الذّكورة والأنوثة بين الفقه والتّصوّف (في الإسلام)

تكوين

1-تحديد المفاهيم:

1-1 الذّكورة والأنوثة؟

يمكن أن نحدّد دلالتي الذّكورة والأنوثة من منظورين اثنين، المنظور البيولوجيّ المادّيّ من جهة والمنظور الرّمزيّ المجازيّ من جهة ثانية.

1-1-1 الذّكورة والأنوثة الطّبيعيّان:

نعتمد لفظ “الطّبيعيّ” واعين بأن لا وجود لطبيعة محضة في علاقة بالإنسان. فاللّغة تسبق الإنسان، وإذا تذكّرنا العلاقة الوثيقة بين اللّغة والثّقافة فهمنا أنّ الإنسان يولد بالضّرورة في حوض ثقافيّ يؤثّر في تمثلّاته ورؤاه. ومن هنا فإنّنا إذ نتحدّث عن الذّكورة والأنوثة الطّبيعيّين لا ننفي وجود تلوين ثقافيّ لهما.

يقول الله تعالى: “إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا” (الحجرات، 13). وتقبل هذه الآية قراءتين وفقا لتأويل الحرف “من” أتبعيضيّ هو أم مصدريّ. فإن كان مصدريّا، فإنّ الآية تفيد أنّ الله تعالى خلقنا من لقاء أنثى (أو بويضة أنثويّة) بذكر (أو مني ذكوريّ)، وإذا كان الحرف تبعيضيّا، فإنّ الآية تفيد أنّ  إنّنا ننقسم في الكون إلى ذكور وإناث، وهو ما يعبّر عنه بيولوجيّا بوجود أشخاص ذوي كروموزمات (X,Y) وهم الذّكور، وأشخاص ذوي كروموزمات (X,X) وهنّ الإناث.

1-1-2 الذّكورة والأنوثة الرّمزيّان:

الدّلالات اللّغويّة نوعان، دلالة مرجعيّة ودلالة التزاميّة. فأمّا الدّلالة المرجعيّة فهي تحيل على الموضوع كما هو كأن تحيل صفة: “الأحمر” على اللّون المعروف. وأمّا الدّلالة الالتزاميّة، فهي ما يحفّ بموضوع ما من تمثّلات ورؤى ودلالات مشتركة بين المنتمين إلى ثقافة مّا. وعادة ما تنبني الدّلالة الالتزاميّة على منطق مخصوص. فالأحمر مثلا يدلّ على الخطر، وذلك لاشتراكه مع لون الدّم، وإراقةُ الدّماء من وجوه الخطر.

فإذا جئنا إلى الذّكورة  والأنوثة وجدنا أنّهما لا يخلوان من دلالات التزاميّة رمزيّة. ولئن كانت هذه الدّلالات في جلّها مشتركة بين جلّ الثّقافات، فإنّنا سنركّز في هذا المقال على ما هو شائع في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة أساسا.

1-2 الفقه والتّصوّف:

الفقه هو استنباط الأحكام الشّرعيّة وتصنيفها وقراءتها استنادا إلى مصادر التّشريع وأصوله، والتّصوّف هو تجربة روحيّة منطلقها وأفقها التّوحيد. ولا شيء يمنع من أن يكون المرء فقيها ومتصوّفا، فالمجالان لا يتنافيان من حيث المبدأ وإن تصادما أحيانا في الواقع التّاريخيّ.

2- الذّكورة والأنوثة الطّبيعيّة بين الفقه والتّصوّف

يتكرّر لدى الفقهاء الإقرار بأفضليّة الرّجل على المرأة. ف”الذّكر أفضل من الأنثى على العموم وأصلح للأشياء”[1]، و”فضل الرجل على المرأة أمر معلوم”[2]. وقد “جاءت الشّريعة بالمنع عن التّشبّه بالكفّار والحيوانات والشّياطين والنّساء وكلّ ناقص”[3]. ويستند الفقهاء في ذلك إلى دليل أصليّ وإلى ما ينتج عنه من مراتب اجتماعيّة وأحكام مناسبة تميّز بين الجنسين وتجعل الأفضليّة للرّجل.

2-1 الدّليل الأصليّ لأفضليّة الذّكر: خلق الرّجل قبل المرأة

فأمّا الدّليل الأصليّ، فهو أنّ الرّجل خُلق قبل المرأة. ويعتمد الفقهاء في هذا الإقرار على قوله تعالى: “يا أيّها النّاس اتّقوا الّذي خلقكم من نفس واحدة ثمّ جعل منها زوجها” (النّساء،1).  ويقرّ جلّ المفسّرين أنّ النّفس الأصليّة هي آدم المذكّر، ومنه خلقت حوّاء المؤنّثة. ويرون ذلك من وجوه تفضيل الرّجل على المرأة. فيقول ابن العربي: “والرّجل أفضل من المرأة يكفي أنّه أصل لها”[4]. بل يذهب عدد من المفسّرين إلى أنّ “حوّاء” هي الّتي أغرت آدم وكانت سببا في عصيانه لأمر الله وأكله من الشّجرة المحرّمة[5].

فإذا جئنا إلى المنظور الصّوفيّ وجدنا ابن عربي يستند إلى نفس الآية 1 من سورة النّساء ليقرّ أنّ الإنسان في حقيقته الأصليّة “ليس ذكرا ولا أنثى بل هو نفس لا تمييز فيها”[6]. إنّ النّفس الواحدة تحيل على الوحدة الأصليّة الّتي تكوّن منها الإنسان. ثمّ تفرّعت منها الكثرة[7]. وهذه المقاربة تقطع مع المعياريّة والتّفضيل، فلا شيء يثبت أنّ آدم رجل (بالمعنى البيولوجيّ) وإنّما هو “الإنسان الّذي “يحمل صورتي الذّكورة والأنوثة”[8]. “فما صدرنا إلاّ عن واحد كما أنّ العالم كلّه ما صدر إلاّ عن إله واحد”[9].

وإلى جانب هذه القراءة الاعتباريّة، يعمد ابن عربي إلى كسر الرّؤية الفقهيّة من خلال مثال مضادّ، فيذكّر بأنّ مريم وجدت قبل عيسى عليهما السّلام[10]، وهذه الأسبقيّة في الخلق لا تفيد أنّها أفضل منه.

2-2 الزّواج

ويستمرّ الفقهاء في تفصيل مواقفهم المعياريّة السّلبيّة على المرأة ويمثّلون لها بعلاقة الزّواج، فالفقهاء يذهبون إلى أنّ الزّواج “عقد يمتلك الرّجل به بضع المرأة بموجب مال يدفعه لها” ومالك بن أنس يقرّ بأنّ “النّكاح أشبه شيء بالبيوع”[11]. وهكذا تبدو العلاقة الزّوجيّة علاقة ذات بموضوع يُمتلك بالمال أو هو علاقة شخص ببضاعة يشتريها. إنّ الزّواج هو وفق أبي حامد الغزالي “نوع رقّ”، وتكون المرأة رقيقة للزّوج[12].

وفي مقابل هذا التّصوّر “التّجاريّ” للزّواج، ينطلق الشّريف التّلمساني من الحديث: “حبّب إليّ من دنياكم الطّيب والنّساء وجعلت قرّة عيني في الصّلاة”[13]، ليفسّر محبّة النّساء بأنّهنّ محلّ لحفظ النّوع. ويؤكّد أنّ “في النّكاح خلافة ربّانيّة في إيجاد الأشخاص الإنسانيّة وذلك بالتّخلّق باسمه الخالق”[14]. بل يجعل التّلمساني فهم هذه الحكمة وقصدها سببا لاعتبار فعل النّكاح عبادة. وشتّان بين البيع والشّراء والعبادة.

ويسير ابن عربي المسار نفسه إذ يرى أنّ النّكاح يسمح للإنسان ببلوغ حقيقته الدّفينة فيعرف أنّ اكتماله لا يكون إلاّ بحضور الآخر[15]. وينفذ العارفون إلى هذه العلاقة الوثيقة بين النّكاح ووعي الإنسان بجوهره، ولذلك “لا تتحقّق (للقطب) ولا لغيره من العارفين عبوديّة أكثر ممّا تتحقّق له في النّكاح”[16].

2-3 القوامة والإمامة

يقرّ الوهبي أنّ الرّجال “خُصّوا بالنبوّة، والإمامة، والولاية، وإقامة الشّعائر، والشّهادة، في مجامع القضايا، ووجوب الجهاد والجمعة ونحوهما، والتّعصيب، وزيادة السّهم في الميراث، والاستبداد بالطّلاق”[17]. وسنقتصر في هذا المقال على النّظر في تخصيص الرّجال بالقوامة والإمامة بما هما ممثّلان للمنظور الفقهيّ. وارتأينا أن نجمعهما معا. فهما رغم اختلافهما المرجعيّ ينتميان إلى الحقل الدّلالي للولاية (بمعناها السّلطويّ لا الصّوفيّ). وهذا ما يثبته الزّمخشري إذ يؤكّد أنّ الرّجال: “يقومون عليهنّ آمرين ناهين، كما يقوم الولاة على الرّعايا”[18]. وتحيل كلّ من القوامة والإمامة على ارتفاع الرّجال درجة على النّساء. وهذا ما يصرّح به الطّبري: “ذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إيّاهم عليهنّ… بكمال العقل وحسن التدبير ومزيد القوّة في الأعمال والطاعات”[19].

