تكوين
مقدمة:
هذا هو الجزء الثالث والأخير من سلسلة (تكوين طه حسين) التي حاولنا أن نستقصي فيها بذور وجذور تكوين طه حسين، الفكري والمعرفي والثقافي، ومراحل هذا التكوين وتطوره، وكنا قد أسسنا هذا التناول والاستقصاء في تتبع المصادر الفكرية والثقافية والعلمية في (تكوين طه حسين)، وفق ذلك التقسيم “الخماسي” الذي يكاد يُجمع أبرز من سجلوا سيرة العميد، ومسيرة حياته الحافلة، على كل المستويات، على أنها استوعبت مراحل “النشأة” و”التكوين” و”التطور” في حياة العميد منذ ميلاده وحتى رحيله، ولا بأس بأن نذكر بها مرة أخرى سريعًا؛ كالتالي:
- المرحلة الأولى: النشأة والتكوين (1889-1910) منذ الميلاد إلى الخروج من الأزهر.
- المرحلة الثانية: الاختمار والعبور من “الجامعة” إلى “السوربون” (1910-1919).
- المرحلة الثالثة: العودة من فرنسا “أستاذًا” وصولًا إلى “العمادة” (1920-1930).
- المرحلة الرابعة: (1930-1952) من العمادة إلى الوزارة.. المفكر سياسيًّا.
- المرحلة الخامسة والأخيرة: (1952-1973) مفكرًا ومجددًا ومصلحًا.
وكنا قد تتبعنا في الجزأين الأوليين المراحل الثلاث الأولى، ونختتم في هذا الجزء الأخير، المرحلتين الأخيرتين، منذ العام 1930 وحتى العام 1973، الذي توفي فيه طه حسين عن 84 عاما.
(هـ)
وقد أشرنا إلى أن أهم ما تمخضت عنه المرحلة الثالثة “الفارقة” في حياة طه حسين، في مجال البحث العلمي، تأصيل فكرة “المنهج“. فقد استحدث طه حسين ثورة كبرى في العشرينيات، أولًا بكتابه الرائد «حديث الأربعاء»، وثانيًا بكتابه «في الشعر الجاهلي» (1926)، وذلك بتطبيق مناهج البحث العلمي التي تعلمها من «العقلانية» الفرنسية منذ (ديكارت)، وعلى أفكار «الوضعية» من (فيكو) إلى (أوجست كونت).
فبدأ كلَّ بحث من بحوثه بنقد المُسلَّمات “النقلية” حتى تثبتها الأدلة العقلية، وطالب بأن يكون بناء اليقين على الاستنتاج والاستقراء معًا، ولم يعد يكتفي بمنطق: (أنا أسمع إذن أنا موجود)، واستعاض عنه بمنطق: (أنا أفكر، إذن أنا موجود).
تعلَّم طه حسين في باريس، ومن فلسفة (ديكارت) على وجه التحديد، أن الأصل في وعي الوجود هو “وعي الفرد” الذي يدرك وجوده باستخدام “عقله”؛ بوصفه الأصل في عقلنة الوعي بالحضور في الوجود، وفي التاريخ، وبالتاريخ، في الوقت نفسه. وهكذا فتح مبدأ «الكوجيتو» الديكارتي نوعَ العقلانية التي التزم بها طه حسين التزامه بالحرية.
وهو الأمر الذي جعله يدرك، على نحو غير مباشر، أنه لا يمكن أن يكون دارسًا كبيرًا للأدب أو النقد أو حتى أديبًا إلا إذا كان قارئًا أصيلًا في الفلسفة، عارفًا معرفة وثيقة بالفلسفة العقلانية، التي تقود الإنسان إلى معرفة الحقيقة بعيدًا عن العَنعَنات التي قد لا تعني شيئًا مؤكدًا في نهاية الأمر[1].
وكان طه حسين، في ذلك الوقت، قد أخذ يكتب في جريدة «السياسة الأسبوعية» التي تولَّى رئاسة تحريرها صديقه الدكتور محمد حسين هيكل، الذي جعل منه مشرفًا على صفحات “الأدب” في الجريدة التي كانت الصوت الناطق لحزب (الأحرار الدستوريين) الذي انضم حماة طه حسين القدامى إليه (آل عبد الرازق).
وأخذ طه حسين يسهم في هذه الجريدة بمقالاتٍ في الأدب والنقد، بدأها بتطبيق المنهج العقلي الذي تعلَّمه في فرنسا. وكانت هذه “العقلانية” تعني الاحتكام إلى العقل، والاعتماد على الاستنتاج المنطقي مصدرًا للمعرفة والتفسير.
وهذا النوع من الاستنتاج يعني، ببساطة، وضع الأفكار والمبادئ والأقوال موضع المُساءلة، بعيدًا عن كل ما يمكن أن ينحرف بِخُطى الاستنتاج المنطقي، سواء من أهواء دينية أو اجتماعية أو سياسية، فما قَبِله العقل في فعل المساءلة، دون حاجة إلى تأويل فهو صحيح، وإن لم يكن كذلك فمن الصعب أن يقبله العقل أو يرضى به.
وكانت «العقلانية»، بهذا المعنى، يتوافق فيها الحديث الديكارتي مع القديم “الاعتزالي” الذي كان يبشِّر به الأستاذ الإمام محمد عبده في الأزهر، وحمله عنه تلامذته الذين انحاز إليهم طه حسين الأزهري ضد مشايخه الذين كانوا على خلاف مع اعتزالية محمد عبده في ذلك الوقت.
ولذلك لم يجد طه حسين تناقضًا بين ما فهمه من آراء ديكارت الفلسفية، ومن أفكار الإمام محمد عبده، فمزجهما معًا في منهجه الذي أخذ يضع به كل المسلَّمات القديمة في تاريخ الأدب موضع الشك أو المساءلة.
وكانت النتيجة مقالاته التي نشرها في جريدة «السياسة الأسبوعية» التي بدأها بالشك في صورة العصر العباسي الذي جعل منه المؤرخون، في ذلك الوقت، عصرًا من المجون واللهو والعبث وصل إلى ذروته في أيام هارون الرشيد، مع أن المؤرخين القدامى كانوا يصفون هارون الرشيد نفسه بأنه كان يذهب إلى الحج في عام، ثم يذهب إلى الغزو في عام ثانٍ، وذلك على نحو لا يمكن أن يقبله العقل الذي لن يصدق كل ما كتبوه عن مجون الرشيد وجواريه أو وقائع مجالسه التي تصفها «ألف ليلة وليلة». وبالتالي، رفض طه حسين هذه الصورة الشائعة عن العصر العباسي، مؤكدًا أنها صورة زائفة.
أزمة طه حسين الأولى
وسيدشن طه حسين أولى معاركه في التاريخ الأدبي الحديث، بمحاولة إثبات أن طائفة كبيرة من الشعر العربي المنسوب إلى قيس بن الملوح، أو مجنون بني عامر الشهير بمجنون ليلى، شعر منحول، فقد استقصى طه حسين هذا الشعر إلى مصادر أخرى من غير زمن المجنون، ومن غير قبيلته.
وقد انتقل طه حسين من الشك في صورة العصر العباسي إلى الشك في شعر الغَزليِّين في العصر الأموي، فأخذ يشك في وجود أمثال مجنون ليلى أو قيس بن الملوح، حتى في حقيقة الغزل العُذري أو أسماء الحبيبات التي اقترنت بهن أسماء شعراء الغزل العُذري العفيف في مستهل الدولة الأموية. وستكون حصيلة كل هذه المقالات كتابه الرائع «حديث الأربعاء» في جزأيه الأول والثاني.
ويعلق لويس عوض على نتاج طه حسين في تلك المرحلة قائلًا:
“بعض أحكام طه حسين أو استنتاجاته، آنذاك، قد تكون غير دقيقة أو حماسية بشكلٍ زائد عن الحد، ومع ذلك فإن أخطر وأهم ما جاء به طه حسين وطبقه، وواجه به الناس بشجاعة وجسارة، هو أن الدليل النقلي وحده لا يكفي، وأن عنعنة القدماء عن القدماء أو المحدثين عن القدماء لا تكفي، بل ينبغي أن يمتحن كل شيء بالدليل العقلي وبالدليل الاستقرائي”[2].
وهكذا أعاد طه حسين فتح باب الاجتهاد في البحث الأدبي والفكري والتاريخي من بعد أن أقفل هذا الباب لما يزيد على ألف عام.
ومن أجل هذه الدعوة الجريئة، لقي طه حسين عنتًا شديدًا عام 1926 حين أصدر في مارس، من العام ذاته، كتابه «في الشعر الجاهلي»، الذي صعَّد فيه ذروة منهج الشك؛ مؤكدًا أنه لا يقبل إلا ما يهديه إليه عقله بعد تمحيص الأقاويل عن طريق الاستنتاج المنطقي، والوصول إلى نتيجة يقبلها العقل مطمئنًّا إلى صوابها. فانتهى إلى أن أغلب ما في الشعر الجاهلي إنما هو شعر مُنتحل ولا سبيل إلى التصديق به أو التسليم بوجوده على هذا النحو قبل مجيء الإسلام. فهو شعر منتحل وضعه الرواة لأسبابٍ متعددة فصَّلها طه حسين في هذا الكتاب، الذي أقام الدنيا ولم يُقعدها.
وأثير أمر الكتاب في البرلمان، وطالب المحافظون بمحاكمته وطرده من الجامعة وإعلان كُفْره وزندقته. وكان عدلي يكن رئيسًا للوزراء، فهدَّد بالاستقالة إذا طُرد طه حسين من الجامعة، وكان سعد زغلول رئيسًا لمجلس النواب، فأرغم النائب الوفدي عبد الحميد البنان على سحب استجوابه المقدم للبرلمان لإحراج الحكومة وقهر المثقفين. واكتفتِ النيابة العامة بمنع تداول «في الشعر الجاهلي» في الأسواق من باب التهدئة العامة، وليس لأنها وجدت في الكتاب ما يدين، بل على العكس من ذلك، أشادت النيابة العامة بضرورة كفالة حرية البحث العلمي.
وقد كانت أزمة طه حسين الأولى امتحانًا جيدًا للديمقراطية المصرية، ففيها تضافرت السلطات الثلاث: السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية، على حماية الجامعة والجامعيين، والفكر والمفكرين، من عدوان المتزمتين. واصطلحت السلطات الثلاث ليس فقط على كفالة حرية البحث العلمي، ولكن كذلك على كفالة «حق الخطأ» في سبيل البحث العلمي. ويعلق لويس عوض على هذا الحدث الكبير قائلا:
“ولست أحسب أن مجلس الوزراء المصري، أو البرلمان المصري، أو القضاء المصري كانت تؤرِّقهم بصفة خاصة مشاكل الشعر الجاهلي أو غير الجاهلي، وإنما تكافل هؤلاء جميعًا على حماية عقل مصر وثقافتها من إرهاب المتزمتين الذين لا يكتفون بالمحاجة الحرة وبالجدل بالتي هي أحسن، بل يلجأون إلى محاولة قمع الفكر والثقافة بأدوات السلطة”[3].
(و)
مرحلة تكوين طه حسين الرابعة
أما مرحلة طه حسين الرابعة، التي امتدت بين سنة 1930 وحتى 1952 فهي الحقبة التي شهدت بروز طه حسين أستاذًا جليلًا مهيبًا، ومسؤولًا جامعيا مرموقا، وعميدًا لكلية الآداب، وصانع مؤسسات علمية وبشرية، ومشرفًا على طلابه وطالباته في الدراسات العليا، وتختتم هذه المرحلة المتوهجة الثرية بتوليه وزارة المعارف العمومية في حكومة الوفد الأخيرة (1950-1952).
انتخب طه حسين عميدًا للآداب سنة 1930، ثم أُخرج من الجامعة في عهد صدقي سنة 1932، ثم أعيد إلى الجامعة سنة 1936، ثم انتخب عميدًا مرة ثانية سنة 1938، ثم عين مستشارًا فنيًا لوزارة المعارف، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية في وزارة الوفد سنة 1942، ثم أحيل إلى التقاعد سنة 1944، ثم عاد وزيرًا للمعارف في وزارة الوفد الأخيرة سنة 1950.
وقد كان أبرز ما في هذه المرحلة من أزمات ومعارك في حياة طه حسين (أزمة استقلال الجامعات) فلم يكن طه حسين من الذين يجلسون في هدوء ودعة مؤثرين السلامة، منتظرين أن تغير الحكومات من قوانينها المقيدة للحريات، أو يفارق الجمهور تعصبه، الذي اعتاد عليه، أو الذي علَّمته إياه الجماعات الدينية المتشددة، إنما كان يدرك أن الحرية تُنتزع انتزاعًا؛ لأنها ليست هِبَة من سُلطة أو جماعة، وإنما هي حق لا يمكن اكتسابه إلا بممارسته وتأكيده بالعمل الجَسور والمبادرة الخلاقة والمبادئ الشجاعة.
وقد فعل هو ذلك، كما فعل غيره من رواد الفكر والإبداع الذين لم يكفُّوا عن انتزاع هذه الحرية من أنياب الاستبداد والتعصب والقمع.
ولا يزال دافعهم إلى ذلك
“أن الحرية التي يطلبونها، ويطلبها معهم طه حسين، لن تُنال لأننا نتمنَّاها، وإنما تُنال يوم يأخذها من يسعى إليها بنفسه، لا ينتظر أن تمنحه إياها سُلطة ما، فقد أراد الله أن تكون هذه الحرية حقًّا للثقافة والمثقفين، ما ظلوا يحلمون بوطن متحضِّر يتمتع بالحرية في ظل الدستور والقانون”، بعبارة طه حسين نفسه.
وفي هذه المرحلة أيضًا، مضى طه حسين يفكر في حياتنا الثقافية والتعليمية ويشخص مشكلاتها وأزماتها ويبحث عن حلول لها، ووضع لذلك كله برنامجًا شاملا مفصلًا في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» الذي أصدره في سنة 1938. وكان قد ترك الجامعة ليعمل في وزارة المعارف (التربية والتعليم). وعُين مستشارًا فنيًّا لهذه الوزارة، ثم عُين مديرًا لجامعة الإسكندرية سنة 1942 فأتمَّ إنشاءها.
وفي أثناء ذلك يقبل على الدرس والكتابة، فنراه بعد أن أعاد نشر كتابه القديم عن أبي العلاء باسم «تجديد ذكرى أبي العلاء» ينشر عنه بحثًا جديدًا باسم «مع أبي العلاء في سجنه»، يصور فيه جوانب نفسية وفلسفية دقيقة لهذا العقل الكبير، وأفرده بعد ذلك بكتيبٍ سماه «صوت أبي العلاء» نثر فيه بعض أشعاره. واتجه إلى الرواية، فنشر «أحلام شهرزاد»، و«شجرة البؤس»، و«دعاء الكروان»، وهو فيها جميعًا يعبر عن مُثُله القومية والإنسانية.
وينشر في هذه الفترة مجموعة من مقالاته في النقد باسم «فصول في الأدب والنقد»، كما ينشر طائفة من نظراته التحليلية في القصص والمسرحيات الفرنسية بعنوان «صوت باريس» و«لحظات».
وتستقيل الوزارة الوفدية، ويخرج من الحكومة، فيحرر مجلة (الكاتب المصري) خلال الفترة من 1945 وحتى 1948، ويعمل على نهضة كبيرة في الترجمة، ويترجم «أوديب» لأندريه جيد. ويكتب في صحيفته مقالات أدبية مختلفة تتناول بعض الأدباء الغربيين، وبعض الدراسات في الأدب العربي، وينشر طائفة منها باسم «ألوان».
ويخرج طه حسين الجزء الأول من «الفتنة الكبرى» عن “عثمان“، يصور فيه فتنته وكل ما اقترن بها من مؤثرات ودوافع بشرية.
وفي سنة 1950 يتولى طه حسين وزارة المعارف في حكومة الوفد الأخيرة، فينادي بتكافؤ الفرص ويصيح بأن التعليم ضروري لكل أفراد الشعب ضرورة الغذاء والماء والهواء، ويفكه من عقال المصاريف، ويجعله مجانًا للشعب كله.
(ز)
مرحلة تكوين طه حسين المرحلة الخامسة والأخيرة
ثم تأتي المرحلة الخامسة والأخيرة في حياة طه حسين (1952-1973)، المرحلة التي سيتحول فيها إلى “رمز” من رموز الفكر والأدب والثقافة ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي كله، وتكلل جبينه أكاليل الغار والتكريم والدكتوراه الفخرية من كل مكان في العالم طيلة هذه السنوات، من أوروبا وأمريكا وآسيا، ومن العالم العربي من محيطه إلى خليجه، وتحظى زياراته التي توصف بـ “تاريخية” بكل معاني الكلمة بأرفع استقبال رسمي وشعبي، ويعامل معاملة الملوك والزعماء ورؤساء الدول، وزياراته إلى المغرب وتونس والسعودية مشهودة ومسجلة في كتب كاملة.
وفي سنة 1959 يُمنح جائزة الدولة التقديرية في الآداب تنويهًا بجهوده الأدبية، وكفاحه الفكري والثقافي، ويحصد المزيد من الجوائز المرموقة، وينال الأوسمة العالية، ويتكرس اسم طه حسين باعتباره داعية النهضة والتجديد والتحديث والإصلاح ويتولى رئاسة مجمع اللغة العربية خلفا لأستاذه أحمد لطفي السيد (1961) ويظل رئيسًا له حتى وفاته في أكتوبر من العام 1973.
وفي أثناء ذلك، يخرج كتاب «الوعد الحق» مصورًا فيها ظهور الإسلام، وداعيًا إلى مثله العليا في العدالة الاجتماعية والتحرر الاجتماعي، والأخوة الإنسانية. ويملي الجزء الثاني من «الفتنة الكبرى» بعنوان «عليّ وبنوه»، وكتابًا ثانيًا عن أبي بكر وعمر بعنوان «الشيخان»، وينشر كتابه «مرآة الإسلام»، كما ينشر مجاميع من مقالاته في الحياة والأدب والنقد.
وبعد …
فهذه هي موجز رحلة طه حسين حتى وفاته سنة 1973، وهي رحلة كانت حافلة بالكفاح؛ إذ نراه يكافح المحافظين في الدين والأدب والسياسة، ويكافح من أجل تغذية أمته بالمثل الأدبية والفكرية والإنسانية عند اليونان وعند الغربيين وفي كل الثقافات الإنسانية، ويختط طرقًا جديدة في أبحاثه الأدبية وفي عالم القصة، يسعفه في ذلك استعداد أدبي أصيل، وهو استعداد شهد له به عالمه العربي ووطنه المصري، فمنح في سنة 1959 جائزة الدولة التقديرية في الآداب تنويهًا بجهوده الأدبية، وشهد له به كل خبير وكل عالم ومثقف وأستاذ وناقد في العالم الغربي، فمنح درجة الدكتوراه الفخرية من جامعات أوروبية عديدة ومختلفة[4].
إن الاحتفاء بـ«عميد الأدب العربي» طه حسين دائم التجدد، وإن اختلفت الأسباب، واختلف التوظيف. فلم يكن طه حسين صاحب كتاب «في الشعر الجاهلي» فقط الذي هزَّ العقول، وملأ الدنيا، وشغل الناس، بل إنه أيضًا صاحب الأعمال التأسيسية التي ما زالت تحظى برونقها وثِقَلها وقيمتها المعرفية حتى وقتنا هذا؛ فهو صاحب المؤلفات البارزة في أدبنا العربي الحديث، مثل:
- حديث الأربعاء
- تجديد ذكرى أبي العلاء
- مع المتنبي
- وهو صاحب الإسلاميات الرائعة الوعد الحق
- على هامش السيرة
- الشيخان
- مرآة الإسلام
- الفتنة الكبرى.
وهو -قبل ذلك وبعده- صاحب الرؤية المعروفة لـ«مستقبل الثقافة في مصر».. ومصر في أشد الحاجة إلى من يبحثون عن مستقبلها، ويعملون لهذا المستقبل.
المراجع:
استند صاحب هذا البحث إلى عشرات الكتب والمراجع لطه حسين، وعنه، وحوله، لكنه يخص من بينها (عند إعداد هذه الحلقات تحديدًا عن تكوين طه حسين الفكري والثقافي، العلمي والمنهجي) المراجعَ التالية:
– كمال حامد مغيث: “طه حسين ـ مصادره الفكرية”، مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان، الطبعة الأولى، القاهرة، 1997.
– «طه حسين مائة عام من النهوض العربي (في الذكرى المئوية لمولده)»، إشراف عبد المنعم تليمة، دار الفكر للدراسات، القاهرة، 1989.
– «طه حسين (دراسة ومختارات ووثائق)»، احتفال كلية الآداب بذكرى طه حسين الـ 25، إعداد د. محمود فهمي حجازي، جامعة القاهرة، 1998.
– لويس عوض، مقال منشور في جريدة (الأهرام) المصرية، بتاريخ 2 نوفمبر 1973. وهو تلخيص ممتاز للفصلين الرائعين اللذين كتبهما لويس عوض عن أستاذه طه حسين في كتابه عن «الحرية ونقد الحرية»، والفصلان هما “طه حسين عميدا”، و”طه حسين وزيرًا”. هذا فضلًا عما كتبه عن طه حسين في مواضع متعددة من سيرته الذاتية الجريئة «أوراق العمر ـ التكوين»؛ الصادرة عن مكتبة مدبولي بالقاهرة، 1987.
– جابر عصفور، مقال بعنوان (فكر طه حسين)، جريدة (الأهرام) المصرية، بتاريخ 16 نوفمبر 2018، [العدد 48192]. وجابر عصفور خصَّ طه حسين بواحدٍ من أهم وأكبر كتبه على الإطلاق، وهو كتاب «المرايا المتجاورة ـ دراسة في نقد طه حسين»، والذي صدرت طبعته الأولى عام 1978، ثم صدرت في طبعات عدة تالية، كان آخرها الطبعة الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2022.
– ذكرى طه حسين، سهير القلماوي، (روائع اقرأ)، دار المعارف، القاهرة، 2024.
– مع طه حسين، سامي الكيالي، (روائع اقرأ)، دار المعارف، القاهرة، 2024
[1]– لويس عوض، المرجع نفسه.
[2]– لويس عوض، المرجع نفسه.
[3]– المرجع نفسه.
[4]– راجع: «الأدب العربي المعاصر في مصر»؛ د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ص282-284.