تاريخ الفرق الإسلامية: قراءة سوسيولوجية…الإرهاصات التاريخية: الجزء الثاني

تكوين

عبر تاريخها الطويل، شهدت الحضارة العربية الإسلامية ظهور العديد من الفرق العقائدية والسياسية والفكرية. تنازعت تلك الفرق على ادعاء احتكار النسخة الأصلية من الإسلام، وزعم أصحاب كل فريق إنهم يمثلون “الفرقة الناجية” المُشار إليها في الحديث الشهير المنسوب إلى النبي في الوقت ذاته، رمت كل فرقة الفرق الأخرى بالبدعة والكفر والخروج عن التعاليم الأرثوذكسية القويمة. الأمر الذي تسبب في غياب التسامح ونشر الروح الإقصائية في العديد من الفترات التاريخية.

بحسب السرديات التقليدية المُتخيلة الرائجة في الأوساط الثقافية- الشعبية عند كل فرقة، فإن أفكار هذه الفرقة ذات مصدر إلهي لا يمكن التشكيك في صحته، لأنها -أي الفرقة- هي النموذج الأمثل والأكثر كمالًا لتطبيق الإسلام الصحيح. يخالف ذلك الاعتقاد أبسط مبادئ علوم التاريخ والسيسيولوجيا، والتي تؤكد على أن الأفكار العقائدية والمذهبية إنما خضعت -عبر الزمن- لعوامل الأخذ والرد، والإضافة والتعديل، والتفاعل والاشتباك مع غيرها من الأفكار. من هنا، لا يمكن الحديث عن أفكار مذهبية ثابتة أصيلة، إلهية المصدر بقدر ما يمكن القول بأن: تلك الأفكار قد تكونت وتشكلت من خلال مجموعة كبيرة من التفاعلات المرنة مع الواقع المُعاش، وما صاحبه من سياقات سياسية واقتصادية واجتماعية. بما يتقارب مع أطروحات الديالكتيك الصاعد الذي يشكل فيه الواقع الفكرة ويقوم بصياغتها. في هذه السلسلة سنعمل على استعراض تاريخ الفرق الإسلامية، لنرى كيف ظهرت في بادئ الأمر، والطريقة التي تشكلت بها عبر السنين، إلى أن نضجت وأخذت صورتها النهائية المعتمدة.

سقيفة بني ساعدة

توفى النبي في الثاني عشر من ربيع الأول فى العام الحادي عشر من الهجرة، وكما كان متوقعًا فإن وفاته أحدثت زلزالًا قويًا فى نفوس المسلمين، كما تركت فراغًا سياسيًا ودينيًا كبيرًا فى المجتمع الإسلامي. وأمام تلك الفاجعة، ظهر تساؤلًا مهمًا حول هوية الشخص الذي سيقوم بخلافة النبي في الإشراف على الشؤون الدنيوية، وتنفيذ أحكام الشريعة والدين.

في هذا الوقت، ظهرت ثلاثة أحزاب إسلامية متمايزة، وكان كل منها يرى أنه الأحق بخلافة الرسول وتولى أمر المسلمين[2]. تمثلت تلك الأحزاب في الأنصار، والمهاجرين، والهاشميين على الترتيب.

الأنصار، هم المسلمون من أهل المدينة، الذين أيدوا الرسول وقدموا له النصرة والحماية، وكانوا يرون أنفسهم أحق الناس بالأمر. وظهر منهم سعد بن عبادة [3]– وهو أحد زعماء الخزرج – وكان يرى فى نفسه الأهلية المناسبة لتولى منصب الخلافة، واجتمع حوله العديد من أبناء قبيلته الذين اعتقدوا أنه الأصلح للزعامة والرياسة. لم يكد يتم إعلان خبر وفاة الرسول، حتى اجتمع الأنصار فى مكان يُعرف بـسقيفة بنى ساعدة[4] وبدأوا في التشاور فيما بينهم في أمر الخلافة. ويرى الكثير من الباحثين أن هذا الاجتماع كان بمثابة “أول حركة سياسية حزبية فى الإسلام”[5].

الحزب الثاني، كان حزب المهاجرين. وهم المسلمين الأوائل الذين أسلموا بعد أن جهر النبي برسالته فى مكة، وهاجروا بعدها إلى يثرب تاركين وراء ظهورهم أموالهم وأهاليهم. وكان يتزعم هذا الحزب، اثنان من كبار الصحابة وهما أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب.

لا تذكر المصادر التاريخية أن الأنصار اهتموا بدعوة المهاجرين للحضور في سقيفة بني ساعدة. فلم يعرف المهاجرون بأمر اجتماع الأنصار إلا بمحض الصدفة. وعندها، أسرع كل من أبي بكر، وعمر بن الخطاب، وأبي عبيدة بن الجراح للمشاركة في الاجتماع. وبعدها، وقعت العديد من النقاشات بين الفريقين، وحاول كل فريق أن يثبت حقه الأصيل فى خلافة النبي. وتذكر المصادر التاريخية، أن الأنصار لمّا شعروا بضعف حجتهم، فإنهم حاولوا ان يقنعوا المهاجرين بأن يتم تقسيم السلطة على اثنين من الأمراء بحيث يكون هناك أمير من الأنصار وأمير أخر من المهاجرين، فقالوا: “منا أمير ومنكم أمير”[6]. ولكن رُفض هذا الاقتراح من قِبل المهاجرين. وقال أبو بكر مبررًا الرفض: “إن هذا الأمر -يقصد الخلافة- إن تطاولت إليه الخزرج لم تقصر عنه الأوس، وان تطاولت إليه الأوس لم تقصر عنه الخزرج”.  وبعدها، سارع الأوس لمبايعة أبي بكر بالخلافة فكان أُسيد بن خضير -زعيم الأوس- هو أوائل المبايعين. أما سعد بن عبادة -مرشح الخزرج- فقد اعتزل أبي بكر وعمر بعد أحداث السقيفة، فكان “لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع بجماعتهم ولا يقضي بقضائهم ولو وجد أعوانًا لضاربهم”[7].

إقرأ أيضاً: تاريخ الفرق الإسلامية: قراءة سيسيولوجية…الإرهاصات التاريخية الجزء الأول

أما الحزب الثالث، فكان حزب الهاشميين. وتألف من الصحابة الذين اعتقدوا أن أحق الناس بخلافة محمد هم أقربائه وأهل بيته، وكان من هؤلاء كل من علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن العباس، وأُبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، والزبير بن العوام[8]. وكان هذا الحزب لا يشك فى أن مسألة خلافة الرسول محسومة لصالح علي بن أبي طالب بسبب قرابته من الرسول وزواجه من ابنته فاطمة، ولأن النبي قد أشار فى الكثير من المناسبات إلى فضل علي وأحقيته بخلافته بعد وفاته. ولذلك فقد انشغل معظم رجالات هذا الحزب بتجهيز الرسول لدفنه، ولم يكن أحد منهم يعرف بما يدور بين المهاجرين والأنصار فى سقيفة بنى ساعدة.

بحسب المصادر التاريخية، فإن الهاشميين قد فوجئوا بعدما عرفوا بما جرى في السقيفة. فحاولوا أن يعبروا عن سخطهم وعدم رضاهم عما وقع في هذا الاجتماع. على سبيل المثال، خطب الفضل بن العباس في القريشيين قائلًا: “يا معشر قريش أنه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه، ونحن أهلها دونكم، وصاحبنا -يقصد علي بن أبي طالب- أولى بها منكم”[9]. والظاهر أن هناك عددًا من القوى الأخرى التي كانت تؤيد علي بن أبي طالب وتفضله على أبي بكر. على سبيل المثال، ذكر الطبري أن بعض الأنصار الذين كانوا حاضرين وقت مبايعة أبي بكر قد صرحوا برأيهم قائلين: “لا نبايع إلا عليًا”[10]. وقد عبّر علي نفسه عن الظلم الذي يرى أنه قد تعرض له فى سقيفة بنى ساعدة فكان مما قاله عقب أن عرف أن المهاجرين قد غلبوا الانصار فى السقيفة بحجة أنهم الأقرب إلى النبي: “إنهم –يقصد المهاجرين- قد احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة”[11]. ويقصد بذلك أن المهاجرين قد احتجوا بأحقيتهم فى الخلافة بسبب أنهم شجرة الرسول أي عشيرته وقبيلته، فلم إذًا لم يقدموا علي وهو من الرسول بمثابة الثمرة أي انه أقرب القريشيين إليه نسبًا وصهرًا؟!

تذكر الكثير من المصادر أن حزب الهاشميين أظهر استيائه من خلافة أبي بكر. فيروي الطبري أن عليًا قد تخلف عن بيعة أبي بكر لمدة ستة أشهر كاملة، ووافقه في هذا الأمر بنى هاشم جميعًا[12]. بل ذكرت بعض الروايات أن الخلاف وصل إلى مرحلة خطيرة، فيذكر الطبري أن عمر بن الخطاب قد أتى منزل علي وفاطمة الزهراء -وكان فيه عدد من مؤيدي علي ومناصريه ومنهم طلحة والزبير- فقال عمر لـعلي وأصحابه مهددًا إياهم: “والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة”[13]، وعندما سمع الزبير قول عمر فإنه رفع سيفه، وكادت الأمور ان تسير للاقتتال والحرب. ومع مرور الوقت، اضطر أغلب الهاشميين لبيعة أبي بكر، وذلك بعد أضحت خلافته أمرًا واقعًا لا سبيل لتغييره.

من الملاحظات المهمة التي تجدر بنا الإشارة إليها في سياق الحديث عن حادثة السقيفة، أنه -وعلى الرغم من وجود المئات من الروايات المتضاربة بخصوص ما جرى من أحداث في اجتماع السقيفة- فإن أيً من تلك الروايات لم تتطرق لرفض أي فئة من الفئات الإسلامية لتعيين خليفة، ليكون مسؤولًا عن قيادة وزعامة المجتمع الإسلامي عقب وفاة النبي. فمعظم الروايات التاريخية أشارت لوجود خلاف بين الأحزاب الثلاثة -الأنصار، والقريشيين، والهاشميين- حول هوية الخليفة، ولكنها -أي الروايات التاريخية- لم تذكر شيئًا عن استهجان فكرة وجود شخص يخلف النبي في رعاية المصالح الدنيوية وتطبيق أحكام الدين. يوضح غياب ذلك النوع من الروايات حالة التماهي والتداخل التي وقعت في المجتمع الإسلامي منذ اللحظات الأولى لتأسيسه. مما يمهد لما سيحدث فيما بعد عندما تسببت الخلافات السياسية في ظهور وتشكل أهم الأفكار والرؤى التي تبنتها المذاهب الفكرية الإسلامية المختلفة.

حروب الردة

بعد أن استقر الأمر لأبي بكر فإن الصراعات السياسية الداخلية بين المسلمين لم تلبث أن انزوت وخبت، وواجه المسلمون خطرًا شديدًا كاد أن يقوض أركان دولة المدينة، وكان هذا الخطر هو حركة الردة التي انتشرت في شتى أنحاء الجزيرة العربية.

خرجت معظم القبائل العربية على سلطة الخليفة الأول، ولم يبق من الحواضر والمدن العربية التي احتفظت بولائها لسلطة دولة المدينة المركزية سوى عدد قليل مثل المدينة المنورة، ومكة، والطائف. بشكل عام، يمكن أن نقسم حركة الردة التي واجهها الخليفة الأول إلى 3 أقسام رئيسية: –

  • مانعو الزكاة

وهم القبائل العربية التي رفضت أن تدفع الزكاة إلى الخليفة الأول، وكانت ترى أن الإسلام ألزمهم بدفع الزكاة إلى الرسول فقط، وأنهم غير ملزمين بدفعها إلى أي شخص أخر، وكانوا يستندون في ذلك الى الآية الكريمة “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها”[14].

  • المرتدون

وهذا القسم ضم القبائل العربية التي ارتدت عن الإسلام بمجرد أن وصلها خبر وفاة الرسول، وقد رجع معظمهم إلى الأديان الوثنية التي كانوا يعتنقونها قبل إسلامهم.

  • أتباع مدعي النبوة

وهي القبائل العربية التي أتبعت بعض الرجال الذين ادعوا أنهم أنبياء ومرسلين من عند الله، وأنهم شركاء للرسول في أمر الرسالة، وقد ظهر بعض هؤلاء المدعين في أُخريات عهد الرسول، ولكن خطرهم تزايد وتفاقم بشكل كبير وخطير عقب وفاته. ومن هؤلاء كل من “مسيلمة الكذاب، طُليحة بن خويلد الأسدي، سجاح التميمية”.

تذكر الروايات التاريخية، أن الخليفة الأول واجه حركات الردة بكل حزم وقوة، فعزم على قتال القبائل الخارجة عن سلطته بالرغم من معارضة عدد كبير من الصحابة ومنهم مستشاره الأول عمر بن الخطاب الذي كان يرى ضرورة مهادنة تلك القبائل وعدم التسرع في قتالهم خصوصًا وأن المسلمين كانوا يعانون في تلك المرحلة الدقيقة من ضعفهم وعدم استكمالهم لقوتهم العسكرية التي يمكنها ان تواجه الحشود القبلية الغفيرة التي خرجت عليهم. في هذا المعنى، ذكر خليفة بن خياط في تاريخه، أن أبا بكر الصديق قد رفض اقتراح عمر، وأعلن عن مبدئه في التعامل معهم بقوله: “والله لو منعوني عقالًا مما أعطوا رسول الله لقاتلتهم”[15].

قام أبو بكر بتسيير عدد من الجيوش للقضاء على حركات الردة المختلفة في عموم شبه الجزيرة العربية، وعيّن على تلك الجيوش مجموعة من القادة، ومنهم “خالد بن الوليد، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن ابي جهل”. بعد شهور من القتال العنيف، استطاعت جيوش المسلمين أن تقضي على حركات الردة، وقُتل مسيلمة الكذاب في موقعة اليمامة، فيما رجع كل من طُليحة بن خويلد الأسدي، وسجاح إلى اعتناق الدين الإسلامي مرة أخرى. وبهزيمة المرتدين، عادت الجزيرة العربية مرة أخرى لاعتناق الإسلام، ليصبح المظلة الجامعة التي توحدت تحتها جميع القبائل العربية.

جمع القرآن

من أهم الأمور التي تمت في خلافة أبي بكر الصديق، هو أمر القيام بجمع القرآن الكريم. ترى الروايات السنية المتواترة أن تلك العملية قد قام بها الخليفة الأول بمشورة من عمر بن الخطاب، وذلك بعد استشهاد الكثير من حفظة القرآن في حروب الردة عمومًا، وموقعة اليمامة خصوصًا[16]. ينقل محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه الرواية التي تتناول مسألة جمع القرآن في عهد أبي بكر، فيقول: “إن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه -وكان ممن يكتب الوحي -قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن”، قال أبو بكر: قلت لعمر: «كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري”[17].

وقد وردت تلك الرواية في الكثير من كتب الحديث والتاريخ السنية الأخرى[18]، وبلغت درجة كبيرة من درجات التواتر والذيوع بين المسلمين. إذا ما انتقلنا إلى المصادر الشيعية، وجدنا أن هناك سياق روائي يختلف تمامًا عن السياق السني الذي تطرق لعملية جمع القرآن. حيث تورد المصادر الشيعية أن عليًا بن أبي طالب لمّا أختلف مع الصحابة حول مسألة الخلافة والحكم “ولما رأى غدرهم وقلة وفائهم له، لزم بيته وأقبل على الصحف والشظاظ والأيسار والرقاع، فلما جمعه كله وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه أبو بكر أن أخرج فبايع، فبعث إليه علي: إني مشغول وقد آليت على نفسي يمينًا ألا أرتدي رداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه”. فسكتوا عنه ايامًا فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله، فنادى علي عليه السلام بأعلى صوته “يا أيها الناس، إني لم أزل منذ قبض رسول الله مشغولًا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله تعالى على رسول الله آية إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد جمعتها وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله وعلمني تأويلها”. ثم قال لهم علي عليه السلام: لئلا تقولوا غدًا إنا كنا عن هذا غافلين. ثم قال لهم علي عليه السلام: لئلا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته، فقال عمر: ما أغنانا ما معنا من القرآن عما تدعونا إليه! ثم دخل علي عليه السلام بيته”[19].

خلافة عمر بن الخطاب

بعد القضاء على حركة الردة، وجد المسلمون في أراضي الشام وبلاد فارس، مجالًا جديدًا لنشر الدعوة والتوسع المادي، ولذلك سرعان ما استخدموا قوتهم الفتية فى ضرب معاقل البيزنطيين والفرس المتهالكة، ووسط تلك الاحداث، مرض أبو بكر مرضًا شديدًا فرأى أن يعين خليفة له، واستقر رأيه على تعيين عمر بن الخطاب واستشار فى ذلك الأمر عددًا من الصحابة الكبار ومنهم عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وأُسيد بن حضير، وسعيد بن زيد، وطلحة بن عُبيد الله[20]. وقد وافق جميع هؤلاء الصحابة على اختيار عمر ووجدوا فيه اختيارًا صائبًا موفقًا، وبالفعل تولى عمر بن الخطاب منصب الخلافة فى عام 13 هـ /634م بعد وفاة أبي بكر الصديق.

ونلاحظ هنا، أن تولى عمر لمنصب الخلافة كان -في حقيقته- استمرارًا لنتائج اجتماع السقيفة، فـعمر كان الرجل الثاني فى حزب المهاجرين بعد أبي بكر، وكانت له اليد العليا فى استخلاف الصديق عندما بادر بمبايعته فبايعه الناس من ورائه. على الجانب المقابل، تباينت مواقف الحزبين الأخريين من استخلاف عمر. فقد قبل الأنصار بالأمر الواقع وبايعوا. فيما أظهر الهاشميين امتعاضهم وغضبهم في البداية، قبل أن يبايعوا في نهاية المطاف بدورهم.

فى عهد عمر بن الخطاب، اتسعت رقعة الدولة الاسلامية بشكل كبير، فشملت العراق ومصر وبلاد فارس وفلسطين وسوريا والأردن بالإضافة إلى الجزيرة العربية، وقد أدى ذلك إلى أن بعضًا من كبار الصحابة قد زادت أملاكهم بشكل كبير فى الأراضي والبلدان المفتوحة، وكونت تلك الأموال ما يشبه الإقطاعيات التي مثلت دوائر نفوذ مهمة لأصحابها، ومثال على ذلك أن مدينتي الكوفة والبصرة اللتان تم تأسيسهما فى عهد عمر بن الخطاب، قد صارتا معقلين لاثنان من كبار الصحابة وهما طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام على الترتيب. رغم ذلك، استطاع عمر أن يحافظ على وحدة الدولة، وأن يفرض نوعًا من السيطرة المركزية على جميع الولايات والاقاليم التابعة للخلافةـ ولذلك لم نسمع أن أحدًا من الصحابة أو ولاة الأقاليم قد أقدم على مخالفة عمر، أو حاول أن يخرج عن سلطانه.

 

مراجع المقال:

[1]  الحديث المقصود هو “افترقتِ اليَهودُ علَى إحدَى وسبعينَ فرقةً فواحدةٌ في الجنَّةِ وسبعونَ في النَّارِ وافترقتِ النَّصارى علَى ثِنتينِ وسبعينَ فرقةً فإحدَى وسبعونَ في النَّارِ وواحدةٌ في الجنَّةِ والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لتفترِقَنَّ أمَّتي علَى ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً واحدةٌ في الجنَّةِ وثِنتانِ وسبعونَ في النَّار قيلَ يا رسولَ اللَّهِ مَن هم قالَ الجماعَةُ”

[2]صلاح الدين محمد نوار، نظرية الخلافة او الإمامة وتطورها السياسي 11-41هـ/611-632م: دراسة تحليلية ونقدية مقارنة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1996م، صـ25

[3]المرجع نفسه، صـ25

[4] تقع سقيفة بني ساعدة في الجهة الشمالية الغربية من المسجد النبوي.

[5] عارف تامر، الإمامة في الاسلام، دار الأضواء، بيروت، 1998م، صـ 57

[6] أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، تحقيق: – عبد الأمير مهنا، شركة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 2010م، جـ2، صــ7

[7] الجوهري، السقيفة وفدك، تجميع وجمع وتحقيق: – د/محمد هادي الأميني، مكتبة نينوى الحديثة، طهران، د.ت، ص59

[8] صابر طعيمة، دراسات فى الفرق، مكتبة المعارف، الرياض، د.ت، صــــــــ11

[9] أحمد بن ابى يعقوب، تاريخ اليعقوبي، جـ2، صـ8

[10] ابن أبي جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، جـ3، صـــــ254

[11] أحمد أمين، فجر الإسلام، ط10، دار الكتاب العربي، بيروت،1969م، صـــــــ252

[12] المصدر نفسه، جـ3، صـ257

[13]المصدر نفسه، جـ3، صـ254

[14] التوبة، الآية 103

[15] خليفة بن خياط، تاريخ خليفة بن خياط، ط2، تحقيق: – أكرم ضياء العمري، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض،1985م، ص 101

[16] ستار جبر الأعرجي، النسخ وعلاقته بجمع القرآن عند المستشرقين، مجلة دراسات استشراقية، العدد الأول، صيف 2014م، ص167؛ عيسى متقي زاده، جمع القرآن من النبي والإمام علي من وجهة نظر المستشرقين وأهل السنة، تعريب:- حسن علي مطر، مجلة دراسات استشراقية، العدد الثاني، خريف 2014م، ص15؛ راينر براينر، الخلاف بين الشيعة والسنة في القرن العشرين على تحريف القرآن الكريم، ترجمة:- محمد سعد كمال، مركز نماء للدراسات والأبحاث، شوهد في “15/12/2017م”، الرابط
http://www.nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?id=40836

[17] صحيح البخاري، ج6، ص71، حديث رقم 4679

[18] مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص238، حديث رقم 76؛ الترمذي، سنن الترمذي، ج5، ص283، حديث رقم 3103؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص22؛ النسائي، السنن الكبرى، ج7، ص252، حديث رقم 7948؛ أبي داود، المصاحف، تحقيق: -محمد عبده، الفاروق الحديثة، القاهرة، 2002م، ص55؛ الطبراني، المعجم الكبير، ج5، ص130، حديث رقم 4843؛ البيهقي، السنن الكبرى، ج2، ص60، حديث رقم 2372؛ المؤلف نفسه، دلائل النبوة، ج7، ص148؛ المقريزي، امتاع الاسماع، ج4، ص243؛ المتقي الهندي، كنز العمال، ج2، ص571، حديث رقم 4751

[19] سليم بن قيس، كتاب سليم، ص146 -147؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص22؛ ابن النديم، الفهرست، ص42 -43؛ الطبرسي، الاحتجاج، ص82

[20] على محمد الصلابي، الشورى فريضة إسلامية، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، 2010م، صـ47

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete