دليل التصوف السلفي: كتاب منازل السائرين للهروي

تكوين

يعدّ كتاب منازل السائرين لمؤلفه أبو إسماعيل عبد الله الهروي الأنصاري المتوفى عام 1088م من نماذج التصوف السلفي، أو المتقبل لدى أهل العلم والفقه. وقد عني بشرحه وتحقيقه كثير من العلماء والباحثين منذ صدوره وحتى اليوم. ومن أشهر شروحه كتاب “مدارج السالكين” لابن القيم المتوفى عام 1350م وهو محمد بن أبي بكر بن حريز، من مدينة درعا في حوران السورية. وفي العصر الحديث صدر كتاب تهذيب مدارج السالكين للأستاذ عبد المنعم العزي، وهناك كتب وتحقيقات علمية وشروحات كثيرة ورسائل ماجستير ودكتوراه حول هذا الكتاب.

فكرة الكتاب أن الطريق الموصل إلى معرفة الله تمر بمراحل ومنازل، عدّها الهروي في مائة منزلة مذكراً بما شرحه أبو بكر الكتاني في أن بين العبد وربه ألف مقام من نور وظلمة، مشيراً إلى أن جميع هذه المقامات تجمعها رتب ثلاثة: أخذ القاصد في السير، ودخوله في الغربة، وحصوله على المشاهدة الجاذبة إلى عين التوحيد في طريق الفناء

يقول ابن خلدون: “لا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة”

أقسام الهروي المنازل

قسم الهروي المنازل إلى عشرة أقسام. في كل قسم عشرة أبواب، وهي البدايات والأبواب والمعاملات والأخلاق والأصول والأدوية والأحوال والولايات والحقائق والنهايات.

المرحلة الأولى: البدايات، وفيها عشرة منازل: اليقظة، والتوبة، والمحاسبة، والإنابة، والتفكر، والتذكر، والاعتصام، والفرار، والرياضة، والسماع

اليقظة. القومة من سنة الغفلة، والنهوض من ورطة الفترة، وهي أول ما يستنير قلب العابد بالحياة لرؤية نور التنبيه. واليقظة ثلاثة أشياء:

  • لحظ القلب إلى النعمة على الإياس من عدها، والوقوف على حدها، والتفرغ إلى معرفة بها، والعلم بالتقصير في حقها.
  • مطالعة الجناية، والوقوف على الخطر فيها، والمبادرة لتداركها، والتخلص من ربقها، وطلب النجاة بتمحيصها.
  • الانتباه لمعرفة الزيادة والنقصان في الأيام، والتنصل عن تضييعها، والنظر إلى الضن بها، ليتدارك فاءتها، ويعمر باقيها.

أما معرفة النعمة فإنها تصفو بثلاث أشياء: نور العقل، وشيم برق المنة، والاعتبار بأهل البلاء. وأما مطالعة الجناية فإنها تصح بثلاثة أشياء: تعظيم الحق، ومعرفة النفس، وتصديق الوعيد. وأما معرفة الزيادة والنقصان في الأيام فإنها تستقيم بثلاثة أشياء: سماع العلم، وإجابة دواعي الحرمة، وصحبة الصالحين. وملاك ذلك كله خلع العادات.

  • التوبة. ولا تصح إلا بعد معرفة الذنب، هي أن تنظر في الذنب إلى ثلاثة أشياء: انخلاعك من العصمة حين إتيانه، وفرحك عند الظفر به، وقعودك على الإصرار عن تداركه، مع يقينك بنظر الحق إليك. وشرائط التوبة ثلاثة: الندم والاعتذار والإقلاع، وحقائق التوبة ثلاثة: تعظيم الجناية، واتهام التوبة، وطلب إعذار الخليقة. وسرائر التوبة ثلاثة: تمييز التقية من العزة، ونسيان الجناية، والتوبة من التوبة. ولطائف أسرار التوبة ثلاثة: أن تنظر بين الجناية والقضية، فتعرف مراد الله فيها، إذ خلاك وإتيانها، فإن الله إنما يخلي العبد والذنب لأحد معنيين: أحدهما أن تعرف عزته في قضائه، وبره في ستره، وحلمه في إمهال راكبه، وكرمه في العذر منه، وفضله في مغفرته. والثاني: ليقيم على العبد حجة عدله، فيعاقبه على ذنبه بحجته.

