دور المرأة السياسي: بين الفقه التقليدي وتوظيف حركات الإسلام السياسي

تكوين

مقاربة في فكر جماعة الأخوان المسلمين والحركات السلفية المعاصرة

أفرزت البنيّة الفقهيّة التقليديّة، خطابًا سياسيّا، يكاد يكون متطابقًا مع طبيعة الأفكار الذكوريّة التي أنتجته، فالمرأة التي لم تتبوأ قط مكانة السلطة العليا في الطور الأول من بناء الدولة الإسلاميّة، ربما اتساقًا مع منطلقات تاريخيّة وسوسيولوجيّة آنذاك، إذ لم يكن ممكنًا منحها الكثير من حيث المشاركة السياسيّة، رغم أنّ القرآن يحدثنا عن الملكة بلقيس التي حكمت اليمن (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) سورة النمل / آية 24. ويسهب النص في إبراز حكمتها ورزانة عقلها (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) سورة النمل / آية 34، لم تُحظى بالدور الأفضل في ظل تجارب جماعات الإسلام السياسي.

و تصطدم بنية الدولة الوطنية الحديثة، القائمة على العقد الاجتماعي، والمساواة بين أفرادها، برؤية التيار الإسلامي القائمة على مركزية جماعة المؤمنين، وولاية الرجل على المرأة، بحيث تبدو إدعاءات الحداثة مشوهة وغير منطقية، فنجد الأحزاب السلفية مثلاً، وتحت ضغط القوانين الانتخابيّة، تدفع بالنساء ضمن قوائمها، لكنها تخفي صورهن، وتضعهن في أواخر القوائم، من أجل استكمال العدد، كما حدث في مصر، وعدة دول عربية.

مشاركة المرأة العربية في العمل السياسي

ويُرد ضعف مشاركة المرأة العربية في العمل السياسي وتبوأ السلطة، إلى عوامل عدة في طليعتها الخطاب الديني، الذي تمّ إنتاجه عن أهليتها لهذه المشاركة. فالخطاب ليس مجرّد قول يكشف أو يعبر عن ممارسة، بل هو نفسه ممارسة وفعل في الواقع، يسير وفق قواعد أو آليات تخلق الموضوع، وتضع الحدود والموانع والمعايير. كما أن السلطة معطى أساسيّ في مفهوم الخطاب كما عمّقه ميشال فوكو: إنّ الخطاب” ليس ما يترجم الصّراعات أو بنى الهيمنة، بل هو ما يُتصارع من أجله وما يتصارع به، وهو السّلطة التي يراد افتكاكها”.  ولذلك فمن المهم اعتبار الخطاب الفقهي عن أهلية المرأة للمشاركة السياسية، ممارسة خطابية سياسيّة، تدخل في علاقات تفاعل مع الممارسات الأخرى، وكثيرًا ما تمثّل عائقًا رمزيًا أو واقعيًا؛ يحول دون هذه المشاركة.

من هنا كان هذه الدراسة، للنظر في دور المرأة السياسيّ الذي يتطلب الاعتراف بأهليتها، ونقصد بهذا أهليّة المرأة للمشاركة السياسية، واعتبارها مساوية للرجل مساواة تامة في هذا المجال، ومنحها الحقوق المترتبة عن هذه المساواة التامة. فالمشاركة السياسية للمرأة تصبح إشكالية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالزعامة والرئاسة، لأنّ التراث الفقهي يجردها من هذه الأهلية. وتنطلق الدراسة من التساؤل الرئيس عن مدى التباين في دور المرأة السياسيّ بين الفقه التقليديّ وحركات الإسلام السياسي؟ ومن ثم تتجوه بالتساؤل حول الكيفية التي نظرّ بها الفقه السنيّ التقليدي لدور المرأة السياسي؟ وكيف قدمت حركات الإسلام السياسي دور المرأة السياسي؟ ومدى وكيفية مساهمة المرأة بنفسها في تكريس الدور السياسي الممنوح لها؟

وبمحاولة الإجابة على تساؤلات الدراسة تفترض الدراسة وجود خطين متوازيين، الأول؛ هو النفي الضمني، غير المباشر، لقدرة المرأة القيادية، والذي تقوم به الحركات السياسيّة الإسلاميّة، دون أن تعلن عن ذلك، ووضع سياقات مغايرة تتنافى ومبدأ المواطنة، قائمة على تمجيد ظاهري لدور المرأة، باعتبارها المعلم الأول في الأسرة، والتي تربي الرجال على قيادة الأمة، وتعمل الحركات الإسلاميّة على تمجيد هذا الدور، بهدف إزاحة أيّ طموح سياسي لدى المرأة، ووضعه في الخلفية، لدفع الابن (الذكر) لتمثله فيما بعد، وفقتًا لتربية إسلامية سليمة. وبالطبع تستند هذه الفرضية إلى عدد كبير من النصوص، في قراءة مختزلة، تفتقد إلى الفهم العلمي لتاريخانيّة الكثير منها.

الثاني؛ هو وجود إشكالية لدى المرأة نفسها، بحيث أصبحت تنأى بنفسها عن القيام بالأدوار السياسيّة، لما يكتنفها من صراعات، وما يدور حولها من أزمات اجتماعيّة، تصطدم بعقبة العادات والتقاليد، وبحيث ابتعدت المرأة طوعًا عن التطلع نحو القيام بهذا الدور. وهو القرار الذي يستند أيضًا بشكل قسري إلى ترسانة من النصوص.

         عادة ما تشكل المفاهيم الأطر الضابطة لأي دراسة، والكيفية التي تنطلق بها، وتُقدم الدراسة من خلال المفاهيم الأتية:

الدور: هو السلوك المتوقع من شاغل أو لاعب المركز الاجتماعي. ولكل دور اجتماعي مجموعة واجبات وحقوق اجتماعية معينة، فواجبات الدور هي مجموعة التصرفات التي يقوم بها لاعب الدور الاجتماعي أثناء تصرفاته وعلاقاته بالأخرين، وحقوق الدور هي الامتيازات والمكافآت التي تقدم للدور بعد قيامه بالواجبات المتوقعة منه.(1)

السياسيّة: هي قيام من له السلطة العامة بتدبير شؤون الرعية والدولة، بما يصلح حالهما وفقاً لما جاء به الشرع، أو موافقة له بمقتضى النظر العقلي، إن لم ينطق به شرع. (2)

المفهوم الإجرائي ، الدور السياسي: هو السلوك المتوقع من اللاعب الاجتماعي في تدبير شؤون الرعية والدولة.

