(عن/من) الأديان (إلى) السؤال الدِّيني: الجزء الثاني

تكوين

افتتحتُ الجزء الأول من مقالتي: (عن/من الأديان إلى السؤال الدِّيني)[1] بحديثٍ عن الدِّين الإسلامي، ممثلًا بجُملة من الفِرق والمذاهب كما أرَّخَ لها الإمام الشهرستاني في كتابه (المِلَل والنِّحَل)[2]، وكنتُ قد أشرتُ إلى أنني ابتدأتُ بحديثٍ عن تمثُّلات الدِّين الإسلامي، نظرًا لتعالق هذه التمثُّلات مع الأُطر العامة التي تحتكم إليها المجتمعات العربية، سواء في شكلها الفكري أو في تطبيقاتها العملية، منذ زمن بعيدٍ وحتى وقتنا الرَّاهن، بعد ذلك عُدت خطوة إلى الخلف لألقي الضوء على السيرة الدِّينية للإنسان في عصوره القديمة، أو في بداءات ولاداته الرُّوحية، فتحدثتُ عن أنماطٍ مُتعدِّدة من الممارسات والطقوس التي ارتبطت بقوى غير مرئية، كما هو الأمر لدى: 1- الطوطمية و2- الشامانية، وبعضًا من الديانات البدائية: 1- الباليوثية و2- النيوليثية، ولأنجاز ذلك عُدتُ إلى الجزء الأول من (موسوعة تاريخ الأديان)[3] المُـتعلقة بالشعوب البدائية والعصور الحجرية.

الجزء الثاني من هذه المقالة افتتحه بحديثٍ عن الأديان الأكثر تطورًا من ناحية معرفية مما سبقها، ففي كتاب (المعتقدات الدينية لدى الشعوب)[4] جاء الحديث بداءةً عن بلاد ما بين النهرين، إذ بدأت “نشأة الدين وتطوره في منطقة ذات أجناس وثقافات مختلطة ظهرت فيها فيما بعد ديانات التوحيد الكبرى: اليهودية، والمسيحية، والإسلام التي تدين جميعها ببعض الدَّين، للمراحل المُبكرة من الفكر الديني في بلاد ما بين النهرين موطن السومريين والبابليين والآشوريين”[5].

فقد “اعتقد السومريون وفقًا لما تقوله عقيدتهم الدينية -وقد بقي قائمًا في نصوص مُفصلة منذ فجر العصر البابلي القديم حوالي 1900 ق.م- أن لكل موجود كوني أو ثقافي قواعده وقوانينه الخاصة التي تجعله يستمر في الوجود إلى الأبد وفقًا للخطة التي وضعها الإله الذي خلقه، وهي تسمى “مه me” بالسومرية، وهناك قائمة (مه) وتشمل (السيادة، الألوهية، التاج، العرض، الملك، الكهانة، الحقيقة، الهبوط إلى العالم السفلي والصعود منه، الفيضان، الأسلحة، المعاشرة الجنسية، القانون، الغنى، الموسيقى، القوة، العدوان، الأمانة، تدمير المدن، الصناعات المعدنية، الكتابة، الضجر، الانتصار، القلب المضطرب، الحكم والقضاء) غير أن هذه التناقضات الظاهرة في تعدد الآلهة polytheism لم يكن يُثير قلقًا عند رجال الدين السومريين، وعندما حَلَّ عصر فاره Fara حوالي 2500 ق.م وضع السومريون مئات الأسماء المقدسة وصنفوا كلًّا منها على أنه إله، (والإله في السومرية هو دينجر Dingir) وفي السامة ايل- و وكتبوا هذه الأسماء مع تصجيرها بعلامة لأحد النجوم، ولكل إله أو إلهة خاصية مميزة ومناطق مسؤولية محدد، رغم أن كثيرًا منها آلهة ثانوية، لكنهم يجمعونها في أسرة تلتف حول إله قوي بوصفها زوجات أو أبناء أو موظفين أو خدمًا[6].

أما في مصر القديمة فقد “احتفظ علم الآثار من بقايا مصر القديمة بالشيء الكثير الذي يرتبط بالدين أكثر من ارتباطه بالحياة الدنيوية، وهذه المادة الدينية هي في الأعم الأغلب جنائزية الطابع… فالمادة التي استخدموها في إقامة مبانيهم هي في الغالب أرق كثيرًا من المواد المُستخدمة في تشييد القبور، فقد شُيدت القبور في الصحراء بعيدًا عن المناطق الآهلة بالسكان وبعيدًا عن الأرض الزراعية، ولهذا كانت فرص بقاء المباني الجنائزية على الدوام أكبر بكثير، بغض النظر طبعًا عن خطر لصوص المقابر، أما أن المصريين قد استهدفوا عن وعي الدوام لقبورهم فهذا ما تكشف عنه عبارة دار الخلود التي تستخدم كثيرًا للدلالة على القبر، ويبدو أن الهرم كان هو أفضل وسيلة لتحقيق هذا الدوام، وأول خطوة اتخذت في هذا السبيل هي هرم الملك زوسر من الأسرة الثالثة الذي صممه مهندسه أمنحوتب، وهو أول بناء حجري ضخم يُشَيَّدُ في التاريخ”[7].

إضافة إلى هذا فقد “كان للظروف التاريخية والسياسة أثرًا واضحًا بصفة مستمرة في الاتجاهات الدينية في مصر، فعندما تكون لك آلهة محلية منفصلة فذلك أمر طبيعي في منطقة مثل المنطقة الواقعة جنوب الدلتا التي لم تكن سوى وادٍ طويلٍ لنهر يمتد حوالي ألف كيلو متر (حوالي 600 ميل) ومع التوحيد السياسي للبلاد، أصبح إله المدينة العاصمة في الحال قائدًا لجميع الآلهة، واتجهت ديانته لاستيعاب الديانات الأخرى، وهكذا نجد أنه مع وجود ديانات أخرى كثيرة للصقر، فإن سيادة ديانة حوريس الإله الصقر الذي تَوحد مع فرعون الحي، تعني أن الديانة الملكية استوعبت الديانات الأخرى، فقد ظهر الإله حوريس في لوح مينا المبكر مصورًا انتصار مصر العليا على مصر السفلى بوصفه حدثًا تم بفضل الإله وبتوجيه منه، وفي ألواح مبكرة أخرى يبدو الإله وهو يقود إحدى العشائر متحدًا مع رئيسها. وذلك إنما يوحي بنظام يرجع إلى ما قبل التاريخ ويشبه العبادة الطوطمية Totemism.[8]

أما يونان القديمة فقد حضرت في الأذهان بوصفها موطنًا من جهة لجُملةٍ من أشهر الفلاسفة[9] عبر التاريخ كله، وبوصفها حاضنةً من جهة أخرى لمُجمع الآلهة، وعلى رأسهم الإله “زيوس” الذي يُقيم -إضافة إلى مجموعة أخرى من الآلهة- على قمة في جبل الأولمب[10]،  ففي “الشعر الذي يُنسب عادة إلى هوميروس يظهر مجمع الآلهة في جبال الأولمب أشبه بالمجتمع البشري، لكنه مكتوب بأحرف كبيرة فزيوس هو السيد المسيطر والقائد الأعلى، ثم هناك بعد ذلك بعض التخصصات في الوظائف: فهيرا Hera  هي حارسة الزواج، بوزيدون يحكم البحر، أفروديت هي قوة الحب، آرتيمس Artemis هي ربة الطبيعة البرية، أما أثينا فهي –بالإضافة إلى خصائصها الحربية- ربة الحكمة وراعية الحرف الفنية، كما أن ديميتر Demeter أصبحت الأرض الأم وارتبطت بصفة خاصة بحصاد القمح، وأما الإله أبوللو المطهر والمركز الرئيس لعبادته مزدوج أيضًا فهو في ديلوس وفي دلفي، كما أنه يرتبط ارتباطا مزدوجا بالشمال والشرق، وهذا يشير إلى أصله المُركب، ويوحي لقب فويس بأنه إله الشمس الذي يُرسل أشعته فتنشر الوباء كالسهام، والذي يستطيع أن يعالج الطاعون كما يستطيع أن يأتي به… أما الإله هرمس Hermes فهو ركام من حجارة أو كومة من الحجارة توضع في جانب الطريق للتوقير، ولهذا أصبح مرشدًا للمسافرين والتجار ورسول الآلهة الذي يُرافق الموتى، وهو بصفة عامة المحتال النشط… وبسبب ذكر هوميروس لسلالات من الآلهة اليونانية القديمة في أشعاره، فقد وصفت قصائده –أي قصائد هوميروس- بأنها “إنجيل الإغريق، فقد كانت مسئولة أكثر من أي عامل فردي عن تثبيت وتدعيم صورة الآلهة الشبيهة بالبشر في أذهان الناس”[11].

وفي روما تطورت المظاهر الأساسية لثقافة الأتروسكين –سكَّان إيطاليا الأصليين- في إيطاليا شمال نهر التيبر Tiber في القرنين السادس والسابع قبل الميلاد، وهو شعب يعتمد من الناحية الاقتصادية على الزراعة والتعدين، ويعتمدُ من الناحية السياسية على أساس دولة المدنية التي ترتبط بحلف مركزه الديني قرب فوليسيني Volsinii حيث يوجد معبد الإله أطلق عليه الرومان اسم فيرتومنوس Vertumnus. وتقع آلهة الأتروسكين في ثلاث مجموعات: فهناك أولًا، مجموعة من الآلهة تحمل أسماء أتروسكانية خالصة، ولا نعرف عنها إلا القليل، فقد توحد بعضها مع آلهة اليونان والرومان مما يحمل على الظن أن وظائفها متماثلة.

وهكذا أصبح يُنظر إلى الإله تينا Tinia على أنه جوبيتر، وإلى الإله ستلانز Setlans على أنه قولكان، وتوحد الإله ترمز Turms مع عطارد والإلهة توران Turan مع فينوس ونورشيا Nortia مع فورتونا Fortuna  أما المجموعة الثانية، فقد استعاروها فيما يبدو من جيرانهم الإيطاليين، إذ يمكننا أن نتعرف على آلهة رومانية مألوفة بين آلهتهم من أمثال آني Ani وهوجانوس Janus وأوني Uni وهو جونو ومنرفا Mnrva  وهي مينيرفا ونيتونس Nehuns نبتون Nepyune. وأما المجموعة الثالثة، فقد أخذوها من المُستعمرات اليونانية في الجنوب ومنها الإله آيتي Aite وهو هاديس وأبلو Aplu وهو الإلهة أبولو، والإلهة ارتيمي Artimi وهي آرتيمس وشارون Charun هو خارون Charon وهرقل هو هركيوليس Hercules وبرسيبيني persipnai وهي الإله بيرسفوني[12] Persephone.

وفي إيران القديمة التي برزت فيها الديانة الزرادشتية[13] وعُرفت كثيرًا في بلادنا العربية بسبب القُرب الجغرافي والتأثيرات المعرفية بين الثقافتين، إلى درجة تداخلهما كثيرًا بإزاء بعضهم الآخر، فالزرادشتية علامة بارزة في الثقافة الفارسية وهي على درجة عالية من الحضور في أذهان الناس على اختلاف مستوياتهم المعرفية، ليس في الثقافة العربية فحسب، بل في عموم الثقافة العالمية بالأحرى، لكن ثمة حركات حضورها أقلُّ في الأذهان مثل: 1- الزرفانية، التي نشأت نتيجة عدم اقتناع كثير من الإيرانيين بإلهي زرادشت، فالإلهان: أهورامزدا وأهرمان لدى زرادشت أصبحا عند الزرفانيين شيئًا واحدًا صدرَ عن واحدٍ لا تَمايز فيه يجاور كل ثنائية ويُسمى زرفان Zurvan وهو لا متناهٍ في الزمان والمكان، فزرفان هو الإله ذو الوجوه الأربع وتمثل هذه الأوجه أو الصفات: الإنجاب والميلاد والشيخوخة والعودة إلى اللامتناهي، كما تُمثل عصور العالم، وهكذا نرى داخل الواحد جميع مظاهر الحياة: النور والظلمة والحرارة والبرودة[14] .

2- الديانة المترية Mithraism

كان مترا الإله الآري الأصل يُعبد في إيران بوصفه إلهًا للعقود والاتفاقيات (وكلمة مترا تعني فعلا العقد أو الاتفاق)، وهو يحفظ الحق والنظام ويقضي على القوى المُفَرِّقَة: قوى الشر والغضب والجشع والتكبر والمماطلة وجميع الأشرار من الآلهة والبشر، وهو يوصف بأنه محارب قوي جبار، وهو الذي يتعبد له المحاربون وهم على ظهور جيادهم قبل ذهابهم إلى المعركة، وبوصفه حارسًا للحقيقة فهو قاضي الأرواح بعد الموت، وبوصفه الحافظ للاتفاقات والعقود فهو الذي يُحدد متى تنتهي فترة حكم الشيطان وينتظر قدومه وسط مظاهر الخنوع والذل في أيام النصر[15].

3- المانديون: Mandeans

المانديون أو النازوريون Nazoreans، فرقة صغيرة لا تزال موجودة في جنوب العراق ومجاورة لإيران، ويَدَّعى أعضاؤها أنهم من سلالة يوحنا المعمدان، ويعتقدون أن أسلافهم فروا إلى بارثيا Parthia عندما سقطت أورشليم، ومفرداتهم اللغوية ومذهبهم الرمزي خليط من العناصر السامية والإيرانية التي يغلب عليها المضمون الغنوصي، وأول إعداد لطبع نصوصهم المكتوبة بالماندية كان في اقلرن الثامن الميلادي وإن كانت محتويات هذه النصوص أقدم من ذلك بكثير، وهم جماعة سرية خفية للغاية والكهنة هم وحدهم المسموح لهم بقراءة أكثر النصوص الدينية أهمية[16] .

فإيران القديمة كانت بلا شك منطقة جذب ديني كبير، ففيها نشأت ديانات عليا: الزرداشتية والمانوية، ما يزالُ أثرها واضحًا وبارزًا حتى وقتنا الحاضر[17]، كذلك الأمر عند الهند التي نشأت فيها هي الأخرى جُملة من الأديان القديمة العُليا من أبرزها الدِّيانة الهندوسية، التي تُعد “الديانة السائدة في شبه القارة الهندية الواسعة، وقد أثّرت بعمق منذ بداية تاريخها في حياة ملايين لا تحصى من أبناء الشعب الهندي وأفكارهم من المهد إلى اللحد، وتركت انطباعًا لا يُمحى في ثقافة الهند بكاملها: في فلسفتها وفنها وعمارتها وأدبها وسياستها وعلمها الاجتماعي[18]، وهي ديانة [أي الديانة الهندوسية] تعبد الإله فشنو Vishnu أو شيفا Shiva أو الإلهة شاكتي Shakti أو تجسيداتهم أو مظاهرهم أو أزواجهم أو ذرياتهم، وهكذا يندرج ضمن الهندوسيين عدد كبير من أتباع عبادة راما وكرشنا Rama & Krishna وهما تجسيدان لفشنو، وأتباع عبادة درجا Durga وسكاندا Skanda وجانيشا Ganesha وهو على الترتيب زوجة شيفا وابناه[19].

وتُعدُّ نصوص الـ ريج فيدا Rig- Veda “وثيقة ذات أهمية تاريخية لا تقدَّر، فهي ليست أقدم عمل أدبي في لغة من لغات الهند-أوروبية فحسب، وإنما هي أقدم الكتابات الدينية الحية في العالم، إذ تحتوي المجموعة [مجموعة نصوص الـ ريج فيدا] على 1028 ترنيمة لآلهة الفيدا، أما المجموعات الأخرى أو السامهيتا Samhitas فقد كُتبت لخدمة احتياجات الإنشاد Sama Veda أو كدليل موجز لعمليات الأضاحي أو تقديم القرابين التي تؤدي فيها الترانيم دورًا حاسمًا، وفي حين أن هذه المجموعات الثانوية تكرر كثيرًا من مواد الـ ريج فيدا وتعيد تنظيمها لأغراضها الخاصة، فإن مجموعة رابعة هيا لمسماة بالـ أثارفا فيدا Atharva Veda وهي تتميز عن المجموعات الأخرى لأنها تشملُ عديدًا من الرُقى والتعاويذ لأغراض طبية، وعلى طلاسم سحرية تساعد على الانتصار في المعركة وما شابه ذلك، وتكتمل مجموعات الفيدا بسلسلة من الكتب تسمى البرهمانا Brahmanas (600-800 ق.م) وهي مُخصصة لشرح الترانيم وتطبيقها في الطقوس الدينية، والميثولوجيا وتأملات في التشابه الصوفي بين العالم الكبير Macrocosm والقربان نفسه، وتكتمل كتابات الفيدا بسلسلة ثالثة من الكتب هو أرانياكا Aranyakas (600 ق.م) واليوبانيشاد (600- 300 ق.م) اللذان يصوران هذه التأملات ويسيران بها إلى حافة الفلسفة الواحدية”[20].

البوذية:

مثَّلت الديانة البوذية إلى جانب الديانة الهندوسية جزءًا كبيرًا من معالم التطوُّر الرُّوحي للإنسان القديم، وفي آسيا الموطن الأصلي للبوذية تُعرف باسم “بوذا- ساسانا Buddha- Sasana أعني طريقة الحياة أو نظام الواحد المُتيقظ وهو البوذا، وهو يُعرف أيضًا باسم بوذا- داهما Buddha- Dhamma وتعني الحقيقة الخالدة للواحد المُتيقظ”[21].

البوذا جوتاما مُنشئ الديانة البوذية كان “ابنًا لأحد قادة قبيلة سكيا Sakya التي كان موطنها مدينة على تلال الهملايا تُسمى كابيلافاستو Kapilavastu، وتقع في الإقليم الذي يُعرف اليوم باسم نيبال، فها هنا في التلال الواقعة أسفل جبال الهملايا نشأ الشاب سدهاتا Siddhatta وقضى فترة رجولته المبكرة، وتزوج وأنجب ابنًا هو راهولا Rahula وبدأ سدهاتا ينشغل ويقلق بمشكلات أزلية مثل: لماذا يُولد الإنسان؟ هل يولد فقط ليعاني المرض، ثم تُنهكه الشيخوخة وفي النهاية يموت؟”[22]

وقد تجلَّت تعاليم الديانة البوذية في شخص سدهاتا بعد أن مرَّ بطور الزُّهد بعد أن تخلَّى عن حياة الرفاهية، ثم طور العزلة، ثم طور التأمُّل، ثم طور الاستنارة، ثم طور نشر التعاليم بعد أن بدأت تظهر معالم الجماعة البوذية، إذ التحق مجموعة من التلاميذ ببوذا “وبدأوا بتعلم طريقته التي تُفضي إلى فهمٍ تام وعميق للحقيقة”[23]، وتدريجيًّا أخذت البوذية بالتمدُّد والانتشار وعندما تُوفي بوذا في سن الثمانين كان قد أصبح شخصية شهيرة ومحترمة للغاية، كما كان له أتباعًا ومؤيدين من الأغنياء والفقراء على السواء”[24].

ومع هذا التمدُّد والانتشار كانت العقيدة البوذية قد قَرَّت على حقائق أربع وهي:

“الحقيقة الأولى: التأكيد على أن الوجود الفاني كله يتسم بالدوخا Dukkha، وهي كلمة تشمل جميع المعاني التي تحملها كلمات المرض والشر والضيق والسُخط والنقص والداء أو العلة، فهناك أوقات في حياة الإنسان –قد تمتد فترات طويلة- لا يدرك فيها المرء عن وعي هذه الخصائص كلها، ولكنها تؤكد نفسها في النهاية، ويمر المرء بتجارب مرة فيشعر أن الأشياء ليست على نحو ما ينبغي أن تكون عليه، ولا كما يتمنى لها المرء أن تكون، وكلما كانت حساسية الإنسان مُرهفة ازداد وعيه بهذه الحاجة الأساسية لكل وجود فان، والحقيقة الثانية، هي ما يُسمى بالسامودايا Samodaya أو نشأة هذا الإحساس بالضيق، وهو يأتي من الشهوة أو الرغبة، ويُقصد به عطش الروح البشري الدائم إلى استهلاك الأشياء أو التجارب أو الأفكار، وهو في الواقع ميل الفرد إلى التحكم في البيئة من حوله واستغلالها في إشباع ملذاته، والحقيقة الثالثة، هي النيروذا Nirodha أو كَفُّ الرغبة، أي وضع حد للرغبة الفردية، الأمر الذي يعني كذلك وقف تجربة الدوخا وهذا التوقف يُعادل النرفانا وهي الحالة المثالية للوجود، فأن تكون في هذه الحالة المُثلى معناه أن تكون في حالة النبوتا Nibbuta وهي كلمة تستخدم في الحياة اليومية في الهند، وكانت تعني في عصر بوذا البرودة، بمعنى حالة البرودة التي تعقب الحمى أعني حالة الصحة والعافية، ولقد كانت كلمة النبوتا تعني في الاستخدام البوذي الخاص وصفًا للإنسانية المثالية التي هدأت أو بردت من حرارة الانفعالات الرئيسة الطاغية: من الكراهية والجشع والوهم، والأفضل من ظلام الروح أو عمى الروح، والحقيقة الرابعة، أن هناك طريقًا يُمكن أن يسلكه المرء لإيقاف الرغبة والوصول إلى مثل هذه الصحة وإلى مثل هذه الحالة النقية من الوجود… وهذا هو الطريق Magga الذي أراده بوذا والذي يمكن كذلك للآخرين أن يتعلموا كيف يسلكونه”[25].

وفي العموم تنقسم البوذية إلى قسمين رئيسين هما: “المهايانا والهنايانا، لكن من الخطأ النظر إلى هذين القسمين بوصفهما يُمثلان انقسامًا أو انشقاقًا يُشبه ذلك الذي حدث في التاريخ المسيحي بين الكنيسة الرومانية والأرثوذكسية اليونانية أو بين الكاثوليكية الرومانية والبروتستانتية… فالاختلافات بينهما هي بالضبط اختلافات في التشديد على جوانب معينة… فطابع البوذية وروحها غريب تمامًا عن التعصب الأعمى تجاه أولئك الذين يختلفون معها في الرأي”[26].

السيخية:

“تُعرض تعاليم المعلم الروحي ناناك[27] [مؤسس الديانة السيخية] في العادة على أنها مزيجٌ مُلفَّقٌ من تراث الهندوس وإيران المسلمين، وتلك مُبالغة مُسرفة في التبسيط ينبغي رفضها رفضًا تامًا حين يُعَبَّرُ عنها بأنها خليط من الهندوسية والإسلام، صحيح أن تعاليم ناناك تُمثل بالفعل مُركبًّا، غير أن العناصر التي يتألف منها هذا المركب لا يُمكن تعريفها أبدًا بأنها جمع بين الهندوسية والإسلام، مهما يكن هذا التعريف مرنًا فضفاضًا، لقد كان المُركب الذي عَبَّرَ عنه المُعلم ناناك… مذهبًا system تطورت عناصره الجوهرية من قبل، فقد وجدت على عهده مجموعة متنوعة من الإيمان الديني يُشار إليها الآن باسم نرجونا سمبراديا Nirguna Sam Pradaye أو باسم تراث سانت Sant Tradition للهند الشمالية. وكان كابير[28] Kabir هو أعظم شراح هذا التراث قبل ناناك.

ويُخلَطُ عادةً بين هذا التراث وتراث فشنافا بختي Vaisnana Bhakti (المُخصص لعبادة تجسيدات فشنو) ولا شك أن الأخير يقدم بعض المكونات الرئيسة لتراث سانت، لكن الاثنين ليسا شيئًا واحدًا على الإطلاق، لقد أضيفت إلى تراث فشنافا عنصرًا أساسيًّا رغم تغيير شكله من عناصر اليوجا التنترية Tantric Yoga بجانب قدر ضئيل من تأثير التصوف الإسلامي، وكانت النتيجة نمطًا من الإيمان يؤكد أهمية الخصائص الفشنافية Vais Nava في عبادة المحبة، ولكنه يختلف عن الفشنانية بختى في نقاط مهمة، فقد رُفضت نظرية الأفتار Avatar (التجسيد) الإلهي واستخفت بعبادة الأصنام وذكرت أهمية التمسك بدقة بالعبادة الباطنية، وأُعلن أن هذا النمط من التأمل الباطني ليس هو الطريق السهل للبختى التقليدية، وإنما هو طريق ضيق لا يمكن أن يأمل في السير عليه سوى القلة… وقد تضمنت تعاليم المعلم ناناك في الكتب المقدسة للسيخ على “وحدانية الله وهو مفهوم فسره المعلم ناناك تفسيرا واحديا، فالله شخصي وواحد وهو الخالق المفارق المتعالي الذي يجب أن يرتبط به ارتباطًا وثيقًا أولئك الذين يبحثون عن الخلاص… وكي يُحقق الساعي في الخلاص هذه الغاية عليه أن يدخل في نظام للعبادة، وأن يُثابر على تطبيقه بانتظام حتى يبلغ الانسجام النهائي، وهذا النظام كما أوضحه ناناك لا علاقة له بالشعائر الخارجية، كطقوس العبد أو صلاة المسجد أو الحج أو الزهد. إن المقصد الوحيد المقبول للحج والبيت الوحيد الذي يمكن قبوله للعبادة هو القلب البشري الذي ينطق فيه المعلم الروحي بالكلمة الإلهية، والمصطلح الذي يُستخدم غالبًا للتعبير عن النظام الذي يُعلمه المعلم ناناك هونام سمرام Nan- Simram (تذكر الاسم الإلهي)، وقد كان التكرار الآلي لكلمة معينة أو لمقطع من كلمة مقدسة يُعين ممارسة محددة للعبادة، لكن المعنى الذي يضيفه المعلم ناناك إلى المصطلح يتجاوز ذلك بكثير، فهناك أولا إصرار على الجانب الباطني المطلق للنظام، ثم توسع في الكلمة الواحدة لتصبح نظرية متطورة عن التأمل”[29].

الديانات الصينية:

ثلاث ديانات لعبت دورًا رئيسًا في التاريخ الصيني وهي: 1- الكونفوشية 2- الطاوية[30] 3- البوذية. “الكونفوشية والتاوية هما ديانتان قوميتان أصليتان في الصين، وُجدتا قبل دخول البوذية إليها من الهند بحوالي خمسمائة عام، وحتى قبل ظهور الكونفوشية والطاوية كانت هناك ديانة أقدم (تفرعت عنها الكونفوشية والتاوية كل بطريقتها الخاصة…) وهكذا امتد تاريخ الدين في الصين لأكثر من ألف عام ونصف الألف قبل أن تواجه أفكاره تحدي التراث الأجنبي، وقد بقي هذا التراث القومي قويًّا حتى بعد أن دخلت البوذية إلى الصين، إذ ازداد طابعها الصيني وظهرت المدارس البوذية الصينية الخالصة، ولكن تأثير الفكر الهندي وتجربته الدينية في عقول الصينيين كان كذلك من القوة ليُغَيِّرَ من الكونفوشية والتاوية، اللتين عادتا إلى الظهور في شكلين جديدين هما الكونفوشية الجديدة والتاوية الجديدة، اللذين لم يكونا سوى إعادة تكوين للتراث القومي الأصلي حتى يُواجه تحدي التراث الغريب الجديد… ولقد نظر إلى كتابات مؤسسو الكونفوشية والتاوية بوصفها جزءًا من التراث الثقافي الجامع للصينيين، أما في حالة الكونفوشية فإن شريعتها المقدسة لا تتكون من مؤلفات مؤسسي الكونفوشية فحسب، بل من الوثائق الدنيوية التي كانت موجودة قبل كونفوشيوس وتُكون التراث الكلاسيكي للصين، لقد ظلت الشريعة الكونفوشية لألفين من السنين هي العصب الرشيسي لمنهج التربية والتعليم في الصين، وكان الإلمام بالشريعة على سبيل المثال هو أحد المتطلبات الرئيسة في امتحانات الخدمة المدنية، وفي جزء كبير من تاريخ الصين اعتقد الصينيون أنفسهم أن الكونفوشية والتاوية مظهران أصيلان للروح القومي، لا مُجرد أنواع من الإيمان الديني الذي يدعو إلى الهداية ويتطلب الانتماء والالتزام الشخصي[31]، لكن قبل ترسُّخ مثل هذه الديانات العليا في المجتمع الصيني انتشرت جُملة من الرؤى الدينية القديمة التي لا تختلف في جوهرها عمَّا كان سائدًا في المجتمعات البدائية القديمة: 1- الأرواحية Animism (عبادة آلهة الطبيعة)، “لا سيما عبادة الأسلاف”[32]، و2- الشامانية[33].

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن الديانات الصينية العليا قد نشأت في عصر اصْطُلِحَ عليه بعصر الفلاسفة[34]، إذ “وضعت البذور الدينية لكلًّا من الكونفوشية والتاوية في عصر الفلسفة فمن القرن السادس حتى القرن الثالث قبل الميلاد في دول المدينة الواقعة في السهل الرئيس في الشمال، نعمت الصين بفترة غير عادية من ازدهار العقل البشري، وكثر الفلاسفة وأخذو يتنقلون من بلاط إلى بلاط، ويجمعون الأتباع حولهم، ويشرحون نظرياتهم ويطرحونها للنقاش في حوار علني… ولقد وصفهم تسو ماشين Suzma- chien بأنهم المدارس المائة، ومن هذه المدارس المائة خرجت مدرستا الكونفوشية والتاوية اللتان أقيمت عليهما تعاليم الفلسفتين والديانتين الكونفوشية والتاوية في القرون التالية”[35].

الديانة الشنتوية Shinto

الشنتو Shinto ليست كلمة يابانية في الأصل، لكنها صِيغت في القرن السادس عندما دخلت البوذية إلى البلاد لتُعبر عن التراث الديني الأقدم عهدًا وهو طريق كامي Kami، وكثيرًا ما تُوصف بأنها عقيدة أصلية في اليابان، لا لأن عبادتها ذات النزعة الطبيعية القوية لا تضاهيها عبادة أخرى في أي مكان، بل لإثرائها لروح التدين الياباني المتميز الذي أثَّر كذلك في صور الإيمان الياباني الأخرى، وتعد سمتها الحدسية مظهرًا واضحًا من مظاهرها، مع تشديد على التجربة الدينية أعظم من الاستدلال من مبادئ لاهوتية، ونادرًا ما يُسأل المؤمنون بالشنتوية أسئلة أنطولوجية، بل هم بالأحرى يشعرون بحقيقة الكامي Kami وواقعيته، لأن المرور بتجربة مباشرة من الألوهية والإدراك المُرهف للسر الغامض أكثر أهمية لديهم  من النظر العقلي لدقائق العقيدة”[36].

أما عن طقوس الديانة الشنتوية ففي بداءاتها كانت “بسيطة إلى أقصى حد، إذ لم تكن تتطلب مباني خاصة، بل تقام الصلوات وتُؤدي الطقوس في هياكل طبيعية تحت شجرة ساكاكي Sakaki المُقدسة مثلًا، وهي موجودة الآن داخل كل هيكل في أي ضاحية، ويتلفظ بالكلمة الإلهة من طريق الشامان وهو في حالة استحواذ الكامي عليه ويُعبر عنها بلفظ كامي- جاكاري Kami- gakari أو كانجاكاري Kangakari التي كثيرًا ما تتجلى في رقصة الوجد، ولا تزال خليفة الشامان الأنثى موجودة في الهياكل حتى يومنا الراهن، وذلك في أشخاص الميكو Miko، وهن مشرفات الهيكل من النساء المسئولات عن الكاجورا Kagura وهي الرقصة الصوفية التي ترمز عادة إلى تَوحُّد المُتعبدين مع كامي الهيكل، ولم تتطور بالتدريج كهانة نوعية خاصة، بل ظهر نمط خاص من بناء الهيكل، وليست هناك صورة تُمثل الكامي، بل مجرد شنتاي Shantai يُعبر تعبيرًا رمزيًّا عن الكامي، وكانت العبادة في بداءتها مسألة عائلية خاصة بشئون الأسرة لا العشيرة، ولما كانت العشيرة امتدادًا للأسرة، فهناك عدد كبير من الهياكل المخصصة للـ يوجي جامي Ujigami (أي كامي العشيرة) وهي تختص بالمصالح المشتركة للعشيرة، والقول بأن الجماعة تستمد وحدتها من علاقاتها باليوجي جامي بوصفهم يوجيكو Ujiko (أي أطفال العشيرة)، لا بد أن يُوحي في الحال بأن يوجي جامي يقوم مقام الأب Loco Parentis لدى الجماعة، كما يُوحي بأن طلب الحاجات المادية له مغزاه، لأن الأب على استعداد أن يمنح أطفاله هبات سخية، وهيكل يوجي جامي يُسمى هيكل العشيرة أو يُسمى أحيانًا هيكل عشيرة كامي”[37].

“وتتضمن العبادة الرسمية أربعة عناصر: 1- فعل التطهر (هاراي Harai) بالإضافة إلى الاغتسال، عندما يُلوح الكاهن بفرع من شجرة السكاكي (أو بورقة منها) على رأس المتعبد، 2- القربان (شينسن Shinsen) الذي يكون من الحبوب أو الشراب، وإن كانت العادة جرت أن يكون من المال أو قد يكون رمزيا في صورة غصن من شجرة السكاكي، 3- طقوس الصلاة norito، 4- الوليمة الرمزية دلالة على تناول الطعام مع كامي، وكثيرًا ما يشمل العنصر الأخير رشف قطرات قليلة من خمر الأرز الذي يقدمه الكاهن أو إحدى الكاهنات من الميكو Miko، ويمكن لجماعات من المتعبدين أن تطلب أيضا تأدية الرقصة المُقدسة للمعبد (كاجورا Kagura) التي يوجد بها خمس وثلاثون رقصة تُعَبِّرُ عن الأساطير القديمة، وتكاد تكون صلاة نوريتو Norito محصورة تقريبًا في موضوع المطالب البشرية”[38].

بهذا نكون قد أسدلنا الستار على جُملة من الأديان التي تناوبت عليها حضارات كثيرة وعديدة، والتي اعتمدنا فيها بالأساس على كتاب (المُعتقدات الدينية لدى الشعوب) من تأليف جفري بارندر، مُكملين بذلك فصلًا مهمًّا من فصول ملحمة التطوُّر الرُّوحي للإنسانية جمعاء، الذي تَجسَّدَ في أديان كثيرة إلى أن وصل به/وصل بنا، إلى أن أتحدث عن كُلٍّ من من اليهودية والمسيحية، كخاتمةٍ للجزء الثاني من مقالتي: (عن/من تاريخ الأديان إلى السؤال الديني، على أن ننتقل بعدها، أي في الجزء الثالث، من مرحلة الحديث (عن الأديان) إلى حديث (من الأديان إلى السؤال الدِّيني)، بطريقة نُكمل فيها مصفوفة هذه المقالة.

اليهودية:

“إن الكتاب المقدس العبراني، والمعروف لدى المسيحيين بـ العهد القديم، قد عُدَّ كلام الله، لأنه في اعتقاد المؤمن أن هذه النصوص ما هي إلا وحي لمشيئة الإله، ليس لليهود وحدهم، بل للبشرية جمعاء. والعهد القديم بمجمله من سفر التكوين إلى سفر ملاخي، يكونُ التراث الديني المقدس المسلَّم بصحته بوصفه أمهات نصوص تُعبر عن جوهر الدين، وقد مرت باختبارات عديدة لإثبات صدقيتها وبأنها وحي من عند الإله ومطلقة الصدقية”[39].

إن الصيغة النهائية والأخيرة كما قَرَّت في العهد القديم، لم تأت من فراغ أو دفعة واحدة، بل تدرجت تباعًا إلى أن بلغت مرحلتها الأخيرة التي اصطلح عليها في الكتاب المقدس، فمن جذور العبرانيين الذين يدينون إلى أسلافهم بأنماط معينة من العبادة، وصولًا إلى النبي إبراهيم، “تأخذ قصة إبراهيم كما يرويها سفر التكوين شكل نسيج محبوك من مرويات متنوعة تنتمي إلى حقب متنوعة، فمختصر الحكاية أن تجربة إبراهيم الدينية قادته إلى الإيمان بمعبود واحد قادر أن يحمي، قد اختار إبراهيم بذاته أو يكون إبراهيم نفسه قد اختاره وهو إلهٌ ما (=إيل)، أطلق عليه إبراهيم اسم إيل شدايEl Shaddai الذي كسف أرواح الأسلاف أو الآلهة المحلية والتي كانت تتمثل بأصنام على شكل تماثيل من الخشب أو الحجر تحتفظ بها الأسرة من أجل ممارسة الطقوس السحرية الأهلية والعبادة، عندما شَدَّهُ الحنين للهجرة مع جماعته إلى أرض أكثر أمنًا وأكثر عُشبًا باتجاه الجنوب الغربي، كان إيل شداي قد شجعه على الرحيل إلى هناك، من الواضح وفق الرواية التوراتية أن إبراهيم قد قدم ولاءه إلى هذا الكائن بعينه، ومن طريق التزام شخصي، ألزم نفسه أن يتبع طريق إيل شداي الذي فرض إقامة الإحسان وممارسة العدل والتقوى، وتلائم ذلك مع إبراهيم الذي كان كريمًا ومضيافًا ومتسامحًا”[40].

ثم جَرت الأيام ومعًا جرت الأحداث ودخل الهكسوس مصر ومع دخولهم إليها “تبعتهم عشيرة إبراهيم إلى الأراضي الأكثر خصبًا في دلتا النيل، حيث تعامل الهكسوس مع عشيرة إبراهيم بوصفهم حليفًا، وقد استعمل الهكسوس مفردات سامية مثل أسماء للبدات، وعينوا موظفين ساميين في إداراتهم، كما في قصة يوسف الشهيرة”[41].

ثم كرَّت الأيام وفرَّت على بني إسرائيل إلى أن جاء موسى (حوالي سنة 1250 ق.م)، الذي “أحدث انقلابًا كاملًا في التوجه الديني لشعبه من طريق إقناعهم بتبني المفهوم الأساسي في الديانة الإسرائيلية، وهو أنه لا يوجد إلا إله واحد ليُعبد، إله مسيطر على تاريخهم وحياتهم، وقد اختار هذا الإله شعب إسرائيل ليكون شعبه”[42]، فموسى مارس “دور الوسيط بين أتباعه والإله يهوه الذي أرسل موسى ليخرج شعبه من مصر… فصَعِدَ موسى إلى الجبل تاركًا شعبه في أسفله ليناجي يهوه، وعاد بعد بضعة أيام حاملًا وصية يهوه لبني إسرائيل، تلخصت هذه المشيئة بـ وصايا نُقشت في لوحين من الحجر، لتُفصَّلَ فيما بعد إلى نصوص عديدة في أسفار الشريعة تحتوي المدونات قائمتين من الوصايا: تحتوي القائمة الأولى على وصايا أخلاقية، وهي معروفة لنا بالوصايا العشر (سفر الخروج: 20)… أما القائمة الأخرى، فإنها تتميز بطقوسيتها”[43]، وقد تضمَّن جزء من سفر الخروج (34: 17- 26) التعاليم التي أوصى بها الرَّب لبني إسرائيل، وفي جزء آخر من السِّفر تحضير موسى للشعب الإسرائيلي كي يلتزموا بتلك التعاليم أو الوصايا (24: 3- 8)، وقد أُخذ هذا الميثاق بين الرّب والشعب الإسرائيلي “شرعية قانونية، إذ التزم الناس بيهوه من طريق اتفاق شرعي مُقدس”[44].

وفي أثناء سعيهم في إيجاد وسيط روحاني بين الشعب ويهوه لا سيما بعد رحيلهم “ابتكروا خيمة الاجتماع المحمولة (خيمة الرب)، وحافظوا عليها من أجل ممارسة الطقوس المقدسة، وكانوا كلما حطوا الرحال نصبوا الخيمة ضمن طقوس يقوم بها أشخاص محددون متخصصون بالشعائر… ولم تكن خيمة الرب فارغة من الداخل، بل احتوت على صندوق خشبي يُدعى تابوت العهد، كان يضم اللوحين الحجريين اللذين نُقشت عليهما عبارات العهد، وقد أدى هذا الصندوق دورًا حيويًا في التاريخ العبري اللاحق، كان الإسرائيليون يحملون التابوت في أثناء ترحالهم بإجلال في مقدمة الركب، وعندما كانوا يأخذونه إلى معاركهم كان يمنح القوة لسواعد المحاربين، لذلك أصبح من القدسية بحيث لا يجرؤ الكهنة على لمسه، خشية أن يقع مغشيًا عليه نتيجة سر سلطته، وتدريجيًّا نشأت عبادة طقسية وتطورت وغدت أكثر تفصيلًا وإسهابًا مع مرور السنين، كانت الأصول الأقدم لهذا الطقس هي الاحتفال السنوي بعيد الفصح وعيد الراحة الأسبوعي أيام السبت، كان عيد الفصح عيدًا ساميًا قديمًا جاء مُلائمًا للطقوس الإسرائيلية، من طريقها كانوا يحتفلون بذكرى نجاتهم من العبودية المصرية، كان عيدًا ربيعيًا يحل ليلة اكتمال البدر السابقة على الاعتدال الربيعي، ويُركزُ  فيه على استعجال كل أسرة في تناول أضحية من الغنم أو الماعز ما بين الغسق والفجر، وتُلطَّخُ عبتة باب الخيمة أو ساكف الباب أو عتبته في البيوت بدم الأضحية، ويجب أن تلتهم الأضحية كاملة إما بواسطة الناس أو بواسطة النار حتى لا يبقى منها أثر، وعلى ما يبدو فإن يوم السبت أيضًا له تاريخ أقدم بكثير من زمن الخروج، فهو مُستَمَدٌّ من عادة تخصيص اليوم الذي يكون فيه القمر بدرًا للعبادة والراحة من العمل، وأصبح المألوف تدريجيًا أن يستريح المرء في اليوم السابع من الأسبوع بوصفه يومَ راحةٍ وإقامةُ الصلاة للرب، ومن الأعياد القديمة أيضًا الاحتفال بهلة جديدة للقمر وعيد جز الصوف وعيد الختان أيضًا الذي كان معروفًا وشائعًا عند معظم الساميين والشعوب المجاورة، وتحريم الطعام قبل المعركة والأخذ بثأر الدم”[45].

وكما تطورت طقوس العبرانيين وأعيادهم تدريجيًّا، كذلك الأمر حدث مع أنبياء بين إسرائيل إذ “لم يظهر أنبياؤهم الكبار فجأة من دون أرضية مُعدة جيدًا، لقد مَهَّدَ الأسلاف لهم الطريق، فلقد جاء هؤلاء الأنبياء الأُول في أثناء فترة سفر القضاة، أي قبل سنة 1000 ق.م، وعرفوا باسم نبييم”[46]، فمع الأسلاف من الأنبياء بقي الدِّين في طور حالة أقرب إلى الوَجْد الصوفي، لكن مع الأنبياء الكبار مثل: إيليا وإليشع وعاموس وإشعيا، حَدَثَ تطوُّرٌ معرفيٌّ في بنية العقيدة الدينية لليهودية، وأصبحت رؤاهم جزءًا لا يتجزأ من المنظومة المعرفية للديانة بطريقةٍ راسخةٍ وعميقةٍ.

المسيحية:

“إنَّ قصة المسيحية هي قصة ديانة نشأت عن الإيمان بأن الله قد تجلى في مؤسسها بالجسد وأقام بين البشر، وعلى الرغم من أن ديانات أخرى قد طَوَّرَت مفهومًا عن التجسد، إلا أن أيًا منها لم تُعطه مثل هذه المركزية، وتتضمن بقية العقيدة المسيحية كلها الاعتقاد بأن يسوع هو التجلي الأوضح لشخص الله”[47]، فالديانة المسيحية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا ومصيريًا بشخص مُؤسسها، نظرًا لتجسُّد الربّ في جسده الذي بدأت تظهر عليه علامات التدَّيُن في فترة مبكرة من حياته، “فمنذ أن كان يسوع في عامه الثاني عشر كان يشعر دائمًا بأكثر من الاهتمام العادي بالأمور الدينية، وقد استماله ذكاؤه المرهف وضميره الاجتماعي الحاضر نحو الدور النبوي في الحياة، وهو الآن مدعو بوضوح إلى لعب هذا الدور”[48]، لهذا انعزل وانسحب من حياة الناس والتجأ “إلى البرية وراء الأردن ليتفكَّر في النهج الذي يجب أن يبدأ به الآن، وفي التراث المسيحي يوصف هذا الزمن من التأمل والقرار بأنه فترة الأربعين يومًا”[49].

وعندما بدأ “يسوع الكلام الأول والمهم في كفر ناحوم، شعر الناس بقوة كلماته، إذ تكلم بثقة وحرية ومن جماع قلبه، لا بجفاف كالكتبة، إثر هذا الكلام استطاع يسوع أن يشفي شخصًا من الحاضرين تلبسه شيطان، فاندُهِشَ من قدرته على شفاء الناس”[50]، وقد ارتبط كلام يسوع في المرة الأولى باقتراب “حدوث حكم الله والاقتراب من عصر جديد لتحقيق مشيئة الله”[51]، وشيئًا فشيئًا أخذت تعاليم يسوع بالتمدُّد والانتشار، لكنه لم “يُدون تعاليمه وإنما اعتمد على تلامذته في القيام بالتبشير بما علمه، ويفترض المؤرخون عمومًا أن بعض التلامذة قد دونوا أقواله بعد وفاته”[52]، وأشهرهم هم أصحاب الأناجيل: متَّى ولوقا ويوحنا ومرقس الذين أصبحت أعمالهم أو أناجيلهم بالأحرى هي المرجع الأساسي للديانة المسيحية ككل، وكأي ديانة فقد انطوت الديانة المسيحية على لحظة تأسيس اقترنت بشخص مؤسسها يسوع الذي نشر تعاليم بين تلامذته، وبدورهم تكفلوا بنشرها إلى العالم، وحين حانت ساعة وفاته، تَحوَّلت هي الأخرى أي لحظة الوفاة إلى جزء من التَّرِكَّة المعرفية للديانة المسيحية، إذ اقترن صلبه بفكرة الفداء لبني البشر، ثم أخذت لحظة التأسيس بالتمدُّد الأفقي من جهة بين الناس، وبالتعمُّق المعرفي من جهة أخرى، لا سيما بعد صلب يسوع وتشتُّت حوارييه، وقد أخذ هذا التمدُّد والتمعُّق بُعدًا آخر أكثر رسوخًا مع بولس الذي يُعدُّ المؤسس الثاني للمسيحية، الذي أُلحقت أعماله لاحقًا بالأناجيل، فصارت جزءًا لا يتجزأ من العهد الجديد، لكن يمكن التأشير على العام 383م بوصفه عامًا مفصليًّا لدى الديانة المسيحية، إذ “اُعلنت المسيحية ديانة الدولة الإمبرطورية”[53].

في تلك الفترة كانت العقيدة المسيحية تتعرَّض لجدلٍ كبير، ما دعا الإمبرطور قسطنطين إلى ضرورة حسم المسألة بواسطة مجلس كنسي عالمي، ففي “صيف 325 التقي نحو ثلاثمئة أسقف مُفَوَّض، جُلَّهم من الشرق في نيقيا، عبر البوسفور من القسطنطينية وأحدثوا الصيغة الشهيرة لشهادة الإيمان المتتبناة في نيقيا: نؤمن بالله الواحد، الأب كُلي القدرة، خالق كُل الأشياء المنظورة وغير المنظورة، وبرب واحد هو يسوع المسيح، ابن الله، المولود من الآب، بوصفه ابنه الوحيد، أي من جوهر الأب، إله من إله، ونور من نور، إله حقيقي من إله حقيقي مولودًا وليس مخلوقًا، ومن جوهر الأب نفسه، الرب الذي من طريقه خُلقت كل الأشياء في السماء والأرض، ومن أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل وجُعل جسدًا وصار إنسانًا وتألّم وقام في اليوم الثالث وَصَعِدَ إلى السماء، وهو قادم ليحكم الأحياء والأموات، ونحن نؤمن بالروح القدس”[54].

لكن هذه الصيغة الرَّسمية لم تقف عائقًا إلا في العصور المُظلمة واستحكام قبضة رجال الدين أمام نماء جدل معرفي كبير وعميق بخصوص الطبيعة اللاهوتية لشخصية المسيح، إذ “صار التجسُّد ذاته محور الحجاج اللاهوتي الحامي”[55]، وعلى هامش هذا الجدال الذي يُعدُّ جزءًا من سيرورة الديانة المسيحية من لحظة الانبثاق والتكون إلى لحظة الرسوخ، نشأت فرق ومذاهب كثيرة وعديدة، لكن يمكن عدُّ: 1- الكاثوليكية و2- البروتستانت و3- الأرثوذوكس، علامات مفصلية في الديانة، بسبب الرؤى والأتباع الذين يتجاوز تعدادهم الحالي المليار إنسان في مختلف بقاع العالَم.

 

خاتمة:

خاتمةً لما سبق أتت هذه المقالة بجزئها الثاني بوصفها استكمالًا لرحلة الحديث (عن الأديان) التي ابتدأتها في الجزء الأول، على أن تكون هذه الخاتمة بمنزلة فاتحة للجزء الثالث من هذه المقالة والمُـتعلق بانتقاله من (عن الأديان) إلى: من الأديان إلى السؤال الديني، وذلك للبحث في أساسات المنزع الروحي عند الإنسان، الذي تجلى عبر تاريخ طويل في أديان كثيرة وعديدة.

 

الحواشي والمراجع:

[1]  يمكن مراجعة الجزء الأول من المقالة على موقع مؤسسة تكوين الفكر العربي، في الرَّابط التالي:
انقر هنا

[2]  يمكن العودة إلى: أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، المِلَل والنِّحَل، صحَّحه وعلَّق عليه أحمد فهمي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1992.

[3]  يمكن العودة إلى: فراس السواح، موسوعة تاريخ الأديان، الكتاب الأول: الشعوب البدائية والعصر الحجري، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، سوريا، ط4، 2017.

مع الإشارة إلى أن مادة الكتاب هي مادة مترجمة، ما يضعنا أمام مأزق معرفي آخر، كما أشرتُ في موضع آخر من هذه المقالة.

[4]  باندر، جفري، المعتقدات الدينية لدى الشعوب، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 173، 1993.

[5]   المرجع السابق، ص 11.

[6]  المرجع السابق، ص ص 12- 13.

[7]  المرجع السابق، ص ص 31- 32.

[8]  المرجع السابق، ص 36.

[9]  أشهرهم على الإطلاق سقراط وأفلاطون وأرسطو.

[10]  جبل الأولمب: هناك سلسلة جبال في الجزء الشمالي من بلاد الإغريق تفصِل بين منطقتي مقدونيا وتساليا. وعلى الطرف الشرقي من سلسلة الجبال هذه يقع جبل أوليمبوس البالغ ارتفاعه عشرة آلاف قدم، وتكسو الثلوج قمته باستمرار…إلخ.

[11]  المرجع السابق، ص ص 52- 54.

[12]  المرجع السابق، ص ص 69- 70.

[13]  أتيت على ذكرها آنفًا، نقلًا عن كتاب (المِلَل والنِّحَل) للشهرستاني.

[14]  المرجع السابق، ص 96.

[15]  المرجع السابق، ص 98.

[16]  المرجع السابق، ص 99.

[17]  لربما كان كتاب (هكذا تكلم زاردشت) لـ “فريدريك نيتشه” إحياء كبير لمؤسس الديانة الزرادشتية، لا سيما أن الكتاب حظي بشهرة بالغة في العالم.

[18]  نيخيلاناندا، سوامي، الهندوسية: تحضيرها لانعتاق الروح، ترجمة نبيل محسن، دار ورد، دمشق، سورية، ط1، 2000، ص 15.

[19]  بارندر، جفري، المعتقدات الدينية لدى الشعوب، مرجع سابق، ص ص 107- 108.

[20]  المرجع السابق، ص 110.

[21]  المرجع السابق، ص 175.

[22]  المرجع السابق، ص 177.

[23]  المرجع السابق، ص 180.

[24]  المرجع السابق، ص 181.

[25]  المرجع السابق، ص ص 182- 183.

[26]  المرجع السابق، ص 220.

[27]  المعلِّم ناناك، مؤسس الديانة السيخية “وُلِدَ المعلم الروحي ناناك Nanak عام 1469م، والمكان الحقيقي الذي وُلِدَ فيه موضع خلاف، ولكن لا يمكن أن يكون هناك شك في أن والديه ينتميان إلى قرية تلفاندي Talvandi التي تبعد أربعين ميلا جنوب جنوب غربي لاهور، وتُعرف الآن باسم ننكانا صاحب Nankana- Sahib. ولقد قضى ناناك طفولته، وشبابه في هذه القرية ولم يتركها إلا بعد أن تزوج وأنجب غلامين. ثم انتقل ناناك، وهو لا يزال شابا، إلى مدينة سلطانبور Sultanpur وهناك دخل في خدمة النواب المحلي. وفي أواخر عام 1500 غادر هذه المدينة وتبنى حياة الزهاد المتجولين. ويصف كتاب شواهد الميلاد تنقلاته وصفًا مُسهبًا، ولكنه لا يقدم إلا أقل القليل مما يمكن الاعتماد عليه. ومن الواضح على كل حال أن المعلم لا بد أن يكون قد أنفق عدة سنوات وهو يتجول داخل الهند بهذه الطريقة. ومن المُمكن أن تكون تنقلاته وأسفاره قد ذهبت به إلى مسافات نائية خارج حدود الهند. ويتضح من الإشارات التي ذكرها في كتبه أنه شهد جانبا من غزوات إمبرطور المغول بابير Babur، كما يبدو أن سفرياته توقفت، إبان غزوات بابير، وأن شخصا ما تبرع له بقطعة أرض تقع على ضفاف نهر رافي Rvi فأقام عليها قريته المسماو كاتربور kartur pur. ومن الواضح أنه قضى معظم سنوات حياته المتبقية في هذه القرية إلى أن مات هناك قرب نهاية العقد الرابع من القرن السادس عشر حوالي شهر سبتمبر 1539.

المعتقدات الدينية لدى الشعوب، مرجع سابق، ص ص 162- 167.

[28]  كبير أو كابير شاعر هندي مرموق، لربما الأسطورة التي غلفت قصة موته توحي بالجذر العميق والأساسي الذي تقوم عليه الديانة السيخية في عموميتها، فعندما مات [أعني الشاعر الهندي “كبير”] عام 1516م، حدث خلاف بين المسلمين والهندوس في جثته، فقد أدعّى المسلمون أن من واجبهم دفنه في مقابرهم، فـقد كان مُسلمًا ولا يمكنهم بحالٍ من الأحوال التخلّي عنه في لحظة الوجود الحرجة. وأدعّى الهندوس أن من واجبهم حرق جثته فـقد كان هندوسيًا ولا يمكنهم التفريط بإرثه بأي حالٍ من الأحوال، وعندما احتدم الخلاف بين المسلمين والهندوس في جُثة الشَّاعر “كبير” أخذتهم سِنة من نوم، وعندما استيقظوا وجدوا تابوت الشاعر قد امتلأ بالورود، فأخذ المسلمون نصف تلك الورود ودفنوها، وأخذ الهندوس النصف المتبقي من تلك الورود وأحرقوها. هذا الجدل الإيجابي لم ينتج من فراغ، بل تأسَّس أصلًا على قصة ميلاده بصفتها قصة عابرة للإثنيات والأديان، إذ يُذكر أن أُمَّهُ كانت براهمية عازبة حملت به بعد زيارة إلى معبد هندوسي، ما اضطرها، خشية من العار، أن تتركه على ضفة نهر، فوجده أحد المسلمين كان يعمل نسّاجًا، فحضنه ورعاه، وأعطاه اسمه وحرفته؛ ثمَّ في سنّ مبكرة صار “كبير” مُريدًا للراهب الهندوسي الشهير “رامامندا”.

[29]  المعتقدات الدينية لدى الشعوب، مرجع سابق، ص ص 163- 166.

[30]  يمكن الرجوع إلى كتاب (التاو تي – تشينغ: انجيل الحكمة التاوية في الصين) لمؤسس الطاوية الحكيم الصيني “لاو تسو”. للكتاب أكثر من ترجمة للغة العربية، لكن من أبرعها بتقديري الترجمة التي أنجزها “فراس السواح”، نظرًا لأنها رُوجعت عن الأصل الصيني بواسطة “شّوِي تشينغ قوه”، ونظرًا –أيضًا- للدراسة الوافية التي أرفقها فراس السواح بترجمته بخصوص المذهب الطاوي أو الديانة الطاوية ككل.

[31]  المرجع السابق، ص ص 224- 225.

[32]  المرجع السابق، ص 227.

[33]  تحدثتُ عن الشامانية في الجزء الأول من هذه المقالة. للإطلاع على النسخة المنشورة، يمكن الرجوع إلى الرابط التالي:

أنقر هنا

[34]  للمزيد بشأن الفلسفة الصينية يمكن الرجوع إلى كتاب (فصول من الفلسفة الصينية: مع النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب منشيوس) لـ “فراس السواح”، مؤسسة هنداوي، 2022.

[35]  المعتقدات الدينية لدى الشعوب، مرجع سابق، ص 236.

[36]  المعتقدات الدينية لدى الشعوب، مرجع سابق، ص 286.

[37]  المرجع السابق، ص 288.

[38]  المرجع السابق، ص ص 290- 291.

[39]  السواح، فراس، موسوعة تاريخ الأديان، الكتاب الخامس: الزاردشتية، المانوية، اليهودية، المسيحية، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، سوريا، ط4، 2017، ص 97.

[40]  المرجع السابق، ص 104.

[41]  المرجع السابق، ص 105.

[42]  المرجع السابق، ص 107.

[43]  المرجع السابق، ص ص 110- 112.

[44]  المرجع السابق، ص 113.

[45]  المرجع السابق، ص 114.

[46]  المرجع السابق، ص 125.

[47]  المرجع السابق، ص 219.

[48]  المرجع السابق، ص 233.

[49]  المرجع السابق، ص 233.

[50]  المرجع السابق، ص ص 234- 235، بالتصرف.

[51]  المرجع السابق، ص 237.

[52]  المرجع السابق، ص 219.

[53]  المرجع السابق، ص 285.

[54]  المرجع السابق، ص ص 286- 287.

[55]  المرجع السابق، ص 287.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete