تكوين
لئن تنزلت أسطورة الأندروجين في محاورة المأدبة الأفلاطونية، في سياق التفكير في الحب، فإنها تظل بوقائعها المختلفة وحبكتها البسيطة قصةً لخلق الإنسان فحسب، تحولت بسبب قِدَمها وصِلَتها بالآلهة في غابر الدهور إلى أسطورة لا تختلف في جوهرها عن الأسطورة الآدمية التي فَسرت خلق آدم في قصة صناعة الإنسان، “وهي صناعة قد استمدت تِقْنياتها، في نظر الأنتربولوجيا الفلسفية، من صناعة الخزف la céramique وعلوم النفخ les sciences du souffle، “ذلك أن خلق آدم، أو الإنسان الأول، كما تنقل لنا القصة التوراتية والقرآنية، قد مر بطورين في خلقه: تشكيل الطين في صورة تشبه صورة خالقه، وقد اتخذت هذه الصورة هيئة جسم أجوف، ثم النفخ في تجاويف هذا الجسم. فالخلق لم يكتمل إلا بالنفخ في تجاويف الجسم. ومن دون هذا الصنيع ما كان للإنسان الأول أن ينقلب إلى كائن حي من “المتنفسة“. وليس المنفوخ في إناء الجسم المجوف سوى “نَسَمَة حَيَاةٍ” أو شيء “مِنْ رُوحِي“، من روح النافخ.”([1]).
أما في أسطورة الأندروجين فقد فُسر خلقُ الإنسان بقصة صناعته، غير أن الصناعة فيها قد تغيرت، فهي أقرب إلى الفنون التشكيلية التي بفضلها أعيد نحت جسم الإنسان وتسوية صورته في هيئة جديدة مختلفة عن هيئته الأولى، فقد كان البشر في أزمنة البدء أكرا أو كُورا sphères تختلف باختلاف جنس ما يكونها. وهي ثلاثة أصناف: صنفان متكونان من مَثْنَيَيْنِ doubles، هما مَثْنَى الذكر (ذكر + ذكر) ومَثْنَى الأنثى (أنثى + أنثى) وتوأم الأندروجين (ذكر + أنثى). وبسبب اتصال الأجساد في كل أصناف الأكر وارتباطها البنيوي في أصل خلقتها أمكن عد جميع الأصناف توائم سيامية jumeaux siamois.
تبدأ مأساة الكائنات البشرية الأولى لما قويت شوكتها واشتدت جسارتها ووقاحتها فانزعجت الآلهة منها، فاضطر زوس إلى إعادة تكوينها بفصل هذه الأصناف. كل صنف منها انقسم إلى جزأين، ولم ينجر من هذا الفصل خلق كائنات بشرية جديدة، بل تكثرت من ناحية العدد، ولكنها ظلت رغم الفصل بمنزلة التوأم، كل شق متشوق إلى شقه ومنجذب إلى نصفه الآخر، يبحث عنه في حركة محركها الأول هو العشق. وقد كادت حركة الشوق المسكونة بخشية الفراق أن تُتلف نسل البشرية الأولى من جراء الفصل أو الخصاء الأول castration originelle. فالإنسان العاشق لم يكن من نتاج الخلق الأول، وإنما هو وليد الانفصال، بل هو من نتاج إعادة الخلق الذي سردت أسطورة الأندروجين قصة صناعته. فبعد عملية الفصل الكبرى شرع أبولون الإله الذي كان يتمتع بعدة خصال منها الجمال والفن والطهارة والعلاج في إعادة تسوية الكائنات المنفصلة بتغيير هيئتها مُتبعًا توجيهات زوس. فأدار الرؤوس إلى الأمام فنشأ من تلك الحركة الوجه الذي صار يرى سائر الوجوه ويرى من الأمام ما لم يكن يراه لما كان في الخلف، ومع الوجه أديرت الفروج إلى الأمام حتى يتيسر الجماع الذي يتكاثر من بذاره المنوي النسل الجديد، وبعد تسوية الوجه والفرج اعتنى أبولون بالبطن والصدر، فكورهما في شكل صرة أو كيس مشدود الوسط بخيطٍ أو سَيْرٍ، فصقل النصف الأعلى وهو الصدر على طريقة الإسكافيين في صقل الأحذية حاذفًا كل طية أو ثنية من الجلد، وهو ما لم يقم به عندما التفت إلى البطن، فقد ترك في جوانبه بعض الطيات وفي وسطه ما يشبه الثُقْب الذي نشأ من شد الوسط من جهة الخاصرة. يُسمى هذا الثقب السُّرَّة le nombril، وهي الأثر الباقي في الجسد بعد الفصل الإلهي، وهو كالوصم الأبدي تُرك لتذكير البشر بخطيئتهم الأولى.
إقرأ أيضًا: خَلَقَ الَذكَرَ والأنُثَى كِليهمَا معًا على صورتِهِ قصة الخلق الأول بين التفسير الجندري والتفسير القيمي
فأصل السرة الأسطوري المصنوع المخلوق يختلف عن تكوينها الطبيعي المعهود بالولادة. وقد أثار هذا الاختلاف جدلًا في أوساط اللاهوت اليهودي في القرون الوسطى كان مداره على السؤال التالي: هل كان لآدم وحواء سُرَّة؟ فما داما لم يولدا من أم بشرية لا يمكنهما أن يكونا موصولين بها عبر الحبل السري، ولا أن يحملا جرح السرة. وقد استأنف اللاهوت المسيحي الجدل في هذا الموضوع منذ القرن الثامن عشر، فتولدت منه عقيدة الخلق بالسُرَّةl’omphalisme (المُشتق من اللفظ الإغريقي omphalos ) وضديدها الخلق دون سُرَّة anomphalisme. وقد حسمته الكنيسة بالانتصار لعقيدة الخلق بالسُرَّة التي لقيت صدى عند بعض علماء الطبيعة منهم فيليب هنري غوس Philip Henry Gosse، وكان يؤمن بأن الله خلق الطبيعة على صورتها اليوم ولم تتطور، وهو ما جعله يرى أن آدم وحواء كلاهما قد خُلق بسُرَّة. وقد استمرت هذه العقيدة عند القائلين بخلق الطبيعة Les créationnistes على غرار شاتوبريون Chateaubriand في كتابه “عبقرية المسيحية” وأغلب رسامي العُري peintres de nu الذين رسموا آدم وحواء عاريين وقد برزت من جسديهما سُرتهما، نذكر منهم ماسولينو دا بانيكالي Masolino da Panicale وماساشيو Masaccio، باستثناء جون باتيست سانتار Jean-Baptiste Santerre الذي فُقِدت لوحته عن آدم، وكان من أنصار الخلق دون سُرَّة.
مثل هذا الجدل الذي أثير بضغط من نظرية التطور الداروينية، وكانت آنذاك تنافس نظرية الخلق الرائجة عند بعض علماء الطبيعة في القرن التاسع عشر، لم يكن من الممكن أن يُثار في أوساط علماء الدين المسلمين في القرون الوسطى. فسؤال خلق آدم وحواء بسُرَّة أو بغير سُرَّة يدخل في دائرة اللامفكر فيه لأن الأسباب الداعية إلى طرحه لم تتوفر بعد في ذلك الوقت. فالحديث عن السرة يكاد يكون نادرًا في كتب الدين، بل هي عند المفسرين لا تكاد تذكر، وإن ذُكرت ففي سياق تفسير سَوْأة آدم وحواء([2]). فظلت ضمن اللامفكر فيه الذي لم يُسائله رجال الدين ولا فلاسفتهم في السياق الإسلامي، ولم ينفتح باب التفكير فيه على مصراعيه إلا بأخرة خارج أطر المؤسسة الدينية([3]).
وإن كانت قصة آدم تدل على خلقه من غير ولادة فإن عدم التفكير في سُرَّته دليل على تسليم القدامى بما جاء في الأسطورة الآدمية التي فَسَّرت خلق الإنسان الأول بقصة صناعته بعلوم النفخ وصناعة الخزف لا بقصة ولادته. فالإنسان الأول في القرآن ليس كالإنسان الأول في أسطورة الأندروجين لأن خطيئتهما كانت مختلفة. فلم تظهر السُرَّة في جسد الإنسان الأول إلا بعد عقوبة الفصل مثلما أن سوأة آدم وحواء لم يلمحاها في جسديهما إلا بعد اقتراف خطيئة أكل الثمرة المحرمة و”الانتقال من نظام غذائي مباح إلى نظام غذائي آخر مُحرم.”([4]). فظهور السوأة في جسد الإنسان الأول قد اقتضى انقلابه إلى إنسان عارف. فعندما أكل آدم وحواء مِنْ ثَمَرِ الشَجَرَةِ انفتحت أعينهما، وصارا مثل الله «قَادِرَيْنِ عَلَى التَمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَرِ»، وأصبحا في الآن نفسه على عِلْمٍ بعُريهما «فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَهُمَا عُرْيَانَانِ.»([5]). فالعلم الأول هو علم بالعُري، ولكنه علم نشأ بانفتاح العينين. فهذا الثَقْب الأسود -كما يصف دولوز وغواتاري العينين- هو شرط وجود السوأة، مثلما أن إدارة رأس الأندروجين إلى الأمام كانت شرط ظهور الوجه حتى يتمكن البشر الأوائل -بعد حدث الخصاء الأعظم- من رؤية السُرَّة وتذكيرهم بخطيئتهم الأولى. فالعلم الأول في الأسطورتين هو علم بافتقار un manque. فإن كان يذكر في الأسطورة الآدمية بالفردوس المفقود فإنه في أسطورة الأندروجين ظل يُذكر بجرح وانفصال عن كائن كان معنا. فليست السُرَّة سوى الأثر الباقي من ذاك الانفصال مثلما أن ظهور السوأة بعد استتار هو الذي حمل المسلم على تحريم رؤيتها وتجنب لمسها وبذلها للنظر. فالعورة هي موضوع منع مرتبط بحدود ما يُرى وما لا يُرى، وليست أحكام الطهارة المُسلطة على منطقة العورة في الجسد سوى طريقة من طرق تشييد المجال البصري في المدينة الإسلامية. ولما كان ما يُلمس هو امتداد لما يُرى كما علمنا مارلو بونتي([6]) أضحى الملموس من الجسد في حكم المرئي منه. وفي كل الأحوال مثلت العورة موضوعًا لإرادة القوة التي وَجَدَت في رؤية الجسد ومسه مسرحها التاريخي([7])، وكانت السُرَّة من توابعها، فهي إن ذُكرت فلتحدد مساحة العورة في جسد الذكر فقط لضبط شروط طهارتها، ولكنها لم تُذكر لذاتها، فظلت في دائرة اللامفكر فيه والمسكوت عنه.
ويبدو أن الانتباه لموضوع “السُرَّة” والتفكير فيه قد بدأ في الأزمنة الحديثة مع فيليب هنري غوس Philip Henry Gosse في كتابه “السُرَّة. محاولة لفك العقدة الجيولوجية“. فعالم الحيوان هذا zoologiste قد أفلح عند خورخي لويس بورخس في ربط مسألة خلق العالم من عدم création ex nihilo بمعضلة الميتافيزيقا الكبرى وهي الزمن([8]). وهو فوق ذلك قد فتح باب النظر على مصراعيه لتصبح السُرَّة موضوعًا من مواضيع التفكير الفلسفي والإبداع الأدبي وتاريخ الفن والتحليل النفسي. ويبدو أن التعريف المُتفق عليه في حد السُرَّة هو أنها “شيء فريد في الجسم البشري قد سجل في وسطه أثر ولادته والقطيعة مع كل ما سبقه. فهي توقيع الحياة المنفصلة.”([9]). آية ذلك “الوَقْبَةُ الَتِي فِي وَسَطِ الْبَطْنِ” (اللسان)، الشاهدة على انقطاعنا النهائي عن جسد آخر. فالسُرَّة هي نتاج خسران الماهية العضوية (المشيمة) وانغلاق البطن الأمومي لحظة انفصال صغير الإنسان عنه. هذه اللحظة تُسمى ولادة، وتتزامن فيها ثلاث لحظات: لحظة سماع صوت الذات المولودة التي تدعو إلى استقبالها، ولحظة معالجة السُرَّة التي تدعو إلى فصلها عن الجسد، ولحظة تسمية ذاك الذي يستجيب بصيحته لشوق والديه([10])، ولكنها لحظات تصف فقط ما يحدث بعد الولادة لا قبلها.
في هذا السياق تَعرض الفيلسوف الألماني بيتر سلوترداك للحظات أخرى تسبق حدث الولادة مَثَّلت اللامفكر فيه الذي يُذكرنا باستحالة أن نعرف تاريخنا الشخصي ونتعرف إليه في طوره الأول عندما كنا في الفضاء الجنيني espace fœtal ([11]). وقد اعتمد في وصف هذا اللامفكر فيه وسبره على عمل طوماس ماكو Thomas Macho، فيلسوف الحضارات وأنتروبولوجيا الوسائط médias، لما راجع نظرية أطوار التطور théorie des phases d’évolution الثلاثة الفرويدية التي شُيدت على منوال العلاقات بالموضوع relations à l’objet. وهي الطور الفموي (علاقة الفم بالثدي)، والطور الشرجي (علاقة الشرج بما ينتجه من براز)، والطور الفرجي (علاقة القضيب بالأم). وقد حاول تجاوزها ببيان وجود أطوار أخرى تسبق الطور الفموي عند فرويد تقتضي تجاوز واقع علاقة الأم والطفل المُشيدة بمفاهيم العلاقة بالموضوع وتعويضها بأنساق الوساطة الجذرية. وقد مكنه ذاك من دراسة مظاهر حقل الوساطة الما قبل فموي وتتبع أطوارها المختلفة، وهي ثلاثة أطوار:
- طور التعايش الجنيني phase de cohabitation fœtale. وفيها يخوض الطفل الجنين تجربة حضور السوائل الصوتي، والأجسام الرخوة وحدود المغارة، أي دم المشيمة والسائل الأمنيوسي liquide amniotique، ثم المشيمة والحبل السري وكيس المياه.
- طور التكوين النفسي السمعي phase de l’initiation psycho-acoustique للجنين في عالم الرحم الصوتي.
- الطور التنفسي phase respiratoire إذ تعوض العلاقة بالهواء الذي يتنفسه الطفل الصغير السائل الأمنيوسي الضائع.
في هذه التأملات تبدو السُرَّة نتاج الفصل الضروري حتى تبدأ حياة الوليد في وسطه الجديد، ونتيجة ما بقي من السَرَر أو الحبل السُرِي، لأن “السَرَر مَا قُطِعَ مِنْهُ فَذَهَبَ. والسُرَةُ: مَا بَقِيَ” (اللسان). فهي بقية باقية من طور ما قبل الولادة prénatal، وأثر يذكرنا بزمن لا نعرف عنه شيئا، فاستحال قوله، لأن معرفتنا به مثقوبة، وبسبب ذاك الثَقْب استحال على الذات أن تتحدث عن طور ما قبل السُرَّة، فصارت معرفتها من جراء ذلك مبنية كاللاشعور، هذا إذا عرفنا اللاشعور كما يلي: “ليس اللاشعور ما لا تريد الذات قوله، وإنما هو ما لا تعرف الذات قوله، وهو ما تقوله رغم أنفها”.
إقرأ أيضًا: لم نُخلق لنعبد
هل تقترن السرة بهذا المستحيل التعرف إليه؟ أم بالمستحيل قوله؟ مهما يكن نوع هذا المستحيل فهو مضمون اللامفكر فيه l’impensable الفرويدي اللاكاني، غير أنه ليس النوع الوحيد من اللامفكر فيه. فقد حاول بعض الفلاسفة تشخيصه بسلوك الفرد العادي الذي قطع حبله السري، فانقطع رابطه بالكائن معي، أو “الذي معي” l’Avec ([12]). فعندما يقف قُدام السُرَّة تراه يشعر بالفرق الحاد بين إحساسه بجانبه الخلفي والوعي بأعضائه الأمامية. فالأمام هو صفيحة الوجه والفَرْج وكذلك السُرَّة. في هذه الجبهة لا نجد الفتحات وأجهزة الاستقبال الأساسية فحسب، وإنما نجد كذلك جرح الفصل وقد حُفِرَ في الجسد، فالسُرَّة تتحدد في الجهة الأمامية من الإنسان كنصب تذكاري للامفكر فيه، فهي تذكرنا بما لا يتذكره أحد، وهي الدليل المحض على ما بقي من الجهة الأخرى وظل بالإمكان علمه، فالسُرَّة تتضمن معرفة بحدث يخصني أكثر من أي شيء آخر، ورغم ذلك لا يُبالى بها، ذلك أن المرء يمضي كامل حياته أمام هذا النصب الذي يوجد في مركز جسمه كأنه عابر سبيل يرى تمثال حصان يمر أمامه كل يوم دون أن يسمح لفضوله بأن يعلم من يُمثل، وكأنه لا يريد الحديث عن السرة شأنه في ذاك شأن الذي يرفض الحديث عن اللاشعور. فهذا الإهمال وعدم العناية بتاريخنا الأول يشهد على وجود انسجام على الصعيد الثقافي، يتمثل في الشعور بالخزي عندما ندرك أن لا وجود إلا لإمكان وحيد يُتيح لنا الارتباط بذواتنا، وبواسطة هذا الموضع فحسب. وللتعمق الخفي في وسط جسمنا الخاص نجد أنفسنا نعتمد دائمًا ودون استثناء على الآخرين لا على أنفسنا، فالسُرَّة علامة تُشير إلى الأشياء والذوات التي وجدت هنا لنا ومعنا، وكأن العالم بأسره قد أضحى كل ما يوجد أمام السُرَّة.
بيد أن هذا اللامفكر فيه يظل كالمكبوت ما إن يعود في صور مختلفة حتى يتغير اتجاه التفكير. فسؤال السُرَّة هو سؤال الأصل الذي كثيرًا ما التبس بأساطير الخلق والبداءات.
ولكن إذا ما تجاوزنا أجوبة الأسطورة سنجد أن التفكير في السُرَّة قد استمر في التخييلات الروائية، وحتى المحاولات الفلسفية الراهنة، استمرارًا يُمكن عده بمنزلة عودة إلى التفكير في البشري باستئناف التفكير في هذا اللامفكر فيه بعد أن ضرب الفن بعيدًا في تخوم اللابشري([13])؟ ولكن لماذا بدأت هذه العودة مع السُرَّة بالذات؟
يجيبنا كونديرا في روايته “حفلة التفاهة” على لسان بطله آلان بأن السُرَّة هي جزء من الحفل الإيروسي لها عشاقها، ولكنها على خلاف الأرجل والأرداف والنهود لا تُخبرنا بشيء عن المرأة. فجميع السُرَرِ متشابهة في حين أن “الحب فيما مضى كان حفلًا فرديًا لا يمكن محاكاته، ومجدٌ لما هو فريدٌ وما لا يحتمل تكراره. أما السُرَّة فهي لا تتمرد على كل تكرار، بل هي نداء لكل أنواع التكرار.”([14]).
أما الفلسفة فتجيبنا على لسان بيتر سلوتردايك بأن التفكير في السُرَّة هو إعادة الاعتبار إلى الكائن معي، l’Avec الذي كبته طويلًا الفكر البورجوازي، معوضًا إياه بأحضان الطبيعة التي يرتمي فيها الإنسان باحثًا في عزلته عن أسرار فرادته، أو بالاندماج الكلي في وحدات جماعية كُليانية كالشعوب التي تقوده إلى حتفه كلما خاض مغامرات لا أفق لها سوى الموت([15]).
المراجع:
[1] العادل خضر، يوتوبيات العبور2، العابرور بالكلمات. كتابات في اليوتوبيا الأدبية، تونس، الدار التونسية للكتاب، الطبعة الأولى، 2023، ص37.
[2] أبو عبد الله محمدبن أحمد بن أبي بكر القرطبي، الجامع لألفاظ القرآن، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، شاركه في تحقيق هذا الجزء محمد رضوان عرقسوسي وغياث الحاج أحمد، بيروت – لبنان، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 2006، الجزء التاسع، ص181-182. والإبراز إبرازنا.
[3] يبدو أن باب التفكير في سرة آدم انفتح على مصراعيه لما صار السؤال عنها والتفكير فيها ممكنين. انظر، عمار المأمون، “السرة: فتحة المعارف المسدودة”، الأوان، الرابط https://alawan.bnt.nat.tn/2018/08/23
[4] العادل خضر، اليوتوبيا الجَزَرِيَة.، قراءة في حي بن يقظان لأبي بكر بن طفيل.، م.م، ص82.
[5] جاء في، الكتاب المقدس، ترجمة تفسيرية، كتاب الحياة، الطبعة الرابعة، 1988، العهد القديم، سفر التكوين، الإصحاح3، 4-7، ص4.
[6] موريس مارلو بونتي، المرئي واللامرئي، ترجمة وتقديم عبد العزيز العيادي، مراجعة ناجي العَوْنلي، بيروت – لبنان، المنظمة العربية للترجمة، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، 2008، ص203.
[7] أبو حامد بن محمد بن محمد الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت – لبنان، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 2005، ص817، راجع بصفة خاصة فقرة “منكرات الحمامات”، من الباب الثالث “في المنكرات المألوفة في العادات”، من “كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. وقد جاء فيه “ومنها كشف العورات والنظر إليها وَمِنْ جُمْلَتِهَا كَشْفُ الدَلَاكِ عَنِ الْفَخِذِ وَمَا تَحْتَ السُرَةِ لِتَنْحِيَةِ الْوَسَخِ بَلْ مِنْ جُمْلَتِهَا إِدْخَالُ الْيَدِ تَحْتَ الْإِزَارِ فَإِنَ مَسَ عَوْرَةِ الْغَيْرِ حَرَامٌ كَالنَظَرِ إِلَيْهَا.”. والإبراز إبرازنا.
[8] انظر، مقالة “الخلق وفيليب. هنري. غوس”، «La Création et P. H. Gosse»، ضمن، Jorge Luis Borges, (1992) Enquêtes suvi de Entretiens, Traduit de l’espagnol par Paul et Sylvia Bénichou, Paris, folio-essais, p42-46.
[9] انظر، Jean-Louis Chrétien, (2015) Symbolique du corps., La tradition chrétienne du Cantique des Cantiques, Paris, Presses Universitaires de France, p330.
[10] انظر، Denis Vasse, (1999) L’Ombilic et la voix. Deux enfants en analyse., Paris, Points-Essais, p11.
[11] انظر، الاستطراد الثاني بعنوان، «Nobjets et non-relations. Contribution à une revision de la théorie، من كتابه، Peter Sloterdijk, (2002) Sphères I, Bulles, Traduit de l’allemand par Olivier Mannoni, Paris, Hachette Littératures, coll Pluriel Philosophie, p320-328.
[12] انظر، Peter Sloterdijk, Sphères I, Bulles, op.cit, p153-156.
[13] انظر، Jean-François Lyotard, (1988), L’Inhumain. Causeries sur le temps, Paris, Galilée, p10.، حيث ذكر أن الهدف الذي ترمي إليه كل طليعة فنية في الغرب هي ما عبر عنه بوضوح الشاعر أبولينير Appolinaire، لما كتب سنة 1913 “قبل كل شيء، الفنانون أناس يريدون أن يصبحوا لا بشريين.”، «Avant tout, les artistes sont des hommes qui veulent devenirs inhumauns.» ، أو ما عبر عنه أدورنو بحذر، “يظل الفن وفيا للبشر فقط بسبب لا بشريته إزاءهم.”، «L’art reste fidèle aux hommes uniquement par son inhumanité à leur égard.».
[14] انظر، Milan Kundera, (2014) La Fête de l’insignifiance, Paris, nrf Gallimard, p104.، والتعريب تعريبنا.
[15] انظر، Peter Sloterdijk, Sphères I, Bulles, op.cit, p417-418.