إذ أسلفنا أنّ الزّواج نوع رقّ، فمنطقيّ أن تكون القوامة صفة للمالك. فعلى الزّوجة أن تطيع زوجها طاعة كاملة فيما لا معصية لله فيه، ويذهب الغزالي إلى أنّ طاعة الزوج هي من مباني الإسلام[20]. فعلى الزّوجة أن لا تخرج إلاّ بإذن الزّوج، ولا تتعلّم إلاّ بإذنه، ولا تعمل إلاّ بإذنه، ولا تسافر إلاّ بإذنه، ولا تصوم تطوعاً إلاّ بإذنه، والويل لها إذا طلبها ولو على ظهر بعير وامتنعت فنام غاضباً، الملائكة تلعنها حتى الصّباح.

وخلافا للفقهاء، يعتبر المتصوّفة الاختلافات البيولوجيّة عرضيّة لا تسمح بتفضيل جنس على آخر. فالانتصاب الذّكوريّ مثلا هو حال عرضيّة تستقي قيمتها زمن النّكاح وحده، ويشترك فيها الرّجل مع ذكور الحيوان[21]. والأنوثة والذّكورة البيولوجيّة هما “عرضان ليستا من حقائق الإنسانيّة لمشاركة الحيوان كلّه في ذلك”[22].

من هنا يزحزح المتصوّفة مفهوم القوامة عن أن يكون تميّزا طبيعيّا أصليّا، ويقرؤونه قراءة مختلفة تماما. فقد انتبهوا إلى أنّ الله تعالى لم يقل: “الذّكور قوّامون على الإناث” وإنّما قال: “الرّجال قوّامون على النّساء”، ومن هنا لا تكون القوامة عندهم سمة يكتسبها المرء بمجرّد انتماء بيولوجيّ طبيعيّ، وإنّما هي  مقام يؤهّل الشّخص إلى بلوغ مرتبة يحمل فيها بعضا من الأنوار المحمّدية. ومن ارتقى في المراتب الصّوفية اكتملت قوامته رجلا كان أم امرأة، ومن نقص من سمات الأنوار المحمّدية كان فيه نقص في مقام القوامة. ومتى توفّرت الأنوار في المرأة إلاّ كانت مؤهّلة لإقامة ما نقص من نور القوامة في الرّجل[23].

وقد ذهب الشّيخ الأكبريّ المذهب نفسه في تفسير الآية 34 من سورة النّساء، فالرّجال هم الأفراد الواصلون، والنّساء هنّ الأفراد الناقصون القاصرون عن الوصول[24]. وفي سياق آخر يعتبر ابن عربي أنّ آية القوامة تندرج ضمن الآيات المتشابهات القابلة للتّأويل والاجتهاد. فيرى أنّ القيوميّة هي صفة ذاتيّة للرّبوبيّة[25] وأنّ الاتّصاف بها يدلّ على التّكبّر وطغيان الأنا، ويجعلها من صفات إبليس الّذي رفض السّجود لآدم[26]. و”الإنسان من حيث قيوميّته الّتي يعتقدها على نفسه هو طلسم على نفسه، وبتلك القيوميّة استخدم فكره وجميع قواه لأنّه يعتقد أنّه ربّ في ذاته”[27]. فتتحوّل القيوميّة هنا إلى ادّعاء للرّبوبيّة وإلى حجاب يمنع المرء عن لقاء الله تعالى.

ممّا سبق يبدو أنّ المتصوّفة في سعيهم إلى كسر التّمثّل الفقهيّ للقوامة، قد لجؤوا إلى أسلوبين، إمّا قراءة القوامة باعتبارها سمات روحانيّة إيجابيّة يمكن أن يتميّز بها الرّجل والمرأة، أو قراءة القوامة باعتبارها تكبّرا وابتعادا عن التّواضع الأصليّ أمام الله تعالى، فتغدو بذلك رمزا سلبيّا سواء اتّصف بها الرّجل أو المرأة. والمهمّ أنّ القوامة لم تعد صفة تفضيليّة جوهريّة للرّجال تتيح لهم التّحكّم في النّساء كما هو الشّأن في المقاربة الفقهيّة.

2-4 الإمامة

تتّصل الإمامة اعتباريّا بالقوامة. ويؤكّد الفقهاء ذلك إذ يرون الإمامة فرعا من القوامة. وتختلف الفرق الإسلاميّة في السّماح للنّساء بالإمامة. ففقهاء المالكيّة لا يجيزون إمامة المرأة مطلقا لا في صلاة فرض ولا في صلاة نفل. وجمهور الفقهاء من الحنبليّة والشّافعيّة والحنفيّة يجيزون إمامة المرأة للنّساء فقط، مضمرين أنّ في إمامة المرأة للرّجال انتقاصا من الرّجل وكسرا لقاعدة التّفاضل المبدئيّة. وتشترط الفرق الّتي تسمح للمرأة بإمامة النّساء أن تقف المرأة وسطهنّ، فكأنّ “الرّئاسة” وإن تكن رمزيّة لا يصحّ أن تسند إلى النّساء حتّى في غياب الرّجل. وهذا ما يجعلها حكرا على ذكور الأمّة.

فإذا جئنا إلى المتصوّفة وجدنا ابن عربي مثلا يقول: “فمن النّاس من أجاز إمامة المرأة على الإطلاق بالرّجال والنّساء وبه أقول، ومنهم من منع إمامتها على الإطلاق، ومنهم من أجاز إمامتها بالنّساء دون الرّجال. ويحتجّ ابن عربي بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد شهد لبعض النّساء بالكمال كما شهد لبعض الرّجال، “فصحّت إمامة المرأة والأصل إجازة إمامتها، فمن ادّعى منع ذلك من غير دليل فلا يسمع له ولا نصّ للمانع في ذلك”[28]. وواضح من خلال هذا الشّاهد أنّ ابن عربي ينتقد الاجتهاد الفقهيّ الّذي يمنع أن تؤمّ المرأة الرّجال. وهو يستند إلى أنّ “كلّ مسكوت عنه فلا حكم فيه إلاّ الإباحة الأصليّة”[29].

ويبدو سماح ابن عربي للنّساء بالإمامة مندرجا ضمن تصوّر شامل يؤكّد أنّه “ما من صفة للرّجال إلاّ للنّساء فيها مشرب”[30]. ويفصّل الشّيخ الأكبر ذلك إذ يقول: “كلّ ما يصحّ أن يناله الرّجل من المراتب والصّفات يمكن أن يكون لمن شاء الله من النّساء كما كان لمن شاء من الرّجال”[31]. وهذا يعني أنّ النّساء يمكن أن يكنّ من الأقطاب ومن الأبدال أيضا. فالمرأة والرّجل “يشتركان في جميع المراتب حتّى في القطبيّة”[32]، وقد “قيل لبعضهم: كم الأبدال، فقال: أربعون نفسا، فقيل له ولم لا تقول أربعين رجلا، فقال قد يكون فيهم النّساء”[33]. ويثبت ابن عربي تصوّراته النّظريّة بأمثلة تاريخيّة شهدها هو بنفسه: “ما من طبقة ذكرناها إلاّ وقد رأينا منهم جماعة من رجال ونساء بإشبيلية وتلمسان وبمكّة وبمواضع كثيرة”[34].

2-5 الشّهادة والإرث

رغم أنّ جلّ المفسّرين أشاروا إلى أنّ آية “للذّكر مثل حظّ الأنثيين”[35] قد نزلت بهدف توريث النّساء اللّواتي لم يكنّ يرثن أصلا[36]، ورغم أنّ هذه الآية إنصاف تاريخيّ للنّساء بغضّ الطّرف عن تأويله بتطوّر السّياقات، فإنّ جمهور الفقهاء ذهب إلى أنّ الإرث هو من درجات الرّجال على النّساء[37]. واعتبروا الرّجل أزيد في الفضيلة على النّساء في أمور ومنها المواريث والشّهادة[38].

ومن اللّطيف أنّ من المتصوّفة من يتناول موضوع الإرث والشّهادة من زاوية مختلفة. فابن عربي يعتبر تقسيم المواريث الوارد في الآية 11 من سورة النّساء من وجوه قوّة المرأة، فاللّه تعالى “أعطى الأكثر للأضعف كي يقوى من جهة الضّعف ومن جهة النّشء”[39]. وفيما يخصّ الشّهادة يذهب الشّيخ الأكبر مرّة أخرى إلى إثبات تميّز المرأة، ف”آدم قد نسي ونسيت ذرّيته”[40]. أمّا النّساء فلم يوصفن بالنّسيان وإنّما بإمكان الضّلال أي بالحيرة[41]، والحيرة نصف النّسيان لا كلّه. يقول ابن عربي: “على أنّ الحقّ ما وصف إحدى المرأتين إلاّ بالحيرة فيما شهدت فيه ما وصفها بالنّسيان، والحيرةُ نصف النّسيان لا كلّه ونسب النّسيان على الكمال للرجل فقال فنسي ولم نجد له عزما فقد يمكن أن ينسى الرّجل الشّهادة رأسا ولا يتذكّرها ولا يمكن أن تنسى إحدى المرأتين وهي المذكّرة لا على التّعيين فتذكّر الّتي ضلّت عمّا شهدت فيه”[42]. ويذهب ابن عربي إلى أنّ “المرأة تقوم في بعض المواطن مقام رجلين إذ لا يقطع الحاكم بالحكم إلا بشهادة رجلين فقامت المرأة في بعض المواطن مقامهما وهو قبول الحاكم قولها في حيض العدّة وقبول الزّوج قولها في إن هذا ولده مع الاحتمال المتطرّق إلى ذلك وقبول قولها إنها حائض فقد تنزلت ههنا منزلة شاهدين عدلين كما تنزّل الرجل في شهادة الدين منزلة امرأتين فتداخلا في الحكم فناب الكثير مناب القليل”[43].

+++

ممّا سبق ننتهي إلى أنّه بقدر تأكيد الفقهاء على أفضليّة الرّجل على المرأة جوهريّا، نجد المتصوّفة ينفون هذه الأفضليّة ويبيّنون خطلها وقيامها على فهم خاطئ للنّصوص أو على تمحّل لها. بل إنّه قد بلغ الأمر بالشّيخ الأكبر إلى تقديم قراءات ترفع من شأن المرأة وتجعلها في بعض الأحيان “أقوى” من الرّجل. وليس هذا ردّ فعل أو اندراجا في المقارنات المعياريّة الّتي لجأ لها الفقهاء. وإنّما هو محاولة للإنصاف. فابن عربي يرى أنّ لكلّ من الرّجل والمرأة خصائص وسمات تجعل له درجة على الجنس الآخر. وليست الدّرجة أفضليّة جنس على جنس مطلقا، وإنّما هي حكمة من الله تعالى في الإقرار بعلاقة الشّراكة بين الجنسين: “ألا تنظر إلى حكمة الله تعالى فيما زاد للمرأة على الرّجل في الاسم فقال في الرّجل المرء وقال في الأنثى المرأة فزادها هاء في الوقف تاء في الوصل على اسم المرء للرّجل فلها على الرّجل درجة في هذا المقام ليس للمرء في مقابلة قوله وللرّجال عليهنّ درجة، فسدّ تلك الثّلمة بهذه الزّيادة في المرأة وكذلك ألف حبلى وهمزة حمراء”[44].

يقوم المنظور الصّوفيّ على مبدإ الشّراكة بين الجنسين. فخصائص الأنس والسّموّ المحدّدة للإنسان “تجمع الذّكر والأنثى”[45]، وتحيل على ما “يشتركان فيه وليس إلاّ الإنسانيّة”[46].

2- الذّكورة والأنوثة الرّمزيّة بين الفقه والتّصوّف

ما الّذي نعنيه بالمنظور الرّمزيّ للذّكورة والأنوثة؟

أسلفنا أنّ البعد المجازيّ الرّمزيّ هو ذاك الّذي تلوّن به الثّقافة المعطى البيولوجيّ الطّبيعيّ. ويمكن أن ننطلق من الدّلالة اللّغويّة، فاللّغة هي الّتي تسم الحوض الثّقافيّ وهي الّتي تنشئ رؤية الذّات لنفسها وللغير. وحينها نجد أنّ جذر “ذ،ك،ر” يحيل على ما/من يتّصف بالشّجاعة والقوّة والشّدّة والصّلابة والمتانة والغلظة والخشونة[47] والحدّة والصّعوبة[48] ، وفي المقابل يحيل جذر: “ء،ن،ث” على ما/من يتميّز بالسّهولة واللّين[49].

وتشير نزهة براضة إلى أنّ اللّغة في “رسمها لدلالات الأنوثة والذّكورة تنطلق بدرجة أولى من الصّفة وليس من الجسم في مادّيته”[50]. ومن هنا يمكن القول إنّه لئن كانت الذّكورة والأنوثة الطّبيعيّان يحيلان على أشخاص ينتمون إلى أحد الجنسين[51]، فإنّ الذّكورة والأنوثة في بعدهما الرّمزيّ، وبما هما صفتان، يمكن أن يحيلا على أشخاص من الذّكور أو أشخاص من الإناث. وهذا ما يتيح للذّكر بأن يتّصف بسمات الأنوثة الرّمزيّة، وما يتيح للأنثى بأن تتّصف بصفات الذّكورة الرّمزيّة.

وتتجسّم الأبعاد الرّمزيّة للذّكورة والأنوثة في شكل ثنائيّات متقابلة كما سنرى. وهذه الأبعاد متنوّعة ومتعدّدة، سنقتصر منها في هذا البحث على ثلاثة عناصر أساسيّة لنقرأها من منظوري الفقه والتّصوّف.

2-1 الفعل(ذكوريّ) والانفعال(أنثويّ)

إنّ وسم الذّكورة بالفعل والأنوثة بالانفعال هي الثّنائيّة الأساسيّة الّتي عنها تتفرّع كلّ ضروب التّقابل بين الذّكورة والأنوثة. ويتّصل الفعل بالحركة وإلقاء الأثر ويتّصل الانفعال بالسّكون وبالقبول[52]. وثنائيّة الفعل والانفعال هذه شائعة في الفكر الفلسفيّ[53] وفي التّحليل النّفسيّ[54] ومنتشرة لدى الفقهاء والمتصوّفة. وينظر الفلاسفة والفقهاء إلى العلاقة بين الفعل والانفعال من منظور معياريّ يفضّل الفعل على الانفعال[55].

ويتجسّم الفعل والانفعال عبر ثنائيّات عديدة أهمّها: النّبوّة والولاية من جهة والإسلام والإيمان من جهة ثانية.

2-1-1 النّبوّة والولاية

إنّ النّبوّة هي الرّسالة الّتي يحمّلها النّبيّ وعليه أن ينقلها ويبلّغها: “يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك” (المائدة، 67). والتّبليغ حركة وفعل. ولذلك كانت النبوّة ذكوريّة بامتياز: “وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالا نوحي إليهم” (يوسف، 109).

وفي مقابل مقام النبوّة (الفاعل) ينتصب مقام الولاية. ومن اللّطيف أنّ الوليّ صفة مشبّهة تكون بمعنى الفاعل وبمعنى المفعول. فبمعنى الفاعل يكون وليّ الأمر هو صاحب الحكم والإدارة في مجال العلم أو الدّين، وبالاصطلاح القانونيّ وليّ الأمر هو الشّخص المسؤول تشريعا عن مسألة مّا. والوليّ الفاعل مطلقا هو الله تعالى فهو وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور[56].

على أنّ مصطلح الوليّ في المجال الصّوفيّ يحيل على معنى المفعول، ف “أولياء الله” هم أولئك الّذين يتولّى الله تعالى أمرهم. وبعبارة ابن عربي هم “الّذين تولاّهم الله بنصرته في مقام مجاهدتهم الأعداء الأربعة الهوى والنّفس والدّنيا والشّيطان”[57]، وبعبارة القشيري الوليّ هو من “يتولّى الحقّ حفظه على الإدامة والتّوالي”[58].

إقرأ أيضاً: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}…قراءة معرفية لآيات المواريث

وهكذا يتحوّل معنى الوليّ من الإحالة على الفاعل إلى الإحالة على أقصى درجات الانفعال. فإذا كان الوليّ هو من يتولّى الله تعالى أمره مطلقا، فهذا معناه أنّه من ذابت إرادته البشريّة الفرديّة في إرادة الله تعالى المطلقة. والوليّ هو في موضع المنفعل وهو موضع أنثويّ سواء أكان الوليّ ذكرا أم أنثى.

ورغم أنّ الوليّ هو العارف، فإنّ معرفته ليست فعلا، وإنّما هي انفعال تجسّمه عبارة الغزالي الشّهيرة عند الحديث عن تجربته الصّوفيّة: “نور قذفه الله في صدري”. والانفعال المطلق ليس سوى العبوديّة الخالصة حيث يمحى العابد ولا يظلّ سوى المعبود. وهذا ما يحيل على مفهوم الفناء الصّوفيّ، ف”هنالك يمحو الله اسم العبد ويثبت له اسم الله تعالى”[59].

ولعلّ “الكرامة” من أبرز ما يجسّم هذا الانفعال الأنثويّ الخالص. فغياب العبد يجعل المعبود هو الفاعل الوحيد، ويجعل العبد مجرّد أداة يمرّ عبرها الفعل الإلهيّ. إنّ الكرامة هي منّة من الله تعالى وهي تَجَسُّم فعلٍ “خارق” لنواميس المنطق والعقل نتيجة لانفعال تامّ قوامه الاستسلام المطلق إرادة الله تعالى. والكرامة لدى الوليّ هي نظير المعجزة لدى النّبيّ مع فارق هامّ. فالمعجزة “يُشترط فيها أن يتحدّى النّبيّ من يكذّبه بأن يقول: إن فعلتُ كذا أتصدّق بأنّي صادق أو يقول من يتحدّاه لا أصدّقك حتّى تفعل كذا…وسمّيت المعجزة لعجز من يقع عندهم ذلك عن معارضتها”[60]. وواضح هنا بعد الفعل الذّكوريّ وأرضيّة التّحدّي والصّراع الّذي تنشأ فيها المعجزة. أمّا الكرامة، فمنّة من الله تعالى يستحي منها الأولياء ويودّون سترها وإخفاءها. وأن يشوبها فخر أو أن تعتبرها “دليل حقّ على نيل المقامات” هو مكر وفق ابن عربي[61]. إنّ الكرامة خلافا للمعجزة هي انفعال أنثويّ خالص لا أثر للفعل فيه.

2-1-2 الإسلام والإيمان

اعتبر القدريّة والخوارج الإسلام والإيمان مثيلين دلاليّا حيث قالوا “إنّ الإسلام هو الإيمان فكلّ مؤمن مسلم وكلّ مسلم مؤمن، لقوله إن الدّين عند الله الإسلام فدلّ على أنّ الإسلام هو الدّين وأنّ من ليس بمسلم فليس بمؤمن”[62]. على أنّ القرآن يفنّد هذا الرّأي إذ يحتوي على الأقلّ دليلين على أنّ الإسلام غير الإيمان[63]. والشّائع لدى الفقهاء أنّ الإسلام يفترض على الأقلّ الشّهادة أي الإقرار بوجود الله تعالى ووحدانيّته وبأنّ محمّدا رسول الله تعالى[64]. ويؤكّد الفقهاء أنّ على المسلم أن يتبع اعتقاده بالعمل وأساسه الالتزام بأركان الإسلام صلاة وزكاة وصوما وحجّا والاتّصاف بأخلاق المسلم بطاعة أوامر الله تعالى وتجنّب نواهيه. إنّ الإسلام يقوم على إقرار وشعائر وأنماط سلوك مخصوصة أي إنّه يقوم على أفعال اختياريّة وإراديّة. ومن هنا نقرأ الإسلام بصفته ذكوريّا.

أمّا الإيمان، فهو فيخصّص بوجوده في القلب. هذا ما يثبته القرآن في مواضع عديدة: “…من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم…” (المائدة5/41)، “…وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان…” (النّحل16/106)، “…كتب فى قلوبهم الإيمان…” (المجادلة58/22)، “…ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان فى قلوبكم…”(الحجرات49/14). “[65]. وليس الإيمان من هذا المنظور فعلا إراديّا، وإنّما هو استعداد انفعاليّ لقبول ما يدخل القلب، وهو لا يختلف في ذلك عن النّور المقذوف في الصّدر[66].

ويتأكّد قيام الإسلام على الفعل الذّكوريّ، وقيام الإيمان على الانفعال الأنثويّ إذ نتذكّر أنّ الإسلام دين[67]. فالمرء بإمكانه أن يختار اعتناق دين من الأديان بما هو انتماء جماعيّ قائم على أفعال مخصوصة وشروط مضبوطة، وفي مقابل ذلك لا يمكن أن تطلب من شخص الدّخول إلى الإيمان أو اتّخاذ قرار الاتّصاف به. صحيح أنّ على المسلم أن يفعل ويلقي الأثر (فعل ذكوريّ)، ولكنّ دخول الإيمان قلبه ليس سوى نتيجة لا يحكمها الشّخص نفسه(انفعال أنثويّ). وإذا نظرنا في كتب الفقه وجدناها تركّز على أحكام الإسلام وشعائره وتكاد تضرب صفحا عن الاستعداد للإيمان بما هو تجربة انفعاليّة صرف. ويقدّم شيوخ التّوحيد في (Advaita vedanta) صورة معبّرة عن الفرق بين الفعل والانفعال في هذا المستوى. فيمثّلون لما يقوم به الإنسان من أفعال وشعائر بالضّربات التي يضرب بها الطّاهي جرّة بها لحم معتمدا أداة صلبة. الطّاهي هو الّذي يضرب، ولكنّه لا يمكن أن يعرف أيّ الضّربات ستكسر الجرّة. في هذه الصّورة: الضّرب هو الفعل الذّكوريّ واستعداد الجرّة للتّكسّر هو الانفعال الأنثويّ.

 2-2 الرّمزيّ (ذكوريّ) والواقعيّ(أنثويّ):

يميّز المحلّل النّفسيّ لاكان بين الرّمزيّ (le symbolique) والواقعيّ (le Réel)[68]. فالرّمزيّ يشمل الأنظمة اللّغويّة الثّقافيّة ويندرج في مجال الذّكوريّ، والواقعيّ هو ما لا يمكن تمثيله أو ترميزه ويندرج في مجال الأنثويّ.

وتتجسّم ثنائيّة الرّمزيّ والواقعيّ بين الفقه والتّصوّف من خلال ثنائيّتين:

2-2-1 الأسماء دالّ متكلّم والأعيان صامتة  

يستعمل ابن عربي عبارة الأعيان الثّابتة للإحالة على الأشياء، وهذه الأشياء هي معدومات أو هي ممكنات الوجود[69]. وتتميّز الأعيان الثّابتة بالانفعال والإمكان بما يجعلها محيلة على الأنوثة الأنطولوجيّة.

على أنّ هذه الأعيان تنتقل من حال إمكان وانفعال خالصين إلى حال الحركة والفعل والظّهور الذّكوريّة. وعندما تظهر الموجودات تسري معاني الأسماء الإلهية في الأعيان الثّابتة، فيتجلّى الله في المظاهر، و”تقوم هويّة الموجودات على فاعليّة الأسماء وذكوريّتها وانفعال الممكنات وأنوثتها”[70].

إنّ حركة الأسماء تحيل على الذّكورة، وإذا جئنا إلى الفقه وجدناه يقوم على التّسمية والتّصنيف. فهو يميّز بين المحدّثين والأصوليّين وعلماء القرآن والمحتسبين إلخ. كما تنقسم الأحكام في الفقه إلى مندوب ومكروه وحلال وحرام. وتتوزّع القراءات الفقهيّة إلى مدارس ومذاهب متنوّعة. ويعمد الفقهاء إلى الدّالّ الذّكوريّ بل يسهبون في استعماله للتّفسير والتّأويل والإقناع والدّعوة إلخ. وفي مقابل ذلك لا تتكلّم الأعيان الثّابتة المنفعلة المحيلة على الأنوثة الرّمزيّة، فيكون الصّمت ذا صلة وطيدة بالأنثويّ. والمتصوّفة يُولون الصّمت أهمّية كبرى إن يكن اختياريّا أو مفروضا.

فأمّا الصّمت الاختياريّ، فهو عندهم من وسائل الرّياضة والتّهذيب. يقول أبو طالب: “وذلك (الصّمت) نعت أرباب الرّياضات وهو أحد أركانهم في حكم المنازلة وتهذيب الخلق”[71]. ويفسّرون ذلك بأنّ “من التزم الصّمت من الأحوال كلّها لم يبق له حديث إلاّ مع ربّه”[72].

ويكون الصّمت صمتا بالقوّة، ذلك أنّه يعسر نقل التّجربة الصّوفيّة بالكلام، فهي تجربة جوّانيّة عميقة لا تنقال. وهذا ما يؤكّده النّفّري: “كلّما اتّسعت الرّؤية ضاقت العبارة”. وهنا يغدو الصّمت الملاذ الوحيد للمتصوّف باعتبار أنّ الدّوال الذّكوريّة جميعها عاجزة عن تمثيل الواقعيّ الأنثويّ الّذي لا يمكن تمثيله. ولعلّ اعتماد كلمة “الذّوق” في المجال الصّوفيّ معبّرة أحسن تعبير عن العجز عن التّرميز. فما يذاق يجب أن يعاش لا أن يَنْقال.

ومن اللّطيف أن نلحظ انزعاج الفقهاء من الصّمت لدى المتصوّفة واعتباره بدعة. فابن تيميّة مثلا يقول: “فأولئك (المتصوّفة) يقولون كلّما كانت الأعمال أشقّ على النّفس فهي الأفضل، ثمّ هؤلاء قد يفضّلون الجوع والسّهر والصّمت والخلوة ونحو ذلك، كما يفعل ذلك من يفعله من المشركين الهند وغيرهم من النّصارى ومبتدعة هذه الأمّة”[73]. وابن قدامة المقدسي يقول: “وليس من شريعة الإسلام الصّمت عن الكلام، وظاهر الأخبار تحريمه”[74]. وليس انزعاج الفقهاء من الصّمت سوى صدى لانزعاجهم من الأنثويّ الّذي سبقت الإشارة إليه.

2-2-2 الشّريعة والحقيقة

الشّرع والشّريعة في اللّغة: عبارة عن البيان والإظهار، يقال: شرع الله كذا أي جعله طريقا ومذهبا، ومنه المشروعيّة والشّريعة والشّرع. والشّريعة اصطلاحا هي مجموعة القوانين والأحكام التّكليفيّة الّتي استنبطها الفقهاء من خلال أصول التّشريع ومصادره. ويقوم استنباط الأحكام على الفعل والكلام، وذلك بتقليب النّصوص والنّظر فيها وعرضها على الواقع وتغيّراته، أو بالقياس أو بالتّباحث في المسائل سعيا نحو الإجماع. ونظرا إلى اتّصال التّشريع بالفعل والكلام أي بالدّوالّ، فإنّها تعدّ اعتباريّا ذكوريّة وذلك سواء اضطلع بها رجل أو امرأة [75].

وتتميّز الشّريعة بتعدّد القراءات والرّؤى. وهو ما أنشأ مذاهب فقهيّة متنوّعة. ولئن شاع لدى أهل السّنّة الحديث عن المذاهب الأربعة الكبرى[76]، فإنّ عدد المذاهب أكبر من ذلك بكثير (الجعفريّة، الزّيديّة، الظّاهريّة…). وينقل لنا التّاريخ صراعات عدّة بين الفرق المختلفة[77] وما تزال بعض مظاهر الصّراع بين السّنّة والشّيعة مستمرّة إلى اليوم.

وإنّنا نذهب إلى أنّ الاختلاف والصّراع على المعنى وتأويله متّسقان مع الذّكوريّة الرّمزيّة للشّريعة. ذلك أنّ المعرفة المستندة إلى الدّوالّ الرّمزيّة تقوم بالضّرورة على الاختلاف. وسبب الاختلاف الضّروريّ في المجال الرّمزيّ هو أنّه ينشد تمثيل الواقعيّ بالدّوالّ، والحال أنّ الدّوالّ منفصلة عن الواقع[78]. وهذا ما يجعل الواقع متاحا بالقوّة لتآويل لا حصر لها ولا حدّ، وهو ما يؤدّي إلى صراعات تتفاوت قوّة وعنفا[79].

وفي مقابل الشّريعة الذّكوريّة باختلافها وصراعاتها، تتجسّم الحقيقة مثلما يشير إليها المتصوّفة. إنّ الحقيقة هي الشّيء المتعيّن أو الثّابت يقينا. فإذا كانت الدّوالّ مجال اختلاف وتعدّد، فإنّ الحقيقة هي مجال الشّيء الواحد في ذاته بالمعنى الكانطيّ.

ومن المنظور الصّوفيّ يعرّف القشيري الحقيقة بأنّها “مشاهدة الرّبوبيّة”[80]. ويعرّفها بعض المحدثين بأنّها تعني “ألا يقع بصر العارف على رؤية سواه، لاشتغال سرّه به دون سواه، بحيث لو تكلّف أن يرى غيره ما قدر على ذلك”[81]. إنّ الحقيقة تحيل على شهود الحقّ، والحقّ واحد. ويعبّر ابن عربي عن المضمون نفسه بعبارات مختلفة إذ يقول: “إنّ الحقيقة هي ما هو عليه الوجود بما فيه من الخلاف والتّماثل والتّقابل”[82]. من هنا تشمل الحقيقة كلّ ما هو موجود، والموجودات وإن اختلفت في ظاهرها أو في نسبتها الذّكوريّة، فإنّها واحدة من حيث هي وجود أي إنّها واحدة من حيث تعيينها الأنثويّ[83].

ويمكن أن نقول مع نزهة براضة إنّ الفرق بين الأنوثة والذّكورة هو فرق في المعرفة والكشف[84]. فالمعرفة بالمعنى العقليّ ذكوريّة، وهي قائمة على الاختلاف، وهذا من مجال الفقه. أمّا المعرفة بالمعنى القلبيّ، فكشف أنثويّ قائم على شهود الحقيقة.

2-3 القوّة (وما اتّصل بها) ذكوريّة والرّحمة (وما اتّصل بها) أنثويّة

يميّز الشّيخ الأكبر بين أسماء الجلال الذّكوريّة وأسماء الجمال الأنثويّة. وتتجسّم هذه الثّنائيّة في العلاقات بين البشر القائمة على ثنائيّة القوّة واللّين وما اتّصل بها من صفات أخرى. ابن عربي مثلا يتحدّث عن القهر والغضب في مقابل اللّطف والرّضا[85]، وسنبحث في هذا المستوى علاقة القوّة (وما كان في حقلها الدّلاليّ) بالفقه الذّكوريّ، وعلاقة الرّحمة (وما كان في حقلها الدّلاليّ) بالتّصوّف الأنثويّ.

2-3-1 الحدّ الذّكوريّ قاهر والتّسامح الأنثويّ متفهّم

يقوم الفقه على استنباط الأحكام. ومن هذه الأحكام ما يوسم بالحدود. وتعرّف الحدود بأنّها عقوبات مقدّرة وجدت حقّا لله تعالى، ومنها جلد الزّاني وقطع يد السّارق وقتل المرتدّ وما إلى ذلك ممّا تفصّله كتب الفقه وتتبسّط فيه. وللحدود والعقوبات أهمّية كبرى في الفقه، فابن القيّم الجوزيّة مثلا يؤكّد أنّ “أحكام الحدود والتّعزيرات هي من أهمّ أعمال القضاء وإنّ عليها المدار لحفظ الضّروريّات”[86]. وتحيل إقامة الحدود على قوّة المجموعة وأوّليتها بالنّسبة إلى الفرد، فحماية مصلحة الجماعة تسبق تفهّم الفرد والبحث عن أعذار له. وليس غريبا والحال تلك أن تكون إقامة الحدود واجبة “على ذي السلطان ونوّابه”[87].

والمتأمّل في ما نُقل عن المتصوّفة يجدهم ميّالين إلى التّسامح مع المذنب. ولا نشير هنا إلى المستوى الإجرائيّ، فلم يدع المتصوّفة إلى التّخلّي عن العقوبات وتطبيق قوانين الشّريعة. ولكنّنا نحدّث عن المجال الاعتباريّ المبدئيّ. فإذا كان الفقيه يعدّ حماية الجماعة أولويّة، فإنّ المتصوّف يحاول إيجاد أعذار للمخطئ، وينشد تفهّم الأسباب الّتي حملته على الخطإ. إنّ المتصوّف يسعى إلى ألاّ يقلّ تسامحه مع المذنب بسبب ما ارتكبه من ذنب، وهو يرجو ألاّ تنتقل عداوته وبغضه للذّنب إلى بغض من ارتكب الذّنب[88]. ويبلغ التّسامح ذروته عندما تجد “الضّحيّة” أعذارا لل”جلاّد”. فقد ذكر علي بن أنجب الساعي البغدادي في كتابه “أخبار الحلاج” أن الصّوفيّ الكبير الحسين بن منصور الحلاج لمّا قُبض عليه واقتيد للقتل دعا الله وقال “هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصباً لدينك وتقرباً إليك. فاغفر لهم، فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لي لما فعلوا ما فعلوا، ولو سترت عني ما سترت عنهم لما ابتليت بما ابتليت”[89].

ومنطلق التّسامح الأنثويّ لدى الصّوفيّ وعيه العميق بأنّ كلّ ما خلق الله وحدة مترابطة متكاملة متفاعلة. يقول ابن عربي:

فالكلّ في الكلّ مربوط وليس له

عنه انفصال خذوا ما قلته عنّي[90]

إنّ التّسامح مع المذنب هو تسامح مع الأنا الفرديّة الّتي تحمل الذّنب فيها إمكانا بالقوّة. وهو وعي عميق بأنّ الفاعل الجوهريّ الأوحد هو الله تعالى:

يقول ابن الفارض:

وكلّ الّذي شاهدته فعل واحدٍ                         بمفرده ولكن بحجب الأكنّة[91]

ولهذا التّصوّر علاقة وطيدة بمفهوم الرّحمة عند ابن عربي مثلما سيأتي.

2-3-2 الحدّ الذّكوريّ مفرّق والرّحمة الأنثويّة جامعة

إنّ الحدود تفرّق بين الحلال والحرام، والمباح وغير المباح إلخ، وهي أيضا تفرّق بين من أذنب ومن لم يذنب، بل إنّها تصم المذنب إن وصما دائما (قطع اليد) أو وصما وقتيّا (آثار الجلد). وهذا هو البعد الذّكوريّ. أمّا منظور الرّحمة الصّوفيّ فإنّه يجمع ولا يفرّق، فالرّحمة عند ابن عربي هي الوجود نفسه: “واعلم أولا أنّ الرّحمة إنّما هي في الإيجاد عامة”[92]، ويقول ابن عربي أيضا: “فلا أقرب من الرّحمة إلى الخلق لأنّه ما ثم أقرب إليهم من وجودهم، ووجودهم رحمة بلا شكّ”[93].

وإذ كان الوجود قائما على الأزواج[94]، فإنّ وجود المذنب وغير المذنب هو نفسه من وجوه الرّحمة الإلهيّة بل إنّ تطبيق الحدود نفسه هو وجه من وجوه الرّحمة ذلك أنّ الرّحمة لها “تجلّ في صورة العذاب، ولها تجل في صورة النّعيم. فقد قبلت الصورتين المتقابلتين وهذا من أعجب الأمور”[95].

إقرأ أيضاً: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}…قراءة معرفية لآيات المواريث

إنّ المذنب هو من منظور الفقه شخص مخطئ مفتقر إلى قوّة ذكوريّة تصلحه، وهي قوّة القوانين والعقوبات. والمذنب نفسه هو من منظور التّصوّف يحقّق مشيئة الله تعالى في الكون. صحيح أنّه قد خالف الأمر التّكليفيّ (أو ما كلّفه الله تعالى به)، ولكنّه كان سببا في تحقّق الأمر التّكوينيّ. يقول ابن عربي: ” فلا يقع في الوجود شيء ولا يرتفع خارجا عن المشيئة، فإنّ الأمر الإلهي إذا خولف هنا بالمسمى معصية، فليس إلاّ الأمر بالواسطة لا الأمر التكويني. فما خالف اللّه أحد قطّ في جميع ما يفعله من حيث أمر المشيئة، فوقعت المخالفة من حيث أمر الواسطة”[96].

إنّ الرّحمة بما هي الإيجاد توجد كلّ شيء، ما يبدو ظاهرا خيرا وما يبدو ظاهرا شرّا. والحال أنّ هذا التّمييز بين الخير والشّرّ عرضيّ، فليس في الأصل سوى الخير الّذي هو مرادف للوجود. يقول ابن عربي: “وتحقّقت حقيقة الوجود من العدم وتبيّن لك أنّ الوجود هو الخير الخالص الغضّ وأنّ العدم هو الشّرّ المحض، وكلّ موجود فمشوب بالخير معقود”[97].

ولا عجب أن تكون الرّحمة الأنثويّة من نفس جذر الرّحم. فالرّحمة تحيط بالأشياء كما يحيط الرّحم بالجنين ليحفظ وجوده ويمدّه بالقوّة[98]. والرّحم يحتوي كلّ البشر من يبدو منهم شقيّا ومن يبدو سعيدا، ومن يبدو منهم طالحا ومن يبدو منهم صالحا. وهو لا يستثني أحدا شأنه في ذلك شأن الرّحمة الإلهيّة. بل إنّ تجربة التّصوّف ذاتها هي في أقصاها ولادة جديدة للإنسان الكامل الّذي هو “النّموذج الأمثل للإمكان الإنسانيّ”[99].

3- التّفاعل أو الزّوج المشير إلى الواحد: تفكيك الرّؤية الفقهيّة المعياريّة لزوج الأنوثة والذّكورة

ممّا سبق تبيّنّا أنّ الذّكورة إن بمفهومها البيولوجيّ أو بمفهومها الرّمزيّ متّسقة مع المنظور الفقهيّ، وأنّ الأنوثة إن بمفهومها البيولوجيّ أو بمفهومها الرّمزيّ متّسقة مع المنظور الصّوفيّ. على أنّ هذا التّمييز بين الذّكوريّ والأنثويّ أعمق من أن يكون تمييزا معياريّا قائما على أفضليّة الذّكوريّ مثلما يذهب إلى ذلك الفقه والتّمثّلات الجمعيّة الشّائعة، وذلك لأسباب ثلاثة:

3-1 سبب وجوديّ: الذّكورة والأنوثة في الحقيقة واحد 

إنّ الذّكوريّ والأنثويّ هما زوج ظاهرا، ولكنّهما في حقيقة الأمر واحد باطنا، كيف ذلك؟

+ من المنظور البيولوجيّ:  أسلفنا إشارة ابن عربي إلى اشتراك الذّكر والأنثى في الإنسانيّة[100]. وللشّيخ الأكبر صياغة معبّرة لهذه الفكرة إذ يقول: “الإنسانيّة واحدة العين في كلّ إنسان”[101]. إنّ الذّكورة والأنوثة ليستا من المنظور البيولوجيّ سوى نسبة عرضيّة[102] تحيل على الإنسان الواحد. ف”أمّا الحديث عن المرأة من النّاحية الإنسانيّة فيقتضي النّظر إلى الوحدة الّتي تطبع الكائن البشريّ في أصله وأحكامه، ويقوم الإنسان حدّا يجتمع عنده الرّجل والمرأة، لذا أخبر الحديث النّبويّ بأنّ النّساء “شقائق الرّجال””[103].

إنّ زوج الأنوثة والذّكورة البيولوجيّة لا يمكن أن يقوم على تفاضل معياريّ باعتباره في أصل الأمر واحدا تجسّم في صورة اثنين، والواحد لا يمكن أن يكون أفضل من نفسه.

“إنّ النّساء شقائق الذّكران             في عالم الأرواح والأبدان

والحكم متّحد الوجود عليهما           وهو المعبّر عنه بالإنسان”[104].

+ ولا يختلف زوج الذّكورة والأنوثة الرّمزيّة عن الزّوج البيولوجيّ، إذ “لكلّ موجود جهة للذّكورة وجهة للأنوثة”[105]. ولئن أشار الزّوج البيولوجيّ إلى الواحد الإنسان، فإنّ الزّوج الرّمزيّ يشير إلى “حقيقة باطنيّة أصليّة لا تتبدّل يستند ثبوتها إلى تعلّقها بالوجود الإلهيّ باعتباره أصلا لكلّ موجود”[106].

إنّ النّساء شقائق الرّجال لا يمكن وجود أحدهما دون الآخر، وكذلك الزّوج الرّمزيّ (ذكورة وأنوثة) لا يمكن وجود أحد عنصريه دون الآخر. بل يمكن القول “إنّ الذّكورة والأنوثة تحيلان على موجود واحد مركّب من نسبتين”[107]. بعبارة أخرى، هذا الزّوج لا يشمل عنصرين مستقلّين جوهريّا، وإنّما هما واحد إذ ما أن يتحقّق أحد وجهيه حتى يتحقّق الآخر بالقوّة. فبالفعل الذّكوريّ ينشأ الانفعال الأنثويّ، والكلام الذّكوريّ هو الّذي يلد الصّمت صمتا[108]. ولولا الأسماء لظلّت الأعيان الثّابتة من المعدومات. والشّريعة الّتي تحدّد الأحكام والقوانين هي ما يسمح بالسّير نحو منشئ هذه الأحكام والقوانين.

3-2 سبب إجرائيّ: الذّكورة والأنوثة شراكة بين ظاهر وباطن

+ الزّوج البيولوجيّ: أسلفنا أنّ الفقهاء يفضّلون الذّكر على الأنثى. ومنطلق هذا التّفضيل أنّ الذّكر هو الفاعل. هو فاعل في المجال الجنسيّ. فابن العربي مثلا يقرّ أنّ المرأة لا عمل لها في الوطء[109]. والذّكر فاعل في مجال الكسب و”أريد بالشّقاء التعب في طلب القوت، وذلك معصوب برأس الرجل وهو راجع إليه”[110].

على أنّ رؤية الفقهاء هذه محدودة، وذلك بسبب وقوفها عند ظاهر الأشياء. فهي تنسى أو تتجاهل ما أثبته ابن عربي من أنّ الفعل “مقسّم على الحقيقة بين الفاعل والمنفعل”[111]. فلولا استعداد المنفعل لتقبّل الفعل لما كان الفعل أصلا. وهذا ما يتجسّم بيولوجيّا في ما ينتج عن الانفعال الأنثويّ من تخلّق الجنين في الرّحم.

+ وإذ يحدّث الفقهاء عن زوج الأنوثة والذّكورة الرّمزيّين، نجد تبجيلهم لعالم الظّاهر الذّكوريّ مستمرّا[112]. فالفقه، كنا أسلفنا، مداره الأحكام والشّعائر الّتي يقوم بها الإنسان. ولمّا كان الفعل الظّاهر ذكوريّا فمنطقيّ أن يضفي عليه الفقهاء القيمة الأكبر. وما ينساه الفقهاء أو يتجاهلونه هنا هو أنّ كلّ فعل ذكوريّ يظلّ ناقصا ما لم ينفذ الإيمان إلى القلب كما أشرنا. لا ننسى أنّ القرآن يعاتب الأعراب لأنّهم أسلموا ولمّا يدخل الإيمان قلوبهم.

إنّ ابن عربي يقرّ بأنّ السّعي إلى الله هو فعل يدخل في باب الرّجولة. “وعلى هذا الأساس تصير الرّجولة بمعناها الرّوحيّ صفة لا تقتصر على ذكور البشريّة بل يتخلّق بها صنف بشريّ برجاله ونسائه يعتقد أنّه يستقلّ بذاته ويقدر على صنع أفعاله وبناء معارفه بنفسه”[113].وفي مقابل ذلك يكون القلب أو الكشف هو موضع الانفعال الأنثويّ الباطن[114]. وهكذا يتّضح أنّ الفعل الذّكوريّ أو السّعي هو في علاقة شراكة مع الانفعال الأنثويّ القائم على التّخلّي والقبول والخضوع لمشيئة الله. وكلّ من الذّكورة والأنوثة يمثّل طريقا ممكنا إلى الله تعالى، وليس سبيل بخير من سبيل.

3-3 سبب أنطولوجيّ: الانفعال أو الأنوثة بما هي جوهر المنزلة البشريّة

أسلفنا أنّ الكون قائم على الذّكورة والأنوثة وأنّهما في علاقة شراكة، بل إنّهما في واقع الأمر واحد تختلف نسبته. ورأينا أنّ الفقه يجنح في هذا المستوى إلى أحكام معياريّة يفضّل وفقها الذّكوريّ على الأنثويّ بيولوجيّا ورمزيّا.

على أنّه يمكن أن ننظر في زوج الذّكورة والأنوثة في علاقة بنشأة الكون نفسه. وهنا يبدو واضحا أنّ”الحقّ ]هو[ الفاعل والكون منفعل فيه”[115]. وممّا لا شكّ فيه أنّ المنفعل “شريك” في الإيجاد باستعداده للتّخلّق بالأسماء الإلهيّة: “وأمّا الضّرب الآخر من الشّراكة في إيجاد العالم فهو باستعداد الممكن لقبول تأثير القدرة فيه إذ المحال لا يقبل ذلك”[116]. ولكنّ هذا الاستعداد ما كان ليكون لولا الأمر الإلهيّ التّكوينيّ: “كن”[117]. وقد قبل الكون ومنه الإنسان الأمر الإلهيّ، وهذا القبول انفعال، لذلك عدّت الأنوثة “بصفتها انفعالا خاصّية ثابتة في الإنسان”[118].

كيف يتعامل الفقه والتّصوّف مع هذه الأنوثة الأنطولوجيّة؟

إذا كان الفقه يستهجن الأنوثة في المجال الوجوديّ والإجرائيّ، فإنّه إزاء الأنوثة الأنطولوجيّة يلتزم الصّمت ضاربا عنها صفحا. وفي مقابل ذلك يرى المتصوّفة أنّ هذه الأنوثة الأنطولوجيّة هي مرآة لما يجب أن يتحلّى به المسلم المؤمن من صفات التّخلّي والرّضا والعبوديّة بالمعنى العامّ للكلمة. ويعبّر ابن عربي عن هذا الانفعال الأنثويّ بأن يقبل الإنسانُ الفعل الإلهيّ متخلّيا عن التّصرّف من تلقاء ذاته حتّى يغدو المرء محمولا من الحركة الإلهيّة محتفظا بسكونه وثباته كما وجد في أصله[119].

إنّ الاستناد إلى الأنوثة الأنطولوجيّة يجعل المرء يعي بأنّ كلّ ما يقوم به من أفعال في الكون ليس سوى وهم يصنعه الأنا الشّيطاني: “أنا خير منه”. وحينها ينفذ المتصوّف إلى أنّ الرّجولة “تخيّل غير محمول”[120]، وإلى أنّ “كلّ منفعل رتبته رتبة الأنثى وما تمّ إلاّ منفعل”[121].

لقد أسلفنا الحديث عن الأمر التّكليفيّ والأمر التّكوينيّ، فكأنّ الذّكورة منوطة بالضّرب الأوّل من الأمر والأنوثة منوطة بالضّرب الثّاني. هذا ما يوضّحه تحليل الشّيخ الأكبر لقوله تعالى: “وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى” (الأنفال، 17). ف”الفعل الذي يشهد به الحسّ أنّه للعبد هو للّه تعالى لا للعبد”[122].

+++++

إنّ علاقة الفقيه بالأنثويّ تتراوح بين الحذر والإقصاء، وفي مقابل ذلك يحتفي المتّصوّف بالأنثويّ ويمنحه مكانة راقية. لا ننسى أنّ “كلّ مكان لا يؤنّث لا يعوّل عليه”..

وهذه المكانة الّتي يمنحها التّصوّف للأنثويّ هي مفتاح فهم العلاقة بين الفقه والتّصوّف. فقد نقل لنا التّاريخ حالات كثيرة تقصي فيها المؤسّسة الفقهيّة المتصوّفة. وهو إقصاء يمكن أن يكون رمزيّا أو واقعيّا. فمن الرّمزيّ التّكفير، وقد وصم به أكثر من متصوّف[123]. ومن الواقعيّ القتل. وهو ما كان ضحيّته الحلاّج والسّهروردي القتيل مثلا. إنّ الفقهاء بتحقيرهم الأنوثة وباستهجانها قد حوّلوا الشّراكة بين زوج الأنوثة والذّكورة من  اختلاف في صلب الاتّحاد إلى ضدّ يتنافر ضدّه[124].

وفي مقابل ذلك، لا يقصي المتصوّف الفقيه، وإنّما يتقبّله ويحتويه. يقول القشيري: “الشّريعة أمر بالتزام العبودية، والحقيقة مشاهدة الربوبية، وكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فأمرها غير مقبول، وكلّ حقيقة غير مقيدة بالشريعة فأمرها غير محصول، والشريعة جاءت بتكليف من الخالق، والحقيقة إنباء عن تصريف الحق، فالشريعة أن تعبده، والحقيقة أن تشهده، والشريعة قيام بما أمر، والحقيقة شهود لما قضى وقدّر، وأخفى وأظهر”.

وليس غريبا أن لا يقصي التّصوّف الفقه ذلك أنّ التّصوّف يقوم على الحبّ انفعالا أنثويّا يقبل كلّ ما في الكون بما هو من إرادة الله تعالى:

لقد صار قلـبي قابلا كل صُـورةٍ .. فـمرعى لغـــــزلان ودير لرهبـــــان

وبيت لأوثــان وكعـــبة طـائـــف .. وألـواح تـوراة ومصـحف قــــــرآن

أديـن بدين الحــــبّ أنّى توجّـهـتْ .. ركـائـبه ، فالحبُّ ديـني وإيـماني

وحين يقبل القلب كلّ صورة، يذوب الذّكوريّ في الأنثويّ وترتفع كلّ الحدود والفواصل ونغدو بإزاء الواحد الّذي لا ثاني له. إنّ العارف يحدّث عن الذّكوريّ والأنثويّ، ويعتمد أحكام الفقه وتعاليمه وينقل تجربة التّصوّف قدر ما تسمح به اللّغة، ولكنّه في باطن الأمر “يرى الله في كلّ شيء بل في كلّ شيء بل يراه عين كلّ شيء”[125]. وهكذا يغدو الحديث عن الفقه الذّكوريّ والتّصوّف الأنثويّ مجرّد مرحلة من مراحل الظّاهر تسير بنا نحو ما وراء الثّنائيّات، نحو ما يُعاش ولا ينقال. ويغدو المرء من “أهل الكمال الذين جازوا المقامات والأحوال والجلال والجمال فلا صفة لهم ولا نعت”[126].

 

قائمة الحواشي والمراجع:

[1]  انظر على سبيل المثال: أبو علي الفضل بن الحسن الطّبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار مكتبة الحياة، (د-ت)، مج2، ج3، ص66- ناصر الدّين أبو سعيد البيضاوي، أنوار التّنزيل وأسرار التّاويل، بيروت، دار الكتب العلميّة 1988، مج1، ص157.

[2]  فخر الدين الرّازي:مفاتيح الغيب، بيروت، دار الفكر 1985تفسير الآية 228 من سورة البقرة.

[3]  ابن قيّم الجوزيّة، تحفة المودود بأحكام المولود، المطبعة الهنديّة العربيّة ص10.

[4]  ابن العربي، أحكام القرآن، عيسى البابي الحلبي وشركاه، دت، ج1، ص1235

[5]  أبو جعفر محمد بن جرير الطّبري: جامع البيان في تأويل القرآن، بيروت، دار الكتب  العلميّة 1992، ج1، ص273..

[6]  نزهة براضة، الأنوثة في فكر ابن عربي، بيروت، دار السّاقي 2008، ص93.

[7]  السّابق، نفس الصّفحة.

[8]  السّابق، ص104.

[9]  ابن عربي، الفتوحات المكّيّة، بيروت، دار صادر (د-ت)، ج3، ص503.

[10]  السّابق ج2، ص471.

[11]  أحكام القرآن، ج3، ص1464

[12]  الغزالي، إحياء علوم الدّين، بيروت، دار المعرفة، (د-ت) ج2 ص56.

[13]  حديث منسوب إلى الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أخرجه النّسائي وأحمد.

https://www.mimham.net/maq-337[14]

الشّريف التّلمساني، مفتاح الأصول في بناء الفروع على الأصول ، مؤسّسة الرّسالة ناشرون.

[15]  الأنوثة في فكر ابن عربي، ص81.

[16]   الفتوحات، ج2 ص574.

[17]  ابن عجيبة، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، تفسير الآية 34 من سورة النّساء.

[18]  أبو القاسم جار الله الزّمخشري:الكشّاف عن حقائق التّنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التّأويل، بيروت، دارالمعرفة (د-ت)، ج1 ص266.

[19]  السّابق.

[20]  إحياء علوم الدّين، ج2 ص57.

[21]  الأنوثة في فكر ابن عربي، ص213.

[22]  ابن عربي، عقلة المستوفز ضمن كتاب إنشاء الدّوائر، مطبعة بريل، ليدن 1336 هجري، ص46

[23]  انظر محمّد السّعيدي، معنى القوامة على الأنوار المحمّديّة، https://www.soulouk.com/ar/o-n-a-a-i-n-o-a-o-n-a-i-n-a-n-a-i-o_1233.html

[24]  انظر تفسير ابن عربي للآية 34 من سورة النّساء.

[25]  الفتوحات، ج1، صص432-433

[26]  السّابق، ج2، ص95

[27]  السّابق، ج3، ص233

[28]  الفتوحات المكّية، ج1، ص447.

[29]  السّابق، ج2، ص165.

[30]  السّابق، ج2، ص35.

[31]  السّابق، ج3، ص89.

[32]  السّابق، الصّفحة نفسها.

[33]  السّابق، ج2، ص7

[34]  السّابق ج1، ص274

[35]  النّساء، 11.

[36]  انظر جامع البيان، ج4، ص298. وقد انزعج معاصرو الرّسول عليه الصّلاة والسّلام من توريث النّساء وشقّ عليهم ذلك لأنّ عاداتهم أن لا يرث إلاّ الرّجل الّذي قد بلغ.

[37]  جامع البيان، ج2، ص467: “فضل ما فضله الله به علـيها من الـجهاد، وفضل ميراثه، وكل ما فُضّل به علـيها”. يقول الزّمخشري في الكشّاف ج1، ص366: “وقد ذكروا في فضل الرجال: العقل، والحزم، والعزم، والقوّة، والكتابة ـــ في الغالب، والفروسية، والرمي، وأنّ منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى، والجهاد، والأذان، والخطبة، والاعتكاف، وتكبيرات التشريق عند أبي حنيفة، والشهادة في الحدود، والقصاص، وزيادة السهم، والتعصيب في الميراث، والحمالة، والقسامة، والولاية في النكاح والطلاق والرجعة، وعدد الأزواج، وإليهم الانتساب، وهم أصحاب اللحى والعمائم”.

[38]  مفاتيح الغيب، تفسير الآية 228 من سورة البقرة.

[39] ابن عربي، كتاب الألف، ص9.

[40]  حديث رواه التّرمذي.

[41]  إحالة على قوله تعالى: “…فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى…” البقرة، 282.

[42] الفتوحات المكّية، ج3، ص90 .

[43]  السّابق، ج3، ص89

[44]  نفسه.

[45] عقلة المستوفز، ص46.

[46] الفتوحات، ج1 ص353.

[47]  لسان العرب: جذر: ذ،ك،ر: “رجل ذكر : إذا كان قويا شجاعا أنفا أبيا . ومطر ذكر : شديد وابل” و” وقول ذكر : صلب متين”. “ذكور العشب: ما غلظ وخشن”

[48]  ابن الحسين بن فارس بن زكريّا، معجم مقاييس اللّغة، دار الفكر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 1979. اليوم المذكّر يوصف “بالصّعوبة والشّدّة وكثرة القتل. ويقصد بالمذكّر السّيف الصّارم”.

[49]  لسان العرب: جذر: أ،ن،ث: “أرض أنيثة سهلة” و”بلد أنيث ليّن سهل” و”سمّيت أنثى للينها”

[50]  الأنوثة في فكر ابن عربي، ص 28.

[51]  نستثني حالة الخنثى، وقد أفردت لها كتب الفقه صفحات طويلة.

 [52]  الأنوثة في فكر ابن عربي، ص40.

[53]  “إنّ الوجود هو تحت حكم عقل محض يملك الفاعليّة في ذاته، وتصدر عنه الموجودات تلقائيّا من دون تعلّقه بها…في حين يطغى العجز الذّاتيّ على عالم المادّة لغلبة الإمكان والانفعال عليه”. الأنوثة في فكر ابن عربي، ص29.

[54]  انظر على سبيل المثال:

Catherine Chabert : « Les voies intérieures » in Revue française de la psychanalyse, Paris, PUF 1999, p-1447

Serge André : Que veut une femme, Paris, Seuil 1995, p-198.

[55] الأنوثة في فكر ابن عربي، ص63.

[56] “الله وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور” البقرة، 257,

[57] الفتوحات المكّيّة، ج2، ص53.

[58] أبو القاسم القشيري، الرّسالة القشيريّة، بيروت، دار صادر 2006، ص239.

[59]  عبد الكريم الجيلي، الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل مطبعة صبيح بالأمر، القاهرة 1960، ج1، ص36/

[60]  الحافظ ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح البخاري،  ج-6، صص581-582.

[61]  “تلك الكرامة لا تبغي بها بدلا…واحذر من المكر في طيّ الكرامات”: الفتوحات المكّيّة ج2، ص369.

[62] أبو عبد الله القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار الفكر للطّباعة والنّشر 2003، مج1 ج2، ص103.

[63]  قد قال الله تعالى: “قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا اللّه ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئًا إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ”(الحجرات49/14). وهذه الآية تشير صراحة إلى إمكان أن يتّصف الإنسان بالإسلام ولا يتّصف بالإيمان، وهذا ما يجعل الصّفتين مختلفتين. ويتجلّى اختلاف الإسلام عن الإيمان في موضع قرآنيّ آخر إذ يقول الله تعالى: “إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصّادقين والصّادقات والصّابرين والصّابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدّقات والصّائمين والصّائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذّاكرين اللّه كثيرا والذّاكرات أعدّ اللّه لهم مغفرةً وأجرا عظيما”(الأحزاب33/35). وإنّ عطف المسلمين والمسلمات على المؤمنين والمؤمنات يدلّ على اختلاف الإسلام عن الإيمان إذ أصل الشّيء أن لا يعطف على نفسه.

[64]  ليس من مقامنا تحقيق صدق النّاطق بالشّهادة من كذبه، فإذا صدق المرء في هذا الإقرار كان مسلما وإذا كذب كان منافقا.

[65] وليس من الغريب حينئذ أن نجد الرّسول صلى الله عليه وسلّم يسند الإيمان إلى القلب في عديد الأحاديث شأن قوله عن أنس: “الإسلام علانية والإيمان في القلب”: ابن تيميّة، كتاب الإيمان، القاهرة، مطبعة السّعادة 1325 هجري، ص3.

[66] “فحقيقة الإيمان التّصديق بالقلب”، الجامع لأحكام القرآن مج8 ج16، ص251.

[67]  “إنّ الدّين عند الله الإسلام” آل عمران، 19.

[68]  انظر: ديلان إيفانس، معجم تمهيدي لنظريّة التّحليل النّفسيّ اللاّكانيّة، ترجمة د-هشام روحانا، دمشق، دار نينوى للدّراسات والنّشر والتّوزيع، 2016.

[69]  وجود الأعيان هو وجود ممكن يتقابل مع الوجود الذّاتيّ لله تعالى، فالحقّ واجب الوجود ولا يمكن عدمه.

 [70] الأنوثة في فكر ابن عربي صص51-52.

[71]  الرّسالة القشيريّة، ج1، ص247.

[72]  أبو سعيد الخادمي الحنفي، بريقة محموديّة في شرح طريقة محمّديّة وشريعة نبويّة في سيرة أحمديّة، مطبعة الحلبي، 1348 هجري.

[73]  ابن تيميّة، الجواب الصّحيح لمن بدّل دين المسيح، السّعوديّة، دار العاصمة 1999، ج6، ص334.

[74]  ابن قدامة المقدسي، المغني، مكتبة القاهرة 1969، ج3، ص203.

[75] وقد خلط الفقهاء بين هذا البعد الرّمزيّ فاعتبروا أنّه وإن لم يكن هناك مانع من اهتمام المرأة بالشّأن العامّ وبالإفتاء مثلا، فإنّ الأفضل لهنّ البقاء في البيت، والاهتمام بالشّأن العامّ لا الخاصّ.

[76]  المالكية والحنفيّة والشّافعيّة والحنبليّة.

[77] نشير إلى بعضها:الفتنة الأولى– ما حدث سنة 393 هجرية بين الشافعية والحنفية ببغداد ، وكان سببها أن شيخ الشافعية أبا حامد الإسفراييني (ت406ه) استطاع أن يُؤثر في الخليفة العباسي القادر بالله ، ويُقنعه بتحويل القضاء من الحنفية إلى الشافعية ، فلما فعل ذلك احتج الحنفية ودخلوا في مصادمات مع الشافعية ، والفتنة الثانية – حدثت بمدينة مرو ببلاد خُراسان بين الشافعية والحنفية ، عندما غيّر الفقيه منصور بن محمد السمعاني المروزي (ت 489ه) مذهبه ، فانتقل من المذهب الحنفي الذي اعتنقه طوال ثلاثين سنة إلى الشافعي ، وأعلن ذلك بدار الإمارة بمدينة مرو ، بحضور أئمة الحنفية والشافعية ، فاضطرب البلد لذلك ، واضطربت البلد بين الشافعية والحنفية ، ودخلوا في قتال شديد ، وعمّت الفتنة المنطقة كلها ، ما اضطر السّمعاني للخروج من مدينة مرو.

[78]  “كلمة كلب لا تنبح” كما يقول المثل الفرنسيّ. والمؤوّل وفق السّيميائيّ بيرس (Pierce) لفظ يحاول أن يفسّر لفظا، ويظلّ الاتّصال المباشر بالواقع مستحيلا.

[79]  هذه الصّراعات والاختلافات هي من إرادة الله في الكون: “ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لفسدت الأرض” البقرة، 251. يقول القشيري في تفسيره للآية: “لو تظاهر الخلْق وتوافقوا بأجمعهم لهلك المستضعفون لغلبة الأقوياء ولكن شغل بعضهم ببعض ليدفع بتشاغلهم شرَّهم عن قوم”.

[80] عبد الكريم القشيري، الرّسالة القشيريّة، بيروت، دار الكتب العلميّة 2001، ص118.

[81]  عبد القادر أحمد عطا، التّصوف الإسلامي بين الأصالة والاقتباس في عصر النابلسي، دار الجيل، بيروت 1987، ص260.

[82] الفتوحات المكّيّة، ج2، ص563.

[83] يقول ابن عربي:

إنّ الحقيقة تعطي واحدا أبدا *** والعقل بالفكر ينفي الواحد الأحدا

[84]  الأنوثة في فكر ابن عربي، ص191.

[85]   الأنوثة في فكر ابن عربي، ص31.

[86]  بكر أبو زيد، الحدود والتّعزيرات عند ابن القيم، دار العاصمة 2007، ج1، ص8.

[87] فتاوى ابن تيميّة، دار الوفاء 2006، ج34 ص175.

[88] عثمان نوري طوباش، هل التّصوّف ضروريّ؟ https://ar.osmannuritopbas.com/

[89]  كتاب أخبار الحلاّج، دار الجمل 2007.

[90]  محي الدّين بن عربي، فصوص الحكم، بيروت، دار صادر 2005 ص22. ويذكّرنا هذا بحديث الرّسول صلعم: “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى”.

[91]  ابن الفارض، التّائيّة الكبرى.

[92]  فصوص الحكم، ج1، صص177-178.

[93]  السّابق، ج3، ص430.

[94] “سبحان الّذي خلق الأزواج كلّها ممّا تنبت الأرض ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون” يس، 36- “ومن كلّ شيء خلقنا زوجين لعلّكم تذّكّرون” الذّاريات، 49.

[95]  فصوص الحكم، ج3، ص497.

[96]  فصوص الحكم، ج1، ص165.

[97]  ابن عربي، الرّسالة الفردوسيّة، ضمن تاج الرّسائل، نشر محي الدّين الكردي، مصر مطبعة كردستان العلميّة، 1328هجري، ص610.

[98]  الأنوثة في فكر ابن عربي، ص212.

[99] https://hekmah.org/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84/

[100] الفتوحات، ج1 ص353.

[101] السّابق، ج4، ص9.

[102]  انظر لمزيد التّفاصيل: الأنوثة في فكر ابن عربي، ص30.

[103]  السّابق، ص146.

[104] الفتوحات، ج3، ص87.

[105]  الأنوثة في فكر ابن عربي، ص34.

[106]  السّابق، ص32.

[107]  الأنوثة في فكر ابن عربي، ص35

[108]  Jacques Lacan: Les quatre concepts fondamentaux de la psychanalyse,Le séminaire .Livre IX, Paris, Seuil 1973, p-28.

[109] أحكام القرآن، ج1، ص564.

[110]  الكشّاف في تفسير سورة طه، 117.

[111]  الفتوحات، ج1، ص507.

[112]  و”إذا قلنا علم الظّاهر أشرنا إلى علم الأعمال الظّاهرة الّتي هي على الجوارح الظّاهرة وهي الأعضاء”سراج الدّين الطّوسي، اللّمع، القاهرة، دار الكتب الحديثة، 1960، ص44.

[113]  الأنوثة في فكر ابن عربي، ص132. وهكذا يفسّر ابن عربي الآيات الّتي ترد فيها كلمة “رجل” دون أن تحيل بالضّرورة على الذّكور البيولوجيّين شأن  الآية 27 من سورة الحجّ.

[114]  “علم الباطن هو نور ينشرح له القلب”، انظر ممدوح الزّوبي، معجم الصّوفيّة، بيروت، دار الجيل، 2004 ص295.

[115]  الفتوحات، ج3، ص290

[116] السّابق، ج2، ص292

[117]  السّابق، ج4، ص194

[118]  الأنوثة في فكر ابن عربي، ص68.

[119]  النّبيّ محمّد الّذي “اقتصر على قبول الوحي الإلهي وقبول الحركة في الإسراء والمعراج”. انظر: الأنوثة في فكر ابن عربي، ص136.

[120]  الفتوحات، ج4، ص10

[121]  السّابق، ج1، ص507

[122] الفتوحات المكية، ج4، ص33.

[123] انظر مثلا: برهان الدّين البقاعي، تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي،

[124]  في الفرق بين الخلاف والضّدّ يقول ابن عربي: “ما خلق الله شيئا إلاّ خلق له ضدّا ومثلا وخلافا فجعل الموافقة في الخلاف والمنافرة في الضّدّ والمناسبة في المثل، فأشدّ الأشياء مواصلة ومحبّة واتّحادا الخلاف مع مخالفه”، الفتوحات المكّيّة، ج3، ص269.

[125]  فصوص الحكم، ص192

[126]  الفتوحات المكّيّة، ج2، ص386

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete