مظاهر القمع الحضاري المعاصر عند ماركيوز: الجزء الأول

 تكوين

يضع فرويد الإشباع الجنسي والتطور الحضاري على طرفي نقيض، فالتطور الحضاري بكل تكوناته يصاحبه إخفاق في مبدأ اللذة أو الإشباع الجنسي، وهو ما يعني أن تطور الحضارة لدى فرويد هو نتاج لتطور الكبت الجنسي والغريزي، وهو ما يعني أيضًا أنه لا يمكن أن يتحقق في ظل الحضارة الرأسمالية المعاصرة أي صورة من صور الإشباع الجنسي الحقيقي، فالرأسمالية المعاصرة هي حضارة القمع والقهر والهيمنة.

لكن هل يمكن أن توجد بالمعارضة لفرويد حضارة تجمع بين التقدم الحضاري والإشباع الجنسي والممارسات اللذية الحقيقية؟ وما هي السبل لبلوغ هذه الحضارة ؟ هذا السؤال هو ما نحاول الإجابة عنه في تلك الدراسة التي سوف نُقسمها تسهيلًا على القارئ الكريم إلى ثلاثة أجزاء: نعرض في الجزء الأول منها الغرائز الجنسية والكبت الجنسي المصاحب لنشأة الحضارة وبداءتها. وسوف نعرض في الجزء الثاني إلى مظاهر هذا القمع. وسوف نعرض في الجزء الثالث والأخير الوضع السياسي والثقافي وسبل النجاة لبلوغ حضارة غير قمعية.

مقدمة:

يُعد مصطلح الكبت Repression من المصطلحات الجوهرية في مدرسة التحليل النفسي، فهو الأساس النظري الذي يتكئ عليه فرويد في تفسيره للعمليات النفسية والعقلية داخل الإنسان، وهو وفق تعبير جان فرانسو رابين Jean Francois Rabin “حجر الزاوية الذي ترتكز عليه البنية الكُلية للتحليل النفسي (…) وهو حيلة دفاعية يحشدها الجهاز العقلي لحماية الأنا من مطالب الغرائز”([1]).

ويشير الدكتور فرج عبد القادر طه في معجم علم النفس والتحليل النفسي إلى آلية عمل تلك الحيلة الدفاعية المُسماة بالكبت، فيرى أنها تعمل بطريقة لا شعورية، إذ لا يشعر المرء أنه يقوم بعملية الكبت ولا يعي بها، وفيها يُستبعد الدافع النفسي كلية، واستبعاد الذكريات والأفكار والمشاعر من منطقة الشعور Conscious إلى منطقة اللاشعور. ولا يقف طه عند توضيح آلية عمل الكبت، بل يمضي إلى أبعد من ذلك عندما يميز بين الكبت والقمع Suppression، ويرى أنه إذا كان الكبت عملية لا شعورية، فإن القمع عملية شعورية، يقوم فيها الأنا بتأجيل إشباع الدوافع إلى أن تتهيأ الظروف الملائمة للإشباع، فالقمع هو عملية استبعاد مؤقت أو تأجيل للإشباع، مع علم الشخصية ووعيها التام بتلك العملية([2]).

يُعد التمييز بين هذين المصطلحين تمييزًا مهمًا، وكما سنرى أن المصطلح الشائع في فلسفة ماركيوز هو مصطلح الكبت، ما دام أنه يُعبر عن حيل دفاعية غير شعورية مفروضة على الأفراد دون وعي منهم، فهذا المصطلح هو الأقرب إلى أطروحات ماركيوز الفلسفية. لكن لما كان مصطلح القمع هو الأكثر شيوعًا في أدبيات الفلسفة السياسية والاجتماعية، فإننا سنلجأ لاستخدامه في كثير من المواضع بالمعنى نفسه الذي يشير إليه الكبت، فمصطلح الكبت له دلالة نفسية أكبر بكثير من دلالته السياسية، أما مصطلح القمع فتتجاوز دلالته السياسية والاجتماعية استخداماته السيكولوجية. بالإضافة إلى هذا فإن الاتجاه نحو استخدام مصطلح القمع بدلًا من الكبت هو ضرورة تُمليها علينا طبيعة النصوص والابتعاد عن الترجمة الحرفية، فمثلا Repressive culture سنترجمها بالحضارة القمعية وليست الحضارة الكابتة أو الحضارة المُسببة للكبت حفاظًا على روح النص.

وفي بحثنا هذا، سنرى كيف أن ماركيوز Herbert Marcuse ( 1898 – 1979 ) يستلهم المصطلحات الفرويدية مثل: الغرائز والكبت والتسامي، ويوسع من مجال استخدامها عندما يخلطها بأطروحاته الفلسفية، فيخرجها من إطار العمليات النفسية التي يقوم بها الأفراد شعوريًا أو لا شعوريًا لتحقيق التوازن النفسي إلى المجالات السياسية والاجتماعية. ليكشف لنا انطلاقًا من تلك المصطلحات عن الممارسات الخفية التي تمارسها الحضارة الغربية المعاصرة في كبت الغرائز الفردية لتحقيق مصالح الأنظمة الراهنة.

ولن يُجانبنا الصواب إذا قلنا إن لفرويد حضورٌ كبيرٌ بين فلاسفة مدرسة فرانكفورت، فنادرًا ما يوجد فيلسوف من فلاسفة هذه المدرسة لا تحمل أحد كتاباته عنوانًا يتضمن اسم فرويد، فها هو إريك فروم Erich Fromm ( 1900ـ 1980 ) وقد كتب كتابًا بعنوان مهمة فرويد: تحليلًا لشخصيته، وكذلك ماركيوز الذي يتصدر اسم فرويد أحد أهم كتاباته وأولها، وهو كتاب الأيروس والحضارة: بحث فلسفي في فرويد.

أما فلاسفة المدرسة الآخرين الذين لم يتصدر اسم فرويد أحد عناوين مؤلفاتهم، فلا تخلو كتاباتهم من الأثر الفرويدي الواضح بدرجة كبيرة. وهذا ما نلاحظه على سبيل المثال لا الحصر في كتاب جدل التنوير لثيودور أدورنو Theodor W.Adorno ( 1903 ـ 1969 ) وماكس هوركهايمر Max Horkheimer (1895 ـ 1973 )  اللذان انطلقا في تحليل المجتمع المعاصر من المصطلحات الفرويدية الخاصة: بالغريزة والرغبة والأسطورة.

حيوية هذا الحضور الكبير لفرويد وفاعليته بين فلاسفة هذه المدرسة هو ما أبرزه إيرك فروم قائلًا: “لا مفر من التحليل النفسي الفرويدي في تعزيز أجندة عمل فلاسفة النظرية النقدية وتطويرها”([3]).  الأمر نفسه هو ما أكده هوركهايمر عندما رأى “أنه لا غنى عن كتابات فرويد في فهم علم نفس الجماهير وتحليل الأنا، فهي مَعين لا ينضب في معرفة كثير من الموضوعات الشائكة، وخاصة علاقة الزعيم بالجماهير”([4]).

نقول نعم إننا إذا تأملنا كتابات فلاسفة مدرسة فرانكفورت سنجد أنهم يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على علم النفس الفرويدي في فهم كثير من الظواهر الاجتماعية والحضارية المعاصرة وتحليلها. ويمضي ماركيوز إلى أبعد من ذلك عندما لا يعد علم النفس الفرويدي علمًا مساعدًا في فهم الظواهر التاريخية والاجتماعية، بل يرى أنه يُمثل في جوهره علمًا للسوسيولوجيا التاريخية القادرة على كشف علاقات الصراع الكامنة في قلب المجتمع المعاصر. فهو أكثر شمولًا من أن يُختزل في العمليات السيكولوجية المحضة، وهذا ما يبرزه ماركيوز قائلًا: “إن لمصطلحات التحليل النفسي مثل: القمع والتسامي والتطابق مضمونًا اجتماعيا، إذ تتبلور تلك المصطلحات في نظام للمؤسسات والقوانين التي تواجه الفرد بوصفه كِيانًا موضوعيا”([5]).

إن اتكاء ماركيوز على التحليل النفسي في تفسيره للتطورات الاجتماعية والتاريخية وتغيراتهما كان مثارًا للدهشة لدى كثيرين ممن يرون أن بين فرويد وماركيوز تباينات أيديولوجية كبرى تجعل من الصعب أن يتلاقيا. فماركيوز بوصفه فيلسوفًا ماركسيًا معروفًا بهجومه الحاد على الأنظمة الراهنة، ويطالب في كل كتاباته بالثورة عليها، أما فرويد فيميل إلى النزعة المحافظة في السياسة. هذا التعارض بين التوجهين هو ما أبرزه السداير ماكنتير Alasdair Macintyre حينما قال: “إن لجوء ماركيوز إلى فرويد ينطوي على مفارقة، وخاصة أن أراء فرويد السياسية محافظة بقدر كبير”([6]).

رغم إقرار ماكنتير بالتباين الشديد بين توجهات ماركيوز وفرويد، إلا أنه يوضح سبب لجوء ماركيوز إلى التحليل النفسي، فيرى أن ماركيوز لجأ إلى فرويد لسد الثغرات الموجودة في النظرية الماركسية التي لم تضع في حسبانها دور العوامل السيكولوجية في انهيار الرأسمالية، وفي تأسيس مجتمع جديد قائم على احتياجات سيكولوجية جديدة، فلقد “اتجه ماركيوز إلى فرويد للبحث عن السيكولوجيا الاجتماعية التي افتقدت إليها الماركسية”([7]).

