تكوين
عبر تاريخها الطويل، شهدت الحضارة العربية الإسلامية ظهور العديد من الفرق العقائدية والسياسية والفكرية. تنازعت تلك الفرق على ادعاء احتكار النسخة الأصلية من الإسلام، وزعم أصحاب كل فريق إنهم يمثلون “الفرقة الناجية” المُشار إليها في الحديث الشهير المنسوب إلى النبي[1]، في الوقت ذاته، رمت كل فرقة الفرق الأخرى بالبدعة والكفر والخروج عن التعاليم الأرثوذكسية القويمة. الأمر الذي تسبب في غياب التسامح ونشر الروح الإقصائية في العديد من الفترات التاريخية.
بحسب السرديات التقليدية المُتخيلة الرائجة في الأوساط الثقافية- الشعبية عند كل فرقة، فإن أفكار هذه الفرقة ذات مصدر إلهي لا يمكن التشكيك في صحته، لأنها -أي الفرقة- هي النموذج الأمثل والأكثر كمالًا لتطبيق الإسلام الصحيح. يخالف ذلك الاعتقاد أبسط مبادئ علوم التاريخ والسيسيولوجيا، والتي تؤكد على أن الأفكار العقائدية والمذهبية إنما خضعت -عبر الزمن- لعوامل الأخذ والرد، والإضافة والتعديل، والتفاعل والاشتباك مع غيرها من الأفكار. من هنا، لا يمكن الحديث عن أفكار مذهبية ثابتة أصيلة، إلهية المصدر بقدر ما يمكن القول بأن: تلك الأفكار قد تكونت وتشكلت من خلال مجموعة كبيرة من التفاعلات المرنة مع الواقع المُعاش، وما صاحبه من سياقات سياسية واقتصادية واجتماعية. بما يتقارب مع أطروحات الديالكتيك الصاعد الذي يشكل فيه الواقع الفكرة ويقوم بصياغتها. في هذه السلسلة سنعمل على استعراض تاريخ الفرق الإسلامية، لنرى كيف ظهرت في بادئ الأمر، والطريقة التي تشكلت بها عبر السنين، إلى أن نضجت وأخذت صورتها النهائية المعتمدة.
الشورى واختيار عثمان بن عفان
قُتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في سنة 23هـ على يد أحد الفرس الموتورين، أثناء أداء صلاة الفجر في المسجد النبوي في المدينة المنورة. بعد إصابة الخليفة الثاني وتيقن الناس من دنو أجله، طلب المسلمون من عمر بن الخطاب أن يختار لهم خليفة من بعده، حتى لا يصيبهم اختلاف أو تنازع في أمر الحكم. بحسب الروايات التاريخية، فأن عمر في تلك الفترة لم يكن قد حسم أمر خلافته، ولم يكن قد أستقر على شخصية محددة لزعامة دولة الإسلام من بعده، ولذلك وبعد طول نقاش مع مستشاريه وأصحابه، لجأ لحل وسط، وهو أن يختار مجموعة من الرجال من ذوي المكانة المتميزة في المجتمع الإسلامي، وأن يوكل لهم أمر اختيار خليفته من بينهم. وكان عدد هؤلاء الرجال ستة، وهم: “عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عُبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص”. وقد فسر عمر اختياره لتلك الأسماء تحديدًا دونًا عن غيرها، بأنهم من ضمن الصحابة الذين توفى الرسول وهو عنهم راض.
على فراش الموت، وضع عمر مجموعة من الضوابط والقيود لتنظيم عملية الشورى، منها أن يتم الاختيار بالأغلبية، فإذا اتفق أربعة من الرجال الستة على شخص منهم وجب تنصيبه كخليفة حتى لو رفض الاثنان الباقيان، وفي حالة انقسام الرجال الستة إلى فريقين متساويين عدديًا فإنه يتم تحكيم عبد الله بن عمر بن الخطاب لاختيار الخليفة دون أن يكون له فرصة في الترشح. وفي حالة أن رفض الرجال الستة تحكيم ابن عمر، فإن عبد الرحمن بن عوف هو الذي يضطلع بدور المحكم، فيتم اختيار المرشح الذي أختاره فريق ابن عوف. في السياق نفسه، أمر عمر مجموعة من الأنصار ليتأكدوا من تطبيق البنود التي حددها بكل دقة، وعهد لهم بتنفيذها حتى لو تطلب ذلك اللجوء إلى السلاح والقوة[2].
