تكوين
المتوكل هو الخليفة العباسي رقم 10 وصل لكرسي السلطة بعد وفاة أخيه الواثق 232 هجرية، ليجد منافسة شديدة على الحكم، من جانب قادة الجيش لكان معظمهم من الأتراك، والذي زرع الأتراك في الدولة هو والد المتوكل، الخليفة المعتصم.
المصادر تخبرنا أن المتوكل لم يكن له أي أهمية في عهد الواثق، حتى أن الواثق كان يرغب في إزاحته من ولاية العهد وتولية ابنه مكانه. ولكن ابنه كان صغيرا في السن، فأنقذ المتوكل من العزل. المؤيدون لدولة الخلافة، يعشقون المتوكل ويعتبرونه ناصر السنة وحامي الدين، لأنه منع القول بخلق القرآن الكريم. وأنهى المحنة التي وقعت بسبب ذلك، وفك الحظر الموجود على الإمام أحمد ابن حنبل، والذي منع بمقتضاه من مخالطة الناس والاجتماع بالعوام. هذه المحاصرة على ابن حنبل سقطت في عهد المتوكل.
الصورة الأخرى للمتوكل، وهذا جانب في سيرة وعقل المتوكل، ولا يحبذ مويدو نظام الخلافة والحالمين به، أن يتكلموا عنه أو يسمعوه أو يناقشوه ومتحسسين جدا منه. وهو أن المتوكل كان رجلا انتقاميا من الطراز الأول. أمر بالقبض على محمد ابن عبدالملك الزيات وزير الواثق، الرجل الذي كان وزيرا لأبيه ومن ثم وزيرا لأخيه. لكن المتوكل لم ينسى له أبدا أنه هو من رشح محمد ابن الواثق للخلافة بعد وفاة أبيه. قبض عليه صادر جميع أمواله وممتلكاته، أخضعه للتعذيب البدني والنفسي، حتي توفي. إضافة لم يكن المتوكل متسامحا إطلاقا مع الآخر الديني، وأمر أن يتميز أهل الذمة بلباسهم عن المسلمين، أمر بهدم الكنائس التي استحدثت بعد ظهور الإسلام، كان من قرارات الغريبة والعجيبة، هذا القرار الذي أصدره بهدم قبر الحسين بن علي، وكذلك المنازل المحيطة بهذا القبر. وهذا القرار يعكس لنا موقفا متشددا متطرفا للمتوكل تجاه أهل بيت النبي، كما يقطع بذلك التاريخ ويقر، بل وصل الامر إلى اتهام المتوكل صراحة بمنصابة العداء لأهل البيت.
وهناك قصة أخرى وردت في سير أعلام النبلاء، ومفادها أن المتوكل كلف يعقوب بن السكيت الإمام في العربية بتعليم أولاده، فنظر المتوكل يوما إلى ولديه، المعتز والمؤيد، فقال لابن السكيت، من أحب إليك منهما أو الحسن والحسين، فقال بمنتهى البساطة، قمبر مولي علي بن أبي طالب خير منهما، مش الحسن والحسين، أنت تسألني الحسن والحسين أو أولادك، انا أقول لك خاتم على بن أبي طالب خير منهما. فغضب المتوكل وأمر الأتراك فداسوا بطن معلم ولديه حتى مات هذا المعلم. وفي تعليقه على ذلك يقول الذهبي سير أعلام النبلاء، وكان في المتوكل كل عداء نسأل الله العفو، عداء لآل البيت.
وفي روايات ثانية تقول أن المتوكل أمرهم أن يخرجوا لسان هذا المعلم من قفاه ففعلوا، فمات من ساعته.
هذا مكتوب في كتب التاريخ وسير التاريخ، ولا يمكن الطعن في أنها من خارج كتب التاريخ، يمكن الطعن في صحتها وإنما هي من قلب كتب التاريخ.
وفي تأكيد معاداة المتوكل لآل البيت، يروي المؤرخ الكبير ابن الأثير، حكايات مستفزة وعجيبة، حيث كان من ضمن ندباء المتوكل، عبادة المخنث وكان يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة، ويكشف رأسه وهو أصلع، ويرقص بين يدي المتوكل، والمغنون يغنون قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين ويسخروا من سيدنا علي، يسخرون من علي بن أبي طالب والمتوكل جالس يشرب الخمر، في إحدى المرات وأثناء مشاهدة هذه المشاهد حضر إبن المتوكل المنتصر ولم يعجبه ما رأى، فنظر إلى عبادة المخنث نظرة غضب وتهديد ثم قال لأبيه، يا أمير المؤمنين إن الذي يقلده هذا الرجل ويسخر منه هو ابن عمك، وشيخ أهل بيتك، وبه فخره، فكله أنت لحمه، فقل أنت لحمه إذا شئت، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه. فقال المتوكل للمغنين غنوا جميعا عنادا في إبنه وفيما إبنه له.
النهاية المأساوية للمتوكل تقول كتب التاريخ، أن المتوكل كان توريثيا بإمتياز، شأن من سبقوه من الخلفاء، وكذلك من لحقوه، بايع بولاية العهد لإبنه 325 هجرية، لإبنه المنتصر ثم المعتز ثم المؤيد. ومرت الأيام والسنوات، وأراد المتوكل أن يعزل المنتصر من ولاية العهد. ويقدم عليه أخيه المعتز، لأن المتوكل كان يحب أم المعتز أكثر من أم المنتصر، فطلب من المنتصر التنازل عن ولاية العهد، فرفض المنتصر، فكان يتعمد المتوكل إهانة إبنه ويشتم ولي العهد ويتوعده. وهنا المنتصر اتفق مع الاتراك على قتل أبيه وبالفعل تم إغتيال المتوكل في شوال 247 هجرية. طوال المتوكل كان يحاول أن يحجم من النفوذ التركي المسيطر في دولة الخلافة. الأمر الطبيعي أن يفكر في ذلك، لكن مشكلته أنه فشل، لأن الأتراك كان لديهم شعور أن المتوكل يخبئ لهم نية سوداء. فكان القرار ضربة استباقية، فحددوا موعدا وهجموا عليه وقتلوه. وقد رمي وزيره الفتح ابن خاقان بنفسه عليه لإنقاذه فقتلوه، واتهموا الفتح بأنه هو من قتله الخليفة المتوكل. البحتري الشاعر المعروف كان أحد الحاضرين في المجلس الذي تم فيه اغتيال المتوكل. رآهم وهم يقتلون المتوكل فثارت عواطفه، وكتب قصيدة يرثي بها مولاه القتيل ومنددا بها بإبنه ولي العهد المتآمر الغادر المنتصر.
واذا كانت الروايات تشير باشتراك المنتصر بقتل أبيه المتوكل بسبب رغبة المتوكل في اقصاء الإبن المنتصر عن ولاية العهد لصالح أخيه الأصغر منه سنا. فليس هذه القراءة الوحيدة، هناك قراءة ثانية تستند إلى قول أحمد ابن الخصيب، وهو أن المنتصر ما قتل أباه حتى استفتا الفقهاء في قتله. فأفتوه بذلك. لأنه كان يسب عليا في المحافل ومجالس الشرب، وأضف إلى ذلك إقدامه على سفك الدماء واستحلال أموال الناس بالمصادرات. وكان أهل البيت في زمنه في محنة عظيمة، قطع أرزاقهم، وهدم منازلهم ونفاهم في الأقطار. المهم أن المنتصر قتل أباه، سواء كان للمنازعة حول ولاية العهد، أو لعدائه لأهل البيت، فهذا وارد جدا ومحتمل لكل هذه الأسباب.
لكن في نفس الوقت، وللأمانة العلمية، يجب أن نقول أن ابن الخصيب أيضا، كان من وزراء المنتصر، ربما كان كلامه مجرد تسويغ لقتل المنتصر لأبيه. فهو ولي نعمته، فهو الذي نقله كاتب صغير إلى وزير كبير، لكن البائس في الموضوع، أن المنتصر القاتل لأبيه، سماها دراويش الخلافة والدجالين المنتصر بالله. ورفع على العرش بدلا من التعليق على المنشقة، فجاء شاعر مداح إلى هذا المنتصر، ليقول له من ضمن ما قال: رأيتك في برد النبي محمد كبدر الدجى بين العمامة والبرد. يا لهول تلك الصاعقة، فنحن أصبحنا أمام قاتل خليفة، ليس هذا فقط بل أصبح بدرا للدجى، من شعراء المنافقين.
ولكن عموما، لم تستمر خلافة المنتصر إلا ستة شهور، بعدما أصابه مرض الموت، كما تقول بعض الروايات. وفي لمحة ذكية، جاء في لطائف المعارف للثعالبي، من العجائب أن أعظم الأكاسرة والملك وهو شيرويه الذي قتل أباه لم يعش بعدها إلا ستة أشهر. واعرف الخلفاء في الخلافة وهو المنتصر قتل أباه، فلم يتمتع بعده بالخلافة سوى ستة أشهر.
وقيل أن المنتصر ندم على غدره بأبيه، واشتراكه مع الأتراك بتصفيته، وإنهاء حياته، وعبر عن ندمه هذا كلمات، لأمه وكانت حبشية رومية، ذهبت مني الدنيا والاخرة والله يأمي. عالجته أبي، فعجلت. يعني الجزاء من جنس العمل يأ امي.
في روايات أخرى تقول، أن المنتصر لم يتهنى بالخلافة وبدأت خلافات تظهر بينه وبين الأتراك، ولأنه كان شجاعا قويا كما تصفه الكتب التاريخية، فإن أعداءه لم يتمكنوا من مداهمته وقتله على حين غرة كما فعلوا مع أبيه المتوكل، فلجأوا إلى خطة بديلة حسب ما رواه شمس الدين الذهبي، في سير أعلام النبلاء، فاتفقوا مع طبيبه الخاص ابن طيفور ودفعوا له ثلاثين ألف دينار، وكان يعالج المنتصر مرضه، وقيل أن الخليفة كان محتاجا لفصد رأسه ففصده بريشة مسمومة، فمات من أثر السم. كلها حكايات دم وغدر بين العباسيين لم تنتهي لا في هذه الخلافة ولا في أي خلافة وستحدث في كل خلافة.