تكوين
باسم المبدأ الليبرالي اتضح تهافت ضيق الأفق الناجم عن الانحياز الكامل لثقافة معينة، ومن ثم تحول الشأن الثقافي من النسبي إلى المطلق. وقد جاء الإعلان العالمي للتنوع الثقافي الذي صدر عن “اليونسكو” في العام (2001) ليؤكد الأهمية الإنسانية للتعددية الثقافية، وينظر إلى أن “الدفاع عن التنوع الثقافي أمرًا لازمًا أخلاقيًا، ولا يمكن فصله عن الكرامة الإنسانية، إذ يتضمن التزامًا بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، لا سيما حقوق الأقليات والسكان الأصليين، وتمثل الحقوق الثقافية مع حقوق الإنسان كيانًا متكاملًا لا يمكن تقسيمه وتقوم على الاعتماد المتبادل”. لم يكن الإعلان العالمي إلا خلاصة أفكار ورؤى أرست دعائم النسبية الثقافية في مواجهة العنصرية الثقافية.
ومن منطلق حقوق الإنسان الأساسية والحريات المدنية يمكن إدراك أبعاد العلاقة بين المبدأ الليبرالي والتعددية الثقافية مما يتيح لنا إمكانية اقتفاء أثر المفهوم الليبرالي للتعددية الثقافية.
أصل المفهـوم ودلالاته:
1- الليبرالية أم ليبراليات متعددة؟
لعل أكثر التعبيرات شيوعًا أن يقال “المذهب الليبرالي” أو “النظرية الليبرالية” أو الفلسفة الليبرالية…، كما لو كانت الليبرالية واحدة من تلك المذاهب أو النظريات أو الفلسفات التي تعبر عن مجموعة من الآراء والأفكار والتصورات مرتبطة ببعضها الآخر بطريقة منطقية، مما يجعلها وحدة عضوية ذات نسق واحد ومتماسكة”. إننا لا نستطيع القول بأن ثمة نقطة انبثاق معينة في الزمان في عصر ما، أو بلغت أوج مناقشتها في عمل مفرد. فقد كانت الليبرالية بأشكالها المتنوعة موقفًا عقلانيًا قبل أن تصبح عرضًا نظريًا واعيًا بذاته. فهي في مجملها تاريخ الكشف عن عديد من الانحرافات deviation والتحولات Transitions الفكرية، فعلى سبيل المثال: الأهمية التي يعزوها “لوك” Locke إلى القانون الطبيعي، وجون ستيوارت مل J.S. Mill إلى النفعية وتوماس هل جرين T.H. Green إلى التحقق الذاتي الأخلاقي، تحول دون تكامل عملهم في مذهب واحد مترابط ومتماسك أو متسق، فالحديث عن أحد الكتاب الليبراليين يعنى أن شيئًا ما قد قيل عن الليبرالية برمتها.([1])
ومن الجدير بالذكر أن الحرية التي تمثل جوهر الليبرالية لا تمثل وفقًا للفهم الشائع تراثًا غربيًا واحدًا، بل ترى وجهة نظر ليبرالية “أنه منذ تجريبية هيوم Hume وعقلانية روسو Rousseau أصبح لدينا تراثان مختلفان للحرية. ويتميز التراث الإنجليزي الناشئ من تجريبية “هيوم” بأنه تجريبي وغير نسقي. أما التراث الفرنسي فقد كان نظريًا وعقلانيًا. وقد قام التراث الإنجليزي في نظرية الحرية على تفسير التقاليد والنظم التي نشأت ونمت بطريقة تلقائية. ولم تكن أبدًا مفهومة بصورة تامة. أما التراث الفرنسي فقد كان هدفه إقامة “اليوتوبيا” لكن محاولته هذه لم يصادفها النجاح أبدًا. ويقدم أيضًا المذهب العقلاني الحجة على أن التراث الفرنسي –بافتراضاتهم المغرورة عن القدرات غير المحدودة للعقل الإنساني– كان عاملًا مؤثرًا في تطور نظرية الحرية. في حين لم يسهم التراث الإنجليزي إلا بالقليل في هذا التطور. وفي الحقيقة يعد هذا التمييز غامضًا. فما نسميه التراث الفرنسي للحرية قد نشأ من طريق محاولة تفسير النظم البريطانية. وعن وصف الكتاب الفرنسيين لهذه النظم انتقلت مفاهيمها وتصوراتها إلى بلدان العالم الأخرى. ([2])
ومع تألق المبدأ الليبرالي في القرن التاسع عشر، اختلط التراثان معًا، فقد حجب انتصار أنصار “الراديكالية الفلسفية” ([3]) الذين شايعوا معتقدات بنتام Bentham على الهويج (الأحرار) أوجه الاختلاف الأساسية والواضحة وضوحًا كافيًا بين الديمقراطية الليبرالية (البريطانية) والديمقراطية الاجتماعية أو الديمقراطية الشمولية (الفرنسية). ([4])
ويمكن إيضاح أن المطلب الليبرالي بخصوص الحرية كانت له نتائج إيجابية وأخرى سلبية. فمن ناحية طُرح نمط جديد من المجتمع والدولة يشجع كلاهما الاستقلال الذاتي والمطالبة الفردية في السلطة والثروة. ومن ناحية أخرى وعى الليبراليون بدرجة كافية بأن حق الحرية يجب مراجعته من طريق القدر الأعظم من نبالة الغرض. وقد جاءت رؤيتهم في القرن التاسع عشر لأهمية مبدأ التعاقد أو الاتفاق الحر المتبادل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وسرعة الاستجابة للحجة الاشتراكية القائلة: إن الحرية الاقتصادية بالمعنى (الفردي) الليبرالي هي انعدام العدالة الاجتماعية. إن المنطلق الفردي في الليبرالية ليس دلالة على النزعة الواحدية Monism لكنه يدل على نقطة انطلاق محورية تتعدد نطاقاتها وتتسع لتصنع من تعدديتها حالات عقلانية تفسيرية لكيفية الاختيار من بين بدائل.
ومن هذه الزاوية تقترن الليبرالية في إطارها المجتمعي والإنساني بالتعددية، فلا توجد فكرة واحدة يمكن التسليم بها أو اعتناقها بوصفها قيمة مهيمنة مطلقة. “فالتعددية Pluralism” هي الإيمان بأن ثمة سبلًا عديدة للحياة العقلانية، للعيش في ظل حياة كريمة، إذ إنها تعنى قدرة الناس الحرة على اختيار بديل من بين بدائل متاحة من أجل حياة كريمة. إنها تبدو مضادة لتلك الرؤية الميتافيزيقية للحياة التي ترى أن ثمة سبيلًا واحدًا ملائمًا لحياتنا المعيشة. ([5])
2- الرؤية الليبرالية المبكرة للتسامح:
لم يكن “جون لوك” john Locke (1704-1632) أحد رواد الليبرالية الأوائل في القرن السابع عشر داعيًا إلى التعددية الثقافية مثل الليبراليين المعاصرين، لكنه كان ممهدًا إلى الأرض التي تأسست عليها رؤى وقيم التعددية الثقافية التي تثير جدلًا من منطلقات متعددة اليوم. فسلطة الدولة التي تخضع للأغلبية المقيدة Constrained majority كما يرى “لوك” يجب عليها ألا تسمح لإرادة الأغلبية بأن تقوض أو تنتهك الحقوق الطبيعية لجميع المواطنين. هذه الحقوق التي تمثل حالة الطبيعة. تلك الحالة التي يعامل فيها الناس بعضهم بأسلوب مدني وفقًا لمعايير توافقية يقبلها الجميع “إن لحالة الطبيعة قانونها الملزم، ملزم للجميع، لأنه يعلم جميع البشر ممن يراعونه بما أن أفراد الجنس البشرى متساوون ومستقلون، فلا يجب على أحد أن يلحق ضررًا بحياة شخص آخر أو صحته أو حريته أو ممتلكاته… وقد وهبهم (الخالق) قدرات متماثلة، يتقاسمون جميعهم مجتمعًا واحدًا من الطبيعة، لذا لا يفترض أن يكون بيننا أي نوع من الخضوع من شأنه أن يسوغ لنا تدمير الآخر…” ([6])
وفي ظل قدرات البشر المتماثلة تتوسع فكرة المساواة، ومن طريق الاعتقاد في المساواة الإنسانية تكُمن قيمة التسامح “Toleration” الذي ينص على حماية حقوق الجميع، فعلى سبيل المثال: “ليس من سلطة الدولة أن تتدخل في مجال المعتقد الديني، فسلطة الدولة لا تشمل أمورًا تتعلق بالمعتقد الديني، فالدولة لا يمكنها استخدام سلطاتها في الدفاع عن معتقدات دينية معينة، وفي الحقيقة لا يمكن استغلال سلطة الدولة بطريقة مريبة في موضوع “خلاص النفوس البشريــة” Salvation of souls. ([7])
ومن رفض السلطة المطلقة التي يمكن عدها السمة المميزة للتعددية ومن بزوغ التعددية السياسية بوصفها كابحًا لجماح مذهب السيادة (المطلقة) التي تهدف إلى واحدية مصدر السلطة السياسية، يمكن فهم الأفكار الليبرالية السياسية الأولى التي مكنت للتعددية الثقافية أن تتخذ وضعيتها فيما بعد من طريق الدراسات المعاصرة، فقد كانت أفكار رواد التعددية في الفكر الليبرالي من أمثال “مونتسكيو” Montesquie “وفيكو” Vico “وهيردر” Herder تمثل ردة الفعل الحاسمة على الواحدية الأخلاقية التي كونت ملامح الفكر السياسي منذ الفلاسفة اليونانيين القدماء، فقد حاول كل منهم أن يقطع الصلة مع التقاليد الراسخة للواحدية الأخلاقية، وطرح بديلًا يتأسس على التعددية، فمقارنة بأسلافهم أدركوا أن البشر يولدون في إطار مجتمعاتهم الثقافية التي تكون شخوصهم وتميزهم بطابعها المميز بصورة جادة. وتسعى مختلف الثقافات في إعادة تكوين الطبيعة الإنسانية المشتركة بطرائق متباينة، ولذلك فإن البشر يخرجون إلى حيز الوجود متشابهون ومختلفون في آن معاً”. ([8])
3- النموذج الأمريكي للتعددية:
استمرارًا للنهج التعددي السياسي أبان مؤلفو الأوراق (الوثائق) الفيدرالية The federalist papers وهم هاملتون Hamilton وماديسون Madison وجاي Jay الذين صيغَ من طريقهم الدستور الأمريكي، باستخدام ما طرحه “مونتسكيو” في محاولة لصياغة توليفية جديدة لرؤيته لأسلوب الحكم الإنجليزي الذي مثل حاجزًا قويًا أمام الطغيان أو الاستبداد. وما من سبيل حتى نصنع هذا الحاجز إلا بالتعددية المؤسساتية، من طريق النظام أو “الحكومة الفيدرالية”. ([9])
وهذا ما يعبر عنه “مونتسكيو” بفصل السلطات. وهذا ما يفترضه “ماديسون” في رؤيته للأنانية الفردية التي تسعى في زيادة السلطة الفردية إلى أقصى درجة ممكنة، ومن ثم يحدث صدام المصالح بين أولئك الأفراد الساعين في زيادة سلطاتهم إلى الدرجة القصوى… ولذلك يستلزم الأمر شكلًا من أشكال الحكم يتأسس على توخى الحذر من عواقب أنانية المواطنين… من المهم إقامة جمهورية تتسع حتى تضم بين أركانها جماعات ومساحات من الأراضي مختلفة الخصائص، حتى تنشأ الجماعة السياسية بطريقة تعددية ومتنوعة. إن وجود مسارات متعددة لهذا النوع من التجزئة الاجتماعية سوف يقلص من إمكانية طغيان الأغلبية. ([10]) ربما كانت هذه الرؤية السياسية للفيدرالية علامة أولية على مسار التعددية الاجتماعية، التي لم تُفعل إلا لاحقًا بسبب أهمية التوازنات غير المؤسساتية في تأثيرها في السلطة بطريقة لا تقل عن التوازنات والضوابط المؤسساتية.
وقد جاءت الإضافة الليبرالية البارزة إلى التعددية من “الكسيس دى توكفيل” Alexis de Tocqueville ( 1805 – 1859 ) الذي أثر فيه النظام السياسي الأمريكي، فقدم مؤلفه الشهير “الديمقراطية في أمريكا” Democracy in America ( 1835 – 1840 )، ليؤكد من طريقه قدر الحاجة إلى علم سياسة جديد لهذا العالم الجديد (أمريكا)، وليؤسس لعلم دراسة الأنماط أو (التصنيف إلى نماذج أو فئات) Typology ([11]) ومن طريقه أبرز التباين بين المجتمعات الديمقراطية أو المجتمعات الأرستقراطية، بخاصة والمجتمع الفرنسي (الأرستقراطي) والمجتمع الأمريكي (الديموقراطي). ([12])
كما أبان عن كيفية تأمين المجتمع ضد الطغيان. ويشير هنا إلى أسلوب استخدام الأمريكيين للحرية السياسية من أجل مقاومة النزعة الأنانية الكامنة في الفردية، بالانفتاح عن الجميع وليس عن جماعة أو فئة بعينها “فعندما يتقدم الناس إلى ساحة السياسة، فإنهم يتعلمون كيفية المجادلة مع كثيرين ممن يختلفون معهم ومن دون هذا الجدل قد يظلون أغرابًا عندهم. ([13])
إن قيمة ما كشف عنه “توكفيل” أن الديمقراطية بقدر ما تؤكده من فردية تؤمن بالاستقلال الذاتي أو الشخصية المستقلة فإنها تُضعِفُ الأفراد، بسبب استغراق كل منهم في وضع لا يتيح له الفرصة إلى مساعدة أقرانه. فالمساواة تفرض الوحدة على الفرد، ومن ثم فإن الحل لدى “توكفيل” يكمن في إعادة التفكير في المصلحة الخاصة لتشمل مصلحة الآخرين، فيجب على الفرد “أن ينكر ذاته ليفكر في الآخرين من أجل مصلحته الذاتية”. ([14])
ومن طريق أنظمة حكومية لا مركزية وفيدرالية كالتي ضمنها الدستور الأمريكي عام 1789. تلك النظم التي امتدحها “توكفيل” بوصفها نقيضًا للمركزية الإدارية، وعبر ما أرتأه “ماديسون” للنموذج الفيدرالي بوصفه عمليةً تُقيد إمكانية اضطهاد الأقليات من طريق الأغلبية بدا الموقف الليبرالي أكثر وضوحًا في إيمانه بالتعددية.
ويأتي “وليام جيمس” William james ( 1842 – 1910 ) أحد رواد الفلسفة البرجماتية Pragmatism الأمريكية ليجعل من مبدأ “التعددية” فلسفة يمكن أن تتأسس عليها جملة من الأفكار والنظريات، إذ يقول جيمس “إن من المسلم به كون العالم تعدديًا، وتبدو وحدة وانسجام هذا العالم ظاهرة في أي تجمع أيًا كان نوعه… ومع كل السعي والجهد المبذول من أجل تحقيق الوحدة المطلقة Absolute unity فإن الأمر يظل قيد المجهول وليس في المتناول… إن العالم تعددي، ولذلك فإنه أكثر شبهًا بجمهورية فيدرالية منه بإمبراطورية أو مملكة. ([15])
كانت رؤية “جيمس” إلى التعددية من منطلق تصوره للعالم الذي لا يمكن أن تتحقق فيه “الوحدة المطلقة” بين مكوناته، على الرغم من كل المحاولات الساعية في اتجاه تحقيق هذه الوحدة أو الانسجام المطلق. وما يعنينا من هذا التصور الشامل للتعددية بخصوص التعددية الثقافية في إطارها الليبرالي فهو يهتم بالمفهوم الكلى للثقافة، وباستخدام التحليل يمكن فهم وإدراك أوجه التباين والاختلاف بين الثقافات كونه جزءًا أصيلًا من المكونات الأساسية لعالم تعددي.
4- من الفردية إلى المجتماعية: ([16])
على درب ليبرالي مفارق للصورة الفردية التي دعمتها المبادئ الليبرالية التقليدية، ومنهج اجتماعي يحول بين طغيان فئة أو جماعة معينة واستئثارها بالحياة الكريمة، يثيرُ “توماس هل جرين” T.H. Green (1836 – 1882) مشكلة المقابلة بين طبيعة الشخصية الفردية وطبيعة التجمع الاجتماعي، وكيفية قيام علاقة بين الاثنين. ويقدم “جرين” تعريفه للحرية بوصفها “القوة أو القدرة الإيجابية على فعل أو التمتع بشيء له قيمة ما أكبر من كونه مجرد فعل أو متعة. وأيضًا مشاركة الآخرين لنا في هذا الشيء الذي نقوم بفعله أو التمتع به” ([17]) إن ما يفترضه “جرين” يكشف عن المعنى الأخلاقي للحرية وأنها ليست حرية واحدة، “فالإنسان أو جماعة من البشر قد تتمتع بالحرية على حساب الآخرين”. ([18])
ومن “جرين” إلى “ليونارد هوبهاوس” L. Hobhouse (1864 – 1929) في رؤيته الإنسان بوصفه كائنًا اجتماعيًا لا ذاتًا منعزلة، ومن ثم فإن الحقوق السياسية التي تُتناولُ معزولة عن سياقها التاريخي والاجتماعي محض خيال” ([19]) وقد جاء طرح “هوبهاوس” ليؤكد المشاركة الفردية في وحدة العمل أو الأداء الجماعي القائم على المساواة في ظل الديمقراطية. ومن طريق سياق تاريخي واجتماعي يضمن الحقوق الأساسية للفرد أو المواطن مهما كانت التباينات القومية. ويعبر عن هذا بقوله “لكي يمكن تحقق الحقوق القومية في ظل وحدة الدولة، ومن أجل إتاحة الفرصة للتباينات القومية دون أن تؤدى في النهاية إلى تدمير الحياة، لابد من تعايش تلك التباينات مع بعضها الآخر بطريقة معينة، وتظل المشكلة لدى الدولة الحديثة إذا ما أرادت البقاء، ألا تعمم حقوق المواطنة المشتركة في مستوى الأفراد فحسب، إنما تدع الفرصة لقيام التنوع، وظهور النزعات الجماعية التي تتعارض مع بعضها بصورة ما. ([20])
وفي سياق المفهوم الليبرالي للتعددية الثقافية ومفهوم التعددية الثقافية في ذاته، يجب علينا الحذر من الخلط عند استخدام مصطلح التعددية الثقافية في إطار الفهم الليبرالي بوصفه إدراكًا لأبعاد التنوع الثقافي والاجتماعي القائم بالفعل في المجتمع المعاصر. في حين تشير “التعددية الثقافية” لدى مؤيديها إلى أن التنوع قد أصبح سمة أساسية للمجتمع ذاته. ويبدو الخلط واضحًا عند طرح مماثلة بين ما هو وصفي وتحليلي، أي تحليل طبيعة التنوع الثقافي والاجتماعي وما هو “تقريري” بمعنى أن التنوع أصبح سمة أساسية للمجتمع. مسألة أخرى يجب علينا الوعي بها عند الحديث في التعددية، وهي التمييز بين قبول التعددية بوصفها دالة على التنوع الذي يؤكد التمييز والاختلاف والتعددية الثقافية بوصفها سياسات وبرامج تتناقض مع فكرة المساواة التي تؤكد عدم التمييز.
لم يأت المفهوم الليبرالي للتعددية الثقافية تأسيسًا على الإيمان الليبرالي بالتعددية بمعنى التنوع والاختلاف فحسب، بل فرضته ظروف المجتمع العالمي بعد الحرب العالمية الثانية (1945) فقد أعادت الليبرالية السؤال عن ذاتيتها كونها إمكانية استمرار المبدأ الليبرالي من عدمه في ظل مستجدات اقتصادية واجتماعية في الساحة العالمية. ومن هنا جاءت تيارات وتوجهات ليبرالية جديدة، حاولت إضفاء البعد الاجتماعي أو الجماعي على الليبرالية توكيدًا لعنصر الملاءمة أو التكيف الذي حرص الليبراليون على تفعيله من أجل استمرارية المبدأ الليبرالي. ولابد من الاعتراف أن عنصر الملاءمة ما كانت فاعليته لتخرج إلى حيز الوجود لولا قابلية المجتمعات له في ظل تسارع وتيرة التنوع الثقافي إثر ولوج الجماعات الإثنية والقومية والدينية إلى العمل السياسي والإلحاح على المشاركة السياسية طلبًا للسلطة.
ويجب إيضاح أن اتفاق الليبراليين بشأن مجموعة من الأسس الفكرية التي تشمل: الفردية والحرية والتسامح والمساواة…، لم يمنع هذا القدر الهائل من التباين والاختلاف بشأن المنطلقات الفكرية والتوجهات الرئيسة للمبدأ الليبرالي وفقًا للملاءمة والتكيف مع المتطلبات المجتمعية المعاصرة. وبناءً على هذا التصور يمكن تقسيم الاتجاهات الليبرالية إلى اتجاهين رئيسين: الأول، يمثلُ اليمين الليبرالي في صورته الفردية الخالصة، ومن أهم دعاته كلًا من “روبرت نوزيك” Robert Nozick (1838 – 2002). ([21]) وديفيد جويثر David Gauthier ويشدد هذا الاتجاه على قدسية حقوق الملكية الخاصة، ويقف ضد قيام الدولة بإعادة توزيع الموارد الاقتصادية بأي صورة كانت… أما الاتجاه الآخر، فيمثله دعاة “النزعة المساواتية في الليبرالية” Liberal Egalitarianism ([22]) ومن أبرزهم جون رولز ([23]) John Rawls (1921 – 2002) ورونالد دوركين Ronald Dworkin (1931 – ). ([24])
ويتحدث هذا الاتجاه في ضرورة معالجة التفاوتات التي لا مفر من نشأتها إنسانيًا، وأن تكون أولوية العمل أخلاقيًا هي لصالح الأدنى انتفاعًا Least well-off من أفراد المجتمع. ([25])
ويجب علينا لفت الانتباه إلى أن ما يطلق عليه “النزعة المساواتية في الليبرالية” يعد تسمية أمريكية ذات طابع مميز، إذ تعنى إحداث قطيعة مع أي صلة بالاشتراكية، أو تلك الكلمة المنبوذة في المجتمع الأمريكي. وإذا أردنا تحديدًا أكثر إفادة فيمكننا القول إن المفهوم الليبرالي المعاصر للتعددية الثقافية يمكن حصره إجمالًا في نطاق “الليبرالية الاجتماعية Social liberalism والتي بدورها تتفرع إلى اتجاهين رئيسين: الأول، وتتمثلُ بؤرة اهتمامه في فكرة المساواة والحقوق المدنية والسياسية الأساسية عند المواطنين، وأبرز ممثليه حضورًا وتأثيرًا “جون رولز”. في حين ينصرف الاتجاه الآخر، إلى تناول قضايا فرعية تُعالجُ من وجهات نظر متباينة ومختلفة، وتتبدى اسهاماته الجديرة بالذكر عند “مايكل فالتزر” Michael Walzer (1935 -) ([26]) وويل كيمليكا Will Kymlicka (1962 -) ([27])
وضمن نطاق الليبرالية الاجتماعية يشترك الاتجاهان في محاولة معالجة التباينات والاختلافات ما بين الأفراد في المجتمع من طريق انفتاح أفق التفكير في العدالة والمساواة على نحو أكثر اتساعًا وشمولًا.
ثانيًا: التناول الليبرالي المعاصر للتعددية الثقافية (التأسيس الفلسفي):
– كيف يتحقق العدل؟
لا يمكن التعامل مع ظاهرة إنسانية/ اجتماعية دون أن يمثل الإطار الفلسفي مرجعيتها الأساسية. وحين نتعامل مع التعددية الثقافية فإننا إزاء تأسيس فلسفي لتوجه معياري يمثل قاعدة للتعامل. هذا التوجه أو الأساس الفلسفي يمكن التعبير عنه بمصطلح دال هو “العدل” / أو “العدالة” justice.
وفي تعريف الموسوعة الفلسفية العدالة/ أو العدل تُعرفُ بضدها أي الظلم، وحينما نقول إن شخصًا ظالمًا مقارنة بشخص آخر، فإن وقوع الظلم يؤكد أن هناك من ظُلموا ويتلقون معاملة ظالمة من الآخرين، ولا تعنى ممارسة الظلم بالضرورة ممارسة مباشرة تجاه أفراد معينين، بل قد يحدث الظلم نتيجة التمييز والمحاباة، وذلك من طريق معاملة بعض الأفراد بعناية واهتمام أكبر من بعضهم الآخر. ([28])
ولذلك فإنه في مجتمع عادل تعد حريات المواطنين على قدم المساواة راسخة Settled، فالحقوق المصانة بواسطة العدالة لا تخضع للمقايضات السياسية أو لحسابات المصالح الاجتماعية. والشيء الوحيد الذي يبيح لنا الخضوع لنظرية خاطئة هو الافتقار لأخرى أفضل، وعلى نحو مشابه ثمة إمكانية للتسامح مع ما هو غير عادل فقط إذا عُدَّ ذلك ضروريًا حتى نتجنب ما هو غير عادل على نحو أكبر. ولأنهما فضيلتان أوليتان للفعالية الإنسانية، فإن الحقيقة والعدالة لا تقبلان المساومة. ([29])
وإذا كانت العدالة بمفهومها العام فضيلة إنسانية دعت إليها النظريات والمذاهب الفلسفية، ومن طريق رؤى الفلاسفة وأفكارهم ووجهات نظرهم منذ بواكير الفكر الإنساني، فإنها بالمعنى الليبرالي تتخذ سبيلين أساسيين:
1- العدالة الإجرائية procedural justice وتتمثل في الإجراءات المستخدمة من أجل الوصول إلى نتيجة نهائية في قضية محل الخلاف وفقًا لشروط منصفة لكل الأطراف، وتتضمن الشروط معاملة على قدم المساواة وحيادية اتخاذ القرار ونيل جميع الأطراف حقها في التعبير عن رأيها. ([30]) وتنصب الفكرة في العدالة الإجرائية على كيفية تحقيق العدالة من طريق تعامل إجرائي مع الأفراد.
2- العدالة التوزيعية Distributive justice أو الاجتماعية ومؤداها: كون البشر غير متشابهين في أوضاعهم الاجتماعية ومواهبهم وقدراتهم، وليس من الإنصاف أن تُوزعُ المنافع والأعباء على نحو متساو إلى أفراد غير متساوين “وتركز العدالة التوزيعية اهتمامها على المعايير التي بموجبها يحصل كل فرد على نصيبه من المحصلات النهائية. ([31])
وعند الليبرالية فإن العدالة التوزيعية هي مناط الاهتمام الأكبر لدى المنظرين الليبراليين كما أنها مثار الجدل الدائر أو الخلاف المستمر بينهم فرولز ونوزيك ودوركين في نطاق توجهاتهم الليبرالية يختلفون بخصوص أسس الحقوق المتساوية من منطلقات متعددة، لكنهم يتفقون بخصوص تطبيق هذه الحقوق على نحو متساو دون النظر إلى اعتبارات عرقية أو دينية أو إثنية.
1- العدل بوصفه تحققًا للإنصاف:
من أجل مجتمع يؤكد المعاملة على قدم المساواة بين البشر ومن ثم الحصول على المنافع من طريق الاستحقاق، جاء التوجه الليبرالي المعاصر من أجل حماية الأقليات أو التنوع الثقافي على نحو غير مباشر، بمعنى عدم وجود برامج أو مخططات سياسية محددة، إنما باستخدام مجموعة من المبادئ والمعايير التي تتضمن الحقوق المدنية والسياسية والأساسية. ويطرح “رولز” مبدأين للعدل يمكن تطبيقهما على كل بنية أساسية لمجتمع معين من أجل تحديد أو تخصيص الحقوق والواجبات، كما يقومان بتنظيم التوزيع للمنافع الاجتماعية والاقتصادية.
ومن طريق التمييز بين المبدأين فيتعلق الأول، بمعرفة وحماية الحريات الأساسية على نحو متساوٍ. ويرتبط الآخر: بالجوانب التي ترتب وتحدد اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية حتى تكون (أ) قابلة للتوقع العقلاني reasonably expected كونها أفضلية لكل شخص و (ب) ملحقة بأوضاع ووظائف متاحة للجميع. ([32])
ويقدم “رولز” صيغة منقحة للمبدأين في مؤلفه “العدالة كإنصاف” (2001) ([33]) لكي تُقرأ على النحو التالي: (أ) لكل شخص الحق ذاته والذي لا يمكن إلغاؤه في ترسيمه من الحريات الأساسية الكافية. وهذه الترسيمة متسقة مع نظام الحريات للجميع. (ب) ويجب أن تحقق ظواهر اللامساواة الاجتماعية واقتصادية شرطين: أولهما، يفيد أن اللامساواة يجب عليها أن تتعلق بالوظائف والمراكز التي تكون مفتوحة للجميع في شروط مساواة منصفة بالفرص، وآخرهما، يقتضي أن تكون ظواهر اللامساواة محققة أكبر مصلحة لأعضاء المجتمع الذين هـم الأقل مـركزاً ([34]) (وهـذا هـو مبـدأ الفرق).([35])
ولعل السؤال المُوجه إلى “رولز” يجب عليه أن يطرح بالصيغة التالية: كيف لمجتمع معين في ظل هذا الكم من البدائل المتاحة أن يسعى في تحديد مجموعة من المبادئ والمعايير يقبلها أعضاء المجتمع بوصفها مبادئ عادلة؟ إذًا لا بُدَّ من إيجاد وسيلة أو صيغة حتى نوجد وجهة نظر مشتركة لدى العقلاء.
وتهدف هذه الوسيلة أو الصيغة إلى إقصاء كل أشكال التحيز أو المحاباة إذًا فما هو هذا المعيار؟ إنه ومن طريق افتراض عقلاني مبتكر أسماه “رولز” “الوضع الأصلــي” orginial position ([36])“. هذا الافتراض هو الخطوة الأولى لكي نناقش العدالة.
ويتحدث “رولز” في أن الغاية أو الهدف من الوضع الأصلي طرح “العدالة بوصفها إنصافًا justice as farness إنه في العدالة بوصفها إنصافًا يتطابق الوضع الأصلي للمساواة مع حالة الطبيعة في نظرية العقد الاجتماعي التقليدية. إننا لا نفكر في الوضع الأصلي بوصفة حالة تاريخية واقعية، لكنه حالة بدائية من الحضارة. وينبغي لنا فهمه بوصفه وضعا افتراضيا محضا، قد أخذ سماته المميزة حتى يقودنا إلى تصور معين عن العدالة. ([37])
وعندما يتحدث “رولز” عن العدالة بوصفها إنصافًا، فيجب علينا ملاحظة أمرين أساسيين: الأول، أن “رولز” يطبق نظريته في العدالة على ما يطلق عليه “البنية الأساسية” Basic Structure وتتكون من المؤسسات الاجتماعية والسياسية الرئيسة في المجتمع التي تتعاون مع بعضها في ظل نظام واحد، ولذلك فإن المجتمع عند رولز يمثلُ “مشروعًا تعاونيًا” Cooperative venture يتأسس على المنفعة المتبادلة. ويقصد “رولز” بالبنية الأساسية تحديدًا: الدستور والقضاء المستقل وملكية منظمة قانونياً واقتصاد قائم على المنافسة والأسرة في شكل معين. وحتى يقودنا الوضع الأصلي كونه خطوة أولى إلى العدالة، فإنه يستلزم ما يدعوه رولز “حجاب الجهالة ” Veil of Ignorance. فإذا كانت فكرة “الوضع الأصلي” تمثلُ إجراءً ينعدم فيه التعسف، فتكون أي مبادئ يتفق عليها عادلة، وهكذا يوظف “رولز” “العدالة الإجرائية” في حالتها الخالصة كونها أساسًا لنظرية، ويجب تنحية كل النتائج المترتبة على ظروف معينة تدفع الأشخاص إلى استغلال تلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية من أجل الحصول على امتيازاتهم الخاصة، ولذلك فهو يفترض أن الأطراف في الوضع الأصلي يتعين موضعهم وراء حجاب الجهالة. “حيث إنهم لا يعرفون كيف ستوثر الخيارات المتنوعة في حالتهم الخاصة وهم مضطرون لتقييم المبادئ كلية على أساس الاعتبارات العامة”. ([38])
وينطلق “رولز” في رؤيته بخصوص العدالة من وضع قاعدة مؤكدة لحق تكافؤ الفرص أو المساواة في الفرص، أي ضمان فرص متكافئة في تحقيق النجاح في مجالات مختلفة. ويمكن أن نلاحظ أن منطلقات “رولز” الليبرالية بالمقارنة مع آخرين مثل “نوزيك” تعد منطلقات جذرية في معالجة انعدام المساواة في الفرص. فهو “لا يتوقف عند حدود إرساء دعائم “شبكة الأمان” Saftey net أو الحد الأدنى الاجتماعي (الحاجات الأساسية)، بل تتجاوز ذلك إلى إعلان رغبته في قيام الفئات الأعلى في المستوى الاجتماعي بدعم تحقيق المساواة في الفرص أمام الجميع. ([39])
ونعود إلى المبدأ الأول من أجل تحقيق العدالة على نحو منصف عند “رولز” والمتعلق بمعرفة وحماية الحريات الأساسية على نحو متساوٍ، ولنوضح ذلك التمايز الذي وضعه “رولز” بين أوجه النظام الاجتماعي التي يعرف وتحمى الحريات الأساسية بالتساوي وتلك التي تعين وتؤسس اللامساواة في الأمور الاجتماعية والاقتصادية. “ولنلاحظ أنه من الضروري الآن أن تُعطى الحريات الأساسية من طريق قائمة حاوية لهذه الحريات. ومن بين هذه الحريات ذات الأهمية، الحرية السياسية (حق التصويت وتولى مقاليد منصب عام) وحرية التعبير والتجمع وحرية الضمير وحرية الفكر وحرية الشخصية، التي تتضمن حرية من الاضطهاد النفسي والاعتداء الجسدي وتمزيق الأوصال dismemberment (السلامة الشخصية) وحق حيازة ملكية شخصية والتمتع بالحرية دون اعتقال أو احتجاز تعسفي، كما يمكن تعريفها بمفهوم سيادة القانون. ويجب أن تكون هذه الحريات على قدم المساواة من طريق المبدأ الأول. ([40])
يطبق “رولز” المبدأ الثاني في مقاربة أولى على توزيع الدخل والثروة وإنشاء التنظيمات التي تتقيد بالفروق في السلطة والمسئولية. ويطبقُ المبدأ الثاني من طريق أوضاع منفتحة، ومن ثم فإن الخضوع لهذا التقيد يحدث من طريقه ترتيب اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية من أجل أن ينتفع بها كل شخص. ([41])
وعندما يستخدم “رولز” فكرة العدالة الإجرائية، فإنه يطبقها على الحصص التوزيعية. ومن الضروري إعداد وإدارة نظام غير متحيز من المؤسسات، في مقابل بنية أساسية عادلة فحسب، تلك التي تتضمن دستورًا سياسيًا عادلًا وتدبيرًا عادلًا من المؤسسات الاقتصادية الاجتماعية. ([42])
ويحاول “رولز” أن يضع تصوره في إطار ما يسميه “التصور العام عن العدالة” general conception of justice فجميع القيم الاجتماعية –من حرية وإتاحة فرصة ودخل وثروة والأسس الاجتماعية لاحترام الذات Self-respect. يجب أن توزع على نحو متساوٍ ما لم يكن توزيعاً غير متساوٍ لأحداها أو جميعها يعد أمرا لصالح الجميع. ([43])
ومن منطلق احترام الذات على نحو متساو يمكن الدخول إلى عالم تعددية القيم “Value pluralism ” عند “رولز”. وعلينا أن نتوقف حتى نميز بين احترام الذات أو الالتزام بالاحترام المتبادل من احتياجات الآخرين وحقوقهم وفكرة الاستقلال الذاتي Autonomy التقليدية التي تبناها المبدأ الليبرالي، فاحترام الذات يُلزم الكيانات الإنسانية العاقلة والفاعلة بالالتزام بالقيم المتفق عليها، أ تلك الصورة من التكامل العملي للقيم التي توافق عليها الأفراد من أجل تسيير أمور حياتهم.
إن الفارق الحقيقي قائم بين احترام التنوع القيمي أو المذهبي واحترام الالتزامات العملية بالقيم المتفق عليها. وهنا تقودنا الفكرة السابقة إلى ما يطلق عليه “رولز” الإجماع التوافقي Overlapping Consensus. ([44])
ويجب علينا إدراك أن الإجماع التوافقي والعقل العام Public reason ([45]) هما الضمانتان الأساسيتان في الثقافة السياسية من أجل حماية الحقوق الأساسية للمواطنين جميعا. ويتعلق “الإجماع التوافقي” بالمذاهب الشاملة المختلفة والتي تكون قادرة على دعمها للديمقراطية الدستورية Constitutional Democracy فإذا لم يكتمل هذا الإجماع التوافقي، فإن المواطنين قد يرون المجتمع من طريق قيمهم الخاصة غير العامة non public التي لا تؤسس ديمقراطية دستورية. إن الإجماع التوافقي يحل إشكالية التصارع القيمي بين ما هو خاص وعام، فتمثلُ القيم المشتركة الدعامة الأساسية للديمقراطية الدستورية “إن الغرض هنا من إجماع توافقي لقيم مشتركة هو مساندة البناء الأساسي للمجتمع وضمان استقراره بوصفه ديمقراطية دستورية تقوم بدور الوسيط بين وجهات النظر غير العامة المختلفة والمتنوعة. ([46])
ويتأسس الإجماع التوافقي الذي يطلق عليه رولز أيضاً “الإجماع الدستوري” على ثلاث مواد: الأولى، تحديد الحقوق الممنوحة إلى جميع المواطنين… ولابد أن تأخذ جميع هذه الحقوق أولوية خاصة في المجتمع، بمنأى عن حساب المصالح الاجتماعية (الخاصة)… ومن ثم يمكنُ إرساء قواعد التنافس السياسي بكل وضوح وحسم. ([47])
الثانية، ترتبط بمناقشة المواطنين في الأمور العامة، إذ يجب الاعتماد في هذه المناقشة على ما يُسمى “العقل العام” الذي يقوم على وجهة النظر التي ترى “أن الأفراد في حالة المناقشة وللوصول إلى حل للاختلافات بينهم فيما يتعلق بأمور عامة يجب عليهم أن يفسروا ويوضحوا أساس وجهات نظرهم من طريق ما قد يتوقعه الآخرون الذين قد يؤيدون وجهات النظر هذه بوصفها متسقة مع حريتهم والتكافؤ فيما بينهم” ([48]) وتعد المادة الثالثة والأخيرة ماثلة في درجة “استعداد المواطنين للالتقاء في “منتصف الطريق” من طريق معارضة تقوم على شروط سياسية يمكن قبولها علانية” ([49]) ويمكن قراءة أبعاد موقف “رولز” من طريق فهم تصور “الإجماع التوافقي” بوصفه تعبيرًا عن قيم التسامح الذي أكدته رؤية “جون لوك” وكذلك تأكيد “كانط” الاحترام المتبادل. وتأتى محاولة الالتقاء في منتصف الطريق صورة من صور الاحترام المتبادل، فنحن نمنح الآخرين ما نتوقع أن نحصل عليه من حقوق. وعلى درب ” كانط ” في إدراكه لقيمة “العقل العام” يسير “رولز” في إيمانه بقيمة التشاور بشأن القضايا العامة أو المشتركة من طريق احترام وجهة النظر الأخرى لأولئك الذين لا نتفق معهم، إنه اعتراف متبادل يدل على احترام الآخرين.
ولا يمكن فهم الإدراك الليبرالي للتعددية، أي وجود مبادئ يقبلها أفراد متنوعين أو جماعات مختلفة، ليس من باب الرياء أو المواراة، فما يقدمه “رولز” ليس سقوطًا بين فكي الإيمان بالتعددية بوصفه توجهًا منصفًا وعادلًا للمجتمعات الليبرالية، وما يفرضه التوجه الليبرالي الأصيل باتجاه تكريس الحرية الفردية بوصفها المرتكز الأساسي للمبدأ الليبرالي.
إقرأ أيضاً: التوترات الفكرية بين النِسويّة والإسلام: دراسة في النظرية والتطبيق
إن محاولة البحث عن وحدة في التنوع ليست محاولة سياسية تؤسس دولة متعددة الثقافات عند “رولز” أي برامج وسياسات تؤكد التعددية الثقافية، إنما تتجاوزها إلى ما يسمى “اليوتوبيا” الواقعية Realistic utopia التي تنصرف إلى مجال الفلسفة السياسية بأسره، فعندما يتسع هذا المجال لآفاق غير محدودة للإمكانية السياسية العملية. ويتوقف أملنا في مستقبل مجتمعنا على الاعتقاد في أن العالم الاجتماعي يسمح بوجود ديمقراطية دستورية عادلة وعقلانية لعضو في مجتمع شعوب عادل وعقلاني. ([50])
ويتحدث “رولز” في حقيقة التعددية السياسية العقلانية فيرى “أن التعددية في المجتمع المحلي تقابلها على مستوى الشعوب تنوع بين شعوب عقلانية ذات تقاليد وثقافات متباينة ومختلفة. ولكي يكون التصور السياسي الليبرالي للعدالة تصورًا واقعيًا، فإنه لا بد أن تكون المبادئ والقواعد الأساسية تتسم بالعملية وإمكانية التطبيق على التدابير الاجتماعية والسياسية القائمة، كما أن المبادئ التي تقوم عليها تصورات العدل يجب أن تستوفي “معيار المعاملة بالمثل” Criterion of reciprocity. ووفقاً لهذا المعيار عند اقتراح شروط معينة على أنها أكثر الشروط عقلانية للتعاون المنصف. ([51])
ويطرح “رولز” سؤالًا جوهريًا: هل يمكن أن تتوافق الديمقراطية مع المذاهب الشاملة، سواء أكانت دينية أم غير دينية ؟… ولكى تجيب الليبرالية السياسية عن هذا السؤال، فلا بد من التفرقة بين ما هو تصور سياسي قائم بذاته عن العدالة، وبين ما هو مذهب شامل… فالتصورات السياسية ينظر إليها بوصفها ليبرالية وكذلك فإن الكتابين (نظرية في العدل – الليبرالية السياسية) ليسا متماثلين، وإن كان كلٌّ منهما لديه فكرة العقل العام، فبينما في الكتاب الأول (نظرية في العدل) يمثلُ العقل العام صورة مذهب ليبرالي شامل في الكتاب الثاني (الليبرالية السياسية) يمثلُ العقل العام طريقة للتفكير العقلاني في القيم السياسية التي يتشارك فيها مواطنون أحرار ومتساوون. ولا تتعدى على مذاهب المواطنين الشاملة طالما أن تلك المذاهب متفقة مع التنظيم السياسي للمجتمع. ([52])
وهكذا فإن التصورات الليبرالية السياسية لا يمكن تبريرها باستخدام براهين وحجج مستقلة لقيمتها الشاملة كما في المذاهب الشاملة، لكن تكمن قيمتها في إنجاز “إجماع توافقي” بشأن أحكام فردية– جماعية. ومن هنا تتجلى قدرة التعددية الليبرالية على القيام بفعل مشترك.
2- العدل من منطلق مساواتي:
ينضوي كلًا من رونالد دوركين Ronald Dworkin (1931 – ) وجون رولز وروبرت نوزيك تحت التصور الليبرالي للعدل الاجتماعي، مع إدراك أوجه الاختلاف الأساسية بينهم. لكن ما يميز وجهة النظر لدى “دوركين” هي إمكانية تحقيق المساواة الكاملة بين الأشخاص في فرص الرفاه وتحقيق النجاح، لا المساواة في الرفاه ذاتها كما رأي رولز. يعالج “دوركين” معضلة أساسية في الليبرالية بأسرها وهي كيفية اقتران الحرية بالمساواة، فالمساواة من وجهة نظر كثير من الليبراليين يعوق تحقيق الحرية، لكن دوركين يؤكد ضرورة تلازم الحرية والمساواة، فلا وجود لأحدهما دون الآخر.
إن “دوركين” يؤكد عدم وجود تعارض بين المساواة والحرية، بل يتحاوز ذلك إلى إمكانية حدوث تكامل بينهما، فالحرية هي قدرة كل فرد على التخطيط لحياته وفقًا لرغباته وطموحاته الشخصية طالما لم تعتدي على حق من حقوق الآخرين، وتتحقق الحرية عمليًا لدى “دوركين” في اختيار الفرد للطريقة التي يتصرف بها تجاه “حصته” أو حقه في الموارد الاقتصادية، أو ما يحوزه من ملكية دون توجيه أو ممارسة الضغوط عليه “فالمساواة في الاهتمام تتطلب احترام حرية الأشخاص… فالقطعيون (الدوجماطيقيون) Dogmatists هم من يصرون أن المساواة هي الأكثر أهمية مقارنة بالحرية”.([53])
وإذا كان “دوركين” يتفق مع فلاسفة الليبرالية الاجتماعية بخصوص مبدأ المساواة بين الأشخاص، إلا أنه يرى المساواة قائمة فيما يحصله الشخص من حصته في الموارد وحريته في التصرف كما يشاء في هذه الحصة في ضوء قرار فردى حر، ولذلك يطالب الدولة أو الحكومة برعايتها للقيمتين الأساسيتين غير المتعارضين: المساواة والحرية. “إنه يتوجب على الحكومة أن تولي مواطنيها اهتمامًا بوصفهم بشرًا مُعرضين للمعاناة والإحباط، مثلما تعاملهم باحترام بوصفهم أشخاصًا لديهم قدرتين: قدرة على تكوين تصورات عقلانية للأسلوب الذي يعيشون وفقًا له، وقدره على العمل وفقًا لهذه التصورات… ويتوجب على الحكومة أن تقيم مساواة بين المواطنين في الاهتمام والاحترام، ولذلك فإنه لا يجوز لها تمييز الأشخاص عند توزيع المنافع أو الفرص، فتمنح بعض المواطنين قدرًا أكبر من المنافع أو الفرص، لأنها ترى استحقاقهم مزيدًا من الاهتمام، كما لا يجوز لها فرض تصور شخصي معين للحياة الصالحة بوصفه التصور الأكثر رقيًا وأفضلية، لأن ذلك يتطلبُ تقييدًا للحرية الفردية. ([54])
وبالموازاة مع رؤية “دوركين” للمساواة الاقتصادية أو المساواة في المنافع والفرص يمكن النظر إلى المساواة السياسية عنده فهي تقوم على مبدأ “المساواتية المجردة” The abstract egalitarian الذي ينص على ضرورة المساواة بين المواطنين في الاحترام والاهتمام من منطلق مساواتهم في الكرامة الإنسانية. إنه يبحث عن صوره مجتمع محلي ذو نزعة مساواتية egalitarian Community “. إن المجتمع الذي يلتزم بالمساواة بين أعضاءه في الاهتمام أو الاحترام هو مجتمع ديمقراطي بالضرورة. ([55])
لكن أي ديمقراطية يقصد “دوركين”؟ إن الديمقراطية ليست الذهاب إلى صناديق الانتخاب أو حرية التعبير عن الرأي أو تكوين الأحزاب “إنها تجسيد لفكرة معاملة الناس بوصفهم متساوين”. ([56])
ومن ثم فإن الديمقراطية بمعنى حكم الشعب ليست احترام حق الأغلبية فحسب كما هو سائد، إنما احترام حقوق جميع المواطنين بوصفهم متساوين، ولا يمكن التفريط في هذه الحقوق تحت ضغط رأي الأغلبية حتى ولو كانت أغلبية ساحقة. إن “دوركين” يضع الأولوية لاحترام الحقوق الفردية الطبيعية في مواجهة احترام إرادة أو ضغط الأغلبية.
3- التصور الحيادي للعدل:
يقدم روبرت نوزيك Robert Nozick (1938 – 2002) تصوره للعدل من منظور اجتماعي فيقول: ” إن أي شيء ينشأ من وضعية اجتماعية عادلة بواسطة خطوات عادلة يكون في ذاته عادلًا” ([57]) وفي تفسيره للعدالة التوزيعية يقول: ” يكون التوزيع عادلًا متى نشأ توزيع عادل آخر من طريق وسيلة شرعية ([58]).
إن ما يقصده “نوزيك” بالوسيلة الشرعية هي ذلك الانتقال الحر للملكيات بين الأفراد، إنه يرفض كل محاولة من أجل تنميط العدل الذي يقتضي فرض نمط بعينه للتوزيع العادل للمنافع. وفي مقابل العدالة يكون الظلم؟ فكيف يمكن تصحيح أمر وقوع الظلم؟ كيف لمُصلحي الظلم أن يقدموا التزاماتهم لرفع عبء الظلم عن كاهل الذين تظلموا؟ أو بالأحرى كيف يمكن تصحيح الأوضاع الاجتماعية الظالمة؟ ومن أجل إيجاد الحل يلجأ “نوزيك” إلى نموذج دولة الرفاه Welfare state (الرفاه الاجتماعية) ([59]). فيرى ” أن المبدأ العملي الوحيد الذي يمكنه تصحيح الظلم في توزيع الملكية، قد يتمثل في: تنظيم المجتمع بطريقة ترفع من شأن وضعية جماعة معينة لحقت بها ظروف سيئة في المجتمع. ([60])
إن ما يمكن استخلاصه من رؤية “نوزيك” للعدالة (التوزيعية) التي قد تلجأ أحيانًا إلى نقائضها أو تنظيم المجتمع على نحو يخالف صورة “المجتمع المحايد” لديه، بمعنى موقف الدولة المحايد من مواطنيها، فلا تفرض الدولة نمطًا معينًا للعدالة الاجتماعية أو لتوزيع المنافع، أو أن تفرض جماعة معينة وجهة نظرها الخاصة على الجميع. إنها رؤية تعكس “يوتوبيا” ليبرتارية ([61]) تؤمن بالتعددية فتتيح الفرصة لاختيار أسلوب حياة للآخرين (غير الليبرتاريين) هذا الأسلوب يتسع ليشمل مجتمعات متعددة ومتنوعة، إنه تصور لا يضع قيودًا على الأفراد ولا الجماعات باتباع أسلوب أو نمط حياة معين أو العمل في ظل تنظيم اجتماعي مخطط له بواسطة سلطة قسرية أو جماعة مستبدة، لكنه يقوم على الاختيار الحر الذي يعنى رضاء أفراد المجتمع، حتى لو اختاروا نظامًا مستبدًا أو مقيدًا يرونه مقبولًا لديهم.
وباستعمال هذه الرؤية تتجلى لنا الليبرالية في أقصى حالاتها مثالية –تطرفًا- مما يوحى بالانشقاق عن التوجه الليبرالي ذاته. فالليبرتارية التي تعد الليبرالية موطنها الأصلي بدت تحمل ملامح أكثر “راديكالية” مقارنة بسائر التوجهات الليبرالية الأخرى، فهي على النقيض من الليبرالية تقدم أسسًا للأفراد والمجتمعات على حد سواء وفقًا لقيمهم المتباينة والمتنوعة بطريقة جذرية، إنها تتجاوز الأفق الليبرالي ذاته، فهي تطرح التسامح إلى أقصى حدوده حين تسمح لغرباء لا تحبهم ولا تستحسن أخلاقهم بزيارتك في منزلك “فاليبرتارية” تدعوك إلى أن تدع الناس الذين يختلفون معك وشأنهم الخاص ([62]) – حيادية خالصة.
ثالثًا: التعددية الثقافية في الديمقراطيات الليبرالية (البناء السياسي):
من وجهة نظر ليبرالية محافظة –اليمين الجديد– يمكن التعبير عن العلاقة بين الديمقراطية والاشتراكية في القول: “إن الديمقراطية والاشتراكية ليس بينهما سوى كلمة واحدة: المساواة. لكن ثمة اختلاف، تبحث الديمقراطية عن المساواة في الحرية، أما الاشتراكية فتبحث عن المساواة في التقييد والاستبعاد”. ([63])
وبسبب أن الحياة المجتمعية في مجتمع صناعي معاصر تفرض عدم المساواة السياسية، وأيضًا المشاركة السياسية المؤثرة في تساو بين الأفراد. ومن هنا فإن الدعوة الموجهة إلى الليبراليين دائمًا هي مراعاة أكبر قدر من المساواة بداخل إطار السياسة التعددية، ومن منطلق تجسيد الديمقراطية الليبرالية لقيم ثلاث عامة وشاملة: الحرية، المساواة، الديمقراطية. وإن كانت المساواة في نظر الديمقراطيين الليبراليين مهملة، إذ أنها في نظرهم قد تمثل عائقًا أمام الحرية الفردية، فعلى سبيل المثال ” حاول اليمين الجديد New right ([64]) إعادة ربط الليبرالية في العقل العام (الجماهير) بخط موازٍ للخط المضاد “للنزعة المساواتية” Antiegalitarian ([65])، وفي مقابل الموقف المضاد للنزعة المساواتية ثمة رؤية لتعليم ديمقراطي “لإنتاج نوعيات منفتحة على أفكار مختلفة، وإدراك واعٍ بتنوع الرأي والهوية، واحترام لقيم ومعتقدات مختلفة. ([66])
ويوضح عالم السياسية الأمريكي “روبرت دال” R. Dahl تلك المشكلات المستمرة داخل النظام التعددي Pluralist system في الديمقراطية الليبرالية على النحو التالي:
1- على الرغم من تعددية النظام السياسي إلا أنه قد يؤدي عمله فيعوق أنواعاً معينة من القرارات الواجب اتخاذها.
2- قد تعمل التعددية داخل سياق متحيز من أجل طبقة معينة من طبقات المجتمع.
3- ليست كل الجماعات المنضوية تحت النظام السياسي القائم على التعددية ذات تأثير متساوٍ في عملية اتخاذ القرار.
4- قد تفرضُ عوامل مقدمًا وبطريقة محتمة وعلى درجة كبيرة من الاتساع، اتخاذ قرارات معينة أو عدم اتخاذها في سياسات التعددية، وتلك العوامل متميزة تميزًا مؤكدًا لجماعات معينة.
5- قد تتجه جماعات السلطة القديمة من طريق تسلسلها العنقودي إلى امتلاك أكبر قدر من الشرعية أكثر من الجماعات الجديدة.
6- إن حجم الارتباطات الإدارية أو الطوعية وتعقيدها وجماعات المصالح قد تعوق التحكم المؤثر في السلطة الحاكمة.
7- في ظل النظم التعددية الحالية يوجد قليل من التنسيق والتخطيط للبرامج السياسية.
8- وفي معظم النظام التعددي الحالي، فإن معظم القرارات الرئيسة في أي ديمقراطية تُتخذ بمشاركة نسبة قليلة من جمهور الناخبين. ([67])
1- حماية الحقوق الأساسية للأقليات:
كيف تقبل الدولة القومية –واحدية الثقافة– في الديمقراطية الليبرالية الاعتراف بقومية الأقليات من منطلق الإيمان بالتعددية الثقافية؟ هذا السؤال الجوهري يمكن طرحه بخصوص المفهوم الليبرالي للتعددية الثقافية، وربما يجيء العمل الجدير بالاهتمام لويل كيمليكا will kymlicka:” مواطنية التعددية الثقافية: نظرية ليبرالية في حقوق الأقليات”.
Multiculturla Citizenship : A liberal theory of Minority rights. (1995)
تأسيسًا لحقوق الأقليات وترسيخًا لها، فيناقش “كيمليكا” في هذا العمل طبيعة تلك المشكلات المثارة داخل النسق المحلي للديمقراطية الليبرالية، ومحاولة الخروج من مأزق النسق المحلي باستخدام صياغة معايير دولية من أجل حفظ حقوق الأقليات، ومن ثم قابلية الانتشار العالمي لنماذج التعددية الثقافية. وقد أدرك “كيمليكا” الطبيعة الأصيلة للتعددية الثقافية في سياقها الليبرالي، فلا خلاف من ناحية المبدأ بشأن الاعتقاد في سيادة القانون وحقوق الإنسان الأساسية عند البلاد التي يسود فيها النظام الديمقراطي الليبرالي.
ويشير “كيمليكا” إلى ضرورة توافر مستوى معين من الديمقراطية الليبرالية قبل أن يكون هناك توجه للتطبيق الشامل للتعددية الثقافية. ومع ذلك فإن مشكلة الصراع العرقي العنيف والحاجة إلى العثور على طرائق من أجل التعايش العرقي غالبًا ما تكون أكبر ضراوة في البلدان ذات الديمقراطيات الضعيفة. أيكون الهدف عندئذ هو صياغة قواعد تطبق عالميا يتحقق فيها مستوى معين من “الديمقراطية”؟ أم يكون الهدف كبح جماع الصراع العرقي أو حله في الدول ذات المستويات المتفاوتة من الديمقراطية؟ ([68])
ومن منطلق ليبرالي، يؤكد ” كيمليكا” أهمية توافر حياة كريمة للمواطن، من طريق عمل الحكومة في معاملة الأشخاص على قدم المساواة من الاهتمام والتقدير، ليكون من حق الشخص التمتع بالحريات والموارد والمعتقدات التي يؤمن بها. وهكذا يمكن تكوين قاعدة للتوجه الليبرالي المعاصر وصياغة نظرية في العدالة، وتتحقق الحياة الكريمة للشخص أو المواطن وفقًا لشرطين أساسيين: الأول، أن نتمتع في حياتنا وفقًا لجوانياتنا، أي بموجب معتقداتنا وهذا ما يضفي القيمة على حياتنا… الثاني: أن نتمتع بكوننا أحرارًا في مساءلة تلك المعتقدات وإمكانية تعديلها من طريق اخضاعها للتجريب في ضوء ما توفره ثقافتنا من معرفة، ومثل وتصورات، ومن أجل هذا فمن الضروري أن يتوفر للأفراد ما يمكنهم من اكتساب الوعى والقدرة على التمييز بين وجهات النظر المختلفة والمتعلقة بالتمتع بحياة كريمة… ويشكل هذان الشرطان أساس الاستقلال الذاتي”. ([69])
ويحاول “كيمليكا” الجمع بين الأساس الليبرالي الأصيل القائم في الاستقلال الذاتي، والطرح الليبرالي المعاصر للتعددية الثقافية. لكن السؤال الذي يمكن طرحه بهذا الصدد هو: كيف يمكن جعل الثقافة – التعددية الثقافية– أساسًا لحرية الشخص واستقلاله في إطار صياغة نظرية ليبرالية مستحدثة تتجاوز الصياغة التقليدية لليبرالية؟ ويجيب ” كيمليكا”: “إن الانتماء الثقافي يحظى بمكانة مهمة في التصور الأخلاقي لليبرالية، بخصوص حق الأفراد في الانتماء الثقافي الذي يعود بالنفع إليهم ويعاني أولئك المنتمون ثقافيًا، فهم كونهم أقليات يعانون الحرمان بسبب انتمائهم الثقافي، ولذلك فإنه يجب معالجة أشكال الحرمان المرتبطة بالانتماء الثقافي من طريق بيان أن الانتماء إلى جماعة ثقافية يمثل معيارًا أساسيًا لتوزيع المنافع والأعباء؟ وهذا هو محور اهتمام النظرية الليبرالية في العدل. ([70])
وفي ضوء صورة “المساواة المركبة” Complex Equality التي يقدمها “هايكل ڤالتزر” Michael Walzer (1935 – ) يؤكد “ڤالتزر” ضرورة تكافؤ الفرص في ظل فرضيته أن للأفراد قدراتهم ومواهبهم الخاصة والمختلفة، ومن ثم تتحقق الحرية والمساواة في إطاري التكامل والتلازم فوجود أحدهما يعتمد على وجود الآخر.” وتعنى المساواة المركبة عدم وجود سلطة لشخص في مجال معين للعدالة يمكن أن يقلل أو يعظم من مكانته في المجالات الأخرى. ([71])
ويعالج “ڤالتزر” مشكلة الحرية السياسية في ضوء “المساواة المركبة” فيبدأ بتعريف الحرية بأنها “الحياة في مجالات مستقلة ذاتيًا” ([72]). ومن هنا فإن الحرية ليست قيمة سابقة، بل هي نتاج للمساواة المركبة هي غياب السيطرة على مجالات العدالة كما هو الحال مع المساواة. وهكذا يمكن حدوث التناغم بين الحرية والمساواة. “إن الحرية تعد إلحاقًا أو إضافة، فهي تشمل الحقوق داخل المجالات الاجتماعية… إن كل حرية تستلزم صورة معينة من صور المساواة أو على الأفضل، ألا يوجد تفاوت معين بين الغزاة والمحكومين، والمؤمنين والكفار… والملاك والعمال، ويحقق حاصل جمع غياب التفاوتات مجتمعًا عادلًا. ([73])
ويعتمد ” ڤالتزر” على فكرة المشاركة السياسية في تحديد الدلالات الاجتماعية للمنافع، وتؤسس التصورات المشتركة لأفراد المجتمع المعنى الحقيقي للحرية من طريق الثقافة والتقاليد والممارسات ومن طريق المشاركة السياسية الفعالة تتحدد صورة المواطنة، والتي تعني بدورها “مشاركة تعددية تمثل الضمان الحقيقي للحماية والمشاركة” ([74]) ، والمشاركة هنا بمعنى أن يكون الفرد حاكمًا ومحكومًا، فهي تمثل الواجبات الخاصة بالمواطنة (المعنى الإيجابي) وأن يتمتع الفرد بكل أشكال الحماية: الاجتماعية والسياسية والقانونية والدينية (المعنى السلبى للمواطنة).
2- طبيعة الاندماج في التعددية الثقافية:
من زاوية اجتماعية ثقافية ينطلق ” كيمليكا ” من رؤيته للاندماج، يكون فيها الاندماج مؤسساتياً تحديدا دون الوقوع في مأزق العادات والتقاليد الثقافية والدين وأساليب الحياة، إنما يتحدد الاندماج بالرؤية المؤسساتية المشتركة التي تتيح مجالًا رحبا للتعبير عن التباينات الفردية والاجتماعية في المستويين العام والخاص، وأن يسمح للأقليات القومية ببناء أمة خاصة بها، من أجل تمكينها من حفظ ذاتيتها بوصفها ثقافات مجتمعية متمايزة. ([75])
وعلى أرض الواقع في التجارب الغربية لا توجد قواعد أو مبادئ أو حتى نماذج لكيفية التعامل مع الطموحات المتميزة للأقليات القومية في ظل النظم الديمقراطية الليبرالية “إن ما تسعى فيه هذه الجماعات بطريقة أساسية ليس حقهم كونهم أفرادًا يمكنهم الانضمام إلى آخرين من أجل سنِّ ممارسات ثقافية معينة، بل حقهم كونهم مجتمعًا قوميًا له الحق في حكم ذاته على أرض وطنه الخاص، وأن تستخدم هذه الجماعات قوتها الحكومية الذاتية للتعبير عنه والاحتفاء بلغتها وتاريخها وثقافاتها في المجال العام والمؤسسات العامة. ([76])
إن الصورة الواقعية للاندماج في حالة الجماعات الإثنية ([77]) Ethnicity، على سبيل المثال لا يتعدى حدود الاندماج في الثقافة المجتمعية السائدة، تحدد الثقافة السائدة فرصهم المتاحة واختياراتهم الحياتية طالما شاركت هذه الجماعات في المؤسسات المجتمعية. ومن طريق التحول إلى منظور يعد الأكثر قربًا من مفهوم التعددية الثقافية طور ” ويل كيمليكا ” وزميله كيث بانتنج Keith Banting كونهم محررين كتاب “التعددية الثقافية ودولة الرفاه: الاعتراف وإعادة التوزيع في الديمقراطيات المعاصرة (2006) فهرسًا لسياسات التعددية الثقافية لقياس مدى التحول أو المنظور الجديد للتعددية الثقافية. ويعرف ” كيمليكا ” التعددية الثقافية: إن التعددية الثقافية الليبرالية هي وجهة النظر التي تذهب إلى أن الدول لا ينبغي لها أن تساند فقط المجموعة المألوفة من الحقوق الاجتماعية والسياسية والمدنية للمواطنة التي تحميها كل الديمقراطيات الليبرالية الدستورية، ولكن ينبغي لها كذلك تبنى حقوق الجماعات الخاصة المختلفة أو السياسات التي تهدف إلى الاعتراف والتكيف مع الهويات والتطلعات المتميزة للجماعات العرقية الثقافية. وهذا التعريف عادل فيما يذهب إليه لكنه لا يقدم لنا الكثير. ([78])
ولتحديد طبيعة الاندماج في التعددية الثقافية يجب علينا التمييز بين أشكال التنوع الثقافي الذي ينحصر في شكلين أساسيين: الأول، التنوع القومي، الآخر، التنوع الإثني، فبينما يتضمن الأول المجتمعات المكونة من عدد من القوميات داخل نطاق الدولة، فإن الآخر يتمثل في تلك المجتمعات التي نشأت من طريق الهجرة الدولية، فتفضي الأخيرة إلى تكرين جماعات إثنية متعددة تعيش على هيئة تجمعات سكانية منعزلة، وإذا تصورنا “أن الاندماج يتطلب قبولًا من الأقليات بالتكيف مع خصائص معينة للثقافة المهيمنة في المجتمع، مثل تعلم اللغة الرسمية والمشاركة في عضوية مؤسسات عامة فإنه أيضًا يقتضى قبول الأكثرية المهيمنة لفكرة توسيع مجال الحقوق والفرص المتاحة للأقليات، وأن يتأسس ذلك على العيش والعمل بصورة تعاونية مع أعضاء أقلية معينة، وأن يُهيأ المجال من طريق مؤسسات الثقافة السائدة كلما دعت الحاجة الضرورية إلى استيعاب الحاجات والهوية المميزة للأقلية. ([79])
ويمكن ملاحظة فاعلية الهُوية القومية في مقابل المبادئ السياسية المشتركة، إذ يبقى الأمر في قبضة الهُوية القومية التي تخلق هُوية سياسية تتجه في نهاية الأمر إلى الرغبة في الانفصال عن الدولة القومية وتكوين دولة قومية جديدة ذات خصوصية ثقافية مع الوعي بمدى ارتباط هذه النزعة الانفصالية الممثلة في أعضاء قومية معينة بالمبادئ السياسية ذاتها، والتي تؤمن بها الأكثرية المهيمنة في الدولة القومية.
ويرى ” كيمليكا” التشارك في المبادئ السياسية ذاتها لا يعد أمرًا كافيًا من أجل استمرارية الوحدة السياسية… إن نشوء الهُوية السياسية يدفع الأقلية إلى الانفصال، فتتطور هذه الهوية في أثناء فترات زمنية طويلة، فتتوحد الجماعات في ظل نطاق إقليم معين كي تتخذ هُوية سياسية مشتركة… وذلك من طريق مشاورات عامة واتخاذ القرارات بطريقة جماعية والتعاون من أجل تحقيق الأهداف السياسية… بوصفهم أعضاء في الجماعة ذاتها، وأن لديهم مسئوليات متبادلة تجاه بعضهم الآخر من أجل تحقيق الرفاه المستمر لجماعتهم السياسية. ([80])
إذًا كيف يمكن الوصول إلى هوية سياسية شاملة وجامعة؟ إنه الاندماج المؤسساتي، وفقًا لرؤية “كيمليكا”. “وتُعنى هذه المؤسسات بالتقاء المنتمين إلى جماعة إثنية معينة مع أقرانهم من الجماعات الإثنية الأخرى، فتتعزز العلاقات المتبادلة التي تربط هذه الجماعات بوطنها الجديد، وتعلم المؤسسات الأفراد كيفية التعامل والتفاوض فيما بينهم رغم الاختلافات الإثنية”. ([81])
ويمكن فهم وجهة نظر ” كيمليكا” من طريق تصوره لإمكانية إيجاد ثقافة مشتركة مستحدثة لا تجسد عاملًا مشتركًا بين ثقافات تقليدية لا انتقاء لمعتقدات وممارسات معينة، بل تمثل ثقافة مستقلة ذاتيًا ومتحررة من نشأتها الأولى بطريقة ما، كي يمكنها التكون بطريقة تفاعلية، فتوجد حياة أخلاقية مشتركة. إنها محاولة لدفع الاندماج المؤسساتي عبر الزمن حتى يُخلق مزاج عام بين الجماعات الثقافية التي تعيش في مساحة جغرافية من الأرض، وهذا المزاج العام تتخلقُ منه عادات يومية تكون ثقافة مشتركة وتمثل أسلوبًا للتعايش بين الجماعات الثقافية.
3- إمكانات التسامح:
هل يمكن أن يكون هناك مفهوم عالمي للتسامح؟ يطرحُ “رولز” تصوره للتسامح فيؤكد “أن التسامح هو قبول هذه المجتمعات غير الليبرالية بوصفهم أعضاءً متساويين، لهم مكانتهم في مجتمع الشعوب الليبرالية، وأن لديهم حقوق وعليهم التزامات معينة، ويتوجب على السلوك السمح عند الشعوب أن يقدم إلى الشعوب الأخرى أسبابًا عمومية لتصرفاتهم تتناسب مع مجتمع الشعوب (الليبرالية)”. ([82])
ويعد هذا المفهوم العالمي للتسامح الليبرالي قابلًا للجدل بشأنه، إذ إنه قد يعنى ألا تتدخل دولة ليبرالية في الشأن الداخلي لأي دولة تقوم على نظام استبدادي لكن في الوقت نفسه، قد لا يكون هذا التدخل مباشرًا وصريحًا، بل قد يعنى هذا التدخل تحريضًا ودعمًا داخليًا مؤثرًا يغير من موازين القوى، ويعجل الإطاحة بالنظام الاستبدادي. وهنا يثار سؤال عن مدى علاقة التسامح بالظروف الواقعية أو تحقيق العدالة وفقًا للظروف الواقعية؟ وإذا كان المفهوم الليبرالي العالمي للتسامح يمثله “رولز” ومؤيديه “فإن ثمة مفهومًا آخر يمكن تسميته المفهوم ” الكوزموبوليتاني” للتسامح ، وهو يختلف عن المفهوم العالمي اختلافًا تامًا، فهو يتطلب بالإضافة إلى الصبر على شيء ما أو وضع تبنى موقفًا معياريًا معين تجاه الشيء محل التسامح، فالشيء محل التسامح لا “يُتعايش” معه، مجرد التعايش نظرًا لعدم وجود طريقة ممكنة لمعارضته، بل يُتسامح معه لأنه يعد مقبولًا من منظور أخلاقي معين. ([83])
إن المنظور الآخر (الكوزموبوليتاني) لا يتطلب تدخلًا فعالًا على سبيل الاستجابة إلى موقف على أرض الواقع، فهو يتعامل مع التسامح بوصفه انعكاسًا لما تتطلبه المبادئ الأخلاقية لا بوصفه نتيجة لإمكان أو عدم إمكان تحقيق المبادئ الأخلاقية. ومن هذه الزاوية فإن التسامح بالمعنى المعياري (الكوزموبوليتاني) يمثل خلافًا فلسفيًا أشد عمقًا من كونه خلافًا عمليًا من وجهة نفعية للمبادئ العالمية. إنه بإيجاز يربط بين التسامح والالتزام الأخلاقي. ومن زاوية ليبرالية مختلفة “يعد التسامح فضيلة في ذاته، لكن بمحددات وإلا فإنه سيشمل تهديدًا لمبدأ المساواة والحقوق الفردية. ([84])
ولأنه في الدول المتعددة القوميات تسعى الأقليات القومية في نوع من الاستقلال السياسي كي تؤمن عملية التطور الحر لثقافات ومصالح أولئك المنتمين إليها، ولذلك فإنها تتحرك صوب توكيد الاستقلال الذاتي إلى أقصى درجة، ومن ثم فإن الانفصال عن الدولة يعد أمرًا مقنعًا. وبناءً على ذلك فإن التصور السابق يفسح المجال لتمكين الأقلية القومية من ممارسة حق تقرير المصير داخل نطاق الدولة. وبالنسبة للتعددية الإثنية فإن حقوقها تكمن في مجال المعايير الجماعية الخاصة Group-Specifi Measures وتعبر تلك المعايير عن الخصوصية الثقافية التي يجب على الحكومة الالتفات إليها، بتشجيع الممارسات والأنشطة الثقافية ذات الخصوصية الإثنية.
وتبقى مسألة التمثيل السياسي الخاص هو محور الارتكاز عند الأقليات القومية والجماعات الإثنية، ويمثل الطابع المميز للديمقراطيات الغربية فيكون للأكثرية حق التمثيل السياسي فحسب عائقاً أمام حق التمثيل السياسي الخاص، لكن في الوقت نفسه يمثل حق التمثيل السياسي الخاص تهديدًا للمبادئ والأسس التي قامت عليها الديمقراطية الليبرالية، لأن هذا الحق الخاص يتعارض مع حق المجتمع الأكبر الذي يتيح الفرصة للأفراد كي يعبروا عن حرياتهم الخاصة في ضوء حقوقهم الفردية، في الوقت الذي يسعى فيه الأقليات القومية أو الجماعات الإثنية في تقييد تلك الحريات تحت شعار التماسك الجمعي والترابط الثقافي لأعضائها، أي ممارسة ثقافية أبوية والاستغراق في نطاق محدد ومنعزل تحت وطأة التأثير الديني أو العرقي، وأخيراً تبقى سياسات التعددية الثقافية ملتزمة بالتمسك بالقيم الليبرالية– “فهل جعلت سياسات التعددية الثقافية المشكلة أشد سوءًا بتشجيع المواطنين على حفظ “تراثهم” أو حتى عندما يكون تراثًا غير ليبرالي، أو من طريق تثبيط همة موظفي الدولة عن التدخل تحت اسم “احترام التنوع” والتسامح؟ أو هل تقلص سياسات التعددية الثقافية من المشكلة، سواء باستعمال الانجذاب ناحية الديمقراطية الليبرالية أو بتزويد موظفي الدولة بإرشادات مؤكدة ومؤثرة للتعرف على المشكلات المحتملة والاستجابة لها. ([85])
4- هل ثمة مستقبل ليبرالي للتعددية الثقافية:
أي علاقة قائمة بين الليبرالية وحقوق الجماعات الإثنية والأقليات القومية يمكن أن تؤسس للتعددية الثقافية؟
يوجد عنصران مختلفان في الليبرالية: الأول، يهتم بالحافز إلى الاستقلال الفردي ويستلزم الالتزام بعملية معاينة منطقية على الدوام للذات والآخرين والممارسات الاجتماعية، الآخر، يقدر قيمة “التنوع” بوصفه دلالة على الاختلافات القائمة بين الأفراد أو الجماعات بشأن أمور معينة، على سبيل المثال ماذا تعنى الحياة الكريمة؟ ما هي مصادر السلطة الأخلاقية والعقل في مقابل الإيمان؟ ([86])
وبتعبير مختلف فإن الجدل المثار بين الليبراليين يتعلق بالقيمة الأساسية في المبدأ الليبرالي: هل هي الحرية الفردية الماثلة في الاستقلال الذاتي أم “التسامح” بمعنى الإيمان بالتنوع أو الحرية الجماعية بأشكالها المختلفة.
إن فكرة طرح قيمتي التنوع والتسامح بوصفهما بديلًا عن الحرية الفردية لا يقدما مفهومًا جديدًا لليبرالية، وخصوصًا إذا كانت ثمة رؤية تدفعُ الدولة إلى تحقيق التنوع دون الوعى بأن هذا هو نفسه هدف الدولة الليبرالية، فالجماعات غير المنتمية إلى الليبرالية تحظى بتلك الحقوق التي يتمتع بها الجميع، فهل يمكن التضحية بتلك الحقوق التي تمنحها الليبرالية للأفراد مقابل إعطاء الجماعات الإثنية والأقليات القومية هذه الحقوق التي سوف تزيد من سلطة تلك الجماعات أو الأقليات على أفرادها، إنها مصادرة لحق الأفراد من (الفرار) الاختياري من الجماعة بتحقيق الاستقلال الذاتي.
إن المقاربة بين تعزيز التنوع أو التسامح الليبرالي أو تلك المساواة بين الليبرالية والتعددية أو النسبية الثقافية لا تقدم جديدًا للمبادئ الليبرالية التي أكدت إيمانها بالتعددية في ضوء القيم التي طرحتها الليبرالية المبكرة من قيم التسامح والمساواة. ومن بين المؤيدين للتعددية الثقافية أنفسهم هناك انتقادات لدعاوى الحقوق الجماعية وإمكان شرعيتها، لأن الأساس الفكري لديهم بخاصة “الليبرتاريين” وفي مقدمتهم “روبرت نوزيك” هو الفردية في أقصى حالاتها تطرفًا، وفي المقابل فإن الليبراليين الاجتماعيين أو ما يمكن أن يطلق عليه “اليسار الليبرالي” فإنهم أيضًا يرفضون فكرة التصور الجماعي للحقوق والحريات، فالمساواة التي تنشدها الديمقراطية، والتي تعد قيمة ليبرالية عند الحريات، يجب أن تنطبق على الجميع وأن تكون السيادة للشعب، وأخيرًا فإن مستقبل المفهوم الليبرالي للتعددية الثقافية مرهون بمدى ما يطرحه من أفكار تؤكد وحدة الدولة أو تفضي إلى تفتيت هذه الوحدة من طريق ترسيخ الاهتمام بوحداتها المكونة لكيانها، فهي التي يمكن أن تكون سببًا في سقوط النظام الديمقراطي نفسه، بل تهديد كيان الدولة برمته متى تم الإقرار بشرعية الحقوق المميزة لجماعات معينة .
الهوامش والمراجع:
([1]) Manning, D.j. Liberalism, London, Dent and sons, 1976, p.9.
([2]) Hayek, f., The constitution of liberty ، London, Routledge and kagan paul, pp.334, 45-55 .
([3] ) الراديكالية الفلسفية: الراديكالية Radicalism مصطلح مشتق من اللاتينية بمعنى ” الجذر ” radix، وقد استعمل في القرن التاسع عشر لوصف النزعة التى تروم إصلاح جذري drastic reform. وكان الراديكاليون البريطانيون في القرن التاسع عشر يريدون توسيع نطاق التصويت في الانتخاب، وإصلاح النظام السياسي.
ينظر في:
Bealey, frank, The Blackwell Dictionary of political science, Blackwell publishing, oxford, 1999, p.278.
([5])Werner, M., liberalism pluralism and Multiculturalism, in tewenty –first century ، by Robert B. Tapp. Ed, Multiculturalism: Humanist perspectives, Humanism today : Volume 14, N.Y. Prometheous Books, 2000, p.91.
([6]) Locke, j., The second treatise of government, ed. by Thomas p. peardon, N.Y. Bobbs – Merrill, 1952, p.5, para.6.
([7]) Locke, J., A letter on toleration ، Indianapolis, Bobbs-Merrill, 1955, p.17.
([8]) Colin, Forrelly, an introduction to contemporary political theory, London, sage publication, 2004, p.77.
([9]) الحكومة الفيدرالية Federal Government: هي نمط دستوري يعد مناقضًا لحكومة الوحَدْية (المركزية) unitary Government تتوزع فيه السلطة بين الحكومة المركزية Central government والسلطات الحاكمة الإقليمية regional authorities لتكون كل واحدة منها ذات سيادة sovereignty في نطاق مسئولية كل منها.
ينظر في:
Bealey, frank, op.cit p.130.
Dahl. R., A preface to Democratic theory, Chicago, Chicago university press, 1956, pp. 30-33.
([11] ) علم دراسة الأنماط Typology قائمة بالفئات المستخدمة في التصنيف. ولقد وضع علماء السياسة قوائم تصنيفية للدساتير والأحزاب السياسية، وجماعات الضغط والثقافات السياسية والدول، وهي تعد مفيدة في المنهج أو الطريقة المقارنة.
Bealey, op.cit. p. 328.
([12] ) يوضح “دى توكفيل” أن المجتمع الارستقراطى ترتبط فيه النخب بأهدافهم المشتركة لحماية وضعيتهم الاجتماعية في حين يصبح المجتمع الديمقراطي فرديًا وضعيفًا في الوقت نفسه.
([13]) Tocqueville, Democracy in America, ed. J.p. Mayer and Max Lernery, N.Y. Harper and Row, 1966. P. 482.
([15]) Collaway, G., Aoward, “pragmatic pluralism, in top, ed., Multiculturalism: Humanist perspective ، p.225-27.
([16] ) المجتماعية Communitarianism: هي الإيمان بالجماعة ودعم قيمتها، ويرى مؤيدوها التجمعات الأصغر Smaller groupings أرقى من التجمعات الأكبر… ويمكن النظر إليها بوصفها وضعية لجماعة من الناس تجمعهم ثقافة واحدة ينتمون إلى أصول إثنية واحدة… ولقد اتخذت المجتماعية لدى السياسيين – الذين يمارسون نشاطا سياسيًا – شكلًا عمليًا لدى الليبراليين الديمقراطيين البريطانيين المؤمنون بالسياسة المجتماعية (المجتمع المحلى) Community politic أي الاهتمام بالسياسة المحلية… وفي الآونة الأخيرة أو الأحدث نسبيًا فإن المجتماعية الأوروبية قد اعتمدت على مبدأ “التفريع” Subsidiarity مما أثار حملات تدعو إلى الاستقلال (الحكم الذاتي).
ينظر في:
Bealey, f., op. cit. pp. 75, 6.
([17]) Green,T.H., works III, ed.by. R.L. Netles- hip, London, Longmans Green, p.271.
([18]) Green, liberal legislation and freedom of contracts ، in works, 111.p.370.
([19])Hobhouse, L., The elements of social justice, N.Y. Henry Holt, p.183.
([20])Kymlicka, W., liberalism community and culture Oxford ، Oxford univ. press, 1989, p.202.
([21]) روبرت نوزيك أستاذ الفلسفة بجامعة “هارفارد” وأهم كتبه “الفوضى والدولة واليوتوبيا” (1974) اشتهر بدفاعه عن الحد الأدنى من التدخل الحكومي ونقده للفلسفات السياسية لدى اليسار يعد أفضل ما قيل عن الليبرتارية Libertarianism (النزعة التحررية) ينظر في:
The Cambridge History of Twentieth century political thought, ed. by Terence Ball and Richard Bellamy, Cambridge university press, 2003, p.662.
([22]) النزعة المساواتية Egalitarianism: الإيمان بشيوع المساواة بين البشر، وينطبق ذلك على الثروة والمركز والسلطة وعلى تحديد حالات عدم المساواة ومحاولة معالجتها… ينظر في:
Bealey, f., op.cit. p.113.
([23]) جون رولز: أستاذ الفلسفة بجامعة هارفارد، يعد كتابه “نظرية في العدل” (1971) أكثر أعمال الفلسفة السياسية في القرن العشرين تأثيرا، أدخلت أعماله تحسينات على نظريته، كما في كتابه “الليبرالية السياسية” (1993) فيرى أن مبادئ العدل يمكن أن يتبناها أناس لهم وجهات نظر دينية وفلسفية متباينة. أما كتابه قانون الشعب (1999) فهو الذي قدم النظرية إلى المجتمع العالمي.
ينظر في:
The Cambridge history of Twentieth century political thought, p .665.
([24]) رونالد دوركين: أستاذ بجامعتي “بيل” و”أكسفورد” له مقالات مهمة في الفقه القانوني ونقد الوضعية القانونية في كتاب “أخذ الحقوق بجدية” (1978) وحاول وضع نظرية ليبرالية في المساواة من طريق كتاب “الفضيلة المهيمنة”: المساواة في النظرية والتطبيق (2002).
ينظر في:
Ibid., p.638.
([25]) Kymlicka, will ، politics in vernacular: Nationalism Multiculturalism and Citizenship, Oxford univ. prss, 2001, p.328.
([26]) مايكل ڤالتزر: عمل أستاذاً ببرينستون، وهارفارد انشغل سياسيًا بالحركات اليسارية، خصوصًا حركة الحقوق المدنية ومناهضة الحرب في الستينيات من القرن العشرين ومن أشهر كتبه: “الحروب العادلة وغير العادلة” (1977) ومجالات العدل (1983)
ينظر في:
The Cambridge history of Twentieth century political thought, p.6705.
([27]) ويل كيمليكا: عمل أستاذا بجامعة أتوا وتورنتو (كندا)، وجامعة برينستون بأمريكا مهتم بمجال التعددية الثقافية ومن أشهر كتبه الليبرالية، والمجتمع، والثقافة (1989) أوديسا التعددية الثقافية (2007).
لمزيد من التفصيل ينظر في: التعريف بكيمليكا في عالم المعرفة (377) يونيو (2001).
Borchert, M., D., ed., Encyclopedia of philosophy, “Justice”, Detroit, Thomas pogge, Gale, 2006, vol.4. pp.862-866.
([29]) of justice, Oxford, Oxford univ. press, 1999, pp.3-4. Rawls, j., A Theory
([30])Cohn, E., S., white and etal., Distributive and procedural justice, in law and Human Behavior, journal springer, vol. 24. No.5, October 2000, pp .556-57.
([32]) Rawls, A Theory of justice, p.53.
([33]) صدر كتاب العدالة كإنصاف: “إعادة صياغة” في عام (2001) وقد حاول رولز معالجة عيوب ونواقص كتابة الأول “نظرية في العدل” (1971). لكن لم يمهل القدر “رولز” من إتمام نهائي لهذا التنقيح، خصوصًا القسمان: الرابع والخامس، وتبقى قيمة هذا التنقيح قائمة في تحسين عرض الكتاب الأول وتصحيح بعض الأخطاء والرد على عدد من الاعتراضات المهمة.
([34]) جون رولز، العدالة كإنصاف: إعادة صياغة، ترجمة د. حيدر حاج إسماعيل، مراجعة ربيع شلهوب، الطبعة الأولى، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2009، ص 148..
([35]) مبدأ الفرق The Difference Principle يعبر مبدأ الفرق عن فكرة مفادها هو أننا إذا بدانا من القسمة المتساوية، فإن جماعة المواطنين الأكثر انتفاعًا يجب ألا تتحسن أحوالها على حساب التسبب بضرر لجماعة المواطنين الأقل انتفاعًا.
([36]) الوضع الأصلي هو ذلك الوضع الذي يتم فيه العقد الاجتماعي. إنه الوضع الذي تتواجد فيه أطراف وراء ما يسميه حجاب الجهاله veil of ignorance ويحدده بما يلي: لا يعرف أي واحد منها موقعة في المجتمع، طبقته أو وضعيته الاجتماعية ولاحظه من توزيع الإمكانات والقدرات الطبيعية ولا (مقدار) ذكائه و (مقدار) قوته وما شابه… وزيادة على ذلك لا تعرف الأطراف الظروف الخاصة لمجتمعاتها، أي أن كل واحد فيها لا يعرف وضعه الاقتصادي أو السياسي أو مستواه الحضاري والثقافة التي حققها… وعليها أن تختار مبادئ تكون مستعدة للعيش مع نتائجها مهما كان الجيل الذي ينتمي إليه كل واحد منها، ينظر المرجع السابق، ص 38.
([37]) Rawls, A Theory of justice, p.11.
([39])Holmes, Stephen ، the Gatekeeper review of Rawls’s political liberalism, the New Republic ، October 11, 1993, p.42.
([44]) الإجماع التوافقي هو إجماع قائم بين القوى السياسية والاجتماعية يشتمل على عقيدة دينية لإيمان حر، ومذهب ليبرالي من نوع مذهب كانط ومل، ووجهة نظر غير نسقية تحتوي على مجال واسع من القيم اللاسياسية مع القيم السياسية الخاصة بالعدالة بوصفها إنصافاً… إنه يحتوي على مفاهيم للمجتمع والمواطنين كونهم أشخاصًا كذلك على مبادئ للعدالة وعلى وصف للفضائل التعاونية التى من طريقها تتجسد تلك المبادئ في الخلق الإنساني ويكون لها تعبير في الحياة العمومية لمزيد من التفصيل ينظر في:
رولز، العدالة كإنصاف: إعادة صياغة، ص 383-388.
([45]) العقل العام هو سلطة سياسية عمومية يمكنها أن تتدخل في حالات التعرض لمبادئ الدستور، ولمبادئ العدالة وهو ما يمكن تسميته عادة الرأي العام. ينظر في المرجع نفسه، ص 221 -228.
([46]) Rawls, political liberalism ، N.N. Columbia univ. press. 1993, p.134.
([50]) Rawls, the Law of peoples, Harcard., press, 1999, p.11.
([53]) Dowrkin, R., “Do values conflict? A hedgehoge Approach, Arizona law Reviewl, Vol .43:3, 2001, p.251.
([54]) Dowrkin, R., Taking Rights seriously, universal Law publishing co., 1977, pp.272-73.
([55]) Dowrkin R., “What is equality ? part 4: “Political equality” univ. of San Francisco Law Review, vol. 22, 1987, p.2.
([56]) Guest, S., Ronald Dworkin ، Edinburgh univ. press, 1997, p.80.
([57]) Nozick,R., Anarchy, state and utopia, Basic Books, 1974, p.157.
([59]) دولة الرفاه هي وضعية تتولى فيها الدولة مسئولية تقديم مساعدات مادية للمسنين والمرضى والعاطلين عن العمل وأمهات الأطفال الصغار. ويدخل ضمن مفهوم دولة الرفاه التعليم المجاني والرعاية الصحية، وفي بعض الأحيان المساكن الشعبية المدعومة من الدولة.
ينظر في:
Pealey, op.cit., p.338.
([60]) Nozick, op.cit., p.231.
([61]) الليبرتارية Libertarianism مصطلح يتضمن معان ثلاث مختلفة، فقد اعتقد الليبرتاريون libatarians الأوائل في حرية الإرادة وعارضوا مذهب الحتمية، ثم أصبحت الكلمة تصف الاعتقاد في الفكر والفعل الإنسانيين غير المقيدين… وفي أواخر القرن العشرين أصبحت الكلمة تمعنى الاعتقاد في الحقوق الإنسانية غير القابلة للمساومة والفردية الاقتصادية المتطرفة، والأسواق الحرة.
ينظر في:
Bealey, f., op.cit. p.193.
([62]) Feser, Edward, on Nozick, Canada, wadsworth, 2004, p.92.
([63]) Hayek, f. The road to serfdom, Chicago, chicage univ. press, 1944. P.25.
([64]) اليمين الجديد مجموعة غير منسجمة من الجماعات المناهضة للنزعة المحافظة ” Conservatism ” سواء “القديمة” أو “المعتدلة”. ويطلق على أنصار اليمين الجديد “المحافظون الجدد” neo Conservatives. ويرى المؤرخون أنها بلغت ذروة التطبيق في حكم الرئيس الأمريكي ريجان (1981 – 1990) ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر (1979 – 1990). و(اليمين الجديد) يستمد أفكاره من الاقتصاديين الكلاسيكيين الليبراليين.
لمزين من التفضيل ينظر في:
Bealey, op.cit. p.224.
([65]) Mouffe, Chantal, Democracy and New right, politics and power (4) , 1981, p.221.
([66]) Gutmann, Amy, Democratic Education, Princeton: Princeton. univ. press, 1999, p.224.
([67]) 2Dahl, R., Democracy in the united states, Chicago, Rand Monally co., 1972, p. 226.
([68]) ويل كيمليكا، أوديسا التعددية الثقافية (الجزء الأول) ترجمة د. إمام عبد الفتاح إمام، عالم المعرفة، العدد (377(، 2011، ص 24.
([69]) Kymlicka, W., Multiculturl citizen-ship Autonomy: A liberal theory of Right, Oxford, Oxford univ. press, 1995, p.81.
([70])KymlicKa, liberalism community and culture ، Oxford, Oxford univ. press, 1989, p.162.
([71])Walzer, M., spheres of justice: A Defense of pluralism and Equality, N.Y. Basic Books, 1983, pp.19-20.
([72]) Walzer, liberalism and the Art of separation, in Thinking politically, “Essays in political theory ، ed.by Davis Miller, New Haven: Yale univ press, 2007, p.63.
([74]) Walzer, M., Exodus and Revolution, N.y. Basic Books, 1985, p.221.
([75]) Kymlicka, contemporary political philosophy: An introduction, Oxford, Oxford univ. press 2020, p.362.
([76])Wheatly, steven ، Minority Rights and political Accommodation in the New “Europe, European Law Review 22, 1997.
([77]) الإثنية: مجموعة من الناس يتشاطرون ثقافة واحدة (مثل اللغة الواحدة والعادات والتقاليد الواحدة)، ويدركون أنهم متمايزون عن سواهم. فالثقافة المتميزة ووعي هذا التمايز والاقتناع بصحته وضرورته، هي ركائز وجود الإثنية.
– معجم العلوم الاجتماعية، د. فريدرويك معتوق، بيروت، أكاديمياً، 1993، ص 148.
([78]) كيمليكا، أوديسا التعددية الثقافية، الجزء الأول، ص 81، 82.
([79]) Kymlicka, politics in the vernacular: Nationalism ، Multiculturalism and citizenship. p.179.
([80])Kymlicka, politics in the vernacular ، … p .262.
([81])Kymlicka, finding our way ، Rethinking Ethnocultural Relations, p.54.
([82])Rawls ، the Law of peoples, p.59.
([83]) كوك تشورتان، مفهومان للتسامح العالمي الليبرالي ترجمة د. طارق راشد، الثقافة العالمية (العدد 766) ص 126.
([84])Kymlicka, fining our way, p.16.
([85]) كيمليكا، أوديسا التعددية الثقافية، ص 201-202.
([86]) Galston, w. “Two concepts of Liberalism in Ethics (105) , 1995, p.527.