تكوين
وصف( إيريك هوفر) من تتجاذبه التطرفات ويكون صيد سهل لها ب ” المؤمن الصادق” ، ونضيف أنه صدق مع سذاجة، الصدق ينجي صاحبه عمومًا ، إلا صاحب الإيمان الساذج، فهو أول علامات قيامته.
يظهر الدين في قوالب تتعدد بعدد الخلائق، ولكن يبقى الأسوأ على الإطلاق هو الدين في قالبه الأصولي، فهو يشبه الحجر الذي قُذف به العقل الإسلامي ففقد عقله، فالأصولية هي الاسم الجامع لكل الأمراض النفسية بلا ذرة شك.
يتغذي الإنسان الطبيعي على الأطعمة والخضروات، بينما يتغذي ” المؤمن الساذج” على الخطاب الأصولي، والغذاء منتهي الصلاحية، أهلك من أكله، ويعرفه البصيرة و الفهم بعدة سمات منها :
-
اللاعقلانية :
لو أنت متابع جيد لبرامج الفتوى، كنوع من أنواع جلد الذات، فستجد أن مواضيعها لا تهم بالغ راشد عاقل، فزوال العالم في خطاب تلك البرامج أهون من خروج إمرأة متعطرة، وطب الكون يركع أمام التداوي ببول الإبل، وأن يَلعن العالمين غباؤنا، ولا يبيت رجل دعا زوجته للفراش فأبت، فباتت تلعنها الملائكة!
السرد هنا يطول.. والضحك كذلك.
ويحضرني هنا قول أحد صُناع المؤمن الساذج وهو الشيخ محمد متولي الشعراوي حين قال في أحاديثه التليفزيونية
” لماذا نعمل العقل ونشقى بالفكر وقد سخر الله لنا من الكفرة من يبدع وينتج لنستهلك ونسعد”.
_الماضوية :
لا يوجد مانع للرجوع إلى الماضي، ففي ماضي الأمم هناك نقاط قوة يمكن الاستفادة من الرجوع إليها، لكن الخطاب الأصولي لا يريد العودة إلا إلى ماضٍ مظلم ، عصر مُنحط دموي أغتصبت فيه النساء باسم الإله ويجعله فترة مقدسة ينبغي أن نعيدها، والمؤمن الساذج يهز رأسه طربًا كأنما يسمع كوكب الشرق ويقول : ” الله “، فيا الله لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
_ حزب الله وحزب الشيطان :
كل مخالف لهم جاهلي، أبو لهب شخصيًا، وهم طبعًا حزب الله ومن عاداهم أو نقدهم هو حزب الشيطان، يُقسمون الناس لفرقة ناجية، هم ومن ينصرهم فقط، وكل من رآهم ولم يصل على النبي قطعًا هم الفرقة الهالكة الملعونة ،يقسمون البشر ويقطعوهم على حديث مشكوك فيه!
الإنسان كافر عندهم حتى يتشبه بهم تمامًا، أو يَشقوا عن قلبه ليعاينوا إيمانه بأم أعينهم.
_ الانتقائية :
يمتلأ الدين بنصوص تدعوا للحب ، والحديث بأقوال تدعوا للتسامح ، ثم تجد الخطاب الأصولي يترك كل ذلك ويمد يده ويغرف من أحاديث مطعون فيها، ونصوص منتزعة من سياقها و يستدل، والمؤمن الساذج يردد ليزيد إيمانه، وتزيد جلطاتنا.
فالانتقائية يراها د. نصر حامد أبو زيد هي تزييف لمقاصد الوحي.
_ قوة حشد :
للخطاب الأصولي شعبية وجماهيرية ، فنحن أمة لا تزدحم إلا على البضائع الرخيصة، قصص عجيبة نشتري، أهوال وأحزان نشتري، عذاب قبر فوق عذاب الأرض نشتري من باب زيادة البؤس..
وهكذا تجد المؤمن الساذج ” زبون” كافة الزوايا.
_قصور معرفي :
فالمعرفة في الخطاب الأصولي هي المعرفة الدينية وكفى، الإنسان لا يعلم شؤون دنياه، فالدين وإعجازه كفاه، وبالمناسبة فإن معظم من يتحدثون بلسان الأصولية ليسوا طلاب علوم شرعية في الأصل، بل خريجي كليات التجارة، وتجارة انتساب على الراجح.
_أحلام العصاري:
يحلم الخطاب الأصولي بجنة على الأرض، الجنة هي أرض بلا كفار، والكفار كما ذكرنا هم كل من لا يتفق مع أحلام العصاري التي يحلمون بها ،مدينة فاضلة الإسلام فيها هو الحل، وهو حلم ينشأ عقب النوم بعد أكلة دسمة.
_كله بدعة ضلالة إلا هم سنة حسنة :
البدعة عند الخطاب الأصولي هي تفكير واجتهاد الخصم، إنما فكرهم و اجتهادهم سنة حسنة ولو أدى لمصيبة يسموه تنازلًا
” اجتهاد خاطيء “.
النبوة في الخطاب الأصولي أشبه بالألوهية من كثرة ما كذبوا عليها من خوارق و معجزات.
لحوم العلماء مسمومة، طالما كان العلماء أئمة في شرعنة البغضاء، فقهاء في ذبح الرحمة والسماحة.
وإذا رأيت الخطاب الأصولي يقابل الحُجة بالحُجة، فانتظر الساعة.
وإلا فمن سيطعنه المؤمن الساذج بسكين في رقبته لأنه توهم أن روايته تطعن في الدين وهو لم يقرأ الرواية من الأساس،بل من الأساس لا يعرف القراءة والكتابة!
الخطاب الذي يتشبع به المؤمن الساذج، ويجعل من وجوده في أي مكان في العالم مصدر للفوبيا ، هو مجموعة من الهلاوس لا تمثل الدين ولا تراثه، إنما هي ” إسلام مُتخيل” بحسب تعبير د. هاني نسيرة، اخترعه الخطاب الأصولي، ولا يزال يرغم البشرية على التعبد به.
سمات الخطاب الأصولي مستوحاة من تجربة الكاتب محمود إسماعيل مع التيارات المتطرفة والتي رواها في كتابه ( الخطاب الأصولي المعاصر)، وهي سمات نلمسها في حياتنا اليومية دون مطالعة أي كتاب، حياتنا التي تستيقظ الفتنة فيها في لحظة بفعل ذلك الخطاب وتشتعل الحرائق في ثانية على يد كل مؤمن ساذج لم تؤذيه سذاجته وحده، بل آذت دين بربط الإرهاب به، ونبي حولته من مبلغ للدين، إلى مهدد تاركه بالقتل ،وبغضت الله إلى خلقه وتلك أعظم الجنايات التي تبجحت ولبست ثوب الإيمان.