تكوين
مع تغير المناخ العام في النصف الثاني من القرن العشرين، وبعد التحول الذهني والمنهجي عند “رشيد رضا” من الانحياز إلى الفكر الإصلاحي الذي ينشغل بقضية النهضة والتقدم والتمدن والشأن العام في إطار الأمة، إلى الانحياز إلى الفكر السلفي الوهابي الذي ينشغل بقضية العقيدة وبالشأن الخاص في إطار الطائفة ([1]) –كما سبق أن تناولنا في المقال السالف– فتصاعدت السلفية الوهابية بتوجهاتها الإيديولوجية وتراجعت السلفية الإصلاحية.
صحيح أن تأثير الفكرة الإصلاحية ظلت متواصلة، ولكن في شكل محاولات فردية، ولم تعد تُمثل حركة اجتماعية ودينية واضحة المعالم، وقد قدَّمت تلك المحاولات الفردية أشخاصًا ذوو تعليم ديني أو حديث، اهتموا بتطوير الرؤية الدينية في مجتمعاتهم، يأتي في ذلك ذكر “الشيخ على عبد الرازق ومالك بن نبي ومحمد اقبال وطه حسين وعلال الفاسي وغيرهم”، بيد أن هذه المحاولات الفردية ظلت محدودة، ولم يقع تبنيها في الغالب لا من المؤسسات الدينية الرسمية ولا من المؤسسات الثقافية والتعليمية الرسمية([2])، بل جرى مناهضتها ومحاربة أصحابها.
الخلافة والسلطة الدينية:
ترتب على قرار الحركة التركية الوطنية الجديدة بإلغاء الخلافة العثمانية، إثارة التساؤل بشأن ما إذا كانت الخلافة مؤسسةً إسلامية، أو مجرد نوع من الأنظمة السياسية التي يُمكن أن يُستبدل بها نوعٌ آخر من دون فقد الهُوية الإسلامية. بينما كانت مصر تحاول أن تجد ذاتها وإذ ترتفع صيحة “تحيا مصر” وشعار “مصر للمصريين” يكون من الغريب أن يستقبل بعض رجال الدين هذه الصيحة بالنفور والغضب، إذ اعتقدوا أن “المصرية” هي نقيض “الإسلامية”، وإذ يُعبر “الشيخ عبد العزيز جاويش” عن ذلك بقوله: “إنه لا وطنية في الإسلام“، ويتمسك بشعار “الجامعة الإسلامية” وهو اتجاه ينادي بحق الأمة المصرية في الحرية والدستور والجلاء في ظل وحدة العالم الإسلامي مُتمثلًا في الدولة العثمانية التي يتعين الحفاظ على وحدتها ومقاومة تمزيقها، فإن في تمزيقها ضياع للوطن كله([3]).
وفي خضم ذلك حاول ملك مصر، الملك فؤاد، استعادة الخلافة، ليُصبح خليفة لكل المسلمين، إلا أن المفكرين الليبراليين قد عارضوا هذه الخُطوة وكان في طليعتهم الشيخ “علي عبد الرازق“ (1888-1966)، فقد دافع عن إلغاء الخلافة بإثبات أنه لا يوجد نظام سياسي محدد يمكن أن يوصف بأنه إسلامي، ونادى بالفصل بين الدين والدولة([4])، فأصدر كتابه “الإسلام وأصول الحكم“، وأكد فيه أن الخلافة ليس لها أصل ديني مبنيٌّ على أحد الأدلة الشرعية، سواء القرآن أو السنة أو الإجماع، فهي ليست من الدين في شيء فيقول:
“إن الخلافة بالمعنى المحدَّد للمؤسسة السياسية الذي عرفناه في التاريخ غير مذكورة في أي موضع من القرآن، ولا يمكن استخراج أي دليلٍ مقنع من الأحاديث المنسوبة إلى النبي”([5]).
أما فيما يخص “الإجماع”، فقد استشهد علي عبد الرازق بأبي بكر الأصم المعتزلي، لبيان أن الإجماع لم يحدث، وأن هؤلاء لم يروا أن الخلافة واجبة لا شرعًا ولا عقلًا، كما اعتقد أن الإجماع إن وقع فقد فرضته القوة الغاشمة، ولم تكن الخلافة بذلك اختيارية([6])، فإن الإجماع لم يكن له دورًا قطُّ في تنصيب الخلفاء، سواء بمعنى اتفاق صحابة النبي وخلفائهم أو علماء المجتمع الإسلامي ككل([7])، منتهيًا إلى التأكيد أن الإسلام رسالة لا حكم، دين لا دولة، فيقول:
“كانت وحدة العرب كما عُرفت وحدة إسلاميّة لا سياسيّة، وكانت زعامة الرسول فيهم زعامة دينيّة لا مدنيّة، وكان خضوعهم له خضوع عقيدة وإيمان، لا خضوع حكومة وسلطان، وكان اجتماعهم حوله اجتماعًا خالصًا لله تعالى، يتلقون فيه خطرات الوحي ونفحات السماء وأوامر الله تعالى ونواهيه ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة”.
أثار كتاب عبد الرازق كثير من ردود الفعل في العالم العربي الإسلامي، فهاجمه كثيرٌ وتضامن معه قليلٌ، ووصل الأمر إلى حد تكفير المؤلف واتهامه بالشيوعية تارة والعلمانية تارة أخرى، ليؤدي في النهاية إلى طرده من الأزهر وتجريده من شهادة العالمية، وإخراجه من زمرة العلماء، ومنعه تولي أي منصب ديني بما في ذلك فصله من مهنته في القضاء، فضلًا عن قرار مصادرة الكتاب ومنع تداوله.
وكُتبت عديد من الكتب الناقدة له وأبرزها كتاب (حقيقة الإسلام وأصول الحكم) للشيخ “محمد بخيت المطيعي“، الذي أقر بأن كل ما في كتاب عبد الرازق قضايا سالبة وإنكار محض لما أجمع عليه المسلمون أو نُصَّ عليه صريحًا في الكتاب العزيز والسنة النبوية”، والعالم التونسي “الطاهر بن عاشور“، في كتابه “نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم” الذي دافع فيه عن الخلافة واصفُا إياها بالخطة الحقيقية التي تجمع الأمة الإسلامية تحت وقايتها بتدبير من مصالحها والذبّ عن حوزتها”.
فلم يحظَ خطاب “علي عبد الرازق” بشأن مدنية السلطة ونقده دولة الخلافة بوصفها إطارًا للسلطة الدينية بما يستحقه، بل عُدَّ في باب المروق عن مفهوم الإسلام للحكم وللمسألة السياسية، ولقد زاد من عُزلة هذا الخطاب أن صاحبه -على ألمعيته وجرأته- لم يكن يتمتع بالسلطة العلمية التي تمتع بها قبله “محمد عبده“، وشفعت له أمام خصوم دعوته من داخل الأزهر ومن خارجه، ولذلك سَهُل الانقضاض على عبد الرزاق من القوى الدينية المحافظة التي انتعشت هي الأخرى وتغذت من إخفاق الفكرة الإصلاحية للقرن التاسع عشر([8]).
ومن المصادفات السيئة التي لعبت ضد فكرة الإصلاح الديني بعد مشروع محمد عبده، أن آخر رموز الإصلاحية الإسلامية -وهو السيد رشيد رضا– كان من أوائل من بادروا إلى فتح باب التراجع عن تراث الإصلاحية تلك، وكانت ذروة تعبيره عن ذلك التراجع انفصاله عن منظومة الفكر السياسي الحديث -وموضوعة الدولة الوطنية- ومصالحته مع المنظومة السياسية الشرعية -خصوصًا مع الماوردي وابن تيمية– ودفاعه عن فكرة الخلافة([9]).
فقد كان رشيد رضا من أهم من دافع عن الخلافة بوصفها نظامًا إسلاميًا أصيلًا لا بد من عودته، وقد ردَّ على كتاب (الإسلام وأصول الحكم) من طريق مقال له في مجلة المنار بعنوان: “الإسلام وأصول الحكم (بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام، بل دعوة جديدة إلى نسف بنائها وتضليل أبنائها)، فعده حلقة في سلسلة محاولات القوى الاستعمارية لإضعاف الإسلام وضرب المقومات السياسية لأمته حتى تسهل السيطرة عليها واستعمارها، متهمًا “علي عبد الرازق” بقيادة مشروع اتحادي يستهدف تحويل مصر إلى دولة علمانية لا دينية، على النمط التركي([10]).
واصفًا الكتاب قائلًا: “أول ما يقال في وصف هذا الكتاب لا في الرد عليه إنه هدم لحكم الإسلام وشرعه من أساسه وتفريق لجماعته وإباحة مطلقة لعصيان الله ورسوله في جميع الأحكام الشرعية الدنيوية”([11])، داعيًا العلماء وشيوخ الأزهر أن يعلنوا حكم الإسلام في هذا الكتاب فيقول: “إنه لا يجوز لمشيخة الأزهر أن تسكت عنه، فإن هذا المؤلف الجديد رجل منهم، فيجب عليهم أن يعلنوا حكم الإسلام في كتابه، لئلا يقول هو وأنصاره: إن سكوتهم عنه إجازة له أو عجز عن الرد عليه”([12]).
كما أكد رشيد رضا أن أحد الأسباب الرئيسة لغضبه على هذا الكتاب هو أنه يمثل عنصرًا معاكسًا لجهوده هو شخصيًا للدعوة إلى عقد مؤتمر إسلامي لإحياء الخلافة بعنوان: “مؤتمر الخلافة“، فبعد أن ألغى الكماليون الخلافة العثمانية ارتفع صوت رشيد رضا بضرورة عقد مؤتمر إسلامي للتداول في مسألة الخلافة وضرورة إحيائها، وقد رأى رضا أن ثمة هدفين رئيسين مطلوبين من هذا المؤتمر:
- أولهما، “وضع قواعد حكومة إسلامية مدنية تكفل الجمع بين السياسة والفضيلة وتؤكد علو التشريع الإسلامي على جميع ما اشترعه البشر”
- وثانيهما، “اختيار خليفة جديد للمسلمين” وذلك بنحو ما أقر بقوله: “فالمطلوب الآن إيجاد السلك ووضع النظام وأن يكون بالتشاور بين العملاء المسلمين الدينيين والسياسيين والإداريين والعسكريين والماليين والحاذقين لسائر الفنون، التي عليها مدار العمران وعزة الأمم وكرامتها، ولا يكون هذا إلا بعقد مؤتمر إسلامي عام، والمطلوب في هذا المؤتمر هو وضع قواعد للحكومة الإسلامية المدنية التي يظهر فيها علو التشريع الإسلامي، ووضع قواعد للتربية والتعليم تجمع بين هداية الدين ومصالح الدنيا، واختيار خليفة وإمام للمسلمين”([13]).
وبناءً على ذلك إذا كان إنهاء الخلافة العثمانية قد مكَّن بعض دعاة التجديد والإصلاح من محاولة تقديم فهم إسلامي إصلاحي، وربط العقيدة الدينية الإسلامية بالفكرة الوطنية، فإنه في المقابل مكَّن أصحاب السلفية التقليدية من تأكيد أن انهيار الخلافة العثمانية قد دمر الأسس الواقعية والجغرافية للجامعة الإسلامية، وشجع النزعات الوطنية القومية، بل وشجع إلى حد ما النزعات العلمانية، إلى أن وصل الأمر بظهور أصحاب السلفية الحركية المُسيسة “الحركات الإسلامية” نزوعًا إلى العمل الدائب أملًا لا يخبو في استعادة الخلافة الإسلامية.
صعود الحركات الإسلامية وتراجع الخطاب الإصلاحي:
وإجمالًا فقد لعب رشيد رضا دورًا حاسمًا في إضعاف الخطاب الإصلاحي وتراجعه، وهو تراجع طال مجمل المسائل التي قررها نهضويو القرن التاسع عشر بشأن الاجتهاد وعلاقة الديني بالسياسي، وكانت ذروة تعبيره عن ذلك التراجع انفصاله عن منظومة الفكر السياسي الحديث، وموضوعة الدولة الوطنية التي أخذ بها الإصلاحيون من العقد الثالث من القرن التاسع عشر مع الطهطاوي، ثم مصالحته -(أي رشيد رضا)- المنظومة الشرعية التقليدية، خصوصا مع الماوردي وابن تيمية، وإعلانه مشروع الخلافة بالصيغة التقليدية نظامًا سياسيًا نموذجيًا، لقد كان ذلك التراجع انقلابًا شاملًا دمر الفكرة الإصلاحية، ولا يختلف الباحثون اليوم على أن هذا الانقلاب هو الذي فتح أوسع الأبواب وشرَّعها أمام إنتاج مشروع “الصحوة” الذي انطلق تياره مع مرشد “الإخوان المسلمين” الشيخ حسن البنا منذ القرن العشرين([14]).
علاوة على ذلك فقد لعب دورًا محوريًا في دعم الوهابية -خصوصًا بعد سيطرتها على الحجاز- ولعل أهم العوامل المُتمثلة في هذا الدعم هو أنه سهل سفر بعض تلاميذه المقربين إلى الحجاز -فقد كان رضا على وعي تام بوضع الدولة السعودية التي عانت صورتها الدينية المثيرة للجدل خارج نجد، فكانت الصُحف في بيروت والقدس والقاهرة وغيرها مستمرة في انتقاد الوهَّابيين، وأسهمت الأحداث الدينية في تدهور علاقات المملكة مع الدول المجاورة، وتصادف غزو الحجاز مع انخفاض أعداد الحُجاج، فكان رضا يبحث عن السبل الممكنة لمساعدة الدولة السعودية، وعند استقرار تلاميذه في مكة والمدينة، عملوا لتوفير المصداقية التي كان الوهابيون يفتقرون إليها بين المسلمين الأجانب والحجازيين الأصليين، الذين كانوا قلقين من “وهبنة” المدن المقدسة([15]).
وربما كان من موجبات الانصاف الإشارة إلى أن ما أسهم به رشيد رضا -السالف ذكره- لم يكن وحده المعول الأساسي في تراجع المشروع الإصلاحي النهضوي، بل هناك عده عوامل أخرى أدرجها بعض الباحثين ونكتفي هنا بالإشارة إلى كلًا من “علي مبروك“، “عبد الإله بلقزيز”.
يرى “عبد الإله بلقزيز” أن العقلانية الإصلاحية التي حملت مع الطهطاوي والتونسي والأفغاني والكواكبي… مشروعًا نهضويًا لا سابق له منذ الحقبة الاندلسية، سرعان ما ستشهد عدًا عكسيًا سوف ينتهي إلى إجهاض مشروعها، خصوصا في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الخلافة العثمانية، ويُرجع ذلك إلى:
- انهيار المشروع السياسي الإصلاحي الذي بدأه محمد علي وإبراهيم باشا في مصر وسارت في تونس ثم المغرب، وهو مشروع حاول أن يُدخل إصلاحات في النظام السياسي والاقتصادي ليُقوي من شوكة الدولة في مواجهة الضغط الأجنبي وأطماع الاستعمار، وكان ذلك في حاجة إلى نخبة ثقافية إصلاحية تجوّزُه شرعيًا وتدافع عنه في وجه معارضيه من القوى الداخلية المحافظة، لكن هذا المشروع السياسي الإصلاحي بدأ يلفظ أنفاسه منذ نهاية القرن التاسع عشر وفواتح القرن العشرين فما كان يسعُ الإصلاحية الإسلامية أن تستمر بالنفس نفسه الذي انطلقت به أو وسمها طوال القرن التاسع عشر، فقد فقدت الحاضنة السياسية التي تعهدت مشروعها الفكري بالرعاية، أعني الدولة المتطلعة إلى إنجاز الإصلاح والانتهاض، فدخلت في طور تراجع منذ العقد الأول من القرن العشرين.
- سقوط البلاد العربية والإسلامية في قبضة الاحتلال الأجنبي وما نجم عن ذلك من آثار فكرية عميقة تغيرت معها الإشكاليات والأسئلة، لم تعد الفكرة الإصلاحية تلائم حقبة سياسية طَبَعهَا عُنف الاحتلال، لقد حصل الانتقال الفكري سريعًا من إشكالية النهضة (الترقي والتمدن) إلى إشكالية الهُوية، وكان لهذه الأخيرة عنوانان فكريان بعد الحرب العالمية الأولى هما: التيار القومي (خاصة في بلاد الشام)، والتيار الإحيائي الإسلامي (مع حركة الإخوان المسلمين في مصر) فهما -على تباين في المنطلقات وتفاوت في لهجة الخطاب- اجتمعا على القول بوجوب مُدافعة هُوية الأمة (العربية لدى الأول، والإسلامية لدى الآخر) في وجه الزحف الاستعماري. فهو إذا كان الخطاب القومي العربي استئنافًا -على نحو من الأنحاء- للخطاب الإصلاحي على صعيد رؤيته النهضوية، فإن خطاب الإحيائية الإسلامية أتى يُحدث قطيعة فكرية حاسمة مع الخطاب الإصلاحي([16])
أما “علي مبروك” -أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة- فرأى أن تراجع الخطاب الإصلاحي وفشل تحقيق النهضة المأمولة يعود إلى آليات اشتغال هذا الخطاب ذاته، وإذ يبدو أن أهم هذه الأليات تكمُن في “آلية القياس“، التي بدأ بها هؤلاء الرواد تأسيس خطابهم الذى كان شغله الشاغل محاولة الخروج من التخلف والفوات الذى يعانيه المجتمع العربي والإسلامي الذي أدركوه “أي هذا التخلف” وللغرابة حينما اصطدموا بالآخر الأوروبي صاحب التقدم والحداثة، هذا (الذى سوف يكون بمكانة الأصل- أو النص- المُقاس عليه)، ولئن جاء الإدراك والوعى بتخلف الواقع ضمن هذا “السياق الصدامي” –وفق تعبير علي مبروك– فإن هذا الوعى “لم يقف عند حدود إدراك التأخر، بل راح يتعدى إلى تعيين كيفية تجاوزه والانفلات منه إلى إنجاز النهضة إلا من طريق استعارة نموذجها وفرضه (الذي اصطدم به مكتملًا وجاهزًا مع غزاة الشمال القادمين إلى دياره) في واقعه الخامل الراكد”([17]).
مُقرًا بأن الخطاب النهضوي الذي لا يمكن أن يُعدَّ -طبقا لمنطق استعارة الجاهز- إلا خطاب تفكير بنموذج مُعْطَى، سلفًا، هو -في جوهره- محض امتداد لخطاب التفكير بالأصل الذي ساد فضاء التراث”([18])، الذى لم يستطع تجاوزه إلى تأسيس أفق معرفي جديد داخل منظومته المعرفية، الذى ربما يكون -وفق ما أقر مبروك- من طريق احلال (العقل/الواقع) في نظام الخطاب بدل (التراث/الحداثة) على النحو الذى يشتغل فيه العقل بوصفه ممارسة إبداعية حرة وغير مقيدة بأي سلطة تقوم خارجه، الذى لابد أن يكون نتاج الإدراك الواعي للواقع، بما يعنيه تصور الواقع ليس بوصفه محض ممارسة خارجية شكلية أو “برانية” -بتعبير مبروك- وإنما بالأساس افتراض أن تصورًا مغايرًا للواقع، يضيف إلى الممارسة ما يقوم تحتها من نظام المعنى.
ولتجاوز الانقسام الذي يسعى العرب بثوراتهم في تخطيه ورفعه وفي تحقيق -ربما- نهضة منشودة، لا بد من الانتقال من الاشتغال بآلية الجمع “التجاوري” الذي يتحدد بحسبها بناء كلًا من الواقع والخطاب اللذين يسودان عالم العرب، إلى التأسيس المعرفي للمفاهيم التي يتداولها الكافة من الأيديولوجيين السابحين (على تنوع تياراتهم وأطيافهم) على سطح خطاب راكد، من غير تدقيق وفحص وضبط، بل من طريق ضروب فادحة من التعميم والتلفيق التي حالت، وسوف تظل تحول، دون أن تتجاوز مصر ومعها العرب، واقعًا فرضت عليه إكراهات الأيديولوجيا أن يعيش انقسامًا فاجعًا بين جوهره ومظهره، وغنيٌ عن البيان أن ذلك لن يكون ممكنًا إلا بترسيخ خطاب التأسيس([19]).
حركات الإسلام السياسي:
(جماعة أنصار السنة المحمدية):
كان من أبرز تلاميذ رشيد رضا الذين سافروا إلى السعودية لدعم الدولة الوليدة، ومن ثمَّ نشر الفكر الوهابي، (محمد حامد الفقي) (1892-1959)، وقد سافر من القاهرة إلى مكة حيث عمل مدرسًا ومشرفًا على مجموعة المدرسين في المسجد الحرام في مكة، وقد أسس “جماعة أنصار السنة المحمدية” في القاهرة عام (1926)، بهدف دعوة الناس إلى التوحيد ونشر السنة، وتنقية المجتمع من الممارسات والمعتقدات البِدعية -على الطريقة الوهابية- ومضى يُدافع عن الوهابية ضد منتقديها، وإزاحة الأوهام وإبطال الأكاذيب التي نُسجت حولها -وفق قوله- فألف كتابه “أثر الدعوة الوهابيــة في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب وغيرها” فيقول فيه: “وإن الحنابلة متعصبون لمذهب الإمام أحمد في فروعه ككل أتباع المذاهب الأخرى، فهم لا يَدَّعون، لا بالقول ولا بالكتابة أن الشيخ ابن عبد الوهاب أتى بمذهب جديد، ولا اخترع علمًا غير ما كان عند السلف الصالح، وإنما كان عملهُ وجُهدهُ إحيـاء العمل بالدينِ الصحيح وإعادة الناس إلى ما قررهُ القرآن في توحيد الألوهية والعبادة لله وحده ذلًا وخضوعًا ودعاءً، ونذرًا وحَلِفًا وتوكلًا وطاعة شرائعهِ وفي توحيد الأسمـاء والصفات، فيؤمن بآياتها كما وردت، لا يحرف ولا يؤول ولا يُشبِّه ولا يُمثل، على ما ورد بلفظِ القرآن العربي المبين، وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة وتابعوهم والأئمة المهتدين من السلف والخلف رضوان الله عليهم، في كل ذلك وأن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله لا يتم على وجهه الصحيح إلاَّ بهذا”. كما أنشأ مطبعة السنة المحمدية لنشر كتب السلف وبخاصة كتب ابن تيمية وابن القيم.
وبجانب الفقي كان (عبد الظاهر أبو السمح) (1882-1922) الذي شاركه في تأسيس جماعة أنصار السنة المحمدية، وكان ممن سافر إلى السعودية ضمن من أرسلهم رضا، أوصى به الملك عبد العزيز، وعمل أيضًا مدرسًا ومشرفًا على المدرسين في الحرم المكي([20]).
وانطوت أهم أفكار هذه الجماعة في فكرة “التوحيد” الخالص والسنة الصحيحة لتطهير الاعتقاد ونبذ البدع والخرافات بوصفها شرطًا لعودة الخلافة ونهضة الأمة الإسلامية([21])، وإرشاد الناس إلى أخذ دينهم من نَبعَيهِ الصافيين “القرآن والسنة”، واتخذت الجماعة منذ تأسيسها موقفًا مُتحفظًا من المرأة، فقد دعت إلى التمسك بالرجولة لاستمرار القوامة على النساء، ورأت أن أصل الفساد هو السماح للنساء بارتياد الملاهي والمراقص، وللجمعية موقف واضح من تحكيم الشريعة، فترى أن الحكم بغير ما أنزل الله تَهْلُكَةٌ في الدنيا وشِقوَة في الآخرة، ومن زعم لنفسه حق التشريع فقد أعظم الفَرِية على الله ونازعه رداء الهيمنة على الخلق وكان من المشركين.
أصبحت الجمعية أكبر جماعة سلفية منظمة موزعة إلى مئتي فرع تدير أكثر من ألف مسجد، كما توجد لها امتدادات خارج مصر أهمها وأقدمها في السودان وبعض دول إفريقيا وآسيا، وتربطها علاقات وثيقة بعلماء السعودية وجمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت، وجمعية التربية الإسلامية بالبحرين، وكان من أهم أنشطة الجمعية:
- نشر مجلة التوحيد التي توزَّع منها مئة ألف نسخة شهريًا.
- معاهد إعداد الدعاة والداعيات وعددها 30 معهدًا.
- مركز تعليم الأفارقة، وهو مركز يختص بتعليم العقيدة الصحيحة والقرآن.
- مكاتب تحفيظ القرآن، وعددها حوالي 203 في مستوى الجمهورية المصرية.
- الأنشطة المسجدية من دروس أسبوعية وخطب([22]).
(جماعة الإخوان المسلمين): أصل الإسلام السياسي.
شهد مطلع القرن العشرين تحركًا حضاريًا عارمًا، فالأحزاب السياسية بمختلف اتجاهاتها تتولد سريعًا والصحافة تكاثرت وتنوعت والتعليم ارتبط في وجدان مصر بطموحها نحو الاستقلال، فنهضت القوى الوطنية بحركة تأسيس “الجامعة الأهلية”، وفي إطار الانفعال الليبرالي المصري بالكمالية، ظهر أن هذا الفضاء قابل لاحتضان النموذج الكمالي -العلماني- فضلًا عما أثاره بعض الكُتاب الليبراليين بمؤلفاتهم الراديكالية، وقابل هذا الفريق فريق آخر تمثَّل في إحياء الهُوية الإسلامية، فانقسم المجتمع القاهري بين ما يمكن تسميتهم بالعلمانيين والإسلاميين، سيميولوجيًا أو رمزيًا إلى “مُطَربَشين” و “مُعمَّمَين”([23]).
هكذا برزت القاهرة في وعي “حسن البنا” بوصفها مدينة مقسمة إلى معسكرين وفق تعبيره “معسكر الإباحية” و “معسكر الإسلاميين”، ويعبر استخدام البنا هنا لكلمة “المعسكرين” عن حدة الصراح وقطبيته، فيرى أنه -على نحو ما أقر بقوله- “إن معسكر الإباحية كان في قوة وفتور، ومعسكر الإسلامية الفاضلة في تنقص وانكماش”، وبقوله يفسر البنا مرحلة العشرينيات بوصفها مرحلة “الإباحية والإلحاد” اشتد فيها “موجة التحلّل في النفوس وفي الآراء والأفكار باسم التحرر العقلي، ثم في المسالك والأخلاق باسم التحرر الشخصي، فكانت موجة إلحاد وإباحية قوية جارفة طاغية لا يثبت أمامها شيء، تساعد عليها الأحداث والظروف وتستقطب الشباب المثقف”([24]).
حكم هذا الصراع بين هذا التيارين، إلى حد بعيد تحول البنا من نمط التكوين الصوفي الحصافي الشاذلي إلى النمط السلفي الذي كانت “مجلة المنار” لـ رشيد رضا وريثته في زمن انقسام مدرسة محمد عبده الإصلاحية إلى علمانيين وسلفيين إسلاميين، فكان البنا دائم المتابعة للمنار، ولمجالس الشيخ رشيد رضا، بل إنه سوف يتولى لاحقًا إصدار “المنار” حين توفي الشيخ رضا عام 1935([25]).
وسرعان ما تحولت -أفكار رشيد رضا التي تمثلت في الدفاع عن فكرة الخلافة والتخلي عن فكرة الدولة الوطنية- إلى مُلهم لحركة إحيائية إسلامية، (حركة الإخوان المسلمين) التي أتت لتُحدث قطيعة فكرية حاسمة مع الخطاب الإصلاحي.
وتأثرًا بالخطاب السلفي لرضا كانت الاستجابة السياسية بإنشاء “حسن البنا” (1906-1948)، لجماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928. وكان من أهم دعاوى هذه الجماعة هو إقامة مجتمع إسلامي جديد متمثًلا في “إعادة الخلافة الإسلامية”، يكون دستورها “القرآن” ووسيلة تحقيقها “الجهاد”. فالخلافة وفق ما أقر البنا “رمز الوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها والاهتمام بشأنها، والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله”، والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم”([26]).
- وقد بسط البنا العقيدة الوهابية وجعلها أكثر صرامة لتكون القاعدة الأيديولوجية لحركته الشعبية القوية، وقد عبر مؤسسها نفسه عن رسالتها الأساسية التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
- الإسلام نظام لا يضاهيه نظام آخر، لأنه أُنزل من لدن الله الذي يملك القدرة على تنظيم كل جوانب حياة البشر، إنه عقيدة وعبادة، دين ودولة، قرآن وسيف، وينطبق هذا النظام على كل البشر في كل زمان وفي كل الدول.
- لا بد أن يعود المسلمون لدين السلف، دين الأمة. يرى البنا أن السلفية هي العقيدة الخالية من المؤثرات غير القرآنية التي جاءت من علم الكلام والفلسفة، فالتعامل مع القرآن بوصفه (النبع الصافي الخالص)، فلا يمكن للمؤمن أن يعرف الله إلا من الطريقة التي حددها بنفسه في القرآن.
- عودة الإسلام أو (أسلمة المجتمع) في كل المجالات متضمَّنة العادات الاجتماعية مثل الملابس والتحية وساعات العمل والراحة والتقويم والترفيه وما إلى ذلك، وكذلك المؤسسات التعليمية والقانونية والسياسية، والمسائل المتعلقة بالأسرة ووضع النساء، فعودة المجتمع إلى الإسلام سوف تكون محصلة عمل اجتماعي وسياسي.
