الدين والتدين: المعادلة المربكة
حينما نقارب قضية الدين والتدين فنحن بإزاء مجال من التماس والتثاقف والممارسة العملية لواحدة من أعقد الظواهر وأصعبها على الإطلاق، وهذا راجع إلى أن المجال المبحوث فيه هو مجال مطلق ومقدس، في حين أن إفرازاته وامتداداته الطبيعية والإنسانية تولد أشكالا من التدينات محكومة بالسقف المعرفي للإنسان، وممزوجة بالفكر والعادة والسلوكات الثقافية المختلفة التي تجعل من التدين عملية منضبطة لكل قيم النسبية البشرية. وحينما نتحدث عن أشكال التدينات أيضا فإننا نتحدث عن مسألة جوهرية كامنة في صلبها، وهي مسألة الحقيقة والنقد. إذ أن كل تدين أو نمط في التفكير الديني، أو محاولة لفهم الدين وتنزيله إلى عالمه الأرضي يعلو ويسود من خلال حقائقه التي ترتفع بشكل مبالغ فيه على النقد والتفكيك والمساءلة والتصويب والتجديد، وكأن القاعدة التي تنطلق منها هذه الأنماط الفكرية تلتمس منطلقا مغلوطا مفاده أن ما ينطلق ويتأسس بناء على الدين يصبح دينا موازيا، وهو أمر مجاف للمنطق الطبيعي للأشياء، ومغالطة صريحة تتوسل بكل الإمكانات لتجعل من الفهم البشري فهماً يتجاوز حدود المعقول والمقبول.
ما الفرق بين المسلمين و الاسلاميين؟
ولكي نفهم هذا الأمر بشكل أوضح يلزمنا المرور على المصادرات التي يقف عليها التدين اليوم، خاصة المصادرة القائلة بأن الإنسان هو الذات التي تتدين، وتتصل بشكل مباشر بالله أو الخالق عبر آلية النص الديني. هذه المصادرة التي أشار إليها عبد الجواد ياسين[1] في معرض حديثه عن إشكالية الفصل بين الدين والتدين في سياقاتنا الدينية والفكرية والاجتماعية. فعند التعامل مع النص الديني بشقيه المطلق والاجتماعي يتلون المضمون النصي بالطبيعة النفسية للذوات التي تتلقى هذا المضمون، وتتأثر بكل العوامل والإكراهات والمثيرات البشرية المختلفة. وبما أن النص لا يخرج عن طبيعته اللغوية، فإن اللغة نفسها هي كائن اجتماعي يولد وينشأ وينمو في أحضان الظاهرة الاجتماعية، مما يسمح بنشوء علاقة تكاملية بين النص والمتلقي، إذ النص يصطبغ باللون الاجتماعي لمتلقيه انطلاقا من زاويتين اثنتين: الأولى: عند إدراكه، والثانية: عند التعبير عنه، وكلها مستويات تنزل بالنص الديني من قدسيته إلى التنزيل الأرضي، أي أن يصبح قابلا للممارسة العملية في وقائع مستجدة ومتغيرة ومتحولة. وهنا تصبح حقيقة النص هي حقيقة الإنسان المدرك له والمعبر عنه، لذلك تختلف الحقائق وتتنوع أشكال التعبيرات عنها.
وإذا استوعبنا بأن طبيعة النص المتعالية تأخذ شكلها النسبي، حينما تمر من قناة الإنسان المتلقي والمدرك والمعبر عن كينونة النص، فسيسهل علينا بحكم هذا التباين أن نفهم بأن النصوص لا تأخذ قدسيتها من ذاتها، وانطلاقا من طبيعتها، بل تتشكل حولها مجموعة من الآراء والأفكار والمنظومات الثقافية أوسع من طبيعة هذه النصوص، وعلى امتداد التاريخ والتحولات التي يعرفها المجتمع تصبح هذه المنظومات الفكرية، والمذاهب المتناسلة من صلب الظاهرة الدينية هي منطوق الدين ذاته. وبالتالي يصعب الفصل بين الدين والتدين، والمطلق والنسبي، والمقدس والبشري في كل هذا النتاج الثقافي، وهنا مكمن الخطر حينما لا يستطيع الإنسان أن يحدث هذا التمايز الذي يفصل بين عالم علوي مطلق، وبين عالم نسبي بشري، فيجور ويطغى ويقوم بنزعته التدميرية اتجاه كل مظاهر الاختلاف الممكنة اتجاه الذات، واتجاه الآخر والمحيط الذي ينشأ فيه. هنا يصبح التدين طريقا إلى تضخيم الدين، ويصبح ما هو اجتماعي أكبر مما هو مطلق في منطوق البنية الدينية التي تعمم على مكوناتها، تلقائيا صفة القداسة.
هذا الخلط بين الدين والتدين هو نفسه الخلط الحاصل بين مسمى المسلمين والإسلاميين، أو بين الإسلام والإسلام السياسي.
معنى الإسلام في القرآن
يقصد بالإسلام الدين الذي يدين به أكثر من مليار مسلم على هذا الكوكب الصغير، وينتمي إلى الديانات التوحيدية المنحدرة من الأصل الإبراهيمي وهي اليهودية والمسيحية. وككل ديانة قد نزعم ونحن نتحرك في دائرة البحث عن سؤال الدين، باعتباره مفهوما شائعا ورائجا كما يرى إيفان سترينسكي ظل حكرا على دوائر معينة، خاصة أولئك الذين وضعوا مثل معجم هاربر كولينز للدين. وهي ملاحظة نتفق معه عليها، وربما نضيف بأن تعريف الدين ظل أيضا حكرا على المؤسسات الرسمية، والماسكين بالشأن الديني على مدار التاريخ الإنساني، لأن الدين ليس فقط مفهوما مجردا ملتبسا. بل هو تحديدا تجسيد عملي للدين وفق ما وصلت إليه الإنسانية في مجتمع معين، ووفق ما تعارفت عليه سياسات الدول المتعاقبة والإيديولوجيات الرسمية المتبعة. لكن عموما بالرغم من الالتباس الذي قد يخلقه مفهوم الدين أو تعريفه، إلا أن تعريفات الدين لا يمكن أن تخرج عن مجموعة من المحددات والخصائص المميزة، ويمكن إجمال ذلك فيما يلي:
- هو ذلك الشيء المرتبطً بكل شيء
- هو الهدف النهائي أو الرؤية الأشمل للعالم
- هو الشعور المحيط باللامحدودية أو الشعور بالتبعية المطلقة
هذه التعريفات المبثوثة داخل القواميس والمعاجم اللغوية تهدف إلى النظر إلى موضوع الدين نظرة لغوية، تحاول من خلاله الاقتراب من المعنى، ولكنها ليست كل المعنى أو على الأقل ليست هي المعنى الوحيد. هنا أريد أن أرجع إلى الكاتب السابق لكي أثير فكرة قد أوردها في كتابه وتبدو في غاية الأهمية وهي أنه لا بد من تعريف كلمة «الدين» بصورة غير مجردة، لأن بتعبير مبسط «الدين» مصطلح ينبغي تعريفه بطرق تختلف باختلاف السياقات واستراتيجيات البحث والاستقصاء. وأيضا حينما نتحدث عن علاقة الدين بالسلطة والسياسة فهذا لا يعني أن هذه المصطلحات أحسن حالًا منه، والمفارقة أن التأريخ لهذين المفهومين هو ما سيبين جذورهما في الدين. لهذا يقترح الكاتب طريقة معينة لرؤية الدين تفيدنا في هذا السياق المتشعب. هنا يمكننا أن نشير إلى ما كتبه جون فرانسوا دورتييه في بحث له بعنوان ما الدين؟ qu’est ce que la religion[2] وهو مفيد من ناحية فهم طبيعة الدين وخصائصه المشتركة.
يؤكد فرانسوا دورتييه على حقيقة الدين ويختزله في كونه طيف واسع من المعتقدات، والمتتبع لهذا الأمر يجد بأن الدين لا يخلو من الجانب العقدي، بل لا يكاد يوجد دين دون تعصب إلى فكرة أو معتقد يحدد ماهية المتدينين، ويصيغ الفرد بطريقة يذوب فيها داخل الجماعة المؤمنة. ولولا المعتقد، لما استطاع التدين أن يؤسس سلطته على الأفراد والجماعات على حد سواء، فهو القاعدة الصلبة للإيمان. وهنا يطرح دورتييه سؤالا مهما: كيف لبني البشر أن يصدقوا ويقترفوا أشياء مماثلة؟ هنا يعتبر بأن الجواب يقتضي الإقرار بأن هذا الأمر هو لغز الدين الأكبر. وحينما نتحدث عن الطيف الواسع من المعتقدات فلا نتحدث عن دين، ونستثني دينا آخر، بل هذا هو المشترك بين كل التعبيرات الدينية، سواء كانت توحيدية كما تجسدت في الديانات التوحيدية ( اليهودية، المسيحية، الإسلام)، أو الروحانيات الشرقية (الهندوسية، التنتارية، الطاوية، البوذية)، أو الأديان التي تؤمن بالتعدد كما هو شأن الديانات القديمة. حينما نتحدث عن الطيف الواسع من المعتقدات فهذا لا يعني حسب دورتييه دوما الإيمان بوجود قوى خارقة للطبيعة أو متجاوزة لها، فقد تطورت الصنمية خاصة في عالم اليوم لتصير دالة على أشكال من التعبد خفية ومستترة، حيث صارت الرياضة عقيدة، والسياسة عقيدة، مما جعل الكثيرين ومنهم برايمون آرون، يعبر عن هذه الظاهرة ب “الدين العلماني” في إشارة إلى الشيوعية أو الفاشية، التي تعتبر” مذاهب تحتل في قلوب معاصرينا موضع الإيمان القديم، وتجعل خلاص البشرية ممكنا في المستقبل، لكن هنا، في هذا العالم الأرضي، وذلك في ظل نظام اجتماعي يتم إرساءه”(.
الاسلاموفوبيا: من خطاب المظلومية الأصولي إلى قراءة الذات
إذا كان الدين طيفا واسعا من المعتقدات فهذا يجعل منه شيئا آخر ملازما له وهو أنه بنية كونية، فماذا يعني ذلك؟ تحيلنا هذه البنية إلى ما يمكن تسميته بالمشترك الديني، فالأديان بالرغم من التباين الحاصل في بنيتها، غير أنها تحافظ على جوهر واحد، أو لنقل بشكل أدق مجموعة من القواسم المشتركة التي تعبر بها عن نفسها، وتتجسد من خلالها عبر الفعل الإنساني في واقع معين، وهي أربع سمات أساسية نجملها فيما يلي:
- وجود عالم آخر مفارق لهذا العالم ومباين له تسكنه آلهة وأرواح.
- وجود عبادات يتجسد من خلالها إيمان المرء وهدفها تقديس الخالق ونيل محبته ورضاه.
- وجود قواعد أخلاقية وقيم وتشريعات تنظم حياة الناس وتحمي مصالحهم على مستوى الأفراد وكذلك الجماعات المؤمنة.
- وجود “أخصائيين في المقدس” أو طبقة رجال الدين أو وسطاء أو متخصصين في الشأن الدين، مهمتهم تأمين الربط بين العالم الأرضي والعالم الآخر.
انطلاقا من هذه القائمة الهائلة من الدراسات حول التصورات الدينية، تم التوصل إلى فرضية مصاحبة لها جميعها أشار إليها دورتييه هي: أن كل ديانة، كيفما كانت، هي، في نهاية المطاف، عبارة عن سلسلة من المعتقدات الغرائبية التي تهدف إلى “تنظيم العالم” وتطويع المجهول. هذا ما نلاحظه من خلال الحضور المتكرر لكوسمولوجية معينة داخل كل دين، أي لسردية موحدة وإطار يُفسر ضمنه الكون. حتى وإن كانت غير عقلانية، فالمعتقدات الدينية تفيد في جعل كل ما هو غريب مألوفا.
هل هناك فرق بين المسلم والإسلاموي؟
إن الإسلام في أبعاده يعد شكلا من أشكال الأديان التي تحدثنا عنها سابقا. وقد طرح القرآن الكريم تصورا مثيرا حيث اعتبر الإسلام فارقا ومنهجا للتمييز بين مسلمين أو مجرمين حينما قال:” أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ “[3] ليجعل بذلك الحدّ الفاصل بين النّاس، هو هذا الفارق بين الإسلام والإجرام. وما الإسلام إلاّ ذلك البعد الذي يعطي الانطباع بالسّلام كما جاء في بعض الرّوايات:” المسلم من سلم النّاس من لسانه ويده “[4].
لكنَّ انتقال مفهوم الإسلام من دلالاته الشّاملة، إلى مصطلح يخصّ فئة من النّاس، وحصره في جانبه الطُّقوسي، هو منْ ضيَّق رحابة المفهوم، وساهم في تشكيل عقلية طائفية مذهبية لا تتجاوز حدود الأنا. حيث أنّ تضييق هذا المفهوم كان نتيجة هذا التّعاطي مع القرآن الكريم بصفته نصًّا يحتاج لبيان، وما ذلك البيان إلا تلك الروايات التاريخية التّي تؤكِّد على سقف ومشروع منْ أسّس لها كما أشار الصّادق النيهوم، حيث اعتبر بأنّ ما سمِّي حديث جبريل الذّي حصر الإسلام في الأركان الخمسة[5] هو صناعة أموية بامتياز حينما قال:” بأنّ اعتماد هذا الحديث في نظام إقطاعي من طراز النّظام الأموي فكرةٌ لا يقبلها الرسول ذاتُه ولا يجوز شرعاً أنْ تنسب إليه “[6]. فكانت بذلك الرواية جزءاً من المشروع الأموي في الحكم إضافة إلى السّيف[7].
أما مصطلح الإسلاميين أو الإسلامويين، فهو يندرج ضمن سياق آخر ومختلف عن المسلمين باعتبارهم أشخاص يدينون بالإسلام الذي هو منهج السلم والسلام ومناهضة الإجرام بكل أشكاله. وقد ارتبط هذا المصطلح ببروز قوى الإصلاح والصحوة في العالم الإسلام بداية القرن العشرين، ولو أن ظهوره كان قديما نسبيا حينما استعمله أبو الحسن الأشعري في كتابه مقالات الإسلامين، وكان هذا المصطلح يعني شيئا مغايرا على ما هو عليه الآن. وقد ارتبط المصطلح في العالم المعاصر بظهور جمعيتين أساسيتين: جمعية الشبان المسلمين، وجمعية الإخوان المسلمين، وكانت الرؤى حينذاك تهدف إلى أن الأمة الإسلامية مهددة في دينها وفي قيمها وأخلاقها، وعلى المسلمين أن يتكتلوا في جماعات عقائدية لاسترجاع المجد الضائع، والمدينة الفاضلة، ولن يتأتي ذلك إلا بالانخراط الكلي في عوالم السياسة، والاجتماع، والتغلغل في الثقافة الشعبية ودواليب الدولة حتى تأتي فرصة الانقضاض على السلطة، وبالتالي تحويل المجتمع إلى مجتمع يحكم بقواعد فقهية وتشريعية من الزمن الماضي يعتقدون بأنها الأصلح والأنفع.
وهنا مكمن الصراع الحاصل بين المسلمين والإسلاميين في التصور والعقيدة والفهم.
فما هي قواعد هذا الصراع؟
- الإسلاميون والنزعة الشمولية
لا بد من الإشارة ونحن نقارب هذا الموضوع الحساس إلى أن الخلط بين مجالي الدين والتدين يخضع لما يسمى بتطور الدوغما أو الجانب العقدي، فالحقيقة الدينية حسب نورث هوايتهد[8] ينبغي أن تتطور عن المعرفة التي نحصل عليها، وحينما ينزلق الإنسان عن هذا المسعى، وهذا الهدف باتجاه الزوايا اللاهوتية، فإن ذلك يعني التخلي النهائي عن أمل تأسيس ثابت للعقيدة الدينية. معنى ذلك أن الدين ينطلق دوما من تعميم حقائقه الدينية، ولكن هذه الحقائق تفهم وتدرك في تجارب فردية أولا. هذه الحقائق الدينية لها صيرورة وسيرورة متواصلة خاضعة للتطور، كما هي خاضعة للاندثار والاندحار، حسب قوة التفسير التي تمنحه هذه الحقائق للإنسان في فهمه للذات والآخر والمحيط. وبما أن مجالي الدين والتدين متداخلين إلى حد كبير، فإن مجال الاعتقاد يأخذ شكلا مقدسا، حينما يلتبس بالمطلق الديني، وتتحول الدوغما إلى صياغة محكمة للحقيقة العامة، والتي تستقل بقدر الإمكان عن النماذج العملية. وهذه الطريقة في التعبير بحسب هوايتهد شرط للإنجاز والتحقق والفعالية، ولظهور التصورات الكبرى ذات المدى البعيد.
هذا المزج الخطير بين مكونات تسبح في مجالاتها دون تماس، يجعل من عملية الفصل قاسية وصعبة على التفكير، خاصة وأن مجال الاعتقاد يوقف حركية العقل، ويبني عليه جدرانا كبيرة من الصمت. ولأن مجال الدوغما هو مجال متشابك ومعقد فإن تقييمه ينبغي أن يستحضر الأمور الواردة في المجال الفكري نفسه. إذ لا يستطيع أن يحكم الإنسان بإطلاقية الدوغما التي يدعو إليها، إلا إذا استحضر المجال الفكري الذي انبثقت منه هذه الدوغما، ونشأت فيه وتطورت إليه. وهذا يدل على أن الدوغما أو المجال الاعتقادي لا يمكن أن تكون نهائية أو مطلقة، إلا في سياق نظام متسق من المصطلحات والمفاهيم المجردة القابلة للقياس. وعليه فمهما بدا للمرء من تداخل بين مجال الدين والتدين، ومجال الاعتقاد والاجتماع البشري، فلا بد للمرء أن يدرك بأن الكثير من هذه الأفكار والمقومات والأسس والاعتقادات لا يصمد أمام اختبار التجربة الإنسانية، ونسبية التفكير البشري، وصيرورة الاجتماع الإنساني. وهذا المشكل بالتحديد هو نتاج طبيعي لأنماط التدين السائدة تاريخيا، والتي استطاعت أن توسع من دائرة المطلق على حساب الفاعلية الاجتماعية والثقافية والإنسانية في مجتمعاتنا قاطبة. هكذا وقع الخلط تاريخيا بين الدين والتدين، وبين النسبي والمطلق، وبين التاريخي والمتعالي، فكان الوضع هو هذا الاحتراب الحاد بين مختلف التشكيلات المنبثقة من الدين، والطوائف والمذاهب التي تحتكر الكلام باسمه، والتوقيع بشعاره.
هنا يحق لنا التساؤل:
لماذا ينزع الإسلاميون إلى الشمولية واستيعاب كل مجالات الحياة؟
لقد تقرر سابقا بأن هناك خلطا كبيرا يحدث في البناء الفكري الديني مرتبط بشكل أساسي بالمزج بين تجربة الدين والتدين، وحينما يقع هذا الخلط تصبح تجربة التدين أضخم من الدين نفسه، وتنتج لنا ما يسمى بالشمول أو شمولية الدين، وهي تجربة تهدف إلى إقحام الدين في مختلف المجالات الحياتية، إلى الحد الذي يغطي مساحات واسعة من حياة الإنسان، دون أن يترك له هامشا للحرية والإبداع والتجديد، وإذا أردنا أن نفهم هذا الجزء الأصيل في البنية الدينية يمكننا أن نعرج قليلا على هذا المفهوم من خلال كتابات تتبنى هذا الطرح المفاهيمي، وتؤصل لمختلف الأدلة المدعمة لهذا الطرح، وفي هذا الصدد يقول: عابد السفياني[9]:
الشمول في لغة العرب هو العموم والسعة، تقول العرب: شملهم الأمر يشملهم إذا عضهم. ومنه قولهم: “الشملة وهي كساء تشتمل به”، ويقال: اشتريت شملة تشملني. وأما السعة فمن قول العرب: “هذه شملة تشملك أي تسعك”. فإذا عم الشيء ووسع قوما أو فردا أو أشياء قالت العرب شملهم وشمله وشملها. وإذا كان هذا هو المعنى اللغوي، فالمعنى الاصطلاحي لا يخرج كثيرا عنه، إذ يؤكد السفياني بأن المعنى هو شمول الشريعة الإسلامية لكل ما يحتاجه الناس على الإطلاق فلا تخلو حادثة واحدة عن حكم الشريعة في جميع الأعصار والأقطار والأحوال، فالمعاني التي تضمنتها الشريعة تعم جميع الحوادث وتسعها إلى يوم القيامة.
قد يبدو للوهلة الأولى بأن الاتصاف بالشمولية يمكن أن يكون ميزة للدين، غير أن المتتبع يلاحظ بأن مقتل الدين شموليته، ومقتل الفكر هو إطلاقيته. والواقع هو أن التدينات هي من تنزع نحو الشمولية وليس الدين، لأن الإنسان بطبعه يحب أن يسود فكرا واعتقادا وثقافة. أما الدين فلم يعبر عن نفسه إلا باعتباره آيات، أي إشارات أو علامات أو أدلة وبراهين يحتج بها على وجود الله أو قدرته أو مطلق تدبيره:” وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَٰبٖ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ إِذٗا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ (48) بَلۡ هُوَ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا ٱلظَّٰلِمُونَ 49. (العنكبوت). وهنا يتبين خطورة التدين الشمولي، والفكر المطلق، الذي ينزع بشكل مبالغ فيه نحو مختلف أشكال التقليد، وغياب الحس الإبداعي والنقدي، مما يخلق حالة من عدم التوازن والاستقرار الذي ينعكس على المسار الإنساني، وطريقة إدراكه للذات والآخر والمحيط.
وحينما يقع تضخم التدين على حساب الدين، فإن العقل يتوقف عن مجاراة المستجدات والوقائع الإنسانية اللامنتهية، وينضبط إلى الأطر والضوابط والقواعد المحددة سلفا، رغم معرفته المسبقة بقصورها المعرفي ونسبيتها البشرية. فتتحول هذه التجربة الإنسانية إلى شعارات مقدسة يصعب تجاوزها، والانفكاك منها، وبالتالي نعجز عن إنتاج منظومة معرفية تتلاءم ومتطلبات العصر، وتستجيب لمطالب فئات نمت وتطورت في قلب التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي شهدها العالم المعاصر.
لكن كيف تحول هذا العقل من ممارسة الشمولية في التدين إلى الاستدلال عليها من خلال الدين؟
هنا يمكننا أن نجيب عن هذا الأمر بالخلل الحاصل في البناء التفسيري والتأويلي الذي اعتمدته العلوم الإنسانية خاصة علم التفسير. فالطابع الذي حكم هذا العلم منذ بدايات تأسيسه كان تجزيئيا مخلا يقرأ كل آية أو قصة أو حدث بمعزل عن السياق الوارد فيه. وبالتالي فليس هناك وحدة موضوعية أو على الأقل مراعاة للسياقات، فهذا ابن كثير الدمشقي، وهو أحد رواد التفسير الأثري أو التجزيئي يقول في مقدمة تفسيره موضحا هذا الأمر:” فإن قال قائل فما أحسن طرق التفسير ” فالجواب إنّ أصحّ الطرق في ذلك أنْ يفسِّر القرآن بالقرآن. فما أجمل في مكان فإنّه قد فسّر في موضع آخر. فإنْ أعياك ذلك فعليك بالسّنة فإنّها شارحة للقرآن، وموضِّحة له. بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله كلّ ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن قال الله تعالى: “إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ” ) النساء 105 ]، وقال تعالى:” وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون “) النحل 44 ] ، وقال تعالى:” وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ” ) النحل : .
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه يعني: السنة والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن وقد استدل الإمام الشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك…”[10].
فحسب ابن كثير وغيره ممّن اشتغل بالحقل التفسيري الأثري، لا بدّ منَ المرور منْ تفسير الآيات بعضها ببعض على غرار ما شرحه الشافعي في رسالته حيث جعل وظائف السنّة للقرآن على ثلاثة أوجه:” فقلت له: كل ما سنّ رسول الله مع كتاب الله من سنة فهي موافقة كتاب الله في النص بمثله، وفي الجملة بالتبيين عن الله، والتبيين يكون أكثر تفسيرا من الجملة. وما سنّ مما ليس فيه نص كتاب الله فبفرض الله طاعته عامة في أمره تبعناه “[11].
إنّ إشكالية المنهج المطروح للنقاش لا تقتصر فقط على ضعف جانبها النّظري وتناقضاته، ولكن تتجاوز ذلك إلى أنّها عملية انتقائية وغير موضوعية، بالمعنى الذي تحدّث عنه محمد باقر الصدر، حيث يرى بأنّ علم التفسير تقاسَمَتْه رؤيتان أساسيتان: أولاهما الاتّجاه التجزيئي في التفسير وثانيهما الاتّجاه التوحيدي أو الموضوعي في التفسير. ويزيد باقر الصدر شرحاً للرؤية الأولى التي ينتمي لها التفسير الأثري أو المدرسة الأثرية، فيوضح بأنّ التفسير التجزيئي:” هو المنهج الذي يتناول المفسر ضمن إطاره القرآن الكريم آية فآية وفقا لتسلسل تدوين الآيات في المصحف الشريف ، والمفسر في نطاق هذا المنهج يسير مع المصحف ويفسر قطعاته تدريجياً بما يؤمن به من أدوات ووسائل للتفسير من الظهور أو المأثور من الأحاديث أو العقل أو الآيات الأخرى التي تشترك مع تلك الآية في مصطلح أو مفهوم بالقدر الذي يلقي ضوءا على مدلول القطعة القرآنية التي يراد تفسيرها مع أخذ السياق الذي وضعت تلك القطعة ضمنه بعين الاعتبار في كل تلك الحالات “[12].
فالمنهج التجزيئي حسب هذه الرؤية، هو منهج يهدف في كل خطوة من هذا التفسير إلى فهم مدلول الآية، التي يواجهها المفسِّر بكل الوسائل الممكنة. أيّْ أن الهدف « هدف تجزيئي »، لأنّه يقف دائما عند حدود فهم هذا الجزء، أو ذاك من النص القرآني ولا يتجاوز ذلك غالبا. في مقابل هذا التفسير يقف التفسير الموضوعي، ليس بمفهوم الحياد أو العلمية، ولكن بمفهوم أكثر عمقا عبّر عنه باقر الصدر بقوله:” الموضوعية هي التي تطرح موضوعا من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية وتتجه إلى درسه وتقييمه من زاوية قرآنية للخروج بنظرية قرآنية بصدده “.[13]
وإذا تعرفنا على خطورة منهج التجزيء في الحقل التفسيري الإسلامي فسنفهم حينها كيف تم توظيف بعض الآيات القرآنية في الاستدلال بشمولية القرآن الكريم، واستيعابه لمجالات الحياة قاطبة، مع أن القرآن الكريم لم يتحدث عن هذا الجانب بشكل صريح لا من قريب ولا من بعيد. بل حتى النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة شهيرة، أخرجها مسلم في صحيحه عن رافع بن خديج قال:” قَدِمَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ. وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ. يَقُولُونَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ. فَقَالَ “مَا تَصْنَعُونَ؟ “. قَالُوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ. قَالَ “لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا” فَتَرَكُوهُ. فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ. قَالَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ “إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ. إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ. وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ. فإنما أن بَشَرٌ” قَالَ عِكْرِمَةُ: أَوْ نَحْوَ هَذَا.
يقول السفياني بأن هناك مجموعة من الأدلة القرآنية تدل على شمولية الدين، وبأن القرآن الكريم مستوعب لكل مجالات الحياة، ولعل أهمها قوله تعالى:” ونزلنا عليك تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ” النحل 89 . ومعنى هذه الآية حسب السفياني أن الله سبحانه لم يترك شيئا إلا وبينه للناس، وجعل في هذا الكتاب دلالة عليه: إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من الإجماع أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب.
وبالرجوع إلى سياق الآية يتبين بأنه مختلف كل الاختلاف عن هذا التوجيه المسبق، خاصة أنه يتحدث عن يوم القيامة:” وَیَوۡمَ نَبۡعَثُ فِی كُلِّ أُمَّةࣲ شَهِیدًا عَلَیۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِیدًا عَلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ تِبۡیَـٰنࣰا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِینَ “. والكتاب هنا ليس هو القرآن كما تريد أن توهمنا القراءات التجزيئية، فهناك آية أخرى توضح المراد بشكل أفضل:” وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ” الكهف 49. وحتى الاستدلال بالآية التي تقول:” وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ” الأنعام 38. يتبين من خلالها أن السياق الواردة فيه هذه الآية هو دائما سياق اليوم الآخر ويوم الحشر، وليس سياق القرآن الكريم، وهذا ما أقر به حتى بعض المفسرين كالقرطبي، حيث قال في إحدى التوجيهات بأن المقصود بالكتاب في هذه الآية هو اللوح المحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من الحوادث. وهي نفس الإشارة التي أشار إليها محمد شحرور أثناء بحثه في الاختلاف والتباين الحاصل بين مفردتي الكتاب والقرآن حيث أكد بأن الكتاب من “كتب”، والكتاب في اللسان العربي تعني جمع أشياء بعضها مع بعض لإخراج معنى مفيد، أو لإخراج موضوع ذي معنى متكامل، وعكس كتب من الناحية الصوتية “بتك” ويمكن قلبها بحيث تصبح “بكت” وجاء فعل “بتك” في قوله تعالى {فليبتكن آذان الأنعام} (النساء 119). فالكتاب في المعنى عكس البتك أو البكت.
أما الآية التي يستدلون بها على تمام الدين وإكماله، فهي قوله تعالى:” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ” المائدة:3. والمعنى حسب السفياني كما قال ابن عباس والسدي أن الله أتم لعباده هذا الدين وأكمله فلا يحتاجون إلى غيره أبدا، ولا يحتاجون إلى زيادة فيه أبدا. هذا التوقع وهذا المعنى تنبه إليه عبد الكريم سروش[14]، واعتبر بأن ما يسميه البعض بشمولية الإسلام، أو شمولية الدين، أو شمولية القرآن، هي رؤية منحازة ومتحيزة، ترى بأن كل التدابير والمعارف والقواعد والعلوم موجودة بشكل كامل في الشرع والدين بنحو يغني عن أي معرفة أخرى من اتجاهات مختلفة، وهو ما سماه بالرؤية الأكثرية، أو التوقع الأكثري من الدين. وفي مقابل هذه الرؤية هناك رؤية أقلية أو توقع أقلي من الدين، بمعنى أن الدين قد أشار إلى بعض الأشياء والقضايا والمعارف ولكن بشكل أقلي، متيحا للإنسانية أن تدلي بدلوها، وتخوض مسارات تطورها بعيدا عن الرؤية الأكثرية المبالغ فيها.
إذا لم ننتبه إلى خطورة الفكر الشمولي المنتسب للدين، بالرغم من بريقه وإحساس المرء معه بمصداقية تفكيره الديني، أو توجهه المذهبي، أو انحيازه الطائفي. فسنسقط طوعا أو كرها في الخطأ المنهجي الخطير الذي سقطت فيه مختلف أنماط التدين السابقة حين استوعبت مناحي الحياة، وصار الكهنوت وسيطا بين الإنسان وخالقه، يبيع الصكوك، ويدخل إلى الجنة، ويعيث في الأرض فسادا. فالمقولة الرامية إلى إخضاع كل شيء للدين بمفهومه الشمولي الذي يحصي على الإنسانية كل شيء، ويتدخل في كل مجال، تحكم على الدين بالانهيار التام من حياة الناس، حين تختلط المفاهيم البشرية مع بعضها، وتتناقض وجهات النظر، ويموت الدين باعتباره ضحية من ضحايا التسلط البشري الذي تشارك فيه بنيات المؤسسة الكهنوتية بمختلف مستوياتها.
يركّز الإسلام السّياسي في مشروعه على مجموعة من المداخل، يعدّها الباب الشّرعي نحو الدّولة الدينية. هذه المداخل تحدّث عنها أحمد القبانجي في كتابه الإسلام المدني، وأجملها في ما يلي:
- الإسلاميون ومفهوم الخلافة
يرى الإسلاميون من خلال مختلف التعابير الحركية التي يشتغلون فيها وعليها بأن الشكل الأرقى للحكم هو نظام الخلافة كما تجسد في التاريخ الإسلامي، وفي المخيال التاريخي للشعوب العربية والإسلامية، والذي يجعلهم معتقدين بذلك هو أن الخلافة في هذا العقل الإسلاموي كانت دوما تعبيرا عن حالة من العدالة المطلقة، ف” الخليفة “ هو النائب عن الله في هذه الأرض، يقيم شرعه، ويطبّق حدوده، وينشر دينه بين النّاس، بما تقتضيه هذه الخلافة من مواصفات النِّيابة عن الله في الأرض كما يقول القابنجي:” فالإنسان وفْق هذه الرّؤية مأمور بسلوك طريق الحق والخير، الذي يرسمه له الشرّع المقدَّس، والحكومة بدورها مأمورة بتنفيذ ما ورد في الشّريعة المقدّسة من أحكام وقوانين، تكفل للإنسان والمجتمع سعادة الدّارين، وتضمن له مسيرته في خطِّ العدل والحقِّ والتقدّم المادّي والمعنويّ.”[15].
فالخلافة حسب هذه الرؤية التي ذكرها القابنجي تتجاوز البشري إلى ما هو إلهي، حين يصير الخليفة نائبا عن الله، مجسدا لأوامره وتشريعاته. بحيث يقترب هذا المفهوم للخلافة مما تحدث عنه مارسيل غوشيه، حينما أشار بأنّ المُلْك وهو يتحدّث بطبيعة الحال عن تاريخ فرنسا:” هو حشْدٌ من الدّين ذو وجهٍ سياسي…فالسّلطة كانت منزَّلة من عند الآخر، كانت تهبط من فوق، وتفرض نفسها من فوق إرادة البشر. وأعادتها الثّورات الحديثة إلى الأرض- الثّورة الإنجليزية، وبعدها الثّورة الأمريكية، ثمّ الثّورة الفرنسية- ووضعتْها على مستوى الإنسان.”[16].
قد تختلف التسميات ولكن المضمون واحد، فالخلافة في أبعادها الأساسية هي ارتفاع بالإنسان إلى مستويات الألوهية المطلقة، وبما أن الخليفة يجسد الإرادة الإلهية على الأرض، حيث كان يعتبر ظل الله في الأرض، فإن هناك تشابها كبيرا بينه وبين الملكية المطلقة في أوروبا حيث كان الملك حاكماً مطْلقاً، يحكم بالإرادة الإلهية، ويستمد سلطته من الشرعية الدينية التي تجسدت في المسيحية حينذاك. هذا التشابه بين المصطلحين الخلافة الإسلامية والمَلكِية المطلقة، يظهر في السُّلطة التي كانت حاكمةً في فرنسا إبّان العصور الوسطى، وهو الشيء الذي أكد عليه المودودي في تعريفه للخلافة، وهو من كبار المنظرين للعمل الإسلاموي، وأحد المؤثرين الأساسيين في تكوين اللبنات الأولى للعمل الحركي الإسلاموي، الذي يجعل من السياسة هدفا وليس وسيلة، حيث يقول:” الخلافة الرّاشدة التي ذكرنا خصائصها المميّزة، ومبادئها الأساسية لم تكنْ في الحقيقة حكومة سياسية، وإنّما كانت نيابة تامّة كاملة عن النّبوة.”[17]. وما يزيد الأمر تأكيداً وتوضيحاً ما ذكره محمّد رشيد رضا حولها فقال:” الخلافة، والإمامة العظمى، وإمارة المؤمنين، ثلاث كلمات معناها واحد. وهو رئاسة الحكومة الإسلامية الجامعة لمصالح الدّين والدّنيا.”[18].
فالواضح من هذه التّعاريف أن الخليفة أو الخلافة هي النِّيابة عن النّبوة، وهي تجسيد عملي لإرادة الله على الأرض، وتطبيق فعلي لكل أوامره ونواهيه. وهذا ما جعلها تأخذ هذا البعد الاعتباري في العقل الإسلاموي الحركي، وتتسامى إلى أبعاد تحضر فيها اليوتوبيا الحالمة بالعدالة المطلقة، والصلاح المطلق، فتغيب الممارسة السّياسية في أشكالها الدنيوية النسبية، ويصير العنف والقوّة هو شكل الدّولة الوحيد مع المعارضين والمختلفين.
- الإسلاميون وإشكالية العمل الديمقراطي:
إذا كان الدين الإسلامي يراعي في جوانبه الكثيرة مصالح الناس، وتغيير الوقائع والأحداث، فقد ترك للناس اختيار الشكل الأمثل لما يحقق رغباتهم ومصالحهم الدنيوية، وبما أن دولة الخلافة هي دولة دينية بامتياز تحاول أن تسوس الناس برؤية يكون فيها الخليفة ممثلا رئيسيا عن الله، ومجسدا لإرادته على الأرض، فإن داخل هذا العقل الحركي الإسلاموي ينعدم الفعل السياسي الإنساني، وتصير السياسة جزءا من السلطة الإلهية المباشرة كما تجسدت في التاريخ، حينما صارت إرادة الحاكم هي إرادة الله. وهي ذهنية لا تؤمن بالعمل السياسي في بعده البشري، بل تعتبر كل أشكال الحكم المعاصر امتدادا للجاهلية الأولى كما كان يرى محمد قطب، حيث يتم تحقير ما وصلت إليه الإنسانية من مكتسبات على مستوى أنظمة الحكم والتسيير والتدبير، كما يتم تقسيم الناس تقسيمات غير سياسية، بل عقائدية إقصائية وحربية. حيث يقسم الإنسان إلى مؤمن/كافر، والمجتمعات إلى دار سلم/دار حرب.
وبما أن الإسلاميين في صراع مع باقي مكونات المجتمع، فإن رؤيتهم لنظام الخلافة ولطرق تدبير العمل السياسي تجعلهم لا يؤمنون بالنظام الديمقراطي، إلا من حيث أنه وسيلتهم الوحيدة في عالم اليوم للوصول إلى السلطة، والتغلغل في البنيات المختلفة للإدارة والجيش من أجل التمكين والسيطرة. لهذا تجدهم وفي مختلف تنظيراتهم وكتاباتهم التعبوية يحتقرون النظام الديمقراطي ويمدحون بشكل أو بآخر مبدأ الشّورى كما عرفتْه المنظومة السّياسية الشّرعية. وهناك من يدعو إلى محاولة إيجاد تداخلات بين النظامين لعله يقنع نفسه بأن النظامين شكل واحد، مع أن الفوارق لا تخفى على أحد. فالنظام الديمقراطي هو نظام انتخابي تمثيلي من القاعدة إلى القمّة، في حين أنّ الشّورى تفتقد إلى هذه المقوّمات. وهناك من يحاول أنْ يعبِّر في خلطٍ عجيبٍ بين مفهومَي الشّورى والدّيمقراطية ويقول بأنّ الشّورى هي الطّبعة العربية والإسلامية للدّيمقراطية. في حين أنّ الدّيمقراطية تقوم على ركيزتين كما أكّد على ذلك خليل عبد الكريم:
- الاعتماد على رأي الشعب لا النخبة أو الملأ أو مجلس الشّورى، أو أهل الحلّ والعقد.
- إلزام الحاكم بما ينتهي إليه رأي الجماهير أو الشّعب أو المواطنين.
فكيف تكون إحداهما وسيلة للأخرى وهما على طرفي نقيض؟[19].
- الإسلاميون والصراع مع العلمانية:
ما زال هناك من يصر من الإسلامويين ومن الحركات المختلفة والمعبرة عن الإسلام الحركي، ترى في العلمانية الخصم الحقيقي الذي يهدد لحمة العالم والأمة الإسلامية، ولعل منشأ الصراع بين الإسلاميين وباقي مكونات المجتمع المسلم هو بعض التطبيقات العلمانية في العالم الغربي التي يمكن اعتبارها تطبيقات متطرفة، تجعل من العلمانية طرفا معاديا للدين، في حين أن العلمانية هي وسيلة من وسائل تدبير المختلف عليه داخل مجتمعات متنوعة عقديا وفكريا وثقافيا. وحقا لقد كان لمسار العلمنة الفرنسي تأثيرا كبيرا على النظرة إليها باعتبارها إيديولوجية، وليس فقط وسيلة لتدبير الاختلاف في مجال متنوع، وفضاء حيويا يضم تيارات فكرية وثقافية واجتماعية من شتى الطبقات والأفكار. ولكن لكل بلد خصوصيته، فما قدمه فصل الكنيسة عن الدولة، أو فصل الدين عن السياسة كان دافعا لتعظيم السياسة كما يؤكد غوشيه. وهو أمر مفهوم تاريخيا، لأن ما قامت به الكنيسة في فترة تمكنها وسيطرتها كان كفيلا بأن يولّد ردود فعل قوية جدا ضد هذا التحكم، وهذا التاريخ الاختزالي والاحتكاري للدين من طرف مؤسسة كانت سببا في غرق أوروبا لقرون طويلة في عصر الظلمات. ومن هنا حلت السياسة، والاهتمام بالدنيوي بشكل عام مكان الاهتمام بالدين والمجال المقدس، وبدل أن تكون السيادة للدين، أصبحت السيادة للدولة. وهكذا خلق الصراع التاريخي والتنافر بين مجالين أو لنقل بين تيارين، أحدهما يتشبث بالدين، والثاني يتشبث بالعلمنة.
كل هذا السياق المترامي والمتشعب مهّد الطريق لهذا الفصل بين الديني والسياسي، وهو أمر طبيعي كما أكدنا سابقا. لكن مع كل ما قد يقال عن هذا التنافر الحاصل بين الديني والسياسي فلا بد من التأكيد على إمكانية إيجاد أواصر التقارب بين الاثنين، وإعادة الاعتبار لجانب العلمنة باعتبارها تدبيرا للشأن العام المختلف، وليس وسيلة لخلق عداء افتراضي قد يضيع علينا الشيء الكثير، لهذا اقترح غوشيه ثلاث ملاحظات هامة في هذا الموضوع:
- إن الخروج من الدين لا يعني التخلي عن المعتقد الديني، وإنما الخروج من عالم يكون فيه الدين منظما بشكل بنيوي. يوجه السياسة ويعيّن البنية الاقتصادية للرابط الاجتماعي. وهذا يناقض التعامل مع الظاهرة الدينية من منطق البنية الفوقية. وعليه فالخروج من الدين ليس هو الخروج عليه. وهو في المحصلة ليس سوى الانتقال من عالم يستمر وجود الأديان فيه، ولكن ضمن شكل سياسي وتنظيم جماعي لم تعد تعنى بتحديدهما.
- جعل المجال الديني مجالا ثانويا أي أن هناك انقلابا من حال الهيمنة الدينية الكلية على الشأن العام إلى حال يمكن القول عنه بأنه يجعل دور الدين ثانويا وخاصا.
- الخروج من الدين أمر مستمر ويعني انخفاض وتيرة الارتباط به، واعتباره المحدد الوحيد للشأن العام، وهذا واضح للوهن الذي أصاب المؤسسات الدينية خاصة المؤسسات الكنسية، أو الانتساب إلى المذاهب الدينية.إنّ العلمانية خيارٌ استراتيجي في الحكامة السّياسية، ونبذ الإقصاء، والعنف الدّيني والإثني والعرقي. ما لم تتحوّل هي أيضاً إلى أصولية متطرّفة، تتّخذ أشكالاً من ردود الأفعال، تترك لدى الآخر عقدة الانتقام، وتصفية الحسابات. فالغرب المسيحي من خلال إصلاحاته الدّينية، استطاع أنْ يدمج قيَم الدِّين في مؤسَّساته السّياسية، مقصياً دوْر الدّين في صيغته الشّمولية، التي لا تترك مجالاً للتحرّك الإنساني. وبالتّالي منْح الشّرعية والسّيطرة لرجال الدّين، أو المؤسَّسة الكهنوتية، لتقبض على المجال الدّيني، ومنه على الحياة العامّة كما حدثَ في أوروبّا في صراعها المرير مع الكنيسة. وهنا نستحضر أطروحة مارسيل غوشيه الذي يرى بأنّ ما سمّاه بالخروج من الدّين لا يعني التخلّي عن المعتقد الدّيني، وإنّما الخروج من عالم يكون الدّين بحد ذاته فيه منظّماً بينوياً يوجِّه الشّكل السّياسي للمجتمعات، ويعيِّن البنية الاقتصادية للرِّباط الاجتماعي ..فالخروج من الدّين هو في المحصّلة الانتقال إلى عالم يستمرّ وجود الأديان فيه. ولكن ضمن شكلٍ سياسي، وتنظيم جماعي لم تعد تُعنى بهما.[20]
لقد طرح عليّ عبد الرازق سؤال المُلك والنّبوة في شخص الرّسول محمّد، ليؤكّد على أنّ ولاية الرّسول على قومه كانت ولايةً روحية منشؤها إيمان القلب. أمّا ولاية الحاكم كيفما كان نوعه فهي ولاية مادية تعتمد على إخضاع الجسم من غير أنْ يكون لها بالقلوب اتّصال[21]. ويكفي أنّ نظام الخلافة الذي يمزج في منظور الحركات الإسلامية بين السّياسي والدّيني لم يجد مستنًداً شرعياً من القرآن أو السنّة على شرعية نظامه. لأنّ هناك من يعتبر بأنّ نظام الخلافة في حدّ ذاته هو نظام مدني، حيث بدأت هذه الأخيرة مجرّد رياسة للجماعة التي كانت قد تكوّنتْ في وقتها. وكان الرئيس خالِفا للنّبيّ أي يليه في الوقت ولا يرث حقوقه، ثمّ انزلقت الخلافة إلى أحداث وتعبيرات، انحدرتْ بها إلى أنْ أصبحتْ نظاماً دينياً، خلافاً لحكم الدّين وحُكم الشّرع. فلقد صار الخالِف للنّبي خليفةً للرّسول، ثمّ خليفة الله، ونور الله وظلّ الله. وهي صفات تفاعلتْ مع الواقع وأثّرتْ فيه، فجعلتْ من الخليفة شخصاً معصوماً لا يحاسب، مقدَّسا لا يساءل.[22]
أمّا طرابيشي فكان أكثر جرأة حين عدّ الإسلام دِيناً عِلْمانيا، أو ما سمّاه هو بذور العلمانية في الإسلام. فلقد ظلّ هذا اللّفظ يشكّل حالة العداء التّاريخي بالنِّسبة للكثيرين في عالمنا العربي، خاصّة أولئك الذّين يرون بأنّ الإسلام دينٌ ودولة، وليس بينهما أيّ انفصال كما يروّج له أصحاب الطّرح العلماني. فحديث تأبير النّخل وغيره يقف معادلاً للقولة الإنجيلية المشهورة ” اعطوا لله ما لله، وما لقيصر لقيصر “. فهذا الحديث يميِّز بين مستويين من الحياة الإنسانية: الدّنيا والآخرة. فالرّسول بشهادة القرآن كان بشراً، تسرِي عليه كل مقوِّمات الإنسان. وهذا الطرح الذي أكّد عليه طرابيشي، هو نفسُه ما أكّد عليه عبد الوهّاب المسيري بتعبيراته العلمانية الشّاملة، في مقابل الجزئية[23]. فالأصل هنا هو التَّمييز بين الرّوحي والزّمني في رسالة الإسلام.
إنّ الإسلام لمْ تطُل رحلته الرّوحية إلا ثلاث عشرة سنة، وبعدها بدأتْ علمنة الدّين.” فالعلمانية فيما تعني لا فصل السّياسة عن الدين فحسبْ، بل إعطاؤه السؤدد. فإنّ التسييس المبكِّر للإسلام، قد جعل مسْلِمي الصّدر الأوّل يعطون الأولوية في الممارسة العمليّة، على الأقلّ للدُّنيوي على الأخروي. وهذا إلى حدِّ التّطاول على حرمة المقدَّس.[24] ” والتّاريخ من خلال محطّات كثيرة استعرضها طرابيشي، خيْرُ شاهد على هذا التوجّه العلماني في مسار الدين، كحادث سقيقة بني ساعدة.
المصادر والمراجع:
[1] – ياسين، عبد الجواد. الدين والتدين التشريع والنص والاجتماع. المركز الثقافي العربي، ط2، 2014، ص: 9.
[2] – جون فرانسوا دورتييه. ما الدين؟ على هذا الرابط: https://www.mediatheque.mc/Default/doc/SYRACUSE/1261235/qu-est-ce-que-la-religion-jean-francois-dortier?_lg=fr-FR#:~:text=La%20religion%20ne%20se%20r%C3%A9duit,aux%20%C3%A9preuves%20de%20la%20vie.
[3] – سورة القلم الآية 35/36
[4] – في بعض الروايات في مسند أحمد. رقم الحديث: 301(حديث مرفوع) 301 قَالَ : وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ : إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ : أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ فَقَالَ : ” مَنْ سَلَّمَ النَّاسَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ “. انظر الرابط التالي:
http://library.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?bk_no=39&hid=301&pid=12559
[5] – رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس. انظر الرابط التالي: http://hadith.al-islam.com/Page.aspx?pageid=192&BookID=24&PID=7
[6] – النيهوم، الصادق. الإسلام في الأسر من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة. دمشق: دار الريس للكتب والنشر، 1995.ط3. ص: 52.
النيهوم، الصادق. إسلام ضد الإسلام. (ط3). دمشق: دار الريس للكتب والنشر، 2000. ص: 21
[7]– الورداني، صالح السيف والسياسة في الإسلام الصراع بين الإسلام النبوي والإسلام الأموي. دار الرأي للطباعة والنشر والتوزيع،1999، ط1. ص 168
الورداني، صالح. أهل السنة شعب الله المختار. مكتبة مدبولي الصغير،1996، ط1. ص: 25
[8] – ألفرد نورث، هوايتهد. كيف يتكون الدين. ترجمة رضوان السيد. بيروت، جداول للنشر والتوزيع والنشر،ط1، 2017. ص: 91.
[9] – عابد، بن محمد السفياني. الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية. مكتبة المنارة،ط1،1988 . ص: 130.
[10] -تفسير ابن كثير، على الرابط التالي http://library.islamweb.net/Newlibrary/display_book.php?idfrom=1&idto=35&bk_no=49&ID=2
[11] – الشافعي، محمد بن ادريس، الرسالة، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، ص: 212
[12] – الصدر، محمد باقر. مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن. الكويت. دار التوجيه الإسلامي. نشر إلكترونيا وأخرج فنيا برعاية شبكة الإمام الحسين للتراث والفكر الإسلامي. ص:10
[13] – المرجع السابق، ص: 17
[14] – عبد الكريم، سروش. الأقلي والأكثري في الدين والفقه. قضايا إسلامية معاصرة، العدد 26، 2004. ص: 97.
[15] – القبانجي. أحمد. الإسلام المدني. ثقافة إسلامية معاصرة(7). ص: 18. ملف pdf.
[16] – غوشيه، مارسيل.(2007). الدين في الديمقراطية مسار العلمنة. ترجمة وتقديم شفيق محسن. مراجعة بسام بركة. (ط1). المنظمة العربية للترجمة. ص: 28
[17] – المودودي، أبو الأعلى. (1978). الخلافة والملك. تعريب أحمد ادريس.(ط1). دار القلم. ص: 63.
[18]– رضا، محمد رشيد.(1988). الخــــلافــــة. الزهراء للإعلام العربي. القاهرة. ص: 17. وانظر المزيد في:
نوار، صلاح الدين محمد.(1996). نظرية الخلافة أو الإمامة وتطورها السياسي والديني: دراسة تحليلية ونقدية مقارنة. منشأة المعارف بالإسكندرية. ص:11.
البهنساوي، سليم. الخلافة والخلفاء بين الشورى والديمقراطية. الزهراء للإعلام العربي. ص 57.
[19] – خليل، عبد الكريم.(1995). الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية.(ط1). سينا للنشر. ص: 141.
[20] – الدين في الديمقراطية مسار العلمنة. ص: 27
[21] – عبد الرازق، علي. الإسلام وأصول الحكم. مطبعة مصر. ص: 69.
[22] – العشماوي، محمد سعيد.(1992). الخلافة الإسلامية.(ط2). سينا للنشر. ص: 23.
[23] – العلمانية الشّاملة ويعرِّفُها بـ:” «العلمانية الطبيعيّة/الماديّة» أو «العلمانية العدمية»، وهي رؤية شاملة للكون بكلّ مستوياته ومجالاته، لا تفصل الدِّين عن الدّولة وعن بعض جوانب الحياة العامّة وحسب، وإنّما تفصل كلّ القيَم الدِّينية والأخلاقية والإنسانية عن كلِّ جوانب الحياة العامّة في بادئ الأمر، ثمّ عن كلّ جوانب الحياة الخاصّة في نهايته، إلى أنْ يتـمَّ نزع القداسـة تماماً عن العالم (الإنسان والطبيعة). وهي شاملة، فهي تشمل كلاً من الحياة العامّة والخاصّة، والإجراءات والمرجعية. والعالم، من منظور العلمانية الشّاملة (شأنها في هذا شأن الحلوليّة الكمونيّة الماديّة)، مكتف بذاته وهو مرجعيّة ذاته. التعريف منقول عن موقع الدكتور عبد الوهاب المسيري على الرابط التالي: http://www.elmessiri.com/encyclopedia/JEWISH/ENCYCLOPID/START/MAFAHIM/M0042.HTM
العلمانيّة الجزئية وهي: “رؤية جزئيّة للواقع تنطبق على عالم السّياسة وربّما على عالم الاقتصاد، وهو ما يُعبَّر عنه بفصل الكنيسة عن الدّولة “. انظر:
المسيري، عبد الوهاب. (2000). العلمانية تحت المجهر. (ط1). دار الفكر . ص: 119ويمكن مراجعة نفس المفهوم بتعبيرات مختلفة في كتابه الآخر. المسيري، عبد الوهاب. (2002). العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. (ط1). دار الشروق. ص: 16
[24] – طرابيشي، جورج.(2006). هرطقات عن الدّيمقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية. دار الساقي، ورابطة العقلانيين العرب. ص: 22.