الفقه: يُعرف الفقه إصطلاحاً، على أنه العلم الذي يُعنى بفهم أحكام الشريعة الإسلامية واستنباطها من أدلتها التفصيليّة في القرآن الكريم والسنة النبوية في كل مناحي حياة المسلم بما عليه من أفعال وعبادات مكلّف بها، وهو العلم الذي يقرّر حكم الشيء بحلاله وحرامه ووجوبه وندبه وكراهيته. (3)

المفهوم الإجرائي، الفقه التقليدي: هو الفقه الذي يُعنى بفهم الشريعة الإسلامية واستنباط أحكامها في ما يختص بأمور العبادات، ولا يُدرج ضمن عمله النشاط الفقهي والتوظيفي للعمل الحركي الإسلاميّ السياسيّ.

حركات الإسلام السياسيّ: يُطلق مصطلح (الحركات الإسلاميّة)، ويفضل بعض الباحثين مصطلح (الأصولية)، بينما يجنح آخرون إلى استخدام تعبير (الإسلاموية)، على الحركات التي تنشط على الساحة السياسية، وتنادي بتطبيق قيم الإسلام وشرائعه في الحياة العامة والخاصة على حد سواء، وتناوئ في سبيل هذا المطلب الحكومات والحركات السياسية والاجتماعية الأخرى التي ترى أنها قصرت وتوانت في الامتثال إلى تعاليم الإسلام أو خالفتها. (4)

المفهوم الإجرائي ، حركات الإسلام السياسي: والمقصود بها هنا الإخوان المسلمين والسلفيين في مصر، وهذه حركات سلمية، تميل إلى العمل من داخل النظام السياسي والاجتماعي السائد، وتسعى إلى التغيير بروح إصلاحية لا ثورية

كما تمثّل النماذج المختارة، العوامل الأساسيّة التي تقف خلف إقصاء المرأة عن العمل السياسيّ أو لعب دورها السياسيّ المطلوب، ومنها دراسة،

سناء إبراهيم محمد عبد الله، دراسة بعنوان، “المرأة والقيادة الإدارية في المنظمات الحكومية المصرية”.

حيث تناولت الدراسة دور المرأة في جميع المركز القيادية، وأوضحت نسبة العاملات في الحكومة بـ 22.9% في العام المالي 2014-2015، وفي مجلس النواب عام 2015 كانت نسبة النائبات 14.95%، فضلا عن القضاء الذي حصدت فيه حوالي 5% من جملة القضاة، وكانت نسبة من عيّن منهن في هيئة النيابة الإدارية 43%عام 2015، إضافة إلى السلطة التنفيذية، فكان عدد النساء اللائي وصلتن إلى منصب وزير ثلاثة، كذلك عام 2017 والذي شهد أول نائبة محافظ لمحافظة البحيرة.

 

المشاركة السياسية للمرأة في مصر

وتوضح الدراسة المعوقات التي تقف حاجزًا بين المرأة المصرية والحياة السياسية، والتي تمثلت في المعوقات الاجتماعية والثقافية كالعادات والتقاليد، كذلك التعسف في تفسير الدين، وفراغ النصوص التشريعية عن فحوها عندما تصطدم بأرض الواقع، وسلطت الدراسة الضوء على المعوقات الشخصية كالنظرة الدونية للمرأة والحواجز الجغرافية التي تُضع أمامها، وتوضح الباحثة أنه بالرغم من كل ذلك إلا أن المرأة ما زالت تسعى لإيجاد فرصة للمشاركة السياسية وتولي الوظائف القيادية.

ودراسة خديجة عبد الهادي المحميد، دراسة بعنوان، “موقع المرأة في النّظام السياسيّ الإسلاميّ”.

حيث استطلعت الدراسة آراء وفتاوى فقهاء معاصرين من مختلف المدارس الإسلاميّة المؤثّرة ومختلف الدول الإسلاميّة، كما استطلعت الرأي العام في المجتمع الكويتي، والذي أظهر أنّ العامل الأول والرئيس في تحديد موقف المسلم من الحقوق السياسيّة للمرأة هو تأثير فتاوى فقهاء الإسلام، لأنه يرى أنّ هذه الفتاوى تمثّل الرأي الأقرب إلى تعاليم القرآن الكريم والسنّة الشريفة. أما العامل الثاني في قوة التأثير في تحديد الموقف فهو العادات والأعراف الاجتماعيّة السائدة في بلاد المسلمين، والتي لا تجيز للمرأة القيام بدورها في الحياة العامة. وبالانتقال إلى موقف الفقهاء فقد تبيّن أن معظمهم يعتقد أنّ بيئة الفقيه الاجتماعيّة والسياسيّة تؤثر في ذهنيته واستنباطه للأحكام الشرعيّة، وهذا التأثير يكون على نحوين:

الأول: تأثير طبيعي وموضوعي تتغيّر بموجبه الأحكام بتغيّر الظروف والمتطلّبات البيئيّة والحياتية من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر.

الثاني: تأثير ذاتي وغير موضوعي بسبّبه مخزون العادات والأعراف في ذهن الفقيه.

ولقد أقرّ الفقهاء بتراجع دور المرأة وفقدها ما كانت تمارسه من أدوار سياسيّة في صدر الإسلام بمقتضى استبانة البحث، وأرجعوا هذا التخلّف للأسباب الآتية:

  • عوامل بيئيّة سياسية اجتماعيّة.
  • الفهم الضيّق والتقليدي والفهم الخاطئ للآيات والروايات بخصوص دور المرأة.

