تكوين
[…] تمهيد، أو في إمكان الفهم من جديد:
لا نقولُ إلاَّ بالتوسُّط. إذ إنَّه ثَمَّةَ دائماً قَبْلِيَّاً ما هو السابق إلى القول، وما هو السابق إلى التوسُّط. السابق إلى القول هو جملة القَبْليِّ Priori الذي يشكل ماهيَّة ما نتوفر عليه، والسابق إلى التوسُّط هو كيفُ ذلك القبليِّ وكيفُ توظيفه ضمن التَّساؤل، والتفكير، والفهم. التَّساؤل عن الأشياء في العالَم، من جهة أولى، والتفكير الفلسفي الحديث وما بعد الحديث بها، من جهة ثانية، والفهم الذي يتوفَّر على إمكان بناء الواقع من جديد، في كل مرَّةٍ، من جهة ثالثة.
أقول إذن في اللَّحظة التي أتوفر على فهم قبليٍّ بعينه، واِتجاه ذلك الفهم، في سياق التَّساؤل عن الموضوع، الذي تم توضيعه- أو وَضْعَنَتُهُ Objectivation. وهكذا فإنَّ التجربة المعاشة تأخذ معنى أساسي في القول- الفهم. ليست التجربة المعاشة (ويلهلم دلتاي- إدموند هوسرل- مارتن هايدغر)، إذن، لا- شيئًا، حتَّى يتمُّ فيما بعد اِتخاذ مسافة عنها، وعن الذَّات بعامَّةٍ، كي نكون، نحن بشر ما بعد الحداثة، موضوعيِّين؛ بل إنَّ ذلك، أي الموضوعيَّة Objectivity، ترتبط بالاِختلاف في المضمون النظريّ، والمنظور النظريّ لمفهوم الموضوعيَّة بعامَّةٍ. ولا يتوفَّر الاِختلاف على شرط إمكانه إلاَّ عَبرَ اِتجاهات ومدارس فلسفية- وعلمية، تضع، في كل ضرب من تناول موضوعات العالَم والوجود والكون والمجتمع والإنسان، مضامين جديدة ومنظورات جديدة في الموضوعيَّةِ، واِنطلاقًا منها.
نشأة الهرمنيوطيقا
ترتبط الموضوعيَّة تارةً بالتخلي عن الأفكار المسبقة (إمبيريقية)، وتارةً أخرى بأخذ مسافة من الذَّات (التجريبية)، وتارةً ثالثة بوصف وتصنيف الواقع المُعطى (الشيئية)، ومرَّةً باِستخراج الفهم من الواقع الذي يختفي (الفينومينولوجية)، ومرةً أخرى بالاِنطلاق من ثُلاثيَّة الفهم (الفينومينولوجيا- هايدغر)، ومرَّةً ثالثة بأخذ الواقعيَّات عَبرَ الحدس وبناء الحدس على مفاهيم قبلية (فينومينولوجيا إدموند هوسرل)، وإلى آخره من المضامين والمنظورات التي من شأن الفهم والتي تقدمها المدراس [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]. إنَّ [في- كُلِّ- مَرَّةٍ] هذه إنَّما هي الاِختلاف دائمًا في تأسيس أساس الموضوعيَّة في علوم الفهم، أي الفلسفة وحقول الفهم فيها، من جهة، وعلوم المجتمع والإنسان، من جهةٍ أخرى.
[I] في المنهج، والمحطات المَنْهَجيَّة:
ولكن، إذا كان المنهج الإجابةَ عن التَّساؤل: كيف نفهم؟ فإنه سيكون منهجي في فهم الزمان والمكان داخل إشكاليَّة إتيان النص المقدس بعامَّةٍ إلى مستوى الواقع المجتمعيّ المحسوس، قائمًا على تفكيك إبستيمولوجي- سوسيولوجي، يمارس ثلاث محطات [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]:
-I البحث عن المكان والزمان داخل إشكاليَّة إسلامية المعرفة،
-II تفكيك الاِفتراضات والتصورات الخاصَّة بإشكالية إسلامية المعرفة حول المكان والزمان، وكيفيَّة فهمهما،
-III تفحُّص تغييب المكان والزمان داخل إشكاليَّة إسلامية المعرفة.
وعلى ذلك أبني الإشكاليَّة هنا، أي إشكاليَّة النص المقدس في علاقته الديالكتيكية بالواقع المجتمعيّ المحسوس بواسطة التوقف عند الدرجات الآتية:
الدرجة الأولى من بناء الإشكاليَّة:
إنَّ النصَّ في كل مرةٍ هو ميتافيزيقاه أو لا يكون. أي هو معنىً وكيف أنْ يحدِّدَ النصُّ من جديد، وعلى نحو وجودي أصيل، طبيعةَ الأشياء في العالَم، ووجودها. إنَّ ميتافيزيقا النص ليست من جنس ميتافيزيقا الأفكار، بل هي ممَّا يمكن أن يُتضمَّن على نحو أنطولوجي. وهكذا، فإنَّ ميتافيزيقا النصِّ هي، على هذا النحو أو ذاك، تشتمل على أنطولوجيا النصّ. إنَّنا لا نفهم النص إلاَّ بقدر أن نكونه في كينونتنا الأصليَّة. أي على تلك الأرضيَّة التي عبرها يمكن لشيء ما، ولفكرة ما، أن يكونا، قبلَ أن يكونا حتَّى.
الدرجة الثَّانية من بناء الإشكاليَّة:
إنَّ النصَّ من حيثُ إنَّه ميتافيزيقاه، في كل الأحايين، إنَّما هو يتمثَّل بقدر ما لا يُؤخَذُ بوصفه فكرةً متجسِّدةً في الخارج فحسبُ. إنَّه وَحدة الذَّات والموضوع، شرطَ ألاّ يُفهم الموضوع ههنا من جهة كونه خارجًا فحسبُ. إنَّ [النصَّ- الموضوع] ههنا إنَّما هو يتخارج، أي يأتي إلى مستوى الخارج من حيثُ إنَّه يتوفَّر على إمكانِ أن يُصبح فعلاً- ممارسةً واقعيَّة. لذا لا يُؤخَذُ النص من ثُنائيَّة [الداخل- والخارج] والاِنطلاق من طَرَفيها؛ بل من وحدة طرفيها. أي هو يكون بقدر ما يمثل وحدة الداخل، داخل النص، والخارج، خارج النص.
الدرجة الثَّالثة من بناء الإشكاليَّة:
يأتي النص إذن إلى الخارج. وفي جملة الضروب التي يتخارج بتوسُّطها، نحن ننظر إليه بوصفه واقعًا عند ثلاثة ضروب فهم، على أقل تقدير:
يُفهم النص من جهة ما هو عليه، كما هو عليه،
يظهر النص من حيثُ إنَّه متوفِّرٌ على قابلية القراءة وإعادة القراءة
يتمظهر النصُّ (أي يُحدَّد ظهوره قَبلَ ظهوره على نحو ما ليس هو، أو متضمِّنًا ما ليس هو) بتوسُّطُ أنَّهُ يتصيَّرُ: إمَّا آيديولوجيا Ideology بعينها، وإمَّا واقعًا يوتوبيَّاًUtopia ، وإمَّا واقعًا ريتروتوبيَّاً Retrotopia (عودة اليوتوبيا في كل مرةٍ).
لكنَّهُ لا يُترك هكذا كيفما إتُّفِقَ عليه فحسبُ؛ بل هو ينفتح على كونه يتوفَّر على قابلية الفهم- وإعادة الفهم، من جديد و[في- كُلِّ- مَرَّةٍ].
الدرجة الرَّابعة من بناء الإشكاليَّة:
إنَّ ما يعيِّنُه النصُّ، وما يتَّجه نحوه على الدوام، أي الواقع، إنَّما هو إمكان الواقع، ووقوع الواقع في البِنى المجتمعيَّة الأساسيَّة الثلاث (بِنيَة الثقافة- وبنية الاِقتصاد- وبنية السياسة). إنَّ [النصَّ- في- الخارج] (أي الواقع وقد صار متضمِّنًا للنصِّ) إنَّما هو الواقع المجتمعيّ الكُلِّيّ.
الدرجة الخامسة من بناء الإشكاليَّة:
إنَّ النصَّ يشتمل على الحقيقة؛ أي على حقيقةٍ في حدودها الأنطولوجية. ولكن من جهة أن موضوع الأنطولوجيا مفهومٌ أو لا يكون، فإنَّ بناء مفهوم [الحقيقة- عَبرَ- النصِّ] إنَّما هو [بناءُ- الحقيقة- في- كل- مرةٍ]، أي بناءُ حقيقةٍ هي الحقيقةُ في كلِّ مرة ضمن وَحدةِ الإمكان الذاتي والشَّرط الموضوعي. وإنَّ ذلك يشير على نحو مباشر إلى الحقيقة عَبرَ وحدة الذَّات- والموضوع؛ ومن بعدُ، وحدة الفكرة- والمعاينة.
الدرجة السادسة من بناء الإشكاليَّة:
إنَّ ثُنائيَّة [الفهم- وحقل الفهم] إنَّما هي تسلك على نحو إبستيمولوجي إزاء النصَّ، ومن بَعدُ، متَّجِهَةً نحو الواقع، سلوكًا يرتبط، في تواشج بنيوي أصليّ، بما أسميه [إمكان- الفهم- من- جديد]. وهذا الأخير يقوم على [لا- نهائية- الفهم] من جهة كونه بناءً في التَّساؤل عن موضوعه. ومن جهةِ أن الفهم يرتبط بشبكة من مصادر المعنى، وبوصفِ أن المعنى لا يمسك به إلاَّ بعد الظفر بما يتجسَّد منه في الخارج؛ فإنَّ الواقع ههنا يُؤخَذُ من وَحدةِ الداخل والخارج؛ أي داخل الواقع بوصفه ظاهرًا Reality as Phenomenon، وخارج الواقع بوصفه وقوعًا- حدوثًاReality as Occurrence ، أي الواقعة The Fact.
وبناء على وحدة الإشكاليَّة في درجات بنائها التي تكشف عن التواشج البنيوي بين المفاهيم موضع البحث والمساءَلة ههنا، ستكون الفرضيات البنائية في فهم النص ضمن الدِّين بعامَّةٍ، اِنطلاقًا من أن “الفرضيَّة قضية قابلة للدحض، أو لا تكون”[1]، بثُلاثيَّة [الفهم- والتفسير- والدلالة]، على النحو الآتي:
الفرضيَّة الفاهِمَة الأولى: إنَّ إشكاليَّة إسلامية المعرفة تأخذ النص عَبرَ الاِستعمال الآيدولوجي له؛ وبذا هي تحجب إمكانات التَّساؤل الحُرِّ عن ميتافيزيقا النص، بوصفه نصَّاً عالميَّاً.
الفرضيَّة المفسِّرة الأولى: ترتبط إمكانات الفهم في إشكاليَّة إسلامية المعرفة بدائرة مغلقة ترسمها ضروب الفهم من التُّراث العربيّ وإليه؛ ولا تفتح إمكانَ الفهم عَبرَ العلاقة مع العالَم؛ أي التَّعَولم. لذا، لا يرتبط الفهم في إسلامية المعرفة ببناء التَّساؤل الفلسفي، بل بإجابات جاهزة ومغلقة قَبلَ أن تقوم التَّساؤلات الفلسفيَّة- الهرمنيوطيقية حتَّى.
الفرضيَّة الدَّالة الأولى: من أجل وضع الحدود النظريَّة الدقيقة على حقول الفهم المختلفة في الفلسفة، أخذت إشكاليَّة إسلامية المعرفة صورةً من صور إشكاليَّة التُّراث والحداثة في الفكرالعربي؛ وعبر ذلك أصبحت، كما هو حال إشكاليَّة التُّراث والحداثة، عقبة معرفية في وجه بناء التَّساؤل عن النص، والتفكير به، وبالتالي فهمه. إنَّها عقبةٌ إبستيمولوجيَّة- أُنطولوجية في وجه قيام تساؤل العلم الحديث وما بعد الحديث في الواقع المجتمعيّ في بلداننا العربيَّة بعامَّةٍ.
الفرضيَّة الفاهِمَة الثَّانية: البحث في إسلامية المعرفة، اِنطلاقًا من معادلات الفهم القَبليَّة Priori فيها، هو البحث عن الهُويَّة الخاصَّة والمحلية التي تُميِّزُ الشرق (واِختزاله في الإسلامي منه) عن الغرب؛ ولا ثَمَّةَ إمكانات علميَّة حديثة فيها سوى الحفاظ على الهُويَّة الأصيلة، وإمكانات ذلك. المسألة فيها ليست مسألة فلسفية، بل سياسية- آيديولوجية.
الفرضيَّة المفسِّرة الثَّانية: تسييسُ المعرفة وأدلجة المعرفة هما الممارستان اللتان تمارسهما إسلامية المعرفة بواسطة اِختزال كل المعارف العِلميَّة والفلسفية بالعودة إلى النص الديني. هذه الفرضيَّة تكشف عن إمكانات ثلاثة يمكن التَّساؤل عنها: -I إتخاذ موقف ديني من معرفة إنسانية عالَميَّة، -II ترسيم الخطوط العامَّة للفكر في حقل الدِّين، بالاِنطلاق منه والعودة إليه والبقاء فيه؛ أي الاِنغلاق الفكري، -III والآيديولوجيا فيها ليست دينية، بل هي قائمةٌ على ضرب من ضروب الفهم الذي من شأن الدِّين. وعلى ذلك، فإنَّ إسلامية المعرفة تنقل الفكر من إمكانِ الفهم في كل مرَّةٍ إلى الحقيقة الواحدة، الأولى والأخيرة، القائمة على النص.
الفرضيَّة الدَّالة الثَّانية: حُجُبُ إسلامية المعرفة تخلق عقبات إبستيمولوجيَّة- ميثودولوجية في وجه التفكير الهرمنيوطيقي الحديث. وعلى ذلك، قَبلَ أي هرمنيوطيقا تريد أن تكون منفتحةً على ذات أنفسنا العميقة، تاريخنا وتراثنا ودولتنا ومجتمعاتنا، نحن العرب، لا بُدَّ من أنْ يتمُّ تفكيك هذه الإشكاليَّة، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ.
[II] درجات تخصيص التَّساؤل عن النص:
إبستيمولوجيَّاً، يحضر الزمان عَبرَ ثُنائيَّة [الدياكرونيك- والسينكرونيك] أي عَبرَ الاِنطلاق في فهم الماضي، من الماضي، أو من الحاضر. تعاقبيَّاً أو تزامنيَّاً. وفي عبارة دقيقة، يمكن أن ينطلق التَّساؤل في فهم النص من الماضي إلى بناء الحاضر (تعاقبيَّاً)، أو يمكن أيضًا أن يُبنى الفهم، فهم النص، بالاِنطلاق من الحاضر إلى بناء الماضي.
كما يحضر المكان عَبرَ ثُنائيَّة [عالَميَّة المعرفة العِلميَّة والفلسفية الحديثة- وخصوصيتها].
أُنطولوجيَّاً، يحضر المكان والزمان عَبرَ ثُنائيَّة [الهُوية- والذَّات].
وإثيقيَّاً، يحضر الزمان والمكان، في فهم النص المقدس بعامَّةٍ، عَبرَ ثنائية [أخلاق الـ- ينبغي- أن- يكون- وأخلاقُ الواقعِ علينا كما هو يُقدِّمُ نفسه من ذات نفسه]. أي لوحة الخير- والشر وقد صارت ممارَسَةً عَبرَ الفعل في الواقع.
وسوسيولوجيَّاً، يجد الزمان والمكان موقعهما في المجتمعيِّ The Societal عَبرَ التنشئة المجتمعيَّة، أي إعادة إنتاج المؤسسة المجتمعيَّة لذاتها، عَبرَ ثُلاثيَّة [الاِنتماء إلى- وصيرورة بناء الهُويَّةِ- والبحث عن المعنى داخل الفعل المجتمعيّ والفعاليَّة المجتمعيَّة] (ماكس فيبر- يورغن هابرماس- أكسل هونيث)[2].
وهكذا، بدءًا من الهرمنيوطيقا الحديثة، يُصبح النص مفتوحًا، لا لأنه، كما أشار آركون ذات مرة[3]، بوصف النصُّ متوفِّرًا على المعاصَرة، بل على النحو الذي يذهب فيه النص إلى مستوى ألاَّ يكون نصَّاً مقدَّسًا إلاَّ، وفقط إلاَّ، لأنه يتوفَّر على إمكان أن يأتي إلى مستوى [التعدُّد- في- الفهم] الذي من شأنه. أي ضمن هرمنيوطيقا واقعانية- وفينومينولوجيا فعلٍ تذهبان إلى معاصَرةِ النص لنا، وقد صارَ واقعًا مُعاشًا (أو معيوشًا). أي مصدرًا من مصادر المعنى التي للفعل المجتمعيّ ضمن صيرورة الذَّات الفاعلة مجتمعيَّاً؛ أي التذوُّت.
حينما أشير إلى هرمنيوطيقا واقعانية، لا واقعيَّة، أميز بين ضربين من تناول الواقع: الضرب الأول، أي الواقعيَّة، يرتبط بأخذ الواقع كما هو، أي كواقع محسوس خام يُقدِّمُ نفسه للفكرة العِلميَّة كي يُبنى ضمن المفاهيم الحديثة وما بعد الحديثة، والضرب الثَّاني، أي الواقعانية يشتمل على معنى التجربة المُعاشة والوعي بالواقع المحسوس الذي، أي الوعي، قام ويقوم على الدوام بوصفه دالَّاً إلى منحى فهم، ومنطق فهم، واِتجاه فهم بعينه. وهكذا تُصبِح فينومينولوجيا الفعل، الفعل نحو الخارج، قائمةً على الوعي بمصادر تذوُّت الفعل في الخارج المجتمعيّ.
[III] في تخصيص التَّساؤل عن إشكاليَّة إسلامية المعرفة:
تقع إشكاليَّة إسلامية المعرفة، في الفكر العربيّ الحديث والمعاصر، في موقع الفكرة. وكل فكرة إنَّما هي تتوفَّر على إمكان أن تُتساءَل. إنَّها من جهة كونها كذلك، هي تُقدِّمُ نفسها على أنها في موضع المُتساءَل عنه، اِنطلاقاً من مختلف الحقول العِلميَّة الحديثة.
متى فُهمت هذه الحقول، داخل [حقل- الفهم] الخاصّ بالفلسفة، فلسفيَّاً، يعني ذلك أننا يمكن أن نتساءَل عنها بواسطة التصوُّرات والاِفتراضات، عند مستوى الموضوع العلميّ، من جهة، والأساليب والطرق والتقنيات والأدوات، عند مستوى المنهج العلميّ، من جهةٍ أخرى.
عند ذلك، يقوم التَّساؤل، في حقل كبير من الاِختلاف والتعدُّد والتنوع، على حقول الفلسفة الخمسة، أي الميتافيزيقا، والإبستيمولوجيا، واللوجيكا، والإثيقا، والبولتيكا؛ وفي بعض الأحايين، يمكن إضافة الإسثتيكا، إليها.
وبالطبع، لا يمكن اِختزال النَّظرة- الرؤية في منطق الفهم، داخل التَّساؤل العلميّ الحديث، في حقل دون غيره. لكن، من جهة أن التَّساؤل لا يقوم إلاَّ بضروب تحديد صريحة من قِبَلِ ثُلاثيَّة [السابق إلى التَّساؤل- والمنظور الذي من شأن التَّساؤل- وما عنه يتساءَلُ التَّساؤل]، فإنَّ تخصيص [حقل- الفهم] الخاصّ بالتساؤل إنَّما هو المهمة الأولى التي يضطلع بها التَّساؤل العلميّ الحديث، أي تساؤل علمي حديث.
على ذلك، يقوم التَّساؤل عن إشكاليَّة إسلامية المعرفة على ميتافيزيقا سابقة إلى أسلمة المعرفة، في كل ضروب إنتاجها للفرضيات والاِفتراضات الخاصَّة بها، من جهة أولى، وعلى إبستيمولوجيا تبحث عن الضروب الآيديولوجية، أي مواقف فهم الوجود، والعالَم، والكينونة، والمجتمع، والإنسان، التي تحتجب داخل الإشكاليَّة، من جهة ثانية، وعلى الوعي بمنطق الفهم الضابط لكل ضروب [الإنتاج- والبناء- والتحديد] التي تُمارِسها الإشكاليَّةُ عَبرَ الممارسات العِلميَّة، أي الأبحاث والدراسات، وتُمارَس بها، من جهة ثالثة.
وفقًا لذلك، بأيَّةِ معان يمكننا أن نعيِّنَ الأرضيَّة الميتافيزيقية للتساؤل؟ وعلى أي نحو يمكننا أن نفهم تساؤل الفهم داخلها؟
[IV] تعيين التَّساؤل الميتافيزيقي داخل الإشكاليَّة:
التَّساؤل عن التواشج البنيوي بين عناصر ومُكَوِّنات إشكاليَّة إسلامية المعرفة في الفكر العربيّ الحديث والمعاصر، يقوم على التَّساؤل عن البِنيَة والصيرورة اللتين من شأن الإشكاليَّة. وفي هذا السَّبيل، علينا أن ننطلق من بناء محطات بناءِ [التَّساؤل- والتفكير- والفهم] الإبستيمولوجيَّة التي يُمكن وفقًا لها أن نستخرج الأرضيَّة الميثودولوجيَّة التي تضبط الدراسات والأبحاث في، وحول، موضوعات هذه الإشكاليَّة الأكثر إشكاليَّةً في المجتمعات العربيَّة، منذ قرنين من الزمان الكرونولوجي.
إنَّ التَّساؤل الميتافيزيقي، والحال هذي، إنَّما هو ذاهبٌ نحو التفحص البنيوي لفهم العالَم داخل هذه الإشكاليَّة. أو في عبارة صريحة، هو يُقدِّمُ نفسه على النحو الآتي: ضمن أي تصوُّرٍ للعالَم، والعالميَّة، يقبع فعلٌ معرفي حديث يريد أن يُديِّنَ (من الدِّين) المعرفةَ؟
ومن جهة أنَّ تساؤلاً من هذا النوع لا يمكن أن يُفهم، في موضوعه ومنهجه، ومنظور الحقيقة داخله، إلاَّ عَبرَ الكشف عن موضوعه، أي المعرفة العِلميَّة الحديثة، فإنَّهُ علينا أن نستجلي بداهات المعرفة العِلميَّة الحديثة، وما بعد الحديثة، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ.
[V] البداهات المنطقيَّة التي من شأن المعرفة العِلميَّة الحديثة:
إبستيمولوجيَّاً، أي اِنطلاقاً من الفلسفة بالعلوم الحديثة، والمعرفة العِلميَّة والفلسفية الحديثة، وما بعد الحديثة، يمكننا أن ننطلق من بداهات هي، على أقل تقدير، الآتية:
البداهة الأولى: بناء الفهمِ The Understanding Construction على قاعدةِ [التعدُّد- في- الفهم]. معنى ذلك أن كل فهم إنَّما هو يقوم على ثُنائيَّات المعرفة الحديثة. أي ثُنائيَّة [الذَّات- والموضوع][4]، وثنائية [الفكرة- والملاحظة(أو المعاينة)][5]، وثنائية [الفهم- وحقل الفهم][6]. يَنتجُ عن ذلك، اِتجاهات علميَّة (الاِستقراء والاِستنباط)، ومدارس تجسِّد الاِتجاهات العِلميَّة، وتوجهات آيديولوجية مختلفة ومتعددة ومتنوعة داخل المدارس العِلميَّة.
ويمكن أن نضيف أننا، بعد جان فرانسوا ليوتار[7]، نعيش في عصر سقوط السرديات الكبرى، أي عصر اِنهيار الليبرالية، والماركسية، والقومية، والدينية.
البداهة الثَّانية: لا ثَمَّةَ حقيقة؛ هناك حقيقة في كل مرةٍ، أو لا تكون. إذن:
-I الإجابة هي دائماً قَبْلِيَّاً اِفتراضٌ على هذا النحو أو ذاك،
-II المعرفةُ حدُّ المعرفةِ، أو لا تكون.
البداهة الثَّالثة: ليس يمكن الحديث عن الواقع الواقعيّ، لأنه، ببساطة، لم تعد إمكانات الإحاطة به متوفرةً؛ بل يمكن الظفر بفهم جديد [في- كُلِّ- مَرَّةٍ] عن الواقع. إذن، لا ثَمَّةَ واقعيَّات يمكن أن تكون أساسًا للتعميم العلميّ الحديث. لأنَّه، بعدَ جان بودريار، وأطروحة موت الواقع[8]، نحن، في الحقيقة التي هنا، أي هذه المَرَّة، كائنات تفهم الواقع على نحو مختلف. فإذن لا ثَمَّةَ وحدة الواقع. وحدةُ الواقع هذه ضرب من الفهم الآيديولوجي؛ ولا يُتوفَّر عليها، في أغلب الأحايين، إلاَّ كوجهة نظر. ولكن، المعرفة العِلميَّة والفلسفية لا تقوم على وجهة نظر؛ بل على نظريَّات ومفاهيم وأبحاث ودراسات تمارس المحطات الموضوعيَّة في بناء وإعادة بناءِ [موضوع- العلم]، والفلسفة، وتمارسُ، من جهةٍ أخرى، المحطات الميثودولوجية في بناء وإعادة بناء منهج العلم والفلسفة.
البداهة الرَّابعة: نحن، أي المجتمعات العربيَّة، ضربٌ من ضروب التعدُّد الثقافي في وحدة الثقافة العالَميَّة.
بناءً على البداهات الأربع هذه، يمكننا أن نتساءَل مباشرةً عن ماهيَّة الموضوع الذي تدور النقاشات حوله، داخل إشكاليَّة إسلامية المعرفة. ونقول: على أيِّ مفاهيم، ولغة مفاهيم، وبالاِعتماد على أيَّة نظريَّات، ومضامين، ومنظورات، يتمُّ تحديد موضوع إشكاليَّة إسلامية المعرفة؟ كيف ولماذا؟
[VI] الموضوع في الإشكاليَّة هو الآيديولوجيا:
إسلامية المعرفة فكرةٌ يمكن، اِنطلاقاً من سوسيولوجيا المعرفة أن نتساءَلَ عنها، باِعتبارها نتاج الاِنتقال داخل حقل الدِّين من الدِّين بوصفه مصدرًا روحيَّاً للوجود المجتمعيّ، الذي من شأن الذَّات الفاعلة مجتمعيَّاً، إلى الدِّين من جهة كونه آيديولوجيا ضابطة للفعل المجتمعيّ في أن يكون ضمن طبقات أربعة من شأن مفهوم الآيديولوجيا، هي، على أقل تقدير، الآتية:
I- مفهوم [النموذج- المثال Ideal-Type] للفعالية المجتمعيَّة، والفعل المجتمعيّ داخلها،
II- حركة مفهوم الآيديال داخل الفعل المجتمعيّ، أي الذي ينطلق من داخل الفعل والذاهب نحو الخارج المجتمعيّ، مرورًا بضروب تحديد المؤسسة المجتمعيَّة له،
III- مفهوم الرؤية الكُلِّيَّة والشاملة للوجود والكينونة والعالم والمجتمع والإنسان،
IV- مفهوم الاِصطناع والفبركة على صعيدَيْ موضوعيَّة الواقع، وذاتية الفكرة؛ أي خارجانية الموضوع، وداخلانية المفهوم.
وبالتالي، بداهة حضور الآيديولوجيا، بوصفها الأصول المجتمعيَّة للمعرفة، داخل كل ضرب من ضروب إنتاج المعرفة البشرية. لذا، نكون، على نحو ميثودولوجي، أمام إشكاليَّة تُقدِّمُ نفسها على أنها إشكاليَّة آيديولوجية. لكن، ما هي عناصر الآيديولوجيا المجتمعيَّة داخل إشكاليَّة إسلامية المعرفة، بعدَ الكشف عن بداهات منطقيَّة- إبستيمولوجيَّة تقوم الإشكاليَّة عليها[9]؟
[VII] إشكاليَّة إسلامية المعرفة إشكاليَّة آيديولوجية:
علينا أن نميز بين إسلامية المعرفة وأسلمة المعرفة، من جهة، والمعرفة الإسلامية، من جهةٍ أخرى.
تتضمن المعرفة الإسلامية ضرب من ضروب ممارسة إنتاج المعرفة، يقع كإمكان بين إمكانات أخرى (مثلاً: المعرفة الماركسية، والمعرفة الليبرالية، والمعرفة القومية، والمعرفة النسوية…إلخ). فيما تتضمن عملية إسلامية المعرفة، وأسلمة المعرفة ضرباً واحداً صريحاً يريد أن يذهب إلى أن تكون معرفةٌ ما هي المعرفة الأصلية لكل المعارف الممكنة. أي تلك التي تُمَكِّن المعارف الأخرى من أن تكون كذلك. وبذلك، هي تتضمن كل ضروب إمكان التساؤل والتفكير والفهم التي من شأن إنتاج وبناء وتحديد المعارف الأخرى.
بالتالي حينما نقول أسلمة نذهب إلى مستوى فعل معرفي يقوم على فعالية معرفية، وحقل معرفة، ومؤسسة معرفة، وبالتالي مجتمع معرفة بعينه تضبطه جملة قواعد، وضوابط تتحكم بإمكانات وعمليات إنتاج المعرفة. وبواسطة ذلك، هي تنتج حقل المعرفة، وحقل الفهم، أي حقل الحقول الذي يتضمن كل الحقول المعرفية الممكنة.
وحينما نقول المعرفة الإسلامية نقول أن ثمة معرفة ما، قد تطرح نفسها، أو تضع نفسها في مواجهة، ضمن الصراع المعرفي حول مفهوم الحقيقة، وإمكانها، مع المعارف الأخرى، والاِتجاهات المعرفية الأخرى، والمدارس المعرفية الأخرى، والتوجهات الفكرية داخل المدارس المعرفية الأخرى.
إن ذلك يشير مباشرةً إلى ثلاث بداهات ميتافيزيقية- ميثودولوجية، على أقل تقدير، من خلالها تمارس إشكالية إسلامية المعرفة كل ضروب الفبركة والحجب والاِصطناع، على صعيد فهم الواقع المجتمعي العربي، وفهم المفاهيم العلمية الحديثة وما بعد الحدثية. هذه البداهات، هي الآتية:
I- بداهة تقسيم العالَم إلى عوالِم متنافرة، ومتصارعة، وتجاوز وحدة العالَم والعالمية الحديثة،
II- بداهة وحدة الحقيقة القائمة على ثيولوجيا تجيب حتَّى قَبلَ أن يقوم التَّساؤل،
III- بداهة تديين (من الدِّين) البِنى المجتمعيَّة الأساسيَّة الثلاث: بِنيَة الثقافة (في المعنى الكُلِّيّ- المعقد لها)، وبينة الاِقتصاد (وثلاثية الإنتاج والتبادل والتوزيع)، وبنية السياسة (وثلاثية السلطة، والمشروعية القانونية، والشرعية المجتمعيَّة).
[VIII] ولكن ماذا نعني بأنَّ إشكاليَّة إسلامية المعرفة إنَّما هي إشكاليَّة آيديولوجية؟
هل نعني بذلك أن هذه الإشكاليَّة دون غيرها هي إشكاليَّة آيديولوجية؟ وهل أنها تشتمل على مواقف آيديولوجية نابعة من أفهام مغلقة، في حين أن الإشكاليات الأخرى لا تتضمَّنُ ذلك؟
في الحقيقة، أن نقول أنها إشكالية آيديولوجية دون غيرها، فإن ذلك كلام يقع، وغيره من ضروب إمكان إنتاج الكلمة ضمن تصور ماركسي[10] مغلق لمفهوم الآيديولوجيا (أي إنها مأخوذةً وفقًا للتصور المادي للتاريخ، دون التصورات والاِفتراضات والأفكار الأخرى). ولكن، لا ثمة معرفة من دون حضور الآيديولوجيا فيها، على هذا النحو أو ذاك. إننا حينما نقول آيديولوجيا داخل المعرفة نشير مباشرةً إلى الأصول المجتمعية التي تُسهم في إنتاج المعرفة، وتشارك في تحديد ماهيتها، وبنيتها، وتحدد نمطاً بعينه من أنماط المعرفة.
علينا أن نعيد بناء التساؤل، وفقاً لذلك، من جهة مفهوم آخر هو الفهم المغلق. أو الفهم الذي يذهب نحو بناء الجماعة- الهوية. إنه الفهم الذي يريد أن يحجب إمكان الفهم. ذلك الفهم الهَوَوِيُّ الذي يجعل منا كائنات منفصلة عن العالَم.
حينما نتساءل بهذه الطريقة، يمكننا أن نضع الفرضيات التفسيرية الدالة الفاهمة الآتية:
يجب أن نميز بين نفي وجود المعرفة، وبين نفي إمكان المعرفة؛ ثَمَّةَ إمكان للمعرفة في أن تُبنى اِنطلاقاً من الإنسان؛ بوصفنا- نحن الإنسان في مجتمعات تتلقى المعرفة العِلميَّة الحديثة وما بعد الحديثة من بلدان العلم في الغرب- شكلاً من أشكال ممارسة فكرة الإنسان في عصر الإنسان هذا. إنَّنا في عصر الإنسان على الرَّغْمِ مِنْ أنوفنا؛ شئنا ذلك أم أبينا، لا فرق. حينما نضع هذه البداهة في أعلى درجة من درجات سلم الإعلان عن ذات أنفسنا العميقة بوصفنا كائنات ننطلق من ثقافة، أي شكل من أشكال الثقافة، عالميَّاً، إلى العالَم، نحدِّدُ على نحو صريح أنَّ لا ثَمَّ إمكانًا لمعرفة تُضاف إلى حقل المعرفة العِلميَّة الحديثة تنطلق من الدِّين، أي دين كان. لا يمكن إنتاج معرفة ما، أي شكل من أشكال المعرفة، وممارستها، إلاَّ بواسطة ثُلاثيَّة [إدراك المعرفة- وفهم المعرفة- ووعي المعرفة]. أي تلقي المعرفة من الخارج، ومن بَعدُ تفكيكها إلى أجزاء مفهومة، ومن بَعدُ وضعها في موقع معرفي يخصها؛ أي وضعها بواسطة فهمٍ حاكِمٍ ضمن حقل فهم بعينه.
وهكذا، متى قلنا أسلمة المعرفة، وإسلامية المعرفة، نكون واقعين في علميات نسخ، وتكرار، واِجترار لمعارف تقع خارج الزمان الأُنطولوجي- المجتمعيّ الذي من شأن مفاهيم المعرفة العِلميَّة الحديثة وما بعد الحديثة. وحينما نقول معرفة إسلامية تتضمَّنُ آيديولوجيا إسلامية تريد أن تواجه كل ما سواها نقول أشياء معرفية أخرى قد تكون خارج موضوع المعرفة الحديث؛ أي بهذا القول نقع، على هذا النحو أو ذاك، خارج تاريخ المعرفة، بوصفه، [ههنا- و- الآن]، صار صناعة، وخلقاً، وإنتاجاً. وهذا لا يعني، على الإطلاق، أن موضوعات إنسانية ومجتمعية، في مجتمعات إسلامية، تخرج عن ماهيَّة موضوع المعرفة العِلميَّة الحديثة. لا؛ إنَّ ذلك، وما نقوله، يرتبط بالأرضية الأُنطولوجية- والإبستيمولوجية- والميثودولوجية التي من شأن دراسة هذه الموضوعات، والتساؤل عنها، والبحث فيها، والنقاش حولها؛ وليس يتعلَّق بماهية الموضوعات هذه، وحضورها العميق في الواقع المجتمعيّ المحسوس.
لأنَّ، وفقط لأنَّ ثَمَّةَ مُكَوِّنات أساسيَّة هي، على أقل تقدير، ثلاثة في المعرفة، أيَّة معرفة مهما كانت: المُكَوِّن الآيديولوجي، والمُكَوِّن الإبستيمولوجي، والمُكَوِّن السُّوسيولوجيّ. تقع كل المُكَوِّنات الأخرى التي يمكن أن تُضاف إلى شكل من أشكال ممارسة المُكَوِّنات الثلاثة هذه. وعلى ذلك، لا ثَمَّ بُعداً آيديولوجياً في المعرفة، بل إنَّه مُكَوِّنٌ أساسي في المعرفة. لكن هذه ليست دعوة للسقوط المدوي للمعرفة داخل التَصوُّر الماركسي لمفهوم الآيديولوجيا؛ بوصفه تصوراً آيديولوجياً، وهذا ضمن حقل لغة ماركس نفسه، عن الآيديولوجيا. وفي عبارة صارمة: الفهم الآيديولوجي الأكثر بعداً عن المفهوم إنَّما هو أتى إلينا، أي اِنتقل إلى مستوى وحدة الفهم، بواسطة ماركس، وأدبيات ماركسية لم تستطع أن تصل إلى المفهوم العلميّ في كُلِّيَّتِه؛ أي المفهوم مأخوذًا بواسطة التعدُّد في مضامينه، ومنظوراته المختلفة والمتعدِّدة والمتنوِّعةِ، عَبرَ البِنيَة والصيرورة اللتين من شأنه. أي وحدة المفهوم، وتعدد المفهوم، وصيرورة المفهوم، وبالتالي [حقل- الفهم] الذي من شأن المفهوم بوصفه موضوعاً فلسفياً علمياً حديثاً.
بهذا المعنى، نكون أمام إمكان مفتوح، إلى حين، في أن تنتقل إشكاليَّة إسلامية المعرفة، وأسلمة المعرفة، من كونها إشكاليَّة علميَّة إلى إشكاليَّة يلتبس على أصحابها وممارسيها مفهوم الإشكاليَّة ذاته في حقل مفاهيم العلم الحديث. وهكذا، تُصبِح إشكاليَّة إسلامية المعرفة عقبة معرفية في وجه التعرف إلى، وممارسة، المعرفة العِلميَّة والفلسفية الحديثة.
[IX] الإشكاليَّة- العقبة… أو في الهَبيتوس الخاصّ بالعقل المُنتج للعقبات المعرفيَّة:
يقع الكلام عن أسلمة المعرفة، وتبرير وتسويغها، في مواجهة الكلام عن أن المعرفة العِلميَّة الحديثة هي بدورها تقوم على أرضيَّة آيديولوجية ناتجة عن شروط مجتمعيَّة وتاريخية، أصبحت فيما بعد بنيوية، في بلدان العلم في الغرب. وبالتالي، تريد أسلمة المعرفة أن تُحدِّدَ المعارف، كل المعارف العالَميَّة، بواسطة الاِنطلاق من الدِّين- الإسلام[11]؛ لا في الإجابة فحسبُ، بل حتَّى في ماهيَّة التَّساؤل، وكيفيَّة بنائه، وطرحه، وتحديده، في كل مرَّةٍ من جديد. ما الذي تريد أن تضعه ممارسات تلتبس عليها معاني الممارسة العِلميَّة، على النحو هذا؟
ثمة تصور للعالَم، و[الوجود- في- العالَم] يحتجب بواسطة هذا النوع من الكلام. إنه تقسيم العالَم إلى ثنائيات منهكة مستهلكة لم تعد تقدم إمكاناً لفهم العالَم. ثنائيات من نوع: شرق- وغرب، مفاهيمنا ومفاهيمهم]، لغتها- ولغتهم، علمنا- وعلمهم، فلسفتنا- وفلسفتهم، …وإلى آخره من هذه الثنائيات التي من الصعب تُحصى. ولكن التساؤل الأصلي الذي علينا أن نبنيه، في هذا النوع من تقسيم العالَم، إنما هو يُطرح حول تصنيف العالَم ضمن معلبات فكرية- مفهومية جاهزة. وهو إنما يسحب المعرفة إلى التساؤل عن ماهيتها، انطلاقًا من كوننا كائنات لا نتوفر على إمكان أن نكون خارج العالمية. وههنا، علينا أن نميز بين العالمية التي تخصنا، والعالمية في المعنى العالمي الذي يتضمن معنى الكوزموبوليتانية، والكونية، والمفهوم العلمي- الفلسفي القائم على المشترك الإنساني- المجتمعي[12].
حينما ننطلق من بداهات المعرفة الحديثة، في الوقت الذي نفهم، بداهةً، أن الحداثة مؤجلة إلى التتمة[13]، ويستحيل أن تنتهي، مادام ثمَّ إنسان قادر على أن يقدم فهماً ما، خارج إطار الأوهام- الأصنام التي تتعلق بالاِنغلاق، وخلق جماعة، والتخشُّب ضمن هوية ثقافة ما، مهما كانت، نكون أمام تساؤل جذري يقوده فكر جذري يتضمن الآتي: إذا كانت المعرفة العلمية تقوم على [التعدُّد- في- الفهم]؛ بوصفنا كائنات ثقافية تتعدد، وتتنوع، وتختلف؛ فإنَّ فعل التعدُّد، والاِختلاف، والتنوع، إنَّما هو فعلُ العقل الحديث؛ إذا كان كذلك ماذا يعني عصر [التعدُّد- في- الفهم] في ما بعد الحداثة؟
حينما نذهب إلى، أو نأتي من تفكيك المعرفة، إنَّنا، في الحقيقة، نقول خلق المعرفة، وصنعها، وخلقها، وبناءَها. هكذا، تأخذ كوغيتو رينه ديكارت، ووضع مشكلة الاِستقراء بواسطة بيكون، وكارل بوبر، وإيمانوئيل كانت، موقعاً في إنتاج المعرفة يبلغ مستوى بناء المحطات المَنْهَجيَّة في بناء الموضوع، موضوع المعرفة العِلميَّة- والفلسفية الحديثة. وهكذا، علينا أن نفهم أننا في عصر يتمُّ تحديده بواسطة الإنسان، وتلك الإمكانية الهائلة في أننا لم نقع في الحقيقة، وعليها، ولا هي تقع فينا، وعلينا، إلاَّ حينما تكون الحقيقة، [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، جزءًا من الحقيقة. أو حينما تكون الحقيقةُ إمكانًا من إمكانات إنتاج الحقيقة، لا أكثر.
لقد قام عصر الحداثة على رؤية جديدة بواسطة ثُلاثيَّة [فولتير- رينه ديكارت- وإيمانوئيل كانت]. قدم لنا فولتير نموذجًا- مثالاً Ideal- Type عميقاً في تجاوز الأحاديات إلى مستوى التعدُّد؛ على صعيد بِنيَة الثقافة في الحداثة. أخذنا ديكارت إلى مستوى بناء الذَّات بوصفها إمكانات قيام المعرفة على العقل البشري، واِنطلاقًا منه فحسبُ؛ أي اِنطلاقاً من العقل البشري وإليه. أي في، وبواسطة فعل عقلي- عقلانيّ يقع، في ما بعد بناء الذاتيَّة Subjectivism، في الدرجة الأولى من مستوى الإعلان عن المعرفة بوصفها خلقًا؛ أي من جهة كونها أخذت تُصبِح فعلاً ممكناً قائماً على إمكانات خارج حقل الدِّين؛ كما وضعنا إيمانوئيل كانْت في البؤرة الأكثر توتراً للعقل؛ تلك التي يجد العقل نفسه فيها وحده، ويجب أن ينقذ نفسه وحده. ولا ثَمَّةَ إنقاذ إلاَّ بعد الشعور العميق بالخطر. إنَّنا في عصر خطر، في المعنى الأخص لهذه الكلمة. إنَّه خطر ألاَّ نكون.
حينما نواجه هذا النوع من التصوُّرات والاِفتراضات والأفكار التي تتعلَّق ببناء موضوع المعرفة، بواسطة النص المقدس، أو الحديث، أو السنة، أو التُّراث بوصفه قد جُمِّدَ في طريق- ووجهة- ورؤية سلطةٍ له، أيَّة سلطة مهما كانت، ناهيك عن أننا نمارس قلة لياقة تجاه العقل العالمي، في الحقيقة نحن نضع أنفسنا خارج إطار العقل؛ لا أقصد العقل الحديث، بل العقل بعامَّةٍ. لماذا؟ لأنَّ الوظيفة الأساسيَّة للعقل أي إنتاج [الإدراك- والفهم- والوعي] يتمُّ توجيهها نحو موضوع ليس من صناعة العقل البشري. وهكذا نسقط في بئر مظلم تريد مؤسسة الدِّين، الدِّين كما تراه مؤسسة قد صارت وقامت وفقاً لعقل بشري، في النهاية، أن يبقى، أي الدِّين، محتجباً عن الفهم. إنَّ ذلك لهو أمر يقع في صلب مهام سوسيولوجيا السياسة، والمعرفة.
[X] الصراع على هَويَّة المعرفة:
ولكن، ما الذي يجعل من أسلمة المعرفة، وشعارات الإصلاح السياسي التي تنطق من هذه الإشكاليَّة، أن تظهر على المسرح، في لحظات معرفية ثلاث هي: عصر النهضة العربيَّة، لحظة الصحوة الإسلامية، ولحظة تجديد وإصلاح الدعوة الإسلامية؟
التساؤل هذا يرتبط بتساؤل يختفي وراءه. إنه التساؤل الذي يبحث، أي يسحب إلى مستوى المساءَلة موضوعاً آخر هو الآتي: ما هي هوية المعرفة بعد أن تمت مصادرة هوية المعرفة؟
أخذ عصر النهضة العربية على عاتقه بناء إجابات أكثر من بناء تساؤلات متفحصة. نجد ذلك في أعمال الطهطاوي، والأفغاني، ومحمد عبده،… وإلخ. وهكذا هو، بوعي أصحابه، ورواده، ومؤسسيه، أو من دون وعيهم، يقع ضمن معادلة فارغة من المضمون والمنظور الجديدَين، لم تضف إلينا، أي إلى كينونتنا من جهة كوننا عالميين، أي شيء. إنها الآتية: كيف يمكن، اِنطلاقاً من التراث العربي الأصلي، أو من الحداثة الغربية الأصلية، النهوض بواقعنا؟
في الحقيقة، هذا التساؤل لا يمكن أن يجاب عنه بواسطة أي شيء غير البحث العلمي، وبناء موضوع العلم، وبناء منهج العلم، بالذهاب، مباشرة إلى الواقع المجتمعي الواقعي المحسوس. وهذا ما غاب كليَّاً عن مجتمع علماء عصر النهضة. والأمر ليس يختلف كثيراً في ما يتعلق بمفكري العرب، وعلمائهم المعاصرين. إن حداثة الفكر العربي مسألةٌ لم تُطرح، على نحو صريح، ضمن حقل الفهم الخاص بالواقع المجتمعي العربي، ههنا والآن؛ لا دياكرونيكيَّاً ولا سينكرونيكيَّاً. كل ما نجده يتضمن ضرباً من ضروب بناء شيء ما، على هدي التراث أو الحداثة لا فرق، من أجل القفز على الواقع، إما ضمن آيديولوجيا الواقع، أو ضمن يوتوبيا الواقع؛ أو ضمن معادلات مناهضة لديستوبيا الواقع[14]. لقد وضعت، في كتابي الأخير، “المعرفة والآيديولوجيا”، جملة الفرضيات المفسرة الدالة الفاهمة لهذا الأمر[15]. إننا، بوصفنا كائنات مفكرة- متسائلة- عارفة، أو تريد ذلك، قد وصلنا إلى مستوى مواجهة الخطر، والشعور به. إننا نشعر بأنَّ لا ثمة طريقًا قد وجده مجتمع علماء- فلاسفة عصر النهضة يفتح أفق الفهم، أي يفتح إمكانات موضوعية لبناء الفهم بالواقع المجتمعي العربي، من جهة، وبالمفاهيم العلمية- الفلسفية التي تأتي إلينا من بلدان [العلم- والإنسان- والقانون] في الغرب، من جهة أخرى.
هكذا، تجدنا كائنات قلقة. وهذا إمكان عميق من أجل [أن- نكون]. لأني أميز بين القلق الذي يصيبنا من المعرفة العامية- العادية- اليومية، والمعرفة التي من شأن العلم، والفلسفة، في المعنى الحديث لهما.
شاهد أيضاً: سيكولوجيا المتطرف مع جمال فرويز أستاذ الطب النفسي
تقع الصحوة الإسلامية، بوصفها أداة [ضرب- وتحديد- وضبط] من شأن المعرفة ضمن حقل قد سميته، في كتاب “ما هو المفهوم؟”، [حقلَ- تديين- المعرفة- والمجتمع][16]. هكذا، حينما أقول تديين أقول في الوقت نفسه جملة الإمكانات التي تتوفر في الدين، دين بعينه، والتي ترتبط اِرتباطاً مباشراً، ببناء موضوع العلم، وبناء منهج العلم. ومن أجل ذلك علينا أن ننتقل معاً إلى موقع إبستيمولوجي- ميثودولوجي يستنهض تساؤلاً من موقع [من- الخارج]، و[بعد- حين]، اللذين من شأن الموقع الإبستيمولوجي، هو هذا: ماذا تتضمن الصحوة الإسلامية في المجتمع؟ وفي المعرفة؟ وفي البنى المجتمعية الأساسية الثلاث، أي بنية الثقافة، وبنية الاِقتصاد، وبنية السياسة؛ ووحدة العلاقة بين هذه البنى، أي الآيديولوجيا المجتمعية.
تتضمن الصحوة الإسلامية في المجتمع معنى اِختزال المجتمع في جزء منه؛ أي بناء وحدة مجتمعية قائمة على ما يقوله الإسلام، والمقولة الأكثر خطورة على المجتمعات التي تتميز بالتعدُّد الهَوَوِيِّ، والاِختلاف الآيديولوجي، والتنوع المجتمعي، أي مقولة “الإسلام هو الحل”. الإسلام ليس حلاً لمشكلات المجتمعات الحديثة، لا لأنه يشكو من نقص، أو من كونه ينتمي إلى عصر بعينه، وزمان ومكان بعينه، أو، كذلك، لا لأنه يرتبط بيوتوبيا يريد أن يجعل منه براديغما معرفياً ما، كما قد اِدعى ذلك، في بحث مهم: “من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث”، جورج طرابيشي[17]، ولا كما ذهب إلى ذلك “محمد أركون”[18] في بحثه الذي يقع، في أحسن الأحوال، ضمن يوتوبيا فكر تريد أن تجعل من الحداثة براديغماً معرفياً جاهزاً، لا؛ لا فقط ذلك؛ بل لأنَّ ماهية العالمية لم تقم على النص الديني. أي لم نستطع أن نبحث في ماهية العالمية الحديثة، بوصفنا قد أصبحنا كائنات المجتمع العالمي، عن إمكانات دينية من أجل بناء فهم بالوجود، والعالَم، والوجود في العالَم، والإنسان، والمجتمع.
إننا كائنات نتوفر على إمكان أن نكون ذاتًا فاعلة مجتمعيَّاً لأننا خارجَ ماهية الدين، من جهة كونه مصدراً روحياً. أي من جهة كونه قد يُؤخَذُ بوصفه روح العصر. هكذا، لا تقع الصحوة الإسلامية في مواجهة مع الآخر فحسب؛ ولا هي تريد أن تواجه الآخر بردود فعل دينية فحسب، ولا هي متعلقة ببناء عالَمٍ للإنسان العالَمي، بل هل تدخل في صراع معرفي لا أول له ولا آخر مع ذات أنفسنا العميقة، وهي تجد نفسها وحيدةً في التاريخ، حينما يؤخذ التاريخ بوصفه فعلاً إنسانياً- مجتمعياً. إنَّ التاريخ، متى أُخِذَ من جذره، إنما هو فعلٌ إنساني- مجتمعي، أم لا يكون. وإن ترانسندنتالية التاريخ تختلف أشدَّ الاِختلاف عن أدلجة التاريخ عبر الأفهام المغلقة. هكذا يمكن أن نتساءَل عن التجديد والتحديث بوصفهما ضروب أفعال بَعدِيَّة خارجةً عن قَبْلِيَّةِ الفاعليَّة.
[XI] إشكاليَّة التجديد أم تجديد الإشكاليَّة؟
دعوات التجديد تتضمن، حسب مدعيها، إشكالية التجديد. يمكن أن نراجع بذلك الكم الهائل[19] من الأبحاث والدراسات التي تنشر في هذه المسألة، وبالاِنطلاق منها. ولكن ماذا نعني إذا قلنا إشكالية التجديد؟ إنها تعني منظور نظري يتعلق بالتجديد. تجديد ماذا؟ تجديد المعرفة. أية معرفة؟ معرفتنا بالمجتمع والإنسان. ولمجرد أن نقول معرفتنا فإننا نكون قد وقعنا، بوعي أو من دونه، لا فرق، في عقبة إبستيمولوجية في وجه فهم وحدة العالمية. في الحقيقة، إشكال التجديد، وإشكالية التجديد، أي المضمون النظري- الفلسفي للتجديد، والمنظور النظري- الفلسفي للتجديد يجب أن يُسحبا إلى مستوى التساؤل الإبستيمولوجي- والميثودولوجي، على نحو جذري. أيتوهم إشكال التجديد، وأتتوهم إشكالية التجديد، تجديدًا للمعرفة العالمية بواسطة الدين؟
في الحقيقة لا بد من أن نواجه هذا الوهم بواسطة تجديد وتحديث الإشكالات والإشكاليات. إنه علينا، بالاِنطلاق منه، من التجديد- التحديث هذا، أن نكون مباشرةً أمام تجديد الإشكال، وتجديد الإشكالية، بدلاً عن إشكال التجديد، وإشكاليته. وبالتالي أذهب بمعية التساؤل عن تجديد الإشكالية إلى مفهوم التحديث. ولكن لا أقصد بذلك السقوط في نمط بعينه من أنماط التفكير الذي فُرض على العالَم بوصفه النمط الوحيد لممارسة [التساؤل- التفكير- الفهم]؛ لا. إنني أقصد على نحو صريح أن نبلغ مستوى، أو نمكِّنَ ذاتَ أنفسنا العميقة من أن نبلغ مستوى التحديث الذي قد صار، في النظرية، والممارسة، فعلاً عالميَّاً. لقد أخذ مركزنا، على سبيل المثال، “مركز دراسات فلسفة الدين- بغداد- بيروت”، على عاتقه مهمة تحديث التفكير الديني. ماذا يعني ذلك؟ هل يعني الذهاب إلى أدوات وأساليب وتقنيات التفكير الحديثة من أجل ممارستها وتوظيفها في فهم ديننا وتفكيكه ونقده والاِنطلاق من بعد نحو العالمية؟
لا بالتأكيد؛ إننا نذهب إلى نمط من تحديث التفكير الديني، تحديث التفكير القائم على الدين، أي دين مهما كان، يكون قد يشترك مع الإنسان والمجتمع في عصر الإنسان هذا، في بناء عالَمه ووجوده في العالَم على نحو بحيث هو يستطيع أن يكون ذاتاً فاعلةً مجتمعيَّةً فيه، وعلى نحو عالمي. إن التجديد، وإشكالية التجديد، إنما هما يحتجبا، من دون وعي أصحابه، بواسطة رداء المجددين في التراث؛ ولا يبلغان هذا المستوى من الفعل المعرفي عالميَّاً.
[XII] ميتافيزيقا الدِّين في الخارج… أو في التَّساؤل اِنطلاقًا من ميثودولوجيا الميتافيزيقا الدينيَّة:
أساس الميتافيزيقا الدينية يتضمَّنُ معنى إضافة الوحي إلى مصادر المعرفة. ماذا يعني ذلك؟ علينا أن نفكك عبارة “الوحي كمصدر تأسيسي للمعرفة” على نحو ميثودولوجي. أولاً: ما هي المعرفة؟ ثانياً: ماذا يعني التساؤل: ما هي المعرفة؟ اليومَ؟ ثالثاً: على أية أرضية إبستيمولوجية يقوم هذا التساؤل؟ رابعاً: كيف يمكن للميثولوجي أن يكون مصدراً تأسيسيَّاً للمعرفة؟ خامساً: ماذا نعني، أساساً، بمصدر المعرفة؟
حينما نقوم بالتساؤل عن المعرفة في اللحظة التاريخية هذه، أي لحظة التساؤل عن كل شيء، والشك بكل شيء، نحن في الحقيقة نضع المعرفة في موقع البناء. من نحن؟ نحن الكائنات التي يستحيل أن نستمر، وأن نسوغ اِستمرارنا في الوجود في العالَم، بمعزل عن العالمية.
ومتى صارت المعرفة قائمة على أسس بناء المعرفة الحديثة، تجاوزت، في الوقت نفسه، كل ضرب من ضروب الضبط الميثولوجي- الثيولوجي لها. إنني أشير إلى الضبط في المعنى المؤسسي له. أي الضبط وقد صار مُمَأْسَسًا. ما يميز المعرفة في العصر الحديث، وقد قلت سابقاً وفي مواضع مختلفة: أن الحداثة ليس مشروعاً لم يكتمل بعد، كما ذهب إلى ذلك يورغن هابرماس، بل إنه مؤجَّل إلى التتمة. والفرق بينهما كبير. التتمة شيء، والاِكتمال شيء آخر. ولربما هذا يعود إلى عبقرية اللغة العربية. حينما تكون الحداثة مؤجلة إلى التتمة، في كل مرة، فإن ذلك يتضمن معنى أن الحداثة هي جذر ماهية المعرفة في عصر الإنسان؛ وبذلك أنا أقصد مباشرةً أن المعرفة الحديثة، والأسس التي وضعتها في بناء عالَمٍ جديد يختلف، أشدَّ الاِختلاف، عن تلك العوالِم التي بناها الدين، أو ميثولوجيا- ثيولوجيا ما مهما كانت، أو الميتافيزيقي، أو ميتافيزيقا ما مهما كانت، إنما هي معرفة يستحيل أن تتوفر على إمكان الاِكتمال؛ بل هي تستمر طالما يتوفر وجود إنساني- مجتمعي للكائن الذي نفهمه اليوم بوصفه كائنًا عقلانيَّاً. وهكذا، يقع كلام يورغن هابرماس في موقع إمكان اِنغلاق المعرفة على ذاتها؛ وهذا يواجه تشيُّأً للمعرفة؛ بل تقع المعرفة داخله. أو بعبارة صارمة: لربما تأخذ مدرسة فرانكفورت بكليتها، وليس يورغن هابرماس وحده إلى النقطة الأكثر قلقاً وتوتراً لهما، يذهب كلام هابرماس إلى اِنغلاق الفهم على النحو الذي يحدده فهم الاِنغلاق؛ بحيث يجعل من الفهم قابلاً للاِكتمال في لحظة معرفية بعينها. وهذا معناه أن تتوقف المعرفة الحديثة؛ أي يتوقف إنتاج المعرفة بأشياء العالَم الحديث الحديثة؛ وهذا ضرب من ضروب الخلط الإبستيمولوجي بين إمكان المعرفة بعامَّةٍ، في أن تكون قادرةً على أن تزودنا بأدوات فهم، ووسائل تساؤل، وتقنيات تفكير، وبين معرفة إمكان المعرفة الحديثة التي قد وصلت مع هابرماس إلى مستوى أنها تتوفَّر على إمكان الاِكتمال. لا؛ هذا مستحيل. وتأتي اِستحالة ذلك من اِستحالة العودة إلى وحدة الحقيقة الواحدة؛ أي وحدة الحقيقة وقد صار تعدُّد الحقيقة فيها ضرباً من تَصوُّر سابق إلى / على الحقيقة. الإسلامويون كثيراً ما يلتجؤون إلى هذا النوع من المعرفة الذي يجدون فيه مبررات ومسوغات لإنتاجهم لمعرفة قد صارت، بعد سيادة العقل، ونزع سحر العالَم، من ماضي الإنسانيَّة.
العلمنة في السياقات العربية الإسلامية
إنه، والحال هذه، يعني التساؤل ما هي المعرفة، اليوم؟ التساؤل عن ما يتوفر على إمكان معرفته اليوم بواسطة العقلية Mental- والعقلانية Rationality. وأرجو ألاَّ يتمُّ الخلط بينهما. هكذا، تقوم المعرفة على بناء الموضوع، [موضوع- العلم]، وبناء المنهج، [منهج- العلم]، فيها.
وإذا كان، على سبيل المثال، “عبدالله العروي”، في الـ [ههنا- والآن] الذي من شأن ذاتِ أنفسنا العميقة، يمارس بناءَ فهم بـ”الآيديولوجيا العربية المعاصرة”[20]، وفقاً لمنهج بعينه من المناهج الحديثة في العلم، أي المنهج الذي يقوم على ضوابط وقواعد كارل ماركس، فإن ذلك يقع ضمن ضرب من ضروب التعدد في بناء موضوع العلم، ولا يقع في بناء موضوع العلم. لذلك، يقع “عبدالله العروي”، ضمن إمكان من إمكانات بناء المعرفة، ولا يقع ضمن بناء المعرفة. لماذا؟ لأن المعرفة العلمية- الفلسفية الحديثة لا تقدم نفسها، في اللحظة المعرفية الأولى، أي لحظة ثنائية [الذات- والموضوع]، إلاَّ بوصفها تتوفر على إمكان بناءِ الكُليَّةِ التي من شأن الفهم العلمي- الفلسفي الحديث، من جهة، وإنها تظفر بفهم متفحص يذهب إلى بناء فرضيات علمية- فلسفية مفسرة دالة فاهمة لموضوعها، موضوعها هي. يجب أن نفهم أن الموضوع، موضوع العلم، وموضوع المعرفة بعامة، وموضوع ثنائية [الذات- والموضوع]، الذي يُنطلق إلى بنائه، في كل مرة، من قبل الاِتجاهات والمدارس والتوجهات العلمية- والفلسفية المختلفة، والمتعددة، والمتنوعة، هي أشياء تختلف، وتتميز عن بعضها البعض.
يقوم التساؤل على أرضية إبستيمولوجية- ميثودولوجية تريد أن تُبنى بواسطة ضرب من ضروب إمكان المعرفة وبنائها، نسميها في المعرفة الحديثة الفينومينولوجيا. “الوحي كمصدر أساس للمعرفة” يتوفر على إمكان تأسيس المعرفة يعني تجربة مُعاشة، وتجربة حية تاريخية قامت على أن الوحي قد كان، بوصفه نقلاً للمعرفة من عالَمٍ ما، المصدرَ؛ وليس مصدراً من بين مصادر متعددة ومتنوعة ومختلفة. وهذا يتضمن ما تريد أن تذهب إليه الفينومينولوجيا؛ بوصفها تصرح، مع مرلوبونتي، وهوسرل، وهايدغر، وفي السوسيولوجيا مع آلفرد شوتس، أن المعرفة يمكن أن تُبنى بوصفها تُنقل. ولكن هذا تصور الإسلامويين يصطدم بعقبات معرفية تتوفر على اِستحالة تجاوزها هي الآتية:
I- ليست الفينومينولوجيا، بوصفها باحثةً عن الماهيات في التجربة الحية التاريخيَّة المعاشة إلاَّ إمكاناً في بناء الموضوع، وليس الإمكان الوحيد في بناء الموضوع، [موضوع- العلم]. وعلى ذلك، تقع الممارسات العِلميَّة- الفلسفيَّة الحديثة، في وبالفينومينولوجيا، ضمن مقولة فلسفية قد بنيتها، في كتابي، “إبستيمولوجيا السُّوسيولوجيا: في [اِستنهاض- تساؤل- العلم- بالمجتمع- والإنسان- في- المجتمعات- العربيَّة]”[21]، في فرضيَّة مفسرة دالة فاهِمَة تتضمَّنُ الآتي: تعدُّد الذَّوات، بوصفها إمكانات موضوعيَّة في الوجود في العالَم. ولا تقوم هذه الإمكانات الموضوعيَّة Objective Possibilities إلاَّ على ماهيَّة العالَم الحديث. أي حداثة الذَّات، وتحديثها، وحداثة الموضوع وتحديثه، وحداثة الفكرة، وتحديثها، وحداثة الملاحظة وتحديثها، وحداثة الفهم وتحديثه، وحداثة [حقل- الفهم] وتحديثه.
II- ماهيَّة الوحي تُحدِّد بالاِنطلاق من الميثولوجي- الثيولوجي بعامَّةٍ، والميتافيزيقي بخاصَّةٍ. ومتى نظرنا، نظرة عميقة، إلى الميثولوجي والثيولوجي والميتافيزيقي في المعرفة العِلميَّة الحديثة، أي العالَميَّة، نجد أنَّ النقل والاِنتقال من وإلى؛ أي معادلة النقل والاِنتقال، لا تجد مكاناً لها، وإمكاناً لوجودها بوصفها مصدر [تساؤل- وتفكير- وفهم]. لماذا؟ لأننا أمام ثُنائيَّات صريحة في نشأة المعرفة العِلميَّة- الفلسفيَّة الحديثة التي اِستطاعت أن تبني عالَماً حديثاً لنا، كما نعرفه اليوم. إنَّها الثُنائيَّات الآتية: ثُنائيَّة [الذَّات- والموضوع]، وثنائية [الفكرة- والملاحظة]، وثنائية [الفهم- وحقل الفهم][22].
III- لا تفهم المعرفة العِلميَّة- الفلسفيَّة الحديثة الوحي إلاَّ بوصفه حقل فهمٍ يُقدِّمُ نفسه من خارجها. وهو، اِنطلاقاً من ثُنائيَّة [العلم- والدين] يضع نفسه خارج حقل العلم منذ أوَّل لحظة. ولكن، ما السبب في هذا الخلط العميق بين أساس معرفة هو الوحي، وبين أسس المعرفة الأساسيَّة؟ إنَّه ببساطة يتمثَّل في اِستحالة مواجهة المعرفة العقلية- العقلانية، أي تلك التي يُنتجها الإنسان، بمعرفة ينتجها كائن آخر، أو يوجِّهها للإنسان، أو يُنقلها عَبرَ وسيط إلى الإنسان. الوحي بوصفه شكلاً من أشكال المعرفة، يستحيل أن يقبل في أن يُسحب إلى مستوى ثُنائيَّة [النقد- والنقد المضاد]، وهكذا، بمباشرة، يقع خارج حقل العلم، ومؤسسة العلم، و[موضوع- العلم]. ناهيك عن أنَّه لا يمكن أن يُصبح ضرباً من ضروب [التعدُّد- في- الفهم] كونه يشتمل على صفة الألوهية. وإذا تمت مواجهة كلامي بأن ثَمَّ اِختلافاً في فهم الوحي، فأقول مباشرةً أن ماهيَّة الاِختلاف في المعرفة العِلميَّة- الفلسفيَّة الحديثة تختلف أشد الاِختلاف عن ماهيَّة الاِختلاف التي تمارس في فهم الوحي. الاِختلاف الأول اِختلاف حول الإنساني، والاِختلاف الثَّاني اِختلاف حول الإلهي. أي إنَّ الاِختلاف الأول يقع ضمن حقل الاِختلاف عن طبيعة العقيدة، وماهيتها، وخصوصيتها، وبناء جماعة/ أو جماعات على ذلك، والاِختلاف الثَّاني لهو اِختلاف يقع ضمن حقل الاِختلاف عن طبيعة المعرفة العالَميَّة وماهيتها وخصوصيتها وبناء مجتمع وإنسان عالميَّين على ذلك. والاِختلاف بين الإثنين، أي الاِختلاف بين الاِختلافَيْن، كبير، كبير جداً.
IV- لقد وضعت المعرفة، في علوم المجتمع والإنسان، منذ بدء نشأتها، ما بعد القرن الثامن عشر، الدِّين وكل ما يرتبط به ضمن حقل فهم صريح واضح يتضمَّنُ إمكانات فهم الدِّين عند ثلاثة مستويات: مستوى الدِّين بوصفه وظيفة مجتمعيَّة، ومستوى الدِّين بوصفه مصدراً روحياً للفعل المجتمعيّ، ومستوى الدِّين بوصفه آيديولوجيا مجتمعيَّة.
وبناءً على ذلك، تتبين مصادر المعرفة في العلم بالمجتمع والإنسان مباشرةً في الثُنائيَّات الأساسيَّة في المعرفة الحديثة، وإمكانات العلاقة بين طرفيها.
[XIII] ما بعدَ أسلمة المعرفة:
تقع ممارسة أسلمة المعرفة، والحال هذه، ضمن إشكالية مُفبرَكة- مُفبرِكة لماهية المعرفة الحديثة، مصطنَعة- مصطنِعة لإشكاليات لا تُناقش في عصر الإنسان هذا، مختلَقة- مختلقة لتساؤلات لا تحضر في حقل فهم الإنسان العالَمي. أما مسألة وحدة المعرفة القائمة على أسلمة المعرفة فهي ضرب من ضروب الاِحتيال على العقل العالَمي الحديث؛ التي لا تصل إلاَّ لمواجهة ذاتِ أنفسنا العميقة بذاتِ أنفسنا العميقة وهكذا نصطدم بحائط؛ أو نسقط في ظلام.
علينا أن نفهم ذاتَ أنفسنا العميقة بوصفنا كائنات عقلانية عالمية؛ وإلاَّ سوف نخرج عن التاريخ. نحن لسنا الماضي، ولا الماضي يستطيع أن يحدد ماهيتنا بوصفنا مشاركين في بناء العالَم. ولكن الماضي الذي نريده أن يكون، أو نذهب لكل إمكانات بنائه على نحو بحيث هو يتناسب مع العالمية، هو ليس أكثر من يوتوبيا فكرية، فارغة المضمون والمنظور الموضوعيَّيْن، تفعل كل شيء من أجل أن تضع العالَم بأسره في مواجهتنا، في موقع العدو.
ولكن، علينا أن نصرح مباشرةً: لا يمكن لأية مؤسسة تابعة لأي فكر تابع لأي دين مهما كان أن تبلغ مرتبة توجيه المعرفة الحديثة؛ أو أن تضع مساهمةً، على هذا النحو أو ذاك، فيها. لماذا؟ وما هو السبب وراء ذلك؟
لأننا حينما نقول العلم الإسلامي، أو الفلسفة الإسلامية نشير بذلك إلى أننا نتوفر على مفهوم الآكاديميا في المعنى الحديث للمفهوم، ونتوفر على ضرب من ضروب ممارسة الفكر تتناسب مع بناء المعرفة الحديثة بموضوعات المجتمع والإنسان. وهذا يواجه اِستحالة صريحة تقوم على التمايز بين الآيديولوجيا داخل المعرفة العلمية، والمعرفة العلمية داخل الآيديولوجيا.
حينما نقول المعرفة المؤسسة على الوحي، نحن في الحقيقة نذهب بذات أنفسنا العميقة إلى مستوى علاقة مع التراث، تراث بعينه، يتمثل في اِحتكار فهم الماضي. أي، وهذا من جهة الميثود- المنهج، ننفصل اِنفصالاً رهيباً عن كوننا نتوفر على إمكانات أن نكون عالميين. لم تقم المعرفة الحديثة في كليتها، على نحو كوزموبوليتاني، إلاَّ لأنَّها قد صارت، في عصر الإنسان هذا، قائمة على ثنائيات إبستيمولوجية لا يوفرها النص، أو المقدس، أو أي ضرب من ضروب ممارسة المعرفة الثيولوجية أو الميثولوجية أو الميتافيزيقية حتى. ونحن نعرف أن ميتافيزيقا المعرفة الحديثة تختلف أشد الاِختلاف عن ميتافيزيقا أرسطو مثلاً، بوصفه نتيجة وحدة المعرفة في العصر الاِغريقي السحيق، والقريب أيضاً في الوقت نفسه. ثمة آيديولوجيا فهم مغلق تريد أن تواجه المعرفة الحديثة، بعد أن فقدت كل أسلحة الدفاع عن ذاتها، بواسطة نمط من أنماط الفعل المعرفي هو يذهب إلى الاِختباء في جلباب معرفة تستمد قوتها المجتمعية، أي شعرية وجودها، من ثمَّ مقدس. وفي هذا الصراع، خلافاً لما نتصور، لا نخسر الآخر؛ بل نخسر ذات أنفسنا العميقة باِعتبارها قد صارت عالمية، وقد سبقتنا إلى المستقبل. نحن الكائنات العالمية على الرغم من أنوفنا، نجد أن التساؤل عن الوحي، وقد صار مصدراً لبناء المعرفة، ضرب من ضروب الإمكان من أجل أن نَتَهَوَّوَ (من الهَويَّة) Identification على أرضية ما ليس من فعلنا. وهكذا نُقذف إلى / في الظلام. ظلام خارج العالَم الذي نعرفه، العالَم الحديث، أي حقل تحديث العالَم بوصفه يوفر لنا إمكان أن نكون مواطنين عالميين في كل مرة؛ نتَعَوْلَم لأننا نَتَذوَّت بذات أنفسنا العالمية، نحن آخر الكوزموبوليتانيين الجدد. هذه النحن وإن كانت ضرباً مؤلماً على أسس إسلامية المعرفة، التي وُظِّفت في الإسلامويَّة السياسية، ولكنها هي إعادة تحديد البداهات، من موقع بداهة التساؤل عن البداهات. إننا لم نبلغ بعد مستوى بداهات بناء- وتحديد- وإنتاج المعرفة الحديثة؛ أي تلك التي تليق بنا لأننا نتوفر على الفهم، الذي قد ظفرنا به ضمن أفق العالَم؛ عالَم النحن العالَميَّة. بَيْدَ أنَّهُ متى تم الظفر بذلك، نتوفر على إمكان أن يكون الإسلام ضربًا من التعدُّد في بناء العلاقات مع العالَميَّة.
المصادر والمراجع
- Wilhelm Dilthey, Hermeneutics and the study of history, edited by Rudolf Makkreel and Frithjolf Rodi, Princeton university press, 1st edition, UK, 1996.
- أحمد المختاري، نحو علم إجتماع إسلامي، مجلة المسلم المعاصر، العدد 43، بيروت، 1985.
- إسماعيل الفاروقي، إسلامية المعرفة- المبادئ العامَّة- خطة العمل- الإنجازات، كتاب قضايا إسلامية معاصرة، دار الهادي، ط1، بيروت، 2001.
- إسماعيل راجي الفاروقي، صياغة العلوم الإجتماعيَّة صياغةً إسلامية، مجلة المسلم المعاصر، العدد 20، بيروت، 1979.
- إيمانوئيل كانْت، نقد العقل المحض…
- توماس كون، بنية الثورات العِلميَّة…
- جان بودريار، الفكر الجذري- أطروحة موت الواقع، ترجمة: منير الحجوجي وأحمد القصوار، دار توبقال للنشر، ط1، الدار البيضاء، 2006.
- جان بودريار، المصطنع والاِصطناع، النظمة العربيَّة للترجمة، ترجمة: د. جوزيف عبدالله، مراجعة: د. سعود المولى، ط1، بيروت، 2008.
- جان فرانسوا ليوتار، الوضع ما بعد الحداثي- تقرير عن المعرفة، ترجمة: أحمد حسان، ط1، دار شرقيات للنشر والتوزيع، القاهرة، 1994.
- جان فرانسوا ليوتار، الوضع ما بعد الحداثي- تقرير عن المعرفة، ترجمة: أحمد حسان، ط1، دار شرقيات للنشر والتوزيع، القاهرة، 1994.
- جورج طرابيشي، من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث- النشأة المستأنفة، دار الساقي ورابطة العقلانيين العرب، بيروت- لندن، ط1، 2010.
- جورج فردريش هيغل، فينومينولوجيا الرُّوح،
- حسين رحال، إشكاليَّات التجديد الإسلامي المعاصر: دراسة في ضوء علم اِجتماع المعرفة، دار الهادي، ضمن سلسلة فلسفة الدِّين والكلام الجديد الصادرة عن مركز دراسات فلسفة الدِّين- بغداد، بيروت، 2004.
- دوستات دي تْرَيْسي، مفهوم الآيديولوجيا
- رينيه ديكارت، مقالة في المنهج
- عبد الله فهد النفيسي، التراث وتحديات العصر، شركة الربيعان للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، الكويت، 1986.
- عبدالله العروي، الآيديولوجيا العربيَّة المعاصرة، المركز الثقافي العربيّ…
- فرانسيس بيكون، الأورغانون الجديد،
- كارل بوبر، منطق الكشف (البحث) العلميّ- الطبعة العاشرة من النص الأصليّ باللغة الألمانية، ترجمة: د. محمد البغدادي، المنظمة العربيَّة للترجمة، بيروت، ط1، 2006.
- كارل ماركس وفردريك أنجلز، الآيديولوجيا الألمانية، ترجمة: فؤاد أيوب، دار الفارابي، ط2، بيروت، 2016.
- لؤي الصافي، إسلامية المعرفة من المبادئ المعرفيَّة إلى الطرائق الإجرائية، مجلة إسلامية المعرفة، العدد الثَّالث.
- محمَّد آركون، الفكر الإسلامي- قراءة علميَّة، المركز الثقافي العربيّ ومركز الإنماء القومي، بيروت، ط2، 1996.
- محمد آركون، من فيصل التفرقة إلى فصل المقال- أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟، ترجمة: هاشم صالح، دار الساقي، ط2، بيروت، 1995.
- محمد المبارك، نظام الإسلام العقائدي في العصر الحديث، الدار العالمية للكتاب الإسلامي والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الثانية، الرياض، 1995.
- محمد أمزيان، منهج البحث العلمي بين الوضعية والمعيارية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط 4، بيروت، 2008.
- محمَّدحسين الرفاعي، إبستيمولوجيا السُّوسيولوجيا، مركز دراسات فلسفة الدِّين ودار التنوير، بغداد- بيروت- تونس، ط1، 2017.
- محمَّدحسين الرفاعي، إشكاليَّة التُّراث- والحداثة في الفكر العربيّ المعاصر، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ط1، الرباط، 2016.
- محمَّدحسين الرفاعي، الثُلاثيَّة: ثُلاثيَّة مفهوم الآيديولوجيا، وما هو المفهوم؟، والمعرفة والآيديولوجيا، مركز دراسات فلسفة الدِّين- بغداد ودار التنوير، بيروت- تونس، ط1، 2020.
- محمَّدحسين الرفاعي، المعرفة والآيديولوجيا، مركز دراسات فلسفة الدِّين ودار التنوير، بغداد- بيروت- تونس، ط1، 2020.
- محمَّدحسين الرفاعي، ما هو المفهوم؟، مركز دراسات فلسفة الدِّين ودار التنوير، بغداد- بيروت- تونس، ط1، 2020.
- محمَّدحسين الرفاعي، مفهوم الآيديولوجيا، مركز دراسات فلسفة الدِّين ودار التنوير، بغداد- بيروت- تونس، ط1، 2020.
- ميشيل فوكو، آركيولوجيا المعرفة
- كارل ماركس، الآيديولوجيا الألمانية، يورغن هابرماس، [حوار] الحداثة مشروع لم يكتمل، ترجمة: فتحي المسكيني، مجلة تبيُّن للدراسات الفكريَّة والثقافية، العدد الأول، 2012. أكسل هونيث، الصراع من أجل الاِعتراف، ترجمة: جورج كتورة، ط1، المكتبة الشرقية، بيروت، 2020.
- باروخ إسبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة: حسن حنفي، مراجعة: فؤاد زكريا، دار التنوير، بيروت- تونس، ط1، 2005.
- بول ريكور، الإستعارة و المشكل المركزي للهرمينيوطيقا، ترجمة: طارق النعمان، العدد 60، ط1، 1999، ص 169-185.
- فردريك شلايرماخر، عن الدِّين- خطابات لمحتقريه من المثقفين، ترجمة: أسامة الشحماني، مراجعة وتقديم: عبدالجبار الرفاعي، مركز دراسات فلسفة الدِّين- بغداد ودار التنوير، بيروت- تونس، ط1، 2017.
- فيلهلم دلتاي، نشأة الهرمنيوطيقا، ترجمة: فتحي إنقزو، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ط1، الرباط، ترجمات، 2021.
- ماكس فيبر، الاِقتصاد والمجتمع، المنظمة العربيَّة للترجمة، ط1، بيروت…
- مشير عون، الفَسارَة الفلسفيَّة: بحث في تاريخ علم التفسير الفلسفي الغربي، دار المشرق، ط 1، بيروت، 2004.
- هانز غادامير، الحقيقة والمنهج: الخطوط الأساسيَّة لتأويلية فلسفية، ترجمة: حسن ناظم وعلي حاكم صالح، مراجعة: جورج كتورة، دار أويا، بيروت- طرابلس، ط1، 2007.
- آلان تورين، الحداثة المتجددة- نحو مجتمعات أكثر إنسانية، ترجمة: جلال بدلة، ط1، دار الساقي، بيروت، 2020.
- جان فرانسوا ليوتار، في معنى ما بعد الحداثة- نصوص في الفلسفة والفن، ترجمة: السعيد لبيب، المركز الثقافي العربيّ، ط1، الدار البيضاء- بيروت، 2016.
- جان فرانسوا ليوتار، في معنى ما بعد الحداثة- نصوص في الفلسفة والفن، ترجمة: السعيد لبيب، المركز الثقافي العربيّ، ط1، الدار البيضاء- بيروت، 2016.
- يورغن هابرماس، نظرية الفعل التواصلي، ترجمة: فتحي المسكيني، المركز العربيّ لدراسة السياسات، ط1، الدوحة، 2020.
[1] – أنظر مفهوم قابلية التخطئة أو التفنيد Falsifiability في: كارل بوبر، منطق الكشف (البحث) العلميّ- الطبعة العاشرة من النص الأصليّ باللغة الألمانية، ترجمة: د. محمد البغدادي، المنظمة العربيَّة للترجمة، بيروت، ط1، 2006.
[2] – أنظر مفهوم الفعل المجتمعيّ عند ماكس فيبر، ومفهوم الفعل التواصلي عند يورغن هابرماس، ومفهوم الفعل الاِعترافي عند أكسل هونيث.
[3] – محمد آركون، من فيصل التفرقة إلى فصل المقال- أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟، ترجمة: هاشم صالح، دار الساقي، ط2، بيروت، 1995.
[4] – بدءًا من ثُلاثيَّة رينيه ديكارت، وفرنسيس بيكون، وإيمانوئيل كانْت. ضمن المؤلفات الآتية تباعاً: مقالة في المنهج، والأورغانون الجديد، ونقد العقل المحض.
[5] – بدءًا من ثُنائيَّة جورج فردريش هيغل، وكارل ماركس، فيما يتعلَّق بالاِنطلاق من الفكرة إلى الممارسة، أو العكس. ضمن المؤلفات الآتية تباعًا: فينومينولوجيا الرُّوح، والآيديولوجيا الألمانية، وبؤس الفلسفة.
[6] – بدءًا من دوستات دي تْرَيْسي، وتوماس كون، وميشيل فوكو. ضمن المؤلفات الآتية تباعًا: مفهوم الآيديولوجيا، وبنية الثورات العِلميَّة، وآركيولوجيا المعرفة.
[7] – أنظر: جان فرانسوا ليوتار، الوضع ما بعد الحداثي- تقرير عن المعرفة، ترجمة: أحمد حسان، ط1، دار شرقيات للنشر والتوزيع، القاهرة، 1994.
وكذلك أنظر: جان فرانسوا ليوتار، في معنى ما بعد الحداثة- نصوص في الفلسفة والفن، ترجمة: السعيد لبيب، المركز الثقافي العربيّ، ط1، الدار البيضاء- بيروت، 2016.
[8] – أنظر: جان بودريار، الفكر الجذري- أطروحة موت الواقع، ترجمة: منير الحجوجي وأحمد القصوار، دار توبقال للنشر، ط1، الدار البيضاء، 2006. وكذلك مفهوم المُصطنع في: جان بودريار، المصطنع والاِصطناع، النظمة العربيَّة للترجمة، ترجمة: د. جوزيف عبدالله، مراجعة: د. سعود المولى، ط1، بيروت، 2008.
[9] – أنظر: محمَّدحسين الرفاعي، إشكاليَّة التُّراث- والحداثة في الفكر العربيّ المعاصر، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ط1، الرباط، 2016.
[10] – أنظر: كارل ماركس وفردريك أنجلز، الآيديولوجيا الألمانية، ترجمة: فؤاد أيوب، دار الفارابي، ط2، بيروت، 2016.
[11] – أنظر المرتكزات الأساسيَّة لإشكاليَّة إسلامية المعرفة في الفلسفة، وعلوم المجتمع والإنسان الحديثة في:
– محمد المبارك، نظام الإسلام العقائدي في العصر الحديث، الدار العالمية للكتاب الإسلامي والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الثانية، الرياض، 1995.
– محمد أمزيان، منهج البحث العلمي بين الوضعية والمعيارية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط 4، بيروت، 2008.
[12] – أنظر: محمَّدحسين الرفاعي، مفهوم الآيديولوجيا، مركز دراسات فلسفة الدِّين ودار التنوير، بغداد- بيروت- تونس، ط1، 2020.
[13] – أنظر: حوار مع يورغن هابرماس، الحداثة مشروع لم يكتمل، ترجمة: فتحي المسكيني، مجلة تبيُّن للدراسات الفكريَّة والثقافية، العدد الأول، 2012.
وكذلك أنظر: آلان تورين، الحداثة المتجددة- نحو مجتمعات أكثر إنسانية، ترجمة: جلال بدلة، ط1، دار الساقي، بيروت، 2020.
[14] – أنظر ثُلاثيَّة [الآيديولوجيا- والديستوبيا- واليوتوبيا] في: محمَّدحسين الرفاعي، ما هو المفهوم؟، مركز دراسات فلسفة الدِّين ودار التنوير، بغداد- بيروت- تونس، ط1، 2020.
[15] – أنظر: محمَّدحسين الرفاعي، المعرفة والآيديولوجيا، مركز دراسات فلسفة الدِّين ودار التنوير، بغداد- بيروت- تونس، ط1، 2020.
[16] – أنظر: محمَّدحسين الرفاعي، ما هو المفهوم؟… مصدر مذكور.
[17] – أنظر: جورج طرابيشي، من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث- النشأة المستأنفة، دار الساقي ورابطة العقلانيين العرب، بيروت- لندن، ط1، 2010.
[18] – أنظر: محمَّد آركون، الفكر الإسلامي- قراءة علميَّة، المركز الثقافي العربيّ ومركز الإنماء القومي، بيروت، ط2، 1996.
[19] – أنظر الأبحاث الآتية وغيرها الكثير الكثير:
– حسين رحال، إشكاليَّات التجديد الإسلامي المعاصر: دراسة في ضوء علم اِجتماع المعرفة، دار الهادي، ضمن سلسلة فلسفة الدِّين والكلام الجديد الصادرة عن مركز دراسات فلسفة الدِّين- بغداد، بيروت، 2004.
– لؤي الصافي، إسلامية المعرفة من المبادئ المعرفيَّة إلى الطرائق الإجرائية، مجلة إسلامية المعرفة، العدد الثَّالث.
– عبد الله فهد النفيسي، التراث وتحديات العصر، شركة الربيعان للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، الكويت، 1986.
– أحمد المختاري، نحو علم إجتماع إسلامي، مجلة المسلم المعاصر، العدد 43، بيروت، 1985.
– إسماعيل الفاروقي، إسلامية المعرفة- المبادئ العامَّة- خطة العمل- الإنجازات، كتاب قضايا إسلامية معاصرة، دار الهادي، ط1، بيروت، 2001.
– إسماعيل راجي الفاروقي، صياغة العلوم الإجتماعيَّة صياغةً إسلامية، مجلة المسلم المعاصر، العدد 20، بيروت، 1979.
[20] – أنظر: عبدالله العروي، الآيديولوجيا العربيَّة المعاصرة، المركز الثقافي العربيّ…
[21] – أنظر: محمَّدحسين الرفاعي، إبستيمولوجيا السُّوسيولوجيا، مركز دراسات فلسفة الدِّين ودار التنوير، بغداد- بيروت- تونس، ط1، 2017.
[22] – أنظر: محمَّدحسين الرفاعي، الثُلاثيَّة: ثُلاثيَّة مفهوم الآيديولوجيا، وما هو المفهوم؟، والمعرفة والآيديولوجيا، مركز دراسات فلسفة الدِّين- بغداد ودار التنوير، بيروت- تونس، ط1، 2020.