واللطيفة الثانية أن تعلم أن طلب البصير الصادق سيئة لم يبق له منّة بحال لأنه يسير بين مشاهدة المنّة وتطلب عيب النفس والعمل.

واللطيفة الثالثة أن مشاهد العبد الحكم لم تدع له استحسان حسنة، ولا استقباح سيئة، لصعوده من جميع المعاني إلى معنى الحكم.

قال: التوبة أدناها استكثار الطاعة، وأوسطها من استقلال المعصية، وأعلاها من تضييع الوقت.

  • المحاسبة. إنما يسلك طريق المحاسبة بعد العزيمة على عقد التوبة، والعزيمة لها ثلاثة أركان: أحدها أن تقيس بين نعمته وجنايتك. وهذا يشق على من ليس له ثلاثة أشياء: نور الحكمة، وسوء الظن بالنفس، وتمييز النعمة من الفتنة. والثاني: تمييز ما للحق عما لك أو منك، فتعلم أن الجناية عليك حجة، والطاعة عليك منّة، والثالث: أن تعرف أن كل طاعة رضيتها منك فهي عليك، وكل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك، ولا تضع ميزان وقتك من يديك.
  • الإنابة. ثلاثة أشياء: الرجوع إلى الحق إصلاحا كما رجع إليه اعتذارا، والرجوع إليه وفاء كما رجع إليه عهدا، والرجوع إليه حالا كما الرجوع إليه إجابة.

وإنما يستقيم الرجوع إليه إصلاحا بثلاثة: الخروج من التبعات، والتوجع للعثرات، واستدراك الفائتات. ويستقيم الرجوع إليه وفاء بثلاثة: الخلاص من لذة الذنب، وترك استهانة أهل الغفلة تخوفا عليهم مع الرجاء لنفسك، والاستقصاء في رؤية علل الخدمة. ويستقيم الرجوع إليه حالا بثلاثة: الإياس من عملك، ومعاينة اضطرارك، وشيم برق لطفه بك.

  • التفكر. تلمس البصيرة لاستدراك البغية. وهو ثلاثة أنواع: فكرة في عين التوحيد، وفكرة في لطائف الصنعة، وفكرة في معاني الأعمال والأحوال. فأما الفكرة في عين التوحيد، فهي اقتحام بحر الجحود، والتمسك بالعلم الظاهر. وأما الفكرة في لطائف الصنع؛ فهي ماء يسقي زرع الحكمة، وأما الفكرة في معاني الأعمال والأحوال فهي سلوك طريق الحقيقة.
  • التذكر. فوق التفكر، فإن التفكر طلب، والتذكر وجود.

وأبنية التذكر ثلاثة: الانتفاع بالعظة، واستبصار العبرة، والظفر بثمرة الفكرة، بشدة الافتقار إليها، والعمى عن عيب الواعظ، وذكر الوعد والوعيد. وتستبصر العبرة بثلاثة: حياة العقل، ومعرفة الأيام، وسلامة من الأغراض. وتجنى ثمرة الفكرة بثلاثة: قصر الأمل، والتأمل في القرآن، وقلة الخلطة والتمني والتعلق والشبع والمنام.

  • الاعتصام. الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته مراقبا لأمره، والاعتصام بالله هو الترقي عن كل موهوم، والتخلص من كل تردد. والاعتصام ثلاث درجات: اعتصام بالخبر، استسلاما وإذعانا، بتصديق الوعد والوعيد، وتعظيم الأمر والنهي، وتأسيس المعاملة على اليقين والإنصاف. وهذا هو الاعتصام بحبل الله. واعتصام بالانقطاع، وهو دون الإرادة قبضا، وإسبال الحق على الخلق بسطا، ورفض العلائق عزما. وهو التمسك “بالعروة الوثقى” واعتصام بالاتصال، وهو شهود الحق تفريدا، بعد الاستخذاء له تعظيما، والاشتغال به قربا. وهذا هو الاعتصام بالله.
  • الفرار “ففروا إلى الله” الهرب مما لم يكن إلى ما لم يزل. وهو على ثلاث درجات؛ أدناها فرار من الجهل إلى العلم عقدا وسعيا، ومن الكسل إلى الجد حذرا وعزما، ومن الضيق إلى السعة ثقة ورجاء.
  • الرياضة. تمرين النفس على قبول الصدق. وهي على ثلاث درجات؛ أدناها تهذيب الأخلاق بالعلم، وتصفية الأعمال بالإخلاص، وتوفير الحقوق في المعاملة.
  • السماع. جوهر السماع حقيقة الانتباه. وهو على ثلاث درجات؛ أدناها إجابة زجر الوعيد رعة، وإجابة دعوة الوعد جهدا، وبلوع مشاهدة المنة استبصارا.