- الإسلام فكر شامل وكلي. ولذلك لا يكفي أن يكون المجتمع مؤلفًا من مسلمين، بل ينبغي أن يكون إسلاميًا في أسسه وبنيته.
- إلغاء المدَّونات القانونية المصرية القائمة على مدَّونات قانونية أوروبية، وسن تشريعات قائمة على الشريعة الإسلامية.
- إرساء فكرة التناقض بين الحضارتين الشرقية والغربية، كانت الشرقية الإسلامية لدى البنا مدخلًا يتيح الهجوم على الغرب، وعلى كل ما هو غربي سواء في ميادين الفكر أو الحضارة أو الثقافة أو غيرها، “ولا خلاص للعرب والمسلمين، ولا فرصة أما الشرق كي يحترم نفسه ما لم يتخلص من كل معطيات الحضارة الغربية، ويؤكد البنا أن قيادة العالم قد بدأت شرقية، ثم أصبحت غربية، وها قد حان الحين لينهض الشرق من جديد”([27]). وقد شمل هذا الهجوم كذلك مدارس التعليم الحديث واصفًا إياها بالمدارس المبتدعة التي يخرج منها الأبناء وقد تسممت عقولهم بالأفكار الخبيثة الفرنجية، وحُشيت أدمغتهم بالآراء الإلحادية وشبوا على التقليد والإباحية([28]).
وقد اتخذ الهجوم على الغرب اتجاهًا آخر تمثَّل في الهجوم على كل من ينهل من ثقافة الغرب وعلومه، أو يدعوا إلى التنوير مستفيدًا من معطيات حركة التنوير الغربية، فذهبوا خصوم الإصلاحية إلى درجة اتهام محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهم من رواد النهضة، وكل من سلك مسلكهم في القرن العشرين، بالسقوط في فخاخ الفكر الغربي والدس في الإسلام، أي أنهم -عمليًا- أسقطوا حجية هذه اللحظة النهضوية الإصلاحية من تاريخ الفكر الإسلامي الحديث، مكتفين بالنظر إليها بوصفها صدى لفكر الغالب في وعي المغلوب، لا بوصفها إسهاما اجتهاديا في النظر إلى مسائل الإسلام والاجتماع السياسي الإسلامي([29]).
وإذا كان المذهب الذي يعرض له حسن البنا يتماشى مع السلفية التقليدية، فهو لم يأت بجديد في المستوى الديني والمذهبي، فإن الاختلاف الكبير في أنه يركز بقوة في العمل السياسي، فأراد أن تتمتع الجماعة بكل خصائص حزب ذو شعار مُحرك وأسطورة الإسلام، أو بالأحرى الفكرة التي يقدمها قادة هذا الحزب عن الإسلام([30]).
ففي المؤتمر الخامس لجماعة الإخوان المسلمين أعلنت الجماعة نفسها “هيئة سياسية” أي كحزب سياسي بمصطلحات الثلاثينيات، ومن هنا تبنى المؤتمر نوعًا من منطلقات نظرية وسياسية منهجية تجاه أسلوب العمل والموقف من مسائل الحكم والدستور والقانون والخلافة والوَحْدة العربية والوَحْدة الإسلامية… وقد أكدت الجماعة أن القانون يستمد مبادئه من الشريعة الإسلامية، فكوَّن المؤتمر “لجنة قانونية للموازنة ما بين القانون الوضعي في كل فروعه والقانون الإسلامي، وبيان نواحي الخلاف بينهما، ومطالبة الحكومة بتعديل القانون حتى يتفق مع أحكام الإسلام”، كما تبنى المؤتمر الصياغة السلفية التي صاغها رشيد رضا فيما يتعلق بمسألة الحكم في الإسلام، مؤكدًا أن “الإسلام دين ودولة، مصحف وسيف”([31]).
وقد عبَّر البنا عن نهج الجماعة المُعلن في العمل ضمن الأطر الدستورية بأن “النيابة البرلمانية هي الوسيلة المثلى لتحقيق هدف الإخوان من قولهم “القرآن دستورنا”([32]).
وإجمالًا حدد البنا الطبيعة الشاملة لجماعته بوصفها دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية ومنظمة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية، مؤكدًا أن جماعته ترفض التدخل في الخلافات المذهبية التي بين الأعيان والأعلام والأحزاب والجماعات وأنها تكرس جُهدها للتنظيم والعمل والسعي الدائب في كسب أعضاء جدد([33]). فقامت على تعبئة المشاعر والدوافع والانفعالات، باستخدام شعارات مختصرة مثل (الإسلام هو الحل).
ومن ثمَّ ركز “حسن البنا” في دعوته في المشاكل الاجتماعية والاهتمامات المادية لعامة الناس ومطالب الطبقة الوسطى، وأدان النظم السياسية التي تُشجع على الفساد وسيطرة كبار الإقطاعيين، وقد سمحت له هذه الآراء أن يضم عدد كبير من المصريين من الطبقة المحرومة أو المتوسطة، وأن يجذب تعاطف من يريدون بطريقة مشروعة مزيدًا من العدالة الاجتماعية، فعملت الجماعة لجذب أعضاء كثيرين من طريق تنظيمها الداخلي وطرق عملها وأساليب التجنيد فيها وانتماءات أعضائها، ومن طريق استغلال ذكي للظروف الاقتصادية والسياسية، وإنشاء حملات مؤيدة ومناصرة للقضية الفلسطينية منذ منتصف الثلاثينيات، وشكل من أشكال الشعبوية، التأكيد فضل إنشاء خدمات اجتماعية خيرية، والاستعاضة عن أوجه القصور في الدولة، فقد جذبت الجماعة أول ما جذبت سكان المناطق الفقيرة والمهاجرون الوافدون إلى العاصمة الذين وجدوا الراحة النفسية في اجتماعاتها وفي تأدية الصلوات الجامعة، ويمكن القول بأن القاعدة الأساسية للجماعة كانت في هذه المرحلة مكونة أساسًا من أصحاب الحرف الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى الدنيا ومن صغار التجار، وبعد عام واحد من انتقال المركز العام للجماعة إلى القاهرة كان للجماعة خمسون شعبة في مختلف أرجاء مصر، لدرجة أنها أصبحت أحد (التنظيمات الجماهيرية الأولى في العالم العربي والإسلامي)، وقد انتشرت بطريقة سريعة([34]).
بناء جيشٍ تنظيميٍّ سريٍّ:
ربما كانت جماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة الوحيدة في اللحظة من عام 1935، التي هيكلت بناءها التنظيمي وعلاقاتها الداخلية وفق شكل المنظمة الحزبية المتماسكة بمعناها الخاص، فأسس البنا جهازًا تنظيميًا هيكليًا، فأنشأ عدة فرق كل منها له أهداف معينة، وتتفق جميعها في نهاية المطاف على هدف واحد، متصلة الحلقات متماسكة الفعل ورد الفعل، قادرة على أن تستجيب على الفور لإرشادات وتوجيهات القائد منها “فرق الجوالة” وهو أول عمل تنظيمي خاص أقامه البنا، وكان في البداءة محاولة لبلورة النشاط الرياضي -البدني- والاجتماعي الذي اهتم به الشيخ، فكانت الوعاء الذي استوعب أخلص شباب الجماعة وأكثرهم ولاء، ويصقلهم ويدربهم ويعودهم على الطاعة التامة، فنشطت الجوالة واتسعت وامتد عملها إلى مجالات عدة في الريف والمدينة ابتداء من محو الأمية ومقاومة الكوليرا وخدمة البيئة، إلى ردع الخصوم السياسيين والمشاركة في الاحتفالات العامة بوصفها جيشًا خاصًّا بجماعة الإخوان المسلمين. وكانت فرق “الجوالة” تمثل “مصفاة” لاصطفاء النخبة العليا في الجماعة وهي نخبة “المجاهدين”.
ومع “الجوالة” كانت فرقة “كتائب أنصار الله” وهي مجموعات تضم كلًا منها أربعين عضوًا من الأعضاء النشطين في الجماعة، يلتقون معًا ليلة كل أسبوع، فيقضون أكثر الليل في العبادة وتلاوة القرآن وتفسيره وقراءة الأوراد، وكان الهدف الأساسي الذي وضعه الشيخ لهذه الكتائب هو ربط العضو بالجماعة، وتطوير علاقته بها من علاقة “انتماء” إلى علاقة “إيمان”.
وبعد فترة استنفدت “كتائب أنصار الله” غرضها بخصوص المنظم الفذ، الذي استشعر أنه قد انتقى ما شاء من رجال، وأنه قد آن الأوان لوضع نظام قد يشمل أعضاء الجماعة جميعًا، وكانوا قد أصبحوا بضع مئات من الألوف.
وكان “نظام الأسر” وقد بدأ تنفيذ هذا النظام عام 1943، في ظل التزايد الواسع للعضوية وما صاحب بعض فترات الحرب العالمية من ضغوط على الجماعة، وتقوم الفكرة التي وضعها الشيخ على أساس تجميع الأعضاء النشطين في كل شعبة وتقسيمهم إلى مجموعات، وتُسمى المجموعة “أسرة” وتنتخب كل أسرة رئيسًا يُسمى نقيبًا ليقوم بتمثيل مجموعته أمام قيادة الفرع، وقد نجح نظام الأسر في أن يُحيل الجماعة كلها إلى شبكة متصلة الحلقات، فكانت أقوى جهاز في الجماعة، بل وأقوى جهاز سياسي مُنظم في مصر كلها. وفوق هذا كان هناك “الجهاز الخاص” “الجهاز السري” المدرب والمسلح والمجهز تجهيزًا عاليًا ليكون أداة الردع التي لا يعرف أحد عنها شيئًا سوى المرشد نفسه”([35]).
ليس معروفًا على وجه الدقة تاريخ تكوين الجماعة لـ “الجهاز السري”، وقد حدد الأعضاء أنفسهم تاريخ إنشاء الجهاز ما بين 1930 و1947، وهو ما يدل على غموضه وسريته التامة، يمكن أوليًا افتراض تكوين هذا الجهاز مأسسة لاحقة لمرتبة “المجاهد”، التي عدها المؤتمر العام الثالث أعلى مراتب العضوية، وحدَّد اصطفاءها الدقيق من الأعضاء العاملين في الجماعة، وقد نفذ الجهاز معظم عمليات الاغتيال الفردي المُوجهة ضد رموز السلطة الحكومية القضائية.
كان للجهاز الخاص مفتٍ دينيٍ يُقرر الشرعية الدينية لقرار الجهاز بالاغتيال، وقد اضطلع الشيخ “سيد سابق” صاحب المؤلفات الفقهية التي من أبرزها “فقه السنة” بهذه الوظيفة، وكان الجهاز قبيل تنفيذه للعملية يعقد محاكمة داخلية غيابية للمتهم، وتُقرر فيها شرعية اغتياله بحضور المرشحين للتنفيذ في جلسة طقوسية([36]).
تأسيس جهازٍ إعلاميٍّ قويٍّ:
وإذ يستعد الجيش لمرحلة التنفيذ فلا بد من جهاز إعلامي قوي يمَّكنه من أداء مهامه، وقد أسس البنا مطبعة صغيرة بعد المؤتمر الثاني للجماعة اهتمت بطبع رسائله إلى الإخوان، وتدريجيًا بدأت تنمو المطبعة الصغيرة لتصبح سلاحًا إعلاميًا يحقق للشيخ الهيمنة الفكرية على الجماعة، والهيمنة الفكرية للجماعة على قطاعات كبيرة من التيارات الإسلامية، كما نجح البنا في أن يُصدر أول مجلة إخوانية تحمل دعوته إلى الجمهور “مجلة الإخوان المسلمين” الأسبوعية وكانت المجلة مملوكة لواحد من كبار السلفيين الذين أثروا تأثيرًا كبيرًا في الإمام عندما كان طالبًا وهو الشيخ “محب الدين الخطيب”، صاحب المكتبة السلفية. وصدر العدد الأول في مايو عام 1933، لتكون أول مجلة تصدر عن الجماعة. وفي نوفمبر عام 1947 أصدرت الجماعة مجلة شهرية للدراسات الإسلامية باسم “الشهاب“، لعلها أقرب ما تكون إلى “منار” الشيخ رشيد رضا([37]).
وهكذا امتدت يد الجماعة إلى مختلف جوانب الحياة في المجتمع المصري، بل وانتشرت خارجه، وأصبحت قوة مليونية ذات كتلة عسكرية وجهازًا سريًا معبًأ وقادرًا على العمل، إلى أن ساءت الأحول لدى الإخوان عام 1954.
جماعة إسلامي باكستان:
المودودي (ثنائية الحاكمية/الجاهلية)
أثرت البيئة السياسية التي عاشها “أبو الأعلى المودودي” في فهمه للإسلام، فمنحت هذا الفهم أبعادًا خاصة تتعلق بطبيعة الساحة الهندية والصراعات التي كانت تدور فيها، فقد وعى قدر التحديات التي تواجه المسلمين وأولها مواجهة الاستعمار، ومن هنا ناضل المودودي من أجل الانفصال عن الهند وإقامة دولة إسلامية([38]).
عام 1947 بعد انفصال باكستان عن الهند، أراد المودودي حشد الدعم واستقطاب الأتباع فقد دعا إلى “ضرورة وجود جماعة صادقة في دعوتها إلى الله، جماعة تقطع كل صلاتها بكل شيء سوى الله وطريقه، جماعة تتحمل السجن والتعذيب والمصادرة وتلفيق الاتهامات وحياكة الأكاذيب، وتقوى على الجوع والعطش والحرمان والتشريد وربما القتل والإعدام، جماعة تبذل الأرواح رخيصة، وتتنازل عن الأموال بالرضا والخيار”، فأسس “جماعة إسلامي باكستان“([39]).
وضمن هذا السياق شرع المودودي في دراسته المتعمقة لفقه الجهاد في منتصف عشرينيات القرن العشرين، إذ كان هذا ردَّ فعله إزاء الاتهامات الهندوسية للإسلام بأنه انتشر بحد السيف، عقب اغتيال أحد المسلمين لزعيم غير مسلم، فنشر كتابه “الجهاد في الإسلام” الذي جاء ليُمثل العناصر الأساسية في فكر المودودي، وقد بدأ خُطة عمله -وفق قوله- بتحطيم “قبضة الثقافة والأفكار الغربية عن النخبة المثقفة المسلمة، وأن يغرس بداخلهم حقيقة أن الإسلام لديه نظامُ حياة وثقافة ونظام سياسي واقتصادي وفلسفة ونظام تعليمي خاص به، تفوق جميعًا أي شيء قد تقدمه الحضارة الغربية”([40]).
ووفقًا لهذه الأيديولوجيا نجد الغرب والإسلام على طرفي نقيض، تصير المجتمعات البشرية -وفق المودودي– إلى نوعين فقط فهي إما “إسلامية” أو “جاهلية”، لذلك يرى المودودي أن الحضارة الغربية هي (جاهلية محضة) على الرغم من الإيمان المسيحي المنتشر في تلك البلاد، إلا أنه أصبح قشرة ظاهرية في بناء حضاري حافظ على الطابع المادي الذي ورثه عن “جاهلية الشرك” اليونانية فيقول: “صحيح أن هذه الحضارة لم تعلم طلابها الإلحاد، إلا أنها تخلق عقلية ملحدة… لذلك ليس هناك فرق من الناحية العملية بين الشرك والجاهلية المحضة، فهما من ناحية الجوهر متماثلان في فرض ألوهية البشر على البشر، وقطع علاقة الإنسان بالإنسان” وفي رأي المودودي أن الجاهلية قد استيقظت من جديد واستمرت مع الأمويين والعباسيين والأتراك، فهؤلاء قد “استوردوا فلسفات اليونان والروم والعجم وأشاعوها بين المسلمين على صورتها التي كانت عليها، فانتشرت ضلالات الجاهلية الأولى وأباطيلها في جميع الفنون والتمدن والاجتماع”([41]).
ومن هذا المنطلق جاء العداء الشديد والمطلق لفكرة الديمقراطية وكلُّ ما يرتبط بها من مفاهيم كـ «العلمانية» و«الحريات الفردية» و«القوانين الوضعية» و«التعايش» وغيرها، فقد نعتها بـ «الجاهلية المعاصرة»، لأنها لا «تُطبق حكم الشريعة»، ولا تترك للأقلية المسلمة مساحةً لفرض عقيدتها الدينية، لذلك نرى أن كل البنيان النظري الذي شيده المودودي جاء ضد هذه الفكرة لذلك جاء تأصيل المودودي لفكرة «الحاكمية الإلهية»، بوصفها أنموذجًا للمجتمع الصالح، الذي يُشبه تمامًا دولة الرسول في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، التي لا يجوز لأحد فيها أن يُشرِّعَ للناس قانونهم، وإنما الشريعة من لدن الله وحده، -فيقول إن “الأمر الأساسي الذي قام عليه نظام الحكم الذي أقامه النبي (ص)، هو التسليم بأن السلطة العليا المطلقة ليست إلا لله سبحانه وتعالى، والحكم لله، ولا يجوز لأحد أن يُشَرِّعَ للناس قانونهم”([42]).
ومن ثمَّ ينطلق المودودي في بناء نظريته الدينية والسياسية من مفهوم “التوحيد” -المفهوم التأسيسي للسلفية الوهابية- “ويربط بين الوحدانية والاستخلاف ربطًا مُحكمًا، فيرى أن الدولة الإسلامية تقوم على أساس وهو “حاكمية الله” الواحد الأحد، وأن نظريتها الأساسية هي أن الأرض كلها لله وهو ربها والمتصرف في شئونها، فالأمر والحكم والتشريع كلها مُختصة بالله وحده، وليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو شعب، بل ولا للنوع البشري كافة شيء من سلطة الأمر والتشريع”([43]).
ويستند المودودي إلى إقرار مفهوم الحاكمية إلى قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: 44) فيقول: “هذه محكمات الكتاب وما فيها خطأ أو شك أو اشتباه، وهذه هي العقيدة المحورية التي يدور عليها أسلوب الإسلام في التفكير ومناهجه الأخلاقية ونظامه الاجتماعي، ولا يمكن أن يصل المسلمون إلى الإيمان الكامل دون أن يُقيموا على أساسها حكومة إسلامية، ومجتمعًا إسلاميًّا، وهيهات أن يكونوا مسلمين دون أن يُنفذوا قانون الله وشريعته”([44])، لأن «الإيمان الصحيح يقتضي الإيمان بشريعة الله، وإلا فإن الإيمان كذلك باطل، لأنه لا يجوز أن نفصل ما بين إيماننا والمنهج الذي نتخذه في حياتنا، فمن اللازم على المسلمين الإيمان بالله من جهة، وتطبيق شريعته الإلهية من جهة أخرى». «إن المسلمين لو أرادوا أن يعيشوا مسلمين حقيقة، فلابد من أن يطيعوا الله في دقائق حياتهم وعظائمها، وأن يحكموا شريعته وقانونه في حياتهم الشخصية والجماعية، إذ الإسلام لا يقبل أبدًا أن يُعلن الإنسان إيمانه، بأن الله رب العالمين ثم يصرف أمور حياته وشئونها وفق قانون غير إلهي”([45]).
إن الحاكمية في فكر المودودي-كما يصفها “حسن حنفي“- تُعطي «تصورًا مركزيًا للعالم. فالله قمة الكون، خلقه ويحكمه ويسيطر عليه، فالأنبياء هم المعلنون عن هذه الحاكمية، ومعهم القادرون على السير على هداهم» ولما كانت الحاكمية لله، فالاستخلاف لا يكون إلا في الحاكمية، وقد قرر جميع الأنبياء هذه الحاكمية وهذا الاستخلاف من طريق ثلاث حقائق ثابتة:
- أولًا: أن سلطة الله هي السلطة العليا التي يجب على الإنسان أن يخضع لها ويُقر بعبوديتها، لأنه يتأسس على طاعتها النظام الكامل للأخلاق والمجتمع والحضارة.
- ثانيًا: حتمية طاعة النبي بوصفه مُمثلًا ونائبًا عن السلطان الأعلى والحاكم المطلق.
- ثالثًا: قانون الله هو القانون الحاكم، الذي لا يفترض المساءلة والنقاش، وما دونه من القوانين الوضعية فهي جاهلية محضة «أول شيء دعا إليه الرسول هو أن المُلك لله والحكم له، ولا يحق لأحد أن يُشرع للناس قانونهم”([46]).
إن كل خروج عن هذه القواعد يعدُّ وفق المودودي «خروجًا معلنًا وصريحًا عن الدين الإسلامي لأن القرآن دعا إلى ذلك {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}”(المائدة، 44)
أسهمت نصوص المودودي هذه في بلبلة جماعات إسلامية معاصرة وقادت كُتابًا مسلمين إلى الحكم بكفر الأمة وجاهلية المجتمعات الإسلامية.
“سيد قطب” مُنظِّر الأصولية المتشددة:
في عام 1954 وبعد أن فَرَضَ عبد الناصر نفسه على رأس الثورة القومية التي أطاحت بالنظام الملكي، ساءت أحوال الإخوان المسلمين، “فلم يُترك للجماعة أي فرصة للعمل السياسي وتوجه للمهمشين، وأعاد توزيع الأراضي على الفلاحين، ودعا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وعارض الإمبريالية الغربية والشيوعية المادية الملحدة، استعادت الثورة الناصرية جزءًا كبيرًا من الطبقات الاجتماعية التي كانت تكون كتائب الاخوان المسلمين، بالإضافة إلى ذلك اهتم جمال عبد الناصر بوضع المشروع القومي في سلسلة من الدوائر التي يحتضنها الإسلام، تلا ذلك صراع مُميت بين ناصر والإخوان، وفي 26 أكتوبر عام 1954، وفي أعقاب فشل محاولة اغتيال الرئيس، زادت عمليات قمع الإخوان وتكونت عند جيل السجون من الإخوان أيديولوجيا جديدة أكثر تطرفًا بحثًا عن الشخص الذي سوف يصبح أحد منظري الإسلام السياسي الأكثر جدلًا في القرن العشرين –”سيد قطب“-” ([47]).
انضم سيد قطب إلى الإخوان المسلمين في نهاية عام 1952، ولكنه بخلاف مؤسس الجماعة “حسن البنا” الذي كانت سياسته -سياسة النفس الطويل- إن جاز التعبير، وضع قطب نفسه في منظور ثوري واضح، ليكون أكثر وضوحًا من الخطاب الإخواني من موقفه من أنظمة الحكم القائمة والقوانين التي تنظمها.
ومن منطلق “كلية الإسلام” وعلى غرار سلفه “المودودي” انطلق مفهوم الحاكمية لدى قطب الذي يقوم على تصور فقهي هو أساس الديانة الإسلامية نفسه: التوحيد الإلهي، وقوام ما يضيفه الإسلاميون إلى السنة (أو ما يحدثون به القطيعة معها) هو تطبيق المفهوم الفقهي على المجتمع في حين أنه يُحيل إلى الله وحده، فالمجتمع هو انعكاس، أو ينبغي أن يكون انعكاسًا للتوحيد الإلهي. وإذا كان التوحيد مُعطى أساسًا في الذات الإلهية، فإنه في المجتمع البشري أمرٌ يحتاج إلى بناء وتحقيق. والمجتمع التوحيدي كما يقول الأيديولوجيون الإيرانيون، لا يعرف لا التشرذم الداخلي (الاجتماعي أو العرقي أو القبلي أو القومي)، ولا النصاب السياسي الذي من شأنه أن يكون مستقلًا عن النظام الإلهي وإن عَرَضًا، وإذ ذاك تسود حاكمية الله المطلقة، فتضبط جملة وجوه الحياة في حياة الفرد وحياة المجتمع([48]).
فالحاكمية عند قطب وفق قوله هي: “نزع السلطان الذي يزاوله الكُهان ومشيخة القبائل والمراء والحكام، وردِّه إلى الله، السلطان على الضمائر والسلطان على العشائر والسلطان على واقعيات الحياة والسلطان في المال والسلطان في القضاء والسلطان في الأرواح والأبدان”([49]).
فلا مجال في الإسلام إلا لدولة يقوم فيها المرء بوظيفة خليفة الله، وهو ما دفع سيد قطب إلى عد “إعلان ربوبية الله وحده للعالمين، معناها الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها، وأن الحكم الذي مرد الأمر فيه للبشر يجعل بعضهم لبعض أربابًا من دون الله” ولهذا يخلص ببساطة إلى أنه لا بد من “تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض”([50]).
وعلي غرار “مفهوم الحاكمية” سار قطب كذلك على نهج المودودي في “مفهوم الجاهلية”، فرأى أن كل المجتمعات الحالية في الأرض تعيش في جاهلية، وهكذا تصبح المهمة الرئيسة له توظيف مفهوم “الجاهلية المعاصرة” أو “جاهلية القرن العشرين” بتعبير محمد قطب، بوصفها أداة تصنيف وفرز وتقييم لأي نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي قائم، وهذا يعني إنكار أي نظام غير منسجم مع تفسيرهم للشريعة والمجتمع الإسلامي، والعمل لإزالته لأن بقاءه هو انتهاك للشريعة وإنكار لعقيدة التوحيد، ولا يتردد سيد قطب في كتاب “معالم في الطريق” بالقول: “إن الأمة اليوم تعيش جاهلية تامة أظلم من الجاهلية التي عاصرها الإسلام الأول، إنها تعيش الردة، لذلك ينبغي إعادة إنشاء هذا الدين”.
فيعلن أن الطريق الوحيد للخروج من الجاهلية هي نفسها الطريق التي سلكها الأوائل، وأن لا مهادنة ولا تصالح مع الجاهلية ولو جزئيًا، وأن الأرض التي لا تخضع لحاكمية الله هي دار كُفر وحرب، بغض النظر عن الدين الذي يعتنقه السكان، فيرى أن المجتمع مسلم، ليس لأنه مكون من مسلمين، بل بمقدار خضوعه للحاكمية، ومن ثم تنشأ الدولة الإسلامية عندما تصبح الحاكمية لله، سواء كان الشعب مسلمًا كله أو بعضه([51]).
وإذ يبدو هكذا أن الإحالة إلى “حاكمية الله” “مطلق التقديس”، قد كانت من أهم أدوات خطابات هذه الجماعات في تكريس هيمنتها السياسية السلطوية وتأييدها على الدوم، إلى جانب أن هيمنة هذا الخطاب الأصولي -وفقا لما أسسه “المودودي/قطب” من ثنائية “الحاكمية” و”الجاهلية”- لا تأتي فحسب من طريق إنتاجه ضروب من المقدس “مفهوم الحاكمية الإلهية” يخضع لها- وبها البشر، تلتزم بعدم انتهاكها والخروج عليها، بل وكذلك دحضه للخطاب النقيض “الجاهلي” المتمثل في القوانين الوضعية -العلمانية والاشتراكية والديمقراطية… – الخاضع حكمها للبشر وليس لله، وعلى هذا النحو دشن “المودودي/قطب” كذلك لثنائية “الإيمان” للدول الإسلامية الخاضعة لحكم الله ومطبقة لشريعته، في مقابل “الكفر” للدول غير الإسلامية التي لا تُطبق الشريعة، فيقول المودودي في هذا الصدد: “الإيمان الصحيح يقتضي الإيمان بشريعة الله، وإلا فإن الإيمان كذلك باطل، لأنه لا يجوز أن نفصل ما بين إيماننا والمنهج الذي نتخذه في حياتنا، فمن اللازم على المسلمين الإيمان بالله من جهة، وتطبيق شريعته الإلهية من جهة أخرى”([52]).
نقد مفهوم الحاكمية:
وإذ تستند الأصولية الدينية بكل أطيافها في تبرير أفعالها إلى منظومة نصية “القرآن“، في إطار عملية تسييس “القرآن“، وتحويله إلى أداة لبسط عملية الهيمنة السياسية والاستيلاء على الحكم. وعلى هذا النحو يشير “خليل عبد الكريم 1930″ في كتابه “لتطبيق الشريعة ..لا للحكم” أن الآيات –التي يستند إليها جماعات الإسلام السياسي، -فيما باتت تُعرف بآيات الحاكمية- لتأكيد نظرية الحكم بالحق الإلهي بدوافع سياسية، لا تأتي في القرآن للدلالة على هذا المعني، مستندًا إلى قول المفسرين القُدامى فيقول: “لم يقل أحد من قدامى المفسرين: إن الآيات المباركات الثلاث (فأولئك هم الكافرون-الظالمون-الفاسقون) تعني الحاكمية لله، أو الحكومة الدينية أو الحكم بالحق الإلهي –إنما ذهب إلى ذلك بعض السلفيين الجدد الذين تدفعهم طموحات سياسية على وجه التحديد، وأن محاولة تعميم هذه الآيات لتشمل الحكومة وإدارة الدولة هو لَوّيٌ لأعناق تلك الآيات وتحريف الكلم عن موضعه، ولا نعتقد أن السلفيين الجدد الذين يخفون أطماعهم السياسية وراء أقنعة دينية، ويسترون شهواتهم إلى الحكم خلف شعارات إسلامية- لا نعتقد أنهم يستحقون لأنفسهم بمساواة حبر الأمة ابن عباس، أو مقاتل بن سليمان… في فهم القرآن الكريم.
ومن جانبه يقر “نصر أبو زيد” في كتابه “النص والسلطة والحقيقة” أن الخطاب الأصولي قد أهدر سياق الآيات القرآنية عند تأويله لآيات الحاكمية، بخاصة السياق الخارجي (أسباب النزول)، والسياق الداخلي (اللغوي خصوصًا)، وذلك بثلاث دلالات:
- الدلالة الأولى: اجتزاء النص والوقوف عند فواصل بعض آياته، على طريقة الوقوف على ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾، فقد وُقِفَ عند قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، ﴿الظالمون﴾، ﴿الفاسقون﴾، وفي هذا تجاهل لسياق الآيات من (41-50) بوصفها تُمثل وحدة سردية واحدة.
- الدلالة الثانية: التوسيع الدلالي لصيغة الفعل “يحكم”، ليدل على المفهوم السياسي الحديث للحكم، المفهوم المرتبط بالدولة الحديثة، التي تعتمد في بنائها على مؤسسات المجتمع المدني، وفي هذا التوسيع ما فيه من إهدار النظام اللغوي للنص، الذي تدور صيغة “حكم” فيه في دائرة دلالية تعنى الفصل بين الخصوم في مشكلة خلافية جزئية.
- الدلالة الثالثة: إهدار السياق بتجاهل أسباب النزول، وهو السياق الذي يكشف الطبيعة السِجَالية للنص في اشتباكه مع يهود المدينة، ومن الواضح أن سياق النزول يرتبط بخلاف حدث بين اليهود -نتيجة التزييف والفساد والانحراف- ألجأ بعضهم إلى الاحتكام إلى النبي([53]).
أما “محمد أبو القاسم حاج حمد” فيرى أن طرح كلًّا من المودودي وسيد قطب مقابلة بين حاكمية الله وحاكمية البشر يستحيل الجمع بينهما أو اجتماعهما، فإما حاكمية الله التي يكون فيها المجتمع إسلاميًا أو حاكمية البشر التي يكون فيها المجتمع جاهليًا، هذه المقابلة مغلوطة وموهومة، ذلك أن الفارق الجوهري بين الطبيعتين: الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، أن الأولى، أزلية تُمارس الحاكمية بأشكال مختلفة طبقًا لمقتضيات مكان الإنسان وزمانه، من دون أن تسلبه ومن دون أن يكون هذا الإنسان مكافئًا لها، مهما منحته من حاكمية خاصة به أو سلبته إياها… فليس المقصود بالحاكمية الإلهية الالتزام بشرع الله أو رد التشريع إلى الله وقيام خليفة أو سلطة دينية تنوب عنه في الأرض، فليس للحاكمية الإلهية أي علاقة بهذا المعاني التي افترضها هؤلاء”([54]).
المرجعيات المعرفية/السياسية لتيارات الإسلام السياسي:
وإجمالًا من طريق ما تناولناه نعرض لأهم الأسس والمرجعيات السياسية/المعرفية التي تقوم عليها معظم جماعات الإسلام السياسي، لبناء دولة إسلامية جامعة تضُم كل الأمم الإسلامية، يرأسها خليفة المسلمين.
المرجعيات السياسية (فقه السياسة):
ينطوي فقه السياسة عند معظم الحركات والتيارات الإسلامية، على عدة مفاهيم أساسية:
- الأول، عالمية الإسلام، يرى الإسلاميون الأصوليون -السياسيون- أن الله تعالى أناط بالأمة الإسلامية ريادة البشرية حتى تقودها إلى الذروة العالية الرفيعة النابعة من إرادة الله التي شرعها الله لها، وتتمثل هذه الذروة في ألوهية الله للجميع بلا شريك، فالشريعة -وفق ما أقر سيد قطب– تتمتع بشمولية لكل أوجه الحياة الإنسانية بدءًا بحياة الفرد، ومرورًا بارتباطات المجتمع وأسس الدولة والعلاقات الدولية([55])، فالإسلام -وفق البنا وقطب– هو فكر شامل وكلي، ينظم أمور الحياة كافة، له أنظمته وحدوده، وعلاقاته بين الشعوب ومبادئ الحرب والسلام، والحقوق الإنسانية، وعليه على قادة العالم الإسلامي غرس الإيمان وإشعال العاطفة الدينية ونشر الدعوة، كما يجب على الدولة في ممارستها كما في تشريعاتها نشر الأخلاق القائمة على الشريعة الإسلامية([56])، فلا يكفي أن يكون المجتمع مؤلفًا من مسلمين، بل ينبغي أن يكون إسلاميًا في أسسه وبنيته، ومن هنا ينبع لدى الأصوليين واجب التمرد على الدولة المسلمة الفاسدة، وتكفير حاكمها الذي يعدُّ مُرتدًا([57])، لأن عالمية الإسلام تتطلب معارضة أي نظام إنساني، فلسفي أو سياسي، لا يقف عند حكم الله، فالإسلام يقف بوصفه نظامًا دينيًّا بمواجهة الكفر، كما يقف بوصفه نظامًا سياسيًّا بمواجهة الديمقراطية التي ترجع الحكم إلى الفرد([58]).
- الثاني، جاهلية العالم، يرى الأصوليون أن المجتمعات القائمة اليوم هي جميعًا مجتمعات جاهلية، كما أن الدول القائمة اليوم فيها دول جاهلية، على الرغم من زعم بعضها الانتماء إلى الإسلام، لذلك يجب على الدعوة الإسلامية الدعوة إلى أصل التوحيد ولا سيمَّا الاحتكام إلى المبادئ الأساسية للإسلام، فالمجتمعات الجاهلية -وفق قول سيد قطب– هي تلك المجتمعات التي يتجمع الناس فيها لأسباب غير الإرادة الإلهية، فقد اتخذ الإنسان له إلهًا من دون الله، فاتخذ المال والهوى والمادة والأرض والمشرعين له آلهة، فاغتصب اختصاص الله في التشريع واغتصب حق الألوهية على عباد الله، لهذا فإن على المسلمين ملاحقة الأصل الذي شرعه الله، والأصل هو شريعته، فيجب على المسلمين مواجهة الواقع وتعديله ليوافق منهاج الله وتطوره، وبهذا ينتفي المجتمع الجاهلي([59]).
- الثالث، الجهاد، يرى الأصوليون أن نقطة البداءة للدعوة الإسلامية هي مجابهتها للواقع الجاهلي، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالجهاد الذي هو من طبيعة الدين الإسلامي ومن خصائص الأمة الإسلامية، وواجب على الدولة والجيوش والأفراد. إن هدف الجهاد الأساسي هو تقرير وإقرار ألوهية الله في الأرض، ونفي غيرها من الألوهيات والأديان من دون الله([60])، ووفق سيد قطب فالإسلام ثورة لتحرير البشرية وثورة على ربوبية الإنسان، والجهاد يهدف إلى إقامة الحياة في أرض الله على منهاج الله والحكم بما أنزل الله، لهذا فإن المجتمعات التي تحتاج للثورة هي المجتمعات غير القائمة على المفهوم الإسلامي للألوهية، فهدف الجهاد هو إعلاء كلمة الله وليس الجاه أو المال، فالمسلم يقدم دمه وروحه فداء لعقيدته وهداية للناس([61]).
المرجعيات المعرفية:
- تبني الفقه السلفي التقليدي المعارض لإعمال العقل في تفسير النصوص الدينية، فإذا كانت العقلانية الإصلاحية تتوسل بالمعتزلة وابن رشد وابن خلدون والشاطبي، فالسلفية الحركية تتوسل بالأشاعرة والغزالي وابن تيمية وابن القيم، ثم بالحواشي والشروح والمختصرات…([62]).
- الإعراض عن أية رؤية عقلانية، من ذلك معارضة الفلسفة والعلوم الحديثة، فيجب فهم الإسلام كما فهمه السلف الصالح، والوقوف عند حدود الإلهية وعدم التقيد بما لا يفرضه الله أو ينص عليه الإسلام، فيرى حسن البنا مثلًا أن الأدلة المنطقية غير كافية للتوصل إلى المعرفة، بل إن المعرفة في حاجة إلى فطرة سليمة تستقر فيها المعرفة الحقة، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور، فيرفض الأصوليون ادعاء بعض الفلاسفة أن معرفة الله بالعقل ممكنة([63]).
- رفض العلوم الحديثة ومن ثم الفكر الغربي، فإذ كانت السلفية الإصلاحية تدعوا إلى الانفتاح على ثمرات الفكر الغربي، والانتهال منها من دون حرج كما انتهل السابقون -في العهد الوسيط- من الثقافات اليونانية والفارسية والهندية، فإن الأصولية التقليدية ترى في الفكر الغربي شرًّا مُستطيرًا ومستودع المادية والإلحاد وتفسُّخ القيم، فهم أعداء وجب في حقهم التكفير والقتال، بما فيهم أصحاب الإصلاحية الحداثية الناهلين من فكرهم([64]).
خاتمة:
بعد مرحلة التأسيس -التنظير للإسلام السياسي- من كبار مؤسِسِيه (البنا والمودودي وقطب) -التي تناولناها من طريق هذه الدراسة- سوف يشهد الفكر السلفي تطورًا ملحوظًا مع توالي الظروف التاريخية التي مرت بها المنطقة، إذ سوف يتحول من تنظير فكري إلى ممارسة واقعية تستعمل العنف المادي من أجل التغيير، وهو الذي عبرت عنه “السلفية الجهادية” في أوضح صورها. وهذا ما سنحاول الوقوف عليه في المقال القادم.
يتبع…
المصادر والمراجع:
([1]) انظر، زكي ميلاد، الشيخ محمد رشيد رضا وتحولات الفكر الإسلامي المعاصر، مجلة كلمة
[2]) انظر، بتصرف، محمد حداد، الإصلاح الديني في أعمال المعاصرين.
[3]) رفعت السعيد، حسن البنا، دار الطليعة الجديدة، دمشق، ص34. ومن الجدير بالذكر أن أفكار الشيخ جاويش عن -الدولة (الجامعة الإسلامية) في مقابل الدولة الوطنية- سوف تكون القاعدة الأساسية التي ينطلق منها الخطاب السلفي التقليدي وحركات الإسلام السياسي، فلا تبدو أفكار الشيخ جاويش بعيدة عن أفكار الشيخ “حسن البنا” بعد قرابة الربع قرن إذ يقول البنا: في مقال له بعنوان: قومية الإسلام” “أن كل قطعة أرض ارتفعت فيها راية الإسلام، هي وطن لكل مسلم يحتفظ به، ويعمل به، ويجاهد في سبيله”
[4]) انظر، نصر أبو زيد، إصلاح الفكر الإسلامي، مؤسسة هنداوي، ص53.
[5]) علي عبد الرازق، الإسلام وأصول الحكم، القاهرة (1925).
[6]) علي عبد الرزاق، الإسلام وأصول الحكم.
[7]) نصر أبو زيد، إصلاح الفكر الإسلامي، ص55
[8]) عبد الإله بلقزيز، الإسلام والسياسة، دور الحركة الإسلامية في صوغ المجال السياسي، المركز الثقافي العربي، ص186
[9]) عبد الإله بلقزيز، الإسلام والسياسة، ص187
[10]) محمد رشيد رضا، مجلة المنار، العدد 26، ج2، ص100، وانظر أيضًا، حباك عمر، وعبد الحميد بشير، الخلافة في فكر السيد محمد رشيد رضا، مجلة الونشريس للدراسات التاريخية، مجلد 1، عدد 2، 2022م.
[11]) محمد رشيد رضا، مجلة المنار، المرجع السابق، ص104.
[12]) رشيد رضا، المرجع السابق، ص 104
[13]) رشيد رضا، مجلة المنار، عدد 25، ج7، ص532، 533، وانظر، أيضًا حباك عمر، وعبد الحميد بشير، الخلافة في فكر السيد محمد رشيد رضا، مجلة الونشريس للدراسات التاريخية، مجلد 1، عدد 2، 2022م.
[14]) انظر، عبد الإله بلقزيز، الإسلام والسياسة، دور الحركة الإسلامية في صوغ المجال السياسي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ص185، 188.
[15]) انظر، هنري لوزيير، صناعة السلفية (الإصلاح الإسلامي في القرن العشرين)، ترجمة: أسامة عباس، وعمرو بسيوني، دار نديم للترجمة.
[16]) عبد الإله بلقزيز، العرب والحداثة، ص91- 93
[17]) علي مبروك، ثورات العرب. خطاب التأسيس، دار عين للنشر.
[18]) مبروك، ثورات العرب.. خطاب التأسيس.
[19] ) مبروك، ثورات العرب.. خطاب التأسيس.
[20]) انظر، هنري لوزيير، صناعة السلفية (الإصلاح الإسلامي في القرن العشرين)، ترجمة: أسامة عباس، وعمرو بسيوني، دار نديم للترجمة.
[21]) انظر، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة.
[22]) انظر، الظاهرة السلفية -التعددية التنظيمية والسياسية، مجموعة مؤلفين، مركز الجزيرة للدراسات، تحرير: بشير موسى نافع، عز الدين عبد المولى، ص54، 55.
[23]) انظر بتصرف، رفعت السعيد، حسن البنا، دار الطليعة الجديدة، سوريا، الطبعة العاشرة ص24، وأيضًا الحركات الإسلامية في الوطن العربي، مجموعة مؤلفين، مركز دراسات الوحدة العربية، اشراف د. عبد الغني عماد، ج1، ص123
[24]) حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، ص67-70.
[25]) انظر بتصرف، الحركات الإسلامية في الوطن العربي، مجموعة مؤلفين، مركز دراسات الوحدة العربية، اشراف د. عبد الغني عماد، ج1، ص124.
[26]) انظر، حسن البنا، رسائل حسن البنا، الإخوان المسلمون والخلافة.
[27]) حسن البنا، مجموعة رسائل حسن البنا، وأنظر أيضًا، نصر أبو زيد، إصلاح الفكر الإسلامي، مؤسسة هنداوي، ص55. وأيضًا، رفعت السعيد، حسن البنا، ص38، وأيضًا أوليفيه روا، تجربة الإسلام السياسي، ترجمة نصير مروّة، دار الساقي.
[28]) حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، ص138
[29]) انظر، عبد السلام ياسين، الإسلام والقومية العلمانية، دار البشير الثقافة والعوم الإسلامية، ص116، وأيضًا عبد الإله بلقزيز، الإسلام والسياسة دور الحركة الإسلامية في صوغ المجال السياسي، المركز الثقافي العربي، ص189.
[30]) انظر، شارل سان برو، حركة الإصلاح في التراث الإسلامي، ترجمة: أسامة نبيل، المركز القومي للترجمة، ص144.
[31]) رسائل حسن البنا، ص136، وانظر أيضا، الحركات الإسلامية في الوطن العربي، سبق ذكره، ص145، 146
[32]) أنور الجندي، حسن البنا: الداعية الإمام والمجدد والشهيد، دار القلم، دمشق، ص168
[33]) انظر، المؤتمر الخامس للجماعة، ص14-16.
[34]) انظر، شارل سان برو، حركة الإصلاح في التراث الإسلامي، ترجمة: أسامة نبيل، المركز القومي للترجمة، ص144. وأيضًا رفعت السعيد، حسن البنا، سبق ذكره، ص95.
[35]) انظر، رفعت السعيد، حسن البنا، دار الطليعة الجديدة، دمشق، 1997، ص103-109، وأيضًا الحركات الإسلامية في الوطن العربي، مجموعة مؤلفين، 155-157
[36]) الحركات الإسلامية في الوطن العربي، مجموعة مؤلفين، ج1، ص202، 203
[37]) انظر، رفعت السعيد، حسن البنا، 131.
[38]) الإسلاميون وقضايا الدولة، مجموعة مؤلفين، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2016، ج2ص444
[39]) انظر بتصرف، رشيد إيهوم، مقال بعنوان: “المودودي مُنظّر الحاكمية والجاهلية والدولة الإسلامية، مركز المسبار للدراسات والنشر.
[40]) انظر، المودودي، الجهاد في الإسلام، وأيضًا، نصر أبو زيد، إصلاح الفكر الإسلامي، ص62.
[41]) انظر، نصر أبو زيد، نفس المصدر، وأيضًا الحركات الإسلامية في الوطن العربي، مجموعة مؤلفين، اشراف: عبد الغني عماد، مركز دراسات الوحدة العربية، ج1، ص82
[42]) أبو الأعلى المودودي، تطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الحاضر، ترجمة: خليل أحمد الحامدي، مكتبة الرشد، 1983، الرياض. وأيضًا رشيد إيهوم، مقال بعنوان: “المودودي مُنظّر الحاكمية والجاهلية والدولة الإسلامية، مركز المسبار للدراسات والنشر.
[43]) انظر، الحركات الإسلامية في الوطن العربي، مجموعة مؤلفين، اشراف: عبد الغني عماد، مركز دراسات الوحدة العربية، ج1، ص82
[44]) أبو الأعلى، المودودي: الحكومة الإسلامية، دار المختار الإسلامي، الطبعة الأولى، سنة 1967، ص35.
[45]) المودودي، الحكومة الإسلامية، نفسه، ص29
[46]) انظر، حسن حنفي، أثر أبو الأعلى المودودي على الجماعات الدينية المعاصرة، أنفاس نت، 2007.
[47]) انظر، بتصرف، شارل سان برو، حركة الإصلاح في التراث الإسلامي، ترجمة: أسامة نبيل، المركز القومي للترجمة، ص145.
[48]) انظر، أوليفيه روا، تجربة الإسلام السياسي، دار الساقي، ص45، 46
[49]) سيد قطب، معالم في الطريق، دار الشروق، بيروت، 2008، ص26
[50]) سيد قطب، معالم في الطريق، ص10.
[51]) الحركات الإسلامية في الوطن العربي، مجموعة مؤلفين، مركز دراسات الوحدة العربية، إشراف: د. عبد الغني عماد ج1، ص90
[52]) المودودي، الحكومة الإسلامية. دار المختار الإسلامي، الطبعة الأولى، سنة 1967،
[53]) نصر أبو زيد، النص، السلطة، الحقيقة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1995، ص127، 128
[54]) محمد أبو القاسم حاج حمد، الحاكمية، دار الساقي، بيروت، 2010، ص30، 45.
[55]) سيد قطب، نحو مجتمع إسلامي، دار الشروق، بيروت، 1983، ص69.
[56]) انظر، حسن البنا، مجموعة رسائل الشهيد، دار العلم، بيروت، ص247، وسيد قطب، نحو مجتمع إسلامي، ض17.
[57]) أوليفيه روا، تجربة الإسلام السياسي، ص42.
[58]) أحمد الموصلي، موسوعة الحركات الإسلامية في الوطن العربي وإيران وتركيا، مركز دراسات الوحدة العربية، ص70
[59]) انظر، سيد قطب، هذا الدين، ص16-19، وسيد قطب، الإسلام ومشكلات الحضارة، ص28.
[60]) أحمد الموصلي، موسوعة الحركات الإسلامية في الوطن العربي وإيران وتركيا، مركز دراسات الوحدة العربية، 75
[61]) سيد قطب، معالم في الطريق، ص132.
[62]) عبد الإله بلقزيز، العرب والحداثة، ص96
[63]) أحمد الموصلي، موسوعة الحركات الإسلامية في الوطن العربي وإيران وتركيا، ص48، 49
[64]) عبد الإله بلقزيز، العرب والحداثة، 97.