الحوار المسكوني والجدل المسيحي.. المسارات التاريخية والرهانات المعاصرة

 تكوين

قبل أن نبدأ

خَبُرَ تاريخ الكنيسة المسيحية انقساماتٍ متعددة عبر العصور، حفرت من طريقه أثرًا عميقًا داخل بنية الجماعة المؤمنة. فمنذ الانشقاق الكبير بين الشرق والغرب في القرن الحادي عشر، مرورًا بالإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر، وحتى الانقسامات اللاحقة، باتت الكنائس تواجه تحديًا جوهريًا يتمثل في الانقسام اللاهوتي والطقسي والمؤسساتي.

عبر مسارات هذه الوقائع التاريخية، برزت الحاجة إلى خيط جديد يُعيد لَـمَّ ما انقطع، ويُرمم الفجوات بين الإخوة المفترقين، تحقيقًا للآية: “تنقضي افتراقات الكنيسة”.

إلى ذلك تمظهرت الحركة المسكونية لتكون جهدًا جماعيًا يسعى في تحقيق الوَحْدة المسيحية، بيد أن الجميع يدرك ماهية التنوع المشروع داخل جسد الكنيسة.

إن الحوار المسكوني ليس تبادلًا لزيارات أو تنظيم لقاءات مباشرة بين قادة الكنيسة ورؤسائها، سواء بشكل متتابع أو عبر فترات زمنية معلومة فحسب، وإنما هو نهج لاهوتي ورُوحي وإنساني عميق، يبتغي تمثُّلًا أعمق للآخر المختلف، والاقتراب حثيثًا من عمق القواسم المشتركة ومضامينها التي يتمركز البناء عليها، بهدف التماهي مع دعوة متجددة للاستجابة لصلاة المسيح: “ليكونوا واحدًا كما نحن واحد” (يوحنا 17: 21).

إذًا تلتفت تلك الورقة صوب تسليط الضوء على الحوار بين الكنائس، خاصة متى ما كانت الكنيسة الأرثوذكسية القبطية طرفًا فيه، وكيف تفاعل الظرف التاريخي مع هذا الأمر، وتتابعت مراحله منذ مطلع عَقد السبعينيات في القرن الماضي، إبان حبرية البابا شنودة الثالث، والدور المركزي الذي صاغه الأنبا صموئيل أسقف الخدمات الاجتماعية، وصولًا إلى الدور الذي يؤديه البابا تواضروس الثاني منذ لحظة رسامته بطريركًا على كرسي مارِ مرقس الرسول، فضلًا عن أهمية ذلك في الحوار المشترك مع الكنائس الأخرى في مصر، ومدى إسهام ذلك الحوار في التوحد مع القضايا المشتركة، لا سيما في الداخل، الأمر الذي يسهم إسهامًا كبيرًا في أن يكون ذلك أداة فاعلة لتعزيز التقارب بين الكنائس، وتحليل مرتكزاته الفكرية واللاهوتية، والآفاق التي يمكن أن يحملها المستقبل لتحقيق وحدة الكنيسة في تنوعها.

الكنيسة القبطية، بطريركية الإسكندرية

تميزت بعض كنائس العصر الرسولي عن غيرها بميزات خاصة، أضفت عليها نوعًا من الشهرة لم تحظَ به سواها. ولم تكن هذه الشهرة مرتبطة بأي نوع من الرئاسة الكنسية، بل اكتسبتها إما بسبب مركزها الديني وتأسيس الرسل لها أو لشهرتها الثقافية أو مكانتها السياسية.

ويمكننا أن نُميز أربع كنائس في العصر الرسولي نالت شهرة واسعة في العالم المسيحي، وهي: كنائس الإسكندرية وروما والقدس وأنطاكية.

نحو ذلك تعد الكنيسة القبطية واحدة من أقدم الكنائس الرسولية في العالم المسيحي، وقد أسسها القديس مارِ مرقس الرسول في النصف الثاني من القرن الأول. كان دخول المسيحية إلى الإسكندرية عاصمة مصر وقتذاك، بواسطة القديس مار مرقس الرسول، وهو كاروز الديار المصرية ومؤسس كنيستها وأحد الرسل السبعين وأحد الإنجيليين الأربعة، ويُلقَّب في طقوس الكنيسة القبطية بـ “ناظر الإله (ثيؤريموس)، الإنجيلي، وكاروز مصر ومدبِّرها الأول، وضياء كورة مصر، ومبدِّد الأوثان، وتلميذ المسيح الطوباوي، والكارز العظيم الذي تباركت به كل قبائل الأرض، وبلغت أقواله إلى أقطار المسكونة”.

كنيسة الإسكندرية

تأسست كنيسة الإسكندرية في منتصف القرن الأول، وطبقًا لتاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري، كان مجيء مار مرقس إلى الإسكندرية في السنة الثالثة من حكم كلوديوس قيصر (41 – 54م)، أي ما يعادل عام 43م تقريبًا. وطبق تاريخ البطاركة، كان مجيئه في السنة الخامسة عشرة بعد صعود الرب (أي حوالي عام 43/44م). أي أنه، وفق يوسابيوس القيصري وتاريخ بطاركة الكنيسة القبطية، كان تأسيس مار مرقس لكنيسة الإسكندرية حوالي عام 43م. إلا أن مراجع أخرى ترجِّح عام 61م، على أساس أن مار مرقس استُشهد عام 68م، وأن مدة خدمته بالإسكندرية كانت حوالي سبع سنوات.

وكانت الإسكندرية لأكثر من ستة قرون، ثاني أكبر مدينة في العالم القديم. وكانت في بداءة الأمر مدينة صغيرة تُسمَّى “راكوتيس” (راكوتي)، ثم في عام 332 ق.م اختارها الإسكندر الأكبر عاصمة للبلاد، وقام بتطويرها وتوسيعها، وأطلق اسمه عليها. واستمرت عاصمة للبلاد لأكثر من 970 سنة، حتى تأسست مدينة الفسطاط عام 641م.

وكانت الإسكندرية في أول الأمر ميناءً بحريًا مهمًا، فجذبت إليها كثيرًا من اليونانيين واليهود وجنسيات أخرى. ونشطت فيها الحركة الفكرية والفلسفية والثقافية نشاطًا ملحوظًا، وكانت مكتباتها أشهر مكتبات الإمبراطورية. والتقى فيها الشرق بالغرب، وفيها ازدهرت الفلسفة اليونانية وانتشرت الحضارة الهلنستية. وتجاورت الجاليات اليهودية بأصحاب الثقافات الشرقية، وفيها تُرجمت أسفار العهد القديم إلى اللغة اليونانية في الترجمة المعروفة بالترجمة السبعينية، في القرن الثالث قبل الميلاد، في عهد بطليموس الثاني فيلادلفيوس (283 ق.م – 246 ق.م) التي أتاحت قراءة أسفار العهد القديم وفهمها أمام الناطقين باليونانية.

مجمع خلقدونية والانقسام بين الكنائس

أدى مجمع خلقدونية عام 451م إلى انقسام الكنيسة، نتيجة الخلاف بخصوص طبيعة السيد المسيح؛ لأن الإيمان الأرثوذكسي الذي اعتنقته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يقوم على أساس الطبيعة الواحدة للسيد المسيح، على عكس كنيسة روما وبعض الكنائس الأوروبية الأخرى التي آمنت بأن للسيد المسيح طبيعتين منفصلتين: الطبيعة الناسوتية (البشرية) والطبيعة الإلهية. ومن هنا وقع الانقسام في الكنيسة العامة منذ القرن الخامس الميلادي مصر القبطية[1].

طبيعة السيد المسيح عند الكنيسة القبطية الأرثوذكسية

في عام 1959م عَقد اللاهوتيون من العائلتين الأرثوذوكسيتين لقاءً في القدس، وقدَّم فيه الدكتور وهيب عطا الله (نيافة الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي) ورقة بعنوان: “تعليم كنيسة الإسكندرية وأخواتها فيما يختص بطبيعة السيد المسيح”. وقد أورد الدكتور القس جون لوريمر في كتابه: “تاريخ الكنيسة” في الجزء الثالث منه مقتطفات كبيرة من هذا الخطاب، وجاء فيه: “إنني أتجاسر وأقرِّر أن كل الجدال الدائر بين الكنائس الكاثوليكية الرومانية والبروتستانتية والخلقيدونية من جانب، وكنائس “الطبيعة الواحدة” أو الأرثوذكسية اللاخلقيدونية من الجانب الآخر، إنّما هو في جملته جدال فلسفي أُثير بسبب الاصطلاح الصحيح الذي يجب أن يستخدمه المسيحيون للتعبير عن إيمانهم بنوع الاتحاد الموجود بين لاهوت وناسوت ربنا ومخلصنا…”.

وقال: “إن الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية تؤمن بلاهوت المسيح كما تؤمن بناسوته، لكن المسيح لدينا هو “طبيعة واحدة”… إننا لا نجرؤ على القول بأنه هو (السيد المسيح) الله وإنسان معًا، لأن هذا التعبير يتضمن الانفصال، بل بالأحرى هو الله المتجسد؛ فاللاهوت والناسوت متحدان معًا اتحادًا تامًا، أي في الجوهر والأقنوم والطبيعة. لا انفصال أو انقسام بين لاهوت وناسوت ربنا… الواحد المولود من القديسة مريم هو الله المتجسد: جوهر واحد، شخص واحد، أقنوم واحد، طبيعة واحدة، أو يمكن القول إنه طبيعة واحدة من بين طبيعتين. وبعبارة أخرى، فنحن نتكلم عن طبيعتين قبل حدوث الاتحاد، لكن بعد الاتحاد فلا شيء سوى طبيعة واحدة لها صفات الطبيعتين…. ومن ثمَّ فإن الاتحاد الذي تؤمن به الكنائس الأرثوذكسية اللاخلقيدونية يختلف جوهريًا عن نوع الاتحاد الذي أعلنه أوطاخي… أن أوطاخي في حقيقة الأمر يُنكر الوجود الحقيقي لناسوت المسيح”[2].

بعثات التبشير ومجلس الكنائس العالمي

يُعدُّ التفاعل بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والمؤسسات المسكونية الحديثة أحد أكثر الموضوعات إثارة للجدل في مسار الحركة المسكونية، لاسيما في ضوء الإرث التاريخي الذي تركته بعثات التبشير الغربية في الأراضي الأرثوذكسية. فمنذ سنوات طويلة مضت عرفت أراضي الإمبراطوريات الأرثوذكسية، وخصوصًا روسيا، البلقان، جغرافيا الشرق الأوسط، تصاعدًا ملحوظًا في النشاط التبشيري الذي قامت به مؤسسات بروتستانتية وكاثوليكية، غالبًا بدعم مباشر أو غير مباشر من القوى الاستعمارية الغربية.

هذه الحملات التبشيرية لم تكن تقتصر على نشر الإنجيل بين غير المسيحيين، وإنما كانت تستهدف المؤمنين الأرثوذكس أنفسهم، مما عدته الكنائس الأرثوذكسية خرقًا صارخًا للوَحْدة الكنسية والتقليد الرسولي، ومحاولة لتقويض استقلالها اللاهوتي والثقافي. وقد تركت هذه البعثات جرحًا عميقًا في الوعي الأرثوذكسي، إذ ربطت الكنائس المحلية بين التبشير والهيمنة اللاهوتية الغربية، ورأت فيه امتدادًا لمشاريع التحديث القسري والعلمنة التي رافقت الاستعمار الغربي في تلك المناطق.

الحركة المسكونية ومجلس الكنائس العالمي

الحركة المسكونية هي إيمان وتوجه وفكر وإرشاد. هي ببساطة عطية من الله، ودعوة منه تحتاج إلى تجاوب الإنسان مع هذه الدعوة الإلهية والتجاوب الإنساني للدعوة عادة ما يكون مقترنًا بعوامل وحقائق موجودة على أرض الواقع ومحيطة به. فالحركة المسكونية “ليست مظهرًا نتفاخر به أمام بعضنا البعض، وليست فقط اتفاقات بين الكنائس مكتوبة على الورق، وليست فقط إجماع الكنائس بشأن مختلف العقائد المسيحية، ولكنها حالة إيمانية حقيقية تصل إليها الكنائس والمؤمنين والمؤمنات فيها إلى انفتاح في الذهنية قبل العلاقات المظهرية، وتفاهم في القلوب والعقول قبل البيانات والاتفاقات الورقية، وعيش واحد برغبة صادقة في المسيح يسوع عبر الصلاة المستمرة. وهنا يجب أن تكون الحركة المسكونية في حالة تجدد دائم في إيمان وذهنية وفكر كنائسنا. والحقيقة فكرة العمل المسكوني، جاء بدعوة من الكنيسة الانجيلية، وكان مع بداءة القرن العشرين تحديدًا في عام 1907، وكان عبارة عن حوار فيما بينهم. فهم كنائس منفتحة تبحث بكل الطرق عن تقديم المسيح للأمم وتسعى من خلال الكتاب المقدس في البشارة وتحرص على طباعة الانجيل بطبعات متعددة، وكان أول اجتماع مسكوني لهم هذا في القدس.. تمر السنوات وفي 1948 تجتمع العائلة الانجيلية في جنيف 1948 من أجل عملًا مسكونيًا ومن هنا كانت الانطلاقة الحقيقة بتأسيسهم لما يُسمى اليوم مجلس الكنائس العالمي مقره سويسرا، وخُطوة بخطوة انضمت لهم للحوار الكنائس الأرثوذكسية.

فنحن بوصفنا سريانًا أرثوذكسًا شاركنا منذ عام 1960 في عهد المتنيح البطريرك يعقوب الثاني، وبدأنا الحركة المسكونية معهم، ثم انضمت كنيستنا السريانية فيما كان يُسمى مجمع كنائس الشرق الادنى، وكانت الكنيسة السريانية هي الكنيسة الوحيدة غير الإنجيلية، وكل أعضاء المجمع من الإنجيليين، ثم انضموا معنا كنيسة الأقباط الأرثوذكس والروم الارثوذكس، وفي 1974 دعت الكنائس الارثوذكسية إلى أن تكون هيكلًا جديدًا في الحركة المسكونية، وبالفعل عقدنا جمعية عمومية أولى في قبرص، وأطلق على مجمع الشرق الادنى اسمًا جديدًا وهو ما نطلق عليه اليوم مجلس كنائس الشرق الاوسط، ووقتها اجتمعنا تحت شعار “حاضر رسالتنا المشتركة“، واتفقنا أن رسالتنا هي رسالة المسيح لرسله وتلاميذه فعلينا أن نُعلن إيمانًا أمام العالم أجمع ونعمل بما قاله المسيح: “اكرزوا بالإنجيل شهادة للخليقة كلها“. وظل المجلس موزع إلى ثلاث عائلات: العائلة الأولى، هي العائلات الارثوذكسية الشرقية: العائلة القبطية والعائلة السريانية والعائلة الارمنية، العائلة الثانية، هي الأرثوذكسية البيزنطية خلقيدونية –الروم الأرثوذكس– والعائلة الثالثة، هي الكنيسة الإنجيلية. وكان أول رئيسًا للمجلس عن العائلة الأرثوذكسية الشرقية مثلث الرحمات نيافة الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة والاجتماعية والمسكونية، وبعد استشهاده اختُير خلفًا له مثلث الرحمات الأنبا اثناسيوس مطران بنى سويف. وفي عام 1990 انضمت الكنيسة الكاثوليكية، وأصبح المجلس يضم أربع عائلات[3].

في هذا السياق جاء تأسيس مجلس الكنائس العالمي عام 1948، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ليكون مبادرةً تسعى في تجميع الكنائس المسيحية ضمن إطار تعاون مسكوني بعيدًا عن الانقسامات اللاهوتية القديمة. غير أن الطابع البروتستانتي الغالب على المجلس منذ نشأته، سواء على صعيد الفكر اللاهوتي أو الهيكلة التنظيمية، أدى إلى ازدياد الحذر والشكوك من الكنائس الأرثوذكسية الشرقية تجاه هذه المؤسسة، خاصةً وأن المجلس ضمَّ عديدًا من الكنائس التي ارتبطت تاريخيًا بالحملات التبشيرية في المناطق الأرثوذكسية.

إقرأ أيضًا: حبرية البابا شنودة.. الكنيسة والجماعة القبطية بين الدين والدولة.. مسارات الاندماج والعزلة

وقد عبَّر عن هذا التوتر بوضوح الموقف الأرثوذكسي الرسمي في عدة مواقف، لعل أبرزها: مذكرة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عام 1971 التي أكدت أن الحركة المسكونية يجب ألا تتحول إلى وسيلة “لإعادة إنتاج أنماط الهيمنة اللاهوتية الغربية أو فرض معايير لاهوتية بروتستانتية على الكنائس الشرقية”.

مواقف الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية التي كانت تنظر بحذر إلى بعض الأنشطة المسكونية المشتركة، خاصة تلك التي تتعلق بالليتورجيا والتعليم اللاهوتي. كما أدى انسحاب بعض الكنائس الأرثوذكسية من مجلس الكنائس العالمي لفترات معينة، مثل الكنيسة الأرثوذكسية الجورجية التي انسحبت عام 1997 إلى احتجاج على ما وصفته بـ “النهج العقائدي النسبي” الذي يسود بعض أروقة المجلس. وقد تكرَّس هذا الحذر أيضًا بسبب ما عده الأرثوذكس غيابَ الفهم الكافي للاهوت الكنيسة والسرِّيات في الفكر المسكوني الغربي، الذي غالبًا ما يتعامل مع الكنيسة بوصفها وحدة اجتماعية أو جمعية إيمانية، في حين ترى الأرثوذكسية الكنيسة بوصفها “جسد المسيح السري، القائم على التقليد الرسولي والأفخارستيا المشتركة”.

وعلى الرغم من إسهام الكنائس الأرثوذكسية لاحقًا في تطوير خطاب المجلس، وإدخال بعض التعديلات التنظيمية، مثل إنشاء اللجنة المشتركة الأرثوذكسية داخل مجلس الكنائس العالمي، بقيت التوترات قائمة بين الرغبة الأرثوذكسية في الحفاظ على تقليدها اللاهوتي من جهة، والرغبة في الإسهام بالحوار المسكوني من جهة أخرى.

بعثات التبشير في مصر

ظهرت حركات التبشير ظهورًا واضحًا في مصر في أواسط القرن التاسع عشر، وبخاصة في عهد الوالي محمد سعيد باشا. وقد ارتبطت هذه الحركات برأس المال الغربي الذي تدفق إلى البلاد بعد أن أنهت معاهدة عام 1840 نظام الاحتكار الذي أنشأه محمد علي. وصلت الإرساليات الأمريكية إلى مصر من دمشق عام 1854، ونشطت إلى جانب الإرساليات الإنجليزية، مستفيدين جميعًا من حماية الامتيازات الأجنبية ومن دعم قناصل الدول لهم. وقد أنشأ الأمريكيون أول مجمع مشيخي لهم في أبريل عام 1860 برئاسة جيمس بارنيت وسكرتارية توماس ماكيج، وانضم إليهم القس الأسكتلندي يوحنا هوج في مايو من العام نفسه. وقد جاء المبشر يوحنا هوج إلى أسيوط عام 1865 واتخذها قاعدة انطلاق، وكانت نقطة البداءة هي اختراق مجتمع الأقباط من طريق بناء المدارس، إذ كانت المدرسة المدخل الوحيد إلى المدينة. وقد انتشرت مدارس الإرساليات الأمريكية في المدن والقرى[4].

غادر المبشرون مصر مؤقتًا مع اشتعال الثورة العرابية خوفًا على أنفسهم كونهم أجانب، ثم رجعوا مجددًا مع الاحتلال البريطاني إلى مصر عام 1882. ويشير أندرو واطسن إلى أن الأهداف السياسية لبريطانيا بوصفها دولة مسيحية، كانت أهم لديها من المسيحية نفسها، وقد رأت الإرساليات الإنجليزية أن نجاحها يكمن في استغلال الكنيسة القبطية، وكان ذلك كافيًا ليُعد هدفًا رئيسًا لها. ومع الاحتلال البريطاني لمصر بالقوة المسلحة وإجهاض الثورة العرابية، كانت سلطات الاحتلال على علم بأن الكنيسة القبطية قد ساندت الثورة، وأن الاحتلال لم يُقابل بترحيب من الأقباط. وقد بادلتهم السياسة البريطانية الموقف نفسه، فعمدت إلى استغلال الاختلاف العقائدي لكبح الحركة الوطنية، فضلًا عن محاولة اختراق الكنيسة والتغلغل داخلها عبر نشاط الإرساليات التبشيرية[5].

الكنيسة الأرثوذكسية والاندماج في الحوار المسكوني

تزامنت حبرية البابا كيرلس السادس مع سيامة أول أسقف للخدمات الاجتماعية والعلاقات المسكونية، وهو المتنيح نيافة الأنبا صموئيل. وخلال سنوات حبرية البابا كيرلس السادس التي امتدت حتى عام 1971، بدأت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برامج مسكونية تمثلت في أنشطة “المؤتمر المسيحي بالصعيد”، الذي كان يَعقد مؤتمرًا اجتماعيًا سنويًا.

كما شاركت الكنيسة في أوائل عقد الستينيات، في فاعليات “أسبوع الصلاة العالمي السنوي من أجل الوَحْدة المسيحية”.

وتأسس أيضًا “المجلس الاستشاري المسكوني للخدمات الكنسية”، وكان من روّاد هذه الأنشطة أصحاب النيافة المتنيحون: الأنبا صموئيل، والأنبا غريغوريوس، والأنبا أثناسيوس، إلى جانب بعض الكهنة مثل القمص أنطونيوس أمين، والقمص يوسف عبده، وبعض العلمانيين مثل المهندس فايز رياض الديري، والأستاذ ميلاد غرباوي، والدكتور صادق أنطونيوس بقطر. وفي عهد قداسته عُقدت الجمعية العامة الثالثة لمجلس الكنائس العالمي في نيودلهي الهند، في ديسمبر 1961م، وقد أوفد قداسته وفدًا رفيعًا يُمثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. كما شاركت الكنيسة القبطية في عهد البابا كيرلس السادس، في أعمال عديدٍ من المؤتمرات المسكونية بشأن قضايا الشرق الأوسط، منها الندوة العالمية للمسيحيين من أجل فلسطين التي انعقدت في بيروت في مايو 1970م، وقد حضرها المتنيح الأنبا أثناسيوس، والمتنيح الأنبا غريغوريوس، والدكتور وليم سليمان قلادة.

كذلك شاركت الكنيسة في أعمال “الحلقة الاستشارية بشأن قضية اللاجئين”، التي نظمها مجلس الكنائس العالمي، وعُقدت في قبرص في الفترة من 29 سبتمبر إلى 4 أكتوبر 1969م. وقد مثل الكنيسة في هذه الحلقة المتنيح الأنبا غريغوريوس، والمهندس الراحل فايز رياض، والدكتور الراحل صادق أنطونيوس بقطر. وفي عهد قداسته أيضًا تأسست عدة لجان مسكونية في حِضْنِ الكنيسة الأرثوذكسية، من بينها “اللجنة المسكونية للشباب” عام 1969م[6].

الانبا صموئيل

يُعد المتنيح الأنبا صموئيل أحد أبرز العلامات المرتبطة بتاريخ الكنيسة الأرثوذكسية، خاصة فيما يرتبط بالحوار المسكوني ومجلس الكنائس العالمي، منذ حبرية الأنبا يوساب وصولًا إلى لحظة غيابه في حادث المنصة بجوار الرئيس السادات في عام 1981.

الأنبا صموئيل، سيرة ذاتية

هو “سعد عزيز”، وُلد في 8 ديسمبر (كانون الأول) عام 1920، وتدرّج في مراحل التعليم المختلفة حتى حصل على ليسانس الحقوق عام 1942. عمل عقب تخرّجه في البنك الأهلي المصري، لكنه ما لبث أن قدَّم استقالته لرغبته الشديدة في حياة التكريس. والتحق بالكلية الإكليريكية (القسم النهاري الجامعي)، وكان من أوائل دفعة الطلاب الجامعيين. وكان معه في الدفعة نفسها كلًا من: وهيب زكي، المتنيح القمص صليب سوريال، المهندس يسي حنا. وقد تخرّجوا جميعًا عام 1944. كما استكمل دراسته والتحق بالجامعة الأمريكية ليتخصص في علوم التربية، ثم أُنتدب للعمل مدرسًا في الإكليريكية بأديس أبابا في الفترة من 1944 إلى 1946، وكان معه في الانتداب نفسه حافظ داود (المتنيح القمص مرقس داود). ولكن نتيجة بعض الاضطرابات السياسية التي حدثت في إثيوبيا في تلك الفترة، رجع إلى مصر ورجع إلى خدمة مدارس الأحد بالجيزة.

لكنه ما لبث أن اتخذ قرارًا تاريخيًا هو الرهبنة، فتوجّه إلى مقابلة أبيه الروحي القمص مينا المتوحد (المتنيح القديس البابا كيرلس السادس) في كنيسته بمصر القديمة، ورُسم راهبًا باسم “الراهب مكاري”، وكان ذلك خلال شهر آذار (مارس) 1948. وظل في كنيسة مارمينا بمصر القديمة لمدة ثلاث سنوات، وبعدها أرسله القمص مينا المتوحد إلى دير الأنبا صموئيل المعترف. وعندما رفض المجمع المقدس الاعتراف برهبنة هذا الدير، توجَّه إلى دير السريان وأصبح اسمه “الراهب مكاري السرياني”.

تمثيل الكنيسة في مجلس الكنائس العالمي

نظرًا لإجادته التامة للغة الإنجليزية، فضلًا عن عقليته المنفتحة، اختاره المتنيح البابا يوساب الثاني لتمثيل الكنيسة القبطية في المؤتمر الثاني لمجلس الكنائس العالمي المُنعقد في إيفانستون (Evanston) في شهر آب (أغسطس) 1954، وكان معه في الوفد نفسه كلًا من القمص صليب سوريال، والدكتور عزيز سوريال عطية (وهو الوفد الذي عُرف في كتب التاريخ بـ “الثلاثة S – The Three S”).

ثم جاءت فرصة عمره لإشباع رغبته في الدراسة العلمية، إذ حصل على منحة دراسية من جامعة برنستون. وقد شجَّعه قداسة البابا يوساب الثاني الذي طالما اشتُهر بحبه للعلم، على هذه الخُطوة، وبالفعل حصل الراهب مكاري السرياني على درجة الماجستير في التربية، وكان موضوع الرسالة: “التربية المسيحية في الكنيسة القبطية”. وقد رتب نفسه للحصول على درجة الدكتوراه بعدها، لكن الظروف لم تُمهله، إذ طلبت منه الكنيسة الرجوع إلى الوطن نظرًا إلى حاجة الكلية الإكليريكية إليه. فرجع إلى أرض الوطن وعمل مدرسًا بالكلية ومُشرفًا على القسم الداخلي بها.

ومن الجدير بالذكر أن للمتنيح القمص مكاري السرياني جهودًا جبَّارة في سرعة نقل الكلية الإكليريكية من مهمشة إلى الأنبا رويس، بالتعاون مع كل من:

  1. القمص صليب سوريال
  2. الأستاذ فؤاد باسيلي (المتنيح القمص بولس بولس فيما بعد)
  3. الأستاذ نظير جيد (المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث فيما بعد).

ومع تأسيس معهد الدراسات القبطية في عام 1954، تولّى القمص مكاري السرياني رئاسة قسم الدراسات الاجتماعية بالمعهد، ودعمه بعديدٍ من كبار أساتذة التربية في مصر. كما أنشأ معهدَ ديديموس للمكفوفين، وجهّزه بمكتبة خاصة بطريقة “برايل”.

إقرأ أيضًا: المجلسُ المِلِّي وقصة الصراع بين الإكليروس والتيار الإصلاحي في الكنيسة القبطية

كما أسّس ما يُعرف بـ “الدياكونية الريفية” في صيف عام 1959، وتوجّه بكل قلبه لخدمة القرية وتنميتها رُوحيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.

الأنبا صموئيل والبابا كيرلس السادس

استدعاه قداسة البابا كيرلس السادس ليكون ضمن سكرتاريته الخاصة، فكان مسؤولًا عن استقبال الضيوف وترتيب لقاءاتهم ومتابعة التعاون مع كنائس العالم والمشاركة في المؤتمرات العالمية.

وفي 30 سبتمبر 1962، جاءت النقلة الكبرى والمؤثرة في حياته، إذ اختُير أسقفًا عامًا للخدمات العامة والاجتماعية باسم “الأنبا صموئيل“. وكان معه في الرسامة نفسها القمص أنطونيوس السرياني (المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث)، ليكون أسقفًا للتعليم الديني والتربية الكنسية والمعاهد الدينية باسم “نيافة الأنبا شنودة“.

لقد كانت رسامة نيافته نقلة كبرى في تاريخ الخدمة الاجتماعية في الكنيسة القبطية، فقد امتد نشاط الأسقفية طولًا وعرضًا داخل مصر وخارجها.

الأنبا صموئيل والعمل المسكوني

أما عن خدمته في العمل المسكوني، فلقد كان نيافته رائدًا في هذا المجال منذ مشاركته في مجلس الكنائس العالمي بمؤتمر إيفانستون عام 1954. ولكن لنيافته جهودًا أخرى في هذا المجال، نذكر منها:

  1. تأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط، وظل نيافته حتى نياحته رئيسًا لهذا المجلس
  2. مجلس كنائس كل أفريقيا، حيث كان نائبًا لرئيسه لفترات طويلة، وفي عام 1976 اجتمع المجلس في القاهرة والإسكندرية، ومن مقر الكنيسة المرقسية بالإسكندرية أصدر بيانًا يُعلن فيه تطلعه إلى كنيسة الإسكندرية لتكون كنيسةً رائدةً للكنائس الأفريقية
  3. شارك نيافته في عديدٍ من المؤتمرات الوطنية
  4. شارك مراقبًا في أعمال مجمع الفاتيكان الثاني بروما، وكان عضوًا بارزًا في لجنة الحوار بين الكنيسة القبطية والفاتيكان، وكذلك في لجنتي التعاون بين الكنيسة القبطية وكلًا من الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الإنجيلية في مصر
  5. اهتم نيافته بتأسيس كنائس قبطية في بلاد المهجر لخدمتهم هناك
  6. وضع نيافته القانون الأساسي الذي تُقام بمقتضاه الكنائس وتلتزم به، ليظل ولاؤها الأول لمصر والوطن. وفي سبيل تفعيل تلك الخُطوة، أنشأ دورية باسم “أبناؤنا في الخارج” لربطهم بالكنيسة الأم وتراثها العريق[7]

شهادة الأنبا غريغوريوس عن الأنبا صموئيل

وبخصوص الدور المسكوني لنيافته، يذكر المتنيح الأنبا غريغوريوس في كلمة رثاء له بعنوان: “المتنيح الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة والاجتماعية في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده“، فقد قال:

“كان نيافته شعلة نشاط وعمل متواصل في الداخل والخارج، ليس له في كنيستنا من يفوقه في ذلك، في كل أمر أو مشكلة، كان الأنبا صموئيل يتحرَّك من نفسه أو بتكليف من البابا البطريرك للاتصال بالمسؤولين في الدولة، وكم من مشكلة حُلَّت على يديه في هدوء وصمت وسكون… كان يُمثل الكنيسة القبطية في المؤتمرات العالمية، وكان عضوًا بارزًا في مجلس الكنائس العالمي. ولأهميته صار عضوًا في اللجنة الدائمة للمجلس واللجنة التنفيذية.”

إقرأ أيضًا: تطورُ لائحة انتخاب البطريرك: مسارات الكنيسة الأرثوذكسية

ويتابع: “لم يكن عمله في مؤتمرات مجلس الكنائس العالمي قاصرًا على أحاديثه ومداخلاته وتعليقاته، وإنما كان عمل الأنبا صموئيل الأكبر والأهم خارج قاعات المجلس الرسمية، أعني هذه الاتصالات المُثمرة التي كان يعقدها مع الشخصيات الكبيرة ذات الثقل في مجلس الكنائس العالمي. ولذلك واعترافًا بمكانته وأهميته، أصبح له مركزًا مرموقًا في مجلس الكنائس العالمي وفي المؤتمرات المسكونية، بل صار هو الممثل الرسمي لمجلس الكنائس العالمي في مصر، حتى ارتبط اسمه بهذا المجلس، وصار كلٌّ منهما يُذكر بالآخر. ولقد كسب الأنبا صموئيل بهذه المكانة المرموقة التي احتلها في المجالس العالمية وفي الحركة المسكونية، مكاسب كثيرة لكنيسته القبطية، ولمصر كلها، رُوحية وأدبية واجتماعية ومادية. وبفضل جهوده، كانت تأتي المعونات في الأزمات للاجئين والمهجرين من الفلسطينيين والمصريين وغيرهم من المنكوبين بسبب الحروب”[8].

ويُضيف في موضع آخر: “إن اندماج الأنبا صموئيل في الحركة المسكونية جعله في فترة زمنية من زعمائها وقياداتها. فإذا تعرضت الحركة المسكونية إلى نقد أو هجوم، كان الأنبا صموئيل هو الذي يتلقَّى هذا النقد والهجوم، فلا يهدأ حتى يُدافع عن الحركة بقلمه ولسانه وشخصه… لقد كان يؤمن بفوائد جليلة للحركة المسكونية، فوائد معنوية ورُوحية قبل أي فوائد مادية، تعود بالنفع على مصر عمومًا، والقبط خصوصًا”[9].

البابا شنودة وزيارته لروما؛ التفاعل مع مسارات الحوار المسكوني

قبل تنصيب البابا شنودة بطريركًا وفي شهر أيلول/سبتمبر من العام 1971 مَثَّل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الحوار اللاهوتي بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الكاثوليكية، والذي نظمته مؤسسة Pro-ORIENTA، وكان للبابا شنودة الثالث فضلًا كبيرًا في وضع صيغة اتفاق وافق عليها الجميع. وقال قداسته: “يجب وضع صيغة مبسطة تُعَبر عن الإيمان المشترك عن طبيعة المسيح دون التوقف أمام الصياغات القديمة التي سببت الانشقاق”.

وبعد ذلك بنحو عام قام برحلته المسكونية الأولي عام 1972 التي زار فيها رؤساء الكنائس الذين شاركوا في حفل تنصيب قداسته، وهو أول بابا يقوم برحلة مسكونية كهذه، زار فيها روسيا ورومانيا وأرمينيا والقسطنطينية وسوريا ولبنان، والتقى فيها بكثيرين من الآباء البطاركة ورؤساء الكنائس في العالم.

الموقع الرسمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية؛ العمل المسكوني لبطاركة الإسكندرية

إلى ذلك بدأ الحوار الرسمي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، نتيجة أول زيارة بعد مجمع خلقيدونية ٤٥١، وقام بها بابا الإسكندرية لروما، فقد زار البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، كرسي روما من ٤ حتى ١٠ أيّار (مايو) ١٩٧٣ في ضيافة البابا بولس السادس.

وفى ١٠ مايو ١٩٧٣ وقَّع رئيسا الكنيستين بيانًا مشتركًا، اتفقا فيه على تكوين لجنة مشتركة، مهمتها توجيه دراسات مشتركة في ميادين التقليد الكنسي وعلم آباء الكنيسة والليتورجيات واللاهوت والتاريخ والمشاكل العلمية، لحل الخلافات القائمة بين الكنيستين، بروح الاحترام المتبادل. انعقدت الدورة العامة الأولى للجنة الدولية المشتركة في القاهرة في ٢٦ وحتى ٣٠ مارس ١٩٧٤، وكان الاجتماع الثاني للجنة في القاهرة في ٢٧ وحتى ٣١ أكتوبر ١٩٧٥، وقررت اللجنة الشروع في القيام بدراسات لاهوتية عن تفهم الوَحْدة التي كانت موجودة في الكنيسة الأولى غير المنقسمة.

البابا شنودة الثالث وتأسيس مجلس كنائس الشرق الاوسط

أسهم البابا شنودة الثالث بتوجهاته نحو دعم الحوار المسكوني الذي يسعى في تحقيق التقارب وَوَحْدة الكنائس بالشرق الأوسط، إذ شارك في تأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط في العام 1974م. وفى نوفمبر 1994م بقبرص اُختير رئيسًا لمجلس كنائس الشرق الأوسط، وتكرر انتخابه بالإجماع لثلاث دورات في عام 1999 م بلبنان، وفى عام 2003م بليماسول قبرص، واستمر رئيسًا للمجلس حتى عام 2007م، فقد اُختير في الجمعية العامة ببافوس رئيسًا فخريًا للمجلس. وفي حبريته صارت الكنيسة القبطية عضوًا في مجلس كنائس أفريقيا AACC، ومجلس كنائس أمريكا، وكثيرًا من المجالس المسكونية الإقليمية والمحلية في شتى أنحاء العالم.

العمل المسكوني في فكر قداسة البابا تواضروس الثاني

لا تُختصر كلمة “المسكوني” في بضع كلمات، بل يتجلى معناها الحقيقي في الواقع الملموس الذي يشهد به الجميع، في الداخل والخارج، بأن قداسة البابا تواضروس الثاني يعمل بكل أمانة وعزيمة، مؤيَّدًا بنعمة الروح القدس، لقيادة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بحكمة وصبر ومحبة. ويسعى قداسته في انفتاح الكنيسة على العالم، لكي تتبوأ مكانتها الطبيعية والواجبة بوصفها واحدة من أعرق الكنائس الرسولية في العالم.

وقد عبَّر قداسته عن رؤيته للمسكونية والوحدة المسيحية من طريق مجموعة من الأقوال الملهمة، نذكر منها: “الله يعتبر الانقسام خطية، ويطلب منا أن نجتهد لنحفظ الوحدانية”، “يحضر المسيح حينما توجد الوحدانية”، و”لا بُد أن تبذل جهدًا لمعرفة الآخر حتى تصل إلى الوحدانية”، “عالم الأنانية ضيق يُقسم الناس، أما عالم المحبة فهو واسع يضمهم جميعًا”، وكما قال القديس أوغسطينوس: حِب الكل، فيكون لك الكل”. كما أنه من الكلمات العربية المشهورة: (الاتحاد قوة)… وإن تأملت في أصابع يدك، ستجد أنه لا يوجد إصبع يُشبه الآخر، لكنها جميعًا تتعاون، رغم اختلافها، حتى تعمل وتنتج”. وعما تتعاون الأصابع رغم تنوعها –ولا نقول اختلافها– كي ما تُنتج. ويُقال إن الحضارة الإنسانية هي حضارة الأصابع، فقد نشأت من أصابع الإنسان. وعندما يكون الإنسان متعدد الثقافات والحضارات والمعارف، يزداد جمالًا، ويكون قلبه مفتوحًا للجميع، وعقله متسعًا لكل شيء. ومن ثم فإن “عدم المحبة هو سبب الانشقاق في الكنيسة، بل هو سبب كل ضعف[10]. وقد أُدرجت هذه الأقوال في إطار تأكيد قداسة البابا تواضروس الثاني أهمية الوَحْدة بين الكنائس، والعمل المسكوني بوصفه مسارًا محوريًا في خدمة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في العصر الحديث.

الزيارات واللقاءات المسكونية لقداسة البابا تواضروس الثاني

في إطار تعزيز العلاقات المسكونية، قام قداسة البابا تواضروس الثاني بعدة زيارات ولقاءات تاريخية أسهمت في تعميق رُوح المحبة والتعاون بين الكنائس. فقد زار قداسته قداسة البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان، في 10 مايو 2013م، فقد اتفقا على عد هذا اليوم يومًا دائمًا للصداقة بين الكنيستين، تَحتفلا به سنويًا. وقد رد البابا فرنسيس الزيارة في 28 أبريل 2017م.

وفي الأول من سبتمبر 2014م وفي أثناء زيارة قداسته إلى كنيستنا في جنيف – سويسرا، زار مقر مجلس الكنائس العالمي، حيث التقى بالأمين العام الدكتور أولاف، وألقى خطابًا مميزًا عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كما أجاب عن الأسئلة التي طرحها الحضور من ممثلي عدد من الهيئات العامة التابعة للمجلس. وفي نهاية أكتوبر 2014م، قام قداسته بزيارة تاريخية إلى الكنيسة الروسية الأرثوذكسية برفقة وفد كنسي رفيع المستوى، حيث التقى بصاحب القداسة البطريرك كيريل. واتُفق على تكوين لجنة تعاون مشترك بين الكنيستين لتعزيز التواصل، ليس فقط في مستوى الحوار اللاهوتي، وإنما في المجالات التعليمية والاجتماعية والرهبانية، بما يُسهم في مزيد من الانفتاح والتعاون.

كما حرص قداسته على حضور احتفالية هيئة “برو أورينتا” بمناسبة اليوبيل الذهبي لتأسيسها (1964–2014م)، وهي هيئة تُعنى بالحوار بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الكاثوليكية الغربية. وقد أُقيم الاحتفال في العاصمة النمساوية فيينا، بحضور غبطة البطريرك المسكوني برثلماوس الأول، وكاردينال النمسا شونبورن، والكاردينال كورت كوخ ممثلًا عن البابا فرنسيس، إلى جانب عدد من الأساقفة والكهنة والرهبان وأساتذة الجامعات. وفي أغسطس 2015م، زار قداسته كنيسة الأرمن الأرثوذكس في إتشميادزين بأرمينيا، حيث التقى بالكاثوليكوس كاريكين الثاني، في زيارة ودية تعكس رُوح المحبة والتقارب بين الكنيستين.

في منتصف 2017 عُقد لقاء مسكوني تاريخي وفريد بالقاهرة، جمع بين قداسة البابا تواضروس الثاني وقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان وغبطة البطريرك المسكوني برثلماوس الأول بحضور رؤساء الكنائس المسيحية في مصر وذلك بالكنيسة البطرسية بالقاهرة، كما شارك قداسته في لقاء الصلاة المسكوني الذي عُقد بمدينة باري الإيطالية في 8 يوليو 2018م، بمشاركة البابا فرنسيس وعدد كبير من بطاركة وأساقفة الكنائس المسيحية من مختلف أنحاء العالم[11].

الأنبا إبيفانيوس والحوار بين الكنائس

عُقد في فيينا عاصمة النمسا في الفترة ما بين 28 نوفمبر والأول من ديسمبر 2016، وهو لقاء للحوار غير الرسمي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الشرقية الأرثوذكسية. وقد مَثَّلَ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نيافة أنبا إبيفانيوس أسقف دير القديس أنبا مقار ورئيسه. في هذا اللقاء ألقى الأنبا الراحل إبيفانيوس كلمة تحت عنوان: “معوقات في طريق الوَحْدة الكاملة واقتراحات لمواجهتها”. وبعد أن سرد الأنبا الراحل إبيفانيوس مسار الخلاف في وجهات النظر ومحاولات تقريب تلك الوجهات والمحطات التاريخية والخُطوات اللافتة في هذا الطريق سيما في أثناء حبرية البابا تواضروس الثاني ما يتصل بخُطوات التقارب بين الطوائف، إذ أُنشئ في مصر لأول مرة مجلس كنائس مصر، وهو مجلس يضم جميع الكنائس الموجودة داخل مصر، كما شارك قداسته “البابا تواضروس” لأول مرة في تاريخ كنيستنا في طقس تنصيب بطريرك الأقباط الكاثوليك في مصر.

ثم عرج الأنبا الراحل “إبيفانيوس” نحو سرد لعدد من الاقتراحات التي ربما تُزيل بعض المعوقات أمام الوَحْدة الكاملة بين الكنائس:

  • أولًا، رفع أي نوع من الحرومات مهما كان نوعها بين الكنائس المختلفة، فمن دون رفع هذه الحرومات أنتم ما تزالون هراطقة في نظرنا، وهكذا نحن في أعينكم. وأشعر أن هناك صعوبة شديدة في تلاقي الهراطقة، ولكن من الأسهل تلاقي المختلفين.

هذا وقد سبق الاتفاق في جنيف عام 1990 بين العائلتين الأرثوذوكسيتين على أنه:

يجب على الأرثوذكس رفع كل الحروم والإدانات ضد كل مجامع وآباء الأرثوذكس الشرقيين الذين سبق لهم حَرمهم أو إدانتهم في الماضي. يَرفع الآباء الأرثوذكس الشرقيون في الوقت نفسه كل الحروم والإدانات ضد كل مجامع الأرثوذكس وآبائهم الذين حُرموا أو أُدينوا في الماضي.

  • ثانيًا، احترام كل كنيسة لقديسي الكنيسة الأخرى وقبول أن تُكرِّم الكنيسة الأخرى قديسيها، ووقف الهجوم المتبادل عليهم، فالكنائس تعتز بقديسيها ولا توجد كنيسة واحدة تستطيع أن تتخلى عن ميراثها الذي استمر معها لأكثر من خمسة عشر قرنًا. وإذا نظرنا إلى القديسين محل الخلاف بيننا نظرة محايدة، فسنكتشف أن كلًا من أولئك القديسين كانوا أمناء لتعليم الكنيسة كما فهموه وقتها، ولم يكن غرض أي منهم حدوث انقسام بين الكنائس، كما لم يكن في نية أحدهم التخلي عن الإيمان كما سلمه لنا الرسل.
  • ثالثًا، قبول القديسين الجدد واحترامهم الذين قام عليهم تاريخ الكنيسة بعد الانفصال بيننا. أو على الأقل إن لم أستطع أن أعترف بهم قديسينَ مشتركين فيما بيننا، فعلي أن أدعوهم بقديسي الكنيسة القبطية أو الأثيوبية أو البيزنطية أو الكاثوليكية، وهكذا دون أدنى تجريح أو إقلال من قداستهم، حتى يأتي الوقت لقبول جميع أولئك القديسين قبولًا كاملًا من جميع الكنائس.
  • رابعًا، النظر بجدية في قبول معمودية الكنائس المختلفة لكون الكنائس موضع النقاش جميعها كنائس تقليدية، بها رئاسة كهنوتية منذ أيام الرسل، وتتم بها المعمودية باسم الثالوث الأقدس، كما يُمنح فيها الروح القدس بواسطة سر التثبيت أو سر الميرون على غرار وضع أيدي الرسل.
  • خامسًا، وبناءً على قبولنا لمعمودية بعضنا البعض، فعلينا النظر في قبول اشتراك المؤمنين في سر الأفخارستيا بين الكنائس التقليدية المختلفة خاصة في البلدان التي لا تتوفر فيها كنائس لكل الطوائف، للتسهيل على الشعب المسيحي التقرب من سر الأفخارستيا الذي يُمثل عصب الحياة المسيحية لجميع الكنائس. وأنا شخصيًا أعتقد أنه كي تتم الشركة الكاملة بين جميع الكنائس، نحتاج إلى قوة توحد بيننا، وليس هناك من قوة أكثر من سر الأفخارستيا الذي يستطيع أن يوحدنا معًا.
  • سادسًا، العمل لتوحيد ميعاد الاحتفال بالأعياد الكنسية الكبرى التي بواسطتها يستشعر الشعب المسيحي أن هناك وَحْدة حقيقية تتم بين الكنائس. مع العمل على قدر الإمكان في تقريب وجهات النظر المختلفة فيما يخص تقليد كل كنيسة في تحديد ميعاد الاحتفال بمثل هذه الأعياد.

بعد الاتفاق على هذه النقاط الأساسية، نتخذ خُطوات أوسع لإزالة المعوقات الكثيرة التي أُضيفت من جميع الكنائس على نصوص إيمانها ومعتقداتها، مما يجعل باقي الكنائس لا تقبل هذه الزيادات، خاصة أن الأجواء الثقافية والاجتماعية التي تمر بها كل كنيسة تختلف في أحيانٍ كثيرةٍ اختلافًا بينًا فيما بينها. وهذه الإضافات تحتاج إلى شرح وتفاهم حتى تقبلها الكنائس المختلفة.

فعلى سبيل المثال:

  • أولًا، إيمان بعض الكنائس بعقيدة خلاص غير المسيحيين، يحتاج إلى شرح وتوضيح لباقي الكنائس، خاصة الكنائس التي يُمثل المؤمنون بها أقلية في مجتمعات غير مسيحية يُمارس أتباع تلك الديانات أو المعتقدات دعاية مستمرة لترك الدين المسيحي، ومن ثم تعد هذ العقيدة الجديدة ذريعة للتقريب بين الديانات وكأنها ديانة واحدة، ولأصحاب الديانات المصير الأبدي نفسه، فينخدع البسطاء وغير العارفين.
  • ثانيًا، هناك مقولات إيمانية دخلت كنائسنا في عصور لاحقة، وأصبحت تُمثل جزءًا أساسيًا من ممارساتنا الطقسية اليومية، تحتاج إلى مراجعة مع شرح وتوضيح لمعانيها للكنائس الأخرى حتى لا تُمثل هذه الإضافات معوقات للوَحْدة، خاصة مثل عقيدة الحبل بلا دنس وانبثاق الروح القدس من الآب والابن، ورئاسة القديس بطرس وما يتبعه من رئاسة بابا روما.
  • ثالثًا، توسع بعض الكنائس في إنشاء كِيانات خاصة بها في إيبارشيات لكنائس أخرى قديمة، تجعل هناك إحساسًا بمحاولة السيطرة على أتباع تلك الكنائس، خاصة إن كانت هذه الإيبارشيات تتبع كنائس قديمة تقليدية، لكنها كنائس ذات قدرات اقتصادية ضعيفة[12].

نحو ذلك لا شك أن هناك معوقات كثيرة تعمل لتعطيل أي محاولة جادة لمناقشة الخلافات بين الكنائس والوصول إلى نقاط اتفاق، يُمكن بلورتها في أربعة أسباب رئيسة: يأتي في مقدمتها الخوف من الهيمنة؛ نحن نتحدث عن طرفين: أولهما، كنيسة جامعة يتبعها دينيًا الكاثوليك في جميع دول العالم، هي مرجعيتهم الوحيدة. أما الطرف الآخر، كنيسة قبطية يتبعها عدة ملايين من المصريين، أرثوذكسية العقيدة، انفصلت عنها كنائس وُلدت من رحمها كالكنيسة الإثيوبية، فالكنائس الأرثوذكسية في العالم لا تجمعها رئاسات دينية موحدة، وتختلف في عقائدها وتقاليدها وطقوسها.

تستند الكنيسة القبطية في مكانتها إلى تاريخها وصمودها، وما قدمته في العصور المسيحية المبكرة من مدرسة لاهوتية ونظام للرهبنة. وإذا كانت المكانة الدينية وترتيب أولوية الكنائس من عوامل الانشقاق المسيحي الرئيسة في القرن الخامس الميلادي، فمن الطبيعي أن يزيد الخوف من الانصهار من تبعات الوَحْدة أو حتى إجراء مناقشة جدية لنقاط الخلاف الرئيسة.

ثاني معوقات الوَحْدة هو ما أشار إليه الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أبو مقار السابق في مؤتمر مؤسسة برو أوريينتي للحوار المسكوني بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الكاثوليكية عام 2016 هو عدم الرغبة في الوَحْدة لدى الأشخاص المسؤولين عن الحوار.

رغم أن البيان المشترك الذي وَقَّع عليه البابا بولس السادس والبابا شنودة الثالث في بداءة السبعينيات يدعو إلى تبنِّي لغة الحوار والشركة بين الكنائس، وليس الصّدام، نجد أن بعض كبار رجال الدين يتهمون المختلفين عنهم بالهرطقة كما أشرنا، ومن المثير للدهشة أن بعض هؤلاء قام برسامتهم البابا تواضروس نفسه، إذ لم يجرِ التدقيق في اختيارهم، وهل هم من مدرسته الفكرية نفسها أم لديهم توجهات أخرى. فالمختلفون مع البابا طيف من رجال دين بعضهم أقدم منه في الرسامة وبعضهم اختارهم وينتقدونه ويعارضون توجهاته. أعتقد أن قطاعًا من رجال الدين يخاف عدوى التعاون والوَحْدة، ويخشى خسارة مكانته ونفوذه وسيطرته على التابعين.

هذا ينقلنا إلى نقطة أخرى لها علاقة بمستوى التعليم في الكنيسة القبطية. فبينما نجحت الكنيسة الكاثوليكية في إجراء مراجعة واسعة وتقييم شامل لتراثها العقائدي والفكري، وقدمت رؤية تصالحية مع المختلفين عقائديًا كالأرثوذكس ودينيًا كالمسلمين، ذلك في المجامع المسكونية خصوصًا المجمع المسكوني الثاني، مستفيدة من علمانية الدول الموجودة بها وعدم خلط الدين بالسياسة، نجد أن الكنيسة القبطية ما تزال على تقاليدها وتعاليمها بأنها هي الوحيدة في العالم ذات الإيمان الصحيح والسليم، وهو ما انعكس على تصريحات بعض رجال الدين بأن باقي الكنائس ومن ثم المسيحيين التابعين لها إيمانهم باطل وغير مقبول.

يُضاف ذلك إلى عدم حسم الموقف من بعض القضايا السائدة مثل المرأة ودورها في المؤسسة وانتشار الخرافة وتراجع أهمية العلم. هذه النظرة الثنائية -إما نحن أو الآخرين- تعوق إمكان وجود أي محاولات للإصلاح وتجديد الخطاب الديني.

بطبيعة الحال لا يُمكن إغفال البعد السياسي في هذا الموضوع، فلا يُمكن تخيل حدوث وَحْدة من دون موائمة وموافقة سياسية، الكنيسة مؤسسة دينية متشعبة تلعب أدوارًا دينية واجتماعية وتنموية، في ظل مناخ سياسي واجتماعي مصري سمح للمؤسسات الدينية بعامة -إسلامية ومسيحية- بالتمدد ولعب أدوار متعددة تتجاوز مساحة الدور الديني التوعوي والتعليمي.

أدى ذلك لمساحات من التنسيق مع المؤسسات السياسية والتأثر بها، وفتح لها الباب لتلعب دورًا سواء بطريقة معلنة أو مستترة، علمًا بأن هذا الأمر ليس بجديد، وله سوابق فيما يخص علاقة الكنيسة القبطية بالكنائس العالمية الأخرى. فالفرق كبيرة بين كنيسة محلية لها حضور دولي وبين كنيسة مندمجة في اتحاد مسيحي عالمي[13].

خاتمة

ربما يجدر في ختام هذه الورقة الإشارة إلى أنّ مسارات الحوار المسيحي-المسيحي تواجه جُملة من التحديات المرتبطة بعدد من القضايا والنقاط الخلافية، إلى الحد الذي يدفع البعض إلى عدها مجرد “حوار شكلي” يفتقر إلى محددات حاسمة. وقد تعزز هذا التصور بعد واقعة مقتل الأنبا إبيفانيوس عام 2018، ووفاة الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ في العام نفسه الذي كان يتولى مسؤولية لجنة الحوار اللاهوتي، ومثّل الكنيسة القبطية في عديدٍ من اللقاءات والحوارات اللاهوتية مع كنائس الروم الأرثوذكس والكنائس البروتستانتية والكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأنجليكانية. وهو ما يستدعي في نهاية المطاف، ضرورة مقاربة هذه التحديات برؤية أكثر واقعية، تتجاوز معوقات الرأي العام المحلي وأوراق الضغط المتشددة في أروقة كل طرف.

 

المراجع:

[1] سليمان نسيم: مصر القبطية، مركز ابن خلدون للتنمية، القاهرة، 2000، ص ص 13–14.

[2] جون لومير: تاريخ الكنيسة ج3، دار الثقافة، القاهرة، 1992، ص ص230-237.

[3] مايكل فيكتور: حوار صحفي.. بين الوحدة والانقسام، رحلة مع تاريخ الحوارات المسكونية، جريدة وطني، عدد ١٢ شباط (فبراير) ٢٠١٦.

[4] وليام سليمان: الكنيسة تواجه الاستعمار والصهيونية، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1968، ص 24.

[5] طارق البشري: المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1981، ص ص 558–559.

[6] الموقع الرسمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، العمل المسكوني لبطاركة الإسكندرية.. للمزيد انظر الرابط: https://2u.pw/ImHvdbLB

[7] الأنبا صموئيل: صفحات من حياته… سيرته… فكره؛ كتاب صادر عن أسقفية الخدمات العامة والاجتماعية، القاهرة، د.ت، ص ص 46 – 53.

[8] موسوعة الأنبا غريغوريوس، مقالات وموضوعات متنوعة – موضوعات روحية، المجلد رقم 29، جمعية الأنبا غريغوريوس، القاهرة، 2009، ص ص 358 – 362.

[9] نفس المرجع السابق، ص ص 363 – 364.

[10]الموقع الرسمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية .. مصدر سابق.

[11] نفس المصدر السابق.

[12] نص كلمة الأنبا إبيفانيوس، موقع الأنبا إبيفانيوس.. للمزيد: https://2u.pw/duLALYXs

[13] إسحق إبراهيم: البابا تواضروس في الفاتيكان، صخب وحلم يعرقله رجال الدين، موقع المنصة، ٩ أيّار (مايو) ٢٠٢٣.

الرابط: https://manassa.news/stories/11019

 

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete