تكوين
ملخص الدراسة
أصبحت مُرَاجعةُ قراءات النَّصّ القرآني في الفترةِ المعاصِرةِ، مَطلباً فِكرياً وضَرورَة مُجتمعيَّة، يقضي بضرورةِ إعادةِ التَّفكيرِ فِيه وفهمه وتَأويله بعِيداً عنِ التَّفسِيرات الفقهيَّةِ والنَّزعاتِ الماضويَّة المحافظةِ، وعنِ المَناهجِ التَّقليديَّة التي لم تُضِفْ شيئاً للدِّراساتِ التَّفسيريَّةِ الإسلاميَّةِ إلاَّ شَرح الشُّروحِ وتلخيص مُتون الفقهِ والتَّفسيرِ، فأسقطت فكر المسلم في مَهَاوي التَّناقضات. لذَلك، أخذ التَّفكير في قضيَّة تَأويل النَّصّ القُرآني مساحة مُعتَبَرةً من هَواجِسِ العديد من المفكّرين ودعاة التَّنوير في الفكر العربيّ المعاصر بُغية تَقديم فَهم جديد للدّين الإسلامي، يَتَلَاءم مَع مُستوى تطوُّر الفِكر الإنسَاني. ويعتبر المفكر الجزائري محمّد أركون أحد أساطين الفكر العربي المعاصر الذي أَثار القضايا اللامفكر فيها والمسائل المُؤرِقة التي يكتنفها النّصّ القُرآني، ودعا إلى ضَرورة إعادة قراءته، من خلال الانفتاح على مُكتسبَات العُلوم الإنسانيَّة ومناهجها الحديثة، خاصَّة اللِّسانيَّات، والسِّيميائيات، والأنثروبولوجية الدِّينيَّة….
تمهيد:
أولى محمد أركون لمسألة “قراءة النصّ القرآني” عناية كبيرة، ومنحه محلا كبيراً في أفقه الفكري، ذلك أن التفكير في تأويل معانيه وتجلية مقاصده،كمطلب فكريّ وضرورة اجتماعية لا مندوحة عنه، هو مضي بتجديد الفكر العربي المعاصر، وإصلاح لقضايا المجتمع العربي المأزوم، وتشذيب للعقل[1] من أدران الأفكار المغلوطة التي يسلّم بها المسلّم، والتي يعتبرها بوصلة معرفية لتوجيه سلوكه وفكره وحياته، وتحريره فكره من أغلال السياج الدوغمائي المغلق[2]. وإذا ما نظرنا إلى وصف العقل مِن داخل الدَّرس الفلسفيّ، فسيبدو لَنَا، بلا رَيب، أنَّ انشِغال الفلاسفة بِه تخندق داخِل البحث عن مُنتجات العقل ومقولاته وكيفية نُموه وتطوُّره عبر التَّاريخ. لذلك، فإن الأُفق الذي يتنزّل فيه مَشروع مُحمّد أركون أُفُقٌ تفكيكيٌّ وليس أُفُقاً تاريخيّاً بحثاً، كما أن سُؤال العقل يجِب أن يخضع – في نَظره – إلى مُحاكمَةٍ نَقديةٍ لمبادئه وآليَّات اشتغاله واتِّساع مِنطَقة اللاّمفكر والمستحيل التَّفكير فيه في الفكر الإسلاميّ. ويرجع محمّد أركون غياب دراسَات نقدية حول مفهوم العقل في الفكر الإسلاميّ الكلاسيكيّ إلى سببين: أوّلهما؛ سبب منهجيٌّ؛ حيث إنَّ الفكر الإسلاميّ، وعلى الرّغم من توفُّر الشُّروط المعرفيَّة والمنهجيَّة اليوم، لا يجرؤ على قِراءة الموروث الدّيني قراءةً مُعاصرةً. لذلك، يدعُو محمّد أركون إلى ضَرُورة دراسة الإسلام دراسةً علميَّةً من خلال تطبيق المنهجيَّات العلمية المعاصرة من أجل الكشف عن الأبنيّة الاجتماعيَّة التي تتحكَّم بإنتاج العُقول وإعادة إنتاجهَا في مر تاريخ الفكر الإسلاميّ. وثانيهما سبب سياسيُّ؛ يفرض ضرُورة التَّساؤل عن المشروعيَّة الدينيَّة والتَّاريخيّة التي دَفعَت الإسلام السِّياسي الرَّاهن إلى الاحتماء بتعاليم العقل الإسلاميّ الكلاسيكيّ ونظامه وتنفيذ أحكامه التَّشريعيَّة. يهدف مُحمَّد أَركُون إلى نَقدِ البنية الإبستيميَّة المعرفيَّة والمنظومة الذِّهنيَّة الاجتماعيَّة الحاكمة للثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة مِن خِلَال دَعوَتِه إِلى إِعادة قِراءة الموروث الثَّقافيِّ العرَبيِّ والإسلاميِّ عُمومًا، والنَّصُّ القرْآنيُّ على وَجه الخُصوص، قِراءة علميَّة مَحضة، وإعادة تأويله فِي ضَوء مَفاهِيم العصر، بِمَا يَتَناسَب ومعطيات المنظومة الفكريَّة الأوروبِّيَّة الحديثة. وَلعَل مَا يُميِّز هَذِه اللَّحْظة المعرفيَّة الأركونيَّة، التِي ابتدَأت مُنذ مَطلَع السِّتينيَّات مِن القرن الماضي، أَنهَا وَجهَت اهتمامهَا صَوب دِراسة المادَّة التُّراثيَّة دِراسةً نَقدِيةً، مِن خِلَال استحضار أَدوَات ومناهج عِدَّة أَثنَاء قِراءة النَّص القرآنيِّ، كاللِّسانيَّات، والسِّيمائيات والأنثروبولوجيا بُغيَة إِثارة أَسئِلة وَقَضايَا كَانَت فِي طيِّ المسكوتِ عَنه. وبالتَّالي، فَتحَت آفاقاً فِكريَّة رَحبَة فِي مَجَال الإسلاميَّات دَاخِل الفكر العرَبيِّ المعاصر.
يتعين إذن، أن نَنظُر إلى اهتمَام محُمّد أركون بقضية قراءة النّصّ القٌرآني كدليل قَاطعٍ على معَانقَته لأزمات الواقع العربي، وكحجةٍ على انخِرَاطِه في إيقَاع العصر وإشكَالَاتِه. وفي هذا الصدد، قدم مُحمّد أركون عدة دراسَات فكريَّة[3]، منذ السبعينيات من القرن الماضي، حول كيفية قراءة النصّ القُرآني وتَأويله وِفق مَنَاهِج العُلُوم الإنسَانيَّة المُعاصرة. ولا غرو، في أن هذا الأمر، يقتضي من الباحث، في مجال الإسلاميات، أن يمتلك العمق المأمول والفكر اليقظ، ويعوزه الجرأة الفكرية والجسارة المعرفية لتناول قضايا النصّ القرآني. حري بنا أن نتساءل: كيف قرأ محمد أركون النصّ القرآني؟ ما طبيعة المناهج التي اعتمدها أركون أثناء قراءته لمفهوم الوحي، والقرآن والنَّصّ؟ وكيف وظف مناهج العلوم الإنسانية أثناء قراءته له؟ وهل استطاع أركون تطبيق هذه الأدوات المنهجيَّة على السُّور القُرآنيَّة؟
أولاً: بنية الخطاب القُرآني
لا ينكر محمّد أركون، فِي حقيقة الأمر، الجُهود المبذولة مِن قِبل المفكِّرين – بِمختَلف مشاربهم وانتماءاتهم الفكريَّة – الذين أَولوا عِناية كُبرَى لِحَدث الوحي وحاولوا دِراسة الخطاب القُرآني ومكانته فِي الثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة، إِلا أنهم لَم يستطيعوا – فِي نَظرِه – النَّفَاذ إِلى حقيقَته الغائرة، وتخندقت قِراءاتهم دَاخِل دَوائِر ضَيقة؛ إِذ انحصَرت التَّفاسير الأرثوذكسية في التأويل التقليدي للمجاز الذي يعتبره مجرد آلية بلاغية تزين الخطاب بتعابير لامعة دون قدرتها على النفاذ إلى كنهه الحقيقي. ويرجع السبب في ذلك إلى إيلَاء الأهمِّيَّة الأنطولوجيَّة والسِّياسيَّة لعلم اللَّاهوتِ والأحكام التَّشريعيَّة للخطَاب الدِّينيِّ، وهكذَا صار التَّفكير فِي “البنية المجازيَّة للخطَاب القُرآنيِّ” فِي حُكم اللَّامفكر فِيه فِي الفكر الإسلامي المعاصر. أَمَّا بِالنِّسبة إِلى الدِّراسات الاستشراقيَّة، فقد انكب اهتمامهَا على كَيفِية قِراءة التُّرَاث الإسلامي قراءةً فيلولوجيةً، وكيفية ترتيب الآيات القرآنية ترتيباً تاريخيّاً، مما حال دون إثارة أهمية المجاز والرمز في الخطاب الدّيني. لذلك، أصرّ محمد أركون على ضرورة قراءة الخطاب القرآني انطلاقاً من “ثلاثة بروتوكولات مُتداخلة أو متفاعلة لقراءة القُرآن كنصّ ضمن ذلك المنظور: القراءة التاريخيَّة – الأنثروبولوجيَّة، القراءة الألسنية – السيميائيَّة، القراءة اللّاهوتية-التَّفسيريَّة”([4]). يؤكد محمّد أركون على ضَرُورَة رَبط الخطَاب القُرآني بِالمحيط الجغرافي والبشري القبائلي للجزيرة العربيَّة، وقراءته وفق الفضَاء اللُّغَوي والأسطوري السَّائد آنذاك. وَهذَا يَتَطلَّب الكشف عن الخصائص الأنثروبولوجيَّة والسِّيميائيَّة والتَّاريخيَّة للنَّصّ القُرآني، وذلك من خلال فتح ورش للعمل يهتم بالميادين الآتية ([5]):
- تحديد نظام اللغة العربية بين العامين 550 و632 الميلاديين؛ حيث من الضروري، في نظر محمّد أركون، أن نقرأ الخطَاب القُرآني بِصفته خِطابًا دِينيًّا ظهر فِي فترَة زَمَنيَّة مُحَددَة من خِلَال فَحْص الأدبيَّات والوثائق التَّاريخيَّة التِي مِن شأنهَا أن تُحدِّد نَوعِية اللغَة العربيَّة فِي فَترَة حدُوث الوحي، وطَريقَة التَّعبير السَّائد آنذاك. فِي هذَا الصَّدد يقُول ([6]):” ينبغي أن نَقرأ القُرآن قرَاءة تَزامُنيَّة في عصره. ينبغي أن نتموضع في عصره وننسى عصرنَا تماماً لكي نفهمه على حقيقته”؛
- دراسة الأساطير والشعائر والأديان في الشرق الأوسط القديم؛
- تفسير مفهوم مجتمع الكتاب المقدس.
ثانياً: القراءة الفينومينولوجيَّة لظاهرة الوحي
يَتَعيَّن أن نَنظر إِلى اهتِمام مُحمَّد أَركُون بِمسأَلة الوحي وبمفارقاتهَا، كدليل على تَطبِيق المقاربات العلميَّة على المسلمات فِي الثَّقافة الإسلاميَّة، وَكَحجَّة على إِمكانيَّة قِراءة قضايَا القُرآن قِراءةً نَقدِيةً، فِي ضَوء مَشرُوع فِكرِي يَبتَغِي إِثارة الموضوعات اللَّامُفكر فِيهَا والمستحيل التَّفكير فِيهَا. ويبتدئ مُحمَّد أَركُون، أَثنَاء تحليله لمفهوم الوحي، بالوقوف عند التَّمثُّلات التي تُؤْمِن بِهَا الذِّهنيَّة الإسلاميَّة لَه، ويوضح ذلك قائلاً ([7]):”إنّ التعريف التبسيطيّ للوحي في السياقات الإسلامية يُقدَّم من خلال عبارتين شعائريتين مستخدمتين على نحو عام أو شائع من قِبَلِ أي مسلم عندما يستشهد بأي مقطع من القرآن؛ فهو يبتدئ كلامه قائلاً: ((قال الله تعالى)). وينهيه قائلاً: ((صدق الله العظيم)). لا يوجد أي مجال للمناقشة حول التأليف، أو حول المكانة الإلهية لمضمون النصّ المُستشهد به، أو حول تناسب الاستشهاد مع الموضوع أو مع الظرف الذي استشهدوا به من أجله”. يسوقنا هذا الكلام إلى القول، إن الذهنية السائدة في الثقافة العربية الإسلاميّة مليئة بتمثلات أرثوذكسية ودوغمائيّة حول مسألة الوحي، جرى ترسخيها فيها بدءاً من القرن العاشر الميلادي؛ إذ أصبح الإنسان المؤمن يدين بنسخة واحدة ومكررة لتاريخ الوحي والتي بنى مضمونها ورسخ أفكارها استناداً إلى النسخة الشفهيّة الشعبيّة للعقيدة الأرثودكسيّة. ويبين محمّد أركون كيفية انتشار السرديات التاريخية الموحدة للوحي في المجتمعات العربية، قائلاً ([8]):” استخدمت كلمة اللَّه لدعم المعتقدات، والتَّقاليد، والعادات، والشيفرات الثَّقافيَّة لفئات عِرْقيَّة – لُغَويَّة عَدِيدَة مَوجُودة في جميع المجتمعات التِي انتشَر فِيهَا” الإسلام”. وهذِه الفئَات المتواجدة في إندونيسيَا، والهِند، والصِّين، وإفريقيَا، وآسيَا الوُسطى لا تستطِيع حَتَّى الآن التَّوَصُّل إِلى القُرآن في نسخته العربيَّة. وهِي تُقيم عَلاقَة مع اللَّه، أو مُحمَّد، أو القُرآن، مِن خِلَال التلاوة الشَّعائريَّة جِدًّا لسور القُرآن القصيرة. كمَا تُقيم عَلاقَة مَعهُم مِن خِلَال الحكايات الأسطوريَّة التِي تَروِي قِصص الملائكة والأنبياء الذين نَقلُوا الوحي أيْضًا. وهذِه الحكايات تُحكَى شفهيًّا للأطفال والبالغين بِاللَّهجات المحلِّيَّة الوطنيَّة”.
إقرأ أيضاً: من قضايا الإعجاز القرآني
في معرض قراءته الفينومينولوجية لظاهرة الوحي، يوضح محمّد أركون كيفية ماهية الوحي وتشكله في نصّ مقدس، قائلاً ([9]):” أياً تَكُن القنَاة الأصليَّة أو النَّاقل الأصلي للوحي الأَولي، فإِننَا نُلَاحِظ أنَّ التَّلفُّظ الشَّفهيَّ بِه كان قد نطق أوَّلا مِن قبل وسيط. هذَا الوسِيط فِي حَالَة الإسلام يُدعَى الرَّسول أو النَّبِي (…). ثم سُجِّل هذا الوحي كتابةً في ما بعد على الرق أو الورق لكي يصبح كتاباً عادياً يمكننا أن نخزنه، أو نفتحه، أو نقرؤه ونفسره. وهذا الكتاب نفسه أصبح من خلال سيرورة تاريخية: “الكتابات المقدسة”. وهذا يعني أنه قُدّس أو خُلِعت عليْه إِسدَال التَّقديس بواسطة عدد مِن الشَّعائر والطُّقوس، والتَّلاعبات الفكريَّة الاستدلاليَّة، ومناهج التَّفسير المتعلِّقة بالكثير مِن الظُّروف المحسوسة المعروفة أو التي تَمكَّن معرفتهَا، وَأقصِد بِهَا الظُّروف السِّياسيَّة، والاجتماعيَّة، والثَّقافيَّة. وهكذَا تمَّ تَحوِيل كَلَام اللَّه المتمثِّل بنطقه الشخصِي ذَاتِه وبصفته أزلياً، أبدياً، متعالياً، لانهائياً وغير قابل للاستنفاد من قِبل أي جهد بشري، إلى كتاب عادي ماديّ نلمسه باليد ونتحسسه ونفتحه ونقرؤه… ولكنه يتمتع في الوقت عينه بمكانة “لاهوتية” بصفته “كتابات مقدسة”، وشرعاً مقدساً، وأخلاقاً مقدسة، ومعرفة متعالية أو تخلع التعالي على الأشياء”([10]). نفهم من هذا النَّصّ أن الخطاب القُرآني يتشكل من ثلاثة مقومات رئيسة، هي: أوَّلاً؛ الله الذي يشكل الذات الفاعلة الذي ينظم الخطاب في صيغٍ تعبيرية نحويّة وبلاغيّة، بلُغة بشرية هي اللغة العربيَّة؛ ثانياً؛ النَّبي أو الرَّسول محمّد الذي يمثل الوسيط بين الله والإنسان؛ ثالثاً؛ الإنسان (المؤمن)، وهو المدعو إلى تطبيق تعاليم الله وأحكامه من أجل السير على النهج المستقيم الذي يؤول به إلى النجاة الأبدية من الحياة الدنيويَّة. ويمكن تحديد مسار الوحي انطلاقاً من خلال هذه الخطاطة:
مرسَل إليه أول- مُرسِل أول (أنا متعالية – أنا- النحن) الموضوع (الخطاب النّبوي)
مرسَل إليه أول – مُرسِل ثانٍ (المتكلّم أو القائل)
المُرسَل إليه الجماعي (أنصار/ معارضون)
الشكل (1)([11])
يَتَبيَّن، إذن، أنَّ ظَاهِرة الوحي قد سَارَت على مرحلتينِ اثْنتَينِ، هُمَا: أوّلهما؛ أَنَّه كان عِبارة عن تَلفُّظ شفهِي نقل عبر وسيط هو النَّبِي، واتَّسم بِلازمنيته وتعاليه تعالياً أزليّاً عن الواقع التاريخي. وثانيهما، إِضفَاء طَابَع التَّاريخيَّة على كلام اللَّه مِن خِلَال ترسيخه على شَكل نصٍّ مُدوَّن مُقدَّس. وقد تَعددَت الرِّوايات الإسلاميَّة لحَدث الوحي واختلفت التَّفاسير الدِّينيَّة حَولَه، وَلكِن بِالرَّغْم مِن ذَلِك، يُسلِّم عُمُوم المسلمين بمسلمات لَاهوتيَّة تسليمًا إِطلاقياً، ويقدِّمهَا مُحمَّد أَركُون فِي مُسلمَات سِتٍّ: أوّل تلك المسلمات أن الله بلّغ مشيئته وغايته للأنبياء لتبليغه بلغة محددة للبشرية، وكانت مهمة الأنبياء إيصال الخطاب الموحى به من الله. ثانيها، أن محمّداً النَّبي هو الذي بلّغ الوحي من أجل تصحيح التحريفات التي لحقت الأديان التوحيديَّة السابقة من خلال تقديم التعليمات الموجهة لسلوكيات الإنسان المسلم والأجوبة الكافية التي يحتاجها الإنسان من أجل تدبير الوجود الإنساني. ثالثها، القُرآن نصّ إلهي موحى به ويلبي حاجات المؤمنين الحياتيَّة كلَّها، وهو في اللّوح المحفوظ. رابعها، إن المصحف عبارة عن جمع القرآن في نصّ مكتوب ومحفوظ بين دفتي كتاب، بدأ جمعه أيام النَّبيّ واستأنف زمن الصحابة، ليقدموا نسخة كاملة وموثوقة خاصة في عهد عثمان بن عفان. خامسها؛ إن الوحي القرآني عبارة عن الشرع الذي أمر الله المؤمنين بالتزام تعاليمه. سادسها؛ أن المبتغى من التعليمات الإلهية للوحي هي نفسها الغايات البشرية التي ينْشُدُها النّاس، ولا تعارض بين الأحكام القرآنية والمقاصد الاجتماعية والسياسية للمجتمع الإنساني.
يتعيّن أن لا ندرس القرآن دراسةً تبسيطيةً، أو على جهة أن الخطاب القرآني خطاب متعالٍ يتجاوز التاريخ بشكل مطلق، وإن من الضَّروريِّ تَدشِين قِراءة مُعَاصرَة تُحَاكِي مُتطلَّبات رُوح العصر، على الرغم من أنها تُواجَه بالصَّدِّ والرَّفض والاستنكار والاستنفار التَّام من طرف المجتمع المنغلق؛ ذلك أنَّ قراءة النَّصّ القُرآني، في رأي محمَّد أركون، تعني أن القارئ-المؤول قد أدرك المشاكل اللغويَّة، والسِّيميائيَّة والتَّاريخيَّة والأنثروبولوجيَّة التي أثارها القُرآن كنصّ، والتي سوف تقودُه إلى البحث في “ما كان قد قُبِل و عُلِّم وفُسِّر وعيش عليه بصفته الوحي في السياقات اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة”، ينبغي أن يُدرس ويُقارب منهجيًّا بصفته تركيبة اجتماعيّة لغويّة مدعّمة من قِبل العصبيات التاريخيّة المشتركة والإحساس بالانتماء إلى تاريخ النجاة المشترك لدى الجميع”([12]). وعليه، من أجل الخُرُوج من شرنَقة الانغلاق الفكري والتزمت المعرفي، الذي عَمَّر لقرون عدَّة دَاخِل المجتمعات العربيَّة الإسلاميَّة، يسعى محمّد أركون إلى التَّخلُّص من شوائب النِّظام الفكري القديم من خلال إعادة تَفكيك البنى الأنثروبولوجيَّة للمخيال الجمعي الدِّيني، السِّياسي للمجتمعات العربيَّة ورصد بنياته من جهة، ومن طريق تفكيك النُّظم الجوهريَّة للخطابات التَّفسيريَّة التي أوّلت النَّصّ القُرآني وفق الإيديولوجيَّا السَّائدة آنذاك. وفي خضم هذه المهمة التَّفكيكيَّة، تسلَّح محمَّد أركون بعُدّة معرفية متينة وأسلحة منهجية متعددة المشارب، من أجل قراءة التُّراث الإسلامي بوجه عام، ومشكلة الوحي على وجه الخصوص. وقد حدّد هذه المهمة الشاقة قائلاً ([13]):”ما سأفعله أنا الآن يتمثل في ما يلي: إنني أزحزح المسائل القديمة في إطار معقوليتها الانغلاقيَّة، الثنوية، الحرفيَّة، الجوهرانيَّة، أو الفيلولوجية، التَّاريخويَّة، الوضعيَّة، العلموية، إلى إطار آخر مُختلف تماماً وأوسع بكثير. إنني أزحزحها إلى إطار الأشكلة التَّعدديَّة والمتنوِّعة الوجوه لمفهوم الوحي المُعقد جدّاً والذي لم يُفكَّك بعد”. ولكي ننفد إلى حقيقة حدث الوحي، قدم محمّد أركون قراءة تفكيكيَّة لبعض سور القُرآن وفق مقاربات متداخلة ومتفاعلة، وهي: القراءة التاريخيَّة-الأنثروبولوجيَّة، القراءة الألسنيَّة -السيميائيَّة، القراءة اللّاهوتيَّة-التَّفسيريَّة.
ثالثاً: التحليل الألسني اللغوي لسورة الفاتحة
ما كان لمشروع الإسلاميَّات المطبقة أن يصير مَشرُوعاً مُكتملاً، بدون انعطافة تطبيقية تقوم على قراءة السُّور القُرآنيَّة وفق مناهج العُلوم الإنسانيَّة، وقد قدَّم محمّد أركُون تصوره عن القراءة التجديديَّة للقُرآن، في تقديمه للعمل الذي أنجزه حول سورة الفاتحة، من خلال قراءتها قراءةً تأويليةً بغية معرفة الملابسات الأولى و”وصف الظُّروف التي لفظت فيها الفاتحة بشكل شفهي لأول مرَّة”([14]). وبالرَّغم من أنَّ هذا الأمر يدخُل في دائرة المستحيل التَّفكير فيه، لأننا نجهل الحيثيَّات والأحداث التَّاريخية الأولى التي تلفظ بها النَّبي أمام الجمهور، إلاّ أنَّ محمّد أركون شاء أن يعيد التَّفكير في السُّورة مُحاولاً قراءتها في سياقها التّدشينيّ. ويقف أركون عند بروتوكولات القراءة التي حدد إياها في ثلاثة:
- بروتوكول القراءة الشعائرية؛
- البروتوكول التفسيري؛
- البروتوكول الألسني النقدي.
يسعى محمَّد أركون من خلال هذه البروتوكولات إلى تفكيك سورة الفاتحة، في ماهيتها اللّاهوتية التَّفسيريَّة، وفي تحديدها الألسني اللغوي و، بالتَّالي، يَطمَح من خلال ذلك، إلى تَجاوز التَّصوُّرات اللّاهوتيَّة التَّقديسيَّة والقراءة التَّفسيريَّة الكلاسيكيَّة للنصّ القُرآني عموماً، وسورة الفاتحة على وجه الخصوص، ويقوم هذا التَّصور اللَّاهوتيّ على جملة من المسلّمات أثناء قراءة أي نصّ قُرآني، رصدها محمّد أركون في ثمانية([15]):
- ” الله موجود؛ إنه هو الذي هو. ولا نستطيع أن نتحدث عنه بتطابق وبصحة إلا بالكلمات وبالعبارات التي اختارها هو ذاته واستخدمها في كلامه للتحدث عن نفسه”؛
- “لقد تكلم إلى جميع البشر باللغة العربية لآخر مرة وعبر النبي محمد خاتم الأنبياء”؛
- “لقد تم تلقي كلامه وجمع في مدونة نصية صحيحة وموثوقة تماماً هي المصحف أو القرآن”؛
- ” إن كلامه يقول كل شيء عن كينونتي أو وجودي، وعن كينونة العالم ووجوده، ووضع الإنسان في العالم، ووجوده وقدره ومصيره… إلخ، ولا يمكنني أن أرفض كلامه حول أي شيء، ولا في أي لحظة”؛
- “كل ما يقوله كلام الله هو الحقيقة الوحيدة، وكل الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة”؛
- “يمكنني – المسلم أو المؤمن- أن أحدد هذه الحقيقة أو أعرفها، بل ينبغي لي أن أعرفها عن طريق الاستعانة بأقوال الجيل الشاهد عليها، وأقصد جيل المؤمنين الأوائل الذي تلقوا الوحي من فم النبي مباشرة والذين طبقوه عمليا في بعد. لذا، إن هذا الجيل يشكل العصر التدشيني الأمثل (ما يدعى الصدر الأول)”؛
- “وفاة النبي سجنت جميع المؤمنين أو وضعتهم بالأحرى داخل إطار الدائرة التأويلية، بمعنى أن كل واحد منهم صار منذ الآن فصاعداً وحيداً في مواجهة نص يمثل الكلام المطلق أو كلام الله. النبي لم يعد هنا لكي يشرح ويهدي ويدل على الطريق، وذلك كل مسلم ينبغي أن يعتمد على ذاته، وكل واحد منهم صار واجبا عليه ” أن يؤمن لكي يفهم، وأن يفهم لكي يؤمن”([16])“؛
- “ينبغي العلم بأن النحو، وعلم اللغة التاريخي أو الفيلولوجيا وعلم البلاغة وعلم المنطق، كلّها أشياء تعلمني تقنيات الوصول إلى المعنى الإلهي وتقنيات إنتاج المعنى، وهي تتيح لنا أن نستخلص من النصّ الذي يمثل كلام الله الحقيقة المطلقة التي تضيء دربي وعقلي وإرادتي وأعمالي”.
وَفِي هذَا المضمار، ينبهنَا مُحمَّد أَركُون مِن استبداد العقل الإسلاميِّ الأرثوذكسيِّ، مُجتهِدًا فِي أَلَّا يقع فِي أَحابِيل هَذِه المسلمات مِن خِلَال استبْدالهَا بِمبادئ أُخرَى قَائِمة على القراءة الألسنيَّة اللُّغويَّة، وقد حدَّدهَا مُحمَّد أَركُون جُملَة مِن المبادئ ([17]):
- “إن الإنسان أشكل عليه الإنسان”؛
- “إن معرفة الواقع بشكل صحيح أو مطابق هي مسؤوليتي، ومسؤوليتي وحدي”؛
- “إنّ هذه المعرفة تشكل (في اللحظة الراهنة من التاريخ ومن وجود الجنس البشري) جهداً متواصلاً من أجل تجاوز الإكراهات (أو القيود) التي تحدّ من شرطي الوجودي بصفتي كائنا حياً (وإذن قابلاً للموت)، ومتكلماً، وسياسياً، وتاريخياً، واقتصادياً”؛
- “هذه المعرفة هي عبارة عن خروج متكرر- وبالتالي مجازفة مستمرة- خارج حدود السياج المغلق الذي يميل كل تراث ثقافي إلى تشكيله بعد أن يعيش مرحلة من البلورة المكثّفة”؛
- “هذا الخروج يتوافق مع مسارين في آن معاً: مسار الصوفيّ الذي يقوم بحركة روحية لا تستقر في أي مرحلة من مراحل السلوك نحو الله؛ ومسار الباحث الذي يتخذ البحث العلمي كممارسة نضالية. بمعنى أنه يرفض إبستمولوجياً التوقف عند حلّ معيّن مهما حقق من نتائج؛ فهو يعتبر الخطاب العلمي بمثابة حلّ تقريبي مؤقت، أي أنه مدعو إلى تجاوزه في مرحلة لاحقة”.
يحسُن بنا أن نفهم، من خلال هذه المبادئ، أن محمّد أركون يدعُو إلى قراءة سُورة الفاتحة قِراءة ألسنية ولغوية، من خلَال إخراجها عن سياجهَا الأرثوذكسي التَّقليدي، وإضفاء لبوسٍ عليها مُخالفٍ عمَّا كانت عليه داخل المدوَّنة التَّفسيريَّة الكلاسيكيَّة. وفي هذا المقَام، ينبهنا مُحمّد أركُون إلى أنَّه لا يدين بتلك التَّفاسير الدِّينيَّة في مُعظم كتاباته، ولا يومئ إليها بأصبع الاتِّهام، مُصرحاً ([18]): “(…) إني لا أُدين أي نوع من أنوَاع الأعمال الفكريَّة بما فيها التَّفاسير الدِّينيَّة الجادة، على الرَّغم من اختلافهَا في ما بينها إلى حدّ التَّناقض والتَّصارع. كلّ ما أُنتج من إبداعات فنيَّة أو أدبيَّة أو علميَّة أو مؤلفات دينية، خلال مسيرة التاريخ، يستحق أن نُصغي إليه ونعطيه حق الكلام. ولن أقول أبداً في حَياتِي إن المدرسة الحنبليَّة متفوقة على المدرسة الشَّافعيَّة أو إن الشِّيعة متفوقون على السنّة أو العكس. لماذا أقول ذلك؟ ليس خوفاً من هؤلاء أو رَغبَة في مُحابَاة أولئك، وإنما لسَبب أعمَق وأكبر بكثير؛ لن أقُول ذلك أبداً، لأنَّ كل هذه الاتِجَاهَات تُمثِّل أصواتاً ارتفَعت يَوماً مَا فِي سَمَاء التَّاريخ”. وفي نَفس الآن، يَتَوَّجس من أن يُخسَف بمشرُوعه الفكري من قِبَل دُعَاة الخطَاب الإصْلاحي السلفي في هَاوية لا عديل فيها. لذلك يشدِّد على تَجنُّب كُل تَأويل يُحوِّل مَشرُوعه الفكري إلى مَوضِع تبجيلٍ أو تَقديسٍ أو ازدِراءٍ وتحقيرٍ.
يجُوز لَنا، في هذا السياق، أن نتساءل: كيف يُمكن قِراءة سُورة الفاتحة قراءة ألسنيَّة نقديَّة؟
تحتل سورة الفاتحة حسب الترتيب الزمني الكرونولوجي للنزول مرتبة 46، وهي في نظر أركون، سورة مكيّة. وتتسم بمجموعة من الخصائص اللّغوية والألسنيّة، هي: أوّلها؛ هي معرفة “صائغات الخطاب” التِي تَحكم مَنطُوق المتكلِّم، أي أَفعَال الخطَاب وأسماؤهَا، والبنى النَّحويَّة والصَّرفيَّة، وأدوَات التَّعريف، النُّظم والإيقاع، بُغيَة فَهم قَصدِية المتكلِّم وَسبَب اختياره لِهَذه الكلمات دُون سِواهَ. ثانيهَا؛ التِي تُفيد قِيمة التَّعميم فِي الزَّمَان والمكان أو وَظِيفَة التَّصنيف، أو بالإضافة أو أَسمَاء البدل. ويقدِّم مُحمَّد أَركُون كَلمَة اللَّه فِي سُورَة الفاتحة التِي تَحتَل مَكانَة جَوهرِية فِي تَشكُّل المعنى. إِذ تَتَجلَّى كَلمَة اللَّه بِصيغ مُختلفَة، وَهِي: الرَّحمان، الرحِيم، إِيَّاك، اهدنَا، مَالِك، أَنعَمت (التاء دالة على الله)، رب العالمين. ثالثها؛ أن محمّد أركون قام بتفكيك التركيبة اللغوية للسورة التي تتكون من الضمائر الشخصية في هذه الآية: “إِياكَ نَعْبُدُ، وَإياكَ نسْتَعِين“([19]) للدَّلالة على وُجُود الضمِير الشخصِي والضَّمير المخاطب. والأفعال فِي سُورَة الفاتحة التِي وَظفَت فِي أَزمِنة مُختلفَة؛ فقد صَرفَت هَذِه الأفعال “نَعبُد ونَستَعِين وَاهْدِنا وَأَنعمَت ” فِي الزَّمن الحاضر والمضارع بُغيَة بَيَان التَّوَتُّر والقَلق والجهد الذِي يبذله العامل الفاعل “أي الإنسان” تجاه العامل الفاعل ” أي الله”. ضف إلى ذلك، تتضمن سورة الفاتحة الأسماء والتسميات، وَهِي عدد المفاهيم البدائيَّة الأصليَّة التِي إِذَا تمَّ تحويلهَا إِلى جِذرهَا المعنويِّ تفلت مِن التَّمفصلات المنطقيَّة والصرفيَّة التِي تدخلها التَّحديدات التِّقنيَّة على المفاهيم المشتقَّة. وَفِي هذَا الصَّدد، يَقُوم مُحمَّد أَركُون بِتحلِيل إِيتيمولوجي للكلمات البدائيَّة الموظَّفة فِي سُورَة الفاتحة، وَهِي: اسم، أل-لاه، حمد، رب، يوم، دين، صراط. ثم يشدد على ضَرُورة مَعرفة التَّحوُّلات المَعنويَّة التي حدثت دَاخل النِّظام المُعجمي المستخدم في اللغة القُرآنيَّة. رابعها؛ تتميز سورة الفاتحة بالإيقاع الصوتي والنظم ويتجَلَّى، بِشَكل وَاضِح، أَثنَاء القراءة الشَّعائريَّة وقواعد التَّجويد. وقد وضح أَركُون على أنَّ نَظَريَّة النُّظم الألسنيَّة تُؤكِّد على أَهَميَّة العلاقة الأساسيَّة الكائنة بَين عِلم النَّحو وارتفاع الصَّوتِ والنَّغم والإيقاع، واكتَفى أَركُون بِالتَّنبيه على وُجُود القافية (ايم) بالتناوب مع قافية (اين) في هذه الآية:” إياك نعبد وإياك نستعين. اهدنا الصراط المستقيم…إلخ”. أما فيما يخص الوحدات الصوتيَّة الصغرى أو الفونيمات، فنلحظ هيمنة الوحدات التالية: حرف الميم (15 مرة)، واللام (12 مرة)، والنون (12 مرة)، والعين (5مرات)، والهاء (5 مرات).
مِن المُؤكد أنَّ اهتِمام أَركُون بِقراءة سُورَة الفاتحة لَم يَكُن اهتمامًا لُغَويا وألسنيًا وَفقَط، وَإِنمَا كان يَنخَرِط فِي سُؤَال جَوهَرِي يَتصل بِالمقاربات المنهجيَّة الأُخرى كالمقاربة النَّقديَّة، وَكيفِية تطبيقهَا على كُليَّة النَّص القُرآنيِّ، أي تَحلِيل النَّص بِاعتباره كُلًّا مُكتمِلا؛ فالمنهج النقدِي يسوق الفكر إِلى الانفلات مِن قَبضَة عِلم الألسنيَّات، وَإلَى التَّحَلُّل مِن مسكة الموضوعيَّة الإبستمولوجيَّة لِهَذا العلم، وبالتَّالي يسوقه خَارِج تُخُوم الصَّرامة العلميَّة التَّقشُّفيَّة. وعليه، فالعلاقة النَّقديَّة، بِنَحو خاص، تَرمِي إِلى إِعادة إِحيَاء العلاقات بَين القارئ والذَّاتيَّة المحايثة للعمل الفكرِي أو النَّص الأدَبيِّ. ويدعم محمّد أركون قوله هذا بالموقف النقدي للناقد السويسري جان ستاروبنسكي JEAN STAROBINSKI في كتابه “العلاقة النقديَّة” ويفسر فيه أن “النصّ عبارة عن “مادة علائقية” تترك نفسها “تُسكن من قِبل القراءة”([20]). دَاخِل هذَا الأُفق الفكرِي، إِذن، تَرتَسِم مَعالِم نَقدِية أَركُون التِي تَطمَح إِلى ضَرُورَة إِعادة قِراءة التُّرَاث التَّفسيريِّ الإسلاميِّ لِسورة الفاتحة، مِن خِلَال النَّبش فِي الطَّبقات التَّفسيريَّة المضمرة على مرِّ العُصور التَّاريخيَّة، بُغيَة جَرد نِقَاط الخلَاف والاتِّفاق الموجودة بَين القراءات التُّراثيَّة الكلاسيكيَّة والقراءات الحديثة المعاصرة. فكيف السبيل إلى ذلك؟
بدايةً، يلزم، حسب محمّد أركون، أن نَتَحاشَى “النَّزعة الاصطناعيَّة والاعتباطيَّة للموضات العلميَّة العابرة التِي تُمثِّل إِحدى السِّمَات الصَّارخة لعصرِنَا، هِي أن ننصِف القدماء. من الممكِن أَلَّا يُؤدِّي اختِراق طَبَقات المعنى المتراكمة فَوق بعضهَا البعْض وَالتِي تُشكِّل التُّرَاث التَّفسيريَّ إِلَّا إِلى العُثور على بَعض القطع النَّادرة، تمامًا كمَا يَحصُل لِعمليَّات الحفر والتَّنقيب الأركيولوجية”([21]). لذلك، يدعو أركون إلى تجاوز تلك القراءة السطحية التي تهتم بالقشور الفكرية وتوجه جهودها في تجميع النصوص الدينية المتناثرة ومراكمتها في رف المنسيات، والعمل على الاهتمام بالمقاربة التاريخية والمقاربة الأنثروبولوجية أثناء قراءة سورة الفاتحة. وقد اختار أركون تفسير فخر الدين الرازي لسورة الفاتحة كَنَموذَج للقراءة التَّفسيريَّة الكلاسيكيَّة مِن أَجل تَحدِيد القوانين والمبادئ التِي تَتَحكَّم بِتفسِير الرَّازي لِهَذا النَّص، ويحدِّده فِي الأنساق التَّالية: النَّسق الدِّينيُّ، والنَّسق اللُّغَوي، والنَّسق الرمزِي، والنَّسق الثَّقافي، والنَّسق التَّأْويلي. وَيعد هذَا الأخِير مِن بَين أهمِّ الأنساق التِي يعتمدهَا المُفسر بُغيَة التَّوَصُّل إِلى المعنى النِّهائيِّ للنَّصِّ القرآنيِّ. وَهُو، فِي نَفس الآن، يُشكِّل قَاعِدة أَساسِية لِبناء الاعتقاد الإسلاميِّ وترسيخه فِي الوعي الإسلاميِّ. أمَّا المُقاربة الثَّانية “الأنثروبولوجية الدّينيَّة” فهي تُسَاهم فِي وَضع الأديان مَوضِع مُقارنَة والتَّعامل مَعها على قدم المساواة من خلال استنباط الأصول البدئيَّة المشتركَة بين النَّصّ التَّوراتي والإنجِيلي والنَّصّ القُرآنِي. ويقصد بالأصل البدئي الأنثروبُولُوجي “تلك الذُّرى القُصوَى والعليا للوُجود البشري مثل: الحياة، والموت، والزَّمن، والحب، والقيمة، والامتلاك، والسلطة، والمقدس، والعنف… فهي تشغل جميع الأقوام والشُّعوب من مسيحيَّة ويَهوديَّة وإسلَاميَّة وبوذيَّة وهندوسية وصينية وكونفوشيوسية…إلخ. إنها ذات أبعاد أنثروبولوجيَّة، أي إنسانيَّة عَامَّة شَاملَة، تهم الإنسان في كل زَمان وَمَكان”([22]). لا يمكن الكشف عن المعنى الأصلي لهذه المفاهيم البدئيَّة إلَّا عن طريق التَّعبير المجازي أو الرمزي. لذلك فإن أركون لا يتردَّد في القول بأنَّ اللغة القُرآنيَّة لغة رمزيَّة مجازيَّة أكثر مما هي حَرفيَّة؛ فالرمز بالنسبة إليه وظيفة من الوظائف الأساسية التي تنبني عليها اللغة، لأنه يكشف عن الخصائص المحددة للفكر الأسطوري و الخيالي و المجازي. ولكي يؤكد صحة رأيه، يقدم مثالاُ توضيحياً، يقول: “لا أستطيع أن أتخلص من رمزانية الخير والشر المعبر عنها في الكلمات التالية: إياك نعبد، صراط مستقيم، أنعمت/مغضوب عليهم، ضالين، ولا أستطيع أن أتخلص من مسألة الكينونة المدشنة بكلمات من قبيل: الله، رب العالمين، ولا أستطيع أن أتخلص أو أنجو من ذروتي الزمن والموت المثارتين ضمنياً كأنهما مجرد عبور أو ممر إلى الدار الآخرة”([23]). ولم يكتف محمّد أركون بهذه التحليل المقتضب، بل قدم قراءة مفصلة للغة الرمزية التي تتضمنها سورة الفاتحة من خلال استخراج الذرى التالية:
“الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم يحيل إلى علم الأصول الأنطولوجية والمنهجية المعرفية.
مالك يوم الدين علم الأخرويات Eschatologie
إياك نعبد الشعائر والعبادات الدينية
اهدنا الصراط المستقيم علم الأخلاق
الذين أنعمت عليهم علم النّبوة Prophétologie
غير المغضوب عليهم يحيل على رمزية الشر والتاريخ الروحي للبشرية.
ستوضِّح، إِذن أنَّ مُحمَّد أَركُون لَم يَنظر إِلى سُورَة الفاتحة كنصٍّ لُغَوي فحسب، بل كَظاهِرة أنثروبولوجية تاريخيَّة حَافِلة بِالمعاني الميتالغويَّة والرَّمزيَّة اللَّمَّاحة وممهورة بِبلاغة الإيحاء. وَهذَا النَّحو مِن النَّظر عِنده هُو الذِي جَعلَه يَتُوق إِلى كَشف المخبوء واللَّامُفكِّر فِيه فِي الثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة بعيدًا عن تِلك التَّفاسير التُّراثيَّة التَّقليديَّة التِي بَقيت سَجِينَة لُغَة الشَّطحات الصُّوفيَّة، أو الخطَاب السَّلَفي الدّوغْمائيِّ.
رابعاً: قراءة سورة الكهف
يشير محمَّد أركون، أثناء إعادة قِراءَته سُورة الكهف، إلى جملة من العناصر التكوينيَّة يُمكن أن نُحصيَ منها خمسة منها ([24]):
- تَبتَدِئ هَذِه السُّورة بِوحدة نَصيَّة مُكَونَة مِن ثَمانِي آيات، وَهِي آيات تُعبِّر عن قضايَا ومواضيع عَامَّة تَكررَت بِشَكل مُتَواتِر فِي القُرآن، وَالتِي تُعبِّر عن “الخطاب التبشيري” وتصنف هذه الآيات من ناحية التسلسل الزمني بكونها مدنية.
- من الآية التاسعة إلى الآية السَّادسة والعشرين: فهي وحدة سرديَّة أولى تَروِي قصّة عن أهل الكهف الذين لبثوا فيه لسنوات عدة؛
- من الآية السابعة والعشرين إلى التاسَّعة والخمسين: تتَضمن آيَات تتحدث عن قضايَا عامَّة حول العبَادة.
- من الآية الستين إلى الثمانين: تشير السورة إلى خطاب سردي يروي قصتين مستمدّتان من مصدر مشترك وهو الإسكندر المقدوني.
- تنتهي السورة بالآيات 99 إلى 110 بخطابٍ تبشريٍّ دعويّ.
مِن يَتَأمَّل التَّفسير الكلاسيكيُّ القدِيم الذِي تَناوَل سُورَة الكهف، يَنْقاد بِسرعة إِلى الحُكم بِوجود ثَلاثَة اتِّجاهات وَجهَت اهتمامهَا صَوْب تَفسِير هَذِه السُّورة، وهي: “التفسير النحوي اللغوي والتاريخي – الأسطوري للمفسرين المسلمين القدماء”، “التفسير التحليلي السكوني للاستشراق” طبقاً لتعبير لوي ماسينيون”؛ و”الانتشار الرمزي للموضوعات الروحية والنموذجية للمثالية للسورة في المخيال الجماعي للمسلمين خاصة في الأوساط الشيعية والصوفية ومَا يُميِّز النَّقد الأركوني أَنَّه قَبل أن يَعرِض موقفه وقراءته الخاصَّة للنَّصِّ القرآنيِّ، يعمِد إِلى هَدم التَّصوُّرات السَّالفة المرتبطة بِالموضوع، لِذَلك، قَدَّم بَعض التَّفاسير اللَّاهوتيَّة التِي تَعُود إِلى القرن الثَّالث الهجرِي/التَّاسع الميلادي، وَمِنهَا تَفسِير الرَّازي وَبن كثير والطَّبري الذِي جمع فِي مُجلدَات ثَلاثَة الأخبار وَالقِصص والأحاديث التِي كَانَت مُنتشرَة فِي مِنطَقة الشَّرق الأَوسط طَوَال القُرون الأُولى الهجريَّة، ويؤكِّد أَركُون أنَّ مَنهجِية تَفسِير الطَّبَري تَرتَكِز على أَربَع مُسلمَات يَقُوم عليْهَا الخطَاب القرآنيّ، هِي: كُليَّة النَّص القرآنيِّ المجموع بَين دَفتَي المُصحف، وَهُو دَعوَة إِلهيَّة إِلى النبِي مِن أَجل تَبلِيغ الشُّعوب بِرسالته؛ والمسلمة التِي تُفيد أنَّ القُرآن لَيس وَثِيقَة تاريخيَّة كَبَقيَّة الوثائق التِي يَدرُسها المُؤرخ، وَإِنمَا هُو توجيهات أخلاقيَّة وتعاليم تشريعيَّة يَسلُكها المسْلِم فِي حَياتِه اليوميَّة؛ وَإِن العبارات اللُّغويَّة والآيات المجموعة بَين دَفتَي المُصحف (أي النَّص الرسمِي القانوني) صَحِيحَة بِشَكل كلِّي. ثُمَّ إِنَّ الآيَات القرآنيَّة عِبارة عن نسيج لُغَوي مَعصُوم فِي مَضمُونه وَلفظِه وصياغته اللُّغويَّة.
تُشكل هذه المسلمات في الأدبيات التَّفسيريَّة الإسلَاميَّة الركيزة الأساسيَّة لتفسير النَّصّ القُرآني عموماً، وسورة الكهف على وجه الخصوص، وتتفق على أن لكل آية أو سورة “أسباب نزول” وقصتها التمهيدية لفهم النصّ القرآني. وليس مِن قبيل المبالغة أن يَصِف مَلامِح التَّفسير الإسلاميِّ التَّقليديِّ بِهَذا الوصف، مُعبرا عَنه ب “أنَّ هذَا التَّفسير يرى أنَّ كُلَّ كَلمَة مِن كلمات القُرآن تَمتَلِك بِالضَّرورة عائدًا موضوعيًّا، أي تَدل على شَيء مادِّي مَوجُود فِي الواقع الخارجيِّ. إِنَّه مِن الصحِيح القول إِنَّ هؤلاء المفسِّرين القدامى كَانُوا يلجؤون إِلى الحكايات الأسطوريَّة لِلبرهنة على صِحَّة كُل كَلمَة أو آية مِن آيات القُرآن أو مِن أَجل إِثبَات حَقهَا وأحقِّيَّتهَا. وبعقليَّتهم القديمة الغابرة، كَانُوا يرون الحكايات الأسطوريَّة بِمنْزِلة مُعطيَات تاريخيَّة، أو جُغْرافيَّة، أو كوزمولوجية”([25]). وفق هذا المنظور، قدم محمّد أركون بإسهاب كبير تفسير الطبري لسورة الكهف.
بيّنٌ أن هذا النحو من الكلام، قاد محمّد أركون إلى التَّفكير الجدي في نصّ “الكهف” ودعوته إلى فتح وَرش عَمل تَتأسس علَى تَطبيق هَذه المناهج أَثنَاء قراءَة سُورة الكهف، وهي:
- قراءة القرآن وفق المنهج السيميائي من أجل استجلَاء دلالاته المضمرة؛ وذلك من خلال تحديد البنى الأولية للمعنى باللغة العربيَّة لمرحلة ما قبل القُرآن والتوقف عند صيرورة التطور الدلالي للخطاب القرآني.
- ضَرُورة الانفتَاح على الدِّراسَات الأركيُولوجيَّة التي يُمارسها المُؤرخ بُغية التَّنقيب على المقولات التي اكتست طابع التعالي: مُقدس/ مُدنس، دنيوي/سماوي، أَرضي/روحي. وفي سُورة الكهف، من السهل ” أن نبين كيف أن التَّنظيم السردي يتطوّر كمجاز ضخم يحمل في طَياته شَيئاً من التَّعالي أو من الروحانية بمُساعدَة نقاط ارتكاز ماديَّة أو فيزيائيَّة: كالكهف، والكلب، والنوّام السبعة، والسنوات الثلاثمائة وتسع، والحوت، والصخرة، ومجمع البحرين، ومغرب الشمس ومطلعها”([26]).
- تحرير المعرفة التاريخية من مفازات القصة الخيالية ومجرياتها بغية الكشف عن التطورات التي لحقت الإنسان على مر العصُور والأزمنة.
*
على سبيل الختم
تعد اللَّحظة الأركونيَّة لَحظَة نَقدِية مُنقطعَة المثِيل، لَحظَة عُبُور فِكرِي مِن الوُثوق إِلى النَّقْد. وَمِن خِلَال هذَا العُبور النقدِي، يَقِف مُحمَّد أَركُون يَقِف موقفًا نقديًّا مِن مَشرُوع الإسلاميَّات الكلاسيكيَّة، ويطمع فِي تجاوزهَا، وَذلِك مِن خِلَال انتهاجه أَكثَر الطُّرق وُعُورَة، وَهِي تَعقُّب تطوُّرَات المقاربات العلميَّة المعاصرة وتطبيقهَا على التُّرَاث الدِّينيِّ الإسْلاميِّ، بُغيَة إِثارة القضايَا اللَّامُفكِّر فِيهَا والمستحيل التَّفكير فِيهَا فِي ثقافتنَا، حَيث انسدَل سِتَار التَّفكير النقدِي والتَّساؤل الجدِّيِّ اليوم، ولم يَعُد الانهمام بِمشكلات الدِّين أمرًا ضَرورِيا. والحقُّ أنَّ المشروع الفكرِي لِمحمَّد أَركُون، فِي دِراسة الإسْلاميَّات الدِّينيَّة، لَم يَحظ بِالاهتمام الكافي فِي العالم العرَبي، بِمثل مَا شَهِد عليْه مِن تَقدِير واهتمام فِي الدِّراسات الفلسفيَّة الغرْبيَّة. يُضاف إلى ذلك، أن أركون لم يزعُم أنه كان بصدد بنَاء خَريطة فكريّة استراتيجية مَعرفية مُتكاملة لهذا المشروع، ولا زعم أنه تَنَاوَل نُصوص القرآن الكريم بأكملها وقرأها وفق الأدوات المنهجيَّة المُستقاة من العُلُوم الإنسانيَّة المُعَاصرة، إنَّما كَان مسعاه، بالدرجة الأولى، أن يضع أقدَامَنا عند أول خطوة لولوج هذه الرحلة الفكريَّة المستجدة، وأن تستكمل الأجيال القادمة داخل الفكر العربي المعاصر هذه المهمة التاريخية بنفسٍ نقدي وبروح فكريّة يقظة متسلحة بمنهجيات العلوم الإنسانية.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم
محمد أركون، قراءات في القرآن، ترجمة هاشم صالح، بيروت، دار الساقي، 2017.
القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ترجمة هاشم صالح، بيروت، دار الطليعة، 2001.
الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد، ترجمة: هاشم صالح، دار الساقي، بيروت، 1998.
تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ترجمة هاشم صالح، ط2، بيروت، مركز الإنماء القومي،1996.
قضَايا في نقدِ العقل الدينيّ: كيف نفهم الإسلام اليوم؟ ترجمة وتعليق هاشم صالح، بيروت، دار الطبيعة،2004.
[1] يفسر محمد أركون طبيعة العقل بقوله:” يُمكننَا أن نَتَحدَّث هُنَا، إِذن، عن وُجُود عَقل ثِيولوجيٍّ شَغَّال وَفَعال ماضيًا وَحاضِرا فِي كُلِّ مُجتمعات الكتَاب. يُحَاوِل العقل، هُنَا، أن يُشكِّل يقين مُتَماسِك إِكراهيّ بِالنِّسبة إِلى النَّفس ومطمئنًا لسكون الرُّوح ومغرِيا للقلب انطلاقًا مِن حدث استهلاليٍّ تدشيني كبير يُقسِّم التَّاريخ إِلى قِسمينِ: مَا قبله ومَا بَعده (أي لَحظَة النُّبوَّة ومَا بعدهَا)، وينتج بذلك العلم بمعنى التعرف والانتساب المباشر بالقلب والعاطفة إلى الحقائق البديهية التي لا تدحض. ثم ينتج العلم قواعد الممارسة العملية انطلاقاً من النُّصُوص”. محمّد أركون، تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ترجمة هاشم صالح، ط2، (بيروت: مركز الإنماء القومي،1996)، ص 66-67.
[2] يقصد محمّد أركون به: ” ذَلِك السور المسيّج بالأسلاك الشَّائكة للعقيدة الرَّسميَّة، وبالتَّالي فلا يُمكن الخُروج مِنه ما إن تدخله وتندمج فيه، ويصبح العقل فيه خاضعاً للتُّرَاث الأرثوذكسي المُقدس. ويتحَكَّم فيه هذا التُّراث ويسيطر عليه أكثر فأكثر كُلمَا مرَّ الزَّمن وزاد من تقديس هذا التُّراث ونزع الصِّبغة التَّاريخيَّة عنه. وعندئذ يخضَع العقل البشريّ لجدليَّة صارمة لا ترحم: أقصد تلك الجدليّة التي تَفصِل بشكل قاطع بين المسموح التَّفكير فيه/ والمستحيل التَّفكير فِيه“. انظر: محمّد أركون، قضايا في نقد العقل الدّيني: كيف نفهم الإسلام اليوم؟ ترجمة وتعليق هاشم صالح (بيروت: دار الطليعة، 2004)، ص 233.
[3] انظر: محمد أركون، قراءات في القرآن، ترجمة هاشم صالح (بيروت: دار الساقي، 2017).
انظر: محمد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ترجمة هاشم صالح (بيروت: دار الطليعة، 2001).
([4]) محمّد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدّيني، م م، ص 39.
([5]) محمّد أركون، قراءات القرآن، م م، ص 141-145.
([7]) محمّد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدّيني، م م، ص 17.
([11]) محمّد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدّيني، م م، ص 62.
([13]) محمّد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدّيني، م م، ص 27-28.
([14]) محمّد أركون، قراءات القرآن، م م، ص 157.
([15]) المصدر نفسه، ص161- 162.
([16]) أشار محمد أركون إلى هذه الصياغة اللغوية التي اعتمدها الفيلسوف الفرنسي بول ريكور تعبيراً عن الدائرة التأويلية.
([17]) القول هنا لأبي حيان التوحيدي، وهو في هذا المقام، يشكل قطب رحى انهمام محمّد أركون الذي أصدر كتاباً خاصاً عن: النزعة الإنسانية العربية في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي.
([18]) محمّد أركون، الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد، ترجمة هاشم صالح، (بيروت: دار الساقي،1998)، ص 245.
([19]) القرآن الكريم، “سورة الفاتحة”.
([20]) محمّد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدّيني، م م، ص 135.
([22]) محمّد أركون، قراءات القرآن، م م، ص 184.
([24]) المصدر نفسه، ص 192-195.
([26]) محمّد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدّيني، م م، ص 174.