تكوين
إذا كانت الأقدارُ قد حرمت طه حسين من حاسة البصر،وحجبت عنه نعمةَ التفحّصِ الممتع لحدائق الدنيا وخصائص الأشياء في الطبيعة وفي الحياة عموماً،فإن الله قد أنعمَ عليه ببصيرة متمرّدةٍ ونظرٍ ثاقب،هو من ثمراتِ عقله النافذ،المستشرف،وتفكيرِه المتوثّب،المتطلّعِ أبداً إلى تعزيزِ الثقافة المحرّضة على التجديد والإبداع،والمحرّكةِ لمَلَكَةِ النقد ولغةِ المساءلة.
يقتصر كلامي في هذا المقال على سماتِ العقلانية التي اختصّ بها طه حسين وعلى المنهجية التي توسّلَ بها في مقاربته لموضوع الهويةِ الثقافية التي كان يراها لمصر وللعرب عموماً.لكن الكلامَ عنه لا يبدأ منه،فعقلانيتُه وريثةُ تراثٍ من المعارك التي خاضها العقلانيون العرب والمسلمين دفاعاً عن العقل بما هو مصدرٌ للمعرفة، و ملكةٌ قادرة على إنتاجها ونقدِها في آن معاً.
العقلانية في الفكر العربي
كانت العقلانيةُ على امتداد تاريخ الفكر العربي تحدّياً أمامَ روّادِ التجديد في التراث و الساعين إلى زحزحةِ مسلماتِه وثوابتِه باعتبارها عوائقَ تحول دون تحقيقِ النهضةِ المرجوّة،وشكّلت العلاقةُ بين العقل والنقل عموماً،سؤالاً محورياً في حِقْباتِ الفكر العربي المختلفة،اتخذت في كل عصر مصطلحاً معينا،عُرِفَت في العصر الوسيط بثنائيةِ الأصيلِ والدخيل،وفي العصر الحديث بالتقليد والتحديث،ومن ثم بالأصالةِ والمعاصرة،جميعُها يدور حول إشكاليةٍ معرفية واحدة،جوهرُها صراعٌ على المعنى بين تياراتٍ تقدّم العقلَ على النصّ التأسيسي،وأخرى تقدّم النصَّ على العقل،وبالتالي فإن حركةَ الفكر العربي على امتداد تاريخه،هي وليدةُ التجاذبِ بين هذين الأفقين الميتافيزيقيين.
وعليه،
فإن طه حسين ينتسبُ في منهجيته وبنيةِ تفكيره إلى تلك العقلانية التي بدأت معالمُها تنجلي في الأفكار الداعية إلى أصالة العقل وحريةِ الانسان في اختيار أفعاله( المعتزلة ونظرية التحسين والتقبيح العقليين)،مروراً بالفلاسفة العرب المشائين،وفي طليعتهم ابنِ رشد،وقد تبنوا منطقَ أرسطو البرهاني ونسجوا على منواله في التفلسف،وصولاً إلى حداثيي عصر النهضة المزودين بقيمِ الحداثة الغربية المنعقدة على ثلاثيةٍ ذهبية،الحرية،الديمقراطية والعقلانية.
إلى هذه العقلانية،ينضاف اعتقادٌ راسخ عند عميد الأدب العربي،بفوائدِ الانفتاح على الحضاراتِ والثقافات المتوسطية،يقول:”أن العقلَ المصري منذ عصوره الأولى،إن تأثّرَ بشيء فإنما يتأثرُ بالبحر الأبيض المتوسط،وإن تبادلَ المنافعَ على اختلافها، فإنما يتبادلُها مع شعوب البحر الأبيض المتوسط…وإذا أردنا أن نلتمسَ المؤثرَ في تكوينِ العقل المصري…فمن السخفِ أن نفكرَ في الشرق الأقصى…ومن الحقِ أن نفكر في المتوسط…والأممِ التي عاشت حوله”(مستقبل الثقافة في مصر،ص ١٩-٢٢).
قادته عقلانيتُه هذه، إلى البحث في مواطنِ التشابهِ بين الحضارات،فكان يراه حاصلاً بين المسيحية والاسلام فيما خصّ العلاقةَ بالفلسفة اليونانية،يقول:”…فقد اتصلَت المسيحيةُ بالفلسفة اليونانية قبلَ ظهورِ الاسلام فأثَّرَت فيها وتأثرت بها،وتنصّرت الفلسفةُ وتفلسفت النصرانيةُ،ثم اتصل الاسلامُ بهذه الفلسفةِ اليونانية،فأثّر فيها وتأثرَ بها،وأسلمت الفلسفةُ،وتفلسفَ الإسلامُ…”وبالتالي فلا فرقَ بين الديانتين في الأثرِ الذي تركاه “في تكوينِ العقلِ الذي ورثته الانسانيةُ عن شعوب الشرقِ القريب وعن اليونان”(م.ن.ص٢٨).
حسن صعب: مفكّر العقلانية والحداثة
كذلك، وجد طه حسين،أن التشابهَ نفسَه قائمٌ بين العقل الاسلامي والعقل الأوروبي،وفي هذا السياق،يعود لإثباتِ صحةِ اعتقاده إلى الأديب الفرنسي بول ڤاليري:يقول:”أراد بول ڤاليري ذات يوم أن يشخّصَ العقلَ الأوروبي فردّه إلى عناصرَ ثلاثة،حضارةِ اليونان وما فيها من أدبٍ وفلسفة وفن، وحضارةِ الرومان وما فيها من سياسةٍ وفقه،والمسيحيةِ وما فيها من دعوةٍ إلى الخيرِ وحثٍّ على الاحسان،وإذا أردنا أن نحلّلَ العقلَ الاسلامي في مصر وفي الشرق القريب،أفتراه ينحلّ إلى شيءٍ آخر غيرَ هذه العناصر التي انتهى إليها تحليلُ بول ڤاليري؟”ثم يخلصُ في الإجابة عل هذا السؤال إلى أن”نتائجَ العقلِ الاسلامي تنحلُّ إلى هذه الآثارِ الأدبية والفلسفية والفنية التي مهما تكن مشخَّصاتُها،فهي متصلةٌ بحضارة اليونان وما فيها من أدبٍ وفلسفة وفن وإلى هذه السياسة والفقه اللذين مهما يكن أمرُهما،فهما متصلان أشدّ الاتصال بما كان الرومان من سياسة وفقه وإلى هذا الدين الاسلامي الكريم وما يدعو إليه من خير وما يحث عليه من إحسان…”(م.ن.ص٣٢).
بدت هذه العقلانية المرصعة بسمات الحوار والانفتاح والتشابه والتلاقي،متجليةً كلَّ التجلي، في كتاب”مستقبل الثقافة في مصر”واستوت ،كأنها استكمالٌ لمسار نقدي تحديثي كان قد بدأه طه حسين في ميدان الثقافة العربية،و على ساحة اللغة العربية وآدابها تحديداً، يحمل في حركته مايشي بحضور وازن للآخر في رؤيته إلى الثقافة التي ينشدها لمصر وللعرب عموماً،فكان كتابه”في الشعر الجاهلي١٩٢٦”باكورةَ القول المختلف،ومدرسةً في القراءة النقدية التفكيكية الولوعة بالحفر والتنقيب عن المسكوت عنه في النصوصِ والوقائع والأحداث.
جعل طه حسين ديكارت، حصان معركته ضد القديم،فأدخل الشك المنهجي الديكارتي في الثقافة العربية،بعد أن أبهرته الثقافةُ الغربية التي كان يرى أن ديكارت،هو صانعُ مجدها التنويري.لا شك أن طه حسين قد وطّد علاقته بالحداثة من باب “خطاب المنهج”،le discours de la méthodeلاسيما مقدمة الكتاب،التي أعلن فيها فيلسوفُ الكوجيتو(je pense donc je suis )”شمولَ الفطرة السليمة أي العقل،جميعَ البشر”،ليصلَ إلى القول أنه”لايكفي أن يكون العقلُ سليماً،بل الأهم من ذلك هو أن نستعملَه استعمالاً جيداً”،وبالتالي فإن القدرةَ على الحكم العقلي الصالح وتمييز الخطأ من الصواب يجب أن يُنْظم بالمنهج”،وللمنهج قواعدَ وشروطٍ،يجب على من يعتمدُه الحرصَ على الالتزام بها وتطبيقِها بدقة من أجل بلوغ المعرفة التي لا يرقى إليها الشك.
١-نصير الحداثة
متسلحاً بثقافة واسعة الأمداء وبمنهجية ديكارتية صارمة، باشر طه حسين،وهو أستاذ في قسم اللغة العربية في الجامعة المصرية التي أصبحت سنة١٩٢٥جامعة القاهرة الرسمية،محاضراتِه في الأدب العربي لاسيما في الشعر الجاهلي، مفتتحاً بمحاضرة عامة،تناول فيها،مسألةَ التمييز بين أنصار القديم وأنصار الحديث،حيثُ وجدَ أن الآخذين بالقديم ،طريقُهم سهلٌ،لأنهم لا يشككون بالمعارف الرائجة عن الشعر الجاهلي،يرددون ما قاله غيرُهم،لا يتشوفون إلى جديدٍ يضيفونه أو نقدٍ يتناولون به هذا الشعر لاسيما من جهة شروط إنتاجه وقواعد تفسيره،أما الآخذون بالحديث،فمهمتُهم شاقة وطريقُهم عسيرةُ ومحفوفة بالمخاطر،لأن هدفَهم التفكيرُ و البحثُ عن الحقائق وإعلانُ ما يتوصلون إليه بعيداً عن قبولِ الناس أو رفضهم له،انطلاقاً من أن الصدقَ والأمانةَ والصراحةَ صفاتٌ يجب أن يتحلى بها كلُّ عالِم.وبصفته واحداً من أنصار الحديث،يضع طه حسين مقدمةً لطريقته في البحث،القاعدةَ الأولى من قواعدِ المنهج الديكارتي**،بعد أن أعادَ صياغتها بلغة أدبية،مبسّطة،يستطيع أن يفهمها كلُّ من يُحسنُ القراءةَ،يقول:”أريدُ أن أصطنعَ في الأدب، هذا المنهجَ الفلسفي الذي استحدثه ديكارت للبحث في حقائقِ الأشياء في أولِ هذا العصر الحديث…القاعدةُ الأساسية لهذا المنهجrègle de l’évidence هي أن يتجرّدَ الباحثُ من كل شيءٍ كان يعلمُه من قبل وأن يستقبلَ موضوعَ بحثه،خالي الذهن مما قيل فيه خلوّاً تاماً”(في الشعر الجاهلي،القاهرة،١٩٢٦،ص١١).
لم يكن اختيار طه حسين المنهج الديكارتي فقط تعبيراً عن تقديره لريادته المعرفية وصرامة بِنيته،وإنما بسبب فاعليته الحاسمة في تحديث الفكر الغربي،وفي إحداثِ تغييرٍ دامغ في معاييرِ التفكير،وتأثيرٍ جذري في ميادين العلم والفلسفة والأدب والفن،أضفْ إلى ذلك، أن العصرَ الحديث كان في نظر طه حسين، عصرَ الديكارتية ومنهجِها المتقدم في الثقافة الغربية،ما يعني أن اللحاقَ بالغرب وبالحداثةِ التي يُنتجها،يوجب على المصريين والعرب عموماً التوسل بهذا المنهج والتمكّن من خصائصه المعرفية.
العقلانية النقدية
والسؤال الذي يفرض نفسه،كيف للعرب أن يتمكنوا من هذا المنهج ويستفيدوا من تقديماته المعرفية في مسيرة تحديث أدواتهم في التفكير المجدي والمساءلة النقدية؟
لم يتردد طه حسين،المتسلح بالعقلانية النقدية،أمام تحقيق هذا الهدف،في الدعوة إلى التحرر من سلطتي الدين والقومية،وما يثيرانه في النفوس من الأهواء والعواطف والانفعالات،ما يعني تحرير العقل المصري والعربي عموماً من العوائق التي تنسجُها الأيديولوجيا،بتجلياتها المختلفة،وتسدُّ بها على الانسان مسالكَ التحرر وشروطَ التفكير المبدع والخلاق.يقول:إذا حررنا أنفسَنا إلى هذا الحد فليس من شكٍّ في أننا سنصلُ ببحثنا العلمي إلى نتائجَ لم يصل إلى مثلها القدماءُ”.لم يفتْ طه حسين في سياق دفاعه عن منهج ديكارت أن يشيرَ،إلى أن جدواه تتجاوز القيمةَ العلمية والأكاديمية،إلى الحياة الاجتماعية،ومنها تحديداً،المسألة الأخلاقية،دون أن يتوسع في تفصيل هذا الجانب، مكتفياً أيضاً بالقاعدة الأولى من قواعد المنهج، معتبراً أن تطبيقها الصحيح يستبطن وجوب الأخذ بالقواعد الثلاث المتبقية،المتصلة بالتقسيمrègle de la division(تجزئة المشكلة)والتدرّجrègle de l’ordre(من البسيط إلى الأكثر تعقيداً)والإحصاءrègle du dénombrement(للتيقّن من عدم إهمال شيء).(راجع:جورج زيناتي،الفلسفة في مسارها).
٢-في الأدب واللغة الأدبية
استثمر طه حسين هذه العدة المنهجية، في معركة إصلاحِ الأدب،فدعا، عند دراسته،إلى إتقانِ اللغات السامية وآدابِها،لاسيما اللغتين اليونانية واللاتينية،والإطّلاعِ على التوراة والإنجيل والقرآن،والتزوّدِ بما تحتويه من معارفَ،فالأدبُ المثمر هو الأدبُ المنفتحُ على علومٍ مختلفةٍ تعينُه وعلى ثقافاتٍ متعددةٍ تغنيه.
بلغت جرأةُ طه حسين حدَّ المطالبةِ بتحرير اللغةِ العربية وآدابها من العوائقِ التي تحولُ دون تجدّدِها،وإعتاقِها من المهام الإيديولوجية التي رافقت تدريسها متوخية كيلَ المديح إلى أهل السنة وذمِّ المعتزلةِ والشيعة والخوارج والكفّار، فليس في ذلك منفعةٌ علمية للغة وآدابها،وبالتالي،فالأدبُ العربي برأي عميده،يجب أن يدرَّس كما سائر العلوم التي ظفرت بحريتها ،فاللغة العربية وآدابها شيء، والتبشيرُ بالإسلام شيءٌ آخر،وعلى رجالِ الفكر والكتابِ أن يرفضوا توجيهاتِ الساسةِ من أهل السلطةِ والسياسة في هذا المجال،ويمتنعوا عن جعل أنفسهم أدواتٍ في أيديهم، يُفسدون بها العلمَ والأخلاق.
٣—في قيمة الأدب الجاهلي
في ضوء هذا التفكير الصارم،والمنهج القائم على الشك والنقد التاريخي،يصل طه حسين إلى التشكيك في قيمة الأدب الجاهلي وينتهي إلى أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدباً جاهلياً ليست من الجاهلية في شيء،إنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام،فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثل أهل الجاهلية،وما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جداًوهو أقل من أن يعبّر عن الصورة الأدبية الحقيقية لهذا العصر،وبالتالي،من الوجهة اللغوية والفنية الصرف،فإن الشعر المنسوب لامرئ القيس أو للأعشى أو لغيرهما،يستحيل أن يكون قد قيل أو انتشر قبل ظهور القرآن،والاستشهاد به في تفسير القرآن أو تأويل الحديث يقع في غير محله،بل الأصوب أن يستعان بالقرآن على تفسير هذا الشعر وتأويله(راجع:في الشعر الجاهلي).
لم يتوقع طه حسين أن هذه المقاربة النقدية للشعر الجاهلي،سوف تقوده إلى القضاء،فما أن جمعت هذه المحاضرات وصدرت في كتاب تحت عنوان”في الشعر الجاهلي” وانتشرت بين الناس،حتى أحدثت صدمة كبيرة،ما تزال آثارها إلى اليوم ،لوحق جراءها المؤلف أمام العدالة،وانتهى الأمر بتسوية،قبل بها طه حسين،تقضي بحذف أجزاء من الكتاب،مقابل أن يُقفِلَ المدعي العام القضيةَ،حصل ذلك في آخر أذار ١٩٢٧.لكن الكتاب،أعيدَ إصدارُه بعد فترة وجيزة،تحت عنوان جديد “في الأدب الجاهلي”بدل””في الشعر الجاهلي.
قد يتساءل البعض،هل كان طه حسين بحاجة إلى ديكارت لكي ينجزَ قراءةً نقدية للثقافة العربية المهيمنة،للأدب العربي وللشعر الجاهلي تحديداً؟
يترجّح الإعتقادُ عند متابعي فكرِه حولَ”المتوسطية”،وراصدي إصراره على القول بأن المصريَّ والأوروبي واحدٌ لأنهما ينتميان إلى حضارة واحدة،أن الرجلَ،في اختياره لديكارت،كان يرمي إلى أمرين اثنين،الأول،الإفادة من منهجه في نقد الماضي، والثاني رسالة إلى الحاضر،حاضر المجتمع المصري في زمانه،من مفكّر مستنير،ومثقف متجاوز للكثير من الممنوعات والمحرمات،يرى في التزام المجتمع المصري والعربي عموماً بالقراءة العقلانية لتاريخه،وبالمراجعة النقدية للمدوّن من النصوص والوقائع والأحداث،ابتغاء الكشف عن المهمش والمسكوت عنه، يستطيع أن يُحدِثَ صدمةً إيجابية محرِّرةً،تؤسس لجسر جديد،يصلُ الشرقَ بالغرب،والعالمَ العربي بأوروبا.
لكن،
يبدو في ختام هذه المقالة،أن حظَّ طه حسين،مع البيئة الثقافية المهيمنة،لم يكن أفضلَ من حظِّ أسلافه العقلانيين العرب على امتداد التاريخ العربي والإسلامي،لم يستطعْ أن ينجحَ حيثُ فشِلوا،دفعَ مثلَهم أثماناً،ومثلَهم سقط تحت ضرْباتِ القراءاتِ الدينية المتعسفةِ والأيديولوجياتِ القومية الصارمة،فشِل في تبيئة العقلانية الديكارتية وفي إقامة المصالحةِ بين الحداثة الأوروبية والثقافةِ العربية والاسلامية السائدة،ازدادت الهوّةُ عمقاً بين العقلِ واللاعقل،غابت التنميةُ وعمَّ الفقرُ والتعصّبُ والفرقةُ،ضرب العنفُ في كل مكان،سادت الحميةُ على حساب الرويّةِ،والاستبدادُ على حساب الحريةِ،وخسِرَت القيمُ الإنسانية مكانتَها في أخلاقيات الحكامِ والمحكومين،وبات كلُّ شيءٍ مباحاً أمام سلطةِ الجهل وسيادةِ المقاصدِ والغاياتِ الحبلى بالشرورِ والمفاسد.
هذا ماتقولُه الأرضُ…
يكفي أن نصغيَ بصدق لما تقولُه ، لكي نتيقّنَ من عِظمِ المآسي التي تضرب مجتمعاتِنا،جراءَ التغييبِ المدوّي للعقلانية والافتئاتِ الصارخ على الحرية،المثنّى الناظم لحياة الأفراد والجماعات والضامن لنهوضها المشرق،وبناءِ مستقبلِها الواعد.
الهوامش:
*_طه حسين(١٨٨٩-١٩٧٣)
أديب وناقد مصري،لُقِّب بعميد الأدب العربي،درس في الأزهر ثم التحق بالجامعة الأهلية حين افتُتِحت عام١٩٠٨،حصل على شهادة الدكتوراه عام ١٩١٤،ثم ذهب في بعثة إلى فرنسا ليكمل دراسته،عاد إلى مصر ليعمل أستاذاً للتاريخ ثم أستاذاً للغة العربية،ثم عيِّن عميداً لكلية الآداب ثم مديراً لجامعة الإسكندرية،ثم وزيراً للمعارف،من أشهر مؤلفاته،”في الشعر الجاهلي”١٩٢٦و”مستقبل الثقافة في مصر”١٩٣٨.
**_قواعد المنهج الديكارتي الأربع:
١-“أن لا أسلّم بأمر ما على أنه حقيقة، إذا لم أعرفه بوضوح تام، أي أن أتجنّب بكل دقة، التسرع والأحكام المسبقة وألا أضع في أحكامي إلا ما يبدو لي واضحاً جلياً مما لا يدع مجالاً للشك فيه…والمعرفة التي نستطيع أن نبني عليها حكماً يقينياً، يجب ألا تكون واضحة فحسب ،بل في غاية الجلاء”.(قاعدة الوضوح).
٢-أن أقسّم كل مشكلة أبحثها إلى أكثر ما يمكن من الأجزاء، ليتسنى لي حلّها بصورة أفضل.(قاعدة التقسيم)
٣-أن أضع نظاماً في تفكيري، فأبدأ في الأمور الأكثر بساطة والأقرب منالاً،حتى أرتقي شيئاً فشيئاً وعلى سبيل التدريج،إلى إدراك الأمور الأكثر تعقيداً.(قاعدة التدرّج).
٤-أن أقومَ دائماً بإحصاءات كاملة، وإعادة نظر شاملة، تجعلني على يقين، من أنني لم أُهمل شيئاً.(قاعدة الإحصاء).