كما بينت نتائج الدراسة، الأثر السلبي للعادات والتقاليد في الموقف من الحقوق السياسيّة للمرأة لا يقتصر على الرجل فقط وإنما يشمل المرأة تقريباً بالدرجة نفسها ما يجعلها ترفض هذه الحقوق أو لا تتحمس لها، وهذا ما تم لمسه في المجتمعات التي حصلت المرأة فيها على حقوقها السياسيّة، على سبيل المثال فإنّ النساء لم ينتخبن المرشحات في البحرين وقطر اللاّتي مارسن هذا الحق بعد تحصيله مؤخراً.

وحسب ما تفرضه الإشكالية تعتمد الدراسة المنهج المقارن؛ وهو منهج يهدف إلى التعرف إلى أوجه الشبه والاختلاف من الجوانب كلها وعلى جميع المستويات بين الوحدات التي يقارنها سواء أمؤسساتٍ كانت أم نظمًا اجتماعية وسياسية واقتصادية أم ثقافات أم حقبًا تاريخية (5). ويُعد هذا المنهج الأنسب من بين المناهج لدراسة الاختلاف بين المتغيرات التي يشملها هذا البحث.

والنظرية التي تم استخدامها في هذه الدراسة هي نظرية الدور الاجتماعي:

استمدت نظرية الدور أفكارها من الكتابات المسرحية و خاصة من الكاتب البريطاني الشهير وليم شكسبير الذي يقول: ” إن الدنيا مسرح كبير و أن كل الرجال و النساء ما هم إلا لاعبون على هذا المسرح .” و انطلاقاً من وجهة النظر هذه، يصبح الفرد يؤدي مجموعة من الأدوار المعينة وفقاً لمجموعة من المواقف و بهذا فهو يمثل هذه الأدوار التي يؤديها فهي لا تعبر عن سلوكه الحقيقي، بل تعبر عن مقتضيات موقف معين و إذ ما ترك الاختيار للفرد في تصرفاته لقام بسلوكات مخالفة لسلوك الدور، رغم أنه محكوم و مقيد بدور معين، و بذلك نستنتج أن السلوك يتشكل تبعاً للدور الذي يتم تأديته، وهو يبين لنا أن السلوك ،  يتشكل أثناء أداء الدور   تبعاً للمكانة التي يشغلها صاحب الدور وطبيعة الموقف الاجتماعي .

كما إن نظرية الدورالاجتماعي تشتمل على قضايا رئيسية ثلاثة : – أ التوقعات . – ب التماثل . – ج التأييد الاجتماعي

– أ التوقعات:

تشكل أحد الأعمدة التي ترتكز عليها النظرية لأن السلوك يتقرر نوعه تبعاً لتوقعات الفرد عن دوره المرتقب.

ب – التماثل:

و هو حالة من التطابق بين خصائص الفرد و الدور الاجتماعي المرتقب، فعلى سبيل المثال يتوقع المجتمع من الذكر أن يكون قوياً و شجاعاً، غير آبه بالمخاطر، و يترتب عن ذلك أن يتحمل الصعوبات و أن يصمد أمام المكاره .

ج – التأييد الاجتماعي:

نعني به هنا أن الدور الاجتماعي الذي يؤديه الفرد يقتضي أن يحظى بتأييد الآخرين، و ذلك عبر نمذجة الأدوار التي يؤديها الآخرون أو بعبارة أخرى ينبغي ان يكون دور الفرد على غرار أدوار الآخرين، على سبيل المثال عندما تصبح المرأة أم من المتوقع ان تحيط أبنائها بالعطف و المودة و العناية لأن الآخرين الذي يشاركونها التنظيم الاجتماعي يفعلون هكذا مع أبنائهم، و لكي لا تتعرض إلى النقد و التوبيخ فإنها تحرص على أن تؤدي دورها طبقاً لأدوار الآخرين بهذا الصدد.(6)

وبالنظر إلى دور المرأة في المجتمع نجد أنّها وفق هذه النظرية أشدّ الفئات تعرّضا لصراع الأدوار، فهي إبنة وأمّ وزوجة وموظّفة ونقابية وناخبة، وأدوار أخرى عديدة، وهو ما يثير لديها بحدّة إشكالية الصراع الداخلي النفسي للتوفيق بين كلّ هذه الأدوار. (7)

نظرة الفقه التقليدي لدور المرأة السياسيّ:

يُفهم مصطلح “الدور السياسي” في العلوم الاجتماعية على أنه تبوأ للمناصب السياسيّة، أو ممارسة العمل السياسيّ، أو التدخّل المباشر في المسائل والشؤون السياسية كالمشاركة في الانتخابات- سواء أكان ذلك على هيئة ناخب أم مُرشّح- والنشاطات والفعاليات السياسية في إطار الأحزاب والجماعات السياسية- سواء أكان على مستوى التأييد أم المعارضة- ضدّ أساليب الحكم أو الشخصيّات السياسية وما شابه ذلك، أو لأي تأثير هام في اتّخاذ القرارات  السياسية أو التصدي لمعالجة مسائل الأوضاع العامة.

ولا يغيب عن الباحثين، أن “الدور السياسي” بأنواعه المعاصرة، وما يمثل، هو من المسائل الحديثة، التي لم تكن جملة وتفصيلاً، من الأدوار المعهودة في عصر النبي محمد (ص)، أو في الطور التأسيسي الأول للنظام السياسي الإسلاميّ. إذ لم يكن حتى نظام الحكم حينها، مشابهاً لما خلّفه العصر الحديث من تقسيم للسلطة ولنشوء أشكال مختلفة من أنظمة الحكم. غير أن القراءة الفقهية التي أعقبت التأسيس، جاهدت عبر الزمن لإسقاط  الموروث من التراث، أو الفهم التقليدي للأدوار السياسية، على تحديد ومقاربة الأدوار الحديثة والمستجدة.