ثانيا: الأبواب. وفيها عشر منازل: الحزن والخوف والإشفاق والخشوع والإخبات والزهد والورع والتبتل والرجاء والرغبة

11– الحزن. توجع لفائت، أو تأسف على ممتنع. وحزن السالكين حزن على التفريط في الخدمة وعلى التورط في الجفاء، وعلى ضياع الأيام. والدرجة الثانية حزن أهل الإرادة، وهو حزن على تعلق الوقت بالتفرق، وعلى اشتغال النفس عن الشهود وعلى التسلي عن الحزن.

12– الخوف. الانخلاع عن طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر، وهو على درجات؛ أدناها الخوف من العقوبة، والخوف الذي يصح به الإيمان، وينشأ من تصديق الوعيد، وذكر الجناية ومراقبة العاقبة. وخوف المكر، في جريان الأنفس المستغرقة في اليقظة، المشوبة بالحلاوة.

13- الإشفاق. دوام الحذر مقرونا بالترحم، وهو على درجات؛ أدناها إشفاق على النفس أن تجمح إلى العناد، وإشفاق على العمل أن يصير إلى الضياع. وإشفاق على الخليقة لمعرفة مقاديرها. وأوسطها إشفاق على الوقت أن يشوبه تفرق، وعلى القلب أن يزاحمه عارض، وعلى اليقين أن يداخله سبب. وأعلاها إشفاق يصون سعيه من العجب، ويكف صاحبه عن مخاصمة الخلق، ويحمل المريد على حفظ الحد.

14- الخشوع. خمود النفس، وهمود الطباع لمتعاظم أو مفزع. وأدناه التذلل للأمر والاستسلام للحكم، والاتضاع لنظر الحق. وأوسطه ترقب آفات النفس والعمل، رؤية فضل كل ذي فضل عليك.

15- الإخبات. ورود المأمن من الرجوع والتردد. وهو على درجات:

  • أن تستغرق العصمة الشهوة، وتستدرك الإرادة الغفلة، ويستهوي الطلب السلوة.
  • ألا ينقض إرادته سبب، ولا يوحش قلبه عارض، ولا تقطع الطريق عليه فتنة.
  • أن يستوي عنده المدح والذم، وتدوم لائمته لنفسه، ويعمى عن نقصان الخلق عن درجته.

16– الزهد. إسقاط الرغبة عن الشيء، وهو للمبتدئ قربة، وللسالك ضرورة. وهو درجات:

  • الزهد في الشبهة بعد ترك الحرام، بالحذر من المعتبة، والأنفة عن المنقصة، وكراهة مشاركة الفساق.
  • الزهد في الفضول، وما زاد على المسكة والبلاغ من القوت باغتنام التفرغ إلى عمارة الوقت، والتحلي بحلية الأنبياء والصالحين.
  • استحقار ما زهدت فيه، واستواء الحالات عندك.

17- الورع. توق مستقصى على حذر، أو تحرج على تعظيم. ودرجاته:

  • تجنب القبائح، لصون النفس وتوفير الحسنات، وصيانة الإيمان.
  • حفظ الحدود عند ما لا بأس به. إبقاء على الصيانة والتقوى وصعودا على الدنا وتخلصا من اقتحام الحدود.
  • التورع عن كل داعية تدعو إلى شتات الوقت والتعلق بالتفرق.

18- التبتل “وتبتل إليه تبتيلا” التبتل الانقطاع. ودرجاته:

  • تجريد الانقطاع عن الحظوظ واللحوظ إلى العالم خوفا أو رجاء أو مبالاة بحال. بحسم الرجاء بالرضى، وقطع الخوف بالتسليم، وفض المبالاة بشهود الحقيقة.
  • تجريد الانقطاع بمجانبة الهوى، وتنسم روح الأنس، وشيم برق الكشف.
  • تجريد الانقطاع إلى السبق، بتصحيح الاستقامة، والاستغراق في قصد الوصول، والنظر إلى أوائل الجمع.
  • الرجاء. تلطيف الخوف حتى لا يعود إلى الإياس. وهو درجات:
  • رجاء يبعث العامل على الاجتهاد، ويولد التلذذ بالخدمة، ويوقظ لسماحة الطباع بترك المناهي.
  • رجاء أرباب الرياضات أن يبلغوا موقفا تصفو فيه هممهم برفض الملذات ولزوم شرط العلم، واستقصاء حدود الحمية.
  • رجاء أرباب طيب القلوب، وهو رجاء لقاء الله. الباعث على الاشتياق المنغص للعيش والمزهد في الخلق.

20- الرغبة. فوق الرجاء، لأن الرجاء طمع يحتاج إلى تحقيق. والرغبة سلوك على تحقيق. ودرجاتها:

  • رغبة أهل الخير، تنشأ من العلم، فتبعث على الاجتهاد، وتصون السالك عن وهن الفترة، وتمنع صاحبها من غثاثة الرجوع إلى الرخص.
  • رغبة أرباب الحال، وهي رغبة لا تبقي من المجهود إلا مبذولا، ولا تدع للهمة ذيولا، ولا تترك غير المقصود مأمولا.
  • رغبة أهل الشهود وهي تشرف تحمله همة نقية.

إقرأ أيضاً: التدينُ السلفيُّ وسيرورةُ تفعيلُ البعدِ الإنجازيِّ للهُوية الدِّينيَّة: التطرفُ بوصفه فعلٌ إنجازيٌّ لدى الشباب السلفي

ثالثا: المعاملات. وفيها عشر منازل: الرعاية والمراقبة والحرمة والإخلاص والتهذيب والاستقامة والتوكل والتفويض والثقة والتسليم

21- الرعاية. صون بالعناية، وهي على ثلاث درجات: رعاية الأعمال ورعاية الأحوال ورعاية الأوقات؛ أدناها القيام بها من غير النظر إليها، وإجراؤها مجرى العلم لا على سبيل التزين بها.

22- المراقبة. دوام ملاحظة المقصود.

23- الحرمة. التحرج عن المخالفات. وهي على درجات؛ أدناها: تعظيم الأمر والنهي، لا خوفا من العقوبة، فيكون خصومة للنفس، ولا طلبا للمثوبة، فيكون مسترقا للأجرة.

24 – الإخلاص. تصفية العمل من كل شائبة.

25- التهذيب. محنة أهل البدايات. وهو على درجات؛ أدناها: تهذيب الخدمة ألا تخالجها جهالة، ولا تسوقها عادة، ولا تقف عندها همة. وأوسطها تهذيب الحال. وأعلاها تهذيب القصد بتصفيته من ذل الإكراه، وتحفظه من مرض الفتور.

26- الاستقامة. روح تحيى بها الأحوال، وتربو للسالكين عليها الأعمال.

27- التوكل. كلة الأمر كله إلى مالكه، والتعويل على وكالته.

28- التفويض. “وأفوض أمري إلى الله” ألطف إشارة وأوسع معنى من التوكل.

29- الثقة. سواد عين التوكل، ونقطة دائرة التفويض، وسويداء قلب التسليم.

30- التسليم. وأدناه التسليم من الأوهام، وأوسطه تسليم العلم إلى الحال، و أعلاه تسليم ما دون الحق إلى الحق.

رابعا: الأخلاق. وفيها  عشر منازل: الصبر والرضى والشكر والحياء والصدق والإيثار والخلق والتواضع والفتوة والانبساط

31- الصبر. حبس النفس عن جزع كامن عن الشكوى. وهو منزلة صعبة على السالكين، موحشة في طريق المحبة. وأدناه الصبر عن المعصية، وأوسطها الصبر على الطاعة، وأعلاها الصبر في البلاء.

32- الرضى. اسم للوقوف الصادق بلا تقديم ولا تأخير ولا استزادة ولا استبدال، وأدناه الرضى بالله ربا. وأوسطه الرضى عن الله، وأعلاه الرضى برضى الله.

33- الشكر. معاني الشكر ثلاثة أشياء: معرفة النعمة وقبولها والثناء بها. وأدناه الشكر في المحاب، وأوسطه الشكر في المكاره، وأعلاه شهود النعمة في كل حال.

34- الحياء. ينشأ الحياء من التعظيم والمودة، وأدناه تحمل المجاهدة، واستقباح الجناية، والسكوت عن الشكوى، وأوسطه محبة الله والأنس به.

35- الصدق. اسم لحقيقة الشيء بعينه حصولا ووجودا. وهو على درجات؛ أدناها صدق القصد، بتلافي كل تفريط، وتدارك كل فائت، وإعمار كل خراب، وعلامة هذا الصادق لا يقبل نقض عهد، ولا يحتمل صحبة ضد، ولا يقعد عن الجدّ بحال. وأوسطها ألا يتمنى الحياة إلا للحق، ولا يلتفت إلى الرخص، ويرى النقصان في نفسه. وأعلاها الصدق في معرفة الصدق.

36- الإيثار. تخصيص واختيار؛ أدناه إيثار الخلق عليك فيما لا يحرم عليك دينا، ولا يقطع عليك طريقا، ولا يفسد عليك وقتا. ويستطاع هذا بتعظيم الحقوق ومقت الشح والرغبة في مكارم الأخلاق. وأوسطه إيثار رضى الله على رضى غيره، وإن عظمت فيه المحن، وثقلت به المؤن، وضعفت عنه الهمم والبدن.

37- الخلق. ما يرجع إليه المتكلف من نعته. وجماع الكلام فيه يدور على قطب واحد؛ هو بذل المعروف وكف الأذى. ويدرك ذلك بالعلم والجود والصبر. وأدناه أن تعرف مقام الخلق. فيأمن الخلق منك، ويحبونك، وينجون بك. وأوسطه تحسين خلقك مع الحق، فتعلم أن كل ما يأتي منك يوجب عذرا، وكل ما يأتي من الحق يوجب شكرا، وألا ترى له من الوفاء بدا.

38- التواضع. الاتضاع لصولة الحق. وأدناه: التواضع للدين، وأوسطه القبول بالناس وأداء حقوقهم حتى لو كانوا أعداء، وقبول الأعذار.

39 – الفتوة. جوهر الفتوة ألا تشهد لك فضلا، وأدناها ترك الخصومة، ونسيان الأذية، والتغافل عن الزلة. وأوسطها أن تسامح من ظلمك أو آذاك سماحا لا كظما، وبراحا لا مصابرة.

40- الانبساط. إرسال السجية. أدناه الانبساط مع الخلق، فتسترسل لهم في فضلك، وتسعهم في خلقك. وأوسطه الانبساط مع الحق؛ فلا تتجنبه خوفا، ولا يحول بينك وبينه أحد من الناس.

خامسا: قسم الأصول؛ وفيها عشر منازل: القصد والإرادة والعزم والأدب واليقين والأنس والذكر والفقر والغنى ومقام المراد

41- القصد. الإزماع على التجرد للطاعة. أدناه قصد يبعث على الارتياض، ويخلص من التردد، ويدعو إلى مجانبة الأغراض. وأوسطه قصد لا يدع سببا إلا قطعه، ولا حائلا إلا منعه، ولا صعبا إلا سهله.

42- العزم. تحقيق القصد طوعا أو كرها.

43- الإرادة. إجابة دواعي الحقيقة طوعا. أدناها ذهاب عن العادات بصحبة العلم، وتعلق بأنفاس السالكين مع صدق القصد، وخلع كل شاغل.

44- الأدب. حفظ الحد بين الغلو والجفاء بمعرفة ضرر العدوان. أدناه منع الخوف إلى الإياس، وحبس الرجاء أن يخرج إلى الأمن، وضبط السرور أن يضاهي الجرأة.

45- اليقين. مركب السالك، أدناه قبول ما ظهر من الحق، والقبول بما غاب للحق، والوقوف على ما قام بالحق.

46- الأنس. روح القرب، وأدناه الأنس بالشواهد؛ استحلاء الذكر، والتغذي بالسماع، والوقوف على الإشارات.

47- الذكر. التخلص من الغفلة والنسيان، أدناه الذكر الظاهر من ثناء أو دعاء. وأوسطه الذكر الخفي بالخلاص من الفتور.

48- الفقر. وأدنى الفقر إلى الله هو الزهد.

49- الغنى. أدنى الغنى غنى القلب وأوسطه غنى النفس بالاستقامة.

50- المراد. وهو مقام يتلقاه السالك بفضل الله فيجتبيه، وييسر له الخير، ويعصمه عن الزلل.

سادسا: الأدوية – وفيها عشر منازل: الإحسان والعلم والحكمة والبصيرة والفراسة والتعظيم والإلهام والسكينة والطمأنينة والهمة

51- الإحسان. أدناه الإحسان في القصد بتهذيبه علما، وإبرامه عزما، وتصفيته حالا.

52- العلم. ما قام بدليل، ورفع الجهل، أدناه علم جلي يقع بعيان أو استفاضة صحيحة، أو صحة تجربة قديمة. وأوسطه علم خفي ينبت بالأسرار الطاهرة.

53- الحكمة. وضع الشيء في موضعه، أدناها أن تعطي كل ذي حق حقه، ولا تعديه حده، ولا تعجله وقته. وأوسطها أن تشهد نظر الله في وعيده، وتعرف عدل الله في حكمه، وتلحظ بره في منعه. وأعلاها أن تبلغ في استدلالك البصيرة، وفي إرشادك الحقيقة، وفي إشارتك الغاية.

54- البصيرة. ما يخلصك من الحيرة. “قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني”

55- الفراسة. استئناس حكم غيب من غير استدلال بشاهد، ولا اختبار بتجربة.

56- التعظيم. معرفة العظمة، أدناها تعظيم الأمر والنهي، وأوسطها تعظيم الحكم، وأعلاها تعظيم الحق.

57- الإلهام. نبأ يقع وحيا قاطعا مقرونا بسماع أو مطلقا. وغاية تمتنع عن الإشارة إليها.

58- السكينة. شيء يجمع نورا وقوة وروحا، يسكن إليه الخائف، ويتسلى به الحزين والضجر، ويستكين له العصي والأبي والجريء، أدناها الخشوع عند العمل رعاية وتعظيما وحضورا، وأوسطها السكينة عند المعاملة بمحاسبة النفس، وملاطفة الخلق، ومراقبة الحق. وأعلاها التي تنبت الرضى، وتمنع من الشطح الفاحش.

59- الطمأنينة. سكون يقويه أمن صحيح شبيه بالعيان، أدناها طمأنينة القلب بذكر الله، وأوسطها طمأنينة الروح.

60- الهمّة. الانبعاث إلى المقصود، أدناها همة تحمل على صيانة القلب عن الرغبة في الفاني، وتحمله على الرغبة في الباقي، وتصفيه من كدر التواني.

سابعا: الأحوال. وفيها عشر منازل: المحبة والغيرة والشوق والقلق والعطش والوجد والدهش والهيمان والبرق والذوق

61- المحبة. تعلق القلب بين الهمة والأنس في البذل والمنع على الإفراد. أدناها محبة تقطع الوساوس، وتلذ العمل، وتسلي عن المصائب. وأوسطها محبة تبعث على إيثار الحق على غيره، وتلهج اللسان بذكره، وتعلق القلوب بشهوده، تظهر في مطالعة الصفات، والنظر في الآيات والارتياض بالمقامات.

62- الغيرة. سقوط الاحتمال ضنّا، والضيق عن الصبر نفاسة. أدناها الغيرة على ضائع يسترد ضياعه، ويستدرك فواته. وأوسطها الغيرة على وقت فات.

63- الشوق. هبوب القلب إلى غائب. أدناه الشوق إلى الجنة، وأوسطه شوق إلى الله.

64- القلق. تحريك الشوق بإسقاط الصبر. “وعجلت إليك ربي لترضى”

65- العطش. كناية عن ولوع بمأمول. أدناه عطش المريد إلى شاهد يرويه، أو إشارة تشفيه، أو عطفة تؤويه، وأوسطه عطش السالك إلى أجل يطويه، ويوم يريه ما يغنيه، وبيت يستريح فيه. وأعلاه عطش المحب إلى جلوة ما دونها سحاب علة، ولا يغطيها حجاب تفرقة، ولا يعرج دونها على انتظار.

66- الوجد. الوجد لهب يتأجج من وجود عارض مقلق. أدناه وجد عارض، يستفيق له شاهد الفكر أو شاهد السمع أو شاهد البصر، أبقى على صاحبه أثرا أو لم يبق. وأوسطه وجد يستفيق له الروح بلمع نور أزلي، أو سماع نداء أولي، أو جذب حقيقي. إن أبقى على صاحبه لباسه أو أبقى عليه نوره. وأعلاه وجد يخطف العبد من يد الكونين، ويمحص معناه من درن الحظ، ويسلبه من رق الماء والطين، إن سلبه أنساه اسمه، وإن لم يسلبه أعاره رسمه.

67- الدهش. بهتة تأخذ العبد إذ فجأه ما يغلب عليه عقله أو صبره أو علمه. أدناه دهشة المريد عند صولة الحال على علمه، والوجد على طاقته، والكشف على همته.

إقرأ أيضاً: حَمَلَةُ اللّه، حَمَلَةُ العالم، حَمَلَةُ الكتاب

68- الهيمان. ذهاب عن التماسك تعجبا أو حيرة.

69- البرق. باكورة تلمع للعبد فتدعوه إلى الدخول في هذا الطريق.

70- الذوق: ذوق التصديق، وذوق الإرادة، وذوق الانقطاع.

ثامنا: الولايات؛ وفيها عشر منازل: اللحظ والوقت والصفاء والسرور والسر والنفس والغربة والغرق والغيبة والتمكن

71- اللحظ. اللحظ لمح. أولى درجاته ملاحظة الفضل سبقا، والثانية ملاحظة نور الكشف، والثالثة ملاحظة عين الجمع، وهي توقظ لاستهانة المجاهدات، وتخلص من رعونة المعارضات، وتفيد مطالعة البدايات.

72- الوقت. اسم وجد صادق، لإيناس ضياء فضل جذبه صفاء رجاء.

73- الصفاء. اسم للبراءة من الكدر، صفاء علم يهذب لسلوك الطريق، ويبصر غاية الجد، ويصحح همة القاصد.

74- السرور. “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا” اسم لاستبشار جامع. سرور ذوق يذهب بحزن أورثه خوف الانقطاع، وحزن هاجته ظلمة الجهل، وحزن أغشته وحشة التفرق. وسرور شهود كشف حجاب العلم، وفك رق التكلف. وسرور سماع الإجابة، يمحو آثار الوحشة، ويقرع باب المشاهدة، ويضحك الروح.

75- السر. أصحاب السر هم الأخفياء، وهم طبقة علت همتهم، وصفت قصودهم، وصحّ سلوكهم، لم يوقف لهم على رسم، ولم ينسب إليهم اسم، ولم تشر إليهم الأصابع. أولئك ذخائر الله عز وجلّ حيث كانوا. وطبقة أشاروا عن منزل وهم في غيره، ووروا بأمر وهم لغيره، ونادوا على شأن وهم على غيره. وطبقة هم طائفة أسرهم الحق عنهم، فألاح لهم لائحا أذهلهم عن إدراك ما هم فيه.

76- النفس. “فلما أفاق قال سبحانك” الأنفاس ثلاثة؛ نفس في حين استتار، مملوء من الكظم، معلق بالعلم، ونفس في حين التجلي، ونفس مطهر بماء القدس، قائم بإشارات الأزل. النفس الأول للغيور سراج، والنفس الثاني للقاصد معراج، والنفس الثالث للمحقق تاج.

77- الغربة. الاغتراب اسم يشار به إلى الانفراد عن الأكفاء. وهو غربة عن الأوطان، وغربة الحال، وغربة الهمة. غربة الحال غربة رجل صالح بين قوم فاسدين. أو عالم بين قوم جاهلين، أو صادق بين قوم منافقين. وغربة الهمة غربة طلب الحق. وغربة العارف، وهي غربة الغربة.

78- الغرق. اسم يشار به إلى من توسط المقام، وجاوز حدّ التفرق، أدناه استغراق العلم في عين الحال لمن ظفر بالاستقامة.

79- الغيبة. في هذا الباب إشارة إلى غيبة المريد في مخلص القصد عن أيدي العلائق، ودرك العوائق لالتماس الحقائق. وغيبة السالك عن رسوم العلم، وعلل السعي، ورخصة الفتور.

80- التمكن. غاية إلى إشارة الاستقرار. تمكن المريد أن تجتمع له صحة قصد تسيره. وتمكن السالك أن تجتمع له صحة انقطاع، وبرق كشف، وصفاء حال. وتمكن العارف أن يرقى فوق حجب الطلب لابسا نور الوجود.

تاسعا: الحقائق؛ وفيها عشر منازل: المكاشفة والمشاهدة والمعاينة والحياة والقبض والبسط والسكر والصحو والاتصال والانفصال

 81- المكاشفة. بلوغ ما وراء الحجاب وجودا. أدناها مكاشفة تدل على التحقيق الصحيح، وهي أن تكون مستديمة.

82- المشاهدة. سقوط الحجاب بتّا. أدناها مشاهدة معرفة، تجري فوق حدود العلم في لوائح نور الوجود.

83- المعاينة. المعاينات ثلاث: معاينة الإبصار، ومعاينة عين القلب، وهي معرفة الشيء على نعته علما يقطع الريبة، ولا تشوبه حيرة، وهذه معاينة بشواهد العلم. ومعاينة عين الروح، وهي التي تعاين الحق عيانا محضا.

84- الحياة. اسم يشار به في أدناه إلى حياة العلم من موت الجهل، لها ثلاثة أنفاس؛ نفس الخوف، ونفس الرجاء، ونفس المحبة. “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ”

85-  القبض. اسم يشار به إلى مقام الضنائن الذين ادّخرهم الحق اصطناعا لنفسه.

86- البسط. أن ترسل شواهد العبد في مدارج العلم، ويسبل على باطنه رداء الاختصاص، وهم أهل التلبيس.

87- السكر. اسم يشار به إلى سقوط التمالك، وهذا من مقامات المحبين خاصة، فإن عيون الفناء لا تقبله، ومنازل العلم لا تبلغه.

88- الصحو. مقام صاعد عن الانتظار، مغن عن الطلب، طاهر من الحرج.

89- الاتصال. الاتصال ثلاث درجات: اتصال الاعتصام، واتصال الشهود، واتصال الوجود. اتصال الاعتصام تصحيح القصد، ثم تصفية الإرادة، ثم تحقيق الحال. واتصال الشهود هو الخلاص من الاعتلال، والغنى عن الاستدلال، وسقوط شتات الأسرار. واتصال الوجود لا يدرك منه نعت ولا مقدار؛ إلا اسم معار، ولمح إليه مشار.

90- الانفصال. حذر القريب من الابتعاد، والمتصل من الانفصال. “ويحذركم الله نفسه”

عاشراً: النهايات؛ وفيها عشر منازل: المعرفة والفناء والبقاء والتحقيق والتلبيس والوجود والتجريد والتفريد والجمع والتوحيد

91- المعرفة. إحاطة بعين الشيء كما هو. أدناها معرفة الصفات والنعوت، التي لا تنعقد شرائط اليقين إلا بها. وأوسطها معرفة الذات التي تؤنس من أفق الحقيقة.

92- الفناء. اضمحلال ما دون الحق. ذهاب القلب من هذا العالم، وتعلقه بالله.

93- البقاء. اسم لما بقي قائما بعد فناء الشواهد وسقوطها. وهو ثلاث درجات: بقاء المعلوم بعد سقوط العلم عينا لا علما. وبقاء المشهود بعد سقوط الشهود، وجودا لا نعتا. وبقاء لم يزل حيا بإسقاط ما لم يكن حقا.

94- التحقيق. تلخيص مصحوبك من الحق، أو هو العلم اليقيني.

95- التلبيس. تورية بشاهد معار عن موجود قائم.

96- الوجود. اسم للظفر بحقيقة الشيء.

97- التجريد. التجريد انخلاع عن شهود الشواهد. أي انقطاع عن الأغيار.

98- التفريد. اسم لتخليص الإشارة إلى الحق ثم بالحق ثم عن الحق.

99- الجمع. ما أسقط التفرقة. وهو غاية مقامات السالكين، وطرف بحر التوحيد. وهو على ثلاث درجات، جمع علم، ثم جمع وجود، ثم جمع عين.

100- التوحيد. تنزيه الله عن الحدث. وما سواه من حال أو مقام فكله مصحوب بالعلل. وهو على ثلاثة وجوه: توحيد يصح بالشواهد؛ بشهادة ألا إله إلا الله، والتوحيد الذي يثبت بالحقائق. وأما التوحيد الثالث؛ فهو توحيد اختصه الحق لنفسه واستحقه بقدره، وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته، أخرسهم عن نعته، وأعجزهم عن بثه. وإلى هذا التوحيد شخص أهل الرياضة، وأرباب الأحوال، وله قصد التعظيم.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete