تكوين
يبدو غريبًا على سمع القارئ أن ينطق الروميّ بالعربيّة، فقد قُرن اسمه دومًا بالشعر الصوفيّ المدوّن بالفارسيّة، لذا من الطبيعيّ أن نقرأ أشعار الروميّ في ترجماتها وليس في أصل مدوّن بالعربيّة. إضافة إلى أنّ بعض الدارسين العرب في العصر الحديث قد أصدروا أحكامًا بضعف نصوص الشعراء الفرس المدونة بالعربيّة، إذا قارنّا بينها وبين ما بثّه هؤلاء من جمال أخّاذ ومعاني جليلة في أشعارهم الفارسيّة.
والحال أنّ الروميّ كان ممن لاحق شعره العربيّ هذا الوصف، وهو أمر لم يُبن على دراسة فاحصة ومدقّقة لأشعاره العربيّة، فضلًا عن إحصاء تلك الأشعار وتحقيقها. ولعلّ أغلب من التفتوا من الدارسين الفرس إلى تلك الأشعار قد ضربوا صفحًا عن الاهتمام بها كما اهتموا بالمدوّنة الشعريّة الفارسيّة. وللباحث أن يقارن بين تحقيقات النصّ الفارسيّ للروميّ في نشراته الكثيرة وبين أشعاره العربيّة التي كانت عرضة للتحريف والتصحيف والإهمال.
ما هي ديانة جلال الدين الرومي؟
للعربيّة أثرٌ كبيرٌ في تكوين مولانا جلال الدين الروميّ يقف عليه من تدبّر آثاره وتعرّف على ملامح تكوينه العلميّ ومشايخه الروحيّين، بداية من نشأته في بلخ ومرورًا برحلاته العلميّة إلى الشام (حلب ودمشق[1]). ففي الخامسة والعشرين من عمره أخذ يدرس العلوم العربيّة والفلسفيّة[2] حين كانت الشام من العواصم الثقافيّة التي تستقطب طلاب العلّم ويأنس المشايخ والمعلّمون بالإقامة فيها، فيرحل إليها الأندلسيّ والمغربيّ والروميّ، وتدوّن فيها أهمّ المؤلفات العلميّة والصوفيّة، وتجرى المناظرات والسجالات العلميّة في رحابها[3].
فُتن جلال الدين الروميّ بدمشق التي مرّ عليها في رحلته الأولى مع أبيه سلطان العلماء، وانتقل إليها طالبًا للعلوم امتثالًا لنصح شيخه برهان الدين محقّق الترمذيّ، وعاد إليها مجدّدًا ليبحث عن صديقه الروحيّ وشمس حياته الحقّة شمس الدين التبريزيّ. وكما وصف دمشق بالجنّة المملوءة بالملائكة والحور عبّر عن عشقه لتلك المدينة الجميلة قائلًا:
أَنَا عَاشِقٌ وَمُنْدَهِشٌ وَمَجْنُونٌ بِدِمَشْق
رُوحِي فِدَاءٌ لِدِمَشْقَ وَقَلْبِي أَسِيرُ هَوَى دِمَشْق[4].
درس الروميّ في حلب في المدرسة الحلّاويّة على الشيخ كمال الدين ابن العديم (ت. 660هـ) لمدّة عامين ثمّ انتقل إلى دمشق ليشتغل بتحصيل العلوم الشرعيّة في المدرسة المقدسيّة[5]. كانت سبعة أعوام كافية لهذا العالم النجيب ليعود بعدها إلى قونية هاضمًا للمعارف والثقافة العربيّة ومتمثّلًا بها في وعظه وقصصه وأشعاره.
اجمل ما قاله ابن الرومي؟
في قصّة من قصص المثنوي، يحدّثنا مولانا جلال الدين الروميّ عن الحياة والموت قائلًا:
وَلِلْعُشَّاقِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مَوْتٌ، وَمَوْتُ الْعُشَّاقِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَيْسَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ.
إِنَّ لَهُ مِائَتَيْ رُوحٍ مِنَ الْهَدْيِ، يُضَحِّي بِهَا كُلَّهَا فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَكُلُّ رُوحٍ يَأْخُذُهَا يَرُدُّهَا بِعَشْرَةِ أَرْوَاحٍ. وَاقْرَأْ فِي الْقُرْآنِ: “فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا”[6].
فَإِنْ سَفَكَ دَمِي ذَلِكَ الْحَبِيبُ الْوَجْهِ، فَإِنَّنِي أُضَحِّي بِرُوحِي أَمَامَهُ رَاقِصًا[7].
لَقَدْ جَرَّبْتُ الْأَمْرَ وَمَوْتِي فِي حَيَاتِي، وَعِنْدَمَا أَنْجُو مِنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ فَهَذَا هُوَ الثَّبَاتُ.
اُقْتُلُونِي اُقُتُلُونِي يَا ثِقَــاتِ
إِنَّ فِـي قَتْلِي حَيَاةً فِـي حَيَاةٍ
يَا مُنِيرَ الخَدِّ يا رُوحَ البَقَــا
اِجْتَذِبْ رُوحِي وَجُدْ لـِي بِاللِّقَــا
لِي حَبيبٌ حُبُّهُ يَشْوِي الْحَشَا
لَوْ يَشَا يَمْشِي عَلَى عَيْنِي مَشَى
هَيَّا تَحَدَّثْ بِالْفارسيّةِ بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْعربيّةَ أَحْلَى،
وَلِلْعِشْقِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مِائَةُ لُغَةٍ أُخْرَى
يفوح عبير الحلّاج من هذه الكلمات ونجده حاضرًا في موضع آخر في الدفتر الأول من المثنوي. ففي معرض حديثه عن قصة فتح الرسول صلّى الله عليه وسلّم لمكّة المكرمة امتثالًا للأمر الإلهيّ، يستأنف ما بدأه في قصّة عليّ رضي الله عنه وكرّمه مع قاتله فيقول:
إِنَّنِي لَأُبْصِرُ الْعَدُوَّ لَيْلًا وَنَهَارًا بِعَيْنَيْ رَأْسِي، وَلَا أُحِسُّ نَحْوَهُ بِأَدْنَى غَضَبٍ.
ذَلِكَ أَنَّ مَوْتِي حَسَنُ الْمَقْدَمِ، وَمَوْتِي يَكُونُ عَازِفًا لِصَنْجِ يَوْمِ الْبَعْثِ!
إِنَّ الْمَوْتَ بِلَا مَوْتٍ حَلَالٌ لَنَا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الاِسْتِغْنَاءِ نَوَالٌ لَنَا.
إِنَّ ظَاهِرَهُ مَوْتٌ لَكِنَّهُ حَيَاةٌ فِي الْبَاطِنِ، ظَاهِرُهُ بَتْرٌ لَكِنَّ بَاطِنَهُ ثَبَاتٌ وَحَيَاةٌ!
وَمِيلَادُ الْجَنِينِ مِنَ الرَّحِمِ يُعَدُّ ذَهَابًا، لَكِنَّهُ تُفْتَحُ لَهُ مِنْ جَدِيدٍ مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا!
فَمَا دُمْتَ عَاشِقًا لِلْأَجَلِ مَيَّالًا إِلَيْهِ، فَإِنَّ النَّهْيَ “لَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ”[8] مُوَجَّهٌ إِلَيَّ.
ذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ يَكُونُ عَنِ الثَّمَرَةِ الْحُلْوَةِ، وَالْمُرُّ فِي حَدِّ ذَاتِهِ نَهْيٌ. فَمَتَى تَكُونُ حَاجَةٌ (إِلَى النَّهْيِ عَنْهُ)؟
وَالثَّمَرَةُ الَّتِي تَكُونُ مُرَّةَ اللُّبِّ وَالْقِشْرِ، فَإِنَّ مَرَارَتَهَا وَكَرَاهَتَهَا نَهْيٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ!
وَلَقَدْ حَلَّتْ لِي ثَمَرَةُ الْمَوْتِ، ذَلِكَ أَنَّ “بَلْ هُمْ أَحْيَاءٌ”[9] نَزَلَتْ فِي شَأْنِي
اُقْتُلُونِي يَا ثِقَاتِي لَائِمًا
إِنَّ فِي قَتْلِي حَيَاتِي دَائِمًا
إِنَّ فِي مَوْتِي حَيَاتِي يَا فَتَى
كَمْ أُفَارِقْ مَوْطِنِي حَتَّى مَتَى[10]
وسرعان ما نجد مولانا يستشهد بأبيات له في الديوان أيضًا، حيث يتصرف في روايته لأبيات الحلّاج بشكل واضح، مستعيرًا صوته ورؤيته الصوفيّة وجزءًا من كَلِمِه للتعبير عن عشقه وتجربته، فيروي الأبيات على الصورة الآتية في الغزلية رقم 2086:
اُقْتُلُونِي يَا ثِقَاتِ إِنَّ فِي قَتْلِي حَيَاتِي
وَالْحَياةُ فِي الْمَمَاتِ فِي صَبَابَاتِ الْحِسَانْ […]
دَبَّ طَيْفٌ فِي الْحَشَا نِعْمَ مَاشٍ قَدْ مَشَى
قَدْ سَقَانَا مَا يَشَا فِي كُؤوسٍ كَالْجِفَانْ
أما في الغزلية 2813 فيقول:
اُقْتُلُونِي يَا ثِقَاتِي إِنَّ فِي قَتْلِي حَيَاتِي
وَمَمَاتِي فِي حَيَاتِي وَحَيَاتِي فِي مَمَاتِي
اُقْتُلُونِي ذَابَ جِسْمِي قَدَحُ الْقَهْوَةِ قَسْمِي
هله بشکن قفس ای جان چو طلبکار نجاتی
الشعراء العرب مفضّلون عند الروميّ، وإدمان النظر في أعمالهم وقراءة أشعارهم كان مسلكًا ظاهرًا في حياته، حيث يخبرنا كاتب سيرته أحمد الأفلاكيّ[11] أنّ الروميّ كان في بدء شأنه مع شمس تبريزيّ يطالع ديوان المتنبّي كلّ ليلة، فنصحه شمس الدين التبريزيّ بعدم فعل ذلك إذ ليس في مطالعة هذه الكتب فائدة ترتجى، لكنّ الروميّ قد تأثّر بأخيلة المتنبّي واقتبس من معانيه ومبانيه في أشعاره[12].
ويذكر أنّه تأثّر بغزل أبي نواس فحوّله إلى غزل روحانيّ بالمحبوب الأعلى. وقد التفت إلى هذا الأثر والتواصل بين مولانا وأبي نواس محمّد عبد السلام كفافيّ. فرأى أنّ بعضًا من أشعار مولانا في المثنوي قد تأثّر في صياغتها بأشعار أبي نواس، ومن ذلك قول الروميّ في المثنوي:
وَلَكِنْ، أَيْنَ يَنُوحُ وَأَيْنَ يَنْتَحِبُ اللَّئِيمُ،
إِنْ كُنْتَ لَا تَتَقَبَّلُ غَيْرَ الطَّيِّبِ، أَيُّهَا الْكَرِيمُ؟”[13].
إنّ هذا البيت يعدّ اقتباسًا وترديدًا لقول أبي نواس:
إِنْ كَانَ لَا يَرْجُوكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ فَبِمَنْ يَلُوذُ وَيَسْتَجِيرُ الْمُجْرِمُ.
من خلال مطالعتنا لديوان مولانا نرى أنّ الروميّ قد اقتبس بعض اللمع لأبي نوّاس، لا سيّما في قصيدتين، ركّب الروميّ منهما غزلية واحدة، جاءت بعض عباراتها شبيهة بعبارات أبي نواس،[14] وذلك فيما ضبطته عائشة موماد على النحو الآتي:
يَا صَغِيرَ السِّنِّ يَا رَطْبَ الْبَدَنْ
يَا قَرِيبَ الْعَهْدِ مِنْ شُرْبِ اللَّبَنْ
هَاشِمِيَّ الْوَجْهِ تُرْكِيَّ القَفَا
دَيْلَمِيَّ الشَّعْرِ روميّ الذَّقَنْ
رُوحُهُ رُوحِي وَرُوحِي رُوحُهُ
مَنْ رَأَى رُوحَيْنِ عَاشَا فِي بَدَنْ
صَحَّ عِنْدَ النَّاسِ أَنِّي عَاشِقٌ
غَيْرَ أَنْ لَمْ يَعْرِفُوا عِشْقِي بِمَنْ
اِقْطَعُوا شَمْلِي وَإِنْ شِئْتُمْ صِلُوا
كُلُّ شَيْءٍ مِنْكُمُ عِنْدِي حَسَنْ
ذَابَ مِمَّا فِي مَتَاعِي وَطَنِيْ
وَمَتَاعِي بَادَ مِمَّا فِي وَطَنْ[15]
إذا عدنا إلى ديوان أبي نواس وتدبرنا غزليّاته “المذكرات” وقعنا على الغزليّة نفسها بتعابيرها ومفرداتها ووزنها وقافيتها ما عدا بعض الفروق الطفيفة. قال أبو نواس في إحداهما:
يَا صَغِيرَ السِّنِّ رَخْصَ الْمُحْتَضَنْ
وَقَرِيبَ الْعَهْدِ مِنْ شُرْبِ اللَّبَنْ
كَمْ عَلَى وَعْدِكَ قَدْ أَخْلَفْتَنِي
فَحَمَلْتَ الْخُلْفَ لِلْوَجْهِ الْحَسَنْ
سَكَنِي يُخْلِفُنِي مِيعَادَهُ
بِأَبِي أَنْتَ وَنَفْسِي مَنْ سَكَنْ
عِنْدَ بَابِ الْكَرْخِ دَارٌ لِلْهَوَى
لَا أُسَمِّيهَا فَمَنْ شَاءَ فَطِنْ
قُلْتُ كَالْمَازِحِ أَسْتَعْتِبُهُ:
أَنْتَ صَبٌّ عَاشِقٌ لِي أَوْ لِمَنْ؟
قَالَ سَلْ نَفْسَكَ تُخْبِرْكَ بِهِ،
فَتَحَايَا بَعْدَ مَا كَانَ مَجَنْ
لَيْسَ عِشْقٌ فَوْقَ مَا أَعْرِفُهُ
غَيْرَ أَنْ أَقْتُلَ نَفْسِي أَوْ أُجَنّْ[16]
وقال في الأخرى التي تكمل أوصاف المحبوب الواردة في غزلية مولانا تقريبًا:
سَابِرِيُّ الْوَجْهِ قُوهِيُّ الْبَدَنْ
حَاذِقٌ طَبٌّ بِتَهْيِيجِ الْفِتَنْ
بَرْمَكِيُّ الصَّدْغِ خُرْسِيُّ الْقَفَا
قَدْ حَكَتْ مَكَّةُ عَنْهُ وَعَدَنْ
بَابِلِيُّ الْعَيْنِ مَهْضُومُ الْحَشَى
خَنِثُ الشَّكْلِ عِبَادِيُّ الْوَطَنْ
رَاحَ لِلنَّاقُوسِ فِي بَاعُوثِهِ
ثُمَّ قَاسَ الشَّمْسَ فِيهِ وَوَزَنْ
وَيَقُولُ النَّاسُ أَرْدَاهُ الْهَوَى
وَتَمَادَى فِي التَّصَابِي وَمَجَنْ
فَبِمَنْ أَكْلَفُ مَا عِشْتُ بِذَا
وَلِمَنْ أَحْتَمِلُ التِّيهَ إِذَنْ ؟[17]
هكذا نرى أنّ غزليّة مولانا مركبة من أبيات غزليّتي أبي نواس. إلّا أن قصد مولانا لم يكن كقصد أبى نواس في وصف مواطن الجمالات من الحبيب، التي جمعت خصائص جمال الأجناس في البلدان المعروفة يوم ذاك. بل هو قصد إلى تبيان تجلّي المحبوب الأكبر الحقيقيّ في مواطن الجمال من الناس والطبيعة. لأنّ الكون كلّه تجلٍّ لجمالاته. وهذا هو منهج التأويل والرمز في الأدب الصوفيّ.
وكثيرًا ما نطالع في نثريّات الروميّ وأشعاره استشهاده بأبيات عربيّة، سواء من نظمه أو من مفضّلياته الشعريّة. ليس هذا فحسب، بل إنّ مباني قصصه في المثنويّ تعود إلى أصول عربيّة[18]، فنراه يردد على سبيل المثال في المثنوي:
“مَعْنَى الصَّبْرِ مِفْتَاحُ الْفَرَجِ”[19]
“مَرْحَبًا يَا مُجْتَبَى يَا مُرْتَضَى
إِنْ تَغِبْ جَاءَ الْقَضَا ضَاقَ الْفَضَا”[20].
فالجملة الأولى يمكن اعتبارها ترديدًا للحديث المنسوب إلى النبيّ: “اَلصَّبْرُ مِفْتَاحُ الْفَرَجِ”[21]. والثانية كثيرًا ما نطالعها في كتب الأمثال العربيّة، فيُذكر في مجمع الأمثال للميدانيّ: “إِذَا حَانَ الْقَضَاءُ ضَاقَ الْفَضَاءُ”[22].
ومن أمثلة ذلك أيضًا قول الروميّ بالعربيّة في المثنوي:
لَا تُكَلِّفْنِي فَإِنِّي فِي الْفَنَاء كَلَّتْ أَفْهَامِي فَلَا أُحْصِي ثَنَاء[23] [المثنوي 1/129]
يلخّص الروميّ في عجز البيت حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللَّهُمَّ أعُوذُ برِضَاكَ مِن سَخَطِكَ، وبِمُعَافَاتِكَ مِن عُقُوبَتِكَ، وأَعُوذُ بكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أنْتَ كما أثْنَيْتَ علَى نَفْسِكَ»[24].
إنّ كثيرًا من الصوفيّة السابقين والمعاصرين للروميّ ردّدوا هذا المعنى، فنجد ابن عربيّ يعدّ من علامات العارف «اَلْخَرِسُ بِحَيْثُ إِنَّهُ لَوْ أَرَادَ النُّطْقَ بِمَا رَآهُ لَمْ يَقْدِرْ»[25]. والواسطيّ يرى أنّ «مَنْ عَرَفَ اللهَ تَعَالَى انْقَطَعْ، بَلْ خَرِسَ وَانْقَمَعْ»[26].
وفي قول الروميّ في المثنوي: أَطْعِمْنِي فَإِنِّي جَائِعٌ وَاعْتَجِلْ فَالْوَقْتُ سَيْفٌ قَاطِعٌ[27].
يذكرنا بما رُوي عن الإمام الشافعيّ: “صَحِبْتُ الصُّوفِيَّةَ عَشْرَ سِنِينٍ مَا اسْتَفَدْتُ مِنْهُمْ إِلَّا هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ: اَلْوَقْتُ سَيْفٌ، وَأَفْضَلُ الْعِصْمَةِ أَلَّا تَقْدِرَ”[28].
ولعلّ مما ينهض مثالًا على المضامين الشعريّة العربيّة في المثنوي، قول الروميّ:
إِنَّ الرُّوحَ قَدْ أَبْصَرَتِ الخَمْرَ فِي الْعِنَبِ!
بَلْ أَنَّهَا قَدْ أَبْصَرَتِ الْأَشْيَاءَ وَهِيَ بَعْدُ فِي طَيِّ الْعَدَمِ”[29].
فهو شبيه بقول ابن الفارض:
شَرِبْنَا عَلَى ذِكْرِ الْحَبِيبِ مُدَامَةً سَكِرْنَا بِهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْلَقَ الْكَرْمُ
ومن ذلك أيضًا قول الروميّ:
يَا أَخِي! إِنَّكَ لَسْتَ إِلَّا تَفْكِيرَكَ.
وَمَا بَقِيَ مِنْكَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ سِوَى عِظَامٍ وَشَعْرٍ”[30].
فهو شبيه بقول زهير بن أبي سلمى:
لِسَانُ الْفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
إنّ عمل بديع الزمان فروزانفر يقدّم صورة متكاملة عن مضامين المثنوي العربيّة[31]، فقد لخّص القصص الأساسيّة للمثنوي وأشار إلى أصولها العربيّة، ثم بيّن الوقائع والأسباب في مختلف أجزاء القصة، كما قدّم دراسة نقديّة لشروحات المثنوي، وألّف كذلك كتاب أحاديث المثنوي وهو كتاب جامع للأحاديث التي ذكرها مولانا في المثنوي، وقد كان كتابه مآخذ قصص وتمثيلات مثنوي عصارة جهد استمر خمسة وعشرين، حيث ضمّ قائمة بـ(251) حكاية وصورة مجازية، استعملها مولانا في المثنوي، وقد أضاف فروزانفر لهذه القائمة القصص الأصليّة بالفارسيّة أو بالعربيّة، ثمّ مختلف الروايات الموجودة حول كلّ حكاية[32].
مدوّنة الروميّ بالعربيّة
إنّ القارئ لكتاب فيه ما فيه[33] يجد عبارة “هذا الفصل بالعربيّة في الأصل”. تتكرّر هذه العبارة على مدار سبعة فصول في الكتاب[34] ، وبالعودة إلى المخطوط الأصل الذي اعتمده فروزانفر في تحقيقه لنصّ الكتاب يتأكد لنا أنّ هذه الفصول السبعة كُتبت باللغة العربيّة[35]. فهل كانت تلك النصوص العربيّة بنفس القدر من الجمال والبلاغة التي تحلّت بها نصوصه الفارسيّة؟ إنّ هذا السؤال يفرضه علينا ما يشاع من ضعف واضطراب المبنى العربيّ للكتّاب الفرس[36].
ومن خلال متابعتنا لتلك النصوص نجد أنّها في نفس المستوى الرائق لأشعار ونثر المتصوّفة الفرس، ويحسن بنا أن نتذكّر ما قاله كفافيّ في هذه المسألة. ذلك أنّ حكمه على أشعار الروميّ ظلّ مسيطرًا على الدارسين العرب. يقول كفافيّ: “إنّ نثر جلال الدين الروميّ نثر عربيّ فصيح، سليم العبارة، موسيقيّ الجرس، عميق المعني، ومعانيه العميقة ومدى رقّة كلامه وسحر بيانه يرفع القارئ ومستمع كلامه إلى عالم آخر. وخلاصة القول إنّنا نجد رصَانة في التعبير، وصحّة في اللغة “[37].
إنّ ما يقوله كفافيّ صحيح بالنسبة لنا، فإذا طالعنا نصوص الروميّ النثريّة سنلاحظ بوضوح أنّ نفس الروميّ فيها كما هو في كلماته الفارسيّة ينساب منه الكلام عذبًا جميلًا لا تكلّف فيه، لنقرأ معًا نصًّا من هذه النصوص:
“يعطي الحقُّ تعالى من فضله الشيوخ صبوة لا يعرف عنها الصبيان شيئًا. ذلك لأنّ الصبوة تجلب النارة وتجعل الإنسان يقفز ويضحك وتعطيه الرغبة في اللعب، لأنّه يرى الدنيا جديدة ولا يملّ من الدنيا. وعندما يرى مثلُ هذا الشيخ الدنيا جديدة أيضًا يعطي الرغبة في اللعب فيقفز وينمو جلده ولحمه … وهكذا فإنّ جلال الشيخوخة يزيد على جلال الحقّ، لأنّه في الربيع يظهرُ جلال الحقّ، وفي الخريف تتغلّب عليه الشيخوخة غير تاركة طبيعتها الخريفيّة. وهكذا فإنّ ضعف الربيع فضلٌ من الحقّ، لأنّه مع كلّ سقوط للأسنان تتضاءل ابتسامة ربيع الحقّ، ومع كلّ شعرة بيضاء تضيع نضارةُ فضل الحقّ، ومع كلّ بكاء من مطر الخريف ينفض بستان الحقائق. تعالى الله عمّا يقول الظالمون”[38].
إقرأ ايضاً: رحلة المرأة في عالم التصوّف وآثارها
كانت هذه النصوص ومثيلاتها من النثر والشعر العربيّين محفّزة لعائشة موماد على خوض مغامرة تحقيق الأشعار العربيّة للروميّ من خلال رحلتها مع الديوان الكبير الذي تعمل على نقله إلى اللغة العربيّة. وأول ما لفت نظرها بعض قصائد الروميّ العربيّة التي تأخذ بالألباب، وقد رأت أنّها لا تقلّ سحرًا في نغمها عن غزليّاته الأخرى، لذا عملت على استخلاص هذه النصوص من الديوان الكبير للروميّ وتحقيقها تحقيق مُحبّة لآثاره، ويحسن بنا هنا أن نقف وقفة مع أشعار مولانا بالعربيّة لنتبيّن ملامح عملها في الديوان العربيّ لمولانا جلال الدين.
الغزليّات العربيّة لمولانا
يلفت نظر القارئ المدقق لغزليّات مولانا كثرة الأبيات العربيّة الواردة في ديوانه، والتي قارب عددها ألف بيت من الشعر، جاء بعضها عربيّا خالصًا وبعضها الآخر ملمّعا بأبيات فارسيّة، أو مخلوطًا بتعابير وشطور فارسيّة. إنّ ألف بيت من الغزل الصوفيّ جدير بالاهتمام –كما يقول فيكتور الكك[39]– وهو إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على أنّ مولانا لم يكن واسع الاطلاع، بل كان قادرًا على التعبير باللغة العربيّة في ميدان الشعر. ربّما قصد الروميّ إلى ذلك ساعيًا إلى إبلاغ أهل العربيّة رسالته الصوفيّة الروحيّة ففاض الشوق منه على البديهة بلغة القرآن، لغة إيمانه ومحور وحيه وتفكيره، ومدار تطوافه العرفانيّ في جواء من الانجذاب[40].
جمعت عائشة موماد في الديوان العربيّ أكثر من مائة غزليّة كتبها الروميّ بالعربيّة، متناولًا فيها موضوعات التصوّف تناولًا مباشرًا، وعالجها بأصالة فنيّة جعلت شعره يختلف اختلافًا بعيدًا عمّا كتبه غيره من شعراء الصوفيّة. وبينما نجد شاعرًا كابن الفارض يغرق معانيه في سيل لا ينقطع من المحسنات اللفظية –كما يقول كفافيّ[41]– نجد الروميّ شاعرًا متحررًا في أسلوبه من تلك المحسّنات، منطلقًا بعباراته إلى آفاق لا تُحدّ.
إنّ الأغراض الصوفيّة والشعريّة في غزليّات مولانا كثيرة للغاية، بحيث يصعب الإلمام بها في مقالة قصيرة كهذه، لكننا نكتفي بالإشارة إلى بعضها في هذه الكلمة القصيرة، ويأتي على رأس هذه الأغراض حديث الروميّ عن كون العشق الإلهيّ أصل الحياة، وأنّ كلّ ما سواه عرض زائل، فالخالي من العشق لا يملك شيئًا في هذه الدنيا، أمّا العاشق فذو وجه مشرق ناطق مبشّر بطوبى:
يَا مَنْ لِوَاءُ عِشْقِكَ لَا زَالَ عَالِياً
قَدْ خَابَ مَنْ يَكُونُ مِنَ الْعِشْقِ خَالِيَا
نَادَى نَسِيمُ عِشْقِكَ فِي أَنْفُسِ الْوَرَى
أَحْيَاكُمْ جَلَالِي جَلَّ جَلَالِيَا
اَلْحُبُّ وَالْغَرَامُ أُصُولُ حَيَاتِكُمْ
قَدْ خَابَ مَنْ يَظَلُّ مِنَ الْحُبِّ سَالِيَا
فِي وَجْنَةِ الْمُحِبِّ سُطُورٌ رَقِيمَةٌ
طُوبَى لِمَنْ يَصِيرُ لِمَعْنَاهُ تَالِيَا [غزلية 282]
لم ينظم مولانا أشعاره لمدح الحكّام والأشخاص كما هو شائع عند غيره من الشعراء، فإذا قرأنا في غزليّاته مدحًا نجده متوجها به إلى تلامذته ومشايخه، وقد كان أغلب مدحه لشيخه ورفيق روحه شمس الدين التبريزي، ذلك الشيخ الذي سُمّي الديوان باسمه، ومن أمثلة هذا الغرض:
يَا خَفِيَّ الْحُسْنِ بَيْنَ النَّاسِ يَا نُورَ الدُّجَى
أَنْتَ شَمْسُ الْحَقِّ تَخْفَى بَيْنَ شَعْشَاعِ الضُّحَى
كَادَ رَبُّ الْعَرْشِ يُخْفِي حُسْنَهُ مِنْ نَفْسِهِ
غَيْرَةً مِنْهُ عَلَى ذَاكَ الْكَمَالِ الْمُنْتَهَى [غزلية 276]
عَمْرُكَ يَا وَاحِداً فِي دَرَجَاتِ الْكَمَالْ
قَدْ نَزَلَ الْهَمُّ بِي يَا سَنَدِي قُمْ تَعَالْ
يَا فَرَحِي يَا مُؤْنِسِي يَا قَمَرَ الْمَجْلِسِ
وَجْهُكَ بَدْرٌ تَمَامٌ رِيقُكَ خَمْرٌ حَلَالْ
رُوحُكَ بَحْرُ الْوَفَا لَوْنُكَ لَمْعُ الصَّفَا
عَمْرُكَ لَوْلَا التُّقَى قُلْتُ أَيَا ذَا الْجَلَالْ [غزلية 1368]
وحول موضوع جغرافية الشعراء المتصوّفة يظهر أنّه لاقى اهتمامًا كبيرًا من المستشرقين الذين عاشوا حياة كاملة مع أعمال المتصوّفة. فقد خصص أرثر آربري كتابًا كاملًا عن شيراز وأوليائها، وتناولته أنّماري شيمل في دراسة لها استشهدت فيها بأشعار مولانا عن دمشق وتبريز وغيرها من الأماكن المذكورة في الشعر الصوفيّ.
للأماكن قدسية عند الروميّ، وأجمل الأماكن لديه أرض تبريز التي نشأ فيها محبوبه والأماكن التي التقاه فيها، ومن هنا كانت مجموعة من أبيات غزليّاته مخصصة للدعاء لمقام المحبوب:
سَقَى اللهُ أَرْضاً شَمْسُ دِينٍ يَدُوسُهَا
كَلَا اللهُ تَبْرِيزاً بِأَحْسَنِ مَا كَلَا [غزلية 269].
أَظَلَّ اللهُ تَبْرِيزاً بِظِلٍّ
تَضَعْضَعَ مِنْ تَصَوُّرِهِ جَنَانِي [غزلية 3212].
ثمّ إنّ اسم تبريز ما فتيء أن كان حاضرا في أكثر من 20 بيتًا من الغزليّات العربيّة، فهو تارة عنوان للألم والحسرة بعد غياب شمس تبريز:
تَبْريزُ جَلَّ بِشَمْسِ دِينٍ سَيِّدِي
أَبْكِي دَماً مِمَّا جَنَيْتُ وَأَشْرَبُ [غزلية 319-غزلية 2273].
وتارة تجسيد للعزة والكمال والفضل:
تَبْرِيزُ خُصَّ فَضْلاً وَتُرَابُهُ كَمَالاً
بِشُعَاعِ نُورِ صَدْرٍ هُوَ أَفْضَلُ الْكِبَارِ [غزلية 3219]
وتارة أخرى بلد العشق والمعشوق الأبديين:
وَإِنْ شِئْتَ بُرْهَاناً فَسَافِرْ بِبَلْدَةٍ
يُقَالُ لَهَا تَبْرِيزُ وَهِيَ مَزَارُ
فَيَشْتَمُّ أَهْلُ الْعِشْقِ مِنْ تُرُبَاتِهَا
وَلِلرُّوحِ مِنْهَا زُخْرُفٌ وَسِوَارُ [غزلية 2274]
وعلى سنّة الصوفيّة السابقين والمعاصرين له خصّص الروميّ جزءًا من أشعاره للحديث عن الخمر الإلهيّة، ومن ذلك قوله:
يَا سَاقِيَ الرُّوحِ أَسْكِرْنَا بِصَهْبَاءٍ
لَا تَبْخَلَنَّ وَأَوْفِرْ رَاحَنَا مَدَداً
حَتَّى تُنَادِمَ فِي أَخْذٍ وَإِعْطَاءٍ
دَعْنَا يُنَافِسْ فِي الصَّهْبَاءِ مِنْ سَكَرٍ
بِالسُّكْرِ يَذْهَلُ عَنْ وَصْفٍ وَأَسْمَاءٍ
خَوَابِي الْغَيْبِ قَدْ أَمْلَأْتُهَا مَدَداً
رَاحاً يُطَهِّرُ عَنْ شُحٍّ وَشَحْنَاءٍ [غزلية 289]
يعدّ الروميّ من أكثر شعراء الفارسيّة إنتاجًا للملمّعات، فإذا قاربت غزليّاته العربيّة الألف بيت من الشعر، فإنّ ملمّعاته قد تصل إلى خمسمائة بيت، هذا فضلًا عمّا ورد من كلمات وجمل عربيّة في أشعاره الأخرى. والملمّعات نمطٌ من الشعر نظم فيه مولانا قصيدته على ثلاثة أنحاء: -الشطر الأوّل فارسيّ والثاني عربيّ، أو الشطر الأوّل عربيّ والثاني فارسيّ، وبيت فارسيّ يليه بيت عربيّ إلى نهاية القصيدة، وملمّع تتداخل فيه النصوص العربيّة مع الفارسيّة دون ترتيب خاص.
علينا أن نشير في هذه المقال إلى أمرٍ مهمّ كان سببًا في عزوف بعض الباحثين عن الاهتمام بأشعار الروميّ العربيّة، ألا وهو تحريف النسّاخ لتلك الأشعار، ذلك أنّ أغلب النصوص العربيّة لم تصلنا على هيئة مستقلة عن الأشعار الفارسيّة، بل جاءت مطويّة في ثنايا الأشعار الأخرى، ولم يكن أغلب النسّاخ من الفرس على دراية بالعربيّة، ومن هنا تمّ تحريف كثير من عباراتها. والحال نفسه عند نشر مخطوطات أشعاره الفارسيّة، فعلى الرغم من تمكّن الباحثين الفرس من العناية بأعمال مولانا الشعريّة إلّا أنّه أصاب نشراتهم خلل وتصحيف وتحريف للأشعار العربيّة. لذا فإنّ مهمّة عائشة موماد في تصحيح وتقديم الديوان العربيّ للروميّ كانت مهمّة مكلّلة بالنجاح، وخدمة للتراث المولويّ ولقراء العربيّة. هكذا حال المتعطّشين للمعارف الصوفيّة يشربون من كأس المحبّة ويطلبون المزيد، وهذه المحبّة تغفر وتستر، وتشجّع على مواصلة العمل.
المراجع:
[1]: راجع أشعار جلال الدين الروميّ عن دمشق في يد العشق، مختارات من ديوان شمس تبريزيّ، ترجمة عيسى علي العاكوب، (دمشق: المستشاريّة الثقافيّة الإيرانيّة،2002)، 63.
[2]: راجع محمّد غنيمي هلال، مختارات من الشعر الفارسيّ (القاهرة: الدار القوميّة للطباعة والنشر،1965) 195.
[3]: يشير فروزانفر في سيرة الروميّ إلى أنّ العديد من العلماء الفرس لجأوا إلى دمشق هربًا من حملة المغول واستنفدوا أوقاتهم في نشر العلوم، وقد استهوى عددًا كبيرًا من المتصوّفين العرفاء أنّ دمشق وأطراف لبنان هي في نظرهم أماكن مقدّسة ومحلّ الأبدال. راجع بديع الزمان فروزانفر، جلال الدين الروميّ أكبر شعراء التصوّف والعرفان، (بيروت: مجلّة الدراسات الأدبيّة،1960) عدد 4، 55.
[4]: تشير أنماري شيمل إلى امتلاكنا لمادة وفيرة لا يمكن حصرها باللغات العربيّة والفارسيّة والتركيّة والأرديّة يشار فيها إلى أماكن ومواقع، فيستخدم الشيخ الأكبر ابن عربيّ (ت. 1240م) أسماء الأماكن العربيّة التقليديّة في أكثر من موضع في ديوانه ترجمان الأشواق، ويذكر المفكّر الصوفيّ الواسع الاطلاع عددًا من الأسماء نادرًا ما وردت في الشعر العربيّ القديم، وهو يتغنّى باحثًا عن الجمال الإلهي. راجع أنماري شيمل، جغرافية الشعراء (لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلاميّ، 2000)، 9.
[5]: فروزانفر، جلال الدين الروميّ، مرجع سابق، 55.
[6]: [الأنعام:160].
[7]: يعتمد مولانا في نصّه على كلمة الحلّاج التي برّ بوعده لله لمّا تعهّد ببذل دمه في سبيله قائلًا: “تُهدى الأضاحي وأُهدي مهجتي ودمي” قارن مصطفى كامل الشيبيّ، شرح ديوان الحلّاج (كولونيا، بغداد: منشورات الجمل،2007)، 65.
[8]:[البقرة:195].
[9]:[البقرة: 154].
[10]: المثنوي، الدفتر الأول، حكاية 169.
[11]: عن الأفلاكيّ وروايته لسيرة الروميّ، راجع خالد محمّد عبده، هل سمعت الناي يشكو آلام الفراق: حضور الروميّ وشمس تبريزيّ في الثقافة العربيّة (الجزائر: المكتبة الفلسفيّة الصوفيّة،2021)، 150. وقارن فرانكلين د. لويس، الروميّ ماضيًا وحاضرًا شرقًا وغربًا: حياة جلال الدين الروميّ وتعاليمه وشعره، ترجمة عيسى علي العاكوب، (دمشق: وزارة الثقافة، 2010) 492-512.
[12]: راجع فرح ناز رفعت، العرفان الصوفيّ عند جلال الدين الروميّ، (بيروت: دار الهادي، 2008) 359-403.
[13]: جلال الدين الروميّ، المثنوي ترجمة محمّد عبد السلام كفافيّ، (بيروت: المكتبة العصريّة، 1966) مج 2 : 50،و 415.
[14]: قارن سمير أرشدي، رسول الشعر العرفانيّ جلال الدين الروميّ، (الكويت: مؤسسة البابطين، 2007) ص 47. وقد جاءت هذه الالتفاتة على لسان فيكتور الكك في حوار له عن التواصل العربيّ الإيرانيّ أجراه معه سمير أرشدي نشرته مجلة “إيران الثقافي”، المركـز الثقافيّ الإيرانيّ، بيروت، العدد الأول، فيفري 2007، 51 ـ 60. ثمّ أدرجه أرشدي في كتابه دون إحالات.
[15]: غزلية رقم 2127.
[16]: أبو نواس، الديوان، تحقيق غريغور شولر، (ألمانيا: فراننر شتاينر، فيسبادنر، 1982)، مجلد 4، قصيدة رقم 348، 360-361
[17]: أبو نواس، الديوان، قصيدة رقم 308، ص 340-341
[18]: تتحدثّ أنماري شيمل عن هذا الأثر قائلة: “وفي مقدورنا أن نقرّ باطمئنان بأنّ مولانا تبعًا لتقاليد عصره درس المادة الكاملة لأدب العرب ومباحثهم الإلهيّة وتصوّفهم طبعًا، قرأ قوت القلوب للمكّيّ ورسالة القشيريّ، وعلى نحو يقينيّ إحياء علوم الدين للغزاليّ، الذي يبدو أنّه زوّد الروميّ بضرب من الإلهام في المثنوي، وإنّ أعمالًا أخرى أكثر أثّرت على معجمه والصور المجازيّة لديه”. الشمس المنتصرة: دراسة آثار الشاعر الإسلاميّ الكبير جلال الدين الروميّ ترجمة: عيسى علي العاكوب (طهران: وزارة الثقافة الإسلاميّة، 2000) ص 95.
[19]: المثنوي 1: 94
[20]: المثنوي 1: 99.
[21]: الزمخشريّ، ربيع الأبرار وفصوص الأخيار (القاهرة: الهيئة العامّة للكتاب، 1992) 1: 44.
[22]:راجع الميدانيّ، مجمع الأمثال، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد (القاهرة: مكتبة السنّة المحمّديّة، 1955) 1: 60، رقم 248. وقارن: جمانة طه، الجمان في الأمثال دراسة تاريخيّة مقارنة (السعوديّة: الدار الوطنيّة الجديدة للنشر والتوزيع، 1999)، 7.
[24]: أخرجه مسلم في الصلاة 486 وأخرجه أحمد 24118.
[25]: ابن عربيّ، فصوص الحكم 1: 186.
[26]: القشيريّ، الرسالة 2: 603.
[27] : المثنوي 1: 132.
[28]: أبو عبد الرحمن السلميّ، الكلمات الملتقطة من قول الإمام الأعظم الشافعيّ المطّلبيّ، مجموعـۀ آثار ابو عبد الرحمن سلمى 1: 148.
[29]: المثنوي ترجمة كفافيّ، مج 2 ص 35.
[30]: المثنوي ترجمة كفافيّ، مج 2 ص 44.
[31]: راجع بديع الزمان فروزانفر ، أحاديث وقصص مثنوي (مآخذ قصص وتمثيلات مثنوي)، ترجمة وتنظيم مجدد حسين داودي (تهران: مؤسسة انتشارات امير كبير، 1381).
[32]: جميلة ضياء، الأبحاث المعاصرة في إيران حول أعمال جلال الدين الروميّ، ترجمة عائشة موماد «Les recherches contemporaines en Iran sur l’œuvre de Mowlawi » (تهران: مجلة تهران، 2012) La revue de TEHERAN عدد 76، مارس 2012.
[33]: يظهر الأثر العربيّ في هذا الكتاب واضحًا بداية من عنوانه، إذ ينصّ فروزانفر في مقدمة تحقيقه للنصّ الفارسيّ على أنّه لا يمكن أن نتصوّر أن يكون مولانا قد وضع اسمًا للكتاب، وأغلب الظنّ أنّ هذا الاسم مقتبسٌ من نصوص الشيخ الأكبر ابن عربيّ، من قطعة من الفتوحات المكّيّة جاء فيها: “كتابٌ فيه ما فيه، بديعٌ في معانيه، إذا عاينت ما فيه، رأيت الدرّ يحويه”. ويضيف فروزانفر أنّ تعبير فيه ما فيه يرد كثيرًا في شعر ابن عربيّ. راجع جلال الدين الروميّ، فيه ما فيه، ترجمة عيسى علي العاكوب (دمشق: دار الفكر، 2001)، 18.
[34]: راجع جلال الدين الروميّ، فيه ما فيه، ص 149، 186، 198، 200، 233، 265، 279.
[35]: قارن جلال الدين الروميّ، فيه ما فيه، نسخة خطّية (تركيا، السليمانيّة، مجموعة فاتح 5408) تاريخ النسخ الرابع من رمضان 751هـ.
[36]: قارن رشيد يلوح، التداخل الثقافي العربيّ الفارسيّ من القرن الأوّل إلى القرن العاشر الهجري (قطر: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 2014) ص 218.
[37]: محمّد عبد السلام كفافيّ، جلال الدين الروميّ في حياته وشعره (بيروت: دار النهضة، 1971) ص 480.
[38]: راجع جلال الدين الروميّ، فيه ما فيه، ص 199. وقد وضّح الروميّ هذا المعنى في المثنوي، راجع جلال الدين الروميّ، المثنوي ترجمة محمّد عبد السلام كفافيّ (بيروت: المكتبة العصريّة، 1966) ص 263، 264.
[39]: راجع فيكتور الكك، جلال الدين الروميّ والثقافة العربيّة، إشعاع كونيّ، (سلطنة عمان: مجلة التسامح، 2007) ﻉ18، 145-175.
[40]: قارن مهدي ممتحن، بين مولانا جلال الدين وحافظ الشيرازيّ: دراسة موازنة في الغزليّات العربيّة (إيران: مجلة إضاءات نقدية، 2011) السنة الأولى، العدد الأول، 125-139.
[41]: المثنوي ترجمة كفافيّ، مج 1: 31.