وفيما يخص تصدي المرأة للأدوار المختلفة في الحياة، ينبغي أن يظلّ ماثِلا في الذهن أيضاً، أن هذه الأدوار لم تجد لها من مكان تتطوّر فيه إلا في الغرب، وبخاصة في الفترة التكوينية للفكر النسوي، بدءا من أواخر القرن الثامن عشر إلى أواسط القرن العشرين. وتقول الباحثة بوني سيلد Bonnie Slade في هذا الخصوص: “لم تكن الأغلبية العظمى من النساء في العالم يمتلِكن حتى العام 1900 حقوقا وحريات قانونية شكلية، أما خياراتهن المتعلقة بالعمل فهي ضئيلة للغاية، وكُنّ قد بدأن بالكاد في الحصول على فُرص التعليم العالي”.(8)

المرأة المسلمة والعقل النقدي

 واستناداً إلى ما سبق، فإن دور المرأة في الفقه الإسلاميّ لم يتبلور إلا في إطار فهم وقراءة الفقهاء لدور المرأة في العصر الإسلاميّ الأول، الذي لطالما اعتُبر من قبل هؤلاء، تقدمياً  في مقابل دورها في العصر الجاهليّ. وهذا ما عبر عنه صراحة عمر بن الخطاب “كنّا في الجاهلية لا نعد النساء شيئًا فلمّا جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهنّ بذلك علينا حقًا من غير أن نُدخلهُن في شيء من أمورنا”.(9)

ومن هذا المنطلق، فقد اجمع الفقهاء، من موروث العصر الإسلاميّ الأول، على وجوب حصول المرأة على العديد من الحقوق التي  تندرج ضمن الولاية الخاصة على حد توصيف الشريعة، فيما أنكروا عليها إمكانية الحصول على ما تتضمنه الولاية العامة (التي تعني في الإسلام السلطة العامة)، من فرض لإرادة الفرد (المرأة) على الأمة جبراً في شأن مصالحها، أو ما يمكننا توصيفه حالياً بإمتلاك الحق في صنع القرار السياسيّ وتقرير مصير الأمة في الشؤون الكبرى، أو الدور السياسي الذي يخول المرأة من استلام زمام الرئاسة والقيادة لتحقيق مصالح المجتمع الداخليّة والخارجيّة، مع امتلاك قرار السلم والحرب.

فبالنظر إلى عدم ورود آية تمنع المرأة صراحة من المشاركة السياسيّة ومن تولّي المناصب السياسية، ونظراً إلى ظهور مهامّ ووظائف سياسيّة جديدة مختلفة عن الوظائف التّقليدية التي نظر فيها الفقه القديم، أنتج المعترضون على أهليّة المرأة فتاوى جديدة تستند إلى آليات فقهيّة تقليديّة وتفضي إلى التّحريم، تحريم الانتخاب والتّرشّح على المرأة. وتتمثّل هذه الآليات في ما يلي:

القياس: المتمثّل في قياس المشاركة السياسيّة على “الإمامة والولاية والتّزكية”، وهي مهامّ قديمة لم تعد موجودة في أغلبيّة البلدان العربيّة لأنّها مرتبطة بتركيبات اجتماعيّة سياسيّة قديمة. وهذه المهامّ يشترط فيها الفقهاء القدامى الذّكورة المتحقّقة. والانتخاب “مشورة تتعلقّ بذات الشّخص من حيث عدالته. وهذا النّوع من المشورة يسميّه الفقهاء التّزكية، وهي من مستلزمات أهليّة الشّهادة ونحوها من الولايات العامّة””ط و”ليس كلّ من تجوز شهادته تجوز تزكيته كما يقول العتيبيّ وابن رشد من كبار المالكيّة، ولا ينبغي لأحد أن يزكّي رجلاً إلاّ رجل، قد رافقه في الأخذ والعطاء وسافر معه ورافقه. يقول مالك في المدوّنة عن صدور التّزكية من النّساء: لا تجوز تزكية النّساء في وجه من الوجوه، لا فيما تجوز فيه شهادتان ولا في غير ذلك، ولا يجوز للنّساء أن يزكيّن النّساء ولا الرّجال، وليس للنساء من التّزكية قليل ولا كثير”. (10)

الدليل من القرآن الكريم:  تفسير الفقهاء لآيتين من القرآن وهما :

1- آية الأحزاب 33 : ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾

  • النساء 34: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾

فقد رجح الفقهاء أمثال الألوسي، الشوكاني، القرطبي وابن كثير، أنه  في الآية الأولى، مدلول الآية لا يقتصر على نساء النبي إنما يشمل جميع المسلمات في أن يقرّن في بيوتهن لرعاية شؤون البيت والأسرة ولا تخرج للاختلاط بالرجال إلاّ للضرورة. واستدلوا من الآية الثانية، على حدود القوامة للرجل على المرأة .

المرأة في سياق خطبة الوداع: حقوق أم انتهاكات؟

أدلّة السنّة: اعتمد الفقهاء على الحديثين المرويّين عن النبي محمد :”لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”، و حديث:”النساء ناقصات عقل ودين”. فيتم الرّبط بين الحيض ونقصان قيام المرأة بالتّكاليف الدينيّة، وبين أهليتها للمشاركة السياسية وتبوأ المناصب، كما يتم التحذير من توليها لأي دور سياسيّ بتأكيد اخفاق الجماعة التي ترشحها لهذا الدور.

الدليل من الإجماع والسيرة: بإجماع الفقهاء على عدم جواز تولّي المرأة لرئاسة الدولى، فعلى مستوى: (11)

الإجماع الفقهي: ذكر قول الإمام الجويني “واجتمعوا على أنّ  المرأة لا يجوز أن تكون إماماً، وإن اختلفوا في جواز كونها قاضية في ما يجوز شهادتها فيه”

وقال الشعراني:” واتفق الأئمة على أنّ الإمامة لا تجوز لامرأة”

وقال ابن حزم:”وجميع فرق القبلة ليس فيهم أحد  يجيز إمامة امرأة”

الإجماع العملي: ذكر أن النبيّ (ص) وأيضاً خلفاءه ومن بعدهم لم يولّ أيّ منهم امرأة لا لقضاء ولا لإمارة أيّ قطر، حتى الفضليات في صدر الإسلام من النساء كأمهات المؤمنين، ورغم توفر دواعي اشتراك النساء مع الرجال في الشؤون العامة”.

ويرى الدكتور وجيه قانصو، أن الإجماع في زمن الصحابة الأول، لم يكن بهذا الوضوح من حيث المباني والتقنيات والآليات “بل لم يعهد إلى جيل الصحابة ضرورة الإجماع في كل شأن ديني أو دنيوي، وكان الاختلاف حاصلاً ومستمراً بينهم..حتى أصبح الإجماع في ما بعد، في دلالته الاجتماعية، يحيل إلى مؤسسة اجتماعية هي مؤسسة الفقيه، التي لم تكتف بابتكار عملها المعرفية واللغوية والعقلية، بل عملت أيضاً على تأسيس نظامها الداخلي، وعلى إيجاد قوة إلزام رمزية تسند قولها وتلزمه. وتمنحها صلاحية مشاركة السلطة في تدبير الشأن العام وتسييره”.(12)

وهكذا يتضح أن النساء حسب التّصوّر الفقهي التقليديّ، تنقصهن الأهليّة التي يتمع بها الرجل، لتوليّ المناصب السياسيّة، وتحديداً في المناصب الرئاسية. وأن الفوارق بين الجنسين تُحتم وجود الاختلاف في الأدوار، وقوامية الرجل على المرأة ، التي عليها التزام منزلها ولعب دورها في الأسرة، الذي فيه الخير لها. إذ من الخير لها أن لا ترى رجل ولا يراها إلا للضرورة، وذلك لسدّ الذّرائع من مخاطر الاختلاط.

دور المرأة السياسيّ لدى جماعة الإخوان:

احتلت قضية المرأة مكانة خاصة في خطاب “الأخوان المسلمين” منذ التأسيس عام 1928، وكان الخطاب الأهم في هذا السياق، الخطاب المتمثل برأيّ مؤسس الجماعة حسن البنّا، الذي شنّ فيه هجوماً  عنيفاً على حركة تحرير المرأة وما اعتبره “دعوات التغريب”، معتبراً أنّ ” مهمّة المرأة زوجها وأولادها…أمّا ما يريد دعاة التّفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة، فنردّ عليهم بأنّ الرّجال وهم أكمل عقلاً من النّساء لم يحسنوا أداء هذا الحقّ، فكيف بالنّساء، وهنّ ناقصات عقل ودين”(13). وكان هذا الخطاب قد أتى في سيّاق الردّ على النشاط المتزايد للأخوات حينها.

خطاب البنّا، الذي يُمكن اعتباره الخطاب الرسميّ الموجّه للجماعة، والذي حافظ على استمراريته في فكر وأدب الأخوان، لاقى في ما بعد منحى آخر من حيث التجديد، مع الموقف التوفيقيّ بين أصالة الخطاب التأسيسيّ ومتطلبات المرحلة الزمنية اللاحقة عليه، الذي مثّله يوسف القرضاوي بدعوى عدم الالتزام سوى بالنصوص الثابتة، ونبذ الأحاديث الضعيفة السند، وفهم الأحكام والفتاوى دون فصلها عن عصرها وبيئتها. كما اعترافه بدور المرأة السياسيّ حيث “أفتى بجواز دخول النّساء للمجلس النيابي معلّلاً ذلك بأنّ عدد النّساء في المجلس النّيابيّ لا بدّ أن يظلّ محدوداً، وأفتى بمنع وصولهنّ إلى الولاية العامّة على الرّجال، أي رئاسة الدّولة”(14)

ولم يقتصر هذا النقاش الإخوانيّ المتباعد في الزمن، على ما مثّله البنّا أو القرضاوي  في الرأيّ، بل انسحب على الباحثين الذين داروا في فلك الإخوان، أو جسدوا مواقفهم، فقد استدلّ الرافضون لتوليّ المرأة دور إدارة شؤون الدولة، أمثال الدكتور مصطفى السباعيّ، على الأدوار التي لعبتها المرأة في صدر الإسلام، والتي صنّفها هؤلاء على أنها غير سياسيّة مثل (مشاركة المسلمات للرجال في معارك الرسول بأدوار كتضميد الجرحى،  مساهمتها في التضحية والفداء في بدء الدعوة الإسلاميّة، حضورها الاجتماعات العامة في حياة الرسول في المسجد في خطبة العيد ودروس وعظه..)، فيما اعتبر المؤيدون لدورها السياسيّ في تولي إدارة الدولة، أمثال الدكتور محمد فريد الصادق سيد أحمد عمران، أنها لعبت دوراً هاماً في مرحلة صدر الإسلام وممارستها لهذا الدور يمكن اعتبارها ممارسات إداريّة وسياسيّة مثل (أمان أم هانئ، مشورة أم سَلَمة في صلح الحديبيّة، واستشارة الخليفة عثمان بن عفان لزوجته نائلة في العديد من المسائل، وتولية الخليفة عمر بن الخطاب للشفاء بنت عبدالله ولاية الحسبة في السوق وهي من الولايات العامة، وخروج أم المؤمنين عائشة في حرب الجمل..) (15)

المرأة الإخوانية

هذا من الناحية الفكريّة، أما من الناحية العمليّة فقد لعبت المرأة الإخوانية أدواراً مختلفة في كل مرحلة زمنية أو مرحلة فاصلة في عمل التنظيم، وقد تم فيها توظيف دورها لخدمة الأهداف العامة للسياسة الأخوانية ، دون منحها المساحة لتحقيق الدور السياسيّ- الاجتماعيّ للمرأة على أكمل وجه. فقد بدأت المشاركة النسائية مع طلب الجماعة من كل عضو أن يتحول هو وأسرته إلى صفوفها، ” ومع تحوّلات الإخوان في العمل، بداية من العمل المفتوح في فترة الثلاثينيات والأربعينيات، كان دور الأخوات هو تجهيز الأخت لتكون زوجة صالحة مناسبة للأخ الإخواني، ومع اتجاه الإخوان إلى العمل السرّي المسلّح، في الخمسينيات والستينيات، تحوّل دور الأخوات إلى رعاية أسر المسجونين، والشدّ على أيدي زوجاتهم وبناتهم، وتنظيم الزيارات…، ومع تحوّل الإخوان إلى العمل المفتوح، غير الرسمي، في السبعينيات، ضعف عمل الأخوات كثيراً، وانحصر في الدعوة للحجاب والالتزام الظاهري.

أما مع بداية عودة تنظيم الإخوان في الثمانينيات؛ فأعيد لقسم الأخوات تنظيمه وترتيبه، بناء على لائحة 1978؛ التي أُقرَّت العام 1984، ونظّمت عمل الأخوات، لكن تحت وصاية تامة من الإخوان الذكور، ومع توسّع الإخوان، ومرحلة استكمال المؤسسات في مرحلة التسعينيات وأوائل الألفية الثانية، كانت المرأة في الإخوان تقوم بحشد السيدات للتصويت الانتخابي، والوقوف أمام اللجان للدعاية لمرشحيهم، وتركز دور الأخوات في العمل التجميعي أكثر.”(16)

وتكثفت بشدة المشاركة السياسية لنساء الجماعة بعد عام 2004.وتعد المرحلة الزمنية الأقوى من مشاركة نساء الإخوان في العمل السياسي هي الفترة التي تلت ثورة 25 يناير، والتي كان لها الفضل في ظهور نساء الإخوان على المشهد السياسي المصري. وكان سماح مكتب الإرشاد لنساء الإخوان بالمشاركة السياسية ، التي أثارت خلافا حادا لفترة طويلة بين قيادات مكتب الإرشاد، إنما يعود ذلك لما تضمنه قانون الانتخابات المعد في المرحلة الانتقالية الأولى عام 2011، حيث اشترط القانون ضرورة وضع امرأة على كل قائمة حزبية. أما الدور السياسي الثاني لنساء الإخوان، فتمثل في ما يعرف “بالاستغلال السياسي”، والدفع بالنساء من قبل قيادات مكتب الإرشاد، واستغلالهن في فترات الانتخابات البرلمانية، والانتخابات المحلية، حيث ترى قيادات التنظيم أن النساء كتلة تصويتية تستغل سياسيا؛ نظرا لارتفاع نسبتهن التي تقترب من ضعف الكتلة التصويتية للرجال.(17)

 

ورغم هذه التحولات، لم يتبدل الموقف (موقف الإخوان) من تولي المرأة لرئاسة الدولة، الذي بقيّ لديهم في دائرة الممنوع والتحريم وتأييدهم الأكبر لدور المرأة في الأسرة كأولوية على لعبها لدورها السياسيّ.

 

دور المرأة السياسيّ لدى الحركات السلفية:

يقوم الخطاب السّلفي تاريخياً على استبعاد المرأة من المشاركة في المجال العام، ويحصر وظيفتها في إطار تدبير المنزل والاعتناء بتربية الأولاد، وهو إذ يقر المساواة الوجودية للرجل والمرأة، إلا أنه يقرر أن الأصل في المرأة هو لزوم البيت لقوله تعالى :”وقرن في بيوتكن” وما كان عليه نساء السّلف من عدم التّدخل في السياسة.

لكن التحولات المفاجئة لدى هذا التيار،  في النظرة إلى دور المرأة، كان عقب  تكوين حزب النور وعودة الحديث حول شرعية مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية، حينها اعتبرت الدعوة إن مشاركة النساء في النشاط النسائي في حزب ذي مرجعية شرعية لا حرج فيه، لأنه يُفترض فيه الالتزام بالضوابط الشرعية في ما يخص علاقة الرجل بالمرأة، وعندما فرضت قوانين الأحزاب على كل حزب يدخل الانتخابات أن تحوي كل قائمة على أربعة أسماء، منها امرأة، رآه البعض تعارضاً مع حرمة تولية المرأة للولايات العامة، فعادت لتُفصل الدعوة موقفها الجديد قائلة:”…والصحيح أن المجالس النيابيةعندنا ولاية بل هي أقرب إلى توصيف أهل الحل والعقد عند الفقهاء، لأن من حق هذه المجالس عزل الحاكم ونوابه ومساءلتهم، وفي بعضها تعيينهم، ولكن الواقع الحالي لا بد فيه من النظر إلى “خير الخيرين وشر الشرين” وإعمال قاعدة:”مراعاة المصالح والمفاسد” بميزان الشريعة، فنحتمل أدنى المفسدتين لدفع أشدهما ونجلب أعظم المصلحتين ولو فاتت أدناهما”.(18)

وفصلت الدعوة الفتوى أكثر بالقول:”ولو نظرتَ إلى مفسدة وجود امرأة مسلمة في قائمة حزبية-“قد تصل إليها نسبة النجاح وقد لا تصل، وهي وإن وُجدت في المجلس نصرت قضية الشريعة الإسلامية ومنعت من سنّ ما يخالفها”- وبين مفسدة ترك 65 بالمئة من مقاعد المجلس النيابي للعلمانيين وأشباههم أو لمن لا يتبنون خطاباً سياسياً يحقق طموحات القاعدة العريضة من الإسلاميين- وإن حسبوا على الإسلاميين-، مما قد يؤدي إلى صياغة دستور علماني أو ليبرالي سيكون قيداً بلا شك على الدعوة إلى الله والعمل الإسلامي كله- ولكن هذه المرة بإسم “الدستور والقانون” وليس بإسم “الدولة البوليسية”، لو نظرتَ إلى المقارنة بين المفسدتين، لوجدتَ مفسدة وجود امرأة مسلمة على القائمة لا يمكن أن تقارن بالمفاسد الكبرى المذكورة وغيرها”.(19)

وتهيمن فكرة التّغريب والتّقليد على مجمل الفكر السّلفي كأحد أهم التّحديات والأخطار التي تواجه العالم الإسلامي، فتغريب المجتمع والمرأة نابع من التّشبه بالكفار. لذلك فالألبانيّ يحذّر من التّشبه بأشكاله وصوره كافة، إذ يرى أنه” لا يجوز للمسلمين رجالاً ونساءً التّشبه بالكفار في عباداتهم وأعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم، وهذه القاعدة عظيمة في الشّريعة الإسلاميّة خرج عنها اليوم، مع الأسف، كثير من المسلمين حتى الذين يُعنون منهم بأمور الدّين والدّعوة إليه، جهلاً بدينهم، أو تبعاً لأهوائهم، أو انجرافاً مع عادات الحاضر وتقاليد أوروبا الكافرة، حتى كان ذلك من أسباب ذلّ المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم واستعمارهم” (20)

المفهوم القرآني لتحرير المرأة

كما تعتبر الحركات السلفية أنّ منظّمات حقوق المرأة ما هي إلا مؤامرة على المرأة المسلمة وطريق إلى التّغرب والإفساد، وهي بهذا تنحو دوماً للتشكيك بالاهتمام الغربي بقضايا المرأة. هذا إلى جانب عدم استساغة التحول (على مستوى دورالمرأة)، غير المبرر بنظرالعديد من أبناء الدعوة السلفية، نتيجة التراث الفقهي الذي تربّوا عليه، واعتبارهم على أنه ما هو إلا سقوط في فخ التغريب.

دور المرأة في ترسيخ دورها السياسيّ:

يتكأ الإسلامييون في خطابهم على حجة الفوارق الطبيعيّة والنفسية  والبيولوجية بين المرأة والرجل، وإبراز الفوارق بين النّوعين،  ليخلصوا إلى تعميم مفاده أن الدراسات النفسية تشير إلى “أنّ المرأة تتّصف بخصائص روحية ونفسية تجعلها أقرب إلى المُحافظة وأكثر صدقاً في القول وأكثر تديّناً وتمسّكاً بالتقاليد. ومن العوامل الأخرى التي قد تؤدّي إلى ابتعاد المرأة عن الفضاء السياسي عواطفها ورأفتها وعدم رغبتها في المنافسة وبالتالي التسليم والإذعان، كما إنّنا قلّما نشهد صفة العنف أو المنافسة لدى المرأة، وهذه كلّها صفات تُعتبر عصب الحياة في النشاطات السياسية، كل تلك وغيرها تُمثّل أسباباً حقيقية تقلّل من اندفاع المرأة وحماسها للدخول في حلبة السياسة وعدم اهتمامها بشؤونها”.(21)

ورغم هذه القراءة النفسية- التاريخية لدور المرأة، كان لجهود المشاركة النسائية (للأخوات) على أرض الواقع في الانتخابات البرلمانية لعام 2000، وترشح البعض منهن على قوائمها، الأثر الأكبر في  تحصيل موافقة تنظيم الإرشاد على المشاركة الفعلية لهن، والذي يرجع بشكل أساسيّ إلى طموح بعض نساء الجماعة، واللاتي كان على رأسهن جيهان الخلفاوي.

وكان قد تسبب في وقت سابق، ضغوط بعض نساء الإخوان لإعطائهن فرصة في العمل الإداري والسياسي للتنظيم؛ في اعتراض بعض القيادات الإخوانية، أمثال محمود عزت ومحمد حبيب، رغم الموافقة المبدئية لمهدي عاكف، مرشد الجماعة في ذلك الوقت.

لكن رغم الجهود التي تبذلها المرأة لتحقيق التقدم على مستوى الدور السياسيّ، تبقى هناك عوامل عدة ومنها ذاتيّة تُضعف دورها. وهذا ما استخلصه الباحث مصطفى سعد في دراسته حول المشاركة السياسية للمرأة العربية (المصرية والليبية) كحالة، والتي أتت بعض نتائجها كالتالي:

  • أن ضعف ثقة المرأة بنفسها أو كفاءتها في منافستها للرجل في العمل العام،  والاشتغال في مجال السياسية وشئون الحكم، يمثل أحد أهم العوامل الذاتية المرتبطة بالمرأة ذاتها والتي تحول دون مشاركتها الانتخابية الفاعلة.
  • أن عدم قدرة المرأة على تعريف جمهور الناخبين بشخصها وكذا ضعف أو عدم قدرتها على التواصل معهم – سواء قبل عملية الترشح أو أثنائها- نتيجة لأسباب مجتمعية، أو طبيعة النظام الانتخابي القائم على الدائرة الفردية، يعد أحد العوامل الهامة التي تعيق ترشح النساء أو فوزهن في الانتخابات .
  • أن ضعف الدور والمكانة الاقتصادي للمرأة في المجتمع قد انعكس  بصورة مباشرة في ضعف ومحدودية الإمكانيات والموارد  المالية لديها التي تمكنها من المشاركة الفاعلة، كما أن عدم تحديد قانون الانتخابات للسقف والمبالغ المالية المحددة على عملية الإنفاق في الحملات الدعائية والانتخابية يمثل أحد الأسباب الهامة التي تؤثر بشكل سلبي على مشاركة المرأة في الانتخابات تصويتا وترشيحا وانتخاباً.(22)

الخلاصة:

يمكن القول إنّ التأصيل الإسلاموي الحديث، لمشاركة المرأة في آليات العمل السياسي، وفق منظرّي جماعات الإسلام السياسي، انحصر على مشاركتها في العملية الانتخابيّة، وفي حشد النساء نحو صناديق الاقتراع. ومع ضغط الحداثة، ومحاولات محاكاة الديموقراطية الغربية، ارتقت مكانة المرأة قليلا عند بعض التيارات، لكنّها في النهاية لم تكن لتقترب من منصب الرئاسة مثلا، انطلاقًا من الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط:”لن يفلح قوم يملك أمرهم امرأة”. والذي يتسق وبنية العقلية الذكورية، التي ترفض مراجعة الرواية وإسنادها، أو حصرها ضمن الحدث التاريخي الذي وردت في سياقه، في حال صحتها. وبهذا فإن الفقه لدى الحركات الإسلامية لم يتحدّث وبقي كنص فقهي  يستند إلى الفقه القديم رغم التحولات العمليّة التي حدثت على دور المرأة.

ومع أن الفقه القديم، يستند إلى سياقات الزمن التأسيسيّ الأول للإسلام، والذي كان حينها يُمثل تقدماً تدريجياً مرحلياً لإدخال المرأة إلى العمل السياسيّ، بقيّ المخزون الاجتماعي الثقافي المعاصر متماهياً مع تاريخه، نتيجة لأهميّة دورالفقه المحوريّ في حياة المسلم ورؤاه، وترافقه وعدم تطوير البنية الفقهية لدى الفقهاء المعاصرين من حركات الإسلام السياسيّ رغم تغير السياقات الاجتماعيّة جذرياً.

كما يُلاحظ وجود انقسام في الرأيّ داخل صفوف جماعات الإسلام السياسيّ، بين التشدد في رفض التحديث، والتبنيّ لتأويلات بأدوات فقهية معاصرة، عمل عليها بعض الباحثين المنتمين فكرياً لهذه الحركات، لكن الغلبة كانت لنصرة رأيّ التقليدين منهم.

ورغم وجود أمثلة لزعامات نسائية معاصرة قادت شعوبها إلى التطوّر نحو الأفضل، الذي لم يستطع من سبقها من الرجال أن يحققه في بلادها، بقيّ التشكيك في رجاحة عقل المرأة لتوليّ الدورالأهم في القرار السياسيّ (رئاسة البلاد مثلاً) ماثلاً لدى منظريّ هذه الحركات، وما دونه ليس إلا قياساً على فهم الأدوار من الفقه التقليديّ.

يبقى أن سقف التوقعات لدى المرأة نفسها، لم يرقَ ليصل حد الطموح للترشح إلى الرئاسة، وبهذا فإنها تماثلت مع الدور السياسيّ الذي مُنح لها، أوأمكنها النضال لتحصيله، لكسب التأييد الاجتماعي والبقاء في إطار الرضا العام، مع الاحتفاظ بالصورة النمطية للأدوارالتي تخص “الأنوثة “، والابتعاد عن الأدوار التي تعكس”الذكورة”، خشية اظهار التفوق والغلبة، التي عُيرت بهما المرأة من الحقبة الأولى للإسلام، في الحديث الذي وجّه إلى جماعة من نساء المدينة، والذي قال فيهن عمر بن الخطاب:” فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب الأنصار” في توجه مباشر لعدم الاقتداء بنساء الأنصار، وامتعاض من دورهن.

قائمة المراجع والمصادر:

  • ميتشيل، دينكن، معجم علم الإجتماع، دار الطليعة- بيروت، 1981.ص177
  • مجيد محمود أبو حجير، المرأة والحقوق السياسية في الإسلام، الطبعة الأولى، شركة الرياض للنشر والتوزيع، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1977، ص22.
  • تعريف الفقه، جامعة أبو بكر بلقايد، موقع (uiv-telmcen.dz)
  • الخوالدة، صالح عبد الرزاق فالح. الإسلام السياسيّ: المفهوم والأبعاد.إشكالية الدولة والإسلام السياسي قبل وبعد ثورات الربيع العربي.المركز الديمقراطي العربي. الطبعة الأولى، 2018. ص9
  • سرحان، باسم. طرائق البحث الاجتماعي الكمية. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. الطبعة الأولى، بيروت 2017، ص 56.
  • بوابة علم الاجتماع. مفهوم نظرية الدور الاجتماعي. https://www.b-sociology.com/2019/10/blog-post_20.html?m=1
  • عزت، هبة رؤوف. المرأة والعمل السياسيّ رؤية إسلاميّة. المعهد العالي للفكر الإسلامي، 1995، ص78.
  • الخليل، رعد عبد الجليل مصطفى. في النظرية السياسية النسوية: البُنى الفكرية والاتجاهات المعاصرة. عالم المعرفة. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت، عدد رقم 493، أبريل 2022.
  • صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب ما كان النبي يتجوز من اللباس والبسط، ج1، حديث 5843، ص314.
  • بن سلامة، رجاء. أهليّة المرأة للمشاركة السياسيّة في الخطابات الدينيّة المعاصرة. باحثات، الكتاب التاسع2003-2004 المركز الثقافي العربي، ص102،103.
  • المحميد، خديجة عبد الهادي. موقع المرأة في النّظام السياسيّ الإسلامي.مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي. الطبعة الأولى، بيروت،2011، ص161.
  • قانصوه، وجيه. النص الديني في الإسلام من التفسير إلى التلقي. دار الفارابي، بيروت،لبنان-الطبعة الأولى، 2011، ص227، 238.
  • البنّا، حسن: حديث الثّلاثاء، سجّلها وأعدّها أحمد عيسى عاشور، مكتبة القرآن، ص370.
  • مرجع سابق. بن سلامة، رجاء. أهليّة المرأة للمشاركة السياسيّة في الخطابات الدينيّة المعاصرة.
  • أنظر. دراستي : د. مصطفى السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، الطبعة السادسة، المكتب الإسلامي، بيروت، 1984. ود. محمد فريد الصادق سيد أحمد عمران، الحقوق السياسيّة للمرأة: دراسة مقارن، كليّة الحقوق، جامعة القاهرة، 1997.
  • أبو السعد، طارق. ما حقيقة دور المرأة في الجماعة وكيف نشأ قسم الأخوات المسلمات؟. موقع حفريات الإلكتروني، تاريخ النشر: 12/5/2020.
  • بوابة الحركات الإسلامية. نساء التيارات الإسلامية ودخولهن الساحة السياسية…السلفيات والإخوانيات نموذجاً. زيارة الموقع على الرابط التالي: http://www.islamist-movements.com/2780.
  • شلاطة، أحمد زغلول. الدعوة السلفية السكندرية (مسارات التنظيم ومآلات السياسة). مكز دراسات الوحدة العربية. بيروت، الطبعة الأولى 2016، ص141.
  • مرجع نفسه. الدعوة السلفية السكندرية (مسارات التنظيم ومآلات السياسة). ص142.
  • أبو رمّان، محمد. السلفيون والربيع العربي(سؤال الدين والديمقراطية في السياسة العربية). مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى 2013، ص80.
  • سوند، فريبا علا. المرأة في الإسلام. ترجمة أحمد الموسوي وعباس جواد. مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي. الطبعة الأولى، بيروت، 2017، ص479.
  • سعد، مصطفى محمد. “المشاركة السياسية للمرأة العربية – دراسة حالة: مصر وليبيا، المركز الديمقراطيّ العربي، تاريخ النشر 14 أوكتوبر 2017.

المزيد من المقالات

مقالك الخاص

شــارك وأثــر فـي النقــاش

شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

error Please select a file first cancel
description |
delete
Asset 1

error Please select a file first cancel
description |
delete