تكوين
تمهيد:
تعانى أمتنا الإسلامية اليوم من أزمة حضارية كبيرة؛ تهدد وجودها الفعلى، بعد أن قلصت ثأثيرها الواقعى، وشوهت دورها التاريخى، فوحرمتها موضع قدم لها على خريطة العطاء الإنسانى.
فى هذه الحالة تأتى الظاهرة التكفيرية، والنزعة السلفية، لتعمق هذه الأزمة-إن لم تكن من أقوى أسبابها- وتعصف بإدنى شروط المناعة، والحماية الداخلية، حيث أنشأت، وأوجدت، وعمقت، الانقسامات الداخلية، والحروب الأهلية، والتهديدات الأمنية الوجودية الحدودية الأرضية، والنفسية الانسانية، فقد استبيحت الأعراض، وسلبت الثروات، وهتكت الحرمات، فى اليمن، والشام، والعراق، وليبيا، والجزائر، ومصر، وباكستان، وأفغانستان، وكل بلاد العرب والإسلام.
لقد فطن كل عدو من داخل الأمة أو خارجها، لمدى خطر تلك الظاهرة فلم يفعل شيئ سوى رعايتها، وحمايتها، فصارت الأرض لأبنائها صاعقة على أسس دينية، وسمائها محرقة، بنصوص مقدسة، ومياهها مغرقة، فى الفوضى والانقسامات المذهبية، والطائفية، والعرقية، والسياسية الدينية.
يخربون بيوتهم بأيديهم وأيد عدوهم، ويتستصرخونه ليل نهار، لمصادرة ثرواتهم، وكشف عوارتهم، واغتصاب خيراتهم، فلا يردون يد لامس، ولا يجزعون لفعل عابث، بل ينادون كل يوم هل من مزيد؟!
فتنة تجاوزت بشكل صريح كل القيم الإنسانية، وشوهت بشكل غير مسبوق صفاء الصورة الإسلامية، ومن ثم تحتم علينا أن نقف أمامها مليًا نحدق فيها بكل جرأة؛ لمعرفة أسبابها، وسبل علاجها، فليس بعد التكفير ذنب، ولا بعدما حصل عيب يجعلنا نخشي طرح الأسئلة الآتية:
هل العقل المسلم محكوم عليه بإنتاج مناهج تكفيرية وفقًا للحالة التراثية حسبما يقول البعض؟ وما هو الكفر ؟ ومن هو الكافر أصلًا؟ وهل كل من ليس مسلمًا فهو كافر؟ وهل كل كافر فى النار؟ وهل الكفر مبيح للدم غير عاصم له؟ ومن الذى يملك حق التكفير وإهدار كرامات الناس؟ وما هى مناشئ التكفير التكفير، وأسبابه؟ هذا ما تناقشه هذه الورقة البحثية بالتفصيل كالآتى:
1-هل العقل المسلم محكوم عليه بإنتاج مناهج تكفيرية وفقًا للحالة التراثية؟
الاحتياج للدين-أى دين- احتياج نابع من إدراك الانسان العميق بأنه متزمن،محدود القوة عاجز، فللزمن قوة تقهره وتفنيه، وهو يكره الفناء، ويعشق الخلد، فيقاوم ويتشبث ويحاول لكنه يفشل حتما، ويقهره الزمن قهرا يعجزه، وهو صغير الحجم فى كون فسيح، تنقصه اشياء كثيرة وبداخله عشق للكمال.
من هنا تاتى فكرة الأله بقوته المطلقة، وملكه الذى لا ينفد، المحيط القادر على كل شيئ،، القاهر للزمن الواهب للخلود، الذى نفخ فى ذلك الانسان من روحه واعطاه نفحه منه ففيه قوة الهية محبوسة فى جسم معتم، ونفس محدودة، تضغط عليه برغبات لا تنتهى، وحمقات كثيرة، وطغيان يحرمه الطمأنينة والسكينة، وعالم محكوم عليه بالزوال، والاله يكره يزول محب للكمال، كمال الملك، والتملك، والخير، والجمال، والحق، والعدل، ذلك هو الانسان الساعى للإنعتاق بروحه التى تكره الحدود؛ ومن ثم تاخذه ولو قهرا لتعود من حيث اتت من موطن الكمال والاطلاق ممن نفخها أول مرة.
الدين إذن فطرة انسانية، قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (سورة الروم اية30)، والشذوذ-وان كان حالة غير سوية- عن الفطرة هو بلا شك أيضًا ظاهرة انسانية موجودة عبر العصور، وعلى مر الدهور.
فإن كان الدين فطرة إنسانية، فالكفر والتكفير شذوذ ضد الفطرة، وبما أن الشذوذ ظاهرة انسانية، فالتكفير بلا شك ظاهرة انسانية عابرة لجميع الأزمنة، والأجناس، والطوائف، والملل، والنحل، وليس منتج إسلامى، ولا من خصائص تراثه، فالشذوذ عن الفطرة حالة بشرية بامتياز، وسقراط ومحاكمته بتهمة إنكار (الكفر) الألهة -كما ورد بعريضة متهمه (مليتس) – وإعدامه خير شاهد على ذلك الشذوذ البشري العتيق[1].
وخطأ بعض نقاد العقل العربي والتراث الإسلامى، أنهم تجاهلوا كون التكفير ظاهرة بشرية، ومن ثم خصوه بالتراث الإسلامى ، بل تجاوز بعضهم فجعلوا ذلك التراث حقل تكفيري خصب، جراء استشهاد التكفيريون والسلفيون الجدد بنصوص من هنا أو هناك، فدعا هؤلاء-نقاد العقل العربي-للإنعتاق من هذا التراث والإكتفاء بالقرآن وحده دون السنة واعادتها جزعة، باعتبار السنة أخبار تراثية غير موثوقة فى نسبتها للرسول، وذلك لما رأوا هؤلاء يستشهدون فى تكفيرهم بنصوص منسبوبة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
فالحق الذى لا مراء فيه أن المشكلة لا تكمن فى هذا التراث، إنما فى طريقة تعاملنا معه، والجهل بمناهج النقد التى قدمها أسلافنا، بجرأة لم نرثها عنهم، بل ورثنا تصنيمًا للآباء الأحرار، وخوفًا مقدسًا، واحتقاراً للذات، ورهبة منحتنا عجزًا عن الإبداع وتقديم جديد يُقال أو يضاف لهذه المناهج النقدية.
فالتراث صامت لا يتكلم، وبه الغث، والسمين، والضعيف، والصحيح، والصادق، والكاذب،ومعرفة ذلك هى صميم وظائف ذلك الإنسان الناطق. فما العمل إن كان ذلك الإنسان لا يريد أن يقوم بدوره ويمارس وظيفته التى اناطه الله بها؟
وبالرغم من كون هذه الظاهرة-التكفير-ظاهرة انسانية بامتياز، ودينية لا مفر منها إذ لا يوجد دين ليس سياج، يحدد من يدخله، ومن يخرج منه، وإلا فقد معنى كونه دين، لكن يؤلمنى، ويؤلم كل حر، أن كثيرًا من المجتمعات البشرية، استطاعت أن تحاصر هذه الظاهر، وتتغلب عليها، وتحد من آثارها السلبية، من خلال مناهج مبتكرة، تسمح لها بإدارة الخلاف، وتنظيمه، بين أفردها، دون اللجوء لهذه الهجمات البربرية، والأساليب اللانسانية.
أما أمتنا الإسلامية بما تملك من تراث يحتوى على فضاءت رحبة، من أسف تتركها، وتذهب لإحراشه غير عابئة بهوامة القاتلة، فأضحت تحتاج لجيش ينير الطريق، يكشف، ويغلق، ويدمر هذه الأحراش، ويقودها لتلك الفضاءت الرحبة المزهرة.
تلك الفضاءات، التى تكسر تهور المتهورين، وغرور الجاهلين، المتطرفين، المذعورين، من إندثار الإسلام، وضياع الإيمان، وخراب البلدان، إذا لم نكفر خلق الله، ونحارب الناس أجمعين.
هنا تأتى طائفة أخرى مقابلة لهذا التطرف، تلغى تحت دعوى الانفتاح والاعتدال حدود الدين، متناسين أنه لا دين بدون حدود، تمامًا كما أنه لا وطن بدونها أيضًا.
فليست المشكلة فى الكفر والتكفير-برغم خطورته-إنما المشكلة في تعيين هذه الحدود، التى لا تنقص سيادة الدين، ولا تجعله من المعتدين، وما يترتب على عملية التكفير من تقريرات وأفعال، أو بمعنى أدق إدارة هذه العلمية بوصفها خلاف بين المختلفين، وهذا ما نحاول عمله فى بحثنا هذا رغم صعوبته، مستلهمين رشد الراشدين، وسعة نظر، وخلق أهل الدين، فى هذا التراث الرحب المتين.
2-ما هو الكفر ؟ ومن هو الكافر؟
الكفر فى اللغة هو: الجحود والستر والتغطية. انظر: تاج العروس (14/ 51)، القاموس الفقهي (ص: 320)
ومعنى الكفر قرآنيًا لا يختلف عن المعنى اللغوى، فالكفر هو: جحود الحق أي إنكاره بعد العلم أنه الحق، أوالتغاضي عنه، وأهماله، والبعد عنه، عن عمد، كأنه ستره، وغطاه، بعد أن علم أنه حق، ومن ثم فتعريف الكفر هنا بالمعنى الإيجابي، لا السلبي، أى بناء على فعل، واختيار، لا عدم الفعل والاختيار.
فكل عناد لكل حقيقة من أى أحد فهو كفر، – قال تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين} (العنكبوت:68). هذا هو معنى الكفر الذي تدل عليه سياقات القرآن وحقائق اللسان، قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)سورة النمل.
فالآيات-الأدلة-وصفت بأنها مبصرة لشدة وضوحها، فلا تشوبها شائبة ولا يرفضها كل ذى لب فجحدوها وأنكروها رغم يقينهم بها فى أنفسهم، فهم لم يعلموا الحقيقة وفقط، فالعلم فى ذاته غير كاف ما لم يحقق يقينًا لدي مَنْ علمه، وهذا هو الكفر الذى يستحق صاحبه العقاب، بنص الآيات؛ لأنه حينئذ سيكون بلا ميزان حقيقى وصائر للإفساد لا محالة؛ لذا ختم الله الآية بقوله -فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)سورة النمل، فالكفر فى هذه الحالة قرين الإفساد، وكأن العقاب على الإفساد فالله عز وجل غنى عن العالمين،قال تعالى: وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)سورة إبراهيم.
قال تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)سورة النساء. وقال: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)سورة التوبة. فشرط المصير السيئ أن يختاره المرء بعدما تبين له سوءه وعاقبته، فاختار عن وعى وعلم وإرادة حرة، وحينئذ يحق عليهم وصف الإضلال.
لأجل ذلك أرسل الرسل رسلًا أولى كمالات للخلق حتى لا تكون لهم حجة فقال تعالى: رسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النِّسَاءِ: 136-165]
وقال أيضًا: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) [البقره]. إذاً فهؤلاء أتتهم بينات ( واضحات ) فكفروا..فقبل الآيات البينات الواضحات التى تحقق اليقين فتطمئن لها النفس وينشرح لها القلب لا يكون الكفر ولا يسمى صاحبه كافرًا، تماما كما لا يكون ايمان بغير اطمئنان للقلب.
إذن فالكفر هو: التكذيب المتعمد، مع انشراح الصدر له، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه، ومن ثم فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك، لا سيما مع الجهل، قال الله تعالى:مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)سورة النحل.
قال االشوكاني رحمه الله[2]: (ولكن من شرح بالكفر صدراً) أي اعتقده وطابت به نفسه، واطمأن إليه. هذا هو الكفر وهذا هو الكافر.
وهنا فرق بين العلم الذى يولد اليقين، ومجرد الإعلام، قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [17/الإسراء 15 لماذا الرسول؟ هل ليقول لهم أنا رسول ثم يمضى وينتهى الأمر؟ لا، بل كما قال تعالى: رسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النِّسَاءِ: 136-165]
رسول يسعى بين الناس بالحجة والبرهان، ليقطع أعذارهم، رسول مختار بطريقة إلهية اشترطت فيه الكمالات، والمحامد، التى تجذب الناس، ولا تنفرهم؛ فيكون فتنة لهم، فهو أرحم الناس، وأكرمهم خُلقا، وخلقة، وأحسنهم حجة، ومنطقًا، قال صلى الله عليه وسلم: إنما أنا رحمة مهداة، وقال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)سورة آل عمران.
رسول متصف بالكمالات يقيم هو وأتباعه الحجة على الناس ، فالحجة لا تقوم بقرآن شوهت معانيه تحريفا للكلم عن مواضعها ، ولا بأحاديث مكذوبة، أوتأويلات باطلة ، ولا من اُناس منفرين، رأهم العالم كله وهم يذبحون الناس كالبقر والنعاج، ثم يرفعون سكاكينهم وهى تقطر دم مهدور، مهددين أوربا كلها بالذبح، والسبي، مقلدين صورة رسول كريه يهدد العالم كله بالذبح والحرق وهو يضحك، فهو الضحوك القتال، أى كثير الضحك، كثير القتل، فهل هذا رسول الله-حشاه- حشاه حبيبي، حشاه رسول الله- هل هذا دين الله،وهل هؤلاء أتباع رسول الله؟!
فهل من وصل له الإسلام بهذه الصورة، من مزارعي الأمريكتين، واستراليا ، وعمال روسيا، وصناع اليابان ، ولاعبي الأرجنتين، والبرازيل، أو من سمع من بعض المسلمين فى بلاده، أن هذا الدين، دين يقمع الحريات؛ بقتل الخارجين منه، أوالمخالفين له، ولنجاتهم من القتل يدفعوا أموالًا يقدرها هو، أوأنه دين يأمر بعدم خروج المرأة لكونها فتنة، فكفروا بهذا، فهل هؤلاء كفروا بدين رب العالمين أم بدين هؤلاء، بهذه الصورة التى يقدمونها؟
هل هؤلاء علموا الحق واطمأنت به نفسهم وقنعت به عقولهم، ومع ذلك فهم جحدوه وأنكروه وعاندوه مكابرة منهم، أو تحاشوه، وأهملوه عن عمد كأنهم لا يرونه، ومن ثم فهم كفار؟ هل وصل لهم الحق؟ هل علموا به حق العلم؟
فهؤلاء فى حكم أهل الفترة[3]: الأصل أن أهل الفترة هم من يكونون في زمن الانقطاع ما بين رسولَيْنِ؛ حيث تطرأ على الشرائعِ المتقدمة حالةٌ من الضعف والسكون، فيتطرق إليها التغيير والتحريف لتقادم عهدها وطول زمانها، إلا أن هذا الإطلاق غير مقصور على ما قبل بعثة رسول الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بل هو منطبقٌ على كل من لم تبلغه الدعوة، أو بلغته على حالٍ لا تقوم عليه الحجة بها، أو بلغته الصورة عن دين الإسلام مشوهةً على أنه دين إرهاب وقتل واستعباد للمرأة، وهو ما يعبر عنه الفقهاء بـ”من لم تبلغه دعوة الإسلام بشكلٍ لافتٍ للنظر”، وهو حال كثيرٌ من الناس اليوم، لا سيما في بلاد الغرب؛ فيدخل بذلك غالب الأوربيين المعاصرين في حكم أهل الفترة -ما لم تبلغهم الدعوة النقيَّةُ وحقائقُها الجليَّةُ بصورةٍ لافتةٍ للنظر-، وهم مندرجون فيما يُسمى عند أهل العلم بـ”أمة الدعوة”؛ فهم ناجون من عذاب الله عز وجل ماداموا على أصل الفطرة، ولم يقع منهم عِنَادٌ، ولم تبلغهم الدعوة فكذبوها، وهذا ما عليه جمهور أهل السنة والجماعة.
والأصل في عدم مؤاخذة أهل الفترة في الجملة: أنهم غافلون، والغافل غير مُكلَّف، وغير مُعذَّب، ومن ثمَّ فإهلاكه ظلم ما لم تُقَم عليه الحُجة؛ قال تعالى: ﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾ [الأنعام: 131]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15].أ.ه
قد يقول قائل: هم كفار لأنهم لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
فهل تريد منهم أن يشهدوا بما لم يعلموا! وهل يطلب الله من الأمم والشعوب، أن تدعي ما تجهله؟ وأن تؤمن بما لا تعلمه، وأن تصدق بما لا تعرفه؟! هو لم يعلم بشئ حتى يكفر به، وما علمه عن هذا الدين أو سمعه شيئ منفر، فهل هذا هو دين الله؟ وهل هذه دعوة للكذب والزور، والعنت، أم للدين والإيمان؟!
مآلات الكفر والتكفير رؤية متسامحة من واقع تراثنا الفقهى
لقد قال الغزالى فى حكم هؤلاء منذ قرون[4]: إن أكثر نصارى الروم والترك فى هذا الزمان تشملهم الرحمة إن شاء الله تعالى فإنهم ثلاثة أصناف: صنف لم يبلغهم اسم محمد أصلا فهم معذرون، وصنف بلغهم اسمه ونعته وما ظهر عليه من المعجزات وهم المجاورون لبلاد الاسلام والمخالطون لهم، وهم الكفار الملحدون(لأنهم جحدوا وعنادوا وكابروا)، وصنف ثالث بين الدرجتين-مثل أغلب من يعيشون اليوم- بلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبغلهم نعته وصفته، بل بلغهم منذ الصبا أن كذابا ملبسا اسمه محمد ادعى النبوة، كما سمع صبياننا أن كذابا يقال له المقفع تحدى بالنبوة كاذبا-يعنى أن صورة النبي والدين بلغتهم مشوهة ورسخت فى أذهانهم منذ الصبا تماما كما هو حادث اليوم- فهؤلاء عندى فى معنى الصنف الأول-أى تشملهم الرحمة-، فإنهم مع أنهم لم يسمعوا اسمه سمعوا ضد أوصافه، وهذا لا يحرك داعية النظر والطلب.
وقال أيضًا[5]: من اشتغل بالنظر والطلب-أى البحث عن الحق ومقارنة الأديان- ولم يقصر فأدركه الموت قبل تمام التحقق فهو ايضا مغفور له. وفى هذا دلالة واضحة على أن الكفر هو الجحود بعد العلم.
ويقول ابن القيم فى من هو[6]: مريد للهدى مؤثر له محب له غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم تبلغه الدعوة…-كأنه- يقول يا رب لو أعلم لك دينا خيرا مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره فهو غاية جهدي ونهاية معرفتى.
ويقول الشهيد المرتضى[7]: إن الإنسان المقتنع بعقيدة دينية معينة وهو يملك روحًا مستسلمة للحقيقة غير رافضة للعتصب والجحود، ليس معذورًا عند الله فحسب، بل لا يمكن أن يعد كافرا وإن كان لا يؤمن بالإسلام.
ويقدم المرتضي ديكارت نموذجا فينقل قوله(ديكارت) عن نفسه: إنى لا أدعى أن المسيحية قطعًا هى أفضل دين فى الارض ولكنى أقول: إن المسيحية هى الأفضل بالقياس إلى الاديان التى أعرفها وقد تناولتها بالبحث، وليس لى أى عداء مع الحقيقة، فقد يكون هناك فى أماكن أخرى من الدنيا دين يرجح المسيحية، فلعل دينا ومذهبًا يوجد فى إيران هو أفضل وأحسن من المسيحية.
ثم يعلق على كلامه قائلا: إن أشخاصا مثل ديكارت لا يمكن تسميتهم بالكفار لأن هؤلاء لا يتصفون بالعناد ولا يخفون الحق، وليس الكفر إلا العناد وتغطية الحقيقة، هؤلاء مسلمون بالفطرة وإن كنا لا نستطيع تسميتهم بالمسلمين فنحن أيضًا لا نستطيع تسميتهم بالكافرين، وذلك لأن تقابل مسلم وكافر ليس من قبل السلب والإيجاب.
فأغلب هؤلاء اليوم ليسوا كفارا بالله ،لأن الحجة لم تقم عليهم .. فشأنهم شأن أهل الفترة معذورون، إن شاء الله.
3-هل كل من ليس مسلمًا فهو كافر؟
قد يقول قائل مرة أخرى: هم كفار لأنهم لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وهذا يأخذنا إلى طرح هذا السؤال: هل كل من ليس مسلمًا فهو كافر؟ بمعنى آخر هل تواجد حالة وسط بين الكفر والإسلام؟ هل هناك قسم ثالث؟ هل القسمة ثنائية فقط، مسلم، وكافر، أم ثمة قسم آخر؟
الحق أن الرأى السائد والمشهور لجماهير العلماء، أن من ليس مسلماً فهو كافر-بغض النظر عن كونه مستحق للعذاب أم غير مستحق كما سيأتى بيانه-، ومن ثم فالقسمة عندهم ثنائية فقط إما مسلم وإما كافر، هذا هو المشهور.
لكن فريق آخر[8] يرون أن هذه القسمة غير دقيقة فثمة حالة متوسطة بين الإيمان والكفر، فهو غير مسلم، و غير كافر، فالكافر لا يسمى كافراً – قرآنياً – حتى يعلم الحق، وتطمئن به نفسه، ويقنع به عقله، ومع ذلك فهو يجحده، ينكره، يعانده يكابر، يتحشاه، أو يهمله، عن عمد، كأنه لا يراه، هذا هو الكافر، أما من لم يعلم اصلًا، أوعلم فلم ينشرح له، ولم يخلق هذا العلم بداخله إطمئنانًا، أو يقينًا، أو حتى ظنًا راجحا، لسوء عرض متعلق بالموضوع كما سبق-فى عرض النسخة المنفرة- أو سوء متعلق متعلق بالعارض، فلا يكفر، لأنه لم يعلم حينئذ، حتى يكفر، فلا يسمى كافرًا، بل يسمى غير مسلم وكفى، هذه هى الموضوعية التى امتاز بها القرآن.
كونهم لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فهذا يجعلهم غير مسلمين، أما كونهم كفار فليس بلازم؛ إذ المرء لا يكون مؤمنًا إلا إذا قصد الإيمان واختاره، وكذلك الكفر فلا يكون المرء كافرًا إلا إذا قصد الكفر واختاره، والاختيار لابد فيه من العلم واليقين، علم الحق وأيقنه فاختاره أو جحده، فآمن أو كفر. فلا يعرف الكفر ولا الإيمان، بالمعنى السلبي بل لابد من المعنى الايجابى المبنى على العلم والقصد والاختيار.
3-فماذا عن تكفير المسلمين؟
هذا فى غير من لم يسلم أصلًا، أما من أسلم لله وحده، وشهد بوحدانيته، ولنبيه بالرساله، فلا يجوز وصفه بالكفر، إلا بجحد ما أدخله فى الإسلام، بلا تأويل ولا عذر، قال تعالى: وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)سورة النحل.
قال ابنُ نجيم[9]: (وفي جامِعِ الفُصُولَينِ روى الطَّحاوي عن أصحابِنا: لا يُخْرِجُ الرَّجلَ من الإيمانِ إلَّا جُحودُ ما أدخله فيه…إذ الإسلامُ الثَّابتُ لا يزولُ بشَكٍّ) ولأهل السنة والجماعة قاعدة؛(من ثبت إسلامه بيقين فلا زوال بشك)[10]
وقالوا: ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه. فقد يقال فى الدرس العلمى والنقاش المدرسي هذا كفر وذاك خروج من الملة، فيقع فيه امرؤ، فتلك قضية ووقوع الكفر عليه قضية اخرى[11]. وتراثنا فى نسخته الرحبه، قبل أن تواريها الهجمة السلفية، ينطق بهذه السعة، ويديرها بطريقة تستحق الاستدعاء للبناء عليها، والانعتاق من ضيق أفق السلفية المعاصرة.
قال ابن حزم[12]: وأهل كل مقالة خالفت الحق وأهل كل عمل خالف الحق مسلمون أخطؤوا ما لم تقم عليهم الحجة فلا يكدح شيء من هذا في إيمانهم ولا في عدالتهم بل هم مأجورون على ما دانوا به من ذلك وعملوا أجرا واحدا إذا قصدوا به الخير ولا إثم عليهم في الخطأ
فالجهمية، الذين قالوا[13]: ليس على العرش إله يعبد، ولا لله فى الأرض كلام، ولا عرج بمحمد صلى الله عليه وسلم لربه، وينكرون صفات الله تعالى التى أثبتها لنفسه، وينكرون رؤية الله تعالى فى الآخرة، بل ويكفرون من يقول بغير قولهم. إلى غير ذلك من أقوال وأفعال هى غاية فى الكفر، حتى أن أهل العلم سموهم الفرعونية تشبيها لهم بفرعون، وقد رد عليهم الأئمة وبينوا ضلالهم، ومع ذلك لم يكفروا أعيانهم وصلى الإمام أحمد خلفهم، وترحموا وصلوا على من مات من دعاتهم.
ومن قبلهم المرجئة الذين، قالوا [14]: إن الايمان قول بلا عمل، فمن أقر عندهم بالشهادتين فهو مؤمن كامل الأيمان، وإن لم يصل لله ركعة طول عمره، ولا صام يومًا من رمضان، ولا أدى زكاة ماله ولا عمل شيئًا من أعمال الخير، وإيمانه كإيمان جبريل، وميكائيل، والأنبياء، إلى غير ذلك من أقوال قبيحة، وقد رد عليهم أهل العلم وبينوا ضلالتهم، لكنهم أثبتوا لهم الأخوة الأيمانية ولم يقولوا بكفرهم.
وخرج القدرية فى زمن الصحابة، وأكابر التابعين، وهم-القدرية- فرقتان، قالت الأولى[15]: إن الله لا يقدر ولم يقدر شيئًا، وقالت الأخرى، إن الله جبر الخلق على ما عملوا فليس للكافر ولا للعاصى خيار، بل الكفر والإيمان كالبياض والسواد!
ورد عليهم الصحابة، والتابعين ولم ينقل عن أحد منهم، ولا من أئمة الإسلام من بعدهم أنه كفرهم، أو أوجب قتالهم، أو أجروا عليهم أحكام الردة.
أما الخوارج الذين كفروا المسلمين بل كفروا أمام المتقين على بن أبى طالب، و ورد فيهم نص صريح بالكفر حين وصفهم رسول الله بكونهم كلاب أهل النار وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ومع ذلك لم تكفرهم الصحابة ولما سئل على رضى الله عنه، عنهم أكفار هم قال: بل من الكفر فروا[16].
قال ابن القيم فى كل هؤلاءن فهم أقسام[17]:أحدها الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا.
القسم الثاني المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذته ومعاشه وغير ذلك فهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته.
القسم الثالث أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى ويتركه تقليدا وتعصبا أو بغضا أو معاداة لأصحابه فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل.
قلت: ونص ابن القيم السابق يثبت بوضوح أن معنى الكفر هو الجحود بعد العلم والتيقن، وأن الكافر هو الجاحد، ففى الصنف الثالث نراه قد عذر حتى الجاحد بعدما تبين له الحق والهدى، فكيف يتهوك المتهوكون، فيقعون فى ديانات الخلق، ويقولون على الله الكذب وتقف ألسنتهم ماليس لهم به علم؟!
إن لهؤلاء نلقى فى وجوههم قول الغزالى رحمه االله[18]: فالمبادرة إلى التكفير إنما تغلب على طباع من يغلب عليهم الجهل. قلت: والغزالى فى ذلك متأثر بأستاذه الجوينى إمام الحرمين، فى كل كتبه -وقد كتب فى العقائد كثير-لم يعقد مبحثًا واحدًا يتكلم فيه عن المكفرات بل سكت عن ذلك واكتفى بتعليم الناس العقائد الصحيحة وفقط.
وقال الغزالى- رحمه الله- [19]: أعلم أن ذكر ما يكفر به يستدعى تفصيلًا طويلاً يفقتر إلى ذكر كل المقالات والمذاهب، وذكر شبهة كل واحد ودليله، ووجه بعده عن الظاهر ووجه تاويله، وذلك لا تحويه مجلدات، ولا يتسع لشرح ذلك أوقاتى. فالغزالى يعجزه ذلك ولا يستطيعه فما بالنا بهؤلاء لذا قال: قاقنع –منى-الآن بوصية وقانون.
أما الوصية: فأن تكف لسانك عن اهل القبلة ما أمكنك ما داموا قائلين: لا إله إلا الله محمد رسول
الله ، غير مناقضين لها، والمناقضة تجويزهم الكذب على رسول الله..فإن التكفير فيه خطر والسكوت لا خطر فيه.
وأما القانون: فأن تعلم أن النظريات قسمان، قسم يتعلق بأصول العقائد، وقسم يتعلق بالفروع، وأصول الإيمان ثلاثة: الأيمان بالله وبالرسل وباليوم الآخر ، وما عداه فروع، واعلم أنه لا تكفير فى الفروع أصلا، إلا فى مسألة واحدة، أن ينكر أصلًا دينيا علم عن رسول الله بالتواتر-فالكتفير هنا بالتكذيب لرسول الله وليس بمجرد الأنكار- مع العلم أن التواتر إن لم يكن غير موجود فهو عزيز-(أما) لو أنكر ما ثبت بأخبار الآحاد فلا يلزمه به الكفر، ولو أنكر ما ثبت بالاجماع فها فيه نظر..وقد…أنكر النظام كون الإجماع حجة أصلًا.
4-ومن الذى يملك حق التكفير وإهدار كرامات الناس؟
الحكم على أحد بالكفر هو تشريع والتشريع لا يكون إلا من الله ورسوله، ومن ثم فكل فعل أو قول أو اعتقاد لا يكون كفرًا إلا بنص صحيح صريح من الكتاب أو السنة، ومن قال بغير ذلك فهو ينازع الله تعالى في حقه واتهم االرسول، بالتقصير فى تبليغ الرسالة.
وقال ابن القيم في قصيدته (النونية)[20] : الكفر حق الله ثم رسوله بالشرع يثبت لا بقول فلان.
وقال ابن الشاط فى حاشية إدرار الشروق على أنوار الفروق [21]: كون أمر ما كفراً ، أي أمر كان ، ليس من الأمور العقلية بل هو من الأمور الشرعية ، فإذا قال الشارع في أمر ما هو كفر فهو كذلك ، سواءً كان ذلك لقول إنشاء أم إخبار.
5-ما هى أسباب التكفير ومناشئه؟
يعتقد الكثيرون أن التكفير ظاهرة دينية ذات بعد اجتماعى، وعليه يرفضون نظرية، أو نظرة السبب الواحد، فيدخلون شتى مناحى الأبعاد الاجتماعية لتحليل الظاهرة، فيظهرون تأثير البعد الاقتصادى، والسياسي، وما يترتب عليها من حالة التعليم والثقافة، إلى غير ذلك من مظاهر.
والحق الذى لا مراء فيه من واقع الدرس، والبحث، والرصد، لهذه الظاهرة‘ أنه لا ينكر دور هذه الأبعاد الإجتماعية، غير أنه يصعب الإعتراف بها عوامل أساسية لتفسير هذه الظاهرة، فصحيح البعد السياسي سواء، الداخلى، أو الأقليمى، أو الدولى، له دور، وكذلك البعد الاقتصادى، والتعليمى، والثقافى، له دور.
فالفحص الدقيق، يبين خروقات كثيرة، حول فاعلية هذه العوامل بشكل رئيس، ومن ثم يمكن اعتبار هذه العوامل، والاعتراف بتأثيرها، لكنه تأثير ثانوى، أو عوامل مساعدة، تزيد من تنامى الظاهرة، أو العكس لكن لا تنشأها من عدم، ولا توجدها، فهناك أرضية جاهزة، وأنفس ولادة، وحواضن دائمة، لهذه الظاهرة يمكن حصرها فى عامليين أثنين هما:
ظاهرة التطرف الدينى، وتقديس التراث، تقديسًا يمنع غربتله، أو تجديده، فيظل هناك رافدًا مغذيا للتطرف، وانحراف التفكير، انحرافًا يدخلنا فى التكفير.
المراجع:
[1] -انظر”تاريخ الفلسفة الغربية” برتراندرسل ج1 ص159، ترجمة زكى نجيب محمود، ط: التنوير.
[2] – انظر: فتح القدير للشوكاني (3/ 235) ط: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب – دمشق، بيروت-الطبعة: الأولى – 1414 هـ
[3] -انظر فى ذلك: فتوى دار الإفتاء المصرية: رقم 4188، بتاريخ 5-12- 2017م، المفتى، فضيلة الشيخ الدكتور، شوقى علام. تحت عنوان: هل يدخل الأوربيون المعاصرون في أهل الفترة.
[4] -انظر: (فيصل التفرقة ص 84).
[5] -(فيصل التفرقة ص87).
[6] – طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص109: 610) ط: : دار ابن القيم – الدمام- الطبعة الثانية ، 1414 – 1994م.
[7] -العدل الإلهى، ص336، ط: الدار الإسلامية، الطبعة الأولى بيروت 1981م.
[8] -انظر فى ذلك: العقل التكفيرى قراءةة فى المنهج الإقصائى، للشيخ حسين أحمد الخشن، ص 47: 63، ط2: دار التقريب بين المذاهب.
[9] – البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 134)ط2:دار الكتاب الإسلامى.
[10] – انظر: مجموع الفتاوى، لتقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ)
المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعوديةلسنة 1416هـ/1995م.
[11] -(الغلو في التكفير ـ (ص:25 ).
[12] – الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (4/ 236) ط: دار الآفاق الجديدة، بيروت.
[13] -انظر: الصواعق الإلهية فى الرد على الوهابية، للشيخ سليمان بن الوهاب شقيق الشخ محمد بن عبد الوهاب، ص64، ط: دار الإنسان للتاليف والترجمة،19 ش التحرير الد قى بالقاهرة.
[14] – انظر: الصواعق الإلهية،ص 62: 63.
[15] – انظر: الصواعق الإلهية ص 59: 61.
[16] – انظر: الصواعق الإلهية، ص49: 51، وص 58.
[17] -انظر: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ص: 255،ط: مطبعة المدني – القاهرة.
[18] -(انظر:فيصل التفرقة ص 66،ط:)
[19] -المصدر السابق ص 61 : 62.
[20] – القصيدة النونية – ابن القيم (ص: 277)ط: : مكتبة ابن تيمية، القاهرة-الطبعة : الثانية، 1417هـ
[21]– الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (4/ 158: 159) ط: عالم الكتب.وابن الشاط هو: الشيخ قاسم بن عبد الله المعروف بابن الشاط (723هـ).