تكوين
أن نتوقّف للتفكّر في الحب وسط ما يرتطم بنا كل يومٍ من موجاتِ حقدٍ وغضبٍ وخيبةٍ وقلقٍ على المصير، أمرٌ يشير إلى هذه الرغبة الدفينة في العودة إلى الينابيع الإنسانية الصافية، والحفر في عمق الذات لتلمّس أبهى ما فيها. أن نترك انشغالاتنا الحياتية الضاغطة، ونُمسك القلم لنخطّ بعضاً من أفكار حول البحث عن المعنى من خلال الكلام في الحب والعشق الصوفي على وجه الخصوص، فهذا يعني أن ما زال للقيم الإنسانية الراقية مكانٌ مرموقٌ وهو يفرض نفسه بقوة.
التصوف والعشق الإلهي
أن يعيش المرء حياةً صاخبة فيها الحلو والمرّ، الانتصارُ والخيبة، الألمُ واللذة، الفرحُ والحزن، أمرٌ متوقّع لكل بني آدمٍ زار هذه الأرض في سنة من السنين. لكن أن تكون امرأة، عاشت بين حوالي عامي 717 و801 ميلادي، أي خلال العصر العباسي الأوّل، وشقّت طريقها في أصعب الظروف، فاختبرت الفقر، ثم العبودية، ومن ثم صخب الحياة الليلية كعازفة على الناي، ومن بعدها عرفت انقلاباً جذرياً جعلها زاهدة من الرائدات الأوائل في حركة التصوّف الإسلامي، وأن تقصد أن تعبّر شعراً ونثراً عن اختبارها الروحاني العميق، فهذا لوحده مدعاة جذبٍ للباحث المنشغل بدرس بدايات الخطاب الصوفي بعامة، والنسوي منه بخاصة، وكم بالحري إن كان الموضوع المحوري هو الحب أو العشق ببُعدَيه الإنساني والالهي؟ هذا ما جعلني أتوجّه نحو رابعة العدوية لأقدّم هذه الورقة البحثية التي اخترتُ لها عنوان “العشق الصوفي ورحلة البحث عن المعنى”.
“أم الخير”، “شهيدة العشق الإلهي”، “إمامة العاشقين”، “الوليّة الصالحة”، “القديسة العراقية”، “العابدة رابعة العدوية”، “سيّدة العاشقين”، “مؤسِّسة مذهب الحب الالهي”، “الشاعرة الإسلامية”، “زاهدة البصرة”، “الشاعرة المتصوفة”، “الحكيمة والشاعرة الإسلامية”، “السيّدة الوليّة”، كلّها ألقاب وصِفات أطلقها الدارسون على رابعة العدوية، وهي تشيرُ إلى نوعٍ من الاحتفال بها، بمسيرة حياتها، وبما تركته من كتابات تُنسب إليها. وكأنها شذوذٌ عن قاعدة المسلك النسوي في المجتمع، أو اختراقٌ لتقليدٍ ما، والخروج عليه. من الملفت جداً لدى من يتوقّف عند درس التراث العربي الإسلامي الفلسفي والأدبي والشعري، من دون أن أذكر الفقهي ولا الكلامي، ندرة أسماء النساء، لكي لا أقول انعدامها. أما في مجال التصوف، فإننا نجد أكثر من اسم لمع وترك الصدى الطيّب في القول والفعل معاً.
المرأة والتصوف
يلحظ الدارس أن هناك عدداً من النساء وصلن إلى مراتب رفيعة في مجال التصوّف وذلك منذ عهد البدايات. ذكر الشعراني في كتاب “الطبقات” وجود أربعمئة وست وثلاثين متصوفاً من بينهم ست عشرة امرأة مثل: معاذة العدوية، ورابعة العدوية، وعائشة ابنة جعفر الصادق، ونفيسة ابنة الحسن بن زيد، وغيرهن… ويعلّق مصطفى عبد الرازق على ما أورده الشعراني قائلاً: “وما يكون لأحد أن يزعم أن في الإسلام نزوعاً إلى الغضّ من الجانب الروحي للمرأة بعد الذي بيّناه من استعدادها لمراتب الصوفية العليا التي تُكشف فيها حُجب الغيوب وتفيض على صاحبها الكرامات”.[1]
يعتبر مصطفى عبد الرازق أنه “إذا كان الصوفية هم بُناة المثل الأخلاقي الإسلامي الأعلى فإن للمرأة حظاً غير منقوصٍ في تشييد هذا الهيكل العظيم.
وإنا لنجد في كتب التصوف والأخلاق ذكراً لمتصوفات سيرتهن شاهد ومثال يحتذى.
يعود مصطفى عبد الرازق إلى الجاحظ لينقل عنه بعض الأسماء قائلاً: “والناسكات والمتزهّدات من النساء المذكورات في الزهد والرياسة من نساء الجماعة أم الدردراء ومعاذة العدوية ورابعة القيسية.
ومن نساء الخوارج السجا وحمادة الصفوية وغزالة الشيبانية قُتلن جميعاً وصُلبت السجا وحمادة وقَتلَ خالد بن عناب غزالة وكانت امرأةَ صالح بن نوح”.[2]
نلحظ أنه لم تنتشر في التراث الصوفي مؤلّفات للنساء، لكن هناك عدداً من الأشعار والآثار التي تقوم مقام الكتب المدوّنة. من هنا سنتوقّف عند ما تمّ تناقله من شعر بختم رابعة العدوية، بخاصة في ما يتعلّق بالعشق الإلهي. لكن قبل ذلك، سوف نرى ما هو موقف الإسلام من نبوّة المرأة ومن كونها مرسَلة، أو متميّزة روحياً.
المرأة والنبوة
يبدو أن الأمر واضحٌ في الإسلام بأنه لا نبوّة للمرأة. نجد ابن حزم يحسم الأمر باستناده إلى آية قرآنية تقول: “وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم”، من دون أن يدّعي أحدٌ من أن الله أرسل امرأة، فالكلام يخصّ النبوة. “والفرق بين النبوة والرسالة أن النبوة مأخوذة من الإنباء وهو الإعلام، فمن أوحى إليه الله علماً بما يكون قبل أن يكون، أو أمراً ما مع يقينه يقيناً ضرورياً بصحة ما أوحي إليه كعلمه بما أدرك بحواسه وبديهة عقله فهو نبيٌّ وذلك يكون بواسطة الملاك”.[3]
أما في ما يتعلّق بالرسالة، فنجد في القرآن ما يشير إلى أن الله أرسل ملائكته إلى نساء ليخبروهن بوحيه: بشارة أمّ اسحق باسحق، والوحي إلى أمّ موسى بإلقاء ابنها في البحر وبأنه سيعود إليها نبياً مرسلاً، وبشارة مريم بولادة عيسى. نلحظ انطلاقاً ممّا ورد عند ماسينيون وعبد الرازق “أن المسلمين لم يتنازعوا في جواز النبوّة والولاية للنساء، ولا مانع من ذلك شرعاً ولا عقلاً، وقد اتفقوا على عدم وقوع الرسالة للنساء، كما اتفقوا على وقوع الولاية لهن واختلفوا في وقوع النبوة (…)، وفي هذا دليل على أن مجال الوحي والإلهام يستوي النساء فيه والرجال، فلا عائق يعوق المرأة عن أن تسمو بروحها إلى أقصى غايات السمو المقدورة للبشر، بأن تصل إلى مرتبة العرفان والولاية وتشهد من جلال حضرة الربوبية ما لا يشهده سائر البشر”.[4]
لقد بلغت، إذاً، عدّة نساء هذه الدرجة الرفيعة أيام النهضة الفكرية في العصر العباسي منذ نشأة التصوف الإسلامي. ويشدّد مصطفى عبد الرازق على نفي ما يُزعم بأن “في الإسلام نزوعاً إلى الغض من الجانب الروحي للمرأة” (…) إذ بيّن مدى “استعدادها لمراتب الصوفية العليا التي تُكشف فيها حجب الغيوب وتفيض على صاحبها الكرامات”.[5] نجد إشارة ملفتة هنا بخصوص التفرقة في أحكام الشرع بين الرجل والمرأة، إذ يتمّ التبرير في المرجع نفسه بأن “وجوه التفرقة أحياناً بين المرأة والرجل” تعود “إلى أمور مادية متّصلة بالمادة كما في التفاوت في الإرث. والتفاوت في الشهادة لا يبعد عن هذا النوع، فإن ضعف الذاكرة المعلّل به نقص شهادتها ليس حيفاً بكمالها الروحي ولا باستعدادها للسمو الديني”.[6]
كذلك ناقش ابن حزم في كتابه “الفصل” آراء من يفضّلون الرجال على النساء “مناقشة تدلّ على أن فكرة التساوي في الفضل بين النساء والرجال كانت من الأفكار المؤيَّدة بين علماء المسلمين، وكان لها أنصار من طراز الإمام ابن حزم الظاهري”.[7]
قصة رابعة العدوية الحقيقية
تعتبر رابعة العدوية “كإحدى أعمدة الصوفية الكبار في التاريخ الإسلامي، ويمكن أن تُعدّ مبتدئة النص الصوفي العربي، وزوّدت الصوفية بمقولة الحب الإلهي الذي يُفضي إلى كشف الحجب”.[8] إنها عاشت “في فجر الانبثاق العلمي الإسلامي، حيث بلغت موجة الفتح الإسلامي غايتها في القرن الأول الهجري. جاءت رابعة ومدرستها لتحوّل الزهد إلى محبة، والرهبة إلى خشية، والعقيدة إلى بساطة، والفقه إلى تعبّد وأخلاق. وأرست هذه المتصوّفة قواعد الحب الإلهي، وهو الحب الذي يملأ الكون بكلّ ما فيه، وتعدّ رابعة كما يقول صهيّب الرومي في كتابه (التصوف الإسلامي): “أستاذ علم النفس الصوفي بلا منازع، إذ عرفت النفس البشرية وطبيعتها وعوامل اعتلالها وعوامل شقائها إذا مرضت، وعوامل صفائها ونقاء معدنها ومراحلها، وذلك عن طريق المنهج الذي وضعته لمدرستها”.[9]
يذكر التفتزاني في كتابه “مدخل إلى التصوف الإسلامي” أن بعض الباحثين في التصوف من المستشرقين مثل نيكلسون يعتبرون “أن أهمية رابعة العدوية راجعة إلى أنها قد طبعت الزهد الإسلامي بطابع آخر غير هذا الذي رأيناه عند حسن البصري وهو طابع الخوف، فهي قد أضافت إلى الزهد عنصراً جديداً هو الحب الذي يتّخذ منه الإنسان وسيلة الى مطالعة جمال الله الأزلي. وكذلك ذهب الشيخ مصطفى عبد الرازق في بحث له عن رابعة العدوية أيضاً إلى أنها كانت أول من تغنّى في رياض الصوفية بنغمات الحب الالهي شعراً ونثراً، ولم يكن طريقُ المحبة مُعبّداً قبلها”.[10]
أسّست رابعة مدرسة صوفية عُرفت بمدرسة “العشق الإلهي”، وهي ترتكز على أربعة محاور: التوبة – الرضا – المراقبة – المحبة. استناداً إلى ما أورده د.عبد الحكيم عبد الغني قاسم في كتابه “المذاهب الصوفية ومدارسها”، فإن التوبة تشكّل البداية الجديدة في حياة الصوفي، نظرياً وعملياً. فالجانب النظري يقوم على الجمع بين الاستغفار والشوق إلى الله، والجانب العملي يرتكز على قيام الليل في الصلاة وقراءة القرآن واستذكار الموت وما بعده من عقاب وثواب. ثم إن الرضا يشكّل درجة متى وصل إليها الصوفي فلن يبالي بأحداث الحياة ويستوعب أن كل شيء في الوجود من قضاء الله وقدره. أما المراقبة فهي تعني مراقبة النفس والقلب بدقّة والقيام بمحاسبةٍ شديدة، مع الانتباه إلى مراقبة الله لمخلوقاته في كل تحرّكاتهم. وتأتي المحبة كمحورٍ رابع وهي بمثابة الركيزة في مدرسة رابعة، إنها تعني حب الله حباً شديداً ليس خوفاً من ناره ولا طنعاً في جنته.(بعيداً من منطق الترغيب والترهيب الذي كان سائداً). تقول: “ما عبدته خوفا من ناره ولا طمعاً في جنته فأكون كأجير السوء بل عبدته حباً له”.[11]
من هي رابعة العدوية؟
إنها رابعة ابنة اسماعيل العدوية البصرية. لقّبها ابن خلكان “بأم الخير”. ذكر ماسينيون في كتابه “في أصول الاصطلاحات الصوفية” أن رابعة “كانت في أول أمرها تعزف بالمعازف ثم تابت وقد خلّفت مقطوعات تعبّر عن حدّة عشقٍ مؤثرة، وقضت حياتها بالبصرة وكأنها مسجونة، وبها ماتت في سن لا تقلّ عن ثمانين سنة، ذلك في العام 185 هـ (801 م)، وتركت في الإسلام شذا من ولايتها لا يزال أريجاً”. كما يقدّر ماسينيون “أنها ولدت في العام الذي بدأ فيه الحسن البصري مجالس تعليمه، وذلك يوافق سنة 95 أو سنة 96 هـ.
وقد استعملت في غير تهيّب كلمة الحب في العشق الالهي معتمدة على ما جاء في القرآن… وبرئت من مرضٍ خطير أصابها فانقطعت عن قيام الليل، لكن الملائكة هتفت بها في جنح الليل فتنبّهت إلى ما فقدته وعادت إلى سنتها”.[12]
نقرأ في كتاب لويس ماسينيون ومصطفى عبد الرازق أنه “ليس في ما بين أيدينا من المراجع ما يدلّ على أن رابعة العدوية كانت متزوّجة، بل المأخوذ من الروايات عن حياتها أنها كانت بعبادتها وحبّها لله في شغل عن الزواج والولد، وقد ردّت من خطبها”.[13] عاشت رابعة العدوية في القرن الثاني من الهجرة وماتت في أواخر هذا القرن، كما يرجّح معظم من كتبوا سيرتها. ويقول ابن خلكان عنها: “كانت من أعيان عصرها وأخبارها في الصلاح مشهورة”.[14] يقول عنها الإمام اليافعي في كتابه “مرآة الحنان وعبرة اليقظان” إنها “السيّدة الوليّة، ذات المقامات العليّة والأحوال السنيّة”.[15]
ما هي قصة رابعة العدوية؟
يذكر عبد الرحمن بدوي في كتابه “شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية” أن رابعة ولدت في أسرة فقيرة في مدينة البصرة. بعد وفاة والدها وهي لا تزال في مقتبل العمر، عانت البصرة من القحط. تفرّقت العائلة فالتقت رابعة برجل ظالم أسرها وباعها بستة دراهم لرجل أتعبها في العمل. يستند بدوي إلى كتاب العطار “تذكرة الأولياء” لكي يدقّق ويقارن بين الروايات التي وصلت إليه حول رابعة العدوية. يشير إلى “أنها كانت تسير ذات يوم فشاهدت رجلاً غريباً ظلّ يرمقها بنظره مضمراً لها الشر، فهربت (…)، ثم ارتمت على التراب وظلّت تناجي ربها: “إلهي! أنا غريبة يتيمة، أرسف في قيود الرّق، ولكن غمّي الكبير هو أن أعرف: أراضِ أنت عني أم غيرَ راض؟” فسمعَت صوتاً يقول: “لا تحزني! ففي يوم الحساب يتطلّع المقرّبون في السماء إليك ويحسدونك على ما ستكونين فيه”. فلمّا سمعت هذا الصوت عادت إلى بيت سيّدها، وصارت تصوم وتخدمُ سيّدها وتصلّي لربّها متجهّدة طوال الليل”.[16]
يعتبر بدوي أن هذه الحادثة شكّلت الفترة الحاسمة في حياة رابعة، إذ يرى، وهو يحلّل نفسياً أبعاد ما حدث مع رابعة، “أن الانصراف إلى الزهد وابتداء الرسالة الروحية إنما هيّأ له ما كانت تعانيه في رقّها وما احتملته إبان ذاك من آلام وذلّ ومهانة. فلم تجد خلاصاً أو بالأحرى عزاءً لها عن تلك الحال إلا في الإيمان والثقة بالله والتعزّي بالآخرة عمّا تلقاه في الدنيا. وهي ظاهرة طالما حدثت في النفوس النبيلة التي قُضي عليها بالعبودية. نراها في الجيل الأول للمسيحية ونراها كذلك عند الرعيل الأول في الإسلام لدى بلال بن رباح وصهيّب الرومي وسلمان الفارسي. فالنفس النبيلة إن أرغمتها الحياة الخارجية بقهرها المادي على العبودية انطوت على نفسها كيما تحرّرها في الباطن؛ وهذا التحرير الباطن لا بد أن يتمّ في عالم آخر غير العالم المادي الواقعي الذي لا تجد فيه غير الاستعباد؛ ومن هنا تنصرف إلى طلب الملكوت الأعلى”.[17]
في سياق درسه وتحليله لمحطّات حياة رابعة يرى بدوي أن “الذات النبيلة الممتازة إذا لم تجد مصرفاً لممكناتها في الخارج، في العالم بين الأشياء الظاهرة، انفجر باطنها الزاخر بالممكنات فاستحال عالماً آخر سرعان ما يصبح عند صاحبه كأنه العالم الحقيقي الوحيد وكل شيء خلاه باطل؛ وانتصاره الأكبر إنما يتمّ نهائياً بالقضاء على الوجود-في- العالم، (…)، على هذه العوائق التي تقف في سبيل النمو الكامل للممكنات غير المتحقّقة. والطريق إلى هذا يتفاوت بين النفوس النبيلة بعضها بعضاً وفقاً لمزاجها الروحي الخاص. فالذين كانوا يريدون أن يظفروا بالدنيا، بالوجود -في- العالم عن طريق السلطة والقهر يسلكون إلى الألوهية أيضاً “طريق القهر”، بأنواع التعذيب والزهادة القاسية؛ والذين كانوا يبتغون الظفر عن طريق الحب، والتأثير الشخصي بالجاذبية للشخصية الممتازة، يتّخذون إلى الرب “طريق الحب”. ورابعة العدوية، وهي المرأة، هل لها أن تسلك غير السبيل الثانية؟! لهذا سنراها تتّخذ طريق الحب للاستيلاء على الألوهية، بعد أن لم تفلح في الوصول عن طريق الحب في دنيا الاستيلاء على الناسوتية”.[18]
إقرأ أيضاً: الصوفيّ والفيلسوف في الفكر والحياة
نلحظ أن بدوي قد انشغل فعلاً في فهم أبعاد ما عاشته رابعة من اختبارات أثّرت في مسارها الصوفي لاحقاً، وهو يستعين هنا بالرواية التي ذكرها العطار، فيرى “أنها أفكرت في طريق الخلاص فوجدته في الانعكاف على باطنها؛ لكنها كانت في حاجة إلى صوت يقوّيها ويشدّ أزرها فيؤكّد لها أن تلك الطريق التي ستسلكها ستُفضي بها إلى غايتها الجديدة المنشودة وهي الخلاص عن طريق الحب للألوهية حتى تظفر بالحضرة فيها. فليس بعجبٍ في واقع الأحوال النفسية لأمثال هؤلاء أن يُخيّل إليهم أن طائفاً رحمانياً قد طاف بنفوسهم، وهي في الصراع مع أحوالها في العالم للظفر بالنجاة، فشدَّ أزرَهم ومنّاهم بخير المنقلب وعِظم الغاية ونبل النهاية. فهذا يحدث لكلّ منا في أبسط أحوال مهامه ومشاغله، فما بالك ونحن بإزاء المهمّ الأكبر في حياة الشخص؟! فتلاميذ عمواس، وطريق دمشق عند القديس بولس، ورؤيا أوستيا عند القديس أوغسطين، ووحي دِلف لدى سقراط، ووحي حرّاء عند النبي محمد- كلها أمورٌ لا تتأتّى على منهج البحث النفساني العلمي إذا ما فُهمت على أنها أحوال من الكلام النفسي الصادر عن ازدواج النفس حينما تلمّ بها المهمّات”.[19]
-
كيفية تحرُّر رابعة من الأسر
يروي عبد الرحمن بدوي نقلاً عن العطار أن سيّد رابعة استقيظ ذات ليلة ونظر فرأى أنها ساجدة تصلّي وتقول: “الهي! أنت تعلم أن قلبي يتمنّى طاعتك، ونورُ عينيّ في خدمة عتبتك؛ ولو كان الأمر بيدي لما انقطعتُ لحظةً عن خدمتِك، لكنّك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبدتك”. وخلال دعائها وصلاتها شاهد قنديلا فوق رأسها يحلّق وهو بسلسلة غير معلّق، وله ضياء يملأ البيت كلّه. فلمّا أبصر هذا النور العجيب فزع ونهض من مكانه وظلّ ساهداً مفكراً حتى طلع النهار. هنالك دعا رابعة وقال: “أيَ رابعة! وهبتُك الحرية. فإن شئتِ بقيتِ هنا ونحن جميعاً في خدمتك؛ وإن شئتِ رحلتِ أنّى رغبتِ”. ما أجملها فرصة إذن بالنسبة إلى رابعة! فما كان منها إلا أن ودّعته وارتحلت، ثم انقطعت للعبادة والتقوى”.[20]
بعد التحرّر، هناك رواية لم يذكرها سوى العطار، تقول بأن رابعة اتّخذت مهنة العزف على الناي لفترة ما، ثم تابت من بعدها وأصلحت مسارها، فأسّست لنفسها خلوة انصرفت فيها للعبادة بشكل كلّي.[21]
يفترض عبد الرحمن بدوي أن رابعة بعد أن تمّ تحريرها أقبلت بفضل الحرية على المشاركة في حياة الدنيا، ويقارن هذه الفترة من حياتها بالفترة التي عاشتها القديسة تريزا الآفيلية بعد أن غادرت دير التجسّد في أفيلا حتى سنة 1555 عندما بدأت حياتها الثانية. انطلقت رابعة تسعى إلى رزقها فلم توفّق إلا في حرفة العزف على الناي وإطراب المستمعين. يُقدّر بدوي أن رابعة كانت على حظٍ من الجمال، مما يُفسّر تقدّم كثيرين للاقتران بها. وما سهّل عليها النجاح في مهمّتها الجديدة أنها كانت صاحبة “مزاج فني ممتاز” بسبب “طبيعتها الروحية العالية، فلم تجد في غير الفن مجالاً للظهور في الدنيا والمشاركة في الحياة”.[22]
كما يلفت بدوي الانتباه إلى أن عدداً من النسوة صاحبات قدرٍ من سموّ الروح كنّ يحترفن الفن إذا ما قُضي عليهن بكسب الرزق بوسائلهن الخاصة. “ويُحتمل كذلك أنها إبّان هذه الحياة الفنية بما تقتضيه من ملابسات قد اندفعت في طريق الشهوات إلى مدى بعيد. فهذه المهنة في ذلك العصر كان من غير الممكن أن تستقلّ بنفسها، ولا أن تكون بمنجاة عن ألوان الإغراء بأنواع الأحابيل التي تُنصب لمثيلاتها في هذا المضمار. ويُخيّل إلينا أنها قطعت شوطاً طويلاً في طريق الإثم وغرقت في بحر الشهوات واقتاتت بقوة الحواس حتى الثمالة، لأنها تابت من بعد ذلك. فهذه التوبة نفسها هي أصدق دليل لدينا على اندفاعها إلى أبعد حدّ في طريق الشهوة. فالأطراف في تماسٍ كما يقولون، والاعتدال لا يمكن مطلقاً أن يؤدّي إلى التحوّل الحاسم conversion. فهذه الانقلابات الروحية الكبرى إنما تقع دائماً نتيجةً لعنفٍ وإفراطٍ ومبالغةٍ في الطرف الأول المقلَب عنه”.[23]
يقارن بدوي في هذا السياق بين التحوّل الجذري في حياة رابعة وبين التحوّل العميق الذي حصل في حياة القديس بولس والقديس أغسطين. ويستنتج أن “الاعتدال من شأن الضعفاء والتافهين، أما التطرّف فمن شيمة الممتازين الذين يُبدعون ويخلقون التاريخ”. ونحن، على الرغم من أن بدوي يستشهد بأمثلة حيّة في التاريخ، لكنّه يغفل أمثلة أخرى من القديسين والأولياء الصالحين الذين لم تشهد حياتهم انقلاباً جذرياً من طرفٍ إلى طرفٍ مقابل، وهم كثر. يشير بدوي إلى أن رابعة، لم يكن بإمكانها “أن تتطرّف في إيمانها وحبّها لله إلا إذا كانت قد تطرّفت من قبل في فجورها وحبّها للدنيا. من أعماق الشهوة العنيفة تنبثق الشرارة المقدّسة للطهارة، ومن عمائق الإنكار والتجديف تنطلق الموجة التي تنشر الإيمان في الدنيا بأسرها”. ويستنتج قائلاً: “لهذا أدعو إلى التطرّف المطلق كلّ من يريد أن يكون خالقاً للقيم”.[24]
-
توبة رابعة العدوية
تمادت رابعة في السير في طريق الشهوة الجامحة، كما يُقدّر بدوي، ثم تابت. فالسؤال الذي يفرض نفسه هو الآتي: ما الذي حصل معها لكي تقوم بتغيير مسارها بشكلٍ جذريّ؟
يحاول بدوي الإجابة على السؤال من خلال العودة إلى تحليل حياتها قُبيل إعتاقها، فيرى أنها قد تكون:
– قد “استشعرت رسالتها الروحية وهي تحت أعباء الرّق المهين. لكنها نسيتها لمّا أن انطلقت إلى الدنيا الواسعة”. لهذا نجده يفترض “أنها إبّان انتهابها اللذات كانت بين الحين والحين تخلو إلى نفسها وتتذكّر تلك الرسالة التي أُلهمتها. فكان يطوف بها إذاً بين الفينة والفينة طائفٌ من التأنيب والتذكير بالطريق السوي”.
– لا بد من أن تكون قد شعرت خلال خلوتها بنفسها “إما باليأس من عاطفة اندفعت فيها نحو شخصٍ ثم خاب رجاؤها فيه”؛
– “وإما بأنها قد اندفعت في طريق الإثم إلى حدّ بالغِ الإفراط. فلا شك في أن هذه التنبيهات المتوالية قد أثّرت في منطقة اللاشعور لديها. لكننا لا نستطيع أن نقول إنها كانت كافية لإحداث الانقلاب الروحي”. (هذا الصراع الداخلي كان قد عبّر عنه القديس بولس، والقديس أغسطين، وتريزا الأفيلية، والغزالي، وغيرهم).
– هناك عوامل أخرى يمكن إدخالها حسب تقدير بدوي منها: “إمكان غشيانها مجالس الوعاظ في مساجد البصرة، وبخاصة مجلس الحسن البصري، فضلاً عما عسى أن تكون قد لقيته، حتى إبان عملها، من صوفية وزهاد”.
– يشير بدوي في سياق تحليله النفسي لما حدث مع رابعة من تغيير محوري في مسارها إلى أنه تجاسر على الإدلاء بفرضٍ لا يدري بعد مبلغ الصحة فيه، وهو أن تكون رابعة “قد التقت يوماً برياح بن عمرو القيسي الصوفي الكبير؛ ولعلّه أن يكون قد توسّم فيها ميلاً إلى الحياة الطاهرة، فحملها على اطّراح حياتها اللاهية؛ ولعلّ في هذا ما يفسّر الصلة القوية التي قامت بين كليهما، فقد يكون العطف قد أخذه عليها، فتمنّى لها- وهو صاحب الطبيعة الممتازة- أن تسلك السبيل الذي سلكه هو. ولئن كانت المصادر لا تحدثنا عن وقوع هذا الحادث بالذات، فإنها تشير إلى صلاتهما الوثيقة إلى أبعد حد: كانا يقضيان الليل معا في بيتها انقطاعاً للتجهّد والعبادة”. كما يلحظ بدوي أن صاحب “النفس النبيلة إذا ما توسّم في إحدى بنات الهوى روحاً سامية سرعان ما يفكّر في إنقاذها مما هي فيه. فمن يدري؟! لعلّ هذا هو ما وقع بين رياح بن عمر القيسي وصاحبتنا رابعة”.[25]
إن الأسباب المذكورة سابقاً ليست كافية ولا مقنعة بالنسبة إلى عبد الرحمن بدوي لكي يتمّ تفسير الانقلاب الروحي الذي اختبرته رابعة، على الرغم من قوة هذه الأسباب. لذا، نجده يضع احتمالاً آخر قد واكب ما حدث، وهو ما يرجّحه على غيره من الاحتمالات. إنها “تجربة يائسة من دنيا الناس، ولا بدّ أن نفترض هنا خصوصاً تجربة حب مخفِقٍ يستشرف إلى سراب زواج أو ما إليه. فذكريات الماضي الداعي إلى التقوى والمواعظ مهما يبلغ تأثيرها عن طريق المثل الحي الصديق لا تكفي لتفسير ما حدث لديها. فلا مناص إذن من افتراض هذا العامل (…) الحاسم”.[26]
يرجّح بدوي أن هذه الأسباب التي ذكرها مجتمعةً لعبت دوراً فاعلاً في إحداث الانقلاب الجذريّ في حياة رابعة، الأمر الذي أدّى إلى عودتها إلى “نفسها تستلهمها الطريق الذي بدأته ثم تركته لمّا أن استشعرت نسم الحرية في الدنيا، وإذا بها عمّا قليل أسيرة شهوات مدمّرة وفريسة خيبات أمل تكسّرت على روحها العالية فأشاعت قنوطاً لا يبلغ مداه التعبير. هنالك أحسّت بأن الحرية التي نشدتها ليست في الانطلاق بين ملاذ الدنيا، فهذه عبودية لعلّها أعنف وأشدّ إرهاقاً من تلك التي كانت فيها. ولعلّها سمعت آنذاك قولَ معاصرها الأكبرمنها – وقد كانت قداسته تملأ الدنيا في ذلك الحين- ألا وهو ابراهيم بن أدهم لمّا أن قال: “الحر من خرج عن الدنيا قبل أن يخرج منها”. فالحرية هي “في اصطلاح أهل الحقيقة، الخروج عن رقّ الكائنات ومُراداتها وقطع جميع العلائق… وعلامة الحر سقوط التمييز عن قلبه بين أمور الدنيا والآخرة، فلا يسترقّه عاجل دنياه ولا آجل عقباه”.[27]
يعتقد بدوي، أنه نتيجة تأثير هذا كلّه توقّفت رابعة أمام نفسها، وأعادت التفكير في معنى الحرية الحقّة، فرأت أنها كانت واهمة في ما اندفعت نحوه، وما كانت الحرية إلا ” أسراً جديداً لمن له مثل روحها، أسراً أشدّ هولاً وقسوة. فلا بدّ أنها ضاقت ذرعاً بتلك العبودية الجديدة وراحت تتلمّس سبيل الخلاص نحو الحرية المنشودة، الحرية الحقيقية التي تخرجها نهائياً عن رقّ الكائنات”.[28]
إنها المرحلة الحاسمة نهائياً في حياة رابعة حيث تحوُّل الطريق يتّجه نحو التضاد مع ما سبق، وذلك بعد التردّد والقلق والتساؤل والبحث في أكثر من اتجاه. هذا التردّد بين الشرارة المقدّسة وبين متابعة الحياة اللاهية، هذا التوتر بين الحياة الصاخبة والحياة الزاهدة، كان يعكس صورة واقعية لما يحدث في مجريات الحياة في مدينة البصرة، حيث نجد الوقت عينه، الحياة الليلية بما تقدّمه من ملذّات، مع حياة الزهد والنسك التي انتشرت في المدينة. يقدّر بدوي أن الانتقال بين النمطين لم يكن سهلاً “إذ لا مجال للانزلاق الطبيعي الميسور بين الواحد والآخر؛ بل كان لا بدّ من حدوث انقلاب مفاجئ سريع يعود فيه الوجود الذاتي على وجوده الأصيل فينتزع نفسه بكل قوة من قسوة السقوط -في- العالم”.[29] هنا حدثت التوبة وهي لم تتمّ بالمجهود بقدر ما تمّت بفضلٍ من الله.
يذكر القشيري في الرسالة القشيرية حواراً بين رابعة وأحد الرجال يسألها: “إني قد أكثرت من الذنوب والمعاصي؛ فلو تبتُ، هل يتوب عليّ؟ فقالت: لا، بل لو تاب عليك لتبت”. فهي كانت لا تثق، حسب بدوي، في قدرتها على الظفر بالتوبة لمجرّد استغفارها وإقلاعها عن ذنوبها، بل كان لا بدّ من رضا الله: فهو وحده الذي يتوب على الناس المخطئين؛ فلو لم يتب، لم تتحقّق لديهم التوبة. وهي نظرية نجد لها نظائر عدة في التصوف المسيحي، خصوصاً في كل ما يتّصل بفكرة فضل الله (la grace divine). ومن هنا يظهر الجانب السلبي القابل في كل طبيعتها، مما سنراه ظاهراً لديها بكل وضوح. ومن شأن هذا الطابع السلبي أن يزيد من قلقها على نتائج أعمالها. فهي لا تدري مطلقاً ما إذا كانت توبتُها مقبولة عند الله أو غير مقبولة، لأن التوبة ليست فعلاً أو حالاً تحصّله بنفسها، بل توهَبه هبة”. وبهذا يفسّر بدوي أقوالها التي تدور حول هذا المعنى، مثل قولها: “أستغفر الله من قلّة صدقي في قولي: أستغفر الله”، أو قولها مرّة أخرى: “استغفارنا يحتاج إلى استغفار لعدم الصدق فيه”. “ففي القول الأوّل تعبير عن شدّة قلقها- وقد أُرهفت حساسيتها في شعورها بالخطيئة- على ما سيكون مآل استغفارها. وفي القول الثاني توكيدٌ لهذا المعنى مع ذكر الجانب الإيجابي وهو الاستمرار في الاستغفار دائماً، لأن التوبة ليست حالة ثبات يمكن بلوغها مرّة واحدة، بل هي في حركة مستمرّة ولن يستطيع المرء أن يبلغها طالما كان حياً. وفي هذا يدخل جانب حركيّ يجعل أحوالها الصوفية في ثورة دائمة؛ وطابع النقص هذا هو الذي يُشعرها بالزمانية المتجدّدة مما يُضفي على أحوالها طابعاً وجودياً بارزاً. إن التوبة ليست حالة سكونية statique، بل هي حركيّة قُووية dynamique. وهذا يزيدنا وضوحاً في فهم ذلك الجانب السلبي الذي أبرزنا معناه من قبل. فهو لم يُقصد به مجرّد السلب والقابلية، بقدر ما قُصد به أن يكون مدعاة لإشاعة الحركة عن طريق الصيرورة والتجدّد لفعل الاستغفار، وإدخال الزمانية بواسطة فكرة النقص الملازم لهذه الأفعال. وبهذا ننقذ أحوال رابعة من طابع القابلية المطلقة quietisme كيما نفسّرها على نحو ديناميكي يمتاز بالحركة والصيرورة”.[30]
إطلالة على الدّرس الصوفيّ في مصر
يلفت بدوي الانتباه في سياق تحليله لنفسية رابعة العدوية أن “الصوفي الحق، الصوفي بالمعنى الوجودي، هو ذلك الذي يعزف عن الرضا لأنه ينطوي على فكرة سلبية خالصة، فتراه دائماً في خوف على أعماله. وهذا ما أكّدته رابعة مرّة أخرى حين “قيل لها: أعمِلتِ عملاً ترينَ أن يُقبل منك؟ (فـ)قالت: إن كان، فخوفي أن يُردّ عليّ”.[31]
كذلك إنه يعتبر أن توبة رابعة “لم تتمّ دفعة واحدة، بل كانت طوال حياتها في توبة مستمرّة؛ فمن التقصير في الفهم إذن أن نعدّ هذه مرحلة في تطورها الروحي. وكل ما يحقّ لنا قوله هو التحدّث عن ابتداء فعل التوبة، وإلا فحياتها كلّها كانت توبة متّصلة”.[32]
يلحظ عبد الرحمن بدوي أن عبارات الحب في شعر رابعة لم تكن هي شاغلها الأوّل في البداية، إذ التوبة كانت هي الأهم. ويشير إلى “أنها لما بدأت التوبة، كان عليها، وهي الخارجة من دنيا الشهوات، أن تدخل عنصر العاطفة الغرامية الحارة”. لذلك نجده يفترض “أن عنصر الحب بمعناه الحسي مرفوعاً إلى الألوهية قد أدخلته رابعة في حياتها الروحية نتيجة لفترة الضلال واللهو الآثم التي مرّت بها”. ومن هنا جاء تأكيده على أهمية “تلك الفترة التي مرّ عليها الباحثون مع أنها في نظرنا العامل الأكبر في تكييف النظرة الصوفية عند رابعة، إن لم تكن بمثابة العامل الأوحد”.[33]
العشق الإلهي رابعة العدوية
يلحظ التفتزاني أن “الحب الإلهي في الحقيقة لم يصبح موضوعاً رئيسياً للشعر إلا من عصر رابعة العدوية، فقد تغنّى الصوفية بعدها به، واعتبروه مقاماً من مقامات السلوك، أو حالاً من أحواله، ومن هؤلاء يحيى بن معاذ الرازي، المتوفي سنة 258 هـ والذي ذكر عنه ماسينيون أنه أوّل من أعلن حبّه لله في شعر صريح الأسلوب، والحلاج المتوفي سنة 309 هـ الذي ترك في مسألة المحبة، آثاراً بعضها منظوم وبعضها منثور”.[34]
يرى التفتزاني أن بعض المتأخرين من الصوفية كانت عاطفة الحب الالهي غالبة عليهم، فعبّروا عن هذا الحب في أشعارهم تعبيراً ذا طابع فلسفيّ. لقد أدّى بهم الحب إلى “شهود الوحدة في الوجود شهوداً ذوقياً، ويُعتبر عمر بن الفارض أبرز صوفية العرب في هذا الميدان، وهو لم يعبّر عن حبّه إلا شعراً، كما يُعتبر جلال الدين الرومي أبرز شعراء الحب في التراث الصوفي الفارسي، وهما لم يقصدا بالشعر الصناعة الشعرية من حيث هي، وإنما وجداه وسيلة أكثر ملاءمة للتعبير عن حقائقهم تعبيراً عاطفياً، وشعرهما رمزيّ الطابع، وهما وإن استخدما ألفاظ الغزليين في الحب إلا أن هذه الألفاظ عندهما، وعند غيرهما من شعراء الحب من العرب أو الفرس رموزٌ وإشاراتٌ إلى حقائق صوفية تدفع على افهام من ليسوا من أهل الذوق والمشاهدة”.[35]
يربط عبد الرحمن بدوي بين الشعر والعزف عند رابعة، إذ يعتبر أن الشعر نتيجة طبيعية لاشتغالها بالعزف، خصوصاً لما يتطلّب ذلك من غناء وإنشاد. فالملَكة الشعرية حاضرة وهي تكمن فيها. عندما ساقتها ظروف الحياة لكي تمتهن العزف أصبح من المتاح أن تتفجّر عندها ملكة الشعر، مع الإشارة هنا إلى أنه غالباً ما تسير موهبة العزف مع موهبة الغناء، بخاصة إذا رجعنا إلى التراث الشرقي، كما يعتقد بدوي. فالروح الشرقية لم تكن لتستسيغ “الموسيقى المجرّدة لما فيها من تعبير عن اللانهائي” وهي لم تكن رائجة في زمن رابعة. هذا بالإضافة إلى المكانة المقدّسة للكلمة في الحضارة العربية، مما يجعل الغناء فناً مرافقاً للعزف. يلحظ نيكلسون في كتابه في التصوف الإسلامي أنه “ليس بين الأشياء التي ابتدعها الصوفية لتحريك وجدانهم الديني ما هو أقوى في تحقيق ذلك الغرض وأفعل من “السماع”: أي الاستماع إلى الموسيقى والغناء.[36]
لهذه الأسباب يرجّح بدوي أن ابتداء قول رابعة الشعر “إنما وقع نتيجة لاحترافها العزف على الناي، فتدفّق منها منذ ذلك الحين ينبوع الشعر”. من هنا نجد رابعة في هذا النص الشعري تنشد ما يأتي:
“يا سروري ومنيتي وعمادي وأنيسي وعُدّتي ومُرادي
أنت روحُ الفؤاد، أنت رجائي أنت لي مؤنسٌ، وشوقك زادي
أنت لولاك، يا حياتي وأنسي! ما تشتّتُّ في فسيح البلاد
كم بدت منّة، وكم لك عندي من عطاء وعمة وأيادي
حبّك الآن بِغيتي ونعيمي وجلاء لعين قلبي الصادي
ليس لي عنك – ما حييتُ-براح أنت مني ممكنٌ في السواد
إن تكن راضياً عليّ فإني يا منى القلب! قد بدا إسعادي”.[37]
يظهر جليّا الطابع الحسي في هذه الأبيات، ويتبدّى منها أن الأمر كان لا يزال مختلطاً عليها لأن الخطاب هنا يصلح أن يتّجه إلى شخص حتى كما يصلح -بصعوبة- أن يتّجه إلى الله. حتى أن بدوي يلحظ أنه في هذا الشعر قد تناست رابعة أو نسيت أنها تخاطب الله، فتحدّثت عن حبيب لها يبدو وكأنه كان متنقّلا فاضطرّت هي إلى عيش الترحّل من أجل كسب العيش، كما هي الحال بالنسبة إلى الموسيقيين، بشكل عام عندما يتجوّلون من أجل إحياء حفلاتهم.
من هنا يعتقد بدوي في سياق تحليله لأبيات رابعة بأنها كانت تلاحق من أحبّته في الأماكن التي كان يتنقّل بينها، لهذا نجدها اضطرت إلى التشتّت في بلادٍ واسعة. ولعلّ ذكرى هذا الحبيب الذي قد يجوز أنه كان العلّة في إحداث خيبة الأمل عندها في الحب والناس. من الممكن أن تختلط المشاعر في ذهنها، فتعبّر بقوة عن تجربتها معه، مع أن الخطاب كان موجّهاً إلى الله. بالنسبة غلى بدوي، لن تستطيع رابعة أن تتحدّث عن حبّها لله إلا إذا صدر ذلك عن تجربة حيّة عاشتها بعمق. “وتلك كانت تجربتها العنيفة الحية. فحدثت هنا ظاهرة القلب للموضوع ، ممّا يحدث دائماً في أمثال هذه الأحوال، إذا كانت العبارة مخلصة وليست مجرّد صياغة لفظية خالية من كل حياة. ولهذا فإذا صادف المؤرّخ إخلاصاً في التعبير عند الصوفي، فيجب عليه دائماً أن يفترض وجوب تجارب حيّة صدر عنها، فقلب موضوعها من المحسوس الإنساني إلى الكائن الأعلى الإلهي. ويمكن تأريخ ما يدخل في هذا الباب وفقاً لتضاؤل التعبير الحسي الظاهر وتزايد التعبير المجرّد الباطن، ولهذا فنحن لا نرى مانعاً أولاً من أن يكون هذا الشعر صحيح النسبة إلى رابعة -فليس ثمة استحالة مادية تقف دون هذا؛ ونرى ثانياً أنه لا بدّ أن ينتسب إلى فترة الانتقال المباشرة بين عهد الضلال وعهد الإنابة والتوبة”.[38]
فرحٌ مع الله…كيف يكتبُ الصوفيّ سيرته
هذا ما أشار إليه بدوي من حيث الصورة الشعرية، أما من حيث المادة فهو يشير إلى ما ورد بخصوص “ذكر الإطار الغرامي الملائم: هدوء الليل وضياء النجوم ونوم العيون، لأنها طالما ألفت هذا الإطار الشعري الرائع في أيام غرامها الآثم؛ وهذا يدلّنا على أنها حديثة عهد به، وأنها لا تزال تحنّ إليه في أعماق نفسها، ولعلها تذكّرت لياليها الحمر بين مخارف النخيل (…)، وقد غفلت عيون الرقباء من الناس ومن الشرطة خاصة كما يتبين في عبارتها ذات الدلالة الكبيرة هذه: “وغلّقت الملوك أبوابها”، أي اختفى سلطان الحاكم، ففي وسعها أن تختلي بحبيبها تساقيه ما تودّ من اللذات المحرّمة. وتأمل خصوصاً الشوق المتحسّر في قولها: “وخلا كل حبيب بحبيبه”. ففيه قشعريرة قلب طالما نعم بهذه اللحظات العالية! أتراها نادمة في قولها هذا؟ كلا، بل هي قلقة لا تزال موزّعة الأهواء بين الدنيا والآخرة، وحبيبها الجديد لا يزال بمنأى عنها لأن الطريق إليه شاقّة طويلة؛ وها هي ذي تتضرع إليه فتقول: “وهذا مقامي بين يديك!” أية لوعة في هذه العبارة النارية! وأية صورة فاتنة تستثيرها في الخيال!”.[39]
يعتبر بدوي أن رابعة بدأت تستشعر الحب لله؛ وإنه لينمو وتواكبه مشاعر مختلفة، لعلّ من بينها ومن أقواها الشعور بأنها نذرت نفسها لهذا الحب الأسمى، وعمّا قليل ستُعلن خطبتها إليه، ولعل ذلك أن يفضي في النهاية إلى الزواج الروحي بينها وبين الله.
إنها لم تبلغ بعد تلك المرحلة من التفكير في الاقتران بالله. ولا بد أن تأتي حيّونة -صديقتها الهائمة في أودية العشق الآثم- فتنبّهها إلى هذا المعنى. ذكر ابو القاسم الحسن بن حبيب النيسابوري أن رابعة زارت حيّونة؛ “فلما كان جوف الليل حمل النومُ على رابعة؛ فقامت إليها حيّونة فركلتها برجلها وهي تقول: قومي! قد جاء عرس المهتدين. يا من زيّن عرائس الليل بنور التهجّد!”.[40]
يعتبر بدوي أن هذا النص على جانب كبير من الخطورة لأنه يذكر أن “فكرة الزواج من الله والاقتران به كانت لدى الصوفيات المسلمات حتى منذ القرن الثاني الهجري، (…)، وهي الفكرة التي لعبت دوراً خطيراً في التصوف المسيحي ابتداءاً من القديسة تريزا الآبيلية التي عاشت في القرن السادس عشر الميلادي، أي بعد أولئك الصوفيات المسلمات بثمانية قرون”.[41] ويشير إلى أنه إذا كان لا يستطيع أن يؤكّد أن هناك تأثيراً مباشراً للصوفيات المسلمات في القديسة تريزا، فإنه يلحظ الأمر وبترك المسألة مفتوحة لكي يتأكّد منها الدارسون.
ما هو العشق الإلهي؟
إن البحث عن المعنى من قبل امرأة عانت كثيراً في حياتها، واختبرت الخيبة والحزن والعبودية والألم، كان أمراً محورياً بالنسبة إلى رابعة، عبّرت عنه في ما تركته من كتابات. إن هذا المعنى وجدته في ما يحمله العشق الالهي من آفاق واسعة. من هنا يمكن أن نتوقّف عند ما يتّصف به هذا العشق بالنسبة إليها.
في حال بحثنا عن تجليّات العشق الإلهي عند رابعة فنجد أنه يتّصف بما يأتي:
التواضع، والجهاد النفسي، والإخلاص، والخشوع، والذّل، والضراعة، والقلق، والاضطراب، واللهفة. من الملفت أن نجدها تعتبر أن الدرجة الأعلى في الصلة التي تربط بين العبد وربه لا تستوجب تبادل الحب. فالحب الحقيقي بالنسبة إليها لا ينتظر شيئاً من المحبوب، ولا حتى المكافأة في تلقّي الحب منه، هذا ما يؤدّي إلى حالٍ من السكون المرادف للموت.، وهو ما ترفضه رابعة. يرى عبد الرحمن بدوي في هذا السياق أن “الحب الحق هو ذلك الذي يتألّم فيه أحد الطرفين دون أن ينال شيئاً، لأنه إذا تمّ التبادل فسُدَ معنى الحب. (…). رابعة هنا تريد أن تؤكّد هذا المعنى بكلّ قوّة، وفي توكيدها له تريد أن تدلّ على معنيين: الأوّل النزاهة المطلقة في صلة الحب بحيث لا يُقصدُ من ورائه جزاء، ولا حتى مجرّد التبادل فيه؛ الثاني أن الحب الصحيح هو ذلك الذي يستبعد كل تبادل”.[42]
كل هذا الحب يجعل عدداً من الدارسين يستبعدون ما رُوي حول زواج رابعة، فهي رفضت أن يشغلها أيّ كان عن حب الله. يرجّح بدوي أنه تمّ الخلط بين رابعة العدوية البصرية القيسية ورابعة الشامية التي كانت متزوّجة. يذكر هذه الأبيات التي إن صحت نسبتها إلى رابعة فهي تشير إلى عدم رغبتها بالزواج:
“راحتي، يا أخوتي، في خلوتي وحبيبي دائماً في حضرتي
لم أجد لي عن هواه عوضاً وهواه في البرايا محنتي
حيثما كنتُ أشاهد حسنه فهو محرابي، إليه قبلتي
إن أمت وجداً وما ثم رضا وا عنائي في الورى! وا شقوتي
يا طبيب القلب يا كلّ المنى! جد بوصلٍ منك يُشفي مهجتي
يا سروري وحياتي دائماً نشأتي منك وأيضاً نشوتي
قد هجرتُ الخلق جمعاً ارتجى منك وصلاً، فهو أقصى منيتي”.[43]
تجدر الإشارة هنا في ما بيّنه بدوي، إلى أمر يرتبط بذلك العزم على عدم الزواج، أو القرار بعدم الارتباط برجل معيّن، في عصر لم يكن فيه رائجاً سلوكٌ مماثلٌ في الإسلام بعامة. إن هذا القرار يستدعي البحث في حيثياته، بخاصة في ما يتعلّق بوضع النساء الاجتماعي حينها. لكن، كما يلحظ بدوي، كان أهل الصوفية قد روّجوا لمسلكيات مشابهة في ذلك الزمن. “فالزواج يتنافى مع الوفاء بالحياة الروحية العالية وما تقتضيه من مجاهدات وانقطاع لله، وانصراف عن الدنيا وإماتة للشهوات وارتفاع بالمضمون الروحي الباطن بارتفاع الجانب المادي الظاهر”.[44]
من الواضح أن رابعة جاءت لتعيش وتنشر من حولها نهجاً لا يوفذق بين الزواج والعشق الالهي، وهي اختارت عدم الارتباط بقرار منها صادر عن قناعة داخلية بضرورة التفرّغ للعشق الالهي. اتخذت هذا الموقف مع العلم أنه كان قد تقدّم لخطبتها كثيرون، أتى على ذكرهم عبد الرحمن بدوي. يلحظ هنا بدوي أنه كان لقرار رابعة الأثر “الحاسم في هذا التوجيه، بعد أن كان الأمر في الغالب أمر مزاج شخصي عند الحسن ورياح وابراهيم بن أدهم والداراني ومن إليهم؛ إذ صار بمثابة قاعدة كان من الصعب على الصوفية من بعد ذلك الخروج عنها، وحتى انقطع الشيخ عبد القادر الجيلاني في الجواب فلم يُحر قولاً لما أن أفحمه السائل إياه عن سبب تزوجه. ذلك لأن رابعة امرأة، والغاية العظمى عند المرأة في الحياة هي الزواج، ولذا كان له عند المرأة أهمية كبرى أشد بمراحل عدّة من أهميته عند الرجل. فإذا وجدناها، وهي المرأة، تحرص على عدم الزواج، فما أبلغها من قدوة عند أهل الطريق!”.[45]
إقرأ أيضاً: سير السالكات في التراث الصوفيّ الإسلاميّ
انطلاقاٌ مما تقدّم، يشير عبد الرحمن بدوي إلى أهمية دلالة خبر خطبة رابعة مرتين: المرة الأولى لعبد الواحد بن يزيد، الصوفي الكبير، والمرّة الثانية لمحمد بن سليمان الهاشمي أمير البصرة. إن رفضها الخطبة إشارة واضحة إلى قوّة نفسها في هذا الباب، وهي مصمّمة على العيش وفق قناعاتها الصوفية. يذكر بدوي أن “إجابتها عن خطبة الأول بقولها بعد أن حجبته أياماً ولم تشأ أن تراه بعد أن سمعت منه هذا المنكر الأكبر في نظرها ونظر كل صوفي حقيقي وهو طلبها للزواج منه: “يا شهواني! اطلب شهوانية مثلك! أي شيء رأيتَ فيّ من آلة الشهوة؟!” – هذه الإجابة هي أبلغ ما يمكن أن يقال في هذا الباب. ففيها تقريعٌ مرّ لهذا الصوفي الذي يريد الإقبال على الدنيا، وفيها لومٌ قارسٌ له لأنه لم يفهم رسالتها وهي أنها انقطعت لله، حبيبها الأوحد، فلا تريد أن تُشغَل بغيره؛ وفي هذه الإجابة كذلك وصفٌ للحال التي صارت إليها وهي أنها صارت من القداسة والطهارة والروحانية بحيث لا يجوز لأحد أن يخطر بباله أن فيها أثا
أختم هذه الوقفة مع العشق الصوفي في نتاج رابعة العدوية بأبيات شعرية تُنسب إليها، وهي نالت شهرة واسعة، حيث تُميّز فيها بين نوعين من الحب: حب الوداد أو الهوى، والحب الخالص. يعتبر بدوي انطلاقاً من رؤية رابعة أن “الأول حب ناقص، والثاني حب كامل. بيد أنها لا تختار هنا بين الواحد والآخر، إنما تأخذ بهما معاً”. ومن هنا نجده يفترض أن زمن كتابة هذه الأبيات كان “عهداً مبكراً شيئاً، لم تكن قد بلغت فيه بعد المقام الأعلى للحب”.[47]
إنها تقول:
“أحبّك حبين: حبّ الهوى، وحبّاً لأنك أهلٌ لذاكا
فأما الذي هو حبّ الهوى فشُغلي بذكرك عمّن سواكا
وأما الذي أنت أهلٌ له فكشفك للحجب حتى أراكا
فلا الحمد في ذا، ولا ذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا”.
المراجع:
[1] – ماسينيون وعبد الرازق، ص106.
[2] – ماسينيون وعبد الرازق، التصوف، ص 112.
[3] – ماسينيون وعبد الرازق، التصزف، ص 104.
[4] – ماسينيون وعبد الرازق، التصوف، ص 105.
[5] – ماسينيون وعبد الرازق، التصوف، ص 106.
[6] – ماسينيون وعبد الرازق، التصوف، ص 106.
[7] – ماسينيون وعبد الرازق، التصوف، ص 107.
[8] – ابراهيم هلال، الفلسفة والدين في التصوف الإسلامي، مقدمة الكتاب، ص 16.
[9] – ابراهيم هلال، الفلسفة والدين في التصوف الإسلامي، ص 16.
[10] – التفتزاني، مدخل إلى التصوف، ص 86.
[11] – لمزيد من التفصيل أنظر: https://shbabbek.com/show/142104
[12]- يمكن أن تراجع: ماسينيون وعبد الرازق، التصوف، ص 114.
[13]- ماسينيون وعبد الرازق، التصوف، ص 118.
[14]- ماسينيون وعبد الرازق، التصوف، ص 119.
[15] – ماسينيون وعبد الرازق، التصوف، ص 120.
[16] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 12.
[17] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 12.
[18] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 13 و14.
[19] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 14.
[20] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 15.
[21] – لمزيد من التفصيل، أنظر: عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 16.
[22] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 16.
[23] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 17.
[24] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 17.
[25] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 17 و18 و19.
[26] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 19.
[27] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 19.
[28] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 20.
[29] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 20.
[30] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 21-22.
[31] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 22.
[32] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 22.
[33] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 23.
[34] – د.أبو الوفا الغنيمي التفتزاني، مدخل إلى التصوف الإسلامي، ص 212 و213.
[35] – د.أبو الوفا الغنيمي التفتزاني، مدخل إلى التصوف الإسلامي، ص 213.
[36] – نيكلسون، في التصوف الإسلامي وتاريخه، ص 90.
[37] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 24.
[38] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 25.
[39] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 26.
[40] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 26.
[41] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 26 و27.
[42] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 27 و28.
[43] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 52.
[44] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 56 و57.
[45] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 58.
[46] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 58 و59.
[47] – عبد الرحمن بدوي، شهيدة العشق الالهي رابعة العدوية، ص 65.