبوه وقال له: “اقرأ يا بني مما أنزل الله على أنبيائه ورسله، فابتدأ بصحف آدم فقرأها بالسريانية، وكتاب إدريس، وكتاب نوح، وكتاب هود، وكتاب صالح، وصحف إبراهيم، وتوراة موسى، وزبور داود، وإنجيل عيسى، وفرقان رسول الله”([19])، وهكذا يظهر الطفل الرضيع علمهُ وتفوقهُ على جميع العلماء والشيوخ مع اللحظات الأولى من وصوله إلى تلك الدنيا.
إذًا كانت تلك الأفعال الخارقة سوف ترتبطُ بلحظة الميلاد تحديدًا، فإن المصادر الشيعية قد ذكرت الكثير من العلامات الجسدية الأخرى والتي سوف ترتبطُ بجسد المعصوم لفترة طويلة من حياته، وهي الصفاتُ التي سوف تُستغلُّ في الترويج لهذا الطفل الرضيع بين عشيرته وقومه، وكثيرًا عمل المِخيال الشيعي على إثباتها من جانب العلماء والأحبار من أهل الكتاب بعامة، ومن اليهود منهم بخاصة.
من تلك العلامات ما ورد في بعض المصادر التي تذكر أنه كان بمكّة يهودي يُقال له يوسف، فلمَّا رأى النجوم تُقذف وتتحرَّك ليلة وُلدَ النبي، فإنه قال: هذا نبي قد ولد في هذه الليلة؛ لأنَّا نجدُ في كتبنا أنَّهُ إذا وُلدَ آخر الأنبياء رُجمت الشياطين وحُجبوا عن السماء. فلمَّا أصبح جاء إلى نادي قريش فقال: هل وُلد فيكم الليلة مولود؟ قالوا: قد ولد لعبد الله بن عبد المطَّلب ابن في هذه الليلة، قال: فاعرضوه عليَّ. فمشوا إلى باب آمنة، فقالوا لها: أخرجي ابنك، فأخرجته في قماطه، فنظر في عينه وكشف عن كتفيه، فرأى شامة سوداء وعليها شعيرات، فلمَّا نظر إليه اليهودي وقع إلى الأرض مغشيًا عليه، فتعجَّبت منه قريش وضحكوا منه. فقال: أتضحكون يا معشر قريش؟ هذا نبي السيف، ليبرينكم، وذهبت النبوّة عن بني إسرائيل إلى آخر الأبد. وتفرَّق الناس يتحدَّثون بخبر اليهودي”([20]).
هذه الشامة السوداء التي سوف تُعرفُ باسم خاتم النبوة، سوف تصبحُ واحدة من أعظم دلائل صدق الرسالة المحمدية، والتي سوف تشيرُ إليها كثيرٌ من المصادر الإسلامية –السنية والشيعية منها على حد سواء-، وسيردُ ذكرها في كثيرٍ من القصص المشهورة في السيرة النبوية ومنها على سبيل المثال، كلًّا من قصة بحيرا الراهب مع أبي طالب وقصة إسلام سلمان الفارسي لما رأى الرسول في المدينة وتعرَّفَ على خاتم النبوة.
الأمرُ المُلاحظ هنا أن الشامة السوداء/ خاتم النبوة، ستبقى أمرًا مقصورًا على النبي وحدهُ، ولن يمتلكها أي من المعصومين الآخرين، اللهم إلا الإمام الثاني عشر المهدي الغائب محمد بن الحسن العسكري، والذي سوف يصفهُ بعضُ الأئمة بقولهم “بالقائم علامتان: شامة في رأسه، وداء الحزاز برأسه، وشامة بين كتفيه من جانبه الأيسـر، تحت كتفيه الأيسـر ورقة مثل ورق الآس“([21])، الأمرُ الذي يمكنُ فهمهُ على أنها محاولة من المِخيال الشيعي الجمعي لإثبات الاتصال الرمزي المنعقد بين محمد/ خاتم الأنبياء ومحمد بن الحسن العسكري/ خاتم الأئمة، وأن كلًّا منهم قد امتلك العلامة النادرة نفسها، مما يثبت أن المهدي فرع من فروع الدوحة المحمدية المطهرة.
في السياق نفسه أسهبت المصادر الشيعية في الحديث عن العلامات الجسدية الكثيرة التي سوف يُعرفُ بها المهدي، ومنها أنه قد كُتب على ذراعه: “جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا“([22])، ونستطيعُ فهمَ سببِ ترويج المِخيال الشيعي لتلك الأوصاف المؤكدة قداسة جسد المهدي، والتي تأتي في مقابل بعض الأوصاف المدنسة تلك التي أُطلقت على بعض الأشخاص المرتبطين بملاحم النهاية، ومنهم على سبيل المثال، المسيح الدجال الذي قيل إنه سوف يُكتب بين عينيه كلمة كافر.
من بين أشهر العلامات الجسدية التي ارتبطت بالمعصومين في المِخيال الشيعي الجمعي، وصفُ فاطمة بالزهراء والذي فُسرَ أنه وصفٌ لخاصية مميزة تمتعت بها ابنة الرسول دونًا عن باقي النساء، ألا وهي خاصية انبعاث النور من وجهها فوفق ما ورد عن الإمام جعفر الصادق لما سُئل عن فاطمة لم سميت بالزهراء، فقال “لإنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض”([23]).
- طهارةُ أجسادُ المعصومين
يؤمنُ الشيعة الإمامية الاثنا عشرية بعصمة النبي وفاطمة الزهراء والأئمة الاثنا عشر، ويستدلون على ذلك بالآية المعروفة باسم آية التطهير، وهي الآية رقم 33 من سورة الأحزاب، والتي جاء في أخرها “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً”. وفق ما تذكره جميع المصادر الشيعية -والكثير من المصادر السنية كذلك- فإن هذه الآية قد نزلت في أصحاب الكساء الخمسة، وهم النبي وفاطمة وعلي والحسن والحسين، وبينما يقصر الشيعة الزيدية دلالة الآية على الخمسة فقط، فإننا نجدُ الشيعة الإمامية يوسعون مجالها لتشمل باقي الأئمة المنحدرين من نسل الحسين بن علي.
نلاحظُ أن المِخيال الشيعي الجمعي قد عمل على الاستفادة من الآية في سياقين: الأول، وهو سياق الاعتقاد بعصمة الأربعة عشر والقول إنهم لا يقترفون الفواحش ولا الخطايا، والآخر، -وهو الذي يتصلُ بموضوع الدراسة- وهو الاعتقاد في طهارتهم- أي المعصومين الأربعة عشر- الجسدية المطلقة بمعنى أن الله عز وجل قد طهرهم من كل رجس ونجاسة.
لما كان الاعتقاد الشيعي يذهب إلى أن المعصومين مطهرون من كل دنس منذ لحظة الميلاد وحتى الوفاة، فإننا سنجدُ أن المِخيال الشيعي قد عمل على تهميش بعض القصص المشهورة عند أهل السنة والجماعة، والتي ورد فيها أن الملائكة قد شقت صدر الرسول في صغره وأخرجت حظ الشيطان منه، ليبقى قلبه نقيًا مطهرًا([24]).
على سبيل المثال شكك المجلسي في بحار الأنوار في تلك الروايات، ورفض الأخذ بظاهرها “لأنه -أي الرسول- صلى الله عليه وآله كان طاهرًا مطهرًا من كل سوء وعيب، وكيف يطهر القلب وما فيه من الاعتقاد بالماء؟”([25]).
إذا تجاوزنا الجدل الدائر عن توقيت تطهير المعصومين وإذا كان ذلك التطهير قد تم قُبيل لحظة ميلادهم أم بعد ولادتهم، فإننا سنخلص إلى أن الاعتقاد الشيعي الإمامي يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك طهارة المعصومين الجسدية المطلقة من كل ما قد يلحق بهم من نجاسة أو قذارة. هذا الاعتقاد سوف يظهرُ بشكله الأوضحُ فيما يخصُّ مسألة طهارة فضلات/ مدفوعات المعصومين، سواء كانت تلك المدفوعات من دم، أو بول أو ما شابههم من الفضلات النجسة.
من أهم الأدلة التي لجأ إليها الشيعة من أجل تمرير هذا الاعتقاد، أن هناك كثير من الروايات والأخبار التي أكدت أن عديدًا من الصحابة الذين ثبت عنهم أنهم قد شربوا بول الرسول أو الدم الفاسد المتخلف عن حجامته، وفي بعض تلك الروايات أخبر الرسول شارب الدم/ البول أنه سوف ينجو من النار، الأمر الذي احتج به الشيعة على طهارة تلك المدفوعات([26])، لأنها لو لم تكن طاهرة لما أجاز النبي لأحد من صحابته في شربها.
هذا الاعتقاد ورد بشكل واضح فيما نُسب من روايات إلى بعض الأئمة، ومن ذلك ما نُقل عن الإمام محمد الباقر “للإمام عشر علامات: يولد مطهرًا مختونًا، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعًا صوته بالشهادتين ولا يجنب وتنام عينه ولا ينام قلبه ولا يتثاءب ولا يتمطى ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه فساؤه وضراطه وغائطه كرائحة المسك”([27]). في السياق نفسه أُكدَ نفي احتلام المعصوم، على اعتبار أن الاحتلام عمل من أعمال الشيطان، إذ أورد الكليني في موضع آخر في كتابه “عن الأقرع قال: كتبت إلى أبي محمَّد أسأله عن الإمام هل يحتلم؟ وقلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب: الاحتلام شيطنة وقد أعاذ الله تبارك وتعالى أولياءه من ذلك. فورد الجواب: حال الأئمَّة في المنام حالهم في اليقظة لا يغير النوم منهم شيئًا، وقد أعاذ الله أولياءه من لمَّة الشيطان كما حدَّثتك نفسك”([28]).
من جهة أخرى عمل المِخيال الشيعي الجمعي على تنزيه فاطمة الزهراء من كل النواقص التي تلمُّ بعامة النساء، فنجدهُ ينفي الحيض عن الزهراء ويستغلُّ ذلك النفي في تبرير السبب الذي حُرم الإمام الأول (علي) الزواج غيرُ فاطمة في حياتها([29]). من جهة أخرى اُستغل نفي حيض الزهراء في تبرير تلقيبها بواحد من أشهر ألقابها ألا وهو لقب البتول([30]).
ولما كان المِخيال الشيعي قد رأى في ممارسة المرأة النكاح وما يتبعه من ولادة نوعاً من أنواع النقص الذي لا يليق بصفه الطهارة الجسدية المطلقة التي يجب أن يتمتع بها المعصوم، فإننا سنجد أن بعض المصادر -التي تميلُ إلى المبالغة- قد رسمت صورة غير اعتيادية لولادة الزهراء لأولادها، ومن ذلك ما ورد في بعض المصادر “ووَلَدتِ -أي فاطمة الزهراء- الحسن والحسين من فخذها الأيمن وأمَّ كلثوم وزينب من فخذها الأيسر، ومثلُه ما روي عن وهب بن منبه أنَّ مريم وَلدت عيسى عليه السلام من فخذها الأيمن”([31])، وما ورد في مصادر أخرى من أنه قد “رُوي أنَّ فاطمة عليها السلام وَلدتِ الحسن والحسين من فخذها الأيسر”([32]).
- القوةُ الجسديةُ للمعصوم
حرصت المصادر الشيعية الإمامية على إثبات القوة الجسدية الهائلة التي تمتع بها المعصوم، وبيَّنَت كيف كانت تلك القوة شاهدًا ودليلًا على السر الإلهي المودعُ في أرواحهم المقدسة، أي أن القوة الجسدية هنا تأتي بوصفها معادلًا ومكافئًا يتسق مع المكانة الروحية المعنوية.
في هذا السياق سنجدُ أن السير النبوية قد أثبتت القوة التي تمتع بها النبي والتي منحته التفوق والغلبة على كثير من أقرانه من أولئك الذين عُرفوا بالجلد والبأس على سبيل المثال، تحدثت الكثير من المصادر عن أن الرسول قد غلب ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد مناف، بطل العرب لما صارعه([33])، واستغلت تلك الحادثة في سبيل إثبات صدق نبوة الرسول.
الإمام الأول علي بن أبي طالب سيستأثر بالقدر الأكبر من البطولة من بين جميع المعصومين، فسنجد أن الأغلبية الغالبة من المصادر التاريخية الإسلامية –الشيعية والسنية على حد سواء- وقد تحدثت عن أدواره البطولية المهمة والمؤثرة في تاريخ الدعوة الإسلامية، ولا سيما في معارك بدر وأُحُد والخندق، والتي جندل فيها العشرات من صناديد الكفار والمشركين. رغم ذلك فقد عملت المصادر الشيعية على وضع بطولة علي بن أبي طالب في دائرة الضوء، فأضافت مجموعة من الأخبار التي تَظهر فيها أمارات المبالغة بشكل واضح([34])، ومن ذلك القول إن قوة ابن أبي طالب قد بانت منذ طفولته، “فلما ترعرع عليه السلام كان يصارع الرجل الشديد فيصرعه ويعلق بالجبار بيده ويجذبه فيقتله”، وكان بوسعه أن يلحق بالحصان السريع، كما كان يحمل قطعة من الحجر الثقيل من فوق الجبل ويضعها على الأرض، فما يستطيع ثلاثة رجال أن يحركوها من موضعها.
من القصص الشهيرة التي استدل بها الشيعة على القوة الجسدية الهائلة لعلي، ما شاع عن عليٍّ قد حمل الباب يوم معركة خيبر في السنة السابعة من الهجرة، حتى صعد عليه المسلمون فافتتحوها، وأنهُ لما حاول أربعون رجلًا بعد ذلك أن يحملوا هذا الباب فإنهم لم يستطيعوا([35])، وما أُشيعَ أيضًا من أن جيش العراق قبل معركة صفين قد عسكروا في مكان ليس به ماء، فحفروا بئرًا ووجدوا صخرةً عظيمةً تسدهُ ولم يستطع مائة رجل أن يزيحوها عن موضعها، فلما أُشكلَ عليهم قام علي بن أبي طالب ورفع الصخرة ثم رماها فوقعت على مسافة أربعين ذراعًا([36]).
هذه المبالغات ارتبطت في بعض الأحيان بالتصور الشيعي التقليدي، والذي يُعلن عن عدائه السافر لبعض الصحابة ممن ناصروا أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وأظهروا معاداتهم لتولي علي بن أبي طالب منصب الخلافة، من ذلك أن عليًّا قد تصارع يومًا مع خالد بن الوليد، بعد قدوم الأخير من إحدى معاركه ضد المرتدين، فأخذ عليٌّ قضيبًا حديديًا ولفَّهُ حول عنق خالد فيما يشبه الطوق، ولم يستطع كل الحدادين في المدينة المنورة أن يخلعوا هذا الطوق حتى استجاب عليٌّ لشفاعة الناس، فقدم إلى خالد وخلع عنه الطوق بكل سهولة.
القوةُ الجسديةُ الهائلةُ لعليٍّ ارتبطت في بعض الأحيان ببعض الروايات النبوية، ومنها ما وردَ على لسان عليٍّ نفسه “دعا لي النبي أن يقيني الله عز وجل الحر والبرد”([37])، وهكذا يصبح ابن عم النبي بطلًا خارق القوة لا تؤثرُ فيه الظروف والمتغيرات التي يخضع لها أي من الأقران.
من جهة أخرى سنلاحظُ أن المصادر الشيعية لم تلتفت كثيرًا إلى مسألة القوة الجنسية للمعصوم، فبعكس المصادر السنية التي ذكرت بعض الروايات عن طواف النبي على نسائه جميعًا بغسل واحد، وأنه قد أوتي قدرة أربعين رجلًا في الجماع، فإننا سنجدُ أن المصادر الشيعية –في أغلب الأحيان- تختارُ أن تسكت عن ذكر تفاصيل تلك المسألة، الأمر الذي يمكن أن نفسره بأمرين: الأولُ، وهو محاولة العمل على تقديم المعصوم في شكل ملائكي مقدس يتسق مع ما تم تأكيده سابقًا بخصوص طهارته المطلقة، سواء كانت تلك الطهارة على الصعيد المادي أو الصعيد المعنوي. والآخرُ، أن المصادر الشيعية قد عملت على إظهار المعصومين بالشكل الذي يبيَن تفوقهم الأخلاقي على الخلفاء والحكام المعاصرين لهم، فإذا كان هؤلاء الخلفاء المتغلبين قد اشتهروا بالانحلال الجنسي وبكثرة غشيانهم على الجواري والسراري، فإن المِخيال الشيعي قد عملَ على قلب تلك الصورة الذهنية فيما يخص الأئمة المعصومين، حتى يظهروا وقد غلب عليهم الزهد والورع وظهرت عليهم أمارات العبودية والتقوى والطاعة.
توجهات الإسلام السياسي في تونس ما بعد الثورة من الاشعاع إلى الاضمحلال التدريجي
المصادر الشيعية لم تؤكد القوة الجسدية للمعصوم فقط، بل أكدت أيضًا المناعة القوية التي تمتع بها ضد كل الأمراض النفسية أو الروحية، فأصرت على أنه لا يخضعُ لوساوس الشيطان ولا تؤثر فيه أعمال السحر الأسود والكهانة. تلك النقطة تحديدًا تمثلُ أحد الفوارق الأكثر أهمية بين التصورين الشيعي والسني لشخصية المعصوم، ففي الوقت الذي تقبلَ فيه المِخيال السني قصةَ سحر النبي على يد لبيد بن الأعصم اليهودي([38])، فإن المِخيال الشيعي الجمعي قد رفض تلك القصة جملةً وتفصيلًا، وذلك رغم ورود بعض الروايات القريبة منها في المصادر الشيعية، إذ نجدُ أن الأغلبية الغالبة من علماء الإمامية قد كذبوا تلك الرواية وحكموا عليها بالوضع والتلفيق، ومن ذلك ما حكاه شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي “ولا يجوز أن يكون النبي سحر على ما رواه القصاص الجهَّال، لأن من يوصف بأنه مسحور فقد خبل عقله…”([39])، وما قطع به العلماء الآخرين أنه إذا صحَّ هذا الخبر –رواية سحر الرسول- “فليتأول، وإلا فليطرح”([40])، وعلى ذلك يمكنُ القول إن الشيعة قد بنوا موقفهم الرافض لتلك الروايات على أساس أن التصديق بسحر الرسول سيفتح بابًا واسعًا للتشكيك في كل ما صدر عنهُ من أوامر شرعية في تلك الفترة، الأمر الذي لا يمكن تصديقه على النبي وذلك كونهُ “حجة الله على خليقته وصفوته على بريته”، وهذا وفق ما تتفق عليه الأغلبية الغالبة من المصادر الشيعية الإمامية.
أما النقطة الأخير المتعلقة بمسألة القوة الجسدية للمعصوم، فهي تلك المتصلة بطول العمر وتجدد الشباب، إذ يمكن القول إنه ورغم ظهور عديد من النماذج التي تؤكد موهبة طول العمر في المِخيال الشيعي ومنها على سبيل المثال، النبي نوح والنبي إيليا والخضر وسلمان الفارسي، فإن أهم تلك النماذج على الإطلاق قد تمثل في شخصية الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري -وهو المهدي المنتظر عند الشيعة الإمامية الاثنا عشرية- للدرجة التي تجعلنا نميل إلى أن كل تلك النماذج قد وظفت بالأساس لتقديم المبرر العقلي الذي يمهد لتقبل طول عمر المهدي.
علماء الشيعة الاثنا عشرية الذين اتفقوا على أن ولادة محمد بن الحسن العسكري قد وقعت في سنة 255هـ، وأنه قد اختفى تمامًا عن الأنظار فيما يسمى بالغيبة الكبرى في سنة 329هـ، قدموا مجموعة من الإجابات من أجل الرد على من شككَ في طول عمر مهديهم المنتظر، من ذلك ربطُ الظاهرة بمجموعة من المعجزات المعروفة والمتفق عليها بين جميع الفرق الإسلامية فعلى سبيل المثال، يذكرُ محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق في كتابه كمال الدين وتمام النعمة، نقلًا عن الإمام جعفر الصادق “أن الله تبارك وتعالى أدار للقائم منا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل، عليهم السلام، قدر مولده تقدير مولد موسى، عليه السلام، وقدر غيبته تقدير غيبة عيسى، عليه السلام، وقدر إبطاءه تقدير إبطاء نوح، عليه السلام، وجعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح – أعني الخضر، عليه السلام، دليلًا على عمره”([41]).
في السياق نفسه رُبطَ بين العمر الطويل للمهدي وصفة الشباب المتجدد الذي لا ينتهي، فجسدهُ لا يتأثر بمرور السنوات والقرون ولا تتغير حالته أو تتبدل كما يحدث لباقي البشر، وفي ذلك نُقل عن الإمام الثامن علي الرضا، قوله في وصف علامات المهدي المنتظر “علامته أن يكون شيخ السن، شاب المنظر حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وإن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي حتى يأتيه أجله“([42]).
المِخيال الشيعي عمل على دفع الشبهات المتعلقة بطول عمر المهدي بكل وسيلة ممكنة، ومنها ما فعلهُ رجل الدين الشيعي المعاصر محمد باقر الصدر عندما عمل على تبرير ظاهرة طول عمر المهدي الغائب بالتقدم التقني والطبي فقال في أحد كتبه “إنَّ طول عمر الإنسان وبقاءه قرونًا متعدَّدة ممكن منطقيًا وممكن علميًا ولكنَّهُ لا يزال غير ممكن عمليًا، إلَّا أنَّ اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل…”([43])، وبذلك قٌدمت ظاهرة العمر الطويل للمهدي –والذي يزيد عن الآلف عام- في صورة نبوءة علمية لتُنقلَ من حيز التراث المشكوك في صحته إلى حيز التوقعات المخبرية العملية التي يمكن إثباتها في المستقبل القريب، وهكذا يتمدد المِخيال الشيعي الجمعي مستوعبًا ظروف العصر وآلياته ومتغيراته، ليقدم دفاعه عن واحد من أهم معتقداته وأكثرها إثارة للجدل.
- معجزاتُ المعصومين
من السمات المهمة المتصلة بموضوع جسد المعصوم في المِخيال الشيعي الجمعي، الاعتقاد في مشاركة هذا الجسد عشرات من المعجزات والخوارق، تلك التي قام بها المعصومون في كثير من الأوقات وأثبتوا بواسطتها اتصالهم بالله عز وجل. في هذا السياق يمكنُ الحديث عن نوعين من المعجزات: الأولى، وهي تلك التي تتصل بلسان المعصوم القادر على الحديث بشتى اللغات، أما الأخرى، فهي التي تؤكد أن جسده كان مصدرًا للبركة والنماء، حتى أنه قد وهب القدرة على شفاء المرضى وإحياء الموتى.
فيما يخص النوع الأول فلما كان الإمام في الاعتقاد الشيعي التقليدي هو أعلم البشر -بعد الأنبياء والرسل- وأكثرهم فهمًا للحقائق والمعارف، فقد كان من الطبيعي أن تهتم السردية الإعجازية الشيعية بتأكيد إتقانه لكل اللغات المعروفة. في هذا السياق تتحدث بعض الروايات عن الإمام الثاني الحسن بن علي وكيف أنه قد قال ذات مرة: “إن لله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب، عليهما سور من حديد وعلى كل مدينة ألف ألف مصراعين من ذهب وفيهما سبعون ألف ألف لغة يتكلم كل لغة بخلاف صاحبتها وأنا أعرف جميع اللغات، وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجة غيري وغير أخي الحسين”([44]). الدلالة نفسها تظهر في الرواية التي تذكر أن بعضًا من شيعة الإمام جعفر الصادق قد ذهبوا لزيارته ذات يوم، فلما اقتربوا من باب المنزل سمعوا صوتًا يقرأ باللغة العبرانية، فلما دخلوا على الإمام استفسروا منه “فقالوا: أصلحك الله سمعنا صوتًا بالعبرانية فظننا أنك بعثت إلى رجل من أهل الكتاب استقرأته، فقال: لا ولكني ذكرت مناجاة إيليا فبكيت من ذلك، قلنا: وما كانت مناجاته؟ فقال: جعل يقول: يا رب أتراك معذبي بعد طول قيامي لك وعبادتي إياك ومعذبي بعد صلاتي لك، وجعل يعدد أعماله فأوحى الله إليه أني لست أعذبك، فقال: يا رب وما يمنعك أن تقول: لا بعد نعم وأنا عبدك وفي قبضتك، فأوحى الله إليه أني إذا قلت قولًا وفيت به”([45]).
وفق التصور الشيعي التقليدي فإن علم الإمام باللغات لم يقف عند حدود اللغات البشرية المتداولة، بل تجاوز هذا ليتشابه مع موهبة النبي سليمان الذي كان يعرف لغات الحيوانات والطيور، وفي ذلك يَنقلُ الحسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات عن الإمام الكاظم قوله: “إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا منطق الطير والبهائم، فمن لم يكن فيه هذه الخصال فليس بإمام…”، وفي المعنى ذاته ينقل الشيخ المفيد عن أبي حمزة الثمالي –أحد الشيعة المعروفين في القرن الأول الهجري- قوله: “كنت مع علي بن الحسين عليهما السلام في داره وفيها شجرة فيها عصافير وهن يصحن، فقال: أتدري ما يقلن هؤلاء؟ فقلت: لا أدري، فقال: يسبحن ربهن ويطلبن رزقهن”([46]).
السردية الإعجازية الشيعية اعتادت أن توظف معجزة كلام الأئمة مع الحيوانات في سياق تأكيد علمهم وعدالتهم المطلقة، ومن ذلك ما ورد في عيون المعجزات أن رجلًا وامرأة قد اختصما في جمل كل منهما يدعي أنه صاحبه، فحكم علي بن أبي طالب بالجمل للمرأة، فاعترض الرجل واتهم عليًّا بالظلم، فسأل علي الجمل: “أيها الجمل لمن أنت”، فقال بلسان فصيح: “يا أمير المؤمنين ويا سيد الوصيين، أنا لهذه المرأة منذ بضع عشرة سنة”، فقال علي للمرأة: “خذي جملك، وعارض الرجل بضربة فقسمه نصفين”([47]). كما اهتمت تلك السردية أحيانًا بإبراز تلك المعجزة في بعض المواقف السياسية المهمة في سير الأئمة، ومن ذلك ما أورد الطبري الإمامي في كتابه دلائل الإمامة من أن الحسين بن علي وهو في طريقه إلى الكوفة، قد قابل أسداً “فوقف له فقال له: ما حال الناس بالكوفة؟ قال: قلوبهم معك وسيوفهم عليك، قال: ومن خلفت بها؟ فقال: ابن زياد وقد قتل ابن عقيل…”، وهكذا يَحلُّ الأسد في تلك الرواية مَحلَّ الشاعر الفرزدق، الذي اعتادت الكتابات التاريخية أن تنسب إليه تلك الجملة المشهورة «قلوبهم معك وسيوفهم عليك”.
كلام الأئمة مع الأسود يتكرر كثيرًا في السردية الإعجازية الشيعية، وهو أمر يبدو مفهومًا لمكانة الأسد في الذهنية العربية الجمعية، ولكونه قد اعتاد أن يمثل معاني القوة والبأس والشجاعة، ومن ذلك ما ورد في “مناقب آل أبي طالب”، عندما نُقل عن أحد أصحاب علي بن أبي طالب، أنه كان مع الخليفة الرابع في طريق، فخرج لهما أسد واقترب منهما، فوقف له أبو الحسن كالمصغي إلى همهمته، ثم تنحى الأسد إلى جانب الطريق، وحوَّل أبو الحسن وجهه إلى القبلة وجعل يدعو بما لم أفهمه، ثم أوى إلى الأسد بيده أن امضِ، فهمهم الأسد همهمة طويلة وأبو الحسن يقول آمين آمين، وانصرف الأسد، فقلت له: جعلت فداك عجبت من شأن هذا الأسد معك! فقال: إنه خرج إليَّ يشكو عُسر الولادة على لبوته، وسألني أن أسأل الله أن يُفرِّج عنها، ففعلت ذلك، وألقي في روعي أنها تلد ذكرًا فخبرته بذلك، فقال لي: امضِ في حفظ الله فلا سلط الله عليك ولا على ذريتك ولا على أحد من شيعتك شيئًا من السباع”([48]).
مبالغة السردية الإعجازية الشيعية فيما يخص معرفة الأئمة بشتى اللغات تصل إلى ذروتها مع تلك الروايات التي تتحدث عن كلام الإمام مع الأجرام السماوية، ومن ذلك النوع الرواية المشهورة التي يذكرها ابن شهر آشوب في كتابه “كلمت الشمس علي بن أبي طالب سبع مرات: فأول مرة قالت له: يا إمام المسلمين اشفع لي إلى ربي أن لا يعذبني، والثانية قالت له مرني أحرق مبغضيك فإني أعرفهم بسيماهم، والثالثة ببابل وقد فاته العصر فكلمها وقال لها ارجعي إلى موضعك فأجابته بالتلبية، والرابعة قال: يا أيتها الشمس هل تعرفين لي خطيئة؟ قالت: وعزة ربي لو خلق الله الخلق مثلك لم يخلق النار، والخامسة فإنهم اختلفوا في الصلاة في خلافة أبي بكر فخالفوا عليًا فتكلمت الشمس ظاهرة فقالت: الحق له وبيده ومعه، سمعته قريش ومن حضره، والسادسة حين دعاها فأتته بسطل من ماء الحياة فتوضأ للصلاة فقال لها: من أنت؟ فقالت: أنا الشمس المضيئة، والسابعة عند وفاته حين جاءت وسلمت عليه وعهد إليها وعهدت إليه”([49]).
أما فيما يخص النوعُ الآخر من المعجزات، فيمكن القول إن رؤية الاعتقاد الشيعي الإمامي الراسخ ترى أن الإمام يستمدُّ نورهُ وبرهانهُ من المشكاة نفسها التي استمد منها النبي/ الرسول قداسته، فقد كان من الطبيعي والحال كذلك أن تعيد السردية الإعجازية الشيعية انتاج المعجزات المنسوبة للأنبياء، وأن تقدمها منسوبةً إلى الأئمة من آل البيت، ومن هنا يمكن فهم سبب كثرة المعجزات الإمامية التي تسير على تيمة شفاء المرضى وإحياء الموتى، وهي التيمة التي نسبها القرآن الكريم إلى المسيح عيسى ابن مريم.
محمد باقر المجلسي عَقَدَ في كتابه الموسوعي بحار الأنوار بابًا كاملًا في تلك المسألة، ويقول “إنهم –أي الأئمة- يقدرون على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص”، وكان مما ورد في هذا الباب أن زعماء قبيلة قريش قد ذهبوا إلى الرسول وسألوه أن يحيي لهم موتاهم، فوجه معهم علي بن أبي طالب وقال له: “اذهب إلى الجبانة فنادِ باسم هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك: يا فلان، ويا فلان، ويا فلان، يقول لكم رسول الله: قوموا بإذن الله، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم، ثم أخبروهم أن محمدًا قد بعث نبيًا، فقالوا: وددنا أنا أدركناه فنؤمن به…”([50]).
وإذا كان الإمام في الرواية السابقة يظهر بوصفهِ أداةً لتحقيق المعجزة وأن المصدر الرئيس لها هو الرسول، فإن الإمام يظهرُ في العشرات من الروايات الأخرى بوصفهِ مصدرًا وأداة معًا، من ذلك ما ذكره هاشم البحراني عن الإمام الأول علي بن أبي طالب، عندما أتاه شاب من بني مخزوم أصابهُ حزنٌ شديدٌ لوفاة أخيه، فخرج معه علي حتى وصلا إلى القبر فضربه برجله، عندئذ خرجَ الميتُ من مدفنه وعاد إلى الحياة. كما ذكر البحراني في موضع آخر من كتابه أن عليًّا قد أعاد الحياة إلى سام بن نوح وتبادل معه الحديث أمام جمع من الناس، وكذلك أنه أحيا عددًا من جنوده الذين قتلوا يوم واقعة صفين، ورُويَ كذلك أن الحسين بن علي قد أحيى سيدة ماتت قبل أن توصي بميراثه، فلما قامت وأوصت عادت مرة أخرى ميتة من فورها!
رجل الدين الشيعي محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى 1104هـ، ذكر في كتابه “إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات”، عديدٌ من المعجزات التي أحيى فيها الأئمةُ الموتى وعدَّ ذلك من دلائل إمامتهم الدامغة التي لا يرتقي إليها الشك، من ذلك أن أحد المشككين في إمامة علي الرضا قد قابله وكشف له عما يعتملُ في صدره من شكوك، فقال له الرضا إن آية الإمام أن يحيي الموتى وتابع: “وأمَّا أهلك فإنَّها ماتت منذ سنة، وقد أحييتها الساعة، وأتركها معك سنة أخرى، ثمَّ أقبضها إليَّ لتعلم أنِّي إمام بلا خلاف”، وتتابع الرواية على لسان الرجل أنه لما وصل إلى منزله “فإذا بأهلي جالسة، فقلت لها: ما الذي جاء بك؟ فقالت: كنت نائمة إذ أتاني آتٍ ضخم شديد السمرة، فوصفت لي صفة الرضا صلوات الله عليه فقال لي: يا هذه، قومي وارجعي إلى زوجك، فإنك ترزقين بعد الموت ولدًا. فرزقت والله…”([51]). في رواية أخرى يتشكك أحد الشيعة في إمامة الرضا، ويطلب منه أن يحيي له أباه وأمه فردَّ عليه الرضا “انصرف إلى منزلك: فقد أحييتهما”، ويتابع الراوي “فانصرفت والله وهما في البيت أحياء، فأقاما عندي عشرة أيام، ثم قبضهما الله تبارك وتعالى”([52]).
معجزةُ إحياء الموتى لا تقتصرُ على الموتى من البشر، بل تشملُ أيضًا الحيوانات النافقة، ومن ذلك ما ذكره هاشم البحراني من أن الإمام الصادق قد “جيء إليه بسمك مسلوخ، فمسح يده على سمكة فمشت بين يديه…”([53])، وما ذكره الحر العاملي في إثبات الهداة أنه وبينما كان الإمام محمد الباقر سائرًا مِن مكَّة إلى المدينة… إذ انتهى إلى جماعةٍ على الطريق، فإذا رجلٌ منهم قد نفق حمارُه، وتبدَّد متاعهُ، وهو يبكي. فلمَّا رأى أبا جعفرٍ عليه السَّلام أقبل إليه وقال له: يا ابن رسول الله، نفقَ حماري وبقيتُ منقطعًا، فادعُ اللهَ أن يُحييَ لي حماري. فدعا أبو جعفر وحرك شفتَيه بما لم يسمعه أحد منهم… فإذا بالحمار وقد انتفض، فأخذه صاحبه وحمل عليه رَحْلَه.. وسار معنا حتَّى دخل مكَّة”([54]).
الشفاءُ من الأمراض والتحول من الهرم إلى الشباب أيضًا كانا من بين المعجزات المهمة التي استأثر بها الأئمة، ومن أهم الأمثلة على ذلك قصة حبابة والتي كانت تعيش في عصر الإمام الأول علي بن أبي طالب، وقد وعدها علي بطول العمر وأنها ستلقى الأئمة المنحدرين من صلبه، حتى الإمام الثامن علي الرضا، وبالفعل ظلت حبابة تعيش حتى قابلت الرضا، فسألها: “يا حبابة ترين بياض شعرك؟ قلت: بلى يا مولاي، قال: يا حبابة أفتحبين أن تريه أسود حالكًا كما كان في عنفوان شبابك؟ قلت: نعم يا مولاي، قال: يا حبابة ويجزيك ذلك أو نزيدك؟ فقلت: يا مولاي زدني من فضلك عليَّ قال: أتحبين أن تكوني مع سواد شعرك شابة؟ فقلت: يا مولاي هذا البرهان عظيم، قال: وهذا أعظم منه ما تجدينه مما لا يعلم الناس به، فقلت: يا مولاي اجعلني لفضلك أهلًا فدعا بدعوات خفية حرك بها شفتيه، فعدت والله شابة طرية غضة سوداء الشعر حالكًا، ثم دخلت خلوة في جانب الدار ففتشت نفسي فوجدتها بكراً فرجعت وخررت بين يديه ساجدة”([55]).
الخاتمةُ والنتائجُ
أثبتت الدراسة أن الجسد قد حظي بمكانة هائلة في المدونات الشيعية الإمامية الإثني عشرية، وأن أجساد المعصومين الأربعة عشر قد نُظر إليها بمزيج من الرهبة والقداسة، لتعتبر محلًا للتجسد الإلهي وموضعًا للتواصل بين السماء والأرض، فإذا كانت تلك الأجساد قد تشابهت مع أجساد بقية البشر في المظهر والشكل الخارجي، فإنها قد تلاقت مع السر الإلهي في الباطن والجوهر.
بناءً على ما سبق يمكنُ فهم كثرة النصوص التي تحدثت عن أجساد هؤلاء المعصومين، ويمكن تبريرُ الركام الهائل من الروايات المُتخيلة، تلك التي عملت في إثبات طهارة جسد المعصوم، وقدرته الخارقة على الإتيان بالعجائب والمعجزات، من بين النقاط التي تظهر فيها الرمزية الهائلة التي يحظى بها جسد المعصوم في المِخيال الشيعي الجمعي:
- الاعتقاد في أن الجسد قد خُلقَ من نور الله عز وجل.
- تأكيد ارتباط تلك الأجساد بمجموعة من السمات المميزة منذ لحظة وجودها على الأرض.
- الاعتقاد في جميع مدفوعات/ فضلات المعصومين طاهرة.
- -الاعتقاد في القوة الهائلة المودعة في تلك الأجساد، وكيف أنها قد عُصمت من السحر، كما أنها قد مُنحت القدرة على الاحتفاظ بسمات الشباب لفترة طويلة.
قائمةُ المصادر والمراجع:
ابن شهر آشوب المازندراني المتوفى 588ه، مناقب آل أبي طالب، قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدة نسخ خطية لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية بالنجف، النجف، 1956م.
- أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي من علماء القرن الخامس الهجري، الاحتجاج، تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الخرسان منشورات دار النعمان للطباعة والنشر، النجف، 1966م.
- جعفر مرتضى، مأساة الزهراء شبهات وردود، دار السيرة، بيروت، د.ت.
- جلال الدين السيوطي المتوفى 911ه، الحاوي للفتاوي، تحقيق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000م.
- الحسين بن حمدان الخصيبي المتوفى 334ه، الهداية الكبرى، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، د.ت.
- الحسين بن عبد الوهاب المتوفى في القرن الخامس من الهجرة، عيون المعجزات، منشورات المكتبة الحيدرية، النجف، 1950م.
- زين العابدين الكلبايكاني، أنوار الولاية، ١٤٠٩هـ.
- عماد الدين بن كثير الدمشقي المتوفى 774ه، تفسير القرآن العظيم، قدم له الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، د.ت.
- الفيض الكاشاني ت1091هـ، التفسير الصافي، ط2، تصحيح وتقديم وتعليق: -حسين الأعلمي، مؤسسة الهادي، قم، 1416هـ.
- محسن الأمين العاملي، أعيان الشيعة، دار المعارف للمطبوعات، بيروت، د.ت.
- محمد باقر الصدر، البحث حول المهدي، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، د.ت.
- محمد باقر المجلسي المتوفى 1111ه، بحار الأنوار، ط2، تحقيق: محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخراساني، السيد إبراهيم الميانجي، محمد باقر البهبودي، 1983م.
- محمد بن إبراهيم النعماني، المعروف بابن أبي زينب المتوفى 360ه، الغيبة، تحقيق: فارس حسون كريم الناشر: أنوار الهدى، قم، 1422 ه.ق.
- محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى 1104ه، وسائل الشيعة، ط2، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414ه.
- محمد بن الحسن الطوسي المتوفى 460ه، الغيبة، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، 1411ه.ق.
- محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مكتب الإعلام الإسلامي، د.ت.
- محمد بن النعمانالعكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد المتوفى 413ه، الاختصاص، صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، رتب فهارسه السيد محمود الزرندي المحرمي، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، قم، د.ت.
- محمد بن جرير الطبري المتوفى 310ه، تفسير الطبري المعروف بجامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، د.ت.
- محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق المتوفى 381ه، الخصال، تحقيق وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1362ه.ش.
- المؤلف نفسه، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، د.ت.
- المؤلف نفسه، عيون أخبار الرضا، صححه وقدم له وعلق عليه العلامة الشيخ حسين الأعلمي الجزء الأول منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، د.ت.
- المؤلف نفسه، كمال الدين وتمام النعمة، صححه وعلق عليه على أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، قم، 1405ه.
- المؤلف نفسه، علل الشرائع، منشورات المكتبة الحيدرية، النجف، 1966م.
- محمد بن يعقوب الكليني الرازي المتوفى 329ه، الكافي، ط5، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1363ه.ش.
- محمد فاضل المسعودي، الأسرار الفاطمية، تقديم: آية الله السيد عادل العلوي، مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر، قم، د.ت.
- محمد مهدي شمس الدين، في الاجتماع السياسي الإسلامي، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، د.ت.
- مسلم بن الحجاج النيسابوري المتوفى 261ه، صحيح مسلم، تحقيق: نظر بن محمد الفاريابي أبو قتيبة، دار طيبة، 2006م.
- هاشم البحراني المتوفى 1107ه أو 1109ه، البرهان في تفسير القرآن، قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم، د.ت.
- المؤلف نفسه، غايةُ المراموحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام، تحقيق: علي عاشور، د.ت.
([1]) محمد مهدي شمس الدين، في الاجتماع السياسي الإسلامي، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، د.ت، ص199.
([2]) الفيض الكاشاني المتوفى 1091هـ، التفسير الصافي، ط2، تصحيح وتقديم وتعليق: -حسين الأعلمي، مؤسسة الهادي، قم، 1416هـ، ج5، ص109.
([3]) “قال السدي – فيما ذكر – عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس – وعن مرة عن ابن مسعود – وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ; أنه كان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر…”.
على سبيل المثال، راجع محمد بن جرير الطبري المتوفى 310ه، تفسير الطبري المعروف بجامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، د.ت، ج10، ص201؛ عماد الدين بن كثير الدمشقي المتوفى 774ه، تفسير القرآن العظيم، قدم له الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، د.ت، ج2، ص43.
([4]) هاشم البحراني المتوفى 1107ه أو 1109ه، البرهان في تفسير القرآن، قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم، د.ت، ج1، ص212.
([5]) على سبيل المثال، راجع جلال الدين السيوطي المتوفى 911ه، الحاوي للفتاوي، تحقيق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000م، ج2، ص254.
([6]) هاشم البحراني، غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام، تحقيق: علي عاشور، د.ت، ج1، ص27.
([7]) محمد باقر المجلسي المتوفى 1111ه، بحار الأنوار، ط2، تحقيق: محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرساني، السيد إبراهيم الميانجي، محمد الباقر البهبودي، 1983م، ج35، ص24.
([9]) محمد فاضل المسعودي، الأسرار الفاطمية، تقديم: آية الله السيد عادل العلوي، مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر، قم، د.ت، ج1، ص426
([10]) محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق المتوفى 381ه، الخصال، تحقيق وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1362ه.ش، ص64.
([11]) محمد بن يعقوب الكليني الرازي المتوفى 329ه، الكافي، ط5، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1363ه.ش، ج8، ص285؛ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى 1104ه، وسائل الشيعة، ط2، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414ه، ج12، ص346.
([12]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج23، ص320.
([13]) محسن الأمين العاملي، أعيان الشيعة، دار المعارف للمطبوعات، بيروت، د.ت، ج1، ص227.
([14]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج16، ص80
([15]) ابن شهر آشوب المازندراني المتوفى 588ه، مناقب آل أبي طالب، قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدة نسخ خطية لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية بالنجف، النجف، 1956م، ج2، ص21.
([16]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج35، ص37.
([17]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج1، ص247.
([18]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج49، ص4.
([20]) محسن الأمين العاملي، أعيان الشيعة، ج1، ص218.
([21]) محمد بن إبراهيم النعماني، المعروف بابن أبي زينب المتوفى 360ه، الغيبة، تحقيق: فارس حسون كريم الناشر: أنوار الهدى، قم، 1422 ه. ق، ج1، ص222.
([22]) محمد بن الحسن الطوسي المتوفى 460ه، الغيبة، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، 1411ه.ق، ص239.
([23]) الصدوق، علل الشرائع، منشورات المكتبة الحيدرية، النجف، 1966م، ج1، ص181.
([24]) تذكر بعض تلك القصص أن جبرئيل قد أتى النبي في صغره وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه وصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج منه علقة؛ فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب، بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ـ يعني ظئره ـ فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه، وهو منتقع اللون. قال أنس -راوي القصة- “وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره”.
على سبيل المثال، راجع مسلم بن الحجاج النيسابوري المتوفى 261ه، صحيح مسلم، تحقيق: نظر بن محمد الفاريابي أبو قتيبة، دار طيبة، 2006م، ج1، ص101.
([25]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج73، ص142.
([26]) ورد التأكيد على هذا الاعتقاد في بعض المراجع الشيعية المعاصرة، ومن ذلك “ليس في بول الأئمَّة وغائطهم استخباث ولا نتن ولا قذارة، بل هما كالمسك الأذفر، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرم الله عليه النار واستوجب دخول الجنّة”.
زين العابدين الكلبايكاني، أنوار الولاية، ١٤٠٩هـ، ص٤٤٠.
([27]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج1، ص388.
([29]) على سبيل المثال، قيل إن الإمام جعفر الصادق لما سُئل “لماذا حرّم الله عز وجل النساء على علي ما دامت فاطمة حيّة؟”، فإنه قد برر ذلك “بأنها طاهرة لا تحيض”.
محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص153.
([30]) راجع الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص181؛ جعفر مرتضى، مأساة الزهراء شبهات وردود، دار السيرة، بيروت، د.ت، ج1، ص95.
([31]) الحسين بن حمدان الخصيبي المتوفى 334ه، الهداية الكبرى، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ص180.
([32]) الحسين بن عبد الوهاب المتوفى في القرن الخامس من الهجرة، عيون المعجزات، منشورات المكتبة الحيدرية بالنجف، النجف، 1950م، ج1، ص51.
([33]) محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج7، ص85.
([34]) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج2، ص288-300.
([35]) المصدر نفسه، ج2، ص288-300.
([36]) المصدر نفسه، ج2، ص288-300.
([37]) الصدوق، عيون أخبار الرضا، صححه وقدم له وعلق عليه العلامة الشيخ حسين الأعلمي الجزء الأول منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، د.ت، ج1، ص68
([38]) وردت الرواية التي تتحدث عن سحر اليهود للرسول في الكثير من المصادر السنية المعتبرة، ومنها على سبيل المثال، كل من صحيح محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى 256هـ، وصحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري المتوفى 261هـ.
في صحيح البخاري، والذي يُعتبر أهم مدونات الحديث السنية وأكثرها موثوقية على الإطلاق، ورد الحديث عن قصة سحر الرسول في عدد من المواضع المختلفة، وكان أطول تلك المواضع، ما روى فيه البخاري عن أم المؤمنين، عائشة بنت أبي بكر، أن النبي قد سُحِرَ “حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ”، وأنه لما دعا الله عز وجل كثيراً، أتاه ملكان في صورة رجلين، فجلسا بالقرب منه، وأخبراه أنه قد سُحِرَ على يد رجل يهودي يُدعى لبيد بن الأعصم، وأن سحره قد وضع في صورة جزء من مشطه وبعض خصلات شعره، وجزء من نخلة، وأن تلك الأشياء قد تم تخبئتها فِي بِئْرِ ذَرْوَان، وتُستكمل الرواية بعدها بأن الرسول قد خرج لمعاينة البئر، ووصف ما فيه للسيدة عائشة بعدما رجع إلى منزله، أنه كـ “رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ”، فلما سألته إذا كان قد استخرج السحر من البئر، رد عليها، قائلاً: “لا، أَما أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ”. من الجدير بالذكر، أن أغلبية علماء أهل السنة والجماعة، قد قبلوا هذه الرواية، وعدوها من الروايات الصحيحة التي لا يرتقي إليها الشك، وذلك لكونها قد وردت في صحيح البخاري، الذي لطالما نظر إليه أهل السنة على كونه “أصدق وأصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل”.
([39]) محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مكتب الإعلام الإسلامي، د.ت، ج1، ص46.
([40]) المجلسي، بحار الأنوار، ج38، ص201.
([41]) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، صححه وعلق عليه على أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، قم، 1405ه، ج1، ص341
([42]) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص341
([43]) محمد باقر الصدر، البحث حول المهدي، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، د.ت، ص58.
([44]) محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد المتوفى 413ه، الاختصاص، صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، رتب فهارسه السيد محمود الزرندي المحرمي، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، قم، د.ت، ص291.
([47]) هاشم البحراني، مدينة المعاجز، ج1، ص399.
([48]) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص416.
([49]) المصدر نفسه، ج2، ص149؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص149.
([50]) أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي من علماء القرن الخامس الهجري، الاحتجاج، تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الخرسان منشورات دار النعمان للطباعة والنشر، النجف، 1966م، ج2، ص205؛ مجلسي، بحار الأنوار، ج16، ص417.
([51]) هاشم البحراني، مدينة المعاجز، ج7، ص8.
([54]) الحر العاملي، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، د.ت، ج2، ص87.
([55]) الخصيبي، الهداية الكبرى، ص169.