فبينما استند ماركس إلى العوامل الاقتصادية وحدها في تفسيره للتغيرات التاريخية والاجتماعية في القرن التاسع عشر، يشدد ماركيوز في المقابل على ثورية التحليل النفسي الفرويدي، ويؤكد استحالة فصل السيكولوجي عن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. ويستهل ماركيوز كتابه الأيروس والحضارة بمقدمة سياسية يوضح فيها أواصر الصلة بين السياسي والسيكولوجي. فمن وجهة نظره أن الإنسان السليم نتاج للمجتمع السليم، فمقومات الصحة النفسية والعقلية للأفراد تحددها بدرجة كبيرة ممارسات الأنظمة القائمة، فإذا صح النظام صح الفرد، وإذا أعتل النظام أعتل الفرد. ولهذا ليس من المستغرب أن يُحَمِّل ماركيوز الأنظمة المعاصرة المسئولية عن انتشار الاضطرابات النفسية بين عدد كبير من البشر، إذ يقول: “تخضع الحضارة للمساءلة بسبب وجود المرضى والعصابيين”([8]). فالأنظمة والمجتمعات المعاصرة وفق توصيف ماركيوز لها موسومة بالاعتلال، إذ “لا تسمح مؤسساتها وعلاقاتها باستخدام الثروات المادية والعقلية المتاحة للتطور الأفضل للإنسان، ولا تسمح أيضًا بإشباع الحاجات الفردية”([9]).

إذًا وفقًا لماركيوز تلعب العوامل الاقتصادية دورًا حاسمًا في تكوين البنية النفسية لسلوك الأفراد ورغباتهم وتوجهاتهم، لكن ثمة سؤال يطرح نفسه وهو: إلى أي مدى تتطابق هذه الرؤية مع علم النفس الفرويدي؟ وهل يعزو فرويد إلى العوامل غير البيولوجية والغريزية دورًا مهمًا في تكوين سلوك الأفراد؟ للإجابة عن هذه الأسئلة ولمعرفة أوجه الاتفاق والاختلاف بين ماركيوز وفرويد، لا بُد أن نتطرق إلى دور الغرائز لدى فرويد وموقف ماركيوز منها، لنعرف ما إذا كانت الغرائز تُكَوِّن الواقع، أم أنها محكومة بمحددات هذا الواقع وتخضع له؟

الغرائز لدى فرويد

يُولي فرويد اهتمامًا كبيرًا للغرائز البيولوجية بعامة وللغريزة الجنسية بخاصة، ويؤكد أن الغرائز هي المحرك الأساسي لمشاعر الأفراد ورغباتهم، ويعزو إليها عملية توجيه السلوك وتكوين الشخصية، فهي مقولة مركزية وحاكمة لديه

“فجميع الظواهر النفسية سواء كانت شعورية أو لا شعورية، وسواء كانت سوية أو مرضية، إنما تصدر عن قوى دينامية أساسية تنبعث من التركيب الفسيولوجي الكيميائي للكائن الحي. وتُسمى هذه القوى بالغرائز، وهي الطاقة التي تصدر عنها جميع مظاهر الحياة”

([10]). يُشير ذاك النص إلى أن العوامل البيولوجية هي علة حدوث الظواهر النفسية وسببها، كما يُشير إلى أن فرويد لا يعزو قدرًا كبيرًا من الأهمية للعوامل غير البيولوجية في تحديد السلوك النفسي للأفراد والجماعات.

بالفعل يُعطي فرويد الأولوية للغرائز في كل تحليلاته، فهي العامل الحاسم لديه. ويتضح هذا جليًا في رفضه للاشتراكية ورفضه الاعتداد بالعامل الاقتصادي والملكية الخاصة بوصفهما سببًا للعداوة الدائمة بين البشر، وكذلك رفضه لأن يكون إلغاؤهما كفيلًا بتحقيق الخلاص وبلوغ مجتمع يخلو من الشرور. فالعدوانية من وجهة نظر فرويد

“لم تخلقها الملكية، بل كانت تسود بلا منازع في أزمنة بدائية كانت الملكية فيها غير ذات شأن (…) فحتى لو أُلغيت فسوف يبقى الامتياز الجنسي الذي ينبع منه بالضرورة أعنف التحاسد وأشد التباغض بين كائنات تحتل مواقع مختلفة في سلم واحد”([11]).

يوضح فرويد في هذا النص أن الغرائز الجنسية هي التي تتحكم في تكوين العلاقات بين الأفراد، وهي الأساس الذي ترتكز عليه كل العلاقات الاجتماعية.

إن تعويل فرويد على الدوافع البيولوجية وحدها في عملية التحليل النفسي هو ما جعله عُرضة لانتقادات عديدٍ من الفلاسفة -ومنهم على سبيل المثال لا الحصر- إيرك فروم فيلسوف مدرسة فرنكفورت الشهير الذي طُرد منها بسبب نقده اللاذع لأحادية التفسير الغريزي عند فرويد. لقد رفض فروم تعامل فرويد مع الفرد بوصفه حزمةً من الدوافع البيولوجية المنعزلة عن السياقات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيش فيها، فالخطأ الأكبر لفرويد من وجهة نظر فروم، هو أنه “تعامل مع الفرد بوصفه نسقًا مُغلقًا من الدوافع البيولوجية الثابتة، بدلًا من أن يتعامل معه بوصفه موجودًا اجتماعيًا”([12]).

إقرأ أيضًا: التنشئة الاجتماعية والدينية في ظل عالم متغير

لكن تقف في وجه قراءة فروم لفرويد عديدٌ من القراءات الأخرى، إذ يؤكد روازين Roazen  أن علم النفس الفرويدي لا يُهمل دور العوامل الاقتصادية والاجتماعية في التحليل النفسي، فـ فرويد يؤكد في أكثر من موضع أن التغيرات الاجتماعية تصاحبها تغيرات في الصحة والمرض العقلي “ففي ورقة قدمها فرويد عام 1908 بعنوان الأخلاق الجنسية المتحضرة والمرض العصبي الحديث، يؤكد فرويد ظهور أشكال جديدة للأمراض العصابية والعقلية بسبب زيادة القيود المفروضة على الفرد في عملية صراعه من أجل الوجود”([13]).

كذلك يحذرنا ماركيوز من الاعتقاد بأن فرويد يُهمل دور الواقع في تفاعلاته مع الغرائز، صحيح أن فرويد يغلب دور الغرائز ويعدها العامل الأول في تفسير أي ظاهرة، لكنه يؤكد أن هذه الغرائز ليست حرة طليقة في تحقيق رغباتها، فهي محكومة بالعالم الخارجي. وهذا ما يُشدد عليه ماركيوز قائلًا:

” إن العالم الخارجي الذي تواجهه الأنا، هو تنظيم تاريخي واجتماعي للواقع، ويؤثر في البنية الغريزية من طريق الوكالات الاجتماعية”([14]).

إن ما يريد أن يقوله ماركيوز هو أن الدوافع البيولوجية والغريزية لدى فرويد محكومة تُوجه في الأساس وفقًا لمبدأ يطلق عليه فرويد اسم مبدأ الواقع Reality Principle وهو الواقع التاريخي والاجتماعي المفروض على الإنسان. وهو النقيض لمبدأ اللذة (الغرائز) Pleasure Priniciple، يُخضعه ويتحكم فيه. وهو ما يعني أن الظروف التاريخية والاجتماعية هي التي تتحكم في توجيه الغرائز الإنسانية رُغمًا عنها وليس العكس. وينحاز ماركيوز لهذا التصور قائلًا: “لا الرغبات الإنسانية ولا طرق تغيير الواقع هي أشياء تخص الإنسان، أنهما منظمان بواسطة مجتمعه ويقمع هذا التنظيم الغرائز، ويحول احتياجاتها”([15]). نلاحظ في ذاك النص أن ماركيوز يجمع بين التصورين الماركسي والفرويدي، فهما يشتركان في رفضهما لحرية الإرادة واستقلالها عن الأنظمة الاجتماعية. فوفقًا للتصور الماركسي، يفرض النظام اهتماماته على إرادة الأفراد، فالبشر لا يصنعون تاريخهم كما يحبون، بل يصنعونه في ظل ظروف وأحداث مفروضة عليهم. كذلك الحال مع الغرائز، إذ يفرض النظام على الغرائز طُرقًا محددة للكبت والإشباع وفقًا لمتطلباته. وسيتضح هذا بجلاء عند تناولنا لنقد ماركيوز للكبت الغريزي السائد في الحضارة الغربية المعاصرة بسبب تسلط مبدأ الواقع القمعي.

نشأة الحضارة وبداءات الكبت الغريزي

يؤكد ماركيوز في كل كتاباته أن أطروحات فرويد الخاصة بتفسير نشأة الحضارة كفيلة بتوضيح تاريخ القمع الذي يتعرض له الإنسان منذ بداءة الحضارة وحتى عصرنا الراهن. ويتعامل ماركيوز مع الأطروحات الفرويدية بوصفها بديهية لا يتطرق إليها شك “ففرضية فرويد بأن الحضارة مؤسسة على الكبت الدائم للغرائز الإنسانية هي فرضية سُلم بها”([16]). يتبنى ماركيوز هنا التصور الفرويدي الذي يُقرن دائمًا بين الحضارة والكبت، ويرى أنهما متلازمان ومرتبطان ببعضهما، فكلما تطورت الحضارة أزداد مقدار الكبت الغريزي والحد من سعادة الإنسان وحريته.

إن الإنسان وفقًا لفرويد، مفطور على اللذة ويسعى في تحقيقها. فهي مصدر لسعادته وأعاقتها يسبب له الألم. ويتحكم في الإنسان غريزتين أساسيتين هما: غريزة الحب أو الحياة، ويطلق عليها فرويد اسم الإيروس Eros، وتنقسم غريزة الحياة إلى: غرائز الأنا وتهدف إلى حفظ الذات، والغرائز الجنسية وتهدف إلى حفظ النوع، وغرضهما استمرار الحياة والمحافظة على المادة العضوية التي تتألف منها، وتجميعها في وحدات أكبر. أما الغريزة الأخرى فهي غريزة الموت، ويطلق عليها فرويد اسم الثانتوس Thanatos، وتهدف إلى الارتداد إلى ظروف ما قبل الحياة وإلى الدمار. والحياة برمتها صراع بين هاتين الغريزتين، تحاول أحداهما أن تتغلب على الأخرى([17]). ولو أُطلق العنان لهاتين الغريزتين ولم يُكبح جماحهما ستكون هناك استحالة في استمرار الحياة على الأرض.

لهذا يستحدث فرويد مبدأين آخرين يفسر بهما التغلب على معضلة الصراع بين غرائز الحياة والموت، ويُفسر انطلاقًا منهما كيفية استمرار الحياة وتطور الحضارة. هذان المبدآن هما: مبدأ اللذة ويشير إلى الطاقة الليبدية أو الجنسية الموجودة لدى الإنسان التي يسعى في إشباعها من طريق القنوات الجنسية المعروفة. والمبدأ الأخر هو مبدأ الواقع، وهو مجمل الصعوبات والتحديات التي يفرضها العالم الخارجي على مبدأ اللذة. ويعوقه عن تحقيق رغباته، فيضطره إلى تفريع طاقته الجنسية في قنوات أخرى تكون مفيدة في عملية البناء الحضاري([18]). وينطلق فرويد من هذين المبدأين ليفسر بهما جدلية نشأة الحضارة وتطورها، حينما كَبَتَ مبدأ الواقع لرغبات ومتطلبات مبدأ اللذة.

ووفقًا لفرويد بدأ كبت الغرائز الإنسانية لصالح الحضارة في مرحلة مبكرة جدًا، فقد حدث مع نشأة الأسرة البدائية التي يستحوذ فيها الأب ـــرمز السلطةـــ على كل شيء. إذ كانت كل الإناث ـــمصدر اللذة الجنسيةـــ ملكه، وكل الزوجات والبنات في عشيرته (…)، أما مصير الأبناء الذكور فكان قاسيًا، لأنهم إذا أثاروا غيرة الأب فكانوا يُقتلون أو يُخصون أو يُطردون. ويقرر الأبناء الاتحاد معًا وقتل الأب والاستيلاء على سلطته والتمتع باللذات التي كان يتمتع بها (…)، ومع حكم الأبناء ننتقل من حكم الفرد إلى حكم الجماعة (عشيرة الأخوة). يريد بعد ذلك كل واحد من هؤلاء الأبناء أن يستأثر بالنساء موضوع اللذة، لكن سيكون هذا سببًا للنزاع والخلاف بينهم، بل والقضاء على الجماعة التي أسسها الأب. لذا يُقرر الأبناء طواعية وبمحض إرادتهم أن يتنازلوا ويتخلوا عن الإشباع الغريزي الكامل والدائم حفاظًا على الجماعة ومصالحها، فتنشأ الالتزامات المتبادلة والعهود والتابوهات التي لا يمكن خرقها، باختصار بداءات الأخلاق والقانون([19]).

إقرأ أيضًا: جدل الهوية: الممتد والمتجدد تأصيل تاريخي وتأسيس عصري

إن اتفاق الأخوة على التنازل عن الإشباع الكامل لمبدأ اللذة لصالح تأسيس الجماعة يشبه لدى ماكنتير تصورات فلاسفة العقد الاجتماعي التي يتنازل فيها الأفراد بمحض إرادتهم عن حريتهم للحفاظ على الأمن والملكية. وبهذا تصلح سيكولوجيا فرويد، من وجهة نظر ماكنتير، لأن تقدم تفسيرًا لنشأة الدولة على التعاقد بين الأفراد “فتفسير فرويد لنشأة القبيلة البدائية هو بمنزلة عقد اجتماعي مصمم لشرح أصل المؤسسات الاجتماعية”([20]). بالتأكيد لا يقصد ماكنتير أن علم النفس الفرويدي يُقدم نظرية متكاملة للعقد الاجتماعي كتلك التي قدمها فلاسفة العقد الاجتماعي في القرنين السابع عشر والثامن عشر والتي تتضمن تصورًا كاملًا عن نشأة الدولة والأنظمة السياسية، وتحدد تحديدًا دقيقا طبيعة حقوق وواجبات الحكام والمحكومين. ففعل اتفاق الأخوة لتحقيق الصالح العام للجماعة لدى فرويد، يُشبه في الشكل لا في المضمون نظرية العقد الاجتماعي.

على أية حال كان من المستحيل بالفعل بدء الخُطوة الأولى لتشييد الحضارة والمجتمع الإنساني إلا عندما أُرغم مبدأ اللذة على تقديم تنازلات لصالح مبدأ الواقع، لأن في إرجاء الإشباع وتوجيه قدرٍ كبيرٍ من الطاقة الجنسية نحو العمل. تلك التنازلات التي فُرضت على مبدأ اللذة لصالح مبدأ الواقع هي ما عدها ماركيوز قمعًا ضروريًا وعقلانيًا في تلك المرحلة، لأنه

“إذا تُرك الإنسان حرًا في إشباع غرائزه، فسوف تتعارض الغرائز الأساسية للإنسان مع أسس الترابط والحفظ الدائمين، فالحضارة لا يُمكن أن تسمح بالإشباع المطلق وغير المحدود”([21]).

ولا يشن ماركيوز الناقد والكاره لكل صور القمع والاستبداد والمدافع الأعظم عن حريات الأفراد نقدًا على ما أسماه بالقمع الضروري في تلك المرحلة التاريخية. فالقمع كان مطلبًا ضروريًا وتأسيسيًا للجماعة البشرية والحفاظ عليها، وكان ضروريًا أيضًا للانتصار في معركة إثبات الوجود ضد الإمكانات البائسة. فلم يكن القمع في تلك المرحلة قمعًا مفرطًا Surplus Repression يهدف إلى تحقيق مصالح فئة على حساب باقي الفئات، بل كان غرضه تحقيق الصالح العام للجماعة البشرية الناشئة، وهذا ما أبرزه ماركيوز قائلًا: “من الممكن أن يسود الافتراض بأن الاستبداد والقمع البدائي الذي أسس هذا النظام كان عقلانيا للمدى الذي أوجد فيه الجماعة وحافظ عليها، حيث إعادة إنتاج الكل، وتحقيق المصلحة المشتركة، وضبط نموذج التصورات اللاحقة للحضارة”([22]).

استند تبرير ماركيوز للقمع الضروري في بداءة الحضارة على عاملين أساسيين صاغهما فرويد:

  • العامل الأول هو الندرة scarcity، أو ما يُطلق عليه فرويد مصطلح الضرورة، أنانكية Ananke، والمقصود به أن فقر الإمكانات المادية والبشرية وعدم قدرتهما على تلبية الاحتياجات الضرورية للحياة يُحتم على البشر توجيه القدر الأكبر من طاقتهم الغريزية نحو العمل الضروري، وهو ما يترتب عليه إخضاع مبدأ اللذة لمتطلبات الواقع البائس والفقير، إذ “تقف البيئة عقبة في طريق الأيروس الذي يرغب في متع الحياة ، وتجبره على التعديل الحاسم للغرائز، فإما أن تمنعه وإما أن تضطره إلى تغيير الاتجاه”([23]).

ولا يُصادق ماركيوز على فرضية أن الندرة كانت مبررًا وجوديًا لسيطرة مبدأ الواقع على مبدأ اللذة في بداءة الحضارة فحسب، وإنما يمضي إلى أبعد من ذلك عندما يؤكد أهمية تلك الفرضية حتى بداءة العصر الحديث. ففي العصر الحديث حقق القمع الغريزي المفروض على البشر بسبب الندرة تقدمًا كبيرًا في عدة مستويات، وبفضله تمكن البشر من “اكتمال السيطرة على الطبيعة في كثيرٍ من المناطق، وتلبية الاحتياجات لأكبر عدد من السكان“([24]). يشدد ماركيوز في ذاك النص على أن قمع غرائز الحياة والموت قد استُغل ووُجِّه نحو العالم الخارجي لتدبير ضرورات الحياة، وتشييد المنجزات الحضارية والعلمية

“فما دامت لا توجد غريزة للعمل، تسحب الطاقة الضرورية لأداء العمل غير اللذي من الغرائز الجنسية ومن غرائز التدمير”([25]).

لكن السؤال الذي يطرحه ماركيوز هو أنه إذا كانت الندرة مبررًا للقمع الغريزي في مراحل تاريخية محددة، فما الوضع حال اختفاء الشروط التاريخية التي أحدثت تلك الندرة؟ فهل سيزول القمع بزوالها أم لا؟ وهنا ننتقل إلى العامل الثاني الذي يؤكد استحالة التحرر الغريزي، ليس من وجهة نظر ماركيوز، بل من وجهة نظر فرويد.

  • العامل الثاني الذي صاغه فرويد لتبرير القمع الدائم لمبدأ اللذة، ينطلق فيه من تصوره للطبيعة البشرية، إذ يؤكد فرويد أن الإنسان أناني وجشع وطماع بطبعه ويسعى في تحقيق مصلحته الخاصة على حساب الآخرين، فغرائزه عدوانية بطبيعتها وتتجه دومًا نحو الدمار. وإن لم يوجد مبدأ واقع قوي يحد من عدوانية هذه الغرائز، فلن يُكتب للحضارة الدوام، وهذا ما يؤكده فرويد قائلًا: “إن الميول العدوانية ميول غريزية فطرية في الإنسان، وأنها أمنع المعوقات التي تقف في وجه الثقافة”([26]).

لكن أطروحة فرويد الخاصة بفطرية الغرائز العدوانية هي محل شك وانتقاد كبير من ماكنتير، الذي يرى أنه لو كانت الغرائز عدوانية بطبيعتها لوجدنا تشابهًا كبيرًا في سلوك البشر، حيث الانتشار العام للعنف والعدوانية، لكن يعترض ماكنتير على هذا التصور ساخرًا، فيقول: “لماذا تحدث الحروب هنا بدلًا من هناك، والآن بدلًا من لاحقًا؟”([27]).

كذلك لا يتفق ماركيوز مع فرويد في قوله بعدوانية الغرائز، ففي الوقت الذي يرى فيه فرويد أن هذه العدوانية شيء فطري لا سبيل إلى تغييره أو تعديله، يرفض ماركيوز هذه الفكرة، ويؤكد في المقابل أن الغرائز متغيرة تاريخيًا. فلو تغيرت الشروط التاريخية التي أوجدت هذه العدوانية ستتغير طبيعة الغرائز بدورها “فالتنظيم القمعي للغرائز في عملية الصراع من أجل الوجود يحدث وفقا لعوامل خارجية، وهو ما يعني أن القمع ليس متأصلًا في الغرائز نفسها، لكنه ينبثق من شروط تاريخية تتطور في ظلها هذه الغرائز”([28]).

أمام العاملين السابقين اللذين صاغهما فرويد لتبرير قمع وإخضاع مبدأ اللذة، يرى ماركيوز أننا مضطرين وفقًا فرويد، لأن نجد أنفسنا أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الاستمرار في تخليد القمع الغريزي لبلوغ مزيدٍ من التقدم الحضاري، وإما العودة إلى البربرية مرة أخرى. فلا مجال في التحليل النفسي الفرويدي للمصالحة بين المبدأين: اللذة والواقع. إنهما من طبيعتين متعاديتين، لذا يصل ماركيوز من طريق تحليلاته للعاملين السابقين إلى رأي حاسم لا ريب فيه وهو استحالة وجود حضارة غير قمعية وفقًا لنظرية الفرويدية“([29]).

إذ يتعامل فرويد مع فرضية الندرة بوصفها مبدأً مطلقًا صالحًا للتطبيق في كل زمان ومكان، دون أن يضع في حسبانه اختلاف الأنظمة وتكونها التاريخية والاجتماعية، ودون أن يضع في افتراضه أيضًا مدى الرفاهية أو الفقر الذي يتفاوت من حضارة لأخرى. فلم ينظر فرويد إلى الندرة في نسبيتها التاريخية والمجتمعية التي تختلف باختلاف الأزمنة والحضارات، وهذا ما رفضه ماركيوز معتبرًا إياه معوقًا من معوقات تحرر مبدأ اللذة. فإذا كانت الندرة مبررًا للقمع في مرحلة تاريخية سابقة فإن انتفائها يستوجب زوال هذا القمع واختفاءه. وهذا ما لا تُقره النظرية الفرويدية التي ينتقدها ماركيوز في هذا الخصوص قائلا: “تقدم نظرية فرويد في الغرائز واحدة من أقوى النقاشات ضد السمة النسبية لمبدأ الواقع المتغير، وهذا ما يجعل من فكرة مبدأ واقع غير قمعي مجرد تأمل سطحي غير قابل للتحقيق”([30]).

إن ما يُريد أن يقوله ماركيوز الساعي دائمًا في تشييد حضارة غير قمعية وتأسيس مبدأ واقع غير قمعي تتحقق فيه رغبات ومتطلبات مبدأ اللذة، هو أن تبرير القمع يفتقد الآن إلى أي مشروعية، وخاصة في ظل الحضارة الصناعية المعاصرة. حضارة الوفرة والرفاهية، فمنجزات الحضارة العلمية والتكنولوجية قادرة على تحقيق احتياجات وإشباعات البشر من دون الحاجة لفرض مزيدٍ من القمع. لكن ما يغذي ثقافة القمع هو انتشار مصالح السيطرة، وعندما تتلاشى “مصالح السيطرة التي تعوق الإشباع، ستسمح الثروات المادية والعقلية بإشباع غير مؤلم للاحتياجات والرغبات“([31]). إن ما ينوه إليه ماركيوز في نصه هذا هو أن القمع والتفاوت في الإشباع لا يعود للعوز وفقر الإمكانات المادية بقدر ما يعود إلى غياب العدالة والمساواة والحرية الحقيقية. وفي حالة إعادة توجيه عجلة التقدم نحو مسيرة الحرية الحقيقية، سوف يزول هذا القمع ويختفي باختفاء مصالح الطبقات المسيطرة “فلا يحدث الإفقار السائد في مناطق كثيرة من العالم بسبب فقر المصادر البشرية والطبيعية، لكن بسبب الطريقة التي تُوزع بها تلك المصادر“([32]).

رغم توفر كل مقومات التحرر لم تتحرر الحضارة المعاصرة في جوهرها من الإرث القديم للعبودية والقمع. فثمة استمرارية تاريخية تعمل لإعادة إنتاج نظام السيطرة والهيمنة، بداءة من السيطرة والعنف المادي والجسدي قديمًا، بلوغًا للسيطرة المعقلنة والمستترة في عصرنا الراهن. وتتعدد مظاهر القمع المعاصر، وتأتي التكنولوجيا في مقدمة العوامل التي ترسخ لهذا القمع، وبدلًا من أن يكون التقدم التكنولوجي قوة محررة للإنسان، زاد القمع بسبب هذا التقدم.

المراجع:

[1] – Jean Francois Rabin, Repression, in International Dictionary of Psychoanalysis, Alain De Mijolla (ed), New York, Thomson, 2005, p: 1482

[2] – فرج عبد القادر طه ( وآخرون )، معجم علم النفس والتحليل النفسي، بيروت، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، د.ت، ص ص 369- 374

[3] – Peter Erwin Jansen,” The Frankfurt School’s Interest in Freud and The Impact of The Eros and Civilization on The Student Protest Movement in Germany: A Brief History “, in ” PhanEx 4, No, 2,p p: 78- 96, 2009.

[4] – ibid., pp: 78- 96

[5] – Herbert Marcuse, Eros and Civilization: A Philosophical In quiry Into Freud, London, The Penguin Press, 1966, p: 161

[6] – Alasdair Macintyre, Herbert Marcuse: an Exposition and a Polemic, New York, The Viking Press, 1970, p: 46

[7] – loc – cit., p: 46

[8] – Herbert Marcuse, Five Lectures: Psychoanalysis, Politics, and Utopia, Translated by: Jeremy J. Shapiro, Shierry M. Weber, London, The Penguin Press, 1970, p: 12

[9]– هربرت ماركيوز، فلسفات النفي: دراسات في النظرية النقدية، ترجمة / مجاهد عبد المنعم مجاهد، القاهرة، دار الكلمة، 2011، صـ 252

[10] – سيجمند فرويد، الأنا والهو، ترجمة / عثمان نجاتي، القاهرة، دار الشروق، 1982، صـ 17، 18

[11] – سيغموند فرويد، قلق في الحضارة، ترجمة / جورج طرابيشي، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، 1996، صـ75

[12] – John Rickert, ” The Fromm – Marcuse Debate Revisited “, in Theory and Society, Vol:15, No:3, 1968, pp: 351-400

[13] – Paul Breines (ed), Critical Interruptions: New Left Perspectives on Herbert Marcuse, New York, Azimuth Books, 1970,p: 108

[14] – Herbert Marcuse, Eros and Civilization: A Philosophical In quiry Into Freud, op.cit., p:43

[15] – ibid., p:31

[16]– ibid., p: 2

[17] – سيجموند فرويد، الحب والحرب والموت والثقافة والحضارة، ترجمة / عبد المنعم الحفني، القاهرة، مكتبة مدبولي، 2010صـ 100

[18] – سيجموند فرويد، ما فوق مبدأ اللذة، ترجمة / إسحق رمزي، القاهرة، دار المعارف، 1952، صـ 24، 28

[19] – سيجموند فرويد، اليهودية في ضوء التحليل النفسي: موسى والتوحيد، ترجمة / عبد المنعم الحفني، القاهرة، مطبعة الدار المصرية، 1971، صـ 168- 171

[20] – Alasdair Macintyre, Herbert Marcuse: an Exposition and a Polemic, op. cit., p: 55

[21] – Herbert Marcuse, Eros and Civilization: A Philosophical In quiry Into Freud, op.cit., p:29

[22] – ibid., p:63

[23] – Herbert Marcuse, Five Lectures: Psychoanalysis, Politics, and Utopia, op.cit., p:6

[24] – Herbert Marcuse, Eros and Civilization: A Philosophical In quiry Into Freud, op.cit., p:23

[25] – ibid., p:77

[26] – سيجموند فرويد، الحب والحرب والموت والثقافة والحضارة، مرجع سبق ذكره، صـ 102

[27] – Alasdair Macintyre, Herbert Marcuse: an Exposition and a Polemic, op. cit., p: 53

[28] – ibid., p:113

[29] – Herbert Marcuse, Eros and Civilization: A Philosophical In quiry Into Freud, op.cit., p:33

[30] – ibid., p:112

[31] – ibid., p:128

[32] – ibid., p:84

اقرأ ايضا

المزيد من المقالات

مقالك الخاص

شــارك وأثــر فـي النقــاش

شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

error Please select a file first cancel
description |
delete
Asset 1

error Please select a file first cancel
description |
delete