تكوين
الُمقدِّمة (مدخل منهجي):
هل يمكنُ قراءة الفكر العربي باستخدام مفاهيم النقد الجمالي؟ وهل تستوعب القيمة الجمالية التجربة الفكرية والسياسية؟ وبسؤال آخر، هل يُؤرَّخُ الفكرُ بمفاهيم النقد الجمالي، فيُستخلَص منه قيمة مهيمنة (البطولي، والتراجيدي والمعذب…) تعكس في حضورها حركة الفكر والواقع؟ وهل من أدبيَّة تخصُّ الفكر أو الفلسفة مثلما نجد في أدبيَّة الرواية أو المسرح أو الشعر؟
بناء على التساؤلات السابقة ينطلق البحث من تطبيق النقد الجمالي على الفكر العربي بهدف استكشاف القيم الجمالية المهيمنة على التجربة الفكرية، ومن مسعى التأريخ النقدي لحركة الفكر العربي برهاناته وانتكاساتها مفترضين على نحو خاص أن القيمة الجمالية هي انعكاس لحركة الواقع الاجتماعي والسياسي، وتحولاتها تعكس متغيرات هذا الواقع. فالبطولي مثلًا يتزامن مع صعود طبقات جديدة، ويُعبرُ عن رهاناتها السياسية وطموحاتها الاجتماعية، في حين أن الهزلي والتافه غالبًا ما يرتبط بالطبقة السياسية الاجتماعية الزائلة والفاقدة لمشروعيتها التاريخية في الفترات التي يسود فيها الصراع الثوري، قد تظهر قيمة التراجيدي كونهُ تعبيرًا عن الواقع الدرامي للصراع بين القوى الاجتماعية، أما فشل التحولات الثورية في مرحلة معينة فقد ينعكس قيميًا بـ (المعذَّب).
وإن درجَتْ دراساتٌ عِدَّة على تطبيق النقد الجمالي في المجال الفني بعامة والأدبي بخاصة، فإنَّ دراستنا تسعى في تمديد هذا التطبيق صوب التجربة الفلسفية أو الفكرية بعمومها، فتتبنَّى منهجيًا المقاربة الجمالية (Aesthetic Approach) * لتوظفها في سياق تشخيص الفكر العربي بسياقاته الاجتماعية والسياسية والجمالية. إنَّ هذا التمديد يجد مسوِّغه في شمولية التجربة الجمالية، فوَفق توصيف هيجل، فإن الجمالي ** بوصفه القيمة العليا التي تستوعب مختلف القيم (الجميل والجليل والتراجيدي والمعذَّب) هو أشبه بـ “الجني الأنيس الذي نصادفه في كل مكان”[1]، إذ نراه متداخلًا ومُتلبِّسًا ببقية أشكال الوعي الإنساني: الأسطوري والديني والفلسفي، مما يجعل دراسة الوعي الجمالي في مرحلة ما دراسة لعصارة الوعي السائد فيها.
إزاء ذلك يتخذُ البحث من مشروع (جورج طرابيشي) الفكري موضوعه، ومن المقاربة الجمالية إجراءً منهجيًا، ومن التراجيدي والمُعذَّب مدخلًا مفهوميًا، فيضع البحث افتراضين أساسيين: إنَّ مشروع (جورج طرابيشي) الفكري يعكسُ ضمنيًا مشروعًا اجتماعيًّا سياسيًّا جمعيًّا، ويعبِّرُ عن رهاناته وانتكاساته، إضافة إلى أنه يعكس تحولًا نوعيًّا قيميًّا انتقل فيه من مجال الوعي التراجيدي الصراعي إلى مجال الوعي المُعذَّب الاستلابي، هذا التحول القيمي يعبِّرُ عن تبدلات جوهرية في مسار الفكر العربي وطموحاته، إذ يفترضُ البحث ترابط القيمة الجمالية بسياق التحولات الاجتماعية والسياسية.
أولًا: الوعي التراجيدي وتكوُّن الذات النقديَّة:
إنَّ المدخل لتحديد دلالة التراجيديا (Tragedy) هو وعي التناقض الكامن بين الممكن المهدور والواقع المتحقق، فهو “يُمثِّل ذروة الصراع بين الحلم والشرط التاريخي”[2]، أو وَفق ما يقول إنجلز، فإنه ينهض: “بين حاجة ضرورية تاريخيًّا وعدم إمكانية تحقيقها عمليًّا”[3]. فالوعي التراجيدي في جوهره صراعٌ درامي تتنازعه قوتان متضادتان: الأولى، الإرادة الإنسانية الساعية في تحقيق المثل الأعلى المأمول (وجوديًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا وسياسيًّا)، الأخرى، المصير (الميتافيزيقي أو التاريخي) الذي يصارع الإرادة الإنسانية، ويهزمها، فتنتهي العلاقة الصراعية إلى نهاية فجائعية (الموت).
وبناء على التحديدات السابقة فإنَّ البطل التراجيدي هو بطلٌ يصارع من أجل قيمة مُثلى، ويَسقطُ صريعًا لأجلها. إنَّ الموت من أجل المُثل الأعلى يجعل الموت ذا دلالة مأساوية يتداخل فيها البعدان البطولي والجليل، إذ ليس كل موت تراجيديٌّ، فموت إنسان نحبُّه أمر مفجعٌ ومرعبٌ غير أنه لا يكون تراجيديًّا، إلا إذا حدثَ من طريق الصراع الذي يحيل إلى صراع المثل الأعلى في وجه القبح والتفاهة. وبعبارة أخرى: إنَّ البطل لا يكون تراجيديًّا إلا إذا كان تجسيدًا للمثل الأعلى وسقوطًا لأجله، ولعلَّ هذا ما يجعل من سقوطه سقوطًا للجمال أو افتقادًا للقيم اجتماعيًا، فالدمعة التي نذرفها من أجل البطل هي في الحقيقة صادرة عن خوفنا على الجمال وعلى مثلنا الأعلى الاجتماعي-الجماليُّ أيضًا، مما يُحيل إلى أن البطل التراجيدي هو نفسه البطل الجميل، ولكن قبل أن يتحوَّل إلى تراجيدي في سقوطه المروعُ من أجل القيمة المُثلى المفتقدة واقعيًا والمأمولة إرادة [4]. ورغم أن مصير التراجيدي السقوط إلا أنه يستبطن نزعة تفاؤلية تُقاوم استلاب الواقع، فالنزعة التشاؤمية أو العدمية محطمة للمأسوي[5]. شرط التراجيدي إذًا، مقاومة الواقع المُستلَب والصراع من أجل مثل أعلى مفقود. إن البطل التراجيدي “جديرٌ بالحياة، غير أنه يختار الموت، أحيانًا، لأنَّ في موته تعميقًا للوجود الإنساني الأفضل، ودفعًا لحركة الحياة”[6]. فالموت ليس انسحابًا من الحياة، بل مقاومة للاستلاب فيها.
ضمن هذا الترسيم المفهومي يمكن النظر إلى الفكر العربي إثر نكسة حزيران (67) على أنه فكرٌ صراعي يتحرَّكُ داخل مقولة التراجيدي (Tragic)، ويعبِّرُ عنها، فاستقراءُ عددٍ من المشاريع التي كُتبت في سياق النكسة يثبت أن الفكر العربي قد دخل في مرحلة جديدة انتقل فيها من الوعي البطولي الطامح (في مرحلة مقاومة الاستعمار) إلى الوعي التراجيدي (في مرحلة ما بعد الاستقلال وبناء الدولة الوطنية).
وإذا كانت المفارقة هي الحدث الأساسي في التراجيديا كما يؤكد أرسطو، إذ بها تنقلب الأوضاع من حالٍ إلى آخر[7]، فإنَّ الحدث الفارق في الفكر العربي مثَّلتهُ هزيمة حزيران، فمعها انقلب من حالٍ يهيمن عليه مقولة البطولي إلى حالٍ تراجيدي يواجه فيه المثقف العربي قدره ويصارع واقعه المستلب.
حتى نمثل هذه المفارقة الضدية، يمكنُ الاستدلال بالمكالمة الهاتفية التي أجراها كلٌّ من أدونيس وصادق جلال العظم في صبيحة إعلان معركة حزيران، تعكس هذه المكالمة حجم المفارقة الصادمة التي واجهتها النخب الفكرية في ذلك الوقت. ففي حين كان كلٌّ من أدونيس وصادق جلال العظم يتوقعان عبر مكالمتهما أن تكون المعركة محسومة لصالح الجبهة العربية أو على الأقل متعادلة الخسائر وَفق أسوأ التقديرات، جاءت النتائج عكسية تمامًا، فقد حُسمت المعركة في غضون أيام معدودة لصالح العدو، مما كشف عن مدى الهزيمة وألقى الضوء على الفجوة الحضارية العميقة التي كان يعانيها العالم العربي[8]. تُجسد هذه الواقعة الفرق بين التوقعات المثالية والنواتج الفعلية، وتسلط الضوء على مدى الانفصال بين التصورات الفكرية لدى النخب والوقائع الفعلية. في هذه اللحظة، لم تكن فقط نتائج المعركة مفاجئة، بل أيضًا انهيار التصورات التي كانت تطمئن النخب إلى القوة العربية وقدرتها على تحقيق النصر.
وإذا كان البطل التراجيدي في المسرح اليوناني يواجهُ قدرًا ميتافيزيقيًّا، فإن المثقفين العرب في معركتهم التراجيدية كانوا يواجهون قدرًا حضاريًّا تاريخيًّا، فالبطل هنا لا يعاني “خطيئة وجودية، بل خطيئة اجتماعية محددة، وما يُسمَّى بالخطيئة التراجيدية، هو في حقيقته خطيئة في واقع اجتماعي معين، ينبغي تجاوزها وتلافيها، كي تكون الحياة أكثر جمالاً، والإنسان أعمق حرية”[9]. إنَّ مراجعة أسباب الخطيئة العربية فتحت أسئلة كبرى عن الفكر العربي، واستدعت رهانات عصر النهضة مجددًا، ولكن بغصة الهزيمة وأمل التجاوز. على صعيد التأريخ الفكري يمكنُ وصفُ هذه المرحلة بـ (المرحلة الثورية)، إذ فيها انتقل الفكر العربي وَفق تشخيص عبد الإله بلقزيز من عصر (النهضة) إلى عصر (الثورة)، وطُرحت مع هذه النقلة أسئلة حادة عن خطاب النهضة السابق، وأطلقت ديناميةً جديدة في تطور الفكر العربي وفي علاقته بموروثه وبالآخر[10]. إنَّ هذه النقلة من جهة المقاربة الجمالية يمكن أن نطلق عليها النقلة التراجيدية، فمعها انتقل الفكر على إثر الهزيمة ومسعى تجاوزها من وعي العالم بطوليًّا إلى وعيه تراجيديًّا.
في هذا السياق التاريخي المُتكوِّنُ بواسطة مقولة التراجيدي بأبعاده الصراعية، انطلقت مشاريع عدَّة على اختلاف أطروحاتها من سؤالٍ عنوانه: نقد الواقع العربي وتجاوز الفوات الحضاري فيه. ففي الوقت الذي بدأت فيه تترسخ دعائم الاستبدادين السياسي والديني، بدأت تتبلور رهانات جيل نقدي عايش هزيمة (حزيران) وسعى في تجاوزها، ضمن هذا السياق التاريخي أخذَتْ تتكوَّنُ ملامح أدب نقدي لم يكن ظهوره ممكنًا وَفق تعبير (ياسين الحافظ) لولا الهزيمة، وما يُطلقُ عليه ياسين حافظ (الأدب السياسي) يسمِّيه صادق جلال العظم (النقد الذاتي)، في الوقت الذي يطلقُ عليه هشام شرابي بـ (النقد الحضاري)، فيما يحدُّده جورج طرابيشي بـ الرضة (Trauma) الحضارية. ومع اختلاف التسميات فإننا أمام حدث حضاري استوجب مساءَلة جذرية موازية، وتفعَّلت معه ملامح خطابية جديدة، فهزيمة حزيران إن أثبتت فشل الحركة العربية واقعًا وفكرًا، فإنَّها أكدت ضرورة المواجهة النقديَّة الجذريَّة مع بِنى التخلف العربي[11]. إن وقع الهزيمة الصادم الذي دفع (ياسين الحافظ) إلى هواجس الانتحار كان على الطرف الآخر محفِّزًا لاستدعاء خطاب نقدي من أجل تجاوز الفوات الحضاري العربي[12]. وبشيء من التعميم الاستقرائي، فهزيمة حزيران على فجيعتها لم تدفع النخب إلى الانسحاب من الواقع، بل كانت محفزًا لمعترك درامي يواجه فيه الفكر أسباب تخلفه، ومكامن الاستلاب في واقعه. من هذا المنظور يمكن القول: أضحى الفكر العربي إثر الهزيمة فكرًا تراجيديًّا في بُعده الصراعي، ومُعبِّرًا في وعيه عن التناقض بين الإمكان المأمول والواقع المهدور.
من هذا المساق المعرفي-الاجتماعي امتزجت في مشروع طرابيشي الأنا الفردية بالتجربة الاجتماعية السياسية الجمعية، وهو ما يعبّر عنه على نحو متواتر صيغ الأنا الجمعية المتلاحمة مع التجربة الفردية، “إنني أنتمي إلى جيل الرهانات الخاسرة” [13]. وعلى نحو متقاطع وموازٍ تغدو الهرطقة في “زماننا هذا الذي هو زمان سيادة الأصوليات والارتداد العربي”[14] أحد سبل المقاومة الواقع المتخلف، وفي موقع آخر يصرِّحُ بانتمائه إلى جيل الهزائم المتتالية والرهانات الفاشلة، فهو جيل مخدوع بالشعارات مهزوم بالوقائع والحقائق[15].
وإذا كان الوعي التراجيدي وعيًا تناقضيًّا أو وَفق تعبير نايف بلّوز: وعي محفوف بالتناقض، فإن وعي التناقض هو السمة المتجذرة في مشروع طرابيشي النقدي، وهو يتحرك بين قطبين متقابلين: الوعي الواقعي ويجسده: (الاستبداد السياسي والتخلف الثقافي والاجتماعي والنكوص النفسي والتحيزات الجندرية المتخلفة والارتداد الأصولي)، الوعي المأمول: (الديموقراطية السياسية والثقافية وتجاوز الفوات الحضاري والعقلانية والانفتاح الإنساني الجندري والمواطنة والعولمة الفاعلة والانخراط في المشروع الإنساني). هذان القطبان يحاول طرابيشي أن يوصلهما بجسور متعددة ليعبر الفكر العربي من حالة الاستلاب إلى حالة الفاعلية الحضارية.
وما بين الوعيين: (الراهني والمأمول) تتعددُ سبُل تجاوز التخلف العربي، واللافت في هذا الصدد تعدُّد المشاريع الأيديولوجية التي تبناها طرابيشي في مساره الفكري، إذ ابتدأت بالقومية ثم الماركسية وآلت في مرحلة ما إلى الوجودية ثم انعطفت إلى التحليل النفسي الفرويدي وانتهت في المرحلة الأولى من حياته بالنقد الإبستمولوجي للتراث. ومع هذا التعدد فإن الثابت هو وحدة الهدف: نقد الواقع العربي وتجاوز الفوات الحضاري فيه، والمتحول: سبُل النقد وأدواته ومرجعياته.
يعدُّ هذا المبدأ الغائي المتأسِّس على الحسِّ الجمعي الجامع بين اشتغالات طرابيشي المتعددة معرفيًّا والتأليف والترجمة والتحرير والمرتحلة أيديولوجيا بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية. ومثلما يشيرُ نبيل سليمان ثمةَ تلازم بين الترجمة والتأليف وهو تلازم تزامني منهجي يحركه مبدأ غائي، ففي الوقت الذي كان طرابيشي منشغلًا بالكتابة عن الوجودية والماركسية، كان منهمكًا بترجمة النصوص السياسية والنقدية التي تخدم خطه الفكري الأيديولوجي، ومن الأمثلة الدالة ترجمات طرابيشي الأولى لفرويد، فقد ترجم له خصوصًا ثلاثة مؤلفات: (موسى والتوحيد 1973) و(مستقبل الوهم 1974) و(قلق في الحضارة 1977)، ويحمل التخصيص في ظننا دلالة أيديولوجية، فأعمال فرويد الثلاثة تصبُّ في المنحى التنويري الحداثي الذي سعى طرابيشي في ترسخيه داخل الثقافة العربيَّة [16]؛ فهي تكشف عن “الوجه الجذري والعلماني لفرويد [الذي ظلَّ] مجهولًا أو محجوبًا وراء ستار”[17]. إن الترجمة من منظور طرابيشي ليست نقلًا حرفيًا أو حرفة مهنية، بل وظيفة جذرية تثقيفية تثويرية، فهي بوابة الدخول إلى النهضة التي يلخصها بعبارة موجزة: “النهضة هي، في تيارها العريض، حركة ترجمة”[18].
هكذا نصلُ إلى أنَّ الوعي التراجيدي لدى طرابيشي، ذو مرجعية اجتماعية-سياسية، فأصل المشكلة تاريخي ومردها اجتماعي، وهو وعي مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بتجاوز حالة الاستلاب الحضاري بوصفها الخطيئة التراجيدية الكبرى، ومرتبطٌ أيضًا بمآلات القضية الفلسطينية من منظور النكسة، إضافة إلى الصلة الوثيقة بأشكال الارتداد الثقافي والحضاري. وإذا كان الوعي التراجيدي مُحرِّك مشروع طرابيشي الفكري ومفسرًا لنقلاته المعرفية والأيديولوجية، فإنَّ السؤال عن كيفية تجسُّد الوعي التراجيدي نصيًّا ونفسيًّا في متن طرابيشي النقدي؟
ثانيًا: الدرامية وسقوط الآباء الرمزيين:
إذا كان الوعي التراجيدي يحكمه طرفان متنازعان: (واقع مهدور) و(ممكن مأمول)، فإنَّ الكتابة في ظلِّ هيمنة هذا الوعي تصبحُ فعلًا دراميًّا، فهي مشروعٌ نضاليٌّ تحريريٌّ تُفهم بأبعادها المتصارعة بين راهنٍ مستلبٍ وواقع ممكن تتجسدُ فيه المثل العليا (العقلانية والعلمانية والديموقراطية). والدرامية من جهة كونها: “تجسِّد العالم من خلال الصراع”[19] تعدُّ النموذج الفني الحامل لهذا الوعي، فالعلاقة بين التراجيدي والدرامي علاقة متلاحمة بين الشكل ومضمونه.
وفي خطاب طرابيشي تتجسَّدُ الدرامية بالبُعد الحواري التشخيصي فالآخرُ لا يحضرُ بوصفه فكرة مجردة، بل بوصفه أمثولةً رمزيةً مكثفةً، وبعبارة أقرب إلى التحليل النفسي يحضر الآخر غالبًا بوصفه (أبًا) بالمعنى الأوديبي، إذ يستغرق الآباءُ الأنداد نصَّ طرابيشي بطريقةٍ لافتةٍ، وهنا نطالع عشرات الأسماء من سياسيين وأدباء ومفكرين، فيظهر الآباء الرمزيون في صور عدِّة ومن فئات أيديولوجية مختلفة: (الكاهن والمدرس والسياسي والمفكر)، وقد يظهر الأب بصورة جماعية (حزبية). من هنا نفهم تصريح طرابيشي: “كان لدي مشكلة: لقد كنت أبحث عن أب، وأحب أن أحرق الآباء. لم أضع خلال حياتي الثقة المطلقة في شخصية الأب لأني كنت أراها تسقط بعد فترة وجيزة”.
إنَّ الكتابة في ظل هيمنة الوعي الدرامي تصبحُ أشبه بخشبة مسرح، فالفكرة تحضر مُجسَّدة بشخصية حاملة لها ويمتزج الحوار مع الفكرة بالحوار مع الشخص (الأمثولة الرمزية المعبرة عنها). في ضوء ذلك تتسع دلالة الأب ناحية الدلالة الإيديولوجية الحاملة للفكرة والمعبرة عنها بصورة درامية حوارية، وتصبحُ مساءلة (الفكرة) ضربًا من ضروب المساءلة العلميَّة للذات ولآبائها.
وفي سبيل تشخيص الوعي الدرامي يمكنُ تمثيله المقال الأخير لطرابيشي (ست محطات في حياتي، المنشور 2016، مجلة العرب)، إذ تقدِّم كلُّ محطة وحدةً دراميَّةً يحرُّكها صراعٌ متنامٍ، تبدأ معالمها بالصراع مع المعتقدات السائدة، وتتجسَّد بشخصية (الكاهن)، فالأخير هو التشخيص الرمزي للمعتقد الديني الموروث. وتسير الخطاطة الدرامية من التدين الشديد فيفتتح المحطة الأولى بالقول: “تديَّنت تديُّنًا مفرطًا فــي الطور الأوَّل من مراهقتي”، وتنتهي: “من ذلك اليوم كففت عن أن أكون مسيحيا”، ما بين البداية والنهاية ثمة مفارقة كاشفة تتمثل في الشك الذي أبداه طرابيشي بخصوص تصور الكاهن لله، فصورة الله المُعذَّب الذي ينتقم من الإنسان ويعاقبه أشد عقاب على الخطيئة هي صورة خاطئة، ويجبُ القطع معها: “إن الله ذاك الَّذي حدثنـي عنه الكاهن لا يمكن أن يوجد ولا يمكن أن يكون ظالمًا إلى هذا الحدِّ”. إنَّ لحظة التحول هذه لم تكن محض موقف معرفي، بل نلتمس معالمها النفسية الواضحة: “وصلت إلـــى البيت وأنا في شبه هذيان وأصابتني حمُّى حقيقيـــة وبقيت يومـــين طريح الفراش”[20]. إن المعطيات المعرفية في تشخيص طرابيشي مدموجة في المعطيات النفسية، فتصبحُ المكابدة المعرفية جزءًا من الحالة النفسية.
وفي المحطة الثانية (مرحلة الثانوية) يسقطُ أبٌ من جنس الأب السابق، فبعد حديث (الكاهن) عن العذاب، كان حديث (الشيخ) عن عداوة ورفض كل من لا يؤمن بمعتقده. يسرد طرابيشي الحادثة في عام 1955 عندما دخل التعليم الديني إلى مناهج التعليم السورية، ومن باب الشغف المعرفي والوعي التقدمي يحضر جورج المسيحي إحدى حصص (التربية الإسلامية)، غير أنَّه يتفاجأ بما خطَّهُ المدرِّس على اللَّوح: “كلُّ من هو ليس بمسلم فهو عدوٌّ للإسلام”. وعلى وقع هذه العبارة الكاشفة عن الخلل الفكري في المنظومة الاعتقادية الموروثة والحامل التربوي المؤسساتي لها يخطُّ رهانه ويرتسم ملامح مشروعه ومداخله الأولى، وذلك بافتراض: “أن مهمَّة كبيرةً جدًّا لا تزال تنتظرنا في مجتمعاتنا وأن القضية ليست قضية تغيير سياسة ولا وزارة، بل هي أولًا وربما أخيرًا قضية تغيير على صعيد العقليات”[21].
وأمام تساقط المعتقدات الاجتماعية كانت النقلة ناحية الأيديولوجيات التقدميَّة (القومية والوجودية والماركسية)، وهنا يدخل في مسارٍ درامي آخر لا يقلُّ صراعيةً عن المحطات الأولى، ففي حادثة بالغة الدلالة يذكر في محطته الثالثة دخوله إلى السجن إلى جانب عددٍ من الرفاق (البعثيين) فقد دار بينهم نقاش يمثِّل نقطة تحول فارقة يسقط معها الأب الجمعي (الحزب)، إذ يظهر الإجماع الذي “يقضي بوجوب قتل المرأة إذا أقامت علاقة جنسية غير مشروعة سواء كانت مسيحية أو مسلمة”. وفي الوقت الذي يعارض طرابيشي هذا الاعتقاد كان حكم الرفاق عليه: “أنت ما عندك شرف! أنت لست عربيًا ولا تستأهل أن تكون عربيًا ولا بعثيًا! وأخذ هؤلاء الرِّفاق المعتقلون معي قرارًا بمقاطعتي”[22]. يعدُّ هذا الحوار نقطة ارتكاز في فهم التحوُّل ناحية الممارسة النقدية اليقظة، وفقدان الثقة بالخطابات الظاهر للأيديولوجيات التقدمية المفترضة.
وشأن المسارات الدرامية السابقة التي تبدأ بالانبهار والإجلال وتنتهي بالموقف الأوديبي القاتل للأب والمتجاوز له كان موقف طرابيشي من الجابري حينما قراء كتابهُ (تكوين العقل العربي)، فهو يدخل في سياق المحطات الدرامية، وربما تكون هذه المحطة الأطول والأكثر كثافة في مشروعه الفكري، فقد دامت قرابة ربع قرن ونتج عنها مشروعه الضخم (نقد نقد العقل العربي) الموجَّهُ إلى تمحيص وتدقيق وتحليل مشروع الجابري (نقد العقل العربي). تبدأ هذه الوحدة الدرامية بالموقف الانبهاري، فقد كان طرابيشي وَفق تعبيره: “مسحورًا به سحرًا كاملًا”، وفي سياق هذا الإعجاب كتب المقال الأول عن كتاب تكوين العقل العربي في مجلة الوحدة: “إنَّ هذا الكتاب ليس فقط يثقِّف، بل يغيِّر، فمن يقرأه لا يعود بعد أن يقرأه كما كان قبل أن يقرأه”. هذا الإعجاب سوف ينقلب مثل المواقف الأوديبية السابقة إلى موقف نقدي ندي.
إنَّ نقطة التحول الفارقة تتمثل في الكشف عن الزيف المعرفي الذي وقع فيه الجابري وأوقع قرّاءَه فيه، ويردُّه إلى ما مارسه الجابري وَفق توصيف طرابيشي في مذبحة التراث وكتابات لاحقة من تجني على التراث وإخضاعه إلى تصورات أيديولوجية قبلية، ومن ثم إخراج التراث من سياقه وإسقاط أبعاد وظيفية أيديولوجية عليه، وهذا ما ألتمسه بداءة في حديث الجابري عن إخوان الصفا، فهم من منظور الجابري أعداء المنطق والفلسفة اليونانية فعند التفتيش في كتبهم يثبت أن منظور الجابري متحيز وغير علمي، ويقوِّل النص ما لا يقوله ويجزِّئه بما ينسجم مع غايته المسبقة. وبتعبير آخر كان الجابري من وجهة نظر طرابيشي غير أمين في نقل النصوص التراثية والاقتباس منها، إذ يحكمه الوعي الأيديولوجي بقشرة إبستمولوجية. نتيجةً لهذا الوعي النقدي كتب طرابيشي: “أصبت بصدمة كبــيرة وبطعنة في كبريائي كمثقف، لأنِّي كتبت فيما كتبت عن كتاب الجـابري”[23]. في ضوء ذلك يمكن النظر إلى مشروع (نقد نقد العقل العربي) في أحد جوانبه إلى أنه تكفيرٌ عن هذا الإعجاب الأبوي بالجابري وانقلاب أوديبي عليه.
وعلى اختلاف وتعدد الأشكال التي يتجسد فيها الأب الرمزي السابقة، ثمة إذًا مسارٌ درامي مشتركٌ، يبدأ من الثقة بـ (الأب) ويتوسطه لحظة وعي فارقة تنتهي بفقدان الثقة والتمرد عليه، فسقوط الكاهن أو الشيخ هو سقوط للأيديولوجيا (الدينية التقليدية)، ويوازيها لاحقًا سقوط الأيديولوجيا السياسية ممثلة في الزعيم السياسي (ميشيل عفلق، جمال عبد الناصر)، أو المفكر (ياسين الحافظ، محمد عابد الجابري). الأب الرمزي إذًا هو أمثولة مكثَّفة تعكسُ مسارًا دراميًّا متصلًا ورهانًا متتابعًا من الصراعات النفسية والاجتماعية، وبناء على المعطيات السابقة يمكن أن نرسم خطاطة لمسارات الوعي الدرامي عند طرابيشي:
الأب الرمزي | الأيديولوجيا | المفارقة (النقلة) | الموقف الدرامي |
الكاهن والشيخ | المعتقدات الدينية الموروثة | الكاهن: عذاب الله للإنسان.
الشيخ: الانغلاق العقائدي، وتكفير الآخر |
الصراع مع المعتقدات الموروثة المعوِّقة للواقع العربي وفكره |
الحزب (الأب الجمعي) | الأفكار التقدمية (القومية والماركسية) | القشرة التقدمية والجوهر الرجعي (قضية المرأة في المجتمع العربي) | الكشف مع الأيديولوجيات التقدمية في ظاهرها الرجعية في مضمرها |
الأب المعرفي (محمد عابد الجابري) | مشروع الجابري في نقد العقل العربي | وعي مغالطات الجابري البحثية: إخراج التراث عن سياقه، وإسقاط أبعاد وظيفية إيديولوجية عليه | الانتقال من النقد الأيديولوجي إلى النقد الإبستمولوجي للتراث العربي وفكره. |
وإذا كان طرابيشي ومن موقع التفسير النفسي الذاتي يردُّ النقلات التي شهدها في محطات حياته إلى عقدة أوديب (قتل الأب)، فإننا نُرجع عقدة أوديب لدى طرابيشي إلى السياق الحضاري عينه، فموت الآباء الرمزيين لا يعكسُ فقط أزمة نفسيَّة ذاتية قطباها (طرابيشي) والأب (الأمثولة الرمزية)، بل تعكس كذلك مسار الإمكانات المهدور في الواقع العربي وعجز الأيديولوجيات النظرية عن تجاوز العطب التاريخي، فليست الهزائم هنا مخصوصة بشخص طرابيشي أو فكره، إذ يصحُّ النظر من منظور البنيوية التكوينية كونها جزءًا من (فاعل جمعي) يتجاوز حدود الفردانية ناحية الواقع العربي بكليته الاجتماعية وبناه الذهنية. لذلك كانت السرديات الدرامية المتتالية عن موت الآباء الرمزيين حلقات في سردية واحدة كبرى تضمُّها جميعًا، وهي موت رهانات الكبرى للتحرر العربي، وبتعبير آخر هي دليل على سقوط مشاريع الحداثة والتنوير وبناء الدولة الوطنية.
إنَّ سقوط الآباء هنا سقوطٌ مهيبٌ، فليس الساقط تافهًا أو عديم القيمة، بل ذا قيمة تاريخية-اجتماعية كبرى، وهو يمثِّلُ أحد ممكنات التحرر العربي وأحد معوقاته في الوقت ذاته. موت الآباء الرمزيين إذًا يعكس وعيًا صراعيًّا دراميًّا عن الواقع، فهو مُعبِّرٌ عن مسار الإمكانات المهدور، إذ يتخلَّى طرابيشي عن آبائه، لأن مسعاه لم يكن الهدم، بل المساءَلة المعرفية النقدية البنائية إزاء ذلك يضعُ كلَّ أبٍ في مرحلته التاريخية، فإن استوفى إمكاناته وأنسدَّ أفقه وأثبت الواقعُ فشلَ فكره، أصبح أداةً أيديولوجية تُعمي الواقع بدل من أن تنيره، لذلك لا بد من قتله مجازيًّا وتجاوزه واقعيًّا. وهكذا فما يحرِّكُ وعي طرابيشي باختلاف نقلاته هو المبدأ وليس المذهب، لأنهُ يسعى في فكِّ أسر الفكر العربي من سلطة: الأيديولوجيا والأقنوم (الأب) والمذهب المنغلق إعلاءً من قيمة العقل والفكر النقدي.
ثالثًا: من الوعي التراجيدي إلى الوعي المُعذَّب:
إذا كانت هزيمة حزيران نقطة استقطاب جامعة بين مختلف الرؤى النقدية، فإنَّ الحراك العربي (2010) مثَّل نقطة استقطاب فاصلة بين المثقفين، فبينما أُجمع على توصيف حدث (67) بالنكسة، فإنَّ هناك اختلافًا مفصليًّا بين المثقفين بخصوص توصيف الحراك العربي، الاختلاف يمتد من تفسير الحدث إلى تسميته عينه، والتسمية هنا تعبيرٌ عن الموقف الأيديولوجي منه، فيذهب صادق جلال العظم إلى القول: إنَّ أحداث الربيع العربي قد أنزلت السياسة إلى الشارع بعد عقود من الاستبداد السياسي[24]، فإنَّ هناك من رأى الأحداث العربية حالةَ نكوصٍ حضارية وعودة إلى الرجعية الدينية واستفحالًا في الطائفية واستدعاءً للتدخلات الخارجية.
وفي ضوء المقاربة المفهومية لعلم الجمال يمكن أن نقرأ الحدث من طريق منظورين مختلفين، ثمة من يسرد الحدث ضمن حبكة بطولية، فينظر إلى الأحداث بوصفها صراعًا من أجل المثل العليا، ويندرجُ في هذا السياق موقف العظم، فنزول السياسة إلى الشارع يعني ضمنيًّا أنَّ الشعب أصبح صانعًا للتاريخ والفاعل البطولي فيه، ونقيضُ ذلك موقف (جورج طرابيشي)، فبينما كان العظم مفرطًا في إيمانه بالحدث منغمساً فيه تنظيرًا وتبشيرًا، كان طرابيشي يقابل الحدث بترقّبٍ وحذرٍ. وقد تمثَّلت آراؤه في ثلاث مقالات متتابعة: بدأت (21-3-2011) بمقال (تاريخ صغير على هامش التاريخ الكبير)، يبدو طرابيشي في المقال الأخير متفائلًا، لكن تفاؤله مقرونٌ بتوجُّسٍ قلق وخوفٍ مستقبلي، فقد بدت ثورات الربيع العربي وكأنَّها تُدخِل العالم العربي في عصر الثورات التاريخية الكبرى مثل التي شهدتها فرنسا عام 1779 أو أوروبا الغربية عام 1848 أو دول المعسكر المسمى بالاشتراكي في أواخر القرن العشرين، وهو ما يقصده بالتاريخ الكبير. أما التاريخ الصغير فهو تاريخه الشخصي المرتبط بخيبة أمل كبرى، فيصفه “ابن الخيبة بالثورة الإيرانية الآفلة أكثر مني ابن الأمل بثورات الربيع العربي الشارقة”[25]. في هذه المرحلة إذًا يتجاذبُ طرابيشي أملٌ بممكنٍ تاريخيٍّ ديموقراطيٍّ وحدسٌ تشاؤميٌّ بمآلات الواقع العربي.
وبعد أشهر قليلة ترجحُ كفةُ الحدس التشاؤمي على حساب الأمل الديموقراطي، فيكتب في مقاله الثاني (سورية: النظام من الإصلاح إلى الإلغاء، 2011): “ما كنت حذَّرت منه في مقالي الذي كتبته في أواخر أيار المنصرم هو الآن قيد التحوُّل إلى حقيقة واقعة”[26]. لقد تحوَّل الحدس التشاؤمي إلى واقع يتحقق، لذا كان الرهان هو وقف عملية التدمير الذاتي، فهذا المقال أشبه بنداء على حافة الهاوية السورية، يقول طرابيشي: لا وقت لنا، إن قرار الإصلاح يجب أن يؤخذ الآن، ويجب أن يكون إصلاحًا إلغائيًا يلغي ما هو قائم، ويبني ما هو جديد، فهذا هو المنفذ الوحيد لتفادي الحرب الأهلية التي تقرع الأبواب.
إنَّ هذا الحدس بالفجيعة القادمة نرى ملامحه بخاصة في أطروحته التي قدَّمها في فرنسا بعنوان: (المرض بالغرب: التحليل النفسي لعصاب جماعي عربي)، وذلك قبل خمس سنوات تقريبًا من الحراك العربي، وفيه يضع معادلة جذرية: إمَّا إصلاح جذري تقدمي تخطو به المجتمعات العربية ناحية الديموقراطية والعلمانية والمواطنة، وإمَّا أن نخطو خطوات متسارعة ناحية البربرية، فإن لم يتحقق ذلك الإصلاح المأمول، فإنَّ المجتمعات العربية سوف تفجِّر نفسها ذاتيًا، كما شهدنا ذلك سابقًا في الحرب الأهلية اللبنانية، حينها ستدخل المنطقة في “شرنقة مغلقة من التفتيت والتدمير الذاتي والصراعات التناحرية التي لا أفق لها سوى البربرية”[27].
وفي المقال الثالث والأخير ترجُح الكفة التشاؤمية مجددًا، فيصبحُ الأمل الإصلاحي محالًا واقعيًّا في ظلِّ هيمنة القوى الخارجية على الشأن الداخلي. لذلك يقرُّ في مقاله الأخير (ست محطات في حياتي) أنَّ الأمل في الإصلاح كان “في غير محله إذ ما كنت أعي في حينه، أي في الأسابيع الأولى لاندلاع الانتفاضة السورية، دور العامل الخارجي إعلامًا وتمويلًا وتسليحًا، وهو الدور الذي يدفع اليوم الشعب السوري بجميع طوائفه ثمنه دمًا وموتًا ودمارًا غير مسبوق إلا هولاكيًا، وهذا في ظروف إقليمية وأممية تشهد احتدامًا في الصراع الطائفي السني/الشيعي ينذر بأن يكون تكرارًا للصراع الطائفي الكاثوليكي/البروتستانتي البالغ الشراسة الذي كانت شهدته أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر”[28]. إن تدخل العامل الخارجي مع تعوُّق الإصلاح الداخلي جعل الواقع قدرًا قهريًّا لا انفكاك عنه ولا أمل منه أو فيه. هكذا فإننا أمام سلسلة متتابعة من الخيبات، بدأت بنزوع تفاؤلي يتجاذبهُ حدسٌ تشاؤميٌّ، وانتهت باستسلامٍ قهريٍّ.
إن طرابيشي عندما كان يفكِّرُ بالفاجعة السورية ويتنبأ بها ويحلِّل أبعادها ويرسم مآلاتها، فإنَّه يفكر مستخدمًا الحدث وفيه، أي من موقع الانغماس التاريخي، وفي ضوء تفاعل الفكر مع الحدث ترتسمُ مرحلتان في مسار طرابيشي الفكري: المرحلة الأولى، تمثُّلها القيمة (التراجيدي)، وهي تمتد في مدار مشروعه، أمَّا الأخرى، فتمثلها قيمة (المُعذَّب)، وهي الممتدة في السنوات الستة الأخيرة من حياته.
إنَّ الفارق بين المرحلتين هو الفارق بين (التراجيدي) و(المُعذَّب)، فإذا كان الوعي التراجيدي يتأسَّس على التوتر الكامن بين المتحقق الواقعي والممكن المأمول، ويتجسَّدُ كتابيًّا في الصراع الدرامي، فإنَّ المُعذَّب بوصفه قيمةً جماليةً مقابلة يكمن باستخدامها محو معالم هذا الصراع، إذ يتماهى الفرد مع الواقع المُستلب ويفقد قدرته على المقاومة، ومن ثم يغدو الاستلاب جزءًا من تكوينه الذاتي. يصارعُ البطل التراجيدي قوى الاستلاب أملًا بمثل أعلى منشود، على حين يفقد المُعذَّب الأمل فيخسر بعدًا جوهريًّا في التراجيدي (الصراع) ليعاني “عذابًا روحيًّا نتيجة رفضه لقوى الاستلاب القبيحة من جهة، وعجزه عن تحول هذا الرفض إلى فعلٍ من جهة أخرى”[29]. فبينما تنعكسُ العلاقات الاستلابية سلبيًّا في ذات المُعذَّب مما يجعله كائنًا مأزومًا عديم الفاعلية، وتنعكس تلك العلاقات إيجابيًّا في ذات التراجيدي مما يدفعه إلى أن يكون بطوليًّا وفاعلًا في تلك العلاقات[30]. من هنا فإن المُعذَّب لا يشاكل التراجيدي وإن تقاطع معه في وعي الاستلاب والقبح في الوقع، فالأول يثور عليه والآخر ينهزم أمامه.
وفي ضوء هذا الترسيم الاصطلاحي للعلاقة بين (التراجيدي) و(المُعذَّب) يتبدَّى التحول النوعي في مشروع طرابيشي، فنحن أمام نقلة قيمية وموقف من العالم يُصاغ من جديد، فعلى حين مثَّلت المرحلة التراجيدية صراعًا من أجل القيمة العليا، فإنَّ اعتزاله القلم يُمثِّل انسحابًا للوعي التراجيدي وإعلانًا عن مرحلة المُعذَّب المستلب. فبعد عقود ستة من صحبة القلم ينهي طرابيشي مساره بإعلانه عن الشلل الكتابي: “إن شللي عن الكتابة، أنا الذي لم أفعل شيئاً آخر في حياتي سوى أن أكتب، هو بمثابة موت. ولكنه يبقى على كل حال موتًا صغيرًا على هامش ما قد يكونه الموت الكبير الذي هو موت الوطن”[31]. الموت في المرحلة التراجيدية أملًا في ممكن جديد، أمَّا هنا ففجائعيٌّ فهو موتٌ لا أمل فيه، من هنا تُفهَم الدلالة المجازية للشلل الكتابي، فإن كان الشلل فقدان الدماغ السيطرة على الجسد، فإن شلل المفكر هو عجز الفكر أن ينفذ إلى الواقع المستلب.
إنَّ طرابيشي الذي أبهرَ قرَّاءَهُ بغزارة مؤلفاته التي تنوَّعت بين النقد الأدبي والفكر والفلسفة والسياسية، وبين الترجمات التي تجاوزت المئة ها هو ذا يختتمُ سنواته الست الأخيرة بالصمت، ويكتفي بمقالاته الثلاثة ذات الحدس التشاؤمي، فينتقلُ من الصدام مع الواقع إلى الانسحابِ منه ومن الوعيِّ الدراميِّ إلى الوعيِّ المُهزوم ومن الصراع الاجتماعيِّ إلى الصراع النفسيِّ ومن البطوليِّ الذي يناضلُ من أجل المثل الأعلى إلى المُنعزل في المنفى.
فهل كفَّ طرابيشي عن الكتابة في الوقت الذي يتوجَّب عليه أخلاقيًّا وإنسانيًّا أن يكتب؟ هل الصمت هنا موقفٌ عقلاني ونأيًا عن واقعٍ لا عقل فيه، أم أنَّه موقفٌ انسحابيٌّ انهزاميٌّ؟ لقد قال طرابيشي كلمته وبشجاعة مُقرونةٍ بغصةٍ فجائعيَّةٍ عندما أعلن ضرورة الإصلاح الذي يؤدِّي إلى إفناء ما هو قائم، لكنَّ الحدسَ التشاؤمي الذي تدعِّمه أشكال الاستلاب كلها من معوقات الإصلاح الداخلي إلى التدخل الخارجي قد قَتلَتْ مُمكنات التغيير، وجعلَتْ من الرَّاهن المُستلَب قدرًا لا انفكاك عنه. قال طرابيشي كلمته وهو فاقدٌ الأمل، كلمة في خضم ضجيج السلاح وصيحات التكفير والتخوين، لقد مات في المنفى ونفي في منفاه، ابتدأ بطولياً تراجيديًّا حالمًا وانتهى مُعذَّبًا منفيًّا مُستلبًا. ولعلَّ مسار طرابيشي يعكسُ مسار الفكر العربي في هزيمته وانكساره وانطفائه، فهل من تراجيدي جديد يوقظ جذوة الأمل!
الخاتمة:
استنادًا إلى الأسس المنهجية التي انطلقت منها الدراسة أظهر البحث أن الوعي الجمالي تجسيدٌ دقيقٌ لحركة الفكر وتفاعلاته مع الواقع السياسي والاجتماعي، ففي الوقت الذي ترافقت فيه قيمة التراجيدي مع الطموحات الثورية، عبّرت قيمة المُعذَّب جماليًّا عن تراجع الفكر إلى موقعٍ انسحابي مأزوم. ومن سياق المقاربة الجمالية لمشروع جورج طرابيشي تبيُّن أن الفكر العربي في مساره المعقد مرَّ بمرحلتين تعكسان التحولات العميقة في الوعي الجمعي العربي:
المرحلة الأولى، (التراجيدية): وهي مرحلة مشبعة بالصراع الدرامي من أجل تحقيق المُثل الأعلى. في تلك الفترة سعت النخب العربية بعد هزيمة حزيران في إعادة قراءة الواقع العربي سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا بهدف تخطي التحديات الحضارية والسياسية، فتبنت رؤى ثورية تقاوم التخلف وتطمح إلى تحقيق العدالة والحرية والعقلانية. وقد تجسَّد هذا الوعي جماليًّا في مقولة (التراجيدي)، فتبلورت صراعات الفكر بين الممكن والمتحقق لتصبح معركة مستمرة في مواجهة الاستلاب والانكسار الحضاري.
أما المرحلة الأخرى، (المُعذَّب): فقد اتسمت بالاستسلام إلى الواقع المهزوم، وفيها تراجع الفكر من موقع الصراع والمقاومة إلى حالة من الخضوع للواقع المتخلف، فسادت روح التكيف مع الهزائم المتكررة وغلبت مشاعر الفشل والإحباط. انعكست هذه المرحلة في أعمال عديد من المفكرين منهم جورج طرابيشي، الذين عبَّروا عن شعور عميق بالعجز أمام الصدمات الاجتماعية والسياسية المتلاحقة.
وجد هذا الوعي تعبيره الجمالي في قيمة (المُعذَّب)، إذ تحول الصراع من مواجهة الواقع الخارجي إلى تأزم داخلي واغتراب نفسي، وتجسدت هذه الأزمة في اللحظة الحاسمة في حياة طرابيشي عندما أعلن اعتزاله الكتابة بعد ستة عقود من الترجمة والتأليف الفلسفي والنقدي. لقد كان إعلانه هذا يُمثِّلُ وقوفًا على حافة هاوية مثقلًا بالحدس المُعذَّب الذي استشرف فيه الواقع العربي ومآلاته.
بهذا يمكن القول إن الفكر العربي قد انتقل من وعي تراجيدي ثوري مشحون بالطموح والمقاومة إلى وعي معذب مثقل باليأس والانكسار النفسي. لقد عبَّرت هذه النقلة الجمالية من التراجيدي إلى المعذب، عن مسار طويل من الكفاح في مواجهة واقع عنيد لا يكفُّ عن خذل طموحات التغيير.
المقترحات:
- توسيعُ نطاق التحليل ليشمل مفكرين آخرين: يمكن تطبيق المقاربة الجمالية ليس فقط على مشروع جورج طرابيشي، بل وأيضًا على أعمال مفكرين آخرين في الفكر العربي المعاصر مثل: أدونيس وأركون ومحمد عابد الجابري وعبد الله العروي وآخرون. هؤلاء المفكرون قدَّموا إسهامات نقدية تتناول قضايا النهضة والتحديث، ويمكن تحليلها من زاوية جمالية لفهم كيف تكوَّنت القيم الجمالية في رؤاهم الفكرية وكيف تفاعلت مع السياقات الاجتماعية والسياسية.
- تمديدُ المقاربة الجمالية باقتراح دراسات بحثية تتناول الفكر العربي من منظور جمالي يجمع بين تحليل النصوص الأدبية والفلسفية والفنية لتقديم رؤية متكاملة عن كيفية تطور القيم الجمالية في الثقافة العربية. يدخل البحث هنا في إطار الدراسات البينية الجامعة بين الفنون والآداب والفكر.
- البحث في تأثير التحولات السياسية في الجماليات وفيه تدرس أثر الأحداث الكبرى مثل الثورات والحروب والتحولات السياسية في تشكيل القيم الجمالية في الأدب والفكر، مثل هذه الدراسات يمكن أن تقدم فهمًا أعمق للعلاقة بين الفكر والجمال ومتغيرات الواقع الاجتماعي.
- توسيع مقولتي (التراجيدي، والمُعذَّب) وتوجيههما ناحية مقولات جمالية أخرى، وذلك من أجل استكشاف قيم مختلفة مثل: (الهزلي) و(الساخر) و(التافه)، قد تبدو هذه القيم نقيض التراجيدي أو المُعذَّب، إلا أنها تحمل في طياتها إمكانات نقدية عميقة في تشخيص تناقضات الواقع العربي اجتماعيًّا وسياسيًّا وفهم مدلولات تحولاته جماليًّا.
الإحالات التوثيقية:
* المقاربة الجمالية Aesthetic Approach، بتعريفها، هي مقاربة نقدية فلسفية تعتمد على توظيف مناهج عدَّة من أجل بلورة وعي معرفي وعلمي ضمن حدود العلوم الإنسانية، وذلك لدراسة الظاهرة الجمالية، سواء في الأدب أو الفنون، تهدف المقاربة الجمالية إلى تطبيق المقولات النظرية في علم الجمال لتحليل وتفسير وتأويل التجربة الجمالية، فالنقد الجمالي هو نقد القيمة وقد تشكلت وتأسلبت، لا نقد القيمة مجردة. ينظر: سعد الدين كليب، المدخل إلى التجربة الجمالية، دمشق، وزارة الثقافة السورية، 2011، ص 13. وقد اُختير مصطلح المقاربة (Approach) لأن النقد الجمالي لا يقتصر على منهج واحد، بل يسعى في الاقتراب من الظاهرة الجمالية باستخدام مناهج متعددة متاحة له، فهو من الحقول المعرفية التي يمكن توصيفها بالعابرة للمنهجيات ومتعددة الحقول المعرفية (Interdisciplinarity).
** على المستوى الاصطلاحي، من الضروري التمييز بين مصطلحي: الجميل (Beautiful) والجمالي (Aesthetic). فمصطلح (الجميل) يشير إلى قيمة محددة تُستعمَل لوصف شيء أو شخص يتسم بجمال أو يتوافق مع معايير الجمال المتعارف عليها. في المقابل (الجمالي) هو مصطلح أوسع يشمل القيم الجمالية جميعًا، بما في ذلك: الجميل والقبيح والجليل والتراجيدي والمُعذَّب إلخ… لذا، يمكن عدُّ (الجمالي) قيمة أعلى تنضوي تحتها مختلف القيم. وقد يحيلنا مصطلح الجمالي Aesthetic إلى الدراسة النظرية للتجربة الجمالية بكليتها إبداعًا وتلقيًا.
- هيجل، المدخل إلى علم الجمال، بيروت، دار الطليعة، 1988، ص 10.
- سعد الدين كليب، القيم الجمالية في الشعر العربي الحديث، حلب، جامعة حلب كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1989، ص 230.
- مجموعة من الكتّاب السوفييت، أسس علم الجمال الماركسي اللينيني، بيروت، دار الفارابي، 1978، ص 93.
- سعد الدين كليب، القيم الجمالية في الشعر العربي الحديث، ص
- نايف بلّوز، علم الجمال، دمشق، منشورات جامعة دمشق، 2008، ص 104.
- سعد الدين كليب، القيم الجمالية في الشعر العربي الحديث، ص
- أرسطو، فن الشعر. ترجمة إبراهيم حماده، القاهرة، المكتبة الأنجلو مصرية، دون تاريخ، ص 121.
- صادق جلال العظم، النقد الذاتي بعد الهزيمة، ترجمة إبراهيم حماده، دمشق، دار ممدوح عدوان، 2007، ص 12.
- سعد الدين كليب، القيم الجمالية في الشعر العربي الحديث، ص
- عبد الإله بلقزيز، من النهضة إلى الحداثة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2020، ص 39.
- عبد الرحمن نعسان، الفرويدية في خطاب جورج طرابيشي من الحداثة إلى الفوات الحضاري، مجلة تشرين للآداب والعلوم والإنسانية، 2024، ص 233.
- ياسين الحافظ، الهزيمة والإيديولوجيا المهزومة، دمشق، دار الحصار، 1997، ص 40.
- جورج طرابيشي، من النهضة إلى الردة، بيروت، دار الساقي، 2000، ص 17.
- جورج طرابيشي، هرطقات، بيروت: دار الساقي، 2006، ص 7.
- جورج طرابيشي، في الثقافة الديموقراطية، بيروت، دار الساقي، 1998، ص 5.
- عبد الرحمن نعسان، الفرويدية في خطاب جورج طرابيشي من الحداثة إلى الفوات الحضاري، ص
- سيغموند فرويد، مستقبل الوهم، ترجمة جورج طرابيشي، بيروت، دار الطليعة، 1974، ص 6.
- جورج طرابيشي، الترجمة والإيديولوجيا، مجلة الوحدة، بيروت، 1989، ص 30.
- سعد الدين كليب، وعي الحداثة دراسات جمالية في الحداثة الشعرية، دمشق، دار الينابيع، 2010، ص
- جورج طرابيشي، ست محطات في حياتي، مجلة العربي، نشر بتاريخ 2016، تاريخ الاسترجاع 2024-20-6، الرابط: https://2h.ae/eqVL
- المصدر السابق.
- المصدر السابق.
- المصدر السابق.
- صادق جلال العظم، في شأن الثورة ودور المثقف، حوار متمدن، تاريخ النشر 2013، تاريخ الاسترجاع: 2024-6-20، الرابط: https://2h.ae/jGMK
- جورج طرابيشي، تاريخ صغير على هامش التاريخ الكبير. مجلة الاتحاد، تاريخ النشر 2011، تاريخ الاسترجاع: 2024-6-20، الرابط: https://2h.ae/NhTG
- جورج طرابيشي، سورية: النظام من الإصلاح إلى الإلغاء. موقع منارات، تاريخ النشر 2011، تاريخ الاسترجاع: 2024-6-20، الرابط: https://2h.ae/eqVL
- جورج طرابيشي، المرض بالغرب التحليل النفسي لعصاب جماعي عربي، باريس، رابط العقلانيين العرب، 2005، ص 181.
- جورج طرابيشي، ست مقالات في حياتي.
- ياسر عبد الرحيم، المأساوي بوصفه قيمة جمالية. مجلة جامعة تشرين للآداب والعلوم الإنسانية، 2024، ص 250.
- سعد الدين كليب، القيم الجمالية في الشعر العربي الحديث. ص 233.
- جورج طرابيشي، ست مقالات في حياتي.
فهرس المصادر والمراجع:
- أرسطو، فن الشعر، ترجمة إبراهيم حماده، القاهرة، المكتبة الأنجلو مصرية، دون تاريخ.
- جورج طرابيشي، الترجمة والإيديولوجيا، مجلة الوحدة، بيروت،
- جورج طرابيشي، المرض بالغرب: التحليل النفسي لعصاب جماعي عربي، باريس، رابط العقلانيين العرب، 2005.
- جورج طرابيشي، تاريخ صغير على هامش التاريخ الكبير، مجلة الاتحاد، تاريخ النشر 2011، تاريخ الاسترجاع: 2024-6-20، الرابط: https://2h.ae/NhTG
- جورج طرابيشي، ست محطات في حياتي، مجلة العربي، نشر بتاريخ 2016، تاريخ الاسترجاع 2024-20-6، الرابط: https://2h.ae/eqVL
- جورج طرابيشي، سورية: النظام من الإصلاح إلى الإلغاء، موقع منارات، تاريخ النشر 2011، تاريخ الاسترجاع: 2024-6-20، الرابط: https://2h.ae/eqVL.
- جورج طرابيشي، في الثقافة الديموقراطية، بيروت، دار الساقي،
- جورج طرابيشي، من النهضة إلى الردة، بيروت، دار الساقي،
- جورج طرابيشي، هرطقات. بيروت، دار الساقي،
- سعد الدين كليب، القيم الجمالية في الشعر العربي الحديث، حلب، جامعة حلب كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1989.
- سعد الدين كليب، وعي الحداثة دراسات جمالية في الحداثة الشعرية، دمشق، دار الينابيع، 2010.
- سعد الدين كليب، المدخل إلى التجربة الجماليَّة، دمشق، وزارة الثقافة السورية، 2011.
- سيغموند فرويد، مستقبل الوهم، ترجمة جورج طرابيشي، بيروت، دار الطليعة، 1974.
- صادق جلال العظم، النقد الذاتي بعد الهزيمة، ترجمة إبراهيم حماده، دمشق، دار ممدوح عدوان، 2007.
- صادق جلال العظم، في شأن الثورة ودور المثقف، حوار متمدن، تاريخ النشر 2013، تاريخ الاسترجاع: 2024-6-20، الرابط: https://2h.ae/jGMK
- عبد الإله بلقزيز، من النهضة إلى الحداثة، ط 3، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2020.
- عبد الرحمن نعسان، الفرويدية في خطاب جورج طرابيشي من الحداثة إلى الفوات الحضاري، مجلة تشرين للآداب والعلوم والإنسانية،
- مجموعة من الكتّاب السوفييت، أسس علم الجمال الماركسي اللينيني، بيروت: دار الفارابي، 1978.
- نايف بلّوز، علم الجمال. دمشق، منشورات جامعة دمشق، 2008.
- هيجل، المدخل إلى علم الجمال، بيروت، دار الطليعة، 1988.
- ياسر عبد الرحيم، المأساوي بوصفه قيمة جمالية، مجلة جامعة تشرين للآداب والعلوم الإنسانية، 2024.
- ياسين الحافظ، الهزيمة والإيديولوجيا المهزومة، دمشق، دار الحصار،