تكوين
تتأثّر ثقافة المواطنة في الشارع المصري بثلاثة أنواع من الخطابات الدينية، لها حضور متفاوت في المجال العام، وهو ما يُمكن أن نُطلق عليها: خطاب راديكالي متشدد، وخطاب توفيقي، وخطاب إصلاحي يسعى إلى بناء وعي أكثر تصالحا مع نفسه ومع مجتمعه، ورغم أنّ السلطة السياسية تتدخل عادة لمنح إحدى الخطابات مساحة على حساب خطابات أخرى تُواجه حالة من الملاحقة والتحجيم، إلا أنّ الخطابات الثلاثة لها تأثير متفاوت في العقل الجمعي المصري، فالأفكار لها أجنحة تطير بها خارج الأطر التنظيمية للجماعات والمؤسسات، فكثير من الأفكار الدينية المشكِّلة لثقافة المواطن هي مزيج من الخطابات الدينية الثلاث المشار إليها سالفا على نحو يجعله يبدو أحيانا متناقضا يتبنى الفكرة ونقيضها.
ويصعب التمييز بين الخطابات الثلاثة من خلال ربط كل منها بمؤسسة أو جماعة بعينها، فنقول هذا الكيان وسطي تماما، وهذا راديكالي عنيف بالكلية، فالخطابات الدينية مراوغة في بعض القضايا قادرة على التّخفي والتماهي، كما أنها تتبنى مواقف متباينة يجعلها حينا راديكالية عنيفة، وحينا توفيقية وسطية، باستثناء بعض جماعات العمل المسلح، التي اتخذت العنف لغة معلنة للتعبير.
بداية كلمة “مواطنة” لا وجود لها في التراث الإسلامي، فالمواطنة من الاشتقاقات اللغوية الجديدة، والمفاهيم الحديثة، فلن نجد في المعجمية العربية التراثية كلمة “مواطنة”، بينما نجدُ كلمات مثل: الموطن، والوطن، و”هو مَوْلِد الرجل، والبلد الذي وُلد فيه”، ([1]) فعلها: “أوطنَ الأرض، أو استوطنها اتّخذها وطنا”،([2]) وقد جاء الوطن في المعجمية الحديثة بالمعنى نفسه، فهو “مكان إقامة الإنسان، ومقرّه، وإليه يرجع انتمائه”. ([3])
غير أنّ المسار الحضاري الإنساني التّطوري أكسب دالّ “الوطن” اليوم مفهوما قيميا يتجاوز كونه مجرد حيز جغرافي ننتمي إليه، ليصبح شخصية اعتبارية، تتضح ملامحها من خلال مجموعة القيم والمبادئ التي تُمثّل وثيقة ورباط يجمع مختلف المواطنين، فالوطن كبيئة يضم جماعة إنسانية متنوعة الأعراق والأديان غالبا، تلك الجماعة تعيش داخل إطار مجموعة من القيم للعيش السلمي المشترك، وليس مجرد إطار جغرافي.
يقودنا الوطن بهذا المفهوم إلى “المواطنة” وهي اشتقاق لغوي عربي صحيح على وزن مفاعلة، أي أنّها تُفيد اتفاق طرفين على الاشتراك في شيء ما، فالصياغة الصرفية اللغوية للكلمة تُقرّبها إلى المدلول المراد منها، فالمواطنة كلمة ذات حُمولة/ معانٍ قانونية وسياسية واجتماعية، فالمواطنة، من منظور قانوني، تتمثل في اكتساب الجنسية، ومن منظور سياسي تقتضي منْح الجميع حق المشاركة السياسية، ومن منظور اجتماعي الانتماء والولاء للوطن وقبول الآخر الديني، أو المذهبي، أو الأيديولوجي، أو العقائدي، قبول يعترف بأن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات، فكافة المواطنين الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية، دُون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمه مثل الدين، أو الجنس، أو اللون، أو المستوى الاقتصادي، أو الانتماء السياسي، أو الإعاقة، أو الموقف الفكري.
فالمواطنة، كما أنّها تعنى الانتماء القومي الجغرافي للوطن، فهي رابطة وعلاقة اجتماعية داخل الوطن قائمة على الاعتراف بكرامة الفرد، واحترام حقوقه الإنسانية، فمبدأ المواطنة يرتبط ارتباطا وثيقا بمبدأ المساواة، هذا ما أكدته دراسات عديدة، ([4]) وإن أغفلته بعض المعاجم والموسوعات السياسية والقانونية،([5]) التي حصرت المواطنة في المفهوم السياسي والقانوني للمواطنة معتمدة على أن تحققهما يتطلب حتما تحقق المفهوم الاجتماعي للمواطنة.
بعد أن انتهينا من تحرير مفهوم المواطنة، يُمكننا الانتقال إلى سؤال الدراسة، وهو إلى أي مدى يُمكن للفكر الديني الإسلامي في مصر أن يتقبّل المواطنة كرابطة وعلاقة اجتماعية، وأن يُمارسَها منطلقا من مبدأ المساواة دون أدنى تمييز؟
والإجابة عن هذا السؤال تتطلب أن ننطلق من داخل الاجتماع؛ لنعرف كيف تتشكّل نظرة الفكر الديني للمواطنة؟ فمن خلال الممارسة الاجتماعية، وليس من خلال المفاهيم النظرية التي ينصُّ عليها الدستور يتضح موقف الخطاب الديني في مصر من المواطنة.
فمهما كانت النصوص الدستورية رائعة ([6])، ومثالية في تناول المواطنة إلا أنّها لن تُصبح واقعا اجتماعيا بموجب الدستور، والتشريع فحسب، بل بالممارسة الاجتماعية، والالتزام الفردي، الذي يقوم الخطاب الديني بدور كبير في ترسيخه أو تهميشه.
(١)
إذا توقفنا أمام الفكر الراديكالي الأشد عنفا والأكثر شراسة فسنجده يرى هدم الدولة المعاصرة، ومحوَ كلّ معاني المواطنة غايةً إيمانية يتعبد إلى الله بها، فالدولة – من منظوره- الصنم الذي سيادته تناقض حاكمية الله، فالإسلام، من منظوره، ليس دين هداية روحية، بل هو الوطن الذي يتجنّسون به، والإسلام بوصفه وطنا يمتد إلى جميع البقاع، فهو دولة بلا حدود جغرافية، وتُصبح العقائدية بديل الوطنية، وأخوة التنظيم/ الجماعة بديل المواطنة، وتصبح فكرتهم حول الدين هي الدين، فهُي الحقيقة والحق في مقابل الزّيف والباطل، وهم المسلمون حقا دون غيرهم من المسلمين المُفرِّطين.
ومن الآباء المؤسسين لهذا لفكر سيد قطب أحد أهم المرجعيات الفكرية لـ “جماعات التمايز بالمسلمين عن الإسلام”، فيقول: “إن الناس يقيمون لهم اليوم آلهة يسمونها “القوم”، ويسمونها “الوطن”، ويسمونها “الشعب” إلى آخر ما يسمون، وهي لا تعدو أن تكون أصناما غير مجسدة كالأصنام الساذجة التي كان يقيمها الوثنيون. ولا تعدو أن تكون آلهة تشارك الله – سبحانه – في خلقه… فكيف تكون الآلهة؟ وكيف يكون الشرك؟ وكيف يكون نصيب الشركاء في الأبناء.. إن لم يكن هو هذا الذي تزاوله الجاهلية الحديثة”!([7])
ولا يختلف عنه كلام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في قوله: “حدود الوطنية ليست بالأرض، ولكن بالعقيدة، هم يعتبرونها تخوما أرضية وحدودا جغرافية، أما نحن فكل بقعة فيها مسلم هي وطن عندنا، ولكن دعاة الوطنية لا يعنيهم إلا تلك البقعة الضيقة من الأرض… فكان من ذلك أن اتسع أفق الوطن الإسلامي وسما عن حدود الوطنية الجغرافية والوطنية الدموية إلى وطنية المبادئ السامية والعقائد الخالصة الصحيحة”. ([8])
وفي مؤتمر طلاب الإخوان الثاني أكّد البنا أنّ الجنسية والوطن هما الدين، فيقول: “أعلنُ أيها الإخوان من فوق هذا المنبر أن الإسلام شيء غير هذا المعنى الذي أراد خصومه والأعداء من أبنائه أن يحصروه فيه، ويقيدوه به، إن الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية“.
ويصبح الانعزال ضرورة، عند سيد قطب، لبقاء الجماعة المسلمة التي تُهيئ نفسها بذاك الانفصال عن المجتمع؛ لإقامة دار الإسلام، فيقول: “لا نجاة للعُصبة المسلمة في كلّ أرض من أن يقع عليها العذاب إلا بأن تنفصل عقيديًا وشعوريًا، ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها، حتّى يأذن الله لها بقيام دار إسلام تعتصم بها، وإلا أن تشعر شعورًا كاملًا بأنها هي الأمة المسلمة، وأنّ ما حولها، ومَنْ حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه جاهلية وأهل جاهلية”. ([9])
ولا يستثنى من الانعزال المسجد، فمساجد المسلمين صارت مساجد ضرار لا تختلف عن معابد الجاهلية، فيقول: “يرشدنا الله إلى اعتزال معابد الجاهلية، واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحسّ فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي، وتزاول فيها عبادتها لربها على نهج صحيح، وتزاول بالعبادة ذاتها نوعا من التنظيم في جو العبادة الطهور… اعتزال الجاهلية ننتنها وفسادها وشرّها ما أمكن في ذلك، وتجمع العصبة المؤمنة الخيرة النظيفة على نفسها، لتطهرها وتزكيها، وتدربها وتنظمها، حتى يأتي وعد الله لها”.([10])
فالخطاب المتشدد يبنى أسوارا بين المسلم والمخالف له في الدين، ويضع بين أبناء الجماعة والمخالفين لهم في الفكر سياجا يصعب اجتيازه لبناء علاقة إنسانية طبيعية، فانعزال أتباع هذا الخطاب وانفصالهم داخل جماعة دينية تحلّ محل الوطن الديني الضّائع، هو السبيل إلى الدولة الإسلامية المثالية المتخيلة، من هنا تقبل “جماعات التمايز بالإسلام عن المسلمين” مفهوم “الجماعة”، وترفض مفهوم “المجتمع”،([11]) وتسعى كلّ جماعة إلى هدم ما تُطلق عليه صنم الدولة الوطنية المعاصرة القائم على مبدأ المواطنة، والمساواة، وحكم الإنسان، فهي من منظورها نقيض الدولة الإسلامية، دولة المسلمين التي تقوم على مبدأ الله يحكم.
ويُفسّر المُخيّل المتشدد مشكلات الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الراهن في بلاد العرب والمسلمين تفسيرا متعاليا على الواقع، فتُحمّل الخارج المتآمر كامل المسئولية عن واقع المسلمين المتردّي، فهم ضحية للآخر الغازي، ويصدر الخطاب المتشدد عن ذلك متسلحا بنظرية وجود مؤامرة كبرى ضد الإسلام، ولا يسلم من ذلك المسلم المختلف معهم فكريا، فيضعه الخطاب المتشددُ في دائرة الآخر المُعادي الموالي للغرب.
جانب من أفكار هذا الخطاب تسرّبت إلى الثقافة الإسلامية العامة، وأمست إحدى تشوّهات واقعنا المعاصر، ومن مظاهر تلك التشوّهات صور نمطية متنوعة إلى حد التناقض يستدعيها بعضُ المواطنين المسلمين في نظرتهم إلى المواطنين المسيحيين، فتتشكّل تبعا للواقع الريفي أو المدني، وتبعا لتداخل مجتمع القرية أو المدينة مع أقباط أو خلّوها منهم، فمن تلك الصور النمطية في المخيل الشعبي تصوّر القبطي في صورة الأغنى المسيطر على الاقتصاد، أو في صورة التابع للدولة، وهذا يُفسّر الهجوم على الأقباط عندما يعجز الإرهاب عن ضرب الدولة مباشرة مثل سلسلة الهجمات التي استهدفت كنائس ١٤ أغسطس/ آب ٢٠١٣، فعندما يسيطر خطاب العنف يكون المخالف دينيا النقطة الأضعف والأكثر تأثرا. ([12])
(٢)
وإذا انتقلنا إلى الخطاب التوفيقي الوسطي فسنجده يتفق مع سائر الخطابات الدينية المحافظة في تأكيد التراتبية، والسلطة، والوصاية، وهو تيار قديم يعود تاريخُه في مصر إلى ما قبل الجماعات الإسلامية المسلحة والسياسية، وقد استفاد الخطاب التوفيقي من صعود التيارات الإسلامية، فأعطته دفعة؛ ليخرج من زواياه الاجتماعية إلى فضاء المجال العام من أجل توكيد قوته، فهو العصا الدينية التي ترفعها السلطة السياسية في وجه جماعات التمايز بالإسلام عن المسلمين، فهذا الخطاب التوفيقي أداة الدولة لاستمالة الشارع في معركتها مع الخطاب الراديكالي العنيف، وكلّما نجح الخطاب التوفيقي في شرعنة السلطة السياسية في مواجهة الخطاب الديني الراديكالي، اكتسب ثقةً متناميةً بقوته، ونفوذه، وكثيرا ما اتّخذ مواقف مستقلة، وحتى معارضة لها تأثيرها في تغيير مسارات الحكومة للإصلاح التشريعي والاجتماعي، على سبيل المثال: رفض الأزهر توثيق الطلاق الشفهي شرطا لوقوعه، ورفضه إحداث إصلاحات جوهرية في قانون الأحوال الشخصية.
ويظهر هذا جليا في رفض مسودة قانون الأحوال الشخصية سنة ٢٠٢١ من شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، قائلا: “الأزهر ليس جهة تشريع، ولا دخل له بالتشريعات لكن حين يتعلق الأمر بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية، فلا يُترك الأمر لغير العلماء”. ([13])
وفي الوقت نفسه لم تسلم مسودة قانون الأحوال الشخصية سنة ٢٠٢١ من رفض منظمات المجتمع المدني التي نظرت للقانون بأنّه مُخيّب للآمال، فوقّعت ست منظمات حقوقية ([14]) بيان استنكاري اعتبر “أن التعديلات المقترحة (في مسودة مشروع القانون) تعصف بنضال امتدّ لـ ١٠٠ عاما للحركة النسوية المصرية، حققت خلالها الحركة مكاسب نسبية، يعصف هذا القانون الجديد بجميعها، رغم إعداده في عهد نظام سياسي يدّعي الدفاع عن قضايا النّساء، ويزعم حرصه على تجديد الخطاب الديني”. ([15])
فالخطاب التوفيقي في حالة اشتباك مستمر مع الخطاب الراديكالي المتشدد من جانب، والمنظمات الحقوقية من جانب آخر، مؤكدا كونه الناطق بصحيح الفهم الديني وتقديم أحكام الشريعة الإسلامية/الفقه، فمن منظوره، هو دون غيره المنوط به تقنين الأحوال الشخصية في المجتمع المصري علماء الفقه/ الشريعة، وليس لمراكز البحوث والدراسات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني صلة بذلك.
من جانب آخر، في الوقت الذي تُؤكّد إحدى خطابات التوفيق على احترامها وقبولها للمواثيق الدولية، والدولة المعاصرة بحدودها الجغرافية، نجد خطاب التوفيق يؤمن بخلافة إسلامية مستقبلية لدولة تاريخية توسعية بلا حدود بشّرت بها أخبار مسندة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، ولم ينتبه إلى تناقض تلك الأخبار، ولم يفكر في اختبار صحة متنها، فهو يُؤمن بأنه سيُعيد تكوين النظام العالمي على أساس عقائدي: المسلمين في مواجهة غير المسلمين، وفي الوقت الذي تعترف جماعات دينية تدعى الوسطية بالمواطنة في خطابها المعلن تؤكد لقواعدها أنه لا بديل عن الرباط الديني الذي لا يتجاوز حدود الجماعة، تتحدث عن احترام دولة القانون، وهي تعمل من خلال تنظيمات لا تخضع للقانون، تتحدث عن قبول المؤسسية الحديثة وفي الوقت نفسه تمارس شمولية بعيدة عن التخصصية المؤسسية، فحالة الخلط في نشاطها لا يتماشى مع الهيئات والمؤسسات الدعوية أو الاجتماعية أو السياسية، تحرص على سرية التكوين والنشاط والتمويل، بينما منظمات المجتمع المدني تقوم على عمل مؤسسي معلن في أنشطته وتمويله، وفي الوقت الذي تقوم تجربة الدول المدنية المعاصرة على الشفافية والمحاسبة والتنافسية وقبول الآخر تعتمد هي على مبدأ الطاعة والثقة والشعور بالتمايز، وتتخبط بين الانتماء للأرض أم للدين، والانقياد لمصلحة الجماعة أم مصلحة الدولة، يعيشون بمتناقضات بين خطاب خارجي للإعلام والمؤسسات الدولية وخطاب داخلي لتعبئة القواعد والأنصار؛ لهذه التناقضات تحدث بداخل تلك الكيانات انشقاقات، ويتكرر صدامها بمن حولها من قوى متى أتيحت له فرصة إقامة تصورها حول الدولة؛ لأنّ ما يقولونه ليس هو ما يفعلونه، وما يطلبونه ليس هو ما يتصورونه، وهم كذلك لأنهم يسمون الأشياء بغير أسمائها.
من هنا يُمكننا وصف الخطاب التوفيقي بأنّه خطاب تلفيقي يستمزج القديم بالحديث، دون أن يتخذ موقفا معرفيا نقديا حقيقيا من القديم، ولا يبنى تصورات معرفية جيدة عن الحديث، فيُؤسس للمواطنة تأسيسا زائفا إذ يعتمد في ذلك على مدونة فقهية تُخاصم المواطنة، فهو منشغل دوما بالتماس شاهد من التاريخ الإسلامي لكل ممارسة سياسية في الدولة المعاصرة؛ لتتحوّل من كونها وافدا غربيا إلى كونها ممارسة عربية أصيلة، دون أن يُدرك أنه أمام تجربتين مختلفتين، كلاهما أنتجه الإنسان.
أخيرا من إشكاليات خطاب التوفيق، أنّ موقفه الداعم للمواطنة وليد استدعاء سياسي، فهو لحظي مؤقت سرعان ما يتركه إلى غيره، فلا يشغله توطين ثقافة المواطنة في الشارع المصري قدر انشغاله بمواكبة المطلوب السياسي والحفاظ على تهدئة اجتماعية، وقبول دولي، فيتفاعل مع المواطنة تفاعلا (بروتوكوليا) في المحافل حيث تنطلق الكلمات البليغة الرنانة من أعلى المنصات، وتنتهي مثاقفة المواطنة بانتهاء الفاعلية الإنشائية أمام الكاميرات الإعلامية، دون تفكير أو تخطيط لتعزيز حقيقي لثقافة المواطنة التي تُواجه الكثير من التحديات.
(٣)
إذا توقفنا أمام الخطاب الإصلاحي فسنجده مازال نخبويا لا يستطيع أن يصل إلى قطاعات واسعة من الشارع المصري، لعوامل عدة من أهمّها: أنّه لا يحظى برعاية سياسية، كالتي يحظى بها الخطاب التوفيقي، ولا يمتلك مظلومية ولا انفعالية “جماعات التمايز بالإسلام عن المسلمين” القادرة على استمالة الشارع عاطفيا، فعلى النقيض يتبنى الخطاب الإصلاحي عقلانية نقدية ترفض القناعات الجماعية المبنية على انحيازات عاطفية، ويدعو إلى تعزيز واحترام التجربة الفردية.
فيتبنى رؤية متوازنة لعلاقة الدين بالاجتماع، والمطلق بالنسبي، فالخطاب الإصلاحي يرى أنّ الله تجلى إلى هذا الكون عبْر لغة وعقل الإنسان، فالوحي إلهام للنبوة برسالة، شفرتها لغة الإنسان، فاللغة وسيلتنا الوحيدة لمعرفة العلاقة بين الله والإنسان والعالم.. ولا يرى هذا الخطاب ما يتناقض مع الإيمان إذا قلنا بمركزية الإنسان، واستقلال عمل الكون، فمركزية الإنسان نابعة من تكريم الله له بالتفكير والقدرة على التطوّر على نحو يمنحه الاستمرارية، واستقلالية الكون وفق قوانين طبيعية أودعها الله إياه، انطلاقا من هذه الرؤية المؤمنة بالله الواعية بذاتها، المتصالحة مع العالم. يُدرك هذا الخطاب الأبعاد التاريخية والاجتماعية التي أتى منه مفهوم المواطنة، وكيف تطورت ممارساتها خلال القرنين الأخيرين حتى أصبحت حلما يدفعُ ما يزيد عن نصف مليون شخص لمحاولة عبور البحر المتوسط سنويا؛ كي يعيش في دول تقوم على المواطنة، كإطار تعاقدي يصبح المهاجر مواطنا عادة بعد خمس سنوات أو باستكمال بعض ممارسات الاندماج الاجتماعي، فـ”المواطنة هدف لكل مواطني العالم في المطالبة بالمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بصرف النّظر عن اللون، واللغة، والعرق، والدين، وغيرها”. ([16])
ويرى هذا الخطاب أنّنا أمام نموذجين مختلفين كلّ الاختلاف على نحو يصعب معهما التوفيق، فالخطاب الإصلاحي على وعي بأنّ ثمة فرق كبير بين مبدأ المواطنة في الدولة الحديثة التي يُنَظِّرُ لها باحثون ومفكّرون من خارج منظومة الفقه التقليدي، ومبدأ التكليف في دولة المسلمين التاريخية القديمة الذي نظّر له الفقهاء.
فينظر الخطاب الإصلاحي إلى حقوق الإنسان بوصفها حقوقا أصيلة لجميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو مكان إقامتهم، أو نوع جنسهم، أو أصلهم الوطني، أو العرقي، أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر، فالجميع لهم حقوقا إنسانية متساوية دون تمييز، وجميع هذه الحقوق مترابطة، ومتآزرة، وغير قابلة للتجزئة..
ويعترف الخطاب الإصلاحي بأنّ الفقه/ الشريعة عرفت مبدأ الحاكمية منذ أخذ الفقهاء يُنظّرون لعلاقة الدين بسلطة الدولة، فالحاكمية ليست وليدة فكر “جماعات التمايز بالمسلمين عن الإسلام” في العصر الحديث. ([17]) فدولة الخلافة/ دولة المسلمين التاريخية/ الدولة الإسلامية من منظور الفقيه قائمة على فكرة “الله يحكم، والإنسان مكلّف بواجبات من الله دون الحديث عن الحقوق”، فإن الذي يتفق مع روح الشريعة أن يتكلم الفقيه عن “واجبات الإنسان” لا عن حقوقه، كما قال الدكتور ضياء الريس في كتاب النظريات السياسية الإسلامية، “إذ أن أساس النظر هو أن مالك الحقوق جميعاً هو الله سبحانه وتعالى هو الخالق وواهب الحياة للإنسان والمخصص له صفاته، والمنعم عليه بكل النعم التي يتمتع بها؛ وملكيتها تبقى خالصة لله تعالى الذي أوجدها وأعطاها … فما دام الإنسان ليس هو مصدر وجود نفسه، ولا خالق القوى التي ينتفع بها، فكيف يقال إنه هو صاحب هذه الحقوق! يملك التصرف فيها كما يشاء، ويجوز له أن يتنازل عنها، أو يوجهها ويشكلها كما يريد … إن هذه الحقوق جميعاً هي حقوق الله؛ وعلى الإنسان دائما أن يستشعر أنه مؤتمن أو وكيل على حيازة هذه الحقوق، عليه أن يتصرف فيها تصرف الوكيل في الحدود التي عُيّنت لوكالته”.([18])
فعلاقة الإنسان بالدولة الإسلامية تقوم على التكليف، “فالإنسان في عرف الشرع لا يُنظر إليه أولا ـ على أنّه صاحب “حق” لكن ينظر إليه على أنه متحمل مسئولية، أو ملزم بأداء واجب أو طائفة من الواجبات؛ لذا فإن كلمة مكلّف هي التي تُطلقُ عليه في الدولة الإسلامية، باعتباره فردا ذا صفة سياسية، أي عضواً في مجتمع، فلا مكان لكلمة مواطنة، لكن هناك كلمة مكلّف – بمفهوم علماء الفقه – التي تنطبق على كل فرد بالغ عاقل من ذكر أو أنثى، فالمجتمع في الدولة وفق مبدأ الحاكمية مجموعة من “المكلفين” شرعا بأداء واجبات دون السؤال عن حقوق.
والدولة وفق مبدأ الحاكمية تعاقد معنوي بين الله والإنسان، منح فيه الطرف الأول -وهو الله عز وجل- الطرف الثاني بشقيه – ممثل السلطة (الراعي) والمجتمع (الرعية)- الحياة ليتشاركا معًا في تحقيق التكليفات الإلهية؛ لذا ففي الدولة الإسلامية الحديث عن واجبات يؤديها الراعي والرعية لله دون الحديث عن حقوق يقدمها كل منهما للآخر، فكلاهما يؤدي واجباته لله، واحتجاج كل منهما على الآخر بسند من مخالفةٍ لله، والإنسان في المجتمع -الذي هو اسم لجماعة المكلفين- ينتفع بنعم الله فلا حديث عن حقوق أو تملك..
فأحد الفروق الجوهرية بين دولة المسلمين التاريخية والدولة المعاصرة الديمقراطية التي نسعى إليها أنّ الثانية تقوم على مبدأ الإنسان يحكم، وله حقوق وعليه واجبات، وعلاقته بالدولة تقوم على المواطنة، ففي مقابل الإنسان المُكلف من الله وفق فكرة الحاكمية يأتي الإنسان المواطن في الدولة المعاصرة التي تتبنى علمانية غير معادية للأديان، فالدولة تقوم على سلطة تبدأ من عند الإنسان، وترى أن العلاقات في المجتمع ينظمها حقوق وواجبات يسوغها الإنسان الذي انتهى بعد عمليات من التفكير والتجريب المستمر عبر تاريخه إلى ضرورة العيش في مجتمع تحكمه مبادئ المواطنة التي تمنح الجميع حقوقا وواجبات متساوية دون اعتبار لنسبه أو دينه أو مهنته أو لونه أو طبقته أو عدده أو غيرها من الاعتبارات..
فأي التصورين أقرب لجوهر الإسلام وقيمه، وتفويضه للإنسان للتعمير وفق مبادئ عامة تنْهى عن الإفساد والظلم، وتأمر بالإصلاح والعدل!
يُدرك الخطاب الإصلاحي أنّ دائرة المواطنين والمواطنة هي نقيض لمفهوم الرعيّة في نموذج الدولة الوراثية أو المتغلبة في الماضي، أو ما يُمكن أن نُطلق عليه “الدولة ما قبل الحديثة” التي يحكم فيها السلطان رعيته بمساعدة طبقة عسكرية بيروقراطية، فهي دولة قائمة على الإخضاع والسيطرة؛ لذا مُنح غير المسلم من “أهل الكتاب” بعض الحقوق لكن لم يُمنح مساواة كاملة في الحقوق مع المسلم في دولة المسلمين في العصور الوسطى، كذلك لم يُمنح المخالف فكريا من المسلمين حقوقا كاملة، فعلى نقيض دولة السيطرة والإخضاع تأتي دولة المواطنة في الدولة الحديثة التي تقوم فيها العلاقة بين أطراف المجتمع على التراضي، وليس على الإخضاع، من جانب آخر تمنح “المواطنة” المواطنين حياة انتسابية خارج دائرة سلطة الدولة فيما يمكن أن نصطلح عليه بـ “المجتمع المدني”([19]) وهذا على نقيض الدولة السلطوية الحديثة التي تندرج فيها الحياة العامة برمّتها في إطار الدولة؛ لذا الخطاب الديني الإصلاحي لا يحظى بقبول الدول السلطوية، بخلاف خطاب التوفيق/ التلفيق فهو مستأنس، إذ أنّه يُشارك الدولة السلطوية الحديثة دور الوصاية.
يؤسس الخطاب الديني الإصلاحي للمواطنة بإعادة النظر في المفاهيم المتداولة في الخطاب الديني، ومنها مفهوم “الأمّة”، فمن الأسئلة التي تُؤرق بعض المسلمين: كيف نحقق معنى الأمّة الواحدة في مجتمع مواطنة قائم على تنوع الدين؟ وهنا يُجيب أحد الأصوات الإصلاحية التي أنجزت مبكرا مفهوما جديدا لكلمة “الأمة” أكثر اتساقا مع المواطنة، والواقع، وأكثر نضجًا، ورحابة عن رؤية جماعات “التمايز بالإسلام الصحيح عن المسلمين”، ففي مقابل المفاهيم الانعزالية التي قدّمها قطب والبنا، التي جعلت من الجماعة الدينية هي الأمة، فرغم تأخرهم عن عبدالرحمن الكواكبي زمنا إلا أنهم لم يستفيدوا من أفكاره، فلم ير الكواكبي العالم الإسلامي أمة واحدة رباطها الدين، بل مجموعة أمم وقوميات تتحد في كيان العالم الإسلامي الواحد، فالأمة كما عرّفها في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) هي “اتحاد ما بين مجموعة أمم وقوميات، تقوم فيه كل أمة على أساس روابط جنس ولغة ووطن وحقوق مشتركة”.([20])
ولا يخفى ما يحمله مفهوم الكواكبي من اتساق مع الواقع وحفظا للمواطنة، وصيانة للتعدد العرقي والجغرافي داخل بنية العالم الإسلامي، فلا يصطدم مفهوم الأمة الإسلامية عنده مع مفهوم الأمة المصرية أو المغربية أو العراقية؛ فمفهوم الكواكبي يحفظ لكل دولة كِيانها، ولكل جنسية هويتها، فيصان الانتماء الوطني داخل بنيةِ الأمة، فلا يصطدم مفهوم الأمة عنده بمبدأ المواطنة حيث لا يُعرف الفرد بمهنته أو دينه أو إقليمه أو ماله أو سلطته، وإنما بوصفه مواطنا، له حقوق، وعليه واجبات، يتساوى فيها مع الجميع، فالمواطنة مظلة اجتماعية وثقافية وقانونية جامعة لأبناء الوطن الواحد، لا تنظر إلى الدين ولا الاعتقاد، بينما يصطدم مفهوم الأمة عند الجماعات الإسلامية بمبدأ المواطنة، ويتحوّل به المسيحيون وغيرهم من المخالفين في العقيدة إلى أقليات غير مسلمة، تُوصف في خطاب الجماعات بأهل الذمة، والأقليات الدينية ، وليسوا مواطنين كاملي الأهلية؛ لأنهم وفق مفهوم الجماعات ليسوا من نسيج الأمة التي تقوم على العقيدة المكون الأول والأخير، وهنا نجد تناقضا بين الخطاب السياسي المعلن عند جماعة مثل الإخوان الذي يستخدم كلمات المواطنة، والخطاب التثقيفي لأبناء الجماعة غير المعلن إعلاميا بأن رباط أبناء الأمة هو العقيدة وحدها.
فينظر الكواكبي إلى غير المسلمين على أنهم مواطنون متساوون مع المسلمين على أساس “الاتحاد الوطني” دون الديني، والوفاق الجنسي دون المذهبي، فمثل هذه الرؤية الإصلاحية أقرب ألوان الفكر الإسلامي إلى إنتاج الدولة المدنية في صورتها الحديثة، واستيعاب علمانية الدولة دون تعارض مع الفكر الإسلامي، والتفسير الأمثل لما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “المسلمون مع اليهود أمّة واحدة، وأنهم يد على من يُهاجم المدينة”. ([21])
وعندما يكون الشعب متعددا قوميا ودينيا ومذهبيا فإنه يحتاج إلى إطار يُوحّد بين الطوائف والأديان المختلفة، وليس هناك سوى المواطنة إطارا عاما يستوعب التناقضات والتنوعات.
ينطلق الخطاب الإصلاحي في تعزيز ثقافة المواطنة من الدعوة ليس إلى تطبيق القانون بلا استثناء فحسب، بل الإعلاء من قيمة القانون وإثبات أنه ليس في علاقة تنافسية مع الشريعة، وأنّ التشريع فعل إنساني، ويرى أن القانون هو أداة ترسيخ قيمة المساواة في الحقوق والواجبات بلا استثناء ولا مواربة، وهذا يجعله دون غيره من الخطابات الدينية، الخطاب الديني المتسق مع المواطنة حيث إنّ من الركائز التي تقوم عليها المواطنة دولة قانونية ترتبط فيها كل الأعمال والتعاملات بالقانون والحقّ، ودولة ديمقراطية تقوم على مشاركة المواطن في اختيار من ينوب عنه، ودولة اجتماعية تحرص على العدالة الاجتماعية بحماية المستضعفين والمهمشين والمساواة بين الرجل والمرأة، فالمواطنة بالمدلول السياسي الاجتماعي تقوم على ولاء وانتماء تُمارس من خلاله حقوق، ويُلتزم بواجبات، تختلف في مفهومها عن حقوق وواجبات الدين.
أخيرا، الخطاب الديني الإصلاحي هو خطاب غير وصائيّ يرى نفسه جزء من الحركات الاجتماعية، فليس في حالة مواجهة مع الحركات نسائية ولا التنظيمات الشبابية القادرة والضرورية لتفعيل النصوص الدستورية المتعلقة بالمواطنة، وتحويلها إلى واقع، وترسيخها كثقافة أصيلة، فالمواطنة في تجارب الدول التي أنجزت المواطنة لم تتخذ مسارا مستقيما متصاعدا، لكن، في غالب الأمر، مرّت بمنحنيات كثيرة، وكانت الحركات الاجتماعية هي القادرة على المُضي بها إلى الأمام.
(٤)
في ضوء ما سبق يُمكننا أن نعزّز من المسار التراكمي لإصلاح الفكر الديني، وتجذيره في الثقافة الإسلامية، فهو دون غيره من الخطابات الدينية الخطاب القادر على ترسيخ ثقافة المواطنة، ولمزيد من الإدماج للمسار الإصلاحي في ثقافتنا نحتاج إلى هذه التوصيات:
أولا: ترسيخ مفاهيم التمايز بين النص الأول الأصلي المقدس، والنصوص الثانية الثانوية غير المقدّسة، والتمييز بين المفاهيم المتداخلة، ومن أهمّها: مفهوم “الشريعة”، ففي الاستعمال القرآني الشريعة والعقيدة والدين بمعنى واحد بلا تمييز بينها، وظل هذا الاستخدام ماثلا حتي عصر ابن رشد الذي يرى أن البرهان و”الشريعة” أختان، ويقصد بالشريعة “الدين” بالمفهوم العام المشترك بين جميع الأنبياء، وليس الأحكام المختلفة باختلاف الرسائل، بينما الشريعة في لغة المعاصرين تُشير إلى الأحكام الفقهية، فالشريعة بالمفهوم الأول محدودة قيمية من الله، ولا تتعارض مع ثقافة المواطنة بينما الشريعة بالمفهوم الثاني اجتهاد بشري وأحكام ذات سياقات اجتماعية يتعارض بعضها مع ثقافة المواطنة لاختلاف السياقات المصاحبة لكل منهما.
ثانيا: تعزيز الإسلام بمفهومه القيمي، ومبادئه القرآنية العامة، فهذا هو جوهر الإسلام الذي ينْهى عن الإفساد والظلم، ويأمر بالإصلاح والعدل، وهنا يلتقي الإسلام بطبيعته مع ثقافة المواطنة، ويُعزّزها.
ثالثا: ربط الشريعة /الفقه، فيما يتعلق بالإنسان والمجتمع، بمبدأ المصلحة وجودا وعدما، وتقديم الفقه/ الشريعة في صورتها الحيوية المتغيرة المتنوعة المتفاعلة مع الاجتماع، وذلك لن يتحقق بالرجوع إلى الكتب الفقهية، بل بالرجوع إلى التاريخ الاجتماعي للتشريع، وكيف كان للتجارب الاجتماعية أثر في تطوير العمل التشريعي، وإنتاج أحكاما فقهية جديدة بدافع من حراك المجتمعات المسلمة، وخير ما يعكس هذا سجلات المحاكم الشرعية التي تعكس على سبيل المثال: كيف رسّخت المحاكم الشرعية لحق الناس في الاختيار بين المذاهب الأربعة داخل المحكمة عند التقاضي، واعتياد الناس على اختيار المذهب الأفضل لتحقيق مصلحتهم، “فلم يكن المذهب الحنفي ولا المالكي ولا الشافعي يقبل بوضع شروط في عقد النكاح تحدّ من حق الرجل أن يأخذ لنفسه زوجة ثانية وثالثة ورابعة.. إلا أن الحنابلة سمحوا بوضع شروط في عقد النكاح… وأمام تفضيل النساء المذهب الحنبلي احتذى الفقهاء الشافعيون والمالكيون والأحناف في مصر القرن السابع عشر حتى أمسى هذا التفضيل عرفا أخذ به قضاة المذاهب الثلاثة الأخرى… فالزوجة بكرا كانت أو ثيبا كان باستطاعتها الاشتراك مع أوليائها في أن تضع ما تريد من شروط في عقد الزواج… فتُظهر السجلات لنا المرأة لا كمفعول به، بل كفاعل واعٍ متحقق في التاريخ، كما تُوضح هذه السجلات أن المرأة، وإنّ لم تكن متساوية مع الرجل في الحقوق والواجبات، إلا أنّها كانت متمسكة بحقها… فعن طريق القراءة في سجلات المحاكم الشرعية يُمكن لنا الوقوف على كيفية تفاعل المجتمعات الإسلامية السابقة مع الفقه وأحكامه. الفقه هنا لا يُفهم فقط بقراءة المتون ولا الشّروح ولا الحواشي، ولكن يُفهم أيضا بقراءة سجلات المحاكم الشرعية”. ([22])
رابعا: الكشف عن السياقات الاجتماعية المصاحبة للنصوص، ومواجهة الاستشهادات القرآنية للخطابات الدينية باستشهادات قرآنية مضادة، ليس بهدف خلْق حوار سجالي، أو صراع نصوصيّ، وإنما للتأكيد على طبيعة بنية القرآن، فالقرآن، بوصفه مجموعة من الخطابات المتنوعة بتنوع السياقات الخارجية المصاحبة للنزول، جعلته صالحا لأن يستشهد به الخطاب المتشدد، وأن يستشهد به الخطاب الإصلاحي لكن الخطاب الثاني أقرب إلى الله كليّ الرحمة والحكمة الذي خلق حالة التنوع التي هي طبيعة أصيلة في المجتمعات الإنسانية، فكيف يطلب الله منها نقيض طبيعتها المتنوعة!
من جانب آخر، في ثقافةٍ إسلاميةٍ تعتمد على الاستشهادات لابد للخطاب الإصلاحي من تجذير وجوده في هذا الثقافة عبر الاستشهادات التي يمكننا الاستفادة منها في نشر ثقافة المواطنة كإطار يُعزز الإنسانية، ويحمى التعددية الدينية، ومن تلك الاستشهادات القرآنية: الآيات التي تتحدث عن كرامة الإنسان وحريته في الاعتقاد، وأن الله هو من سيقضي بين العباد في الآخرة، “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” [الحج:١٧]، “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”. [الإسراء: ٧٠]
كذلك الآيات المعبرة عن مبادئ القرآن ومقاصده، وعلى رأسها “العدل” الذي لا يُرْجَى تحققه دون إنصاف ومساواة تُمنح للجميع، “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ” [النحل:٩٠]، “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا” [المائدة:٨] “وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” [العنكبوت:٤٦] “لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”. [الممتحنة:٨].
فهذا الآيات وغيرها لم تُنسخ بآيات القتال أو ما يُعرف بآية السيف كما يرى الخطاب المتشدد، بل على النقيض، يرى الخطاب الإصلاحي آيات القتال استثنائية وليدة سياق اجتماعي منتهى، حيث لم يكن مقبولا وجود المسلمين كجماعة مخالفة في الاعتقاد، والحرية، فالمواجهات العسكرية التي خاضها، صلى الله عليه وسلم، فُرضت عليه فرضًا من قومٍ رفضوا حقّ المسلمين في الاختلاف العقدي، وسَعَوا إلى إبادتهم، وهذا ما يُمكن أن نُسميه صراع المربع الأول الذي لا مكان له اليوم.
خامسا: التأسيس لثقافة المواطنة من الممارسة السياسية الاجتماعية للنبي صلى الله عليه وسلم، الذي اُختزلت سيرته، صلى الله عليه وسلم، في صورة القتّال المُحارب الذي يخرج من غزوة؛ ليدخل في أخرى، في محاولة منهم لمنح مشروعية لأفكارهم الصدامية، متجاهلين الأدوار الاجتماعية التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلام، وكان لها أثر كبير في نشر قيم التسامح، والعدل.
والخطاب الإصلاحي وهو يُؤسس لثقافة المواطنة من تجربة المسلمين الأولى فهو على وعي بأمرين: الأمر الأول أنه ينطلق من فعل النبي السياسي الاجتماعي وليس الدين، وأبرز الشواهد في ذلك الصحف والمواثيق التي رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذها ميثاقا؛ ليتعايش أتباع الديانات الثلاثة في المدينة، ويُطلق عليها في كتب السيرة ([23]) “صحيفة المدينة”، والأمر الثاني: الخطاب الإصلاحي على وعي بأنه رغم أهمية الصحيفة في التأسيس لقيم التعايش وقبول التنوع والاختلاف العرقي والعقدي إلا أنها لم تكن ممارسة مماثلة للمواطنة كما يزعم الخطاب التوفيقي.
سادسا: الربط بين الصعود الحضاري في تاريخ المسلمين وبين قبول التنوع والاختلاف، الذي شهد حضورا في حياة المسلمين في طور صعودهم الحضاري، وتراجعا في طور تراجعهم الحضاري، ففي طور الصعود الحضاري عرفت الثقافة الإسلامية تعدد الهوّيات، وتنوع الثقافات التي نالت قبولا مجتمعيا، ورعاية سياسية، فلم تكن الثقافة العربية الإسلامية فاقدة للتواصل، والتثاقف الحضاري، فتمثّلت اليونانية بعقلانيتها، ومنطقها، والفارسية بنظمها، وروحانيتها.. فمثل هذه الاستدعاءات تُجذّر الخطاب الإصلاحي في تربة الثقافة الإسلامية المتماهية مع الماضي، المعتزّة بكل ما يأتي منه.
سابعا: مواجهة ثقافة الحقد المقدس، وكراهية الآخر، التي تسرّبت إلى ثقافتنا الإسلامية من خطاب “جماعات التمايز بالإسلام الصحيح عن المسلمين” فقد رسموا صورة الآخر بوصفه الضّال، المغضوب عليه، عدو الله ورسوله؛ الواجب على المسلمين إنزال الخزي به، حتى تُشفى صدور المؤمنين، فكيف يُمكن أن تنتشر ثقافة المواطنة في ظل تديين مثل هذه الأفكار، وجعْلِها حالة مستمرة!!
من هنا تأتي أهمية تعزيز مبدأ “الاعتراف بوجود آخر”،([24]) فقبول الآخر، والتعرّف عليه أول الطريق لبناء تصورات دقيقة عن ذاتنا المعرفية والثقافية، فلا يُمكن تحديد الذات إلا بتحديد الآخر تحديدا لا يدفع للصدام والتمايز الفوقي الاستعلائي، وإنما تحديد يبْنى على المشترك الإنساني، ويحمي الاختلاف، ويحافظ على التنوع.
فدوما مقابل “الذات” أو “الأنا” الدينية، أو العِرقية أو العُرفية، أو الثقافية، يأتي الآخر، فإذا كانت “ذات الشيء دلالته على نفسه وعلى عينه، والذاتيّ لكل شيء ما يخصّه وما يُميّزه عن جميع ما عداه”.([25]) ففي الجانب المقابل يُوجَد دوما “الآخَر” بما يحمله من غيرية مختلفة عمّا عليه الذات/الأنا، ولا يُمكننا تجلية الأنا/الذات، والتعرف عليها إلا بوجود آخر مختلف ومغاير لها؛ لذا قيل على لسان أحدهم: “حدد ذاتك يتحدد الآخر”.
فيمكننا القول إنّ الآخر يتعدد، ويتنوع بتعدد، وتنوع دوائر مستويات الأنا والذات، فينجم عن ذلك وجود آخر ديني، ومذهبي، وقومي وعُرفي، وجغرافي، واجتماعي، وسياسي، فيختلف الآخر من دائرة إلى أخرى، فالموقع الذي يحدده الفرد أو المجتمع لنفسه هو بدوره الذي يحدد الآخر القريب أو البعيد.([26])
فلا مواطنة دون تعايش([27]) يقوم على الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف، بوصف الاختلاف أمرا واقعا ومظهرا طبيعيا من مظاهر الاجتماع البشري، فالاختلاف في الآراء والتدافع السلمي حول الأفكار من نواميس الحياة على الأرض، وليس ظاهرة تدل على الضعف ولا مؤشر تحلل وفساد.. بديهية من هذا النوع ما تزال في حاجة إلى تريديد وتأكيد، كنّا نظن أنّ العالم قد فرغ منها، وأنّنا قد انتهينا إليها، إلا أنّ الواقع يقول خلاف ذلك، فلا العالم قد فرغ منها ولا نحن قد انتهينا إليها، فما زلنا في نفق مظلم نخاف من الأفكار والمعتقدات التي تتحرك في العالم من حولنا، بل ونخاف من أفكار ومعتقدات بعضِنا البعض داخل المجتمع الواحد.
وتأتي مقاصد القرآن ومبادؤه منْصفة لقيمة التعايش بين بني الإنسان دون تمييز، فالنّاس في القرآن خُلقوا من نفس واحدة، وفي ذلك تأكيد على الأخوة والرّحمة والتّواد، وهي قيم مشتركة تُساعد على إرساء التعايش بين الأنا والآخر بصريح الآية الكريمة: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ” [الأعراف: ١٨٩].
وفي خطاب القرآن الكريم للنّاس بصفة عامة يؤكد على اختلافهم وتنوعهم، فالاختلاف والتنوع من منظور القرآن الكريم ليس مؤشرا على نقص بشري أو خلل اجتماعي يعوق تطلعات الإنسان الكبرى عبر التاريخ، وإنما مظهر إيجابي وبنّاء لا يُفضي إلى المنازعة والمجادلة المفضية إلى التوتر والمواجهة والصّدام، وإنما يُفضى إلى العفو والرحمة والتسامح والتعايش والإخاء البشري.
فأكّد الوحي المقدّس على حق الاختلاف كحقّ أصيل من حقوق الإنسان، فتفاوت المدارك العقلية وتعدّد الديانات والثقافات جبلّة بشرية، وسنّة كونية يؤدي، لا محالة، إلى الاختلاف؛ لذا جاء الإسلام مُقرًّا الاختلاف بصريح القرآن الكريم كما ورد في أكثر من آية من مثل قوله سبحانه: “إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ” [الذاريات:٨] “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” [الحجرات١٣] والتعارف لا يحصل إلا بالتفاهم والتعايش والتآلف والتسامح والتعاون، فالمعتقدات والثقافات لا يمكن أن تُبنى على الإكراه، لذلك راعى الإسلام الحرية الدينية، وترك الإيمان لاختيار الإنسان الحرّ، فبناء المجتمعات القوية مرهون بالإنسان الذي يُؤمن عن وعي، ويدافع عن حقوقه ومكاسبه بحرية، وبتلك الحرية يصون حريات وحرمات الآخرين ومكاسبهم، فلا إكراه للآخر على اعتقاد لا يرضاه، إذ الاعتقاد لا يحصل إلا عن طواعية، والقرآن ينهي عن دفع الإنسان إلى اعتناق أية ديانة دون فهْم، ودون إدراك لحقيقتها، إذ إيمان المكره هو استعباد وخضوع دون إرادة صاحبه، فصريح القرآن “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” [البقرة: ٢٥٦]، فظاهر الآية حماية للإنسان الآخر من أن يقع عليه الإكراه من قبل الأنا، وباطن الآية حماية الأنا من الآخر، فهي حماية متبادلة بين الذات والآخر؛ كي لا يقع على كلّ منهما إكراه ما لا يرضاه. ([28])
فلا مواطنة يُمكن أن تتحقق دون الاعتراف بأن الاختلاف ضرورة عقلية وشرعية، فلو كان النّاس متماثلين لضاعت الفردية، تلك السمة الأهمّ التي يتميز بها الوجود الإنساني، فكيف يكون التفرد في آية “وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا” [مريم: ٩٥] دون اختلاف، والتفرد يقتضي حرية الفكر.
أخيرا مازال الخطاب الإصلاحي غريبا في المجتمعات العربية، فهو فردي منذ بدأ عند الطهطاوي وعبده وحسين والخولي، وأبو زيد وغيرهم، فإذا رحل مفكّر نشط الخطاب الوعظي التقليدي والدرس الأكاديمي في طَيِّ صفحة الإصلاحي، وتكْفين أفكاره، وتلخيص مسيرته في بضع عبارات، واختزال وجوده في لافتة باسمه لإحدى القاعات، وتمضي الجامعات والمؤسسات البحثية منفصلةً عن مهمتها الإصلاحية بلا اشتباك مع قضايا الواقع، ولا رؤية واضحة، ولا شراكة حقيقية؛ لتعزيز ثقافة المواطنة، وليس أفضل منها حالا الجمعيات والمؤسسات المجتمعية المنوط بها نشر ثقافة المواطنة.
فالمواطنة لا يحققها قانون فحسب بل ثقافة مجتمع يؤمن بها، يستوعبها فكرا ويُمارسها سلوكا، ضمن قيم المدنية التي من أبرز مفرداتها: قيم المواطنة، السلام، والحرية، والتسامح، والتعايش، وقبول الآخر، والتعددية، والتنوع، والمساواة في الحقوق والواجبات، والتطوع، والثقة في عمليات التلاقح والتبادل الحضاري المختلفة، فهذه المنظومة القيمية لا بديل عنها لإقامة دولة معاصرة قادرة على الصمود أمام تيارات الهدم.
أ.د عبدالباسط سلامه هيكل
([1]) على بن محمد الشريف الجرجاني، التعريفات، بيروت، مكتبة لبنان، ١٩٨٥، ص٣٧٣.
([2]) ابن منظور (أبو الفضل محمد بن مكرم)، لسان العرب، القاهرة، دار المعارف، ج٦، ص٤٨٦٨.
([3]) مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، استانبول – تركيا، المكتبة الإسلامية، الطبعة الثانية، ص١٠٤٢.
([4]) يُنظر: – د. صلاح أحمد السيد جودة، المواطنة في ظلّ الإصلاحات الدستورية الجديدة، دراسة مقارنة بالشريعة الإسلامية، القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، سنة ٢٠٠٠، ص١٨:٩.
– د. قايد دياب، المواطنة والعولمة تساؤل الزمن الصعب، مركز القاهرة لدراسات وحقوق الإنسان، القاهرة، الطبعة الأولى، سنة ٢٠٠٧، ص٢٨٧،٢٨٦.
– نهلة محمد مصطفى جندية، مفهوم المواطنة والأسس التي تقوم عليها في ألمانيا ومصر دراسة مقارنة، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، جامعة المنوفية، المجلد ٥٢، العدد ٤، مايو ٢٠٢١، ص٥٩٧،٥٩٦.
([5]) يُنظر: – د. كمال المنوفي، المواطنة المصرية ومستقبل الديمقراطية (رؤى جديدة لعالم متغيّر)، منشور ضمن كتاب المؤتمر السنوي السابع عشر للبحوث السياسية ٢٣:٢١ ديسمبر ٢٠٠٣م، مكتبة الشروق الدولية، سنة ٢٠٠٥، ج١، ص٢٨.
– د. إبراهيم مدكور، وآخرون، معجم العلوم الاجتماعية، القاهرة، صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، الناشر الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، طبعة عام ١٩٧٥، ص٥٨٠.
– زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، بيروت، مكتبة لبنان، عام ١٩٨٦م، ص٦٠.
([6]) ينص دستور ٢٠١٤ المصري في المادة (٥٣) على أنّ كلّ مواطن يعيش على أرض الوطن بحدوده الجغرافية له حقوق وواجبات، وهي تُعطى للجميع بلا استثناء دون التفرقة بسبب اللون أو الجنس أو الدين.
([7]) سيد قطب، في ظل القرآن (تفسير)، دار الشروق، القاهرة سورة الأعراف الآية، ١٩٠.
([8]) مذكرات الدعوة والداعية، ص١٦٩.
([9]) في ظلال القرآن. ج٤. ص٢٢١٢.
([10]) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج٣، ص١٨١٦.
([11]) “المجتمع” يقوم على حالة من التنوع وحماية الاختلاف والنظر إلى تلك الحالة بوصفها قوة، بخلاف “الجماعة” التي تقوم على التماثل وترى الاختلاف ضعف؛ لذا الجماعات في حالة انشطار مستمر لتظل الجماعة متماثلة في تدينها.. فالخطاب الديني الراديكالي لا يُمكنه أن يقيم مجتمعا “society” وإنما جماعة “community”، ويُمكن الرجوع لمزيد من التفاصيل عن الفرق بين المجتمع والجماعة إلى كتاب: الدين وأصل الكون والحياة، كيلي جيمس كلارك، ترجمة إسلام سعد، مركز نهوض للدراسات والبحوث، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، ٢٠٢١، ص ١١٣.
([12]) في العراق وأمام سيطرة خطاب التشدد هاجر ٨٠٪ من مسيحي العراق، فبعد أن كان تعدادهم سنة ٢٠٠٣حوالي مليون ونصف، أصبح سنة ٢٠٢٣ حوالي ٢٥٠ ألف بسبب الهجرات المتعاقبة نتيجة أعمال العنف والتمييز، كما تُشير إلى ذلك وثائق الكنيسة وسجلات التعميد والوفيات يُنظر: محاضرة “المسيحيون في العراق هل يُعتبرون أقليّة أم مواطنين؟” الأب أمير ججي مدير معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان، شارك بها في ندوة علميّة بعنوان: من الحوار إلى المواطنة. من أجل التعايش السلميّ في الشرق الأوسط الثلاثاء ٢١ من شهر آذار ٢٠٢٣. بجامعة القديس يوسف ببيروت.
([13]) يُنظر: رنا ممدوح، أزمة تعديلات “الأحوال الشخصية”: مشروعات النّواب معطلة والأزهر يتحدى بمشروعه و”العدل” و”القومي للمرأة” في الطريق” مدى مصر، ١٧ يناير ٢٠١٩.
([14]) ست منظمات: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومركز النّديم، والجبهة المصرية لمعلومات حقوق الإنسان، ومبادرة الحرية، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير.
([15]) صفحة مركز النديم على فيسبوك، ٤ مارس ٢٠٢١، منظمات حقوقية مصرية مستقلة: “نرفض قانون القرون الوسطى للأحوال الشخصية لعصفه بحقوق النساء في مصر”.
([16]) يُنظر: د. عمرو الشوبكي: المواطنة في مواجهة الطائفية، الناشر مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، سنة ٢٠٠٩، ص١٩.
([17]) يُنظر: د. عبد الباسط سلامه هيكل، باب الله الخطاب الإسلامي بين شقيّ الرحا، القاهرة، نيو بوك للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى ٢٠١٧، ص١٠٥:٩٠.
([18]) د. محمد ضياء الدين الريس، النظريات السياسية الإسلامية، مكتبة دار التراث، الطبعة السابعة، ١٩٧٩م، ص٣٠٥،٣٠٤.
([19]) هي دائرة الجمعيات الطوعية التي ينتسب إليها الأفراد على أساس مصالح وأهداف مشتركة، وهي التي تحدث توازن وكبح لسلطة الدولة في النموذج الديمقراطي الكلاسيكي.
([20]) عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، القاهرة، مطبعة دار المعارف، ص١٦٤
([21]) يُنظر: باب الله الخطاب الإسلامي بين شقيّ الرّحا، القاهرة، ص٢٧٧:٢٦٩.
([22]) مقال خالد فهمي، نفقة المرأة وضربها، حوارات الشريعة والقانون، رابط المقال. https://hewarat.org/?p=2907&fbclid=IwAR3s2dIqh2AMcmUkDqtPEaTQD_Neq_otwNMCaWu6v5B8O3QVYSSpQLRV3xw
([23]) يُنظر: البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله الجعفي (ت٢٥٦هـ) صحيح البخاري، بيروت، دار ابن كثير، ١٤٠٧هـ، ج٤، ص٢٢٤.
– ابن جرير الطبري (أبو جعفر محمد بن جرير)، (ت٣١٠هـ)، تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت دار سويدان، ج٣، ص٤٧٩. –
– ابن كثير، (أبو الفداء إسماعيل بن عر القرشي (ت ٧٧٤هـ) البداية والنهاية، تحقيق على شيري، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ – ١٩٨٨م، ج٣، ص٢٢٤.
([24]) الآخَر بالفتح بمعنى “أحد الشيئين… ويرد بمعنى “غير” كقولك رجل آخر وثوب آخر”. لسان العرب، ج١، ص٣٨.
([26]) ينظر: محمد محفوظ، الآخر وحقوق المواطنة، الرياض، مركز الراية للتنمية الفكرية، يناير ٢٠٠٦م، ص١٥.
([27]) التعايش في المعجمية العربية، هو الحقّ في الحياة، والعمل على العيش المشترك. يُنظر: ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، القاهرة، دار المعارف ج٤، ص٣١٩٠. [يُنظر: ابن منظور (محمد بن مكرم) لسان العرب، القاهرة، دار المعارف ج٤، ص٣١٩٠. – مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوسيط، المكتبة الإسلامية، تركيا، ج٢، ص٦٤٠،٦٣٩]. ويُمكننا أن نصطلح ثقافيا على أنّ “التعايش هو التقاء إرادة المؤمن بديانة وغير المؤمن، واتفاق البشر من مختلف الثقافات على ضرورة العمل من أجل أن يسود الأمن والسلام العالم وتعيش الإنسانية في جوّ من الإخاء والتعاون لما في خير للناس كافة، فالجميع له حق في حياة آمنة عادلة. [ينظر: التويجري، عبد العزيز، الحوار من أجل التعايش، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى ١٩٩٨م، ص٧٦.]
([28]) يُنظر: حنفي، حسن، حق الاختلاف، مجلة القاهرة، العدد١١٨، ١٥ سبتمبر ١٩٩٢م.