تكوين
لن تقتصر إسهامات إلول على التطرق إلى أثر التقنية في الاقتصاد والسياسة فحسب، فأثرها السلبي لا يمكن اختزاله في الجوانب المادية فقط، بل يمتد أيضًا إلى الجوانب الرُوحية والأخلاقية، لذا سنعرض فيما يلي لأهم ملامح العلاقة بين التقنية والمقدس، والتقنية والأخلاق.
تعد العلاقة بين التقنية والمقدس امتدادًا للعلاقة الحديثة بين العلم والدين، لقد كانت علاقة صراع وعداء دائم يسعى كل طرف فيها في الفوز بالمعركة، لكن حُسم الصراع في نهاية الأمر لصالح العلم والتقنية على حساب الدين. وأمام هذا التراجع لدور الدين تساءل كثيرون ممن يسعون في إعادة بعث القيم الدينية عن المانع من استفادة الدين من التقنية في إحياء الشعور الرُوحي لدى الإنسان المعاصر؟ يحمل هذا السؤال بين طياته إمكان أن يجمع الإنسان المعاصر بفضل التقنية بين الحُسْنَيين: الرفاهية المادية والسمو الرُوحي.
ليس من الصعب التكهن بموقف إلول في هذا الخصوص، إذ يستهل إلول مقدمة كتابه المجتمع التكنولوجي بعبارة شديدة الإيجاز، لكنها في الوقت نفسه شديدة العمق والدلالة، يقول إلول:
“تهدف التقنية لأن تكون إلهًا”([1])
تعكس هذه المقولة الموجزة قلق إلول الشديد من خطورة التقنية على الجوانب الرُوحية للإنسان، فالتقنية التي أصبحت كلية القدرة والسلطة تهدف لأن تحل محل الإله المتعالي. إنها تتطلب خضوع الإنسان دون أدنى قيد أو شرط، وتريد أن تصبح موضوعًا للعبادة، وتسعى في أن تكتسي بثوب المقدس غير المُعرض للنقد والانتهاك، إنها الإله الجديد.
يعد موقف إلول النقدي من تأليه التقنية شبيهًا بموقف ماركس النقدي من صنمية السلعة، إذ شبه ماركس السلعة بالصنم الذي لا عقل له ولا رُوح، ورغم ذلك يعبده الإنسان الحديث، كما أنه يتشابه أيضًا مع تصورات فروم عن الوثنية الجديدة التي بلورها في كتابه مفهوم الإنسان عند ماركس، إذ رأى فروم أن الإنسان المعاصر قد تخلى عن ذاته وحريته الأصيلة وأسقطهما على موضوع خارجي من خلقه وهو الوثن، ثم سجد لهذا الوثن وطلب منه يد العون والمساعدة
“فالأوثان هي الأشياء التي يصنعها الإنسان بنفسه ويعزو إليها كل صفاته وإمكاناته، ثم ينحني لها”([2])
وتتعدد الأوثان في الحقبة المعاصرة لتشمل: الزعيم الملهم والدولة القومية عند فروم، والعلم والتقنية عند إلول.
لكن ما يجب أن نؤكده هو أنه لم يكن نقد ماركس للصنمية ولا نقد فروم للوثنية مقترنًا ولو للحظة بالدفاع عن الله أو حتى بإحياء الأبعاد الرُوحية للإنسان، بل على العكس كان ماركس وفروم من أشد النقاد لفكرة الله لأنهما رأيا فيها عاملا من عوامل اغتراب الإنسان، إنها تدعو الإنسان إلى التعلق بعالم آخر غير عالمه الأرضي المعيش، وهو ما رأوه عاملًا لتكريس الأوضاع الظالمة والمستبدة. إن نقدهما للصنمية والوثنية هو نقد لسلطة تسيدت على الإنسان، فاستعبدته وسلبته إرادته الحرة واستطاعت توجيهه أينما تشاء رغما عنه، وهو لا يستطيع أن ينجو منها. نقدهما إذًا في جوهره هو نقد لأحد معوقات الحرية الإنسانية، إنه لم يكن أبدًا نقدًا لإعادة بعث الحياة الرُوحية للإنسان وإحيائها.
أما نقد إلول لعبادة التكنولوجيا وتقديسها وعبادة التقنية فلم ينبع لديه من القلق على الحرية الإنسانية، بل من تخوفه من إطاحة التقنية بفكرة المتعالي. فالتقنية أسهمت بقدر كبير في تقويض الإله المسيحي كلي القدرة والمحبة والعناية، عندما وعدت بتحقيق الجنة على الأرض، وعندما أسهمت في تحرير البشر من البؤس والعوز والفقر.
فالتقنية قد اقتحمت كل المجالات التي كانت تدخل فيما سبق ضمن إطار القدرة الإلهية، وفي هذا الإطار يرى إلول أن كلية قدرة التقنية جعلت البشر يلجأون إليها وحدها في كل شيء، ولا يلجأون إلى ما يتجاوزها. ولهذا أضفى الإنسان طابع القداسة على التقنية، لأنها سبيله إلى تلبية احتياجاته، فقد
“قدس البشر التقنية لأنها التعبير العام عن قوة الإنسان، فمن دونها يشعر المرء بالفقر والحرمان من الرفاهية، ومن دونها لن يعود بطلًا ولا عبقريًّا (…) إنها تحل الآن محل المملكة المسيحية”([3])
وهو ما يعني أن التقنية أصبحت تؤدي ما كان مطلوبًا من الآلهة في العصور السابقة أن تؤديه.
كانت الآلهة في العصور القديمة، والله في الأديان التوحيدية، خالقين للكون ويقومون بتدبيره وتسييره، وساد اعتقاد بأن مصير الإنسان والأشياء محكومًا بالمشيئة والعناية الإلهيتين، لكن مع تقدم العلوم في القرنين: السابع عشر والثامن عشر رُفضت المعتقدات القديمة التي تقول: بأن الطبيعة مسكونة بالآلهة ومحاطة بالأسرار والأساطير، كذلك رُفضت فكرة أن الطبيعة والتاريخ يعملان وفقا لمبدأ العناية الإلهية.
لقد تبددت هذه النظرة المقدسة للطبيعة وللإنسان بفضل فيزياء جاليليو ونيوتن التي أكدت النظرة الميكانيكية والآلية للعالم. لكن إذا كان العلم يهدف إلى تفسير الطبيعة، فإن التقنية تهدف إلى تغييرها والسيطرة عليها وتسخيرها لمصلحة الإنسان. وهذا ما أكده إلول قائلا:
“إن التقنية تنزع القداسة لأنها تؤكد عدم وجود الأسرار والأساطير، فالطبيعة أُخضعت واستُفيدَ منها، إنها لم تعد مكانا للمقدس (…) لكن نزع القداسة عن الطبيعة والله قد صاحبه إضفاء قداسة على التقنية”([4])
أوجد نزع القداسة عن الطبيعة والدين قداسة جديدة، فالتقنية التي انتهكت المقدسات التقليدية أصبحت هي بنفسها مقدسة، وأصبحت تتمتع بقوة واستقلال لا يمكن مساءلتهما أو حتى الشك فيهما.
الإنسان الحديث
الإنسان الحديث في نظر إلول قد استبدل بعبادة الله عبادة التقنية، وهو ما أدى إلى غياب “الأشياء التي تنتمي إلى مملكة الله المقدسة والمتجاوزة للطبيعة، فالإنسان الذي يعيش في البيئة التقنية يؤمن بعدم وجود أي شيء رُوحي في المكان“([5]). هكذا صَور لنا إلول العلاقة بين التقنية والمقدس بوصفها علاقة عداء مستحكم أطاحت فيها التقنية بكل ما هو مقدس لتحل محله.
في المقابل تحذرنا سوزان جورج Susan George من التسرع والانصياع وراء آراء إلول، إذ ترى أن محدودية الإيمان بالله في عصرنا الراهن لا ترجع إلى التقنية في شيء، بل إلى إخفاق المؤسسات الدينية ورجالها، لأنها لم تستطع أن تقدم لنا صورة مقبولة عن الله تتماشى مع التطورات العلمية والتقنية الحديثة، وهو ما دفع البشر إلى اللجوء إلى ديانات أخرى غير اليهودية والمسيحية. فالإنسان من وجهة نظرها لا يمكن أن يعيش من دون وجود لفكرة المقدس، لذا ظهرت عديد من الدعوات لإحياء تعدد الآلهة التي كانت أكثر اقترابا من الإنسان، لقد أدى
“إخفاق المسيحية إلى جعل البشر يتجهون إلى البحث عن ديانات بديلة (…) لتحل محل الخواء الذي تركته المسيحية التقليدية”([6]).
خطورة التقنية
لكن يتمسك إلول بموقفه ويؤكد أن خطورة التقنية تمتد لتهدد كل ما يحمل صفة القداسة لدى الإنسان، ولا فرق في درجة التهديد فهو يشمل الديانات الوضعية السماوية، فبسبب التقدم التقني “اختفت عديد من الديانات، فعبادة الميكادو اختفت من اليابان بعد إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما“([7]).
تتسع هوة الخلاف بين إلول وجورج، إذ تسلط جورج الضوء على بعد آخر، فهي لا ترى العلاقة بين التقنية والمقدس في ضوء العداء الذي يراه إلول. بل على العكس، إنها تعزو إلى التقنية دورًا تقدميًّا في تطور البحث عن المقدس، وفي إعلاء الجوانب الروحية وسموها لدى الإنسان، وتدلل جورج على صدق تصوراتها بالاستناد إلى الإحصائيات
“(…) الله هو الموضوع الذي يحتل المرتبة الثانية في البحث داخل الإنترنت بعد الجنس (…) ففي عام 2001 وُجد أنه من بين كل أربعة مستخدمين للإنترنت يوجد مستخدم يستخدمه لأغراض رُوحية”([8]).
ولا تتبنى جورج هذا الرأي وحدها، بل يتفق معها كثيرون مثل روبرت جيراسي Robert Geraci الذي يؤكد أيضًا الدور الذي تلعبه التقنية في زيادة الوعي الديني، وفي نشر الوعي بفكرة الخلاص البشري عبر الوسائل المرئية والمسموعة وعبر شبكة الانترنت، إذ يقول في هذا الصدد: “استفادت المسيحية من التقنية في خدمة الاهتمامات الدينية (…) وأصبح يُروج لفكرة الخلاص عبر الراديو والتليفزيون والإنترنت“([9]).
أما برنت وترز Brent Waters فيقدم طرحًا مشابهًا لما قدمته جورج وجراسي، لكنه يبرز اختلافا مهمًّا بين التقنية والمقدس، إذ يرى رغم أن المجالين مستقلان تماما عن بعضهما، إذ تعبر التقنية عن تقدم العقل البشري في المجالات المادية، ويعبر المقدس عن المملكة الرُوحية التي تتجاوز العالم المادي نحو المتعالي، إلا أنه ليس هناك ما يمنع أن يكون الإنسان مؤمنًا بالله ومستخدمًا للتقنية في الوقت نفسه، ويقول وترز في هذا الصدد:
“يمكن أن يظل المسيحيون مسيحيين، ويبقى المسلمون مسلمين وهم يستخدمون التكنولوجيا والطائرات وشبكة المعلومات ويقرأون النصوص المقدسة باستخدام هواتفهم المحمولة”([10]).
بالطبع لن يرضى إلول عن هذه الأطروحات، فهو يرفض فكرة أن يكون للتقنية دورًا في تعمق شعورنا الديني أو في ارتقائنا الرُوحي، أو أن تقربنا من اللامتناهي، بل على العكس التقنية كما ذكرنا مرارًا هي من دمرت كل وجود للمقدس والمتعالي، وإذا أردنا أن نتجنب آثارها السلبية على الوجود الرُوحي للإنسان، فلا بد أن نتجه مرة أخرى إلى المتعالي، فالإيمان بالمتعالي لدى إلول هو السبيل الوحيد للقضاء على المخاطر الناجمة عن المجتمع التقني: “إن المتعالي هو الشرط الجوهري لاستمرار الحياة والتاريخ والموجودات البشرية على وجه الأرض“([11]). فعلى الإنسان المعاصر أن يضع خلاصه الرُوحي نُصب عينيه، ولن يحدث هذا إلا عندما يصبح الله هو المركز الذي تدور حوله كل حياة الإنسان وأنشطته، فغرض إلول هو أن تهدف الأفعال الإنسانية لبلوغ الرضا الإلهي لنيل الخلاص.
لكن ثمة سؤال: ما الدور الذي يعزوه إلول إلى المتعالي كي يحررنا من شرور المجتمع التقني وآثامه؟ يجيب إلول عن هذا السؤال قائلا: “المتعالي هو الخالق لشيء ما جديد، وهذا الشيء الجديد هو الأمل المؤثر الذي يرقيه فينا (…) فالمتعالي يحب خلقه، إنه أتى ليحرر وينقذ، ونحن نؤمن أنه سوف يتدخل، وإن عشنا بهذا الأمل فسوف نتحرك للفعل انطلاقا من هذا الحب“([12]). إذًا يكمن دور المتعالي لدى إلول في خلق الأمل لدى البشر، ومن ثم تبقى قدرة البشر على الحل والتغيير مرهونة بالأمل الإلهي الذي يوجده المتعالي في نفوسهم، وما على البشر إلا أن ينصتوا لسماع صوت الأمل الإلهي وينتظروه.
تتسم تأملات إلول عن دور المتعالي في حل الأزمات الناجمة عن التقدم التقني بالغموض إلى حد كبير، فهو لا يحدد لنا كيفية بعث الأمل الجديد وانتشاره بين البشر، هل سوف يوحي الله بنفسه للبشر بهذا الأمل؟ أم سيكون لرجال الدين والكنيسة دورًا في هذا الشأن؟ أم سيكون الأمر متروكًا إلى بعض الجماعات الدينية الملهمة التي يوحي الله لها بالأمل لتنشره بين الناس؟ كما أنه لم يحدد لنا تحديدًا واضحًا ودقيقًا ما المقصود بهذا الأمل، إضافة إلى أنه لم يحدد سبل تفعيله في الإنسان المعاصر ليكون له مردود إيجابي على المستويات: السياسية والاجتماعية. في الحقيقة يتركنا إلول دون تقديم إجابات شافية عن هذه الأسئلة.
على أية حال تبقى الحلول الدينية المطروحة لمواجهة الأزمات المعاصرة محدودة التأثير بين البشر، وخاصة إذا وضعنا في حسباننا أنها تخاطب المعتنقين لديانة محددة دون غيرهم. إضافة إلى أننا نجد في أحيان كثيرة أن في النصوص الدينية ما يؤيد وجهة النظر وعكسها في آن واحد، ولهذا فإننا في أمسِّ الحاجة إلى خطاب فلسفي وأخلاقي يتسم بالعقلانية التي تتخطى النظرة الدينية المحدودة، إننا نحتاج إلى خطاب يتوجه إلى أصحاب الديانات السماوية وغير السماوية وإلى المؤمنين وغير المؤمنين على حد سواء، نريد حلولًا تخاطب العقل والوعي والضمير الإنساني بعامة.
ربما أدرك إلول محدودية الدور الذي تؤديه فكرة المتعالي بين البشر، وخصوصًا في القرن العشرين. فهو يعلم جيدًا أن الإنسان الذي يعيش في المجتمع التقني الذي يتمتع في ظله بأقصى درجات الراحة والرفاهية لن يتخلى عنهما، لذا لم يتوقف إلول عند طرح الحلول الدينية، بل قدم حلولًا أخلاقية تنبه الإنسان المعاصر إلى خطورة الوضع الراهن، معولًا على أن الأخلاق تخاطب ما هو إنساني، على عكس الدين الذي يتوجه إلى أتباعه وحدهم، فالأخلاق ستلفت الانتباه إلى أن استمرار الوضع على ما هو عليه يؤذن بنهاية الإنسان، ولن تتعامل مع الأمر على أنه قضاء وقدر.
التقنية والأخلاق:
طرح التقدم التقني على البشر كثيرًا من التحديات التي لم تكن مطروحة من قبل، والسؤال هنا: هل تصلح الأخلاق بمقولاتها التقليدية التي تجلت في مصطلحات مثل: الخير لدى أفلاطون، والمحبة لدى الإكويني، والواجب لدى كانط، والمنفعة لدى مل. أن تكون معيارًا للتعامل مع هذه التحديات الجديدة؟ يجيب إلول عن هذا السؤال بالنفي:
“لم تعد الأخلاق التقليدية تمتلك أي معايير للحكم على التقنية، إنها تهتم بالعلاقة بين الفرد والمجتمع”([13]).
إن إخفاق الأخلاق التقليدية في التعامل مع الأزمات الحالية يعود إلى أنها أخلاق قائمة على مركزية النزعة الإنسانية، فهي تحصر مجال اهتمامها في التعاملات المباشرة بين البشر وبعضهم، أي علاقة الفرد بالآخرين وعلاقة الفرد بالمجتمع، كما أنها تركز كل اهتمامها على ما هو موجود هنا والآن، لكنها لا تضع في اعتبارها حقوق الموجودات التي لم توجد بعد مثل: الأجيال المُقبلة، كما أنها لا تأخذ في حسبانها حقوق الكائنات الحية غير الإنسانية مثل: الطبيعة والحيوانات. فهذه الأخلاق كرست كل بحثها عن الخير الإنساني فقط، ولم تبحث عن خير الأشياء الموجودة خارج المجال الإنساني، وهو ما ترتب عليه عدم الاهتمام بآثار الأفعال الإنسانية في المدى البعيد. إذًا اتسمت الأخلاق التقليدية بالمحدودية وقصر النظر في التعامل مع المشكلات المعاصرة.
علاقة التقنية بالأخلاق
على أية حال عندما نتطرق إلى علاقة التقنية بالأخلاق فالأمر لن يتعلق بمحدودية الأخلاق التقليدي، بل يجب أن نضع في حسباننا طغيان التقنية نفسها ومحوها لكل النزعات الأخلاقية التي تقف عقبة في طريق تقدمها. هذا النزوع السلطوي للتقنية في علاقته بالفضائل الأخلاقية هو ما أبرزه إلول قائلا:
“إن التقنية لا تقبل أي تدخل للأخلاق في عملها، أنها لا تعبأ بمشكلات الخير والشر على الإطلاق”([14])
لا تكمن المشكلة إذًا في عدم صلاحية الأخلاق التقليدية، بل في أن التقنية نفسها ترفض فرض أي محاذير أخلاقية على أعمالها. فالتقنية كما ذكرنا تحكم على نفسها فقط وفقا لمعايير تقنية خالصة مثل: الدقة، السرعة، الكفاءة، الفاعلية. أما المقولات الأخلاقية فهي تأملات محضة ليس لها أي مردود في عالم التقنية.
ومن ثم لن تكون التقنية من وجهة نظر إلول موضوعًا للتقييم الأخلاقي، بل تصبح هي القيمة الأسمى التي تسبغ على سائر الأفعال الإنسانية كل ما لها من قيمة وفقًا للمعايير آنفة الذكر، لقد “تحولت التقنية إلى حكم يحكم على الأخلاق، فالأفعال الأخلاقية لن يُحكم عليها بالصلاحية إن لم تدخل إلى النسق التقني وتتلاءم معه”([15]).
وقد جاء حكم التقنية بعدم صلاحية الأخلاق التقليدية ويقتضي الأمر أن تُخلق قيم وفضائل بديلة يستعيض بها عن القيم التقليدية، ويطلق إلول على هذه القيم مصطلح الأخلاق التقنية، ويعرفها بأنها: “أخلاق للسلوك تهدف إلى تحقيق الانسجام بين الإنسان وعالمه التقني”([16]). ويوضح إلول أن المقصود بأخلاق للسلوك أنها أخلاق تهتم بالسلوك الخارجي للإنسان ولا تتعلق بأي دوافع داخلية مثل: العاطفة، الحب، الضمير… إنها أخلاق الدقة، الانضباط، الإخلاص في العمل.
وترتكز الأخلاق التقنية على مجموعة من الفضائل الجديدة يحددها إلول فيما يلي:([17]).
- فضيلة التكيف: فالتكيف هو الفضيلة الأسمى التي تسود في ظل المجتمع التقني، فالغرض الأساسي للأخلاق التقنية هو خلق إنسان متكيف ومنسجم مع عالمه، إنسان يشعر أن التقنية هي السبيل الوحيد لتحقيق كل احتياجاته، للدرجة التي يترسخ معها في وعيه أنه لا يقوى على الحياة من دونها. فالإنسان المتكيف مع المجتمع التقني هو الإنسان السوي والسليم، أما الإنسان غير المتكيف فهو غير سوي ومضطرب نفسيًّا واجتماعيًّا.
- فضيلة النجاح: استبدلت الأخلاق التقنية بمقولتي الخير والشر مقولتي النجاح والفشل، وأصبحت تتحدد قيمة الفضائل والأفعال الإنسانية بما تحققه من نجاح مادي.
- فضيلة العمل: العمل الذي يسود في المجتمع التقني ليس العمل اليدوي ولا الأعمال العقلية والتأملية، لكن الأعمال التقنية هي التي تحتل المكانة الأكثر أهمية في المجتمع المعاصر، ويعد الإخلاص في العمل من أسمى الفضائل التقنية. وينتج عن الأعمال التقنية الضخامة والوفرة اللامحدودة.
الأخلاق التقنية
نستنتج مما سبق أن ما يسميه إلول الأخلاق التقنية هي الأخلاق التي تصب في مصلحة تقدم المجتمع التقني. إنها أخلاق تتأسس على النوازع الموضوعية التي تحتاج إليها التقنية في عملها وتقدمها، ولا علاقة لها بالمشاعر الإنسانية، فلا مكان فيها للحب أو التعاطف مع الآخرين. إنها أخلاق تنتج لنا مجتمعا في منتهى الدقة والانضباط، لكنه لن يكون مجتمعًا إنسانيًّا، بل سيكون مجتمعًا آليًا تتحكم فيه قوانين التقنية وأخلاقها، سيكون مجتمعا أشبه بالجسد الميت الذي فارقته الرُوح فلم يعد ينبض بالوعي والضمير والأخوة والتعاون.
لكن كعادته دائما لا يكتفي إلول بطرح المشكلة دون أن يمد إلينا بيد العون، ف إلول يقدم لنا بديلا أخلاقيا يحاول أن يحد بواسطته من القوة المفرطة التي تتمتع بها التقنية في عصرنا، فيدعو إلى تأسيس أخلاق جديدة يطلق عليها أخلاق اللاقوة Ethics of non Power. وأخلاق اللاقوة سوف تلعب الدور نفسه الذي لعبته الأخلاق التقليدية في العصور السابقة، لكنها على العكس من الأخلاق التقليدية فهي لن تهتم بتنظيم علاقات البشر ببعضهم الآخر فحسب، بل إن موضوعها الأساسي هو
“تحكم الإنسان في الحياة، ليقبل فكرة ألا يفعل كل ما يستطيع فعله من أجل الحفاظ على الحياة، كذلك تطرح هذه الأخلاق الإمكانات لتطوير مجتمع إنساني يقوم على العلاقات الشخصية”([18])
أخلاق اللاقوة تسعى إذن في تقويض قوة التقنية، فإذا كانت التقنية تفعل كل ما تقوى على فعله دون التفكير في النتائج الآجلة، وتسيطر على الإنسان والكون، فإن أخلاق اللاقوة التي ينشدها إلول تهدف إلى رد المكانة إلى الإنسان مرة أخرى، ليصبح الإنسان هو المتحكم في ذاته، وفي عالمه، يكونهما وفقًا لإرادته وحريته دون أن يخضع لأي قوة جبرية تتسلط عليه وتستبد به وتروضه لتحقيق مصلحتها.
سوف تُسهم أخلاق اللاقوة حال تبنيها في تشييد مجتمع جديد يقوم في جوهره على الانسجام بين البشر وبعضهم من جهة، والبشر والطبيعة من جهة أخرى، وسوف يختفي من هذا المجتمع فكرة ضرورة تكيف المواطنين وتماثلهم مع بعضهم بسبب الضرورة التقنية، سيكون هناك احترام للاختلاف، فهو لدى إلول، ظاهرة صحية في تطور المجتمعات.
بهذا المعنى تصبح أخلاق اللاقوة عند إلول تعبيرًا أمثل عن قوة الإرادة البشرية، فاللاقوة ليست مرادفة للعجز أو الضعف، بل على العكس إنها تعني إننا نمتلك كافة الوسائل التي تُمكننا من الفعل ومن أن نكون أقوياء، لكننا آثرنا الحفاظ على كل ما يُرقي الحياة الإنسانية. وفي هذا الصدد يقول إلول: “إننا قادرون على أن نفعل شيئًا، لكننا نقرر ضده، إن امتلاكنا للوسائل غير المحدودة يسمح لنا بفعل أشياء غير محدودة، لكننا يجب أن نختار عدم التدخل وعدم الفعل في أوقات كثيرة، بسبب عدم يقين الآثار بعيدة المدى لأفعالنا“([19]). إن عدم القدرة على التنبوء الدقيق بما سيترتب على أفعالنا في المستقبل يعد لدى إلول دافعًا للتردد والخوف من الإقدام على الأفعال التي لا نعرف عواقبها المستقبلية. ولذلك تتسم أخلاق اللاقوة في هذه الحالة بالفاعلية، لأنها تحذرنا وتنهينا عن استخدام القوة الغشيمة والعمياء التي لا نعرف نتائجها.
غياب القدرة التنبؤية الدقيقة بنتائج أفعالنا في المستقبل هو ما دفع كثيرين إلى المناداة بتوخي الحذر، إذ نجد يوناس يدعم أيضًا في كل كتاباته نبوءة الخوف في مقابل نبوءة النعيم، ويدعونا إلى أن نضع في الحسبان حجم الجهل البشري، فالجهل يجب أن يكون جزءًا من فلسفة الأخلاق الحالية، وهو ما طالب به يوناس قائلا:
“يجب أن يصبح إدراك الجهل هو الدافع لواجب المعرفة، ولذا يجب أن يكون الجهل جزءًا من الأخلاق”([20])
وهو ما يترتب عليه أن تكون المهمة الأولى لفلسفة الأخلاق الحالية التحذير، بدلًا من الوعد بتحقيق مملكة السماء على الأرض، إنها يجب أن: “تُثير مخاوفنا، بدلًا من أن تثير آمالنا”([21]).
على أية حال إن الأخلاق الجديدة التي ينشدها إلول للتغلب على مخاطر الحضارة التقنية تقوم ــــــ بجانب مبدأ اللاقوة ــــــ على تمجيد الحرية والاحتفاء بها، فالأخلاق الجديدة يجب أن تكون أخلاقا للحرية، ويعلل إلول أهمية هذه الحرية في عصرنا الراهن قائلا:
“إذا كانت التقنية قد فرضت علينا قوانينها الضرورية، فلا مندوحة لنا من شن الحرب عليها لاسترداد حريتنا المسلوبة”([22])
إن الحرية ليست ملكة طبيعية أو فطرية لدى الإنسان، فالإنسان ليس حرًّا بالطبيعة كما يقول روسو “ولد الإنسان حرًّا” بل إن الإنسان وفقما يراه إلول، محاصر دائما بمحددات خارجية مفروضة عليه، لكنه يناضل من أجل التحرر من هذه الضرورات التي تكبله، ومن ثم فالإنسان في حالة نضال دائم من أجل اكتساب حريته، واتخذ هذا النضال الإنساني من أجل الفوز بالحرية ثلاث مراحل يحددها إلول فيما يلي “في البداءة كان الإنسان مُحددا بقدر هائل بقوى الطبيعة، لكنه استطاع أن يتغلب عليها بمساعدة التقدم العلمي والصناعي، ثم وجد نفسه بعد ذلك مُقيدًا بالقيود السياسية والاجتماعية، لكنه تغلب عليها بفضل ثورات التحرر السياسي والاجتماعي، إنه الآن مُقيد بقوة التقنية، ويقع على عاتقه مهمة تحرير نفسه منها”([23]). دعوة إلول هذه هي دعوة إلى استكمال مسيرة نيل الحرية التي لن تتحقق إلا عندما يتحكم في التقنية ويعيد توجيهها نحو الغايات الإنسانية الحقيقية.
يُشبه تصور إلول للحرية التصور الماركسي لها. فالحرية عند ماركس هي معرفة الضرورات الطبيعية والاجتماعية للتحرر منها، وذلك بمعرفة قوانينها وتوجيهها نحو تحقيق غايات إنسانية في ظل المجتمع الاشتراكي
“فالسيطرة على الطبيعة لا تعني أدني استقلال للإنسان عن القانون الطبيعي والضرورة الطبيعية، وإنما هو معرفتها واستخدامها الواعي”([24]).
وفقا لهذا النص يعد التحرر من القوانين الطبيعية نتاجًا لفعل إبستمولوجي، هذا يعني معرفة هذه القوانين وتسخيرها لخدمة الإنسان. أما التحرر في المجال الاجتماعي فهو فعل سياسي ثوري يهدف إلى القضاء على الطبقات المستغلة.
هكذا يبقى فعل التحرر لديهما- ماركس وإلول– متضمنا لنضال الإنسان وصراعه ضد هذه القيود، وهذا ما يؤكده إلول قائلا: “إن نيل الحرية يتطلب صراعا وتوترا“([25])، لكن على العكس من ماركس لا يحدد إلول طبيعة هذا الصراع: هل هو صراع سياسي أم اقتصادي أم اجتماعي…؟ ولا يحدد كيفية حدوثه، هل سوف يحدث عن طريق الثورة أم عن طريق التشريعات القانونية…؟ إنه لا يحدد لنا آليات إدارة هذا الصراع، لكن رغم ذلك يعزو إليه إلول وظيفة يراها المبدأ الرابع الذي تقوم عليه الأخلاق الجديدة وهي الانتهاك والتدنيس.
إن ما يقصده إلول بالانتهاك والتدنيس هو انتهاك التقنية ونزع صفة القداسة عنها، وتحطيم القيود والقوانين التي فرضتها على الإنسان. بالإضافة إلى نزع القداسة عن الاعتقاد بالتقدم والوفرة غير المحدودين، فهذه المعتقدات التي قدسها الإنسان المعاصر يجب رفضها وانتهاكها.
الخاتمة:
قدم إلول تحليلا نقديًّا مُفصلا لظاهرة التقنية منذ العصور القديمة وحتى عصرنا الراهن. وقد اتسمت تحليلاته بالشمول والجدة والابتكار، إذ وضح علاقة التقنية بشتى مناحي الحياة الإنسانية، وانتهى إلى حكم حاسم لا ريب فيه وهو تأكيد سطوة التقنية واستبدادها المطلق.
لقد أجبرت التقنية العلم والاقتصاد والسياسة والدين على خدمتها، وجعلتهم تابعين لها. فهي وحدها التي تتمتع بالاستقلال المطلق، في حين أن كل ما عداها يخضع لأمرتها وتحقيق أهدافها. ولهذا غلبت نظرة متشائمة على كل أطروحاته الخاصة بالتقنية، فالمجتمع التقني المعاصر يعصف بكل ما هو إنساني، ويقضي على كل حرية، ويجعل من فكرة المساواة وهما مزيفا.
ورغم سيادة هذا النزوع التشاؤمي الذي تولد بسبب إيمان إلول بالحتمية التقنية، إلا أننا لم نجد في أي من كتاباته دعوى إلى إلغاء التقنية والعودة بالبشر إلى مجتمعات ما قبل التقدم التقني. فما يريده إلول هو الحد من سيطرة التقنية واستغلالها للبشر، وتحويلهم إلى أدوات تُكرس كل مجهوداتها للتكيف مع المجتمع التقني. إن ما يسعى فيه إلول هو إعادة ربط التقنية بالدين والأخلاق مرة أخرى، لتخضع لمعايير التقييم الإنساني وتهدف إلى إنتاج أشياء ذات قيمة حقيقية للإنسان، فالتقنية التي ينشدها إلول لا يجب أن تكون موضوعا يَندُّ عن سيطرة البشر.
لكن رغبة إلول في ترويض التقنية لصالح الإنسان أوقعته في كثير من التناقضات، فالإنسان لدى إلول هو موضوع للتقنية أسير لأهدافها، تستبد به وتقهره وتخضعه كيفما تشاء، لكن يأتي إلول في النهاية ليؤكد لنا في أكثر من موضوع أهمية دور الإنسان وقدرته على الحد من اندفاعها وتهورها. فكيف يسلب إلول من الإنسان أي قدرة على التغيير ثم يعزو له هذا الدور فيما بعد؟
إن عدم إيمان إلول بحياد التقنية قد خلق عديدًا من التحديات التي يصعب حلها، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، عدم قدرة الأنظمة الاقتصادية والسياسية على التحرر من هيمنة التقنية واستبدادها، وهو ما يعني استحالة وجود أنظمة حرة تحقق للإنسان وجوده الحسن، وكأن الإنسان مكتوب عليه أن يعيش عبدًا للتقنية.
والسبيل الوحيد الذي يقترحه إلول لبلوغ نظام سياسي واجتماعي أفضل هو تبني الفوضوية، لكننا نجد ثمة تناقض في موقفه من السلطة، فهو يتأرجح بين الرفض المطلق أحيانا، والقبول أحيانا أخرى، لكنه يتركنا في كل الأحوال دون رسم آليات محددة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، فهو لم يوضح لنا كيفية التخلص من المجتمعات الرأسمالية الراهنة.
كذلك غاب عن تصوراته للنظام السياسي الجديد الذي يضعه بديلا للأنظمة الراهنة، الآليات التشريعية والقانونية التي تعمل للخروج بهذا المشروع إلى حيز التنفيذ، فلم نجد لديه مشروع قانون يمنع استخدام تقنيات محددة، أو يفرض قيودًا وضوابط على التقنيات الأخرى.
وبالتعارض مع إلول، فإننا نرى أنه مهما استبدت التقنية بالإنسان واخضعته لأوامرها، فالحل في النهاية إنساني بحت، ولن يخرج عن إطار القدرة والإرادة الإنسانيين، فالإنسان ليس مسلوب الإرادة كما يدعي إلول. إن الإنسان محكوم عليه بالحرية وفق تعبير سارتر، فقد ثار في وجه كل أشكال الاستبداد والظلم، وحقق انتصارات متعددة في كافة المستويات.
إن ما يحتاج إليه الإنسان المعاصر للتحرر هو الوعي بوجود المشكلات التي فرضتها عليه التقنية، وقد نجح إلول ومعه كثيرٌ من الفلاسفة في إثارة هذا الوعي.
وفي الأخير نرى أن فلسفة إلول رغم ما شابها من نقاط ضعف، إلا أنها احتوت على كثيرٍ من نقاط القوة، وخصوصًا تحذيراته وتخوفاته التي إذا وضعتها سلطات اتخاذ القرار في حسبانها قد تمكننا الوصول إلى بر الأمان.
المراجع:
[1]– Jacques Ellul, The Technological Society, op.cit., p: xi
[2]– Erich Fromm, Marx’s Conception of Man, New York, Frederick Ungar Publishing Co, 1963, p: 44
[3]– Jacques Ellul, The New Demons, op.cit., p: 74
[4]– ibid., p: 66, 67
[5]– Jacques Ellul, The Technological Society, op.cit., p: 143
[6]– Susan George, Religion and Technology in the 21st Century: Faith in the E- World, London, Information Science Publishing, 2006, p: 85
[7]– Jacques Ellul, The Technological Society, op.cit., p: 121
[8]– Susan George, op.cit. p: 86
[9]– Robert Geraci, Technology and Religion, Switzerland, Springer International Publishing, 2016, p: 908, 909
[10]– Brent Waters, From Human to Posthuman: Christian Theology and Technology in a Postmodern World, London, Ashgate, 2006, p: 145
[11]– Jacques Ellul, What I Believe, op.cit., p: 46
[12]– ibid., p: 186
[13]– Jacques Ellul, The Search for Ethics into a Technicist Society, Translated by: Dominique Gillat, Carl Mitcham, in “Morale et Enseignement “1983, pp: 7- 20
[14]– Jacques Ellul, The Technological System, p: 145
[15]– Jacques Ellul, The Technological System, op.cit, p: 148
[16]– Jacques Ellul, To Will & To Do: An Ethical Research for Christians, Translated by: C. Edward Hopkin, Boston, Pilgrim Press, 1969, 185
[17]– ibid., p: 192- 197
[18]– Jacques Ellul, The Power of Technique and The Ethics of Non – Power, translated by: Mary Lydon, in “Technology and Post-Industrial culture “, 1980, pp: 242-47
[19]– ibid.,
[20]– Hans Jonas, “Technology and Responsibility: Reflections on New Tasks of Ethics “in Social Research, Vol.40, No.1 1973, p:30, 34p
[21]– Hans Jonas. “Heuristics of Fear “in Melvin Kranzberg (ed), Ethics in an Age of Pervasive Technology, New York, West View Press, 1980, p: 216
[22]– Jacques Ellul, The Search for Ethics into a Technicist Society, op.cit.,
[23]– ibid.,
[24]– موريس كورنفورث، مدخل إلى المادية الجدلية: نظرية المعرفة، ترجمة/ محمد مستجير مصطفى، بيروت، دار الفارابي، صـ 214
[25]– Jacques Ellul, The Power of Technique and The Ethics of Non– Power, op.cit.,