دموع الطيب تيزيني حمولات مشروع النهضة العربية الحديثة

 تكوين

أنظرُ إلى اللحظة التي بكى فيها “طيب تيزيني[1] في مدينة طنجة في المملكة المغربية عام 2015[2] نظرةً إيجابية، رغم حالة الألم الشخصي التي كان يعانيها “طيب تيزيني” لحظة سالت دموعه في أثناء إلقائه محاضرة عن الدِّين والمجتمع.[3] ونظرتي الإيجابية إلى ذلك البكاء المؤلم أتى لانطواء كما أُقدِّر، تلك اللحظة الهائلة على إمكان كاشف لسيرورة الفعل النهضوي العربي، ابتداءً من التساؤلات الأولى التي أطلقها جيل الرواد بواكير القرن التاسع عشر وصولاً إلى نهاياته، أمثال إبراهيم اليازجي ورفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني وقاسم أمين وعبد الرحمن الكواكبي، وليس انتهاءً بتاريخ 18/ مايو/ 2019 اليوم الذي مات فيه “طيب تيزيني“، على اعتبار تدفُّق الفعل النهضوي العربي واستمراريته، فهو فعل تجسَّد أول ما تجسَّد في حيواتٍ فردية، وها هو اليوم يتمظهر في حيواتٍ جمعية تشمل قطاعات واسعة من الشعوب العربية، بمعنى أنه لم يسقرّ بَعْدُ في كينونةٍ تُعيد صياغة المشروع الهُويَّاتي للذَّات العربيَّة صياغة جديدة، ما يجعل مسألة الإضافة عليه مسألة مُلحَّة وضرورية.

لدى المفكر “طيب تيزيني” على نحو مخصوص، كان الفعل النهضوي على مدار 81 سنةً، قد تكدَّس في عقله إلى أن اختمر اختمارًا كاملًا فخرج على هيئة عدد كبير من الأبحاث والدراسات والكتب الفكرية المتنوعة التي تركزت في العموم، في الفكر العربي قديمه وحديثه، وتعالقاته مع المشروع الديني الذي مثَّل نقطة محورية ومركزية لدى الفكر العربي. لكن في اللحظة القصوى أعني في اللحظة التي اصطدمت فيها أفكار “طيب تيزيني” ورؤاه وأحلامه المعرفية بالواقع المعيش في المجتمعات العربية بوصفه واقعًا مأساويًا وحزينًا سَحَّت – أعني في تلك اللحظة- دموعه مهراقة على خديه، وكان الموقف صعباً جداً في المستوى الوجداني، فقد شعر أنَّ المُطارحات العقلية بصيغتها المُنجزة عاجزة عن إدراكِ سرِّ التوحّش والتخلُّفِ في العالَم العربي. أو ما أسماه “طيب تيزيني” ذاته إخفاقاً عقلياً في الانتقال من البيولوجيا إلى السوسولوجيا؛ من التوحُّش إلى التعايش والمواطنة والمشاركة السياسية، إذ تعاظمت مسلكيات الذبح والقتل والسحل والإبادات في العالَم العربي، ضمن مشهدية عبثية غاب فيها صوت العقل الراشد والضمير اليقظ.

إقرأ أيضًا: الفلسفةُ في مواجهةِ الهشاشةِ الإنسانيةِ: رحلةُ البحثِ عن المعنى والخلاص

والسؤال المُلحّ بإزاء حالة الإخفاق في الانتقال من البيولوجيا إلى السوسولوجيا: ما الذَّي حدث عقب الـ 81 سنة الأخيرة، أعني منذ ولادة “طيب تيزيني” في العام 1934 وحتى العام 2105 العام الذي بكى فيه في مدينة طنجة المغربية؟

كي تكون الصورة أكثر وضوحاً واتسَّاعاً دعونا نعود خطوة إلى الخلف كي نضع طيب تيزيني في سياقه الزمني[4] في عصر النهضة العربية الحديثة، ونتساءل ما الذي حدث عقب قرن ونيف من الفعل النهضوي العربي؟ هل نتقدم ناحية الأمام، أم أننا ندور في دائرة مُغلقة أم أننا- في حقيقة الأمر- نعود القهقرى ناحية الخلف؟

بداءة القرن التاسع عشر كانت يد الظلام قد أطبقت قبضتها الحديدية على عنق العالم العربي، فتلك البقعة الجغرافية الكبيرة والشاسعة، كانت قد ضمّت بين جنبيها، في وقت سابق واحدة من أعظم الحضارات التي رفدت البشرية بعلوم ومعارف وآداب وفلسفات لا تُقدَّر بثمن، كانت قد تعرضت للمهانة الكبرى[5] على يد الدولة العثمانية، إلى درجة وصولها إلى حالة من العطالة الكاملة عن أيّ  حضارية؛ لكن نَفَساً أخيراً في جسد الأمة المُنهَك قاوم عمليات الخنق والإماتة، ما أدّى إلى ظهور بعض العقول الفردية التي آمنت بالتنوير بوصفه ضرورة مصيرية لحضارتنا العربية، وإنقاذاً لها من حالة الهوان التي ألمّت بها على مدار قرون طويلة. وشيئا فشيئاً بدأت فكرة الأنوار تترسَّخ لدى أشخاص سيكون لهم دور طليعي في مشروع النهضة العربية الحديثة، من خلال طرح أسئلة معرفية، لها علاقة مباشرة بالنص الدِّيني وتمثلاته في الاجتماع السياسي، ما تزال عمليات الإجابة عنها قائمة حتى هذه اللحظة. وقد كان لجُملةٍ من الأسماء أمثال: رفاعة الطهطاوي، إبراهيم اليازجي، قاسم أمين، أحمد عرابي، عبد الرحمن الكواكبي، قاسم أمين، محمد عبده، أبو خليل القباني إلخ[6]؛ أنْ تُسهم إسهامًا فعليًا في عمليات الدّفع بالمشروع النهضوي العربي ناحية الأمام، بطرح مزيد من الأسئلة التي تُفضي إلى تحديث المجتمعات العربية وتجديد بنيتها المُتآكلة، بفعل عمليات الركود الطويلة.

لكن إحقاقا لتاريخ تطوُّر سيرورة فعل النهضة من جهة، وحتى لا ندخل في حالةٍ من الوهم اللذيذ من جهة أخرى، لم يُفض طرحهم للأسئلة بشأن تخلُّفنا والظُلم والظلام الذي نتج عنه، إلى إيقاف عمليات التخلُّفِ أو اجتثاثها من جذورها، بل زاد الأمر سوءاً. مقابل ذلك وحتّى لا ندخل في حالةٍ من الندب العبثي، يمكننا أخذ النواميس الحضارية بعين الاعتبار فهي نواميس تمشي ببطءٍ شديد، وأي مُتسرِّعٍ يموت ويفنى قبل أن تتبدَّل تلك النواميس، وعليه فمن الطبيعي أنْ يزداد الوضع سوءاً، نظراً لحجم التراكمات السلبية التي أنهكت المنطقة العربية على مدار ألف عام وأكثر[7]، ودمّرت حيوات أبنائها. فالكشف عن العيوب والأمراض يستلزم طبابات وجراحات طويلة ومؤلمة ومكلفة، تتعاون على إنجازه أجيال عديدة وعلى درجة عالية من الوعي والمعرفة.

إقرأ أيضًا: الفكر العربيّ الجديد، والتحديث بوصفه إشكالَ العالَميَّة

وهذا ما وعاه الجيل الأول من رواد النهضة العربية الحديثة، رغم معرفتهم بخطورة الأمراض التي توالت على الأمة منذ ألف عام تقريباً. وقد اتخذ هذا الوعي بُعداً إيجابياً، إذ لم يكتفوا بالندب والتظلُّم السلبي، بل شرعوا في طرح الأسئلة الشائكة والشائقة التي أخذت تنمو وتزدهر شيئاً فشيئاً، وإنْ بقيت محصورةً في بعض الأوساط ذات الاهتمامات الثقافية. لكن مع بداءة القرن العشرين بدأ الوضع يختلف قليلاً، إذ بدأ الحراك الثقافي يتمدَّد من خلال اتسَّاع الرقعة التي تتحرك عليها السجالات المعرفية في العالَم العربي، وقد كان للسؤال الدِّيني أنْ يحضر بقوةٍ في هذه السجالات، على اعتبار الحضور الطَّاغي للنصّ الدِّيني بتمظهراته المختلفة في حياة الناس كبيرهم وصغيرهم، حُكّامهم ومحكوميهم، نُخبهم وعامتهم، رجالهم ونسائهم الخ. إذ أحيل سبب تخلفنا أو جزءًا كبيرًا منه بالأحرى إلى سياقات التديُّن التقليدي وتمثلات هذا التديُّن في المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، واستعصاء هذا التمثُّل على أي زحزحة معرفية. وهذا ما انعكس لاحقاً على مجمل النشاط الثقافي في العالم العربي ابتداءً من ظهور كتاب (في الأدب الجاهلي) لـ “طه حسين” وكتاب (الإسلام وأصول الحكم) لعلي عبد الرزاق، مروراً بمنع نشر رواية (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ في مصر، ومُحاكمة صادق جلال العظم، وإعدام “محمود محمد طه“، وتكفير “نصر حامد أبو زيد“؛ والجدل الذي أثاره “محمد عابد الجابري” و”جورج طرابيشي” و”محمد أركون” و”محمد شحرور” و”طيب تيزيني” و”محمد أبو القاسم حاج حمد“؛ وليس انتهاء بحملة التدوينات الكبيرة في مواضيع إشكالية وعديدة التي اضطلع بها شباب عربي طموح في المنصات والمواقع الافتراضية، وها هي تملأ الفضاء الإلكتروني وتنعكس تباعاً على النقاشات التي تدور في الواقع المعيش. فقد بدأ يَقرُّ في الوعي الجمعي أن سيرورة التنوير ينبغي لها ألا تمر على المُدونـة الدينية مروراً عابراً فحسب، وإنما الأصح والأَوْلَى أن تُعمِلَ مبضع العقل في هذه المدونـة وتفكّك متونها تفكيكاً نقدياً أيضاً، بما يتواءم مع مقتضيات العقل الآني ومواضعاته المعرفية التي بدأت تقفز قفزات هائلة، ولم تعد صيغ التديُّن القائم تتسّع لهذه التحولات الكبيرة.

بالتقادم سوف تتوسع دائرة النقاشات العامة أكثر، رغم ما أحاط بالحراكات الثقافية العربية من عمليات شَدٍّ قاسية ناحية الخلف. إذ حدث صراع مصيري وحاسم بين السؤال المعرفي والنسق الهُوياتي، أو بين من يطرحون الأسئلة بما هي مباضع تفتح جُرح الأمة وتحاول قبل أي شيء معرفة ما هي الأمراض التي أصابتها، ومن يريدون الحفاظ على ما هو قائم بصفته يُكون المرجعية الرُّوحية للأمة التي ينبغي حمايتها من أي اعتداء والأسئلة وإعمال العقل فيها- بمعنى من المعاني- هو اعتداء على تلك المرجعية وإهانة لها. وقد كان لهكذا تداعيات رغم قسوة ما طال العمل المعرفي في العالَم العربي[8]، دورًا كبيرًا في توسيع رقعة الخطاب التنويري وانتقاله من إطاره الفردي إلى سياقاته الجمعية. فما كان محصوراً ضمن أُطر فردية على مدار قرن ونيف، أخذ بُعداً جماهيرياً، لا سيما مع الألفية الجديدة، وانخراط أناس كثر في نقاشات حساسة، إذ وفرت التكنولوجيات الحديثة مساحات مجانية، كي يُعبّر الناس عن حالة السوء التي أصابتهم في معيشهم اليومي في جميع مستوياته. وهذا، كما أعتقد هو ما جعل الحالة تزداد سوءاً، فما كان يُعبِّر عنه قلة من الناس في فترات سابقة، أصبحت جماهير غفيرة تُعبِّر عنه الآن، لهذا اتسع فتق الأمة وأصبح أكثر وضوحاً وألماً وأصعب علاجاً وطبابة أيضاً. فما نحن عليه الآن ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة طبيعية لألف سنة من العطالة والبطالة في كل شيء، إذ توقف العقل العربي عن العطاء الحضاري توقفًا شبه كامل[9]. لهذا يمكن النظر إلى بكاء[10] “طيب تيزيني” من زاوية جمعية، وليس من زاوية فردية مُتعلقة بوطنه سوريا والآلام الكبيرة التي حلت به في سنواته الأخيرة، فما حدث في سوريا، مع جسامته وفداحته، لا يختلف كثيراً عما يحدث في معظم البلدان العربية وإن بتمظهرات مختلفة. وفي هذا المقام يمكن النظر إلى “طيب تيزيني” بصفته حالة فردية تكثّفت فيها الأمة كاملة، نتيجة لحساسيته المفرطة كونه مُفكِّرًا أفنى حياته يتلمس مكامن الخراب في بنى عالمنا العربي، فقد وعى أن حجم الفتق ونوعيته والأمراض التي حلَّت فيه على مدى أزمان طويلة، أكبر من أن تُعالجه الحالة المعرفية الحديثة بسرعة عالية، لذا بكى أسى ومرارة على الضريبة المدفوعة نتيجة هذا التأخُّر الكبير.

وهذا ما يجعلنا نتساءل: هل أخفق فعل التنوير واستنفد أغراضه، بعد أن انتصرت البيولوجيا على السوسيولوجيا، بلغة “طيب تيزيني“؟ وهل ننظر إلى بكاء “طيب تيزيني“، موضوعنا في هذا المقام، بوصفه نعيًا لمسيرة النهضة العربية التي أخفق فعل التنوير وخسر جولته الأخيرة أمام فعل التوحُّش الذي يعصف بعالمنا العربي؟

في المستوى الظاهري، وفي عام 2015 بكى “طيب تيزيني” بكاءً مُرّاً، وفي عام 2019 مات “طيب تيزيني“. من العام 2015 إلى العام 2019 أزدادَ الوضعُ سوءاً وتعاظمت حالة الظَّلام في العالَم العربي، فقد استشرت حالة التوحش في مُختلف الصُعُد، فالبنى التقليدية تُدافع دفاعاً شرساً ومصيرياً عن وجودها، ومع هذا الدفاع سالت دماءً كثيرة وأهدرت حيوات أكثر. وفي مستوى الأعماق، ما حدث ابتداءً من القرن التاسع عشر وبداءة عصر النهضة العربية الحديثة ووصولاً إلى هذه اللحظة، لم يُحدِث إزاحة إبيستمولوجيـة في الوعي العربي فحسب، وإنما أحدث إزاحة أنطولوجية في موقف الإنسان العربي من العالَم في بُعديه الفيزيقي والميتافيزقي، وهذا هو الأهم. وهذا ما جعلني أنظر بإيجابيةٍ إلى اللحظة التي بكى فيها “طيب تيزيني“، فالجهد المبذول على مدار قرن ونيف لغاية بلورة مشروع النهضة العربية، ما يزال في وضع صيروري مُتغير كما أسلفتُ آنفاً، لكن اللافت للنظر في هذا المقام عدد من النقاط، من أبرزها:

  • الانتقال بالمشروع النهضوي من إطاره الفردي إلى سياقات جمعية. فالمواطن العربي العادي أصبح ينخرط في نقاشات وسجالات تمسّ جوهر القضية العربية في تجلياتها المختلفة، كما ينخرط به كبار المفكرين والباحثين. فالفضاء الإلكتروني المُتاح في شبكة الإنترنت نقل تلك السجالات من إطار الخصوصية التي كانت حكرًا على القلة القليلة إلى المجال العام. وهذا ما يزيد من نسبة الوعي، ويجعله أكثر رسوخاً في مجتمعات لطالما كانت خارج الوعي تماماً.
  • الجُرأة في تلك السجالات والنقاشات، حتى لو كان الثمن باهظاً، فالجيل الحالي ماضٍ في المطالبة حتى مع كثرة الدماء التي تُراق، بحقوق حيواته النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والأهم منها الحضارية. فالمواضيع التي حُوكم عليها صادق جلال العظم، وحُورب من أجلها نجيب محفوظ، وأُعدم عليها محمود محمد طه، وكُفّر بها نصر حامد أبو زيد إلى آخر هذه الأمثلة وشبيهاتها، يتداولها الشباب العربي بجرأة كبيرة في المواقع والمنصات الإلكترونية.
  • الانتقال من مرحلة الوعي الكمّي إلى مرحلة الوعي النوعي، إذ بدأ يتبلور وعيًا أكثر نضجاً وعمقاً ومسؤولية لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي.

وعليه فما يحدث اليوم من حراك ثقافي وفي مستويات مختلفة، يمتد إلى جميع بقاع العالم العربي وتشارك فيه قطاعات واسعة من الشعب العربي، سواء في الواقع أو في العالم الافتراضي، يُسهم إسهامًا فاعلًا في يقظة الوعي الجمعي، بعد أن كانت اليقظة من اختصاص الوعي الفردي لزمن طويل. وكلما زاد منسوب الوعي، قلّت حدة الصدام بين السؤال المعرفي والنسق، وبتقديري أن الغلبة ستكون، في النهاية، للسؤال المعرفي على حساب النسق الهُوياتي مهما بلغت الصعوبات، وذلك لسبب بسيط جداً، ألا وهو تقادم النسق الهُوياتي وانتهاء صلاحيته بالأحرى من ناحية حضارية، مقابل طزاجة يعيشها السؤال المعرفي وقدرته على مواكبة التغيرات، مع إمكان اجتراح نسق هُوياتي جديد، عوضاً عن النسق القائم والمُنتهي الصلاحية. وهذا شأن الحضارات كلها، فكي تتغير ويحدث تغييرًا جوهريًا بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، ينبغي أن يحدث صدام قوي وحاسم بين السؤال المعرفي والنسق الهُوياتي، إلى أن يزداد منسوب الوعي الذي سوف يحدُّ بلا شك من الصدام القائم إلى أن يصل إلى مرحلة ينزع فيها فتيل الأزمة برمّتها، وتتفرغ الأمة كاملة للإبداع كونه أحد أبرز نتائج السؤال المعرفي! وكلي أمل ألا تذهب دموع “طيب تيزيني” سُدىً التي لا تختلف في جوهرها عن اتهام “طه حسين” أو محاكمة “صادق جلال العظم” أو إعدام “محمود محمد طه” أو تكفير “نصر حامد أبو زيد” أو مُلاحقة المفكرين أو الأدباء أو الباحثين على أي كلمة يمكن أن ينطقوا بها. وكلي أمل مرة أخرى، ألا أكون متفائلاً زيادة عن اللزوم، وذلك باستعذاب (من العذوبة) ما نحن عليه، مع عدم إمكان تغييري بالمرة، ما يُؤدي إلى استمرار حفلات البكاء ومسيرة الآلام.

 

الحواشي والمراجع:

[1]  “ولد محمد طيب تيزيني في (باب الدريب) في مدينة (حمص) عام 1936م، وقرأ القرآن وتعلَّم الحساب في أحد كتاتيب الحي الذي ولد فيه، ثم تنقَّل في المدارس ونال الشهادة الثانوية عام 1958م، وبدأت بعدها رحلة العلم والتحصيل بجامعة دمشق حيث درس فيها سنة واحدة، ثم توجَّه إلى ألمانيا وتابع تحصيله العلمي في (جامعة برلين)، فحصل على الماجستير في الفلسفة عام 1965م، وكان عنوان رسالته فيها: (مفهوم الهيولى في الفلسفة العربية الإسلامية في العصر الوسيط)، ثم حصل على الدكتوراه في الفلسفة عام 1968م، وكان عنوان رسالته فيها: (إشكالية الفلسفة في الفكر العربي الوسيط). ولما عاد إلى سورية عام 1968م، درَّس في قسم الفلسفة بجامعة دمشق، ثم جاءته فرصة لمتابعة تحصيله العلمي في (جامعة برلين)، فأعدَّ رسالة بعنوان (قضية التراث العربي الفكري وإشكاليته)، ونال بها درجة الأستاذية في العلوم الفلسفية عام 1973م. ورجع إلى سورية وعُين أستاذًا مساعدًا للفلسفة والفكر العربي في (قسم الفلسفة) بجامعة دمشق”.

للمزيد عن “طيب تيزيني” يُمكن العودة إلى موقع مجمع اللغة العربية بدمشق، في الرَّابط التالي:

اضغط هنا

[2]  رابط محاضرة الدكتور “طيب تيزيني” في الندوة الدولية (المجتمع، السلطة والدين في مطلع القرن 21 مغربا ومشرقا)، التي عُقدت في شهر نوفمبر 2015 في مدينة طنجة، المملكة المغربية:

اضغط هنا

[3]  قد يكون لبكائه أسبابًا عديدة من بينها أساه على وطنه الملكوم سوريا، لكني أعود بها في هذا المقام، إلى نقطة مبدئية تعنينا جميعاً، وإن تجسدت في شخصية “طيب تيزيني“. ففي ظل الظروف التي مرَّ بها العالَم العربي منذ قرنين تقريباً، أعني منذ بداءات ما اصطُلح على تسميته بعصر النهضة، كلنا مهيأون للبكاء، أو تنطوي شخصياتنا على إمكان متوارٍ للبكاء. فالتغيُّر الجوهري الحادث في بنية العقل العربي، وتجليات هذا العقل في الواقع المعيش، وضعنا أمام لحظات مفصلية سالت فيها كثير من الدِّماء، وأهدرت في حيوات أناس لا حصر لهم.

[4]  أرجئ نقاش “طيب تيزيني” بوصفه سياقاً معرفياً إلى مقام آخر، لأن هذه المقالة هي مناقشة لحالة البكاء التي ألمَّت به عام2015 ووضعها ضمن سياق زمني أكثر منه سياق معرفي لنقاش أفكاره بخاصة ها هنا.

[5]  تجلّت هذه المهانة تجليات كثيرة، منها:

سيكولوجي، إذ شعر الإنسان العربي بصِغر قامته ودونيتها وعدم جدواه، فوجوده ليس وجوداً أصيلاً، بقدر ما هو وجود بالمعيَّة أو وجود من أجل الآخرين ليس إلا.

وسياسي، إذ أصبح تأثير المجتمعات العربية، أو ما بقي من المجتمعات العربية، تأثيراً هامشياً، بل شبه معدوم، في السياقيين المحلي والدولي. بل أُستبيحت كثير من الدول العربية وأصبحت تحت الاستعمار، دون أن تُحرِّك الدولة العثمانية ساكناً، مثل: مصر والجزائر وتونس.

في المستوى العسكري، لم يكن لها أي قوة، بل زُجَّ بأبنائها، كونهم أقل درجة ووجودهم ليس مهماً، في حروب طاحنة.

وفي المستوى المعرفي، يكاد يخلو العالَم العربي من اسم مُفكِّر أو عالِم أو فيلسوف أو أديب في فترة الحكم العثماني إلخ.

[6]  يُمكن العودة إلى كتاب (الفكر العربي في عصر النهضة 1798- 1939) لـ “ألبرت حوراني”، ترجمة كريم عزقول، دار النهار للنشر، بيروت، لبنان

[7]  يمكن العودة إلى مقالتي: (ابن خلدون: من الولادة البيولوجية لابن خلدون إلى الموت الأنطولوجي للحضارة العربية)، موقع مؤسسة تكوين الفكر العربي، في الرابط التالي:

اضغط هنا

[8]  للمزيد يمكن الرجوع إلى مقالة: (المثقفون العربي: من اليُتم إلى الحصار)، معاذ بني عامر، موقع مؤسسة تكوين الفكر العربي، في الرَّابط التالي:

اضغط هنا

[9]  في مقدمته كان “ابن خلدون” قد أشار إلى ما تتعرض له الأمة من انهيار وتفكك في مختلف المجالات.

[10]  يمكن العودة إلى مقالة: (لماذا نبكي: أو في تخليد الهشاشة الإنسانية)، معاذ بني عامر، مؤسسة تكوين الفكر العربي، في الرابط التالي:

اضغط هنا

 

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete