تكوين
مع إعلان دولة لبنان الكبير وصولاً إلى انتهاء الانتداب الفرنسي و جلاء قواته عن أراضيه ونيله استقلاله الناجز،احتدم الخطاب القومي بمحمولاته السياسية والأيديولوجية المختلفة،فكان ما حدث،عند الغالبية من اللبنانيين، بمثابة انجاز وطني كبير تحقق بفضل تضامنهم وتماسك وحدتهم،غير أن البعض من النخب اللبنانية وجدت في هذا الإستقلال إضعافاً لخياراتها القومية الوحدوية العابرة لكيانه السياسي والجغرافي،والمشككة بهويته الوطنية.وبمشروعية وجوده على خارطة الدول المستقلة.
الفلسفة كمال الحاج
١— جرأة الموقف الفلسفي
كانت جرأة الموقف الفلسفي في تجربة الفيلسوف كمال الحاج، علامة فارقة،وضعت فكره في مواجهة حادة مع مع هذه الخيارات،التي وجد فيها تهديداً للبنان الكيان والقومية والدولة، حدث ذلك في غمرة الصراع الأيديولوجي في المشرق،منذ أوائل الخمسينات،بين القومية الصهيونية،القومية السورية والقومية العربية،فانبرى بعقله المستشرف ولبنانيته النقيّة،شاهراً القومية اللبنانية بديلاً فلسفياً وسياسياً،إنسانياً وقومياً،يحصّن لبنان ويحميه من المطامع القومية التي كانت تتربص به،واحدة تريد تذويبه في قومية صهيونية تمتد من الفرات إلى النيل،وثانية تريد تذويبه في قومية سورية جغرافيتها الهلال الخصيب،وثالثة تريد تذويبه في قومية عربية تمتد من المحيط إلى الخليج،تضم الشعوب الناطقة بالعربية والمعتقدة بحمولتها الثقافية والحضارية. ،لم يخرج كمال الحاج من هذه المواجهة حيّ الجسد،لكن فكره استمرَّ بعد اغتياله حيّاً و أكثر إشعاعاً،وصدقية ،بل أكثر واقعية وموضوعية.
القومية اللبنانية
٢—اللغة،الميثاق الوطني،الفلسفة اللبنانية
أقام كمال الحاج صرح القومية اللبنانية على أركان ثلاثة،سوف أتناول منها في سياق هذا البحث،ما يتصل بإبراز معالم نظرته الفلسفية إلى القضية اللبنانية،و تظهير رؤيته للبنان، الكيان السياسي والمجتمعي، ابتداءاً باللغة.
قبل الكلام على اللغة،أشير إلى نصّ للحاج،يرسم فيه خارطة طريق، يعتمدها في مقاربة محاور مشروعه،يقول فيه:”عالجت معضلة اللغة أولاً،باعتبار الفلسفة العامة،بادئ بدء،ثم رأيتني أتسيّس،فأنساق إلى الذود عن اللغة العربية،وعالجت معضلة القومية ثانياً،أيضاً باعتبار الفلسفة العامة،بادئ بدء.ثم رأيتني أتسيّس،فأنساق إلى الذود عن القومية اللبنانية والأمة العربية…خلصت بعد ذلك إلى أن هنالك سَلْكاً عاماً يوجّه أفعول التفلسف عندي…وقد بان لي أن فلسفتي انخراطية.لاعجب.فبين الفكر والعمل قرابة شابكة.وهل نجد كالفلسفة مجالاً فكرياً أكثر واقعية؟وكالسياسة مجالاً عملياً أكثر مثالية؟إن ربط الفلسفة بالسياسة،أو السياسة بالفلسفة،انتهاج سَلْكٍ عندي،يجب أن يأتي أولاً،في العرض والتفسير،لذا أبدأ من هنا”(١).
خارطة الطريق هذه،التي أبرزت معالم الالتزام عنده، استتبعها بنصّ آخر يلخص منهجيته الفلسفية التكاملية”معتبراً إن الفلسفة مشروع حيوي يلزمه العقل والمنطق،النظر والتطبيق،الانفتاح والموضوعية.يجب ألا نعتقد إن الفلسفة شيء وحياة الفيلسوف شيء آخر،أي الإعتقاد بلاوجودية الفلسفة.لذا فالفلسفة بنت فيلسوفها وفيلسوفها إبن مجتمعه والمجتمع قومي أساساً،والقومية فعل سياسي كبير.”غلطنا” أننا ثغرنا بين الواقعية والمثالية،نسينا أن وجود الحقيقة هوفي حقيقة الوجود”(٢).
غني عن البيان أن الحاج في هذين النصّين،قدوضع أمام القارئ،شبكة المعابر التي سوف يسلكها،متوسلا بمنهجية تكاملية(بين الواقعية والمثالية/بين الوجود والجوهر) أفصح عن معالمها، سعياً إلى شرح رؤيته إلى القومية اللبنانية،مفصّلاً أركانها الموزعة بيناللغة،الميثاق الوطني والفلسفة اللبنانية.
اللغة في فلسفة كمال الحاج
٣—معضلة اللغة
كانت اللغة أولى المعضلات الفلسفية التي واجهها كمال الحاج في حياته،يعرض لها بما هي كائن حيّ ،(هي « مسكن الكائن”كما يقول هايدغر)،يعيش في أعمال الانسان”كانت منذ أن كان بها قوامه وبناء نوعه،لأنها في مغارس جوارحه،تنبثق من ذاته…منطقها منطق النبضة البشرية،لا منطق اللغويين والمجامع اللغوية”،تناولها في العديد من الكتب والرسائل والمحاضرات،وخلُص في ضوء نشأته على ازدواجية اللغة،زمن الانتداب الفرنسي واشتغاله بالترجمة من الفرنسية إلى العربية،إلى حقيقة مفادها أن “الإنسان ذو عفوية لسانية واحدة”،وأن اللغة الأم هي لغة توقيفية، حروفها،عند النطق،ثالوثية(ألف”أ،ل،ف”باء”ب،ا،ء”)على جانب من القدسية، فأدرك عندها أن لا فلسفة لبنانية خارج اللغة العربية،فعمد في هذا السياق إلى توسيع أطر الاستعمال اللغوي استجابة لمتطلبات التعبير الفلسفي،مراعياً أوزان الأفعال العربية،وفي صلب عبقرية العربية ابتكر وزن”فعلَنَ” وولّد منه أفعالاً فلسفية مثل شخصنَ،أنسنَ،نفسَنَ،جَسْمَنَ،قَوْمَنَ،زَمْكَنَ..كما أنه لم يتردّد في استعمال بعض الألفاظ العامية ذات الدلالة التعبيرية الدامغة،وذلك من باب الإشارة إلى أن الفلسفة ليست غريبة عن واقع الانسان ويومياته.
اللغة الأم هي اللسان الذي يُفصِح به الانسان عن عبقريته ويفصح به الشعب عن عبقريته أيضاً،فلا بدّ من اعتمادها أساساً لثقافتنا في فروع العلوم الانسانية إذا شئنا الترقي الذهني إلى المستوى الإبداعي المأثور عن شعب لبنان عبر التاريخ،على أن ننشئ “بيتاً للترجمة”على غرار “بيت الترجمة العباسي”كي نهيئ،خلال سنوات خمس،المعجم العلمي العربي،ويصير بعد ذلك انتقال إلى تدريس العلوم التجريبية بالعربية(٣).
لم يأخذ الحاج اللغة بتعريفاتها القديمة،باعتبارها قرع الشفتين والتصويت،أو هي اصطلاحات من الحروف والألفاظ،يستخدمها الإنسان وسائل للتعبير عن ذهنياته،إنها،في جوهرها،إفادة عن معنى اجتماعي في دخيلة الفرد وعبر شفتيه،أو شتى معبِّراته كالإشارات والأصوات،فهي حوار بين اثنين،الأنا والآخر،أو الأنا الفردية والأنا الاجتماعية،فتكون تآلفاً بين الفرد ومجتمعه وبينه وبين ذاته(٤).
وضعت اللغة فيلسوفنا وجهاً لوجه أمام سؤال القومية،كان ذلك عقب ترجمته لكتاب هنري برغسون،”**معطيات الوجدان البديهية”،لقد أرته هذه الترجمة،استحالة نقل العبقرية إلى لغة أخرى،واكتشف أن الإبداع لن يكون إلا باللغة الأم،ما كان حافزاً له على إطلاق كتابه “في فلسفة اللغة”*١٩٥٦)،فاللغة عبارة عن”أقنوم صميمي” في الانسان،هي معقل كينونته،ما دفعه إلى البحث في متعلّقها أي القومية.فاللغة هي غاية وهي دائماً لغة قومية،ما حدا به على الانتقال من البحث في اللغة القومية إلى قومية اللغة.
في مقاربة هذا الانتقال،اعتمد الحاج المنهجية نفسها التي وضعها في كتابه”في فلسفة اللغة”،يعني الانصراف إلى التوفيق بين الجوهر والوجود(٥)،فشرح القومية واللغة ببعدهما المطلق،ثم باشر البحث في القومية التي يؤمن بها،فاستقرّت عنده على ركيزتين،الإنسان باعتباره ثنائي التأليف،فهو ابن الأرض،في وجوده القومي،عن طريق الجسد المتزمكن(المرتبط بالزمان والمكان)،وهو ابن السماء في جوهره عن طريق الروح المتسامية فوق المكان والزمان،تلك هي الحقيقة”تأرْضُن وتسامٍ،تقَوْمُن وتأَنْسُن”،فالجسد بلا روح لا وجود له كذلك الروح بلا جسد،وبالتالي،فإن من الخطأ الجنوح نحو إنسانية مغالية في الانفتاح فنقع في المثالية المترهلة،كذلك،فإن الجنوح نحو قومية مغالية في الانغلاق يؤدي إلى واقعية متزمتة،ويخلص الحاج إلى الإعتقاد أن جميع الأدلّة تشير إلى أن الإنسان يتزمكن،في اتجاه المطلق الذي لا يتزمكن،وأن القومية مركوزة في “ذوويتنا”(مصدر منحوت من إسم الإشارة) ارتكاز الإنسانية عينها،هي شعور انساني بديهي من بديهيات وجداننا.
وعليه،
فإن إلغاء القومية فكرة مخالفة للطبيعة والمنطق،لأن الإنسان كائن قومي،تماماً كما هو كائن إنساني،والفصل بينهما ضرب من العبثية.
أثار هذا الاعتقاد الكثير من النقد،وحجة أصحابه أن القومية” مرحلة”،فكان ردّ الحاج في كتاب صدر تحت عنوان”القومية ليست مرحلة “،شارحاً وموضحا،أن ال”المرحلية”تقوم في العلاقة بين الوجود والوجود،يعني بين وجود سابق ووجود لاحق،وبذلك تبقى في نطاق الوجود،لكنها لا تتناول العلاقة بين الوجود والجوهر،فالجوهر في انخفاضه نحو الوجود(التحقق) يظل جوهراً،كذلك الوجود في ارتفاعه نحو الجوهر(التقدّس) بظل وجوداً،فارتباط الجوهر بالوجود ارتباط عامودي تجسيدي،بل تجسّدي بالمعنى اللاهوتي(٦).والقائلون أن القومية مرحلة،قد يصيبون من جهة أن الإنسان ينتقل من شعور قومي إلى شعور قومي آخر ،أومن حالة قومية إلى أخرى،وذلك على قياس ما يحصل في العائلة،فقد تتغيّر أحوالها مع تطوّر الاجتماع البشري وتغيّر نظمه،لكنها بقيت ولم تضمحل باعتبار الجوهر،وهكذا القومية،فقد عرفت أشكالاً عدة عبر التاريخ،ومرّت بأحوال مختلفة،لكنها ما زالت موجودة من حيث جوهرها،ويسأل الحاج سؤال”المعتقِد”،وهل نتاَنْسن إلا في التقوْمُن؟فالإنسانية الصحيحة هي إنسانية قومية،والقومية الصحيحة هي قومية إنسانية،بل هي “صلب من أصلاب جوهرنا الإنساني”،والجوهر لا يداخله تبديل أو تغيير.
٤—القومية اللبنانية
لم يقف الحاج عند حدود المقاربة النظرية الفلسفية للقومية بل استكمل مجهوده بالمقاربة السياسية التطبيقية،التي يكشف معها عن القومية التي يؤمن بها وهي القومية اللبنانية،يقول:القومية اللبنانية هي قوميتي،بها أدين وفيها أجاهد حقَّ جهادي،وبغيرها لا أؤمن”.لم يتأخر في تقديم الدليل على وجود القومية اللبنانية،فيقول:من الثابت أن الجوهر غير موجود في الجوهر،وإنما في الوجود،والمقصود ههنا يتناول عنصر المادة كما يتناول عنصر البشر،إذ لا بدّ للجوهر من مادة تُمَظْهِرُه ومن بشرية تقيِّمه،ذلك أن جوهراً لا تمظهره مادة ليس بجوهر،وأن جوهراً لا تقيِّمه بشرية ليس بجوهر،أعني بالمادة طاقة جغرافية اقتصادية(تلك هي الطبيعة)،وأعني بالبشرية علاقة فرد بفرد ضمن الزمان والمكان(ذلك هو المجتمع)،
ما يعني،
وجود وحدة طبيعية تقوم على الأرض والاقتصاد ووحدة بشرية تقوم على التاريخ واللغة،
ما يعني،
أن الإنسانية(جوهر)غير كائنة في الإنسانية،وإنما في مجتمعات مختلفة الأرض والاقتصاد والتاريخ واللغة،وهو ما يُعبَّر عنها بصورة أكمل بالكيان السياسي والدولة،مردُّ هذا القول إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يمارس حريته إلا في نطاق الوحدة القومية،والكيان السياسي تعبير حيّ عن هذه الوحدة،وعليه،يعتقد الحاج أنه كلما كنّا أمام كيان سياسي نكون إزاء قومية،فيكون من هذا الباب قد انبلج إيمانه بالقومية اللبنانية،فالكيان السياسي اللبناني قائم،بيِّن المعالم واضح الخصائص.
يعود فيلسوفنا ليتوقّف عند السبب الذي أفسد لدى الكثيرين مفهوم القومية،فيجد أن الاكتفاء بركن واحد من أركانها والبناء عليه، كان وراء هذا التشويه الذي أصاب المفهوم،مثل التاريخ او اللغة أو الأرض أو الإقتصاد،فالقومية هي مجموع هذه الأركان،ولكن بأبعادها العميقة،فالأرض ليست فقط الجغرافيا،بل هي تجسيد لحنين الانسان إلى الوطن،والاقتصاد ليس فقط مجرّد علم تطوير مداخيل الدولة وتأمين رفاه الناس،بل هو ما يشدّ الروح بالجسم في حيِّز معيَّن من الزمان والمكان،والتاريخ ليس فقط عملية سرد للأحداث والوقائع التي انقضت،بل هو التجربة التي يتعرّف بها القوم على ملامح هويته،فمن يجهل تاريخه يجهل نفسه وينكر قوميته،واللغة ليست فقط الحروف والكلمات التي ننطق بها،بل هي أرقى مراتب الذهنية التي يخلِّد بها الإنسان الأشياء التي تغيب.
وعليه،
يرى الحاج أن الكيان السياسي هو التعبير الدقيق عن هذا المركّب التكويني بعناصره البعيدة الجذور ،وهو يتجاوز السياسة،ويكون للشعب قيمة مع كيان سياسي معترف به و منه تستقي القومية فحواها،ما يعني أن القومية وجود سياسي،كما أن الوجود السياسي هو قومية.،والقومية بإشارة من الحاج تفارق الشعور القومي في كونها شعور قومي بالفعل في حين أن الشعور القومي هو قومية بالقوة،يصير قومية بالفعل عند التحقق في كيان سياسي،وعليه،فإن لبنان يحتضن على أرضه تيارات وفئات، لديها شعور مختلف، كمّاً وكيفاً، بقوميات تناضل من أجلها و تتمتع بوجود مادي ومعنوي وازن،لكنها لم تستطع هذه الفئات تجسيده في كيانات سياسية،ولن تستطيع برأي الحاج بسبب افتقارها إلى”قابليات أتافيسمية(عميقة الجذور)وإسكاتولوجية صحيحة…لا تحمل تذاكر مرور من محكمة التاريخ الكبير”.
الوجودية: فلسفة تمرّد وحرية وتفكّر في القلق الوجودي!!
لم يفُتْ الحاج الإشارة إلى الإستغراب الذي قوبلت به نظريته هذه،القائمة على ربط القومية بالدولة،من جهة اللبنانيين وغير اللبنانيين،ولم يستغرب هو نفسه استغرابهم،لأن مثل هذا الربط غير مألوف عندهم،فهم مازالوا ينظرون إلى الكيان نظرة سطحية،عبارة عن ثمرة تقسيم قامت به الدول الغربية،لكن كيان لبنان السياسي، أكثر من ذلك وأرسخ أصولاً،”جذوره ماسكة بالأرض كما الشروش لدى السنديانة”(٧)، ضاربة في “أعمق أعاميق” التاريخ،(أتافيسميةatavisme،)جاء تحقيقاً لها وتجسيداً”،وقد حرص الحاج على إضفاء معنى لاسياسي على الكيان السياسي،إذ اعتبره أرفع ما في مجالاتنا الإنسانية،وخلاصة مواضي الشعب وزبدة نضالاته في الحاضر وملتقى آماله في المستقبل،فيه تتجمع الطاقات البشرية،والإمكانات الطبيعة،كيان لبنان السياسي هو تعبير عن كل ذلك،وغيابه دليل على أن تلك الطاقات والإمكانات مازالت غير مكتملة النضوج،وحضوره يدل على أنها قد بلغت الوعي الكافي الذي يجعلها تتمتع بأجمل ما في الحياة أي الحرية الفعلية(٨).
٥—الميثاق الوطني في بعده الفلسفي
عند إعلان قوميته،طرح الحاج على نفسه جملة من الأسئلة حول مواطن القوة في هذه القومية،ما هي القواعد التي تستند إليها؟وما هي القيم الحضارية التي تعكسها؟،وجاءت الإجابات في كتاب وضعه تحت عنوان”الطائفية البنّاءة أو فلسفة الميثاق الوطني”،خلاصته أن عظمة القومية تنبثق من كونها طائفية،شارحاً رأيه انطلاقاً من أن الإنسان كائن ديني في الأصل،ما يعني أن الإلحاد لا وجود له،حتى الماركسية عبارة عن “دين مقلوب”،ولما كان يعتقد أن الدين نشاط اجتماعي كغيره من النشاطات،وصل مع هذا الاعتقاد،إلى عدم الإيمان بالعلمانية في السياسة،لكن الحكومة تستطيع أن تطبّقها في نظمها الإدارية،أما الدولة فهي أكمل بنية حقوقية للوحدة الاجتماعية،وبالتالي لا يمكن أن تكون بدون رؤية فلسفية إلى الوجود، أي بدون دين،ويخلص الحاج إلى القول أن لا قومية بمعزل عن تفسير ديني للكون.
شكّل التكامل الحضاري بين النصرانية والإسلامية حجر الزاوية في رؤية الحاج للقومية اللبنانية،فكان مصطلح “نصلامية”الذي نحته تعبيراً كثيف الدلالة عن ثراء هذا التزاوج،فلبنان ليس مسيحياً ولا مسلماً،بل هو بالضبط هذا التناغم بينهما،وهنا تكمن عظمة القومية اللبنانية ويسطع سموّها.
لم يُخفِ الحاج تقديره للطائفية،التي أسيء استعمالها وأُفسِد فحواها الإيجابي والبنّاء،فاجتهد من أجل إعادتها إلى أصالتها الدينية الحقَّة،باعتبارها القاعدة الأهمّ و الأصلب التي”تتمدمك” عليها القومية،لقد حدّد الطائفية بمعناها الفلسفي،إذ ربطها بالدين كما ربط الجوهر بالوجود،هي وجود جوهر الدين،ولما كان الجوهر لا يزاوَل في الجوهر وإنما في الوجود،كذلك الدين لايزاول في الدين وإنما في الطائفية،والذي يطالب بإلغاء الطائفية يطالب في الوقت نفسه بإلغاء الدين، وعليه،فالطائفية ليست تعصباً،فالتعصب قضية مزاجية،خلقية،مسلكية،تقويمها يكون بالتربية،ليس التعصّب مشكلة سياسية،كي يزال بقرار مجلس،حتى ولو أجمعت على إلغائه كل السلطات الرسمية الحاكمة،ويرى الحاج أن من الخطأ المزج بين التعصّب والطائفية،فقد نزيل الطائفية ولا نزيل معها التعصّب جبراً،بل هي مجموع الطقوس والشعائر التي يمارسها المؤمن تعبيراً منه عن جوهر الدين الذي يعتنقه،لذلك،يعتبرها واجبة الوجود بالنسبة للدين تماماً كما القومية واجبة الوجود بالنسبة للإنسانية،لقد فات الذين ينادون بالفصل بين الدين والدولة أن الدولة غير الحكومة،وأن الفصل المطلوب هو بين رجالات الطائفة ورجالات الحكومة،أما الدين فهو مكوّن أساسي من مكونات التاريخ والتاريخ عنصر من أهم عناصر القومية،إذ لا قومية بدون تاريخ ولا تاريخ بدون دين، والإسلام قد وعى هذه الحقيقة،والتوفيق بين الإسلام والمسيحية يقضي الإجتهاد بإظهار المسيحية جامعة بين الدين والدولة،ويمضي في شرح رؤيته للطائفية،معنبراً إياها ظاهرة اجتماعية كغيرها من الظاهرات التي تدخل حتماً في باب التراث القومي.وهي وليدة تيارات دينية عدة تختصرها”النصلامية”،وهي ملازمة للدين،تكون حيث يكون،ووجود لبنان في صيغته الحاضرة من وجودها،يزول إن زالت،ويبقى ما دامت باقية.
يستحضر الحاج في دفاعه عن الطائفية،قولاً لميشال شيحا،ورد فيه”إن لبنان هو،وإلى وقت طويل،بلد التسوية الطائفية،يجب إذاً أن لا نطلب منه أن يعاكس طبيعة الأشياء،إذ من الأفضل له أن يعيش أعوج من أن يحطّم أضلاعه”،ويعلّق الحاج على كلام شيحا مع بعض التعديل،فيقول”إن لبنان هو دائماً وأبداً بلد التسوية الطائفية،يجب إذاً أن لا نطلب منه أن يعاكس طبيعة الأشياء وإلا عرَج وحطّم أضلاعه”.
من البيِّن أن إيمان الحاج بالطائفية و تقديره لدورها،ينماز عن موقف ميشال شيحا،فهي ليست “محاصصة” إدارية،أو جمع على التآخي بين دينين عظيمين في قومية واحدة،وإنما هي تمازج حضاري بين الشرق والغرب،والميثاق الوطني هو التعبير الأفصح عن هذا التمازج.لقد أخطأ بعض اللبنانيين برأي الحاج عندما نظروا إلى الميثاق كصيغة للتوازن أو التعادل في ملاكات الإدارة والحكومة،في حين تجاوز الميثاق الوطني بوضوح هذا النوع من التعادل،إلى توازن أسمى،إلى تعادل حضاري في المشاهدة الباطنية بين مسلمي الشرق العربي ومسيحييه،كانت نتيجته،الحفاظ،بصورة مباشرة أو غير مباشرة عل المسيحيين في هذه المنطقة من العالم،يقول”بفضله(الميثاق) يتمتع المسيحيون اليوم بحرية الضمير،الأمر الذي لا يمكن له أن يتم إذا كان المسيحيون العرب،وهم أكثر المتنبّهين إلى خطر الصهيونية والكاشفين لأطماعمها(٩).لا يزاولون الاستقلال الذاتي في كيان سياسي حرّ يرئسه مسيحي” والقومية اللبنانية المتجسدة في الكيان السياسي اللبناني،هي المجال المكتمل والمناسب لعيش هذه التجربة(١٠).
٦—القومية اللبنانية والأمة العربية
ينطلق الحاج من أن ثمة معضلة لبنانية،تتجلى في أن اللبنانيين يعانون من عقدة نفسية تجاه البلاد العربية لأنهم لا يريدون الاعتراف بوجود الأمة العربية،فيما الأمة العربية واقع أكيد،والمعضلة قائمة من جهة البلاد العربية التي تعاني العقدة النفسية ذاتها تجاه لبنان لأنها لا تريد أن تعترف بوجود القومية اللبنانية،فيما هي واقع قائم،وبالتالي فإن ثمة جهل واضح في استعمال عبارة”القومية العربية”كما يستعملها الرأي العام العربي،والجهل عينه في عدم استعمال”الأمة العربية” من جهة الرأي العام اللبناني،لا شك برأي الحاج أن ثمة خيط رفيع من التمايز،بين القوميةوالأمة،اعتبره”تخالف متحالف”لو أدركه القادة السياسيو ن في الشرق،لوفّروا على شعوب هذه المنطقة الكثير من النكبات والحروب.
اعتادت الشعوب العربية،على اعتبار القومية والأمة كلمتين مترادفتين،كأن نعني القومية عندما نلفظ الأمة،ونعني الأمة عندما نلفظ القومية،ما جعل شعور البعض من العروبيين يتجه إلى إنكار وجود القومية اللبنانية،ما دامت الأمة العربية موجودة،كذلك،اتجهت مشاعر البعض من اللبنانين إلى إنكار وجود الأمة العربية طالما أن القومية اللبنانية موجودة،والحقيقة في نظر الحاج أن لا وجود للقومية العربية ولا وجود للأمة اللبنانية،أما الموجود فقوميات إقليمية،تستمدّ كل منها إسمها من الأرض التي هي عليها،هناك قومية مصرية وقومية عراقية…كذلك قومية لبنانية،وعليه،فالعروبة ليست أرضاً،العروبة لغة،ويكمل الحاج تحليله،معرباً عن أن هناك أمة عربية واحدة،و لساناً عربياً واحداً يشمل جميع هذه القوميات(١١).
تقع القومية اللبنانية في نظر الحاج في إطار الأمة العربية”ثمة قومية لبنانية لا أمة لبنانية،وأقول ثمة أمة عربية لا قومية عربية،بذلك أحافظ باعتبار المنطق على لبنانية لبنان كما أحافظ على عروبته في الوقت نفسه”،قال الحاج في العام ١٩٥٩”لبنان جزء لا يتجزّأ من الأمة العربية،خائن بل مجرم كل من يرمي القطيعة بينه وبينها،لبنان مركوز في قلبها وإذا بان للتاريخ أنه ذو قيمة إنسانية،فلكونه يستمدّ معناه الأكمل من سقفه المتعالي الذي هو العروبة”.
لم يكن من السهل على الحاج،أن يجلُوَ هذين المفهومين،القومية والأمة، إلا عن طريق “التذهّن الفلسفي”،لأن نظريته لا تتكئ على جذور في التراث السياسي اللبناني والعربي،إنها نظرية جديدة،انتهى إليها بعد جهد فلسفي،وترك لغيره من أهل القانون أن يحصِّنوها بالأدلة والأسانيد السياسية الدامغة،طبعاً،إذا شاؤوا،وال(إذا)وردت عنده تلميحاً إلى قناعته بأن كل مستحدَثٍ فكري ينخع(يصيب النخاع)،يُناهَض بشدة ويرفض،ثم لا يلبث مع مرور الزمن أن يتبلور ويُتداول ويصبح من الحقائق المألوفة.
كل ما فعل الحاج أنه مايز بخيط رفيع،كما سبقت الإشارة، بين الأمة التي هي وجود حضاري يقوم على اللغة، والقومية التي هي وجود سياسي يرتكز على الدولة،موضحاً أن مَثَل الأمة والقومية مثَل الروح والجسد في الإنسان لا تتمايز خصائصهما إلا على صعيد التجريد،أما في حياة الإنسان وعمله، فيتعايشان كوحدة تامة،إذ لا وجود ههنا لروح بدون جسد ولا لجسد بدون روح،كذلك لاوجود لقومية حيث لا وجود لأمة والعكس صحيح،وبالتالي فإن الواقع المعيوش ساق الحاج إلى استعمالهما بهذا المعنى،والواقع المعيوش هو واقع لبنان،ذلك أنه،بادئ الأمر لم يتوقف كثيراً عند هذا التمايز بين الأمة والقومية،إذ كان منشغلاً في نسج”الطربوش”النظري لفلسفته السياسية،لكنه،ما أن انتقل من النظر إلى العمل،وأصبح أمام الحاجة إلى تعيين قوميته وأمته،حتى وجد نفسه منساقاً إلى التمييز بينهما،فلبنان،يختص بذاته،بثنائية،تعبّر عنها حركة جدلية بين اللغة التي يتكلمها شعبه والأرض التي يعيش عليها،ما جعل القول بهذا التمايز أمراً ضرورياً،لأنه،كما يقول،لو كان إيطالياً على سبيل المثال،لما أجبر على التمييز بين الأمة والقومية،فاللغة في إيطاليا تحمل الإسم عينه الذي أطلق على الأرض.
فلسفةُ الشباب: إشكاليَّة علاقة الشباب بالعالَم
يعتقد الحاج أن هذه الثنائية تخامر مشاعر الشعب في كل بلد من بلدان العالم العربي،فهو يعايش العروبة من ضمن إحساسات إقليمية خاصة به،ويرى إلى أن المشكلة تكمن في إنكار قادة هذه البلدان وساستها،هذه الازدواجية وإصرارهم على عدم الإعتراف بها،ويخلص الحاج إلى أن ثمة “سماكات “إقليمية يستحيل تذويبها في كيان سياسي عربي واحد(١٢).
لقد أثبتت التجارب خلال فترات الحرب والسلم على مدى ديار العرب أن ما يقال في وضع لبنان من منطلق فلسفي تاريخي،هو ما يقال في وضع بلدان عربية أخرى،فالواقع وتطور التجارب في إطار الجدلية التاريخية الدينامية،جعلت الرئيس عبد الناصر ،كما يقول الحاج،ينظر إلى هذا الأمر بعقلانية”،لم يتنكّب عبد الناصر في أواخر عمره عن أن يستعمل كلمة”القومية المصرية”قال:قبل عام ١٩٦٧كان الشعور الأكثر ظهوراً هو الشعور بالقومية العربية وبعد عام١٩٦٧،ظهر أيضاً الشعور بالوطنية المصرية إلى جانب الشعور بالقومية العربية،وأظن أنه معروفاً أنهم عرضوا علينا صيغاً تنصّ على الانسحاب من سيناء وحدها ولم يوافق أحد على ذلك وهذا هو الشعور بالقومية العربية والحقيقة أنه ليس هناك تناقض بين الشعور بالقومية المصرية والقومية العربية”.
وللمتسائلين عن أي معنى للبنان،أهو عربي أو غير عربي يقول الحاج أن المعنى الذي للبنان هو معنى عربي،أن القومية اللبنانية هي جزء من الأمة العربية،إذاً يجوز لنا أن نتحدث عن عروبة القومية المصرية أو عروبة القومية السورية…وهذا يعني بنظر الحاج أن العروبة صفة أو جوهر لساني وأن القومية موصوف أو وجود سياسي(١٣).
٧—الفلسفة اللبنانية
لكن القومية،لكي تترسخ في النفوس وتتثبت في العقول،عقيدة صلبة ويقيناً وجدانياً،هي بحاجة إلى الفلسفة،فلسفة منبثقة من التاريخ اللبناني،من صلب كياننا الآدمي لا من نسج الواهمةfaculté estimative،ما دفع الحاج إلى وضع كتاب”تاريخ الفلسفة اللبنانية”،أراده استقراءاً كاملاً لأصول الفلسفة اللبنانية،ومنازل أصالتها في تاريخ لبنان بحقباته المختلفة،آخذاً على المتفلسفة اللبنانيين والعرب بعامة،انبهارهم بالفلسفات الغربية وانسياقهم في ركبها وانخراطهم في مدارسها وتياراتها،وإهمالهم لما يكتنزه تراثهم من خبايا فلسفية تستحق التنقيب عنها وتسليط الضوء على أصالتها اللبنانية.
مع إيمانه أن القومية اللبنانية قوامها فلسفة لبنانية خالصة،انطلق الحاج في كتابة موجز الفلسفة اللبنانية،سأشير باختصار إلى تتبّع مسيرتها فيه، عبر العهود القديمة،الفينيقية،اليونانية-الرومانية والمسيحية-المارونية،استنبش كنوز الرواقيين اللبنانيين الذين اختاروا اليونانية لغة تعبير فلسفي عالمي،ونحوا بالفلسفة منحى جديداً،فحوّلوا ” البحث عن المسائل الطبيعية الجدلية إلى ما يهم الإنسان في معيشته”،كان زينون الفينيقي رائد هذه الفلسفة،تحمّل من خلالها مهمة سعادة الانسان في الحياة الدنيا،برز إضافة إلى زينون أسماء فلاسفة لبنانيين،كان لهم حضورهم مع بدايات الفلسفة اليونانية المزعومة وصولاً إلى نهاياتها**
بعد الحقبة اليونانية لم يتوقف الفكر اللبناني عن الإبداع”والأعجوبة اللبنانية هي في أساس الأعجوبة اليونانية”كما يقول الحاج.في العهد الروماني أعطت بيروت العالم الشرائع الرومانية،التي تميّزت بالتكامل بين العرف والمنطق،ما كان له الأثر الكبير في تشريعنا الحديث.لقد برز لبنانيون،كان لهم الفضل في صنع مجد روما والعالم المتمدّن،أمثال إميليوس بابننيانوس،دوميثيوس أولبيانوس،وفي مجال الخطابة فقد لمعت أسماء مثل ليبانوس وأوريانوس الصوري،شاغل كرسي البلاغة في أثينا.أما في مجال الفلسفة الأفلاطونية الحديثة،فبرز اسمان لامعان،فورفوريوس الصوري الذي ورث،بعد وفاة معلمه أفلوطين،عمادة الأفلاطونية الحديثة،ويمبليخوس العيطوري تلميذ فرفوريوس.
تتبّع الحاج مسار الفلسفة اللبنانية وأصولها،عند ظهور المسيحية وخلال عصور الخلافة العربية الاسلامية وصولاً إلى العصر الحديث،وبيِّن أن انفتاح لبنان على العلوم الفلسفية سابق لحملة بونابرت إلى مصر سنة١٧٩٨ وذلك من خلال الكلية المارونية في روما التي قامت بفضلها أول نهضة فلسفية في لبنان وربما في الشرق العربي كلّه،تناول الحاج بأسلوب منهجي إسهام اللبنانيين في الفكر الفلسفي عبر كتابات البطريرك الدويهي(١٦٣٠-١٧٠٤) والخوري بطرس التولاوي(١٦٥٥-١٧٤٥) والقسّ إسطفان ورد(١٧٠٠-١٧٤٥) والخوري عمانوئيل فضل(١٨٧٨-١٩٠٨)،قال الحاج في هؤلاء أنهم”تفلسفوا على قدر ما كانت الظروف تسمح لهم يومذاك”.ثم تابع الحاج تأريخه للفكر اللبناني،منتقلاً إلى ما يسميه”الثورات القومية”مذكراً بأن “الفكر اللبناني لم يتسيّس بعد،أي لم يلتزم واقعه الإجتماعي،لأنه لم يعِ ما للأنت من إسهام في تكوين الأنا بغية النحن.لذلك لم يتفلسف”(١٤).اعتبر الحاج بعد تحليله للفكر اللبناني في المهجر مع جبران ونعيمه وفوزي المعلوف وإيليا أبوماضي،أنه “بدأ يمذهب نشاطاته الوجدانية في شبه محاولات فلسفية”(١٥)،وأن النزعة الإنسانية تغلبت عندهم على النزعة القومية”فتاه الفكر اللبناني في المهجر عبرمتاهات الشمول الإنساني”(١٦).
كان يرى كمال الحاج أن الفكر اللبناني المهجري فكراً رومانسياً،طارد الجوهر في الجوهر،فأتى جانبياً،وضيّع الواقعية أو الوجودية القومية،لذلك كان لا بدّ لهذا الفكر من أن يعود إلى مراجع الوجود،إلى الأرض إلى المجتمع،إلى القومية،فكان شاكر الخوري وأديب إسحق وفرح أنطون وخليل سعاده.وكان فيما بعد زحف المادية الداروينية مع شبلي الشميّل ومن ثم اندحارها عل يد إبراهيم الحوراني وجرجس صفير وغيرهم من المعارضين لمذهب النشوء والإرتقاء.إلى أن بلغ الفكر اللبناني مرحلة الالتزام،والعودة إلى الواقع الوجودي،فكانت الفلسفة الملتزمة على أيدي اثنين من فلاسفة لبنان:أمين الريحاني وأنطون سعادة،مع الريحاني (القومية العربية)وسعادة(القومية السورية) تسّس الفكر اللبناني في بدء من عقيدة،وكل عقيدة (برأي الحاج) هي فلسفة.معهما عاش الفكر اللبناني مأساتين لأن الضامن السياسي فيهما غير لبناني بل مستورد من الخارج”(١٧).
٨—تعليقات على الهامش
هذه القومية اللبنانية بأضلعهاالثلاثة(اللغة،الميثاق الوطني والفلسفة اللبنانية)،باعتبارها لبّ المشروع الفكري لكمال الحاج،أثارت الكثير من التعليقات،منها،المقدِّر والمثمِّن، ومنها، الناقد والمهفِّت،أشير إلى بعضها على سبيل المثال.
لقد عاين شارل مالك انهمام الحاج بإنتاج فلسفة لبنانية خالصة واستشعر وجود همَّيْن رافقاه و حكما فكره الفلسفي،فكتب: “أريد التشديد على همين أساسيين شغلاه،همَّ الكشف عن فلسفة متأصلة في التراث والمنحى اللبنانيين،وهمّ التشديد على ما سمّاه”المسيحية المعتدلة” التي وجدها متجسدة في بكركي(١٨).واضح أن هذين الهمين ينبعان من همَّ أصيل واحد،هو التفتيش عن ذاتية لبنانية مميّزة…من هنا تفتيشه القلِق عن فلسفة لبنانية خاصة…إني أعتبر هذا التفتيش همّاً شريفاً ومجدياً…”(١٩).
وضع مالك أصبعه على جوهر المشروع الكمحجي وأيّده ورأى فيه بحثاً جريئاً في المسألة اللبنانية،وخطوات متقدمة في مسار بناء الذاتية اللبنانية،بخصائصها الفلسفية والقومية والإنسانية.
وذهب الأب صلاح أبو جودة،في خاتمة بحثه في القومية اللبنانية عند الحاج بالاتجاه المعاكس،فرأى في استنتاج الحاج أن قومية لبنان طائفية بامتياز، ما يبيّن حدود طرحه…ذلك أن مسار الأحداث منذ الإستقلال إلى اليوم يظهر أن الطائفية،التي لا يمكن إنكار ترسّخها في أذهان اللبنانيين،ليست تجلّياً للطقوس والرتب والشعائر الدينية،بل حالة توظَّف…لحسابات سياسية فئوية…تضعف الأديان نفسها إذ تهمّش رسالاتها السماوية،الدينية والأخلاقية…تمنع التحوّل الديمقراطي…(٢٠).
إلى ما تقدّم،يكتب موسى وهبي،تلميذ الحاج وزميله فيما بعد،والمخاصم له في الفكر كما في السياسة،عن سعة صدر الحاج في مسائل العلم،يقول:كنّا شباناً مقبلين على الرائج في تلك الأيام،الوجودية والماركسية…كنّا”عَقَّديين”في الفلسفة…يردد دائماً على مسامعنا:حلّوا لي مشكلة الموت وأنا معكم”…أما المدهش فيه فقدرته على استيعاب المختلف وقبول الآخر كما هو،…من أقواله الكبيرة التي ما كنّا نفهمها تماماً”قوميتي لبنانية…أمتي عربية”.والمدهش أن اللبنانيين لم يخرجوا من الحرب إلا حين توافقوا على صيغة نثرية لهذا الكلاjم…في الطائف،…”لبنان وطن نهائي عربي الهوية والإنتماء”…ويكمل وهبي تعداد مزايا الحاج…علّمنا أن لا فلسفة من دون حرية وعلّمنا أن”نرطن”الفلسفة بالعربية(فكان وهبه،من بعده، حامل لواء التفلسف بالعربية)،وكان مبادراً سباقاً في هذا الإتجاه…أما خدماته للغة الفلسفية العربية فلم تقدَّر بعد..(٢١).
أما ناصيف نصار ،فقد خصّص في كتابه”نحو مجتمع جديد” المقالة الثانية،والتي عنونها”العودة إلى القرون الوسطى،ليوجّه نقداً لاذعاً إلى كمالالحاج،رائدالمدافعين عن الطائفية،أشير فيما يأتي إلى أبرز الملاحظات النقدية التي أوردها:
أ-يبدأ نصار ملاحظاته بالتشكيك في كون كمال الحاج فيلسوفاً،لأن كتاباته تفتقد الإحكام المنطقي في العرض والبرهان واستخراج النتائج والدقة في استعمال الألفاظ والموضوعية في تحليل الواقع،ثمّ إنه لا يقدّم مفهوماً موحداً للفلسفة،من جهة يقول أن مهمة الفلسفة التوفيق بين الجوهر والوجود،بين العام والخاص ومن جهة أخرى يقول أن الفلسفة اقتناع باطني يستند إلى حدس ومنطق ومن جهة ثالثة يقول أن الفلسفة هي استقراء أو استنتاج مستقرأ،ثم يتساءل نصار،تساؤلاً يستبطن نوعاً من التعجّب،هل تتفق هذه التعريفات مع بعضها البعض!!!؟
ب-الفلسفة عند الحاج”قلبانية(من قلب) المعاضل عقلانية الأداء”،هي وجدانية ذاتية،ومنطلقه وجداني ذاتي يحاول أن يستعمل التحليل العقلي كأسلوب لتسويغ الاقتناع الباطني والدفاع عنه…والدليل على ارتباط الفلسفة عنده برغباته واعتباراته الخاصة قوله”أعتبر الفلسفة مشروعاً سياسياً والسياسة تحقيقاً فلسفياً”،هذا التصريح ينسف الفلسفة كحقيقة مجرّدة ويقضي على استقلاليتها.
ج-يعود نصار إلى عنوان كتاب الحاج:فلسفة الميثاق الوطني:مبحث فلسفي،لاهوتي سياسي حول الطائفية في ضوء الميثاق الوطني”،ليشكك،مرة أخرى،في تنوّع ثقافة الحاج،فيتساءل،هل المؤلِّف فيلسوف وسياسي ولاهوتي في الوقت نفسه،أم أنه سياسي يستعمل الفلسفة واللاهوت في سبيل القضية السياسية!!!؟
د-غاية الحاج إيجاد صيغة فلسفية لتسويغ الميثاق الوطني والنظام الطائفي في لبنان…دفاع الحاج عن لبنان تبريري،يهدف إلى البرهنة على أنه الواقع المثالي للقومية اللبنانية.
هـ-يرفض نصار قول الحاج أن الإنسان كائن ديني أو متديّن،مثل قولنا الإنسان كائن عاقل،لأن تعميم التديّن غير جائز باعتبار أن العلاقة بين الانسان وربه حالة ذاتية،وجدانية ضميرية،في حين أن قولنا الانسان كائن عاقل،مشروع لأن العقل جزء كياني في الإنسان.
و-إن الدمج الذي أقامه الحاج بين الدين والدولة،ودعوة المسيحيين إلى الاجتهاد من أجل تظهيره في المسيحية،على ماهو عليه في الإسلام،مآله إلى قيام دولة كلية وديكتاتورية مطلقة(٢٢).
أخلص في خاتمة هذه التعليقات إلى رأي الأب فريد جبر،فيلسوف “محترف”منزّه عن “الزكزكات” الأيديولوجية،أدلى به في سياق مقال تحت عنوان:”نحو تحقيق فلسفي لبناني”،فهو، إلى تقديره لمجهود كمال الحاج”الرائد،العنيد والمنبّه الكاشف”يرى إن إدراك كمال الحاج للفلسفة اللبنانية بقي إلى حدّ ما “إحساساً غامضاً…خير ما يقال فيه إنه كان فنياً.فلم يتحوّل عنده إلى تحقيق فلسفي بالمعنى الصحيح،مذهباً ذهنياً يزخم بالمعاني الانسانية ليملأ على العقل جنباته.لذلك جاءت صياغته لفلسفته بحيث تثير الحيرى والتساؤل فيما إذا كان أديباً ذا منحى فلسفي أم فيلسوفاً غلب عليه منزع الأدب”
وضع الحاج مقدمات صلبة،برأيه طبعاً،لأطروحته في القومية اللبنانية،لعلَّ أصلبها،إسنادها إلى الكيان السياسي القائم بإرادة غالبية مكونات المجتمع اللبناني،وباعتراف المجتمع الدولي الممثل بهيئة الأمم المتحدة،وكان على دراية أن نظريته ستنبذفي أول الأمر،ثم تعود فتقبل،وهكذا كان،إذ حملت في جوهرها الخطوط العريضة لوثيقة الوفاق الوطني التي أبرمت بين اللبنانيين ، هي نظرية،كما يقول،ترضي العقل وتستند على الواقع،بل هي ترضي العقل لأنها تستند على الواقع.
يكتشف المنقّب في أروقة فكر كمال الحاج،أن الرجل استثمر جلّ طاقاته المعرفية والوجدانية ومهاراته الفلسفية واللغوية في معارك الدفاع عن لبنان، الكيان السياسي والصيغة الميثاقية،لكن أسئلة تفرض نفسها على كل باحث في تجربة هذا الفيلسوف اللبناني الملتزم،لماذا هذه المخاصمة العنيفة لفكر كمال الحاج؟فأحرقت كتبه في حرّم كلية الآداب سنة ١٩٧٣ في ذروة تصاعد الخطاب اليساري والقومي،وطغيان الأيديولوجية القومية العربية،ووصلت مشاعر العداء له إلى حدّ اغتياله في العام١٩٧٦أثناء الحرب الأهلية؟ألأنه كان مؤمناً بنهائية الكيان اللبناني الحرّ السيد والمستقلّ؟ألأنه حرص في كتاباته على تقدير التعدد الثقافي والطائفي ودفاعه عنه؟ألأنه آمن بوحدة لبنان،الأرض والشعب والمؤسسات؟ألأنه اعتبر العلمانية لا تصلح في السياسة ويصح تطبيقها في الإدارة؟ألأنه اعتبر أن لبنان يواجه شهوة ابتلاعه أوتذويبه من أصحاب المشاريع القومية المناهضة للقومية اللبنانية؟ألم يكن كمال الحاج على حق في رؤيته هذه وفي تعبيره عن المواقف التي تترجمها؟ألم يأتِ الدستور اللبناني في صيغته الأخيرة ليشهد على صوابية فكره واستقامة تفكيره؟ألم يجتمع اللبنانيون،بتياراتهم المختلفة في الطائف،ويتحاوروا ويقروا اتفاقاً،هو في جوهره ترجمة لفكر كمال الحاج الذي اعتبر الطوائف ثراء للبنان والطائفية ركيزة القومية اللبنانية المتجسدة في الكيان السياسي اللبناني.
لا شك أن ما آمن به كمال الحاج،بشأن لبنان،بشأن القومية اللبنانية،بركنيها المسيحية والإسلام ،ودفاعه عن الطائفية ،ورفض الفصل بين الدين والدولة،وخصوصية الذاتية اللبنانية،والتمايز بين القومية والأمة وانكار وجود قومية عربية،بل أمة عربية،وتفنيده للأيديولوجية الصهيونية وخطرها على لبنان،وضعه في دائرة الاستهداف من الأطراف المتضررة من هذا الخطاب،إذ وجدت فيه من الوطنية الميثاقية،ما يعيق مشروع تفكيك لبنان أو ابتلاعه،لأنه يستنهض الإرادة الوطنية الجامعة، ويعزز الإيمان بوحدة لبنان الحر السيّد والمستقل.
ظُلِمَ كمال الحاج،كما كل الذين أخلصوا للبنان،على امتداد الوطن ومكوِّناته وقياداته المختلفة،للأسباب نفسها التي ظُلِمَ من أجلها لبنان،فكان دائماً الأضحية على مذبح المصالح الإقليمية والدولية،وأطماع الأعداء والأخوة على حدّ سواء،وكان لافتقاد الوطنية الصادقة عند شرائح واسعة من”شعوبه”الإسهام الكبير في تمرير السياسات المناهضة لمصالحه،والخوف كل الخوف أن لا يكون اللبنانيون قد تعلموا من تجارب الماضي،مع ما يسود بينهم من خصومات ويحصل حولهم، من توافقات وتبادل مصالح وتقاسم نفوذ،أن يستمروا ماضين في تغافلهم عن مسؤولياتهم تجاه وطنهم، وممعنين في تسويغ فئوياتهم القاتلة وتحصينها على حساب انتمائهم الصادق إلى لبنان ومصالح شعبه.
يبقى أن أستذكر مع نهاية هذا البحث،ما قاله كنط يوماً عن نفسه”أحبّني الناس أم أبغضوني،فهذا عندي سواء،بعد اليوم،لن يكتب تاريخ الفلسفة دون التوقّف بي!!”.
إن كثراً أحبوا كمال الحاج واستهوتهم أفكاره،وجذبتهم جرأته في الدفاع عن قناعاته الفلسفية والقومية،وإن كثراً خاصموه بعنف،ورفضوا أفكاره في القومية والطائفية والفلسفة،لكن تاريخ الفلسفة في لبنان لن يكتب بعده،دون المرور به والتوقًف عند تجربته،بأبعادها الثريَّة وآفاقها المختلفة،ومحاورة نصوصه بحد أدنى من الموضوعية إنصافاً للفكر وأهله واحتراماً للعقل وشهدائه،المزروعين نُصُباً في المُهَج والساحات على امتداد ميادين العرب والمدائن.
المراجع والهوامش:
*_ولد كمال الحاج في مراكش سنة ١٩١٧،أمه أديل بشاره،بروتستانتية ممارسة،مبشّرة إبنة مبشّرة،صاحبة إيمان مسيحي وطيد،أبوه يوسف بطرس الحاج،إبن الشبانية،قطب في الأدب والشعر،ماسوني في النصف الثاني من حياته،عُرِف بابن بطوطة وبصداقته الشخصية للملك فؤاد في مصر وللأسرة المالكة السعودية،أصدر صحيفته الأولى في باريس وأتبعها بواحدة في دمشق وثلاث في بيروت،وضع كتباً في الماسونية والصهيونية والشيوعية بغية تعريتها،جدّه الأبعد غصوب الهاشم من العاقوره،وغالباً ما كان يوقّع شعره وكتاباته باسم يوسف الحاج الهاشم وأسهم في تأسيس رابطة آل الهاشم.انضمّ إلى الداهشية فعرِف بالداخلي الأول قبل أن يتركها.
تربّى كمال الحاج في كنف عقلين لامعين، ورث عشق اللغةالعربية حتى التقديس، تيمناً بأبيه،ومحبة رحمية للمسيح اقتداءاً بأمه.
عاش شبابه في الشبانية،في “شاليه” من خشب بعيداً عن الضوضاء…الدراسة الثانوية عند الآباء اليسوعيين والجامعية عند الأميركان،أدمون نعيم أقرب زملائه إليه على مقاعد الدراسة وغبطة البطريرك أغناطيوس هزيم،ومن بين أساتذته كان له علاقة فذّة مع شارل مالك…
تعلّم العزف على الكمان بتشجيع من والديه ومرافقة حثيثة من أمه،كان عضواً في أوركسترا الجامعة الأميركية،وكان شغوفاً بالنتاج الرحباني وبأصوات أوبرالية مثل كاروزو و كالاس،وشرقياً،بفيروز وأم كلثوم ووديع الصافي،وكانت رياضته المفضلة المشي،كان يأتي من منزله في منطقة المتحف إلى مكتبه في كلية الآداب سيراً…
أول”تنطّح” مكتوب له في ميدان الفلسفة كان مناظرة جرت بينه وبين صديقه د.كريم عزقول على صفحات مجلة” الجمهور” عام١٩٤٠ ردَّ فيها على مقالين لعزقول في “مأساة الفلسفة” وإفلاسها،بمقال يدافع فيه عن الفلسفة كحاجة أولى لكل إنسان قوامها”الفكر والإلهام”،لكنه تخرّج من الجامعة الأميركية بإجازة في الأدب العربي سنة١٩٤٦،وكانت رسالته عن مصطفى الرافعي،وقبل ذلك بسنة كان قد أنجز ترجمة كتاب هنري بعيون”رسالة في معطيات الوجدان البديهية”إلى العربية…أرَتْه استحالة نقل العبقرية كاملة من لغة إلى أخرى…
راجع:د.يوسف كمال الحاج…kamayoussefelhage.org
**_قدّمت جريدة النهار للطبعة الثانية لكتاب “في فلسفة اللغة”بالآتي:منذ دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة للإمام عبد القاهر الجرجاني(المتوفي سنة٤٧١هـ)لم يظهر في اللغة العربية كتاب تناول معضلة اللغة في مدينها الفلسفية كالذي وضعه كمال يوسف الحاج،الأستاذ في الجامعة اللبنانية…الشيء الأكيد هو أن كتاب”في فلسفة اللغة”يعتبر أقوى دفاع فلسفي يلقيه مفكّر لبناني عن اللغة العربية…وقد جاء بمثابة قاعدة لإحياء حركة فلسفية تكون اللغة العربية قالبها الأوحد”(كمال الحاج،في فلسفة اللغة،الطبعة الثانية،بيروت،دار النهار ١٩٦٧).
١-راجع:كمال الحاج،موجز الفلسفة اللبنانية،مطابع الكْريم،جونيه،١٩٧٤،ص٦٦٣.
٢-الموجز…المرجع نفسه،ص٦٦٥
٣-كمال الحاج،”دفاعاً عن اللغة العربية”محاضرة في جمعية في جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية،١٩٥٩.
٤-راجع:غسان خالد،كمال الحاج وفلسفة اللغة،السباعية الفلسفية،كلية الآداب٢، الفنار١٩٨٣.
*—على عكس برغسون الذي كان يرى أن”لا أهمية للكلام،اللغة تشوّه الواقع،القضايا المبدئية في الحياة لا تتجسّد في كلام،إذا توصلنا إلى تحديد لمفهوم الحرية مثلاً،وقعنا في الحتمية…الكلام موجود في الإنسان،ووظيفته تقتصر على التعبير عن الحقائق الآنية،أما الحقائق الماورائية فلا تتحدد إلا بالصمت…”(بتصرّف).
٥-راجع:كمال الحاج،بين الجوهر والوجود أو نحوفلسفة ملتزمة،١٩٧١.
٦-راجع:ناصيف قزي،كمال الحاج أو فلسفة التجسّد،السباعية الفلسفية،كلية الآداب٢،الفنار١٩٨٣.
٧-راجع:موجز الفلسفة اللبنانية،جونيه،مطابع الكريم،١٩٧٤…ص٣٤
٨-راجع:كمال الحاج،-القومية ليست مرحلة،١٩٥٩//في القومية والإنسانية،١٩٥٧.
// :صلاح أبو جودة،القومية اللبنانية في فكر كمال الحاج،دار المشرق ٢٠١٩.
٩-راجع:كمال الحاج،حول فلسفة الصهيونية ١٩٦٧.
١٠-راجع:كمال الحاج،الطائفية البناءة أو فلسفة الميثاق الوطني،بيروت مطبعة الرهبانية اللبنانية،١٩٦١.
١١-راجع:فكتور الكك،كمال يوسف الحاج،مفاهيم مغايرة للقومية والأمة،مجلة العربي،عدد٥٨٨.//ناصيف قزي،كمال يوسف الحاج فيلسوف العروبة ولبنان،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت٢٠١٦
**—من هذه الأسماء:
أنتيباطر الصوري،بيوشس الصيداوي،أدريانوس الصوري،سنخوتياتن،موكوس أو موسكوس،فيلون الجبيلي،مارينوس الصوري وسواهم.
١٢-راجع:كمال الحاج،موجز الفلسفة اللبنانية ،جونيه مطابع الكْرَيْم ١٩٧٤.
-الموجز…مرجع سابق٤١٩
-// //. //. ٤٢٥
-//. //. // ٤٨٢
-//. //. // ٦٥٩
-كمال الحاج،بكركي صخرة الخلاص ١٩٧٣
-شارل مالك،النهار العربي والدولي،عدد٣١٠،نيسان١٩٨٣.
-صلاح أبو جودة،القومية اللبنانية…مرجع سابق.
-موسى وهبه،مجلة الحكمة،بيروت،السنة الثالثة،١٩٩٦،عدد٢٤.
-راجع:ناصيف نصار،نحو مجتمع جديد،المقالة الثانية(العودة إلى القرون الوسطى).