بعد أيام من النقاش الطويل، أعلن عبد الرحمن بن عوف أن عثمان بن عفان هو الخليفة الجديد الذي سيقود الدولة الإسلامية. وهنا تجدر الإشارة لمجموعة من الملاحظات المهمة على حادثة الشورى.
- أن الشورى – في حقيقة الأمر-كانت بمثابة امتداد تاريخي لنتائج اجتماع سقيفة بني ساعدة، فالرجال الستة الذين أدخلهم الخليفة الثاني في الشورى، كانوا من قريش ولم يكن أي منهم من الأنصار، بل إن دور الأنصار قد انحصر في مراقبة النقاش الذي دار بين أصحاب الشورى، وتنفيذ الشروط التي أملاها الخليفة الثاني قُبيل وفاته فحسب.
- أنه وعلى العكس مما حدث في السقيفة، فأننا لا نجد أي روايات تاريخية تتحدث عن غضب الأنصار من غياب تمثيلهم في الشورى. الأمر الذي يدل على أن نوعًا من الرضا والقبول قد ساد في أوساط الأنصار في تلك الفترة، وأنه قد حدث تحول فكري عند الأنصار، وبموجبه تم الاعتراف بحق قريش في الخلافة دونًا عن غيرها من باقي القبائل.
- أن القبائل العربية التي انتفضت على حكم أبي بكر الصديق فيما عُرف بـ”حروب الردة”، كانت قد تعرضت للعديد من التغيرات الاجتماعية والفكرية المهمة بفعل المستجدات التي حدثت في الدولة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب والتي كان من أهمها توسع دائرة الفتوحات الإسلامية وما نتج عنها من ازدهار اقتصادي كبير، مما جعل تلك القبائل توافق على استمرار السيادة القرشية على الحكم، ولا تلجأ إلى أي شكل من أشكال التمرد أو العصيان بعد وفاة الخليفة الثاني.
- أن الشورى كانت مقدمة تاريخية مبكرة لما سيحدث بعد ذلك من منازعات وصراعات سياسية، ويشهد على ذلك قول معاوية بن أبي سفيان “لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم ولا خالف بينهم إلا الشورى التي جعلها عمر في ستة نفر… لم يكن رجل منهم رجاها لنفسه، ورجاها له قومه وتطلعت إلى ذلك نفسه” ([3]).
ثورة الأمصار
يروي اليعقوبي فى تاريخه، أن خلافة عثمان بن عفان حافظت على هدوئها واستقرارها لمدة ست سنوات، وبعدها نقم الناس على الخليفة لأسباب مختلفة[4]، وكان أقوى تلك الأسباب وأكثرها تأثيرًا أنه -أي عثمان- قد فضل أهله من الأمويين، وعينهم في العديد من المراكز المهمة في الدولة. ومن هؤلاء كل من عبد الله بن عامر بن كريز والي البصرة، وسعيد بن العاص والي الكوفة. وعبد الله بن أبي سرح والي مصر، ومعاوية بن أبي سفيان والي الشام[5]. كذلك غضب الناس من عثمان لبعض القرارات التي صدرت من جانبه، ومنها ضرب عمار بن ياسر “حتى فتقت أمعائه”، وضرب عبد الله بن مسعود “حتى كسرت أضلاعه”، ووضعه المصحف الإمام وحرقه مصاحف الصحابة، ونفيه لأبي ذر الغفاري إلى الربذة، ورد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة، وإعطائه مروان بن الحكم خُمس غنائم فتح تونس/ إفريقية، وعدم قتله لعبد الله بن عمر قصاصًا لقتله الهرمزان[6].
مع تزايد حالة الغضب ضد الخليفة الثالث، اندلعت ضده الثورة المعروفة باسم “ثورة الأمصار”. بحسب الروايات التاريخية فإن عثمان لم يدرك حالة الغضب المتزايد ضده في أول الأمر. تذكر إحدى الروايات أن بعض الرجال قد دخلوا عليه وسألوه “أيأتيك ما يأتينا؟ فقال لهم: لا، ما جائني إلا السلامة، فقالوا له: فإنا قد أتانا كيت وكيت”[7]. لمّا عرف عثمان بتزايد الغضب ضد سياساته، لجأ إلى استشارة عماله وولاته الذين كانوا أقرب الناس إليه، فاستدعى كل من عبد الله بن عامر والي البصرة ومعاوية بن أبي سفيان والي الشام وعبد الله بن سعد بن أبي السرح والي مصر، كما استدعى اثنين من الولاة السابقين وهما سعيد بن العاص وعمرو بن العاص، وسأل الخليفة مستشاريه عن كيفية التصرف إزاء الوضع الخطير القائم في الدولة، فاختلفت إجابة كل واحد منهم عن إجابة صاحبه. أشار سعيد بن العاص بقتل الرجال الذين تسببوا في اشتعال الثورة والذين قاموا بالتحريض على الخليفة، وقال عبد الله بن سعد لعثمان: “خذ من الناس الذي عليهم إذا اعطيتهم الذي لهم، فإنه خير من أن تدعهم”. أما والي الشام معاوية بن أبي سفيان فقد أعلن أن أهل الشام غير مشاركين في هذه الفتنة وأنه يجب على الولاة الأخرين أن يلتزموا بحفظ الأمن في ولايتهم ويقوموا على تأديب الخارجين على الدولة فيها. وعندما جاء الدور على عمرو بن العاص، فإنه نصح عثمان بضرورة استخدام سياسة عمر بن الخطاب الحازمة الصارمة، فقد قال لعثمان: “أرى إنك قد لنت لهم، وتراضيت عنهم وزدتهم عما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريقة صاحبك فتشد في موضع الشدة، وتلين في موضع اللين، إن الشدة تنبغي لمن لا يألوا الناس شرًا، واللين لمن يخلف الناس بالنصح، وقد فرشتهما جميعًا باللين”. تذكر المصادر أن الثورة وصلت لذروتها بعدما قدم الثوار من البصرة والكوفة ومصر، والتقوا بعثمان واشتكوا له من المظالم التي يعانون منها في ولاياتهم فوعدهم بالتحقيق في شكواهم واجابة مطالبهم. بعدها، اتفق الثوار على الرجوع إلى أمصارهم، وفي أثناء رجوعهم قبض ثوار مصر على أحد الرجال الذين شكوا في أمره، وعند تفتيشه وجدوا معه خطاب موجه إلى عبد الله بن سعد والي مصر من عثمان بن عفان، حمل الخطاب أمر الخليفة بالقبض على بعض الثوار وبقتل بعضهم عند وصولهم لمصر، فغضب عندها الثوار المصريون ورجعوا مرة أخرى إلى المدينة المنورة، كما رجع الثوار الكوفيون والبصريون كذلك. والتقوا بعثمان وعرضوا الخطاب عليه طالبين منه تفسيره، فأنكر الخليفة أنه قد كتب مثل ذلك الكتاب، وعندها أيقن الثوار أن ذلك الكتاب قد كُتب بمعرفة مروان بن الحكم إذ كان هو الوحيد الذي يستطيع أن يختم الخطاب بختم الخليفة لأنه كان كاتبه ومستشاره الأول، فطلب الثوار من عثمان أن يسلم مروان إليهم لعقابه، فرفض عثمان ذلك فزاد عندها غضب الثوار.
تطورت الأمور بسرعة بعد ذلك، قابل الثوار الخليفة في المسجد، وفي أثناء مناقشته في طلباتهم قاموا بحصب عثمان حتى “صُرع عن المنبر مغشيًا عليه”[8]. بعدها قاموا بحصار بيت الخليفة، ومنعوا عنه الماء، كما منعوه من الخروج لإمامة الصلاة. وهناك اختلاف حول مدة حصار الثوار لمنزل الخليفة. فبينما تذكر بعض الروايات أن تلك المدة كانت 20 يوم فقط، توجد روايات أخرى تزيد تلك المدة إلى 80 يوم[9]. وفي 18 ذي الحجة عام 35 هـ /17 يونيو 656م، وصلت تلك الأحداث المتسارعة إلى نهايتها بعدما قُتل عثمان بن عفان على أيدي بعض الثوار الذين اقتحموا منزله.
موقف الصحابة من الثورة على عثمان
كانت مسألة مشاركة الصحابة فى الثورة على الخليفة الثالث عثمان بن عفان، من أهم المسائل وأكثرها حرجًا وصعوبة على كل من تطلع إلى تأريخ أحداث تلك الثورة. فالتراث الديني السني يرى فى صحابة الرسول -وخصوصًا الذين أُطلق عليهم العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم من السابقين الأولين وزوجات الرسول- شخصيات على قدر كبير من القداسة والإجلال، بحيث لا يجوز التعرض لهم أو إقحامهم فى أحداث تلك الثورة، إلا على النحو الذي يظهرهم فى جانب الخليفة مدافعين عنه وواقفين فى صفه. على الجانب المقابل، تؤكد الروايات التاريخية المتواترة أن العديد من الصحابة شاركوا -بشكل أو بأخر- في أحداث تلك الثورة. على سبيل المثال، كتب ابن جرير الطبري فى تاريخه ناقلًا عن الواقدي، أنه في عام 34هـ كتب أصحاب الرسول “بعضهم إلى بعض أن أقدموا، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد، وكثر الناس على عثمان، ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد، وأصحاب رسول الله يرون ويسمعون، ليس فيهم أحد ينهي ولا يذب إلا نفير”[10]. في السياق نفسه، وردت بعض الروايات التي تنسب أحداث الثورة لعدد من كبار الصحابة، على سبيل المثال، ذُكر على لسان سعد بن ابى وقاص أنه قال: “قتل عثمان سيف سلته عائشة، وشحذه طلحة، وسمه علي، وأشار الزبير بيده وصمت لسانه”[11].
من ضمن الروايات التي تصف الأدوار التي اضطلع بها الصحابة في الثورة، ما نُقل على لسان عمرو بن العاص “والله إني كنت لألقى الراعي فأحرضه على عثمان”[12]. وما قيل إن: عبد الرحمن بن عوف قد أظهر غضبه من سياسات عثمان قبل وفاة الأول في سنة 32ه، حتى أن عثمان لمّا قدم لزيارته في مرضه الأخير فإن عبد الرحمن قد تحول إلى الحائط لا يكلمه[13]. في السياق نفسه، تذكر الروايات التاريخية أن أبا ذر الغفاري اعترض على السياسات المالية التي اعتمدها كل من عثمان، ووالي الشام معاوية بن أبي سفيان. حتى أن عثمان أمر بترحيل أبي ذر من الشام إلى المدينة، وصدر أمر الخليفة بعدها بنفي أبي ذر إلى الربذة. الأمر نفسه وقع مع عمار بن ياسر، الذي كان أحد أعمدة المعارضة السياسية الأكثر فاعلية وتأثيرًا ضد الخليفة والنظام الأموي الحاكم كله، وكانت مسألة السياسة المالية للدولة إحدى النقاط التي اعترض فيها عمار على الخليفة الثالث. يذكر ابن العبري أن عثمان لمّا بلغه غضب الناس من توزيع المال على أقربائه من بنى أمية فأنه خطب قائلًا: “هذا مال الله أعطيه من شئت، وأمنعه ممن شئت، فأرغم الله أنف من رغم أنفه”، فقام عمار بن ياسر قائلًا: “فأنا أول من رغم أنفه”، فتعرض له الأمويين بالضرب والإيذاء حتى فقد وعيه[14]. كما توجد بعض الروايات التي تذكر أن الضرب الذي ضربه الأمويين لعمار كان من الشدة بحيث “فتقت أمعاءه”.
أيضًا، ذكرت المصادر التاريخية أن عائشة بنت أبي بكر غضبت من عثمان، بعدما ساوى بين زوجات النبي في العطاء. يقول اليعقوبي مفسرًا تلك النقطة: “كان بين عثمان وعائشة منافرة وذلك لأنه نقصها مما كان يعطيها عمر بن الخطاب، وصيرها أسوة غيرها من نساء رسول الله”[15]. يذكر اليعقوبي كذلك أن عائشة وجهت انتقاداتها لعثمان في أكثر من موقف. من ذلك أنها -أي عائشة- أخرجت قميص النبي من حجرتها ذات يوم ونادت في المسلمين المجتمعين في المسجد النبوي: “يا معشر المسلمين، هذا جلباب رسول الله لم يبل، وقد أبلى عثمان سنته، فقال عثمان: رب اصرف عني كيدهن إن كيدهن عظيم”[16]. وفى رواية أخرى، ورد أن عائشة قد أخرجت شعرة من شعر رسول الله ونعله وثيابه، وقالت: “ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم فقال عثمان في آل أبي قحافة ما قال، وغضب حتى ما كاد يدري ما يقول”[17].
إقرأ أيضاً: تاريخ الفرق الإسلامية: قراءة سوسيولوجية…الإرهاصات التاريخية: الجزء الثاني
من جهة أخرى، تتفق المصادر التاريخية على ذكر الدور الكبير الذي لعبه طلحة بن عُبيد الله في التحريض على عثمان. يقول ابن الطقطقا: “…وأما طلحة رضى الله عنه، فإنه كان من أكبر المساعدين على عثمان وهذا تشهد به جميع التواريخ”[18]. كما إن ابن سيرين يذكر عند الحديث عن دور الصحابة فى الثورة على الخليفة الثالث، أنه لم يكن أحد من أصحاب النبي “أشد على عثمان من طلحة”[19]. وحتى الروايات التي تذكر رأي عثمان فى الصحابة في أواخر أيامه، فأنها تشهد بوضوح وجلاء على أن عثمان كان يعتقد أن طلحة أحد أعمدة المعارضة والثورة الرئيسية ضده، ففي إحدى الروايات يقول عثمان: “ويلي من طلحة….. اعطيته كذا وكذا ذهبًا وهو يروم دمي”[20]. أيضًا، تذكر الروايات دورًا مهمًا لعلي بن أبي طالب في أحداث الثورة. فقد عاب علي على عثمان تولية معاوية بن أبي سفيان للشام واستبداده بحكم تلك الولاية العظيمة دون الرجوع للخليفة، وفسر ذلك بقوله: “إن معاوية يقطع الأمر دونك، وأنت تعلم، فيقول للناس: هذا أمر عثمان، فيبلغك، فلا تغير على معاوية” [21]. كذلك ورد أن عليًا قد عاب على عثمان تمكينه ابن عمه مروان بن الحكم من زمام الخلافة، فكان مما قاله له إبان الثورة: “أما رضيت من مروان ولا رضى منك إلا بإفساد دينك وخديعتك عن عقلك وأني والله لأراه سيوردك ثم لا يصدرك وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك” [22]. وهكذا، اتفقت المصادر التاريخية مع بعضها البعض على التأكيد على الأدوار الكبيرة التي اضطلع بها الصحابة في الثورة على الخليفة الثالث، وهو الأمر الذي ستظهر آثاره فيما بعد فيما يتعلق بنظرة المذاهب الإسلامية لمكانة الصحابة.
المراجع:
[1] الحديث المقصود هو “افترقتِ اليَهودُ علَى إحدَى وسبعينَ فرقةً فواحدةٌ في الجنَّةِ وسبعونَ في النَّارِ وافترقتِ النَّصارى علَى ثِنتينِ وسبعينَ فرقةً فإحدَى وسبعونَ في النَّارِ وواحدةٌ في الجنَّةِ والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لتفترِقَنَّ أمَّتي علَى ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً واحدةٌ في الجنَّةِ وثِنتانِ وسبعونَ في النَّار قيلَ يا رسولَ اللَّهِ مَن هم قالَ الجماعَةُ”
[2] للمزيد حول الشورى وكيفية تنظيم عمر بن الخطاب لها، راجع صحيح البخاري، ج5، ص15، حديث رقم 3700؛ عبد الرزاق الصنعاني، مصنف عبد الرزاق، ج5، ص477؛ أبو بكر ابن أبي شيبة ت235ه، المصنف في الأحاديث والأثار، تحقيق:- كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، 1409ه، ج7، ص439، حديث رقم 37074؛ ابن سعد، الطبقات الكبير، ج3، ص45؛ ابن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص560، حديث رقم 557؛ ابن شبة، تاريخ المدينة، ج3، ص895؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج5، ص506؛ مسكويه، تجارب الأمم، ج1، ص417 – 421؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص53؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج4، ص234؛ المطهر بن طاهر المقدسي، البدء والتاريخ، ج5، ص190؛ الطبري، المسترشد، ج1، ص 364 – 365؛ أبي القاسم إسماعيل بن محمد ابن الفضل بن علي التيمي ت535هـ، المبعث والمغازي، وثق رواياته:- محمد بن خليفة الرباح، دار الوليد، طرابلس، 2010م، ج1، ص854؛ ابن الأثير، الكامل، ج2، ص442؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج18، ص404؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، ج3، ص304؛ أبو الفدا، المختصر في أخبار البشر، ج1، ص165؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص147؛ ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، ج1، ص262؛ السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص122؛ محب الدين الطبري، الرياض النضرة، ج2، ص410؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج29، ص530؛ المؤلف نفسه، مرآة العقول، ج5، ص295؛ علي الحسيني الميلاني، شرح منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، مركز الحقائق الإسلامية، قم، 1428ه، ج3، ص89- 91؛ محمد محمدي الإشتهاردي، سيرة المعصومين الأربعة عشر، ج1، ص216؛ حاتم كريم جياد، الإمام علي في كتابات بعض المستشرقين الفرنسيين، مجلة دراسات استشراقية، العدد الثاني، خريف 2014م، ص70- 71
([3]) ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1404ه، ج5، ص33؛ نغم الكنعاني، المواقف السياسية للأئمة، ص107
[4] أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، جـ2، صـ70
[5] ابن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، جـ5، صــ200-201
[6] أبو بكر بن العربي المالكي، العواصم من القواصم، ص 280-291
[7] ابن مسكويه، تجارب الأمم وتعاقب الهمم، ج1، ص 278
[8] ابن مسكويه، تجارب الأمم وتعاقب الهمم، ج 1، ص282
[9] محمد بن عبد الله الغلبان، فتنة مقتل عثمان بن عفان، مكتبة العبيكان، الرياض،1999م، ص 139
[10] الطبري، تاريخ الرسل والملوك، جـ5، صـ145
[11] سعيد الأفغاني، عائشة والسياسة، صـ55
[12] ابن الأثير، الكامل، جـ3، صـ55؛ العقاد، عبقرية الإمام، صـ76
[13] نبيل فياض، يوم انحدر الجمل من السقيفة، صـ78
[14] ابن العبري، تاريخ مختصر الدول، صـ179
[15] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، جـ2، صـ72
[16] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، جـ2، صـ72؛ الشيخ المفيد، الجمل، صـ76
[17] المطهر بن طاهر المقدسي، البدء والتاريخ، جـ5، صـ205
[18] ابن الطقطقا، الفخري، صـ85
[19] ابن عبد ربه، العقد الفريد، جـ5، صـ49
[20] العقاد، عبقرية الإمام، صـ75
[21] مسكويه، تجارب الأمم، ج1، ص434؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج4، ص338؛ ابن الجوزي، المنتظم، ج5، ص45
[22] البلاذري، أنساب الأشراف، ج5، ص554؛ مسكويه، تجارب الأمم، ج1، ص448؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج4، ص362؛ ابن الأثير، الكامل، ج7، ص173؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج19، ص90؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص173