(عن/ من) الأديان (إلى) السؤال الدِّيني: الجزء الأول

تقديم:

تحاول هذه المقالة أن تُحْدِث نقلتين على مستوى البناء الدَّاخلي لها، لكي تُصبح أكثر: 1- نسقية. 2- تماسكاً. 3- إحكاماً. بما يفضي إلى تحقُّق: 4- الغرض منها، والمتمثل بدمج القارئ في حالة من الثراء الرُّوحي، الذي تجلَّى تجليات كثيرة وعديدة، عبر تاريخ طويل، في أنساق ومتون دينية، يمكن أن تُثري علاقتنا بأنفسنا أولاً، وبالعالَم ثانية. أولى النقلتين، التي تحاول هذه المقالة إحداثهما، متعلقة بالحديث، حديثاً يتجاوز فكرة الاختصاص، عن جُملةٍ من الأديان التي مرَّت بها البشرية على مدار تاريخها الطَّويل، بما يُبلور الشق الأول من عنوان هذه المقالة المتعلق بـ (عن الأديان)، إذ ستسعى المقالة إلى الحديث عن جملةٍ من الأديان[1]، بطريقة وصفية بحتة دونما مناقشة أو نقد أو تعقيب لسياقاتها المعرفية أو العقدية بتاتاً في هذا المقام، وهذه هي الخطوة الأولى لبناء معرفة متماسكة ومتكاملة، إذ ينبغي على المرء معرفة الأشياء كما هي، قبل أن يشرع في نقاشها أو نقدها أو الردِّ عليها أو قبولها أو رفضها…إلخ. ومن أجل تقديم مادة نسقية لمجمل الأديان، فإني ساعتمد على مجموعة من المراجع المعنية بهذا النمط من الكتابات، وستكون على النحو التالي:

أولاً: (المِلَل والنِّحَل)[2] لـ الإمام أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشَّهرستاني. و2- (موسوعة تاريخ الأديان، الجزء الأول، الشعوب البدائية والعصر الحجري)[3] لـ “فراس السواح”. و3- (المعتقدات الدينية لدى الشعوب)[4] لـ “جفري بارتدر”. و4- (الفكر الشرقي القديم)[5] لـ “جون كولر”. و5- (موسوعة تاريخ الأديان، الكتاب الخامس، الزرادشتية، المانوية، اليهودية، المسيحية)[6] لـ “فراس السواح”.

على أن يبتدئ العرض من الوسط، أي من تاريخ الفِرق والمذاهب الإسلامية، بما هي تجلية معرفية للدِّين الإسلامي في تطبيقاته العملية، وسنكتفي بالحديث عن الدِّين الإسلامي، في نهاية هذه المقالة، انطلاقاً من هذه النقطة؛ كما أرَّخ لها الإمام الشهرستاني في كتابه (المِلَل والنِّحَل)، كما سنأتي على ذكر بعض الأديان التي تحدَّث عنها الشهرستاني، وكانت على علاقة مع الدِّين الإسلامي. ثم سنعود، بعد ذلك، إلى البدايات السَّحيقة للتمثلات الدينية عند الشعوب القديمة، كما أُرِّخَ لذلك في (موسوعة تاريخ الأديان: الشعوب البدائية والعصر الحجري) التي أشرف على تحريرها “فراس السواح”، ثم ننتقل بعد ذلك إلى التمثلات الدينية الأحدث، كما تجسدت، نقلاً عن كتاب المعتقدات الدينية لدى الشعوب- في بلاد ما بين النهرين واليونان وفارس ومصر وروما، ثم نصل إلى الأديان القديمة العليا كالهندوسية والبوذية والطاوية…إلخ، كما تمَّ التأريخ لها في كتاب (الفكر الشرقي القديم). ونهاية المطاف، نقف عند الأديان التوحيدية، تحديداً اليهودية والمسيحية، كما أُرِّخ لهما في الجزء الخامس من (موسوعة تاريخ الأديان: الزرادشتية، المانوية، اليهودية، المسيحية) لـ “فراس السواح”. أما الإسلام فقد أشرتُ إلى أننا سنُغطيِّه بداية هذا العرض، اعتماداً على كتاب (المِلَل والنِّحَل) للشهرستاني، انطلاقاً من حالة الثراء المعرفي الذي شكلته الفِرق والمذاهب الإسلامية المختلفة والمتعددة.

إقرأ أيضاً: الإنسان بين الدين والتديّن

وبهذا العرض، نكون قد تحقّقنا في النقلة الأولى من هذه المقالة، والمُتعلقة بالحديث (عن الأديان)، على أن ننتقل بعدها إلى النقلة الثانية التي تسعى هذه المقالة إلى إحداثها، والمُتعلقة بالانتقال، على المستوى المعرفي، من مرحلة الأديان إلى مرحلة السؤال الدِّيني على إطلاقه، بصرف النظر عن الصيغة الأخيرة التي يتموضع بها الدِّين ويقر في نهجٍ بعينه. فالحديث في هذا المقام ينتقل للحديث من حرف (عن) إلى حرف (من)، ليس لغاية أخذ شذرات عن هذه الفِرقة أو ذلك الدِّين، رغم الأهمية القصوى لمعرفة الأشياء كما هي في المرحلة الأولى، بل إنَّ حرف (من) متبوع بـ حرف (إلى)، أي أنَّ ثمة انتقالة في الحديث عن الأديان كما تبلورت في الشِّقِّ الأول من هذه المقالة، إلى السؤال الدِّيني على إطلاقة، بما هو جزء أصيل من تطلعات الإنسان الروحية. أي ما هو الأفق الذي تطلَّع إليه الإنسان على الإطلاق، بما يتجاوز إحداثية وجوده الجسماني في الزمن والمكان؟

بإزء النقلتين التي تسعى هذه المقالة إلى إحداثهما على مستوى البناء الدَّاخلي لها: 1- نقلة ساعة الحديث (عن الأديان). و2- نقلة ساعة الحديث (من الأديان إلى السؤال الدِّيني). فإنها تسعى –أي المقالة- أن تُحْدِثَ ثلاث نقلات لدى المتلقي: 1- الأولى متعلقة بالتعرُّف، بطريقةٍ سلسة وسهلة، على فرق ومذاهب وأديان ليس لها حضور كبير ولافت في مجتمعاتنا، بما يبقي على تعاملنا معها تعاملاً منقوصاً أو مشوهاً أو يفتقد إلى الحقيقة الموضوعية. و2- الثانية متعلقة بتجاوز التعرُّف على تلك المذاهب والفرق والأديان، إلى تقبُّل وجودها كجزءٍ من حالة الثراء الرُّوحي، أو كجزءٍ من التجربة الرُّوحية التي مرَّت بها البشرية عبر تاريخها الطويل، فتعدَّدت التموضعات لتلك التجربة. بما يؤهلنا جميعاً في الانتقالة 3- الثالثة إلى تحويل الأديان من تجربة للعداء بين بني البشر، إلى تجربة لتشارك المنزع الرُّوحي الذي انطلقت منه جميع تلك الأديان. فحالة الاستقطاب والعداء بين أتباع الفرق والمذاهب والطوائف والأديان، في عالمنا الحديث، تستلزم البحث عن آفاق تواصلية جديدة، رحمةً بنا وبالأجيال القادمة التي يمكن أن تغرق أكثر، فتزداد المآسي والحروب، وتسفك، إثر ذلك، دماء كثيرة لأناس أبرياء، كان يمكن أن يتعاونوا لإنتاج عالَم أفضل وأرحب: أكثر عدلاً ومحبَّةً وتسامحاً.

ونظراً لضخامة المادة في هذه المقالة، فإني سأُقسِّمها إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الأول والثاني يتناول موضوع (عن الأديان)، والجزء الثالث يتناول موضوع (من الأديان إلى السؤال الدِّيني)، مع الأمل بأن أكون قد استفدتُ شخصياً مما أكتب في هذه المقالة، بما ينعكس إيجاباً على أي قارئ آخر.

النقلة الأولى: عن الأديان

في كتابه (المِلَل والنِّحَل)، وتحت عنوان (مذاهب أهل العالم: من أرباب الديانات والملل وأهل الأهواء والنِّحل)، يكتب الإمام الشهرستاني[7]: “من الفرق الإسلامية وغيرهم، ممن لهم كتاب منزل محقق مثل اليهود والنصارى، وممن له شبهة كتاب مثل المجوس والمانوية وممن ليس له حدود وأحكام دون كتاب، مثل الصابئة، وممن ليس له كتاب ولا حدود وأحكام شرعية، مثل الفلاسفة الأولى، والدهرية، وعبدة الكواكب والأوثان، والبراهمة، نذكر أربابها وأصحابها، ونقل مآخذها ومصادرها عن كتب طائفة طائفة على موجب اصطلاحها بعد الوقوف على مناهجها، والفحص الشديد عن مبادئها وعواقبها. ثم ان التقسيم الصحيح الدائر بين النفي والإثبات، هو قولنا أن أهل العالم انقسموا من حيث المذاهب إلى أهل الديانات، وإلى أهل الأهواء فإن الإنسان إذا اعتقد عقداً، أو قال قولاً، فإما أن يكون فيه مستفيداً من غيره، أو مستبداً برأيه، فالمستفيد من غير مسلم مطيع، والدين هو الطاعة والتسليم والمطيع هو المتدين، والمستبد برأيه محدث مبتدع، وفي الخبر عن النبي عليه السلام: “ما شقي امرؤ عن مشورة ولا سعد باستبداد برأي”، وربما يكون المستفيد من غيره مقلداً قد وجد مذهباً اتفاقياً، بأن كان أبواه أو معلمه على اعتقاد باطل فيتقلده منه،دون أن يتفكر في حقه أو باطله، وصواب القول فيه أو خطئه، فحينئذٍ لا يكون مستفيداً، لأنه حصل على فائدة وعلم، ولا اتبع الأستاذ على بصيرة ويقين، إلا من شهد بالحق وهم يعلمون، شرط عظيم فليعتبر، وربما يكون المستبد برأيه مستنبطاً مما استفاده، على شرط أن يعلم موضع الاستنباط وكيفيته، فحينئذٍ لا يكون مستبداً حقيقة، لأنه حصل العلم بقوة تلك الفائدة {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وهو ركن عظم فلا تغفل”[8]

بإزاء هذه المنهجية[9] عمد الشهرستاني إلى التعريف بمجمل الفرق والمذاهب الإسلامية وغيرها من ثقافات وحضارات أخرى، وإطلَّاع على فهارس أجزاء كتابه تكشف، من ناحية، عن حجم الثراء المعرفي الهائل الذي ينطوي عليه كتاب (المِلل والنِّحَل)، وتكشف أيضاً، من ناحية ثانية، عن الجهل الذي أصابنا فعطب علاقتنا بتراثنا المعرفي الكبير[10]. فالفِرق والمذاهب التي ذكرها وفصَّل لها الشهرستاني في الجزء الأول من كتابه، تكاد تغيب عن ثقافتنا المعاصرة بشكل شبه كامل، فالأسماء المتداولة بيننا، وأغلبها نستحضره، للأسف، بشكل شفهي، إلا من قِبَلِ أهل الاختصاص، هي من قبيل: 1- اليزيدية[11]. 2- الخوارج[12]. 3- الإسماعيلية[13]. 4- المرجئة[14]. 5- الباطنية[15]. 6- الإمامية[16]. 7- المعتزلة[17]. 8- النظامية[18]. 9- الهذيلية[19]. 10- الأشعرية[20]. 11- الإباضية[21]…إلخ. لكن غيرها الكثير يكاد يغيب، أو هو غائب في العموم، عن السياق الثقافي الذي يتداول ذلك الجزء الهام والمصيري من تاريخنا المعرفي والسياسي، مثل: 1- الحابطية[22]. 2- الحمزية[23]. 3- الشعيبية[24]. 4- البيهسية[25]. 5- الصفرية[26]. 6- اليونسية[27]. 7- الثوبانية[28]. 8- الشميطية[29]…إلخ.

إقرأ أيضاً: تاريخ الفرق الإسلامية: قراءة سيسيولوجية…الإرهاصات التاريخية الجزء الأول

فحجم الثراء الذي انطوى عليه الجزء الأول من كتاب (المِلَل والنِّحل) للشهرستاني، وطرح فيه لعدد كبير من الفِرق والمذاهب الإسلامية، التي حاولت أو اجتهدت في تجلية الدِّين الإسلامي بطرقٍ مختلفة ومتعدِّدة؛ سيتبعه جزء ثانٍ يُعمِّق هذا الثراء ويضع قارئه أمام استحقاق معرفي كبير وفريد. فالإمام الشهرستاني ينتقل به من الحديث عن الثقافة الدَّاخلية للحضارة العربية الإسلامية، إلى حديث عن الثقافة الخارجية، لا سيما تلك التي تقاطعت مع ثقافته ودينه الجديد، بما يربطه بمعارف الآخرين أو بعلامات بارزة منها. وإلقاء نظرة على فهرس الكتاب، ستشي بالكنز الثمين الذي يحتويه ذلك الكتاب بين جنبيه. ففي الجزء الثاني تحدَّث الشهرستاني عن عدد من الأديان المشهورة وفرقها ومذاهبها يومذاك مثل: 1- اليهود والنصارى[30]. و2- الملكائية[31]. و3- الصابئة[32]. و4- النسطورية[33]. و5- المجوس[34]. و6- الزرادشتية[35]. و7- المانوية[36]. و8- المزدكية[37]…إلخ. وربما كانت مثل هذه الفِرق والأديان معروفة في العموم لدينا، لكن ليس بشكل ممنهج، بل كأسماء فقط؛ وفي الغالب، بشكل شفهي للأسف. لكن، من محاسن كتاب (المِلَل والنِّحل) أنه يأتي على ذكر غيرها، مما لا نعرفه، أو مما نُسي بالتقادم، أو أصبح من شأن أهل الاختصاص، مثل: 1- المقاربة واليوذعانية[38]. و2- الموشكانية[39]. و3- العنانية[40]…إلخ.

ولكي تكتمل صورة البناء الدَّاخلي للمقالة فيما يتعلق بالشقِّ الأول من المقالة، والمُتعلق بالحديث (عن الأديان)، مبتدئاً من تمثلات الدِّين الإسلامي وما تعالق معه أيام الشهرستاني؛ فإني سأعود خطوة إلى الخلف على المستوى المعرفي، وأتحدث عن جُملةٍ من الأديان القديمة، بحيث تُصبح الصورة التي تُؤسِّس لها هذه المقالة صورة شبه شاملة من جهة، وعلى درجة عالية من الفائدة من جهة ثانية. والبداية ستكون بكتاب (موسوعة تاريخ الأديان: الشعوب البدائية والعصر الحجري)، الذي أشرف على ترجمة مواده الأستاذ “فراس السواح”، ليس لنُعاين كيف انبثقت الفكرة الدِّينية بالأساس[41]؛ بل لنُعاين تجسدات[42] الفكرة الدينية في نماذج دينية بعينها، ما يُساهم في التأشير على ثراء التجربة الدينية لدى البشرية عبر تاريخها الطويل. ضمن هذا الإطار جاء الفصل الثالث والرابع والمعنونان بـ (اتجاهات في الأديان البدائية: 1، 2)[43]، دالان ضمن الرؤية التي تدعمها هذه المقالة. فقد تضمنا حديثاً عن عنوانين مركزيتين كان لهما تأثير كبير في انبثاق الرؤية الدِّينية في الحيز التطبيقي، والأثر الذي تركه ذلك الشيء على تمثلات التجربة الدينية بعد ذلك، الأولى: 1- الطوطمية[44]. والثانية: 2- الشامانية[45].

ويتابع الكتاب حديثه عن الشامانية في أمريكا الجنوبية[46]، ثم عن عالم الأرواح[47] والكائن الأعظم[48] في أمريكا الشمالية[49]. ثم تناول الكتاب بعضاً من النماذج الدينية في القارة الأفريقية، والأهمية القصوى التي توليها تلك الديانات للعنصر الجسدي[50]. “إضافة إلى أن الديانات الأفريقية تهتم بالعلاج النفساني لتحمي طمأنينة الفرد العاطفية في بلده. وقد أشار كل من فورت Fortes وإيفان بريتشاردز في حوارهما إلى الدور الموَّحد للرموز الدينية والطقوس والمعتقدات في النظم الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد” فالأفريقي يعتبر التقيدات الطقسية الملاذ الأسمى لحاجات وجوده الأساسية وللعلاقات الرئيسية التي تشكل نظامه الاجتماعي: الأرض والماشية والمطر والصحة والأسرة والعائلة والدولة، ولا بد من الاحتفالات الدورية لتأكيد هذه القيم وتنميتها. والديانة الأفريقية تعتبر العالم حلبة روحاينة واسعة يقوم فيها تفاعل مستمر بين القوى الطبيعية. وهي تعرف الانقسام الشديد بين المقدس والدنيوي، بين المادي والروحاني… فقد طور الأفريقي أنظمة دقيقة ميتافيزيقية للفكر، وليس ثمة وثنيون يعفرون جباههم، في عماهم، أمام الخشب والحجر، لأن الهدف من عبادته كائن روحاني، والشيء المادي الماثل أمامهم هو لتسهيل هذه العبادة فحسب وهي فكرة ليست مجهولة على كل حال في الديانات الأعلى”[51]

ثم يكمل الكتاب رحلته في الحديث عن الديانات القديمة أو ديانات ما قبل التاريخ، مثل حديثه عن: 1- الديانة الباليوليثية. و2- الديانة النيوليثية. ونظراً لقِدَم الديانة البوليوليثية فقد تم الاعتماد على اللقى الأثرية والأركيولوجية، وتفكيك الدلالات التي انطوت عليه اللقى، بما فيها الدلالات الروحية أو الدينية. رغم ذلك، “فإن اللقى من العصر الباليوليثي الأعلى، رغم غناها النسبي وقابليتها لإمدادنا بالمعلومات، إلا أنها لا تعكس بالتأكيد سوى جزء صغير من الظواهر الدينية لذلك العصر. كما أننا لسنا متأكدين من كونها تصعنا فعلاً في صميم الدين الباليوليثي، أو أنها تمثل ببساطة تمظهراته الهامشية والثانوية[52]. لهذا بقيت المسألة طور البحث والتدارس، أي لم يتم الحسم إذا ما امتلك الإنسان البدائي، الذي عاش في عصور سحيقة، ديناً أم لا، لكن –كما أسلفت- فقد تم الاعتماد على الآثار المتبقية من تلك العصور وتفكيك رموزها، أو تأويلها بالأحرى. وفيما يتعلق بالعصر الباليوليتي، “فإنّ أقدم اللقى الأركيولوجية هي عبارة عن مجموعة من الصيادين ومتقطي ثمار من نوع الإنسان العاقل Homo Sapiens، لكن بصفات جسمية تختلف، إلى حد ما، عن الصفات الجسمية للإنسان الحديث، فقد كان دماغهم على وجه الخخصوص أصغر وكانت له أبعاد مختلفة عن دماغ الإنسان العاقل. مع ذلك، لا أحد في موقع يؤهله ليقرر أي حجم وشكل يجب أن يتخذهما الدماغ لكي يطور الأفكار الدينية”[53]. المضوع مختلف بعض الشيء فيما يتعلق بالديانة النيوليثية، نظراً لقربها من أزمنة المجتمعات الزراعية الأولى. إذ “تشمل الديانة الننيوليثية على المفاهيم الدينية والعبادات وطقوس المجتمعات الزراعية الأولى التي برزت إلى الوجود في كل أنحاء العالم في عصر الهولولوسين (8000 – 3000 ق.م). خلافاً للعصرين الباليوليثي والميزوليثي من ما قبل التاريخ، تميز العصر النيوليثي بشروط مناخية مشابهة جداً لشروط العصر الحالي، وجهت النشاط البشري بشكل أساسي إلى الأرض وثمارها. إن الاهتمام الذي تركز سابقاً على الحجر تحول الآن إلى التراب، الذي لم يصبح المادة الخام الأساسية فحسب، بل أصبح أيضاً رمزاً متعدد المعاني. هذه الانشغالات أدت إلى ظهور إيديولوجيا مميزة، وأساليب توطُّنية في الحياة، وبناء المستوطنات الدائمة وتدجين النباتات والحيوانات واختراعات تكنولوجية هامة مثل صنع الواني الفخارية. وهي التطورات التي تُعرّف بأنها الإنجازات الأساسية للثورة النيوليثية. إن ارتباط الأفكار المعقدة والنشاطات العديدة بالتراب، مع ذلك، لم يكتمل بسرعة. فقد استغرقت المجتمعات النيوليثية قروناً لكي تتعلم استعمال التراب كمادة جديدة، وتجده أكثر ضرورية وقيمة ومعنى من الحجر. بما أن النشاطات اليومية ليست وحدها التي ارتبط بالحجر في العصرين الباليوليثي والميزوليثي، بل ارتبطت به أيضاً المعتقدات والعبادات والطقوس الدينية وربما الأساطير أيضاً، فإن هذه الثورة النيوليثية يمكن تعريفها من وجهة نظر تاريخ الأديان، بأنها مسيرة تدريجية لنزع القداسة عن الحجر وتقديس التراب[54].

إذاً، تعرفنا حتَّى هذه اللحظة على جزء من تاريخ الفِرق والمذاهب الإسلامية، بما هي جزء أساسي وأصيل من الدِّين الإسلامي الذي يفرض نفسه بشكلٍ كبير ولافت في العالَم العربي، ما يستوجب علينا معرفة تلك الأجزاء والإطلَّاع على ذلك التاريخ الثري من جهة، والغائب عنَّا بشكل عام من جهة ثانية. أي أن حديثنا (عن الأديان) ابتدأ من منطقة وسطى زمانياً تقريباً. ولنا، كما أسلفت، ما يُبرِّرُ ذلك[55]، ولكي يعود تدرُّج الزمن الدِّيني بشكل طبيعي، فقد عدتُ إلى البدايات الأولى، وتحدثتُ عن أنماطٍ متعدِّدةٍ من الممارسات الدينية والطقوس التي ارتبطت بقوى غير مرئية، كما هو الأمر بالنسبة للطوطمية والشامانية والديانات البدائية، كالديانة الباليويثية والنيوليثية. وكاستكمالٍ لهذا التدرُّج الطبيعي سوف انتقل، في الجزء الثاني من هذه المقالة، إلى كتاب (المعتقدات الدينية لدى الشعوب) لاستطلع أبرز معالمه، قبل أن انتقل إلى كتاب (الفكر الشرقي القديم) لأتحدث عن أبرز الديانات العليا القديمة. ثم أخيراً لأتحدث عن الديانتين اليهودية والمسيحية، كما تمَّ التأريخ لهما في موسوعة تاريخ الأديان.

 

الحواشي والمراجع:

[1]  بما في ذلك الحديث عن جُملة من الفرق والمذاهب الإسلامية، نظراً لأهمية ذلك بالنسبة للمجتمعات العربية، وما يمكن أن يُفضي إليه التعرُّف على حالة الثراء، التي كانت عليها ذاتنا الجمعية القديمة، آناً ومستقبلاً.

[2]  أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، المِلَل والنِّحَل، صحَّحه وعلَّق عليه أحمد فهمي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1992.

[3]  فراس السواح، موسوعة تاريخ الأديان، الكتاب الأول: الشعوب البدائية والعصر الحجري، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، سوريا، ط4، 2017.

[4]  جفري بارتدر، المعتقدات الدينية لدى الشعوب، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 173، 1993.

[5]  جون كولر، الفكر الشرقي القديم، ترجمة كامل يوسف حسين، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 199، 1995.

[6]  فراس السواح، موسوعة تاريخ تاريخ الأديان، الكتاب الخامس، الزرادشتية، المانوية، اليهودية، المسيحية، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق، سورية، ط4.

[7]  جاء في كتاب الأعلام للزركلي عن الإمام الشهرستاني (479 – 548 هـ / 1086 – 1153م):

محمد بن عبد الكريم بن أحمد، أبو الفتح الشهرستاني: من فلاسفة الإسلام. كان إماما في علم الكلام وأديان الأمم ومذاهب الفلاسفة. يلقب بالأفضل. ولد في شهرستان (بين نيسابور وخوارزم) وانتقل إلى بغداد سنة 510 هـ، فأقام ثلاث سنين، وعاد إلى بلده، وتوفي بها. قال ياقوت في وصفه: (الفيلسوف المتكلم، صاحب التصانيف، كان وافر الفضل، كامل العقل، ولولا تخبطه في الاعتقاد ومبالغته في نصرة مذاهب الفلاسفة والذب عنهم لكان هو الإمام). من كتبه (الملل والنحل) ثلاثة أجزاء، و(نهاية الإقدام في علم الكلام) و(الإرشاد في عقائد العباد) و(تلخيص الأقسام لمذاهب الأنام) و(مصارعات الفلاسفة) و(تاريخ الحكماء) و(المبتدأ والمعاد) و(تفسير سورة يوسف) بأسلوب فلسفي و(مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار) في التفسير…إلخ.

يمكن العودة إلى الرَّابط التالي:

https://shamela.ws/author/139

[8] أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، المِلَل والنِّحَل، صحَّحه وعلَّق عليه، أحمد فهمي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1992، ص ص 32- 33.

[9]  لا شكّ أن منهجية الشهرستاني في كتابه، تنطوي على بعض العيوب المبدئية، لكني لا أطرحها للنقاش في هذه المقالة. أو بالأحرى ليس مجالها ها هنا. وهي ليست ما ذكرته أعلاه فقط.

[10]  يمكن العودة إلى مقالة: (ذاتنا العميقة: إسهام في التكوين المعرفي للإنسان العربي الحديث) – الجزء الثالث، موقع تكوين، على الرَّابط التالي:

https://taqueen.com/%d8%b0%d8%a7%d8%aa%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d8%a5%d8%b3%d9%87%d8%a7%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%83%d9%88%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%81-3/

 

[11]  أصحاب يزيد بن أنيسة الذي زعم أن الله تعالى سيبعث رسولاً من العجم، وينزل عليه كتاباً قد كتب في السماء وينزل جملة واحدة…إلخ.

الشهرستاني، الملل والنحل، الجزء الأول، مرجع سابق، ص 133.

[12]  الخوارج: أول من خرج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه جماعة ممن كان معه في حرب صفين، وأشدهم خروجاً عليه ومروقاً في الدين الأشعث بن قيس ومسعر بن فدكي التميمي، وزيد بن حصن الطائي، حين قالوا: القوم يدعوننا إلى كتاب الله، وأنت تدعونا إلى السيف…إلخ

المرجع السابق، ص 106.

[13]  الإسماعيلية: الواقفية قالوا إن الإمام بعد جعفر، إسماعيل نصا عليه باتفاق من أولاده، إلا أنهم اختلفوا في موته في حال حياة أبيه. فمنهم من قال لم يمت إلا أنه أظهر موته تقية من خلفاء بني العباس وعقد محضرا، وأشهد عليه عامل المنصور بالمدينة، ومنهم من قال الموت صحيح…إلخ

المرجع السابق، ص 170.

[14]  المرجئة: الإرجاء على معنيي أحدهما: التأخير، قالوا: أرجه وأخاه أي أمهله وأخره، والثاني: إعطاء الرجاء، أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد، وأما بالمعنى الثاني فظاهر، لأنهم كانوا يقولون لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

المرجع السابق، ص 137.

[15]  الباطنية: لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطناً، ولكل تنزيل تأويلاً…إلخ.

المرج السابق، ص 201.

[16]  الإمامية: هم القائلون بإمامة علي عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم نصاً ظاهراً، وتعييناً صادقاً، من غير تعريض بالوصف، بل إشارة إليه بالعين…إلخ.

المرجع السابق، ص 163.

[17]  المعتزلة: ويسمون أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية وهم قد جعلوا لفظ القدرية مشتركاً، وقالوا لفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خيره وشره من الله تعالى، والذي يعم طائفة المعتزلة من الاعتقاد، القول بأن الله تعالى قديم، والقدم أخص وصف ذاته، ونفوا الصفات القديمة أصلاً، فقالوا هو عالم لذاته، قادر لذاته، حي لذاته، لا بعلم وقدرو وحياة، هي صفات قديمة ومعاني قائمة به…إلخ.

المرجع السابق، ص 38.

[18]  النظامية: أصحاب إبراهيم بن سيار النظام، وقد طالع كثيراً من كتب الفلاسفة، وخلط كلامهم بكلام المعتزلة… إلخ.

المرجع السابق، ص 47.

[19]  الهذيلية: أصحاب أبي الهذيل محمد بن الهذيل العلاف شيخ المعتزلة، ومقدم الطائفة، ومقرر الطريقة والمنظر عليها، أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل، عن واصل بن عطاء، ويقال أخذ واصل عن أبي هاشم عبد الله بن حمد بن الحنيفية

[20]  الأشعرية: أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المنتسب إلى أبي موسى الأشعرى رضي الله عنهما… قال الأشعري: الإنسان إذا فكر في خلقته في أي شيء ابتدأ وكيف دار في أطوار الخلقة كوراً بعد كور، حتى وصل إلى كمال الخلقة وعرف يقيناً أنه بذاته لم يكن ليدبر خلقته، يبلغه من درجة إلى درجة، ويرقيه من نقص إلى كمال، عرف بالضرورة أن له صانعاً قادراً عليماً مريداً، إذ لا يتصور صدور هذه الأفعال المحكمة من طبع لظهور آثار الاختبار في الفطرة، وتبيين آثار الإحكام والإتقان في الخلقة فله صفات دلت أفعاله عليها لا يمكن جحدها، وكما دلت الأفعال على كونه عالماً قادراً مريداً، دلت على العلم والقدرة والإرادة لأن وجه الدلالة لا يختلف شاهداً وغائباً.

المرجع السابق، ص 81.

[21]  الإباضية: أصحاب عبد الله بن أباض الذي خرج في أيام مروان بن محمد فوجه إليه عبد الملك بن محمد بن عطيه فقاتله بتبالة، وقيل: إن عبد الله ابن يحيى الأباضي كان رفيقاً له في جميع أحواله وأقواله، وقال: إن مخالفينا من أهل القبلة كفار غير مشركين، ومناكحتهم جائزة، وموارثتهم حلال، وغنيمة أموالهم من السلاح والكراع عند الحرب حلال، وما سواه حرام، وحرام قتلهم وسبيهم في السر غيلة، إلا بعد نصب القتال وإقامة الحجة.

المرجع السابق، ص 131.

[22]  الحابطية: أصحاب أحمد بن بن حابط، وكذلك الحدثية أصحاب فضل بن الحدثي كان من أصحاب النظام، وطالعا كتب الفلاسفة أيضاً، وضما إلى مذهب النظام ثلاث بدع:

الأولى: إثبات حكم من أحكام الإلهية في المسيح عليه السلام موافقة النصارى على اعتقادهم أن المسيح عليه السلام هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة، وهو المراد بقوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} [لبفجر: 22]…إلى آخر القول في هذه المسألة.

الثانية: القول بالتناسخ زعماً أن الله تعالى أبدع خلقه أصحاء سالمين، عقلاء بالغين، في دار سوى هذه الار التي هن فيها اليوم، وخلق فيهم معرفته والعلم به، وأسبغ عليه نعمه، فأطاعه بعضهم في جميع ما أمرهم به، وعصاه بعضهم في جيمع ذلك، وأطاعه بعضهم في البعض، دون البعض…إلخ.

الثالثة: حملهما كل ما ورد في بعض الخبر من رؤية الباري تعالى مثل قوله عليه السلام: “إنكم سترون ربكم كما ترون  القمر ليلة البدر لا تضامون رؤيته” على  رؤية العقل الأول…إلخ.

المرجع السابق، ص 55.

[23]  الحمزية: أصحاب حمزة بن أدرك وافقوا الميمونية في القدر وفي سائر بدعها إلا في أطفال مخالفيهم والمشركين فانهم قالوا: هؤلاء كلهم في النار، وكان حمزة من أصحاب الحصين بن الرقاد، الذي خرج بسجستان من أهل أوق وخالفه خلف الخارجي في القول بالقدر واستحقاق الرياسة فبرئ كل واحد منهما عن صاحبه وجوز حمزة إمامين في عصر واحد ما لم تجتمع الكلمة أو تقهر الأعداء.

المرجع السابق، ص 125.

[24]  الشعيبية: أصحاب شعيب بن محمد، وكان مع ميمون من جملة العجاردة إلا أنه برئ منه حين أظهر القول بالقدر، قال شعيب: إن الله خالق أعمال العباد، والعبد مكتسب لها قدرة وإرادة، مسؤول عنها خيراً مجازي عليها ثواباً وعقاباً، ولا يكون شيء في الوجود إلا بمشيئة الله تعالى. وهو على بدع الخوارج في الإمامة والوعيد وعلى بدع العجاردة في حكم الأطفال وحكم القعدة والولي والتبرِّي.

المرجع السابق، ص 126.

[25]  البيهسية: أصحاب أبي بيهس الهيصم بن جابر، وهو أحد بني سعد بن ضبيعة، وقد كان الحجاج طلبه أيام الوليد فهرب إلى المدينة فطلبه بها عثمان بن جيان المري، فظفر به وحبسه، وكان يسامره إلى أن ورد كتاب الوليد بأن يقطع يديه ورجليه، ثم يقتله، ففعل به ذلك، وكفر أبو بيهس إبراهيم وميموناً في اختلافهما في بيع الأمة، وكذلك كفر الواقفية، وزم أنه لا يسلم أحد حتى يقر بمعرفة الله تعالى، ومعرفة رسله، ومعرفة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والولاية لأولياء الله تعالى، والبراءة من أعداء الله، فمن جملة ما ورد به الشرع، مما حرم الله، وجاء به الوعيد فلا يسعه إلا معرفته بعينه، وتفسيره والاحتراز عنه.

المرجع السابق، ص 121.

[26]  الصفرية الزيادية: أصحاب زياد بن الأصفر، خالفوا الأزارية والنجدات والإباية في أمور، منها:

أنهم لم يكفروا القعدة عن القتال، إذا كانوا موافقين في الدين والاعتقاد، ولم يسقطوا الرجم ولم يحكموا بقتل أطفال المشركين وتكفيرهم وتخليدهم، وقالوا: التقية جائزة في القول دون العمل، وقالوا: ما كان من الأعمال عليه حد واقع، فلا يتعدى بأهله الاسم الذي لزمه الحد، كالزنا والسرقة والقذف، فيسمى زانياً سارقاً قاذفاً لا كافراً مشركاً، ومن كان من أهل الكبائر مما ليس فيه حد لعظم قدره مقل ترك الصلاة فإنه يكفر بذلك…إلخ.

المرج السابق، ص 134.

[27]  اليونسية: أصحاب يونس النميري، زعم أن الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له وترك الاستكبار عليه والمحبة بالقلب، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن، وما سوى المعرفة من الطاعة فليس من الإيمان، ولا يضر تركها حقيقة الإيمان، ولا يعذب على ذلك إذا كان الإيمان خالصاً واليقين صادقاً.

المرجع السابق، ص 138.

[28]  الثوبانية: أصحاب أبي ثوبان المرجئ، الذين زعموا أن الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى وبرسله عليهم السلام، وبكل ما لا يجوز في العقل أن يفعله، وما جاز في العقل تركه فليس من الإيمان، وأخر العمل كله من الإيمان.

المرجع السابق، ص 139.

[29]  الشميطية: أتباع يحى بن شميط قالوا إن جعفراً قال إن صاحبكم اسمه اسم نبيكم، وقد قال له والده إن ولد لك ولد فسمه باسمي فهو إمام، فالإمام بعده ابنه محمد.

المرجع السابق، ص 168.

[30]  اليهود والنصارى: هاتان الأمتان من كبار أمم أهل الكتاب، والأمة اليهودية أكبر، لأن الشريعة كانت لموسى عليه السلام، وجميع بني إسرائيل كانوا متعبدين بذلك، مكلفين بالتزام أحكام التوراة والإنجيل، النازل على المسيح عليه السلام، لم يختص أحكاماً، ولا استنبط حلالاً وحراماً، ولكنه رموز وأمثال، ومواعظ ومزاجر، وما سواها من الشرائع والأحكام…إلخ.

المِلّل والنِّحَل، الشهرستاني، مرجع سابق، ص 229.

[31]  الملكائية: أصحاب ملكا الذي ظهر بالروم، واستولى عليها، ومعظم الروم ملكائية. قالوا إن الكلمة اتحدث بجسد المسيح وتدرعت بناسوته ويعنون بالكلمة أقنوم العلم، ويعنون بروح القدس أقنوم الحياة، ولا يسمون العلم قبل تدرعه به ابنا، بل المسيح مع ما تدرع به ابن، فقال بعضهم إن الكلمة مازجت جسد المسيح كما يمازج الخمر اللبن أو الماء اللبن…إلخ.

المرجع السابق، ص ص 248- 249.

[32]  الصابئة: في اللغة صبا الرجل إذا مال وزاغ، وبحكم ميل هؤلاء عن سنن الحق، وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم الصابئة، وقد يقال صبا الرجل إذا عشق وهوى، وهم يقولون الصبوة؛ وهو الانحلال عن قيد الرجال، وإنما مدار مذهبهم على التعصب للروحانيين…إلخ.

المرجع السابق، ص 289.

[33]  النسطورية: أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون، وتصرف في الأناجيل بحكم رأيه، وإافته المعتزلة إلى هذه الشريعة، قال: إن اللع تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة، الوجود والعلم والحياة، وهذه الأقانيم ليست زائدة على الذات ولا هي هو، واتحدت الكلمة بجسد عيسى عليه السلام، لا على طريق الامتزاج كما قالت الملكانية، وعلى على طريق الظهورية، كما قالت اليعقوبية، ولكن كإشراق الشمس في كوة أو على بلور، أو كظهور النقش في الخاتم…إلخ

المرجع السابق، ص ص 251- 252.

[34]  المجوسية: يقال لها الدين الأكبر والملة العظمى، إذ كانت دعوة الأنبياء بعد الخليل عليه السلام، لم تكن في العموم كالدعوة الخليلية، ولم يثبت لها من القوة والشوكة والملك والسيف، مثل الملة الحنيفية، إذ كانت ملوك العجم كلها ملة إبراهيم، وجميع من كان في زمان واحد منهم من الرعايا في البلاد على أديان ملوكهم، وكان لملوكهم مرجع هو موبد، موبذان، أعلم العلماء وأقدم الحكماء، يصدرون عن أمره، ولا يرجعون إلا إلى رأيه، ويعظمونه تعظيم السلاطين…إلخ.

المرجع السابق، ص 257.

[35]  الزرادشتية: أصحاب زرادشت بن بورشسب الذي ظهر في زمان كشتاسف ابن لهراسب الملك، وأبوه كان من أذربيجان، وأمه من الري، واسمها دعد، وزعموا أن لهم أنبياء، وملوكاً، أولهم كيومرت وكان أول من ملك الأرض، وكان مقامه بأصطخر، وبعده أو شهنج ابن فراول، ونزل أرض الهند، وكانت له دعوة ثمة، وبعده طمهورث وظهرت الصابئة في أول سنة من ملكه، وبعده أخوه جم الملك، ثم بعده أنبياء وملوك، منهم منوجهر، ونزل بابل وأقام بها، وزعموا أن موسى عليه السلام، ظهر في زمانه حتى انتهى الملك إلى كشتاسف ابن لهراسب، وظهر في زمانه زرادشت الحكيم، وزعموا أن الله عز وجل خلق من وقت ما في الصحف الأولى، والكتاب الأعلى من ملكوته خلقاً روحانيا، فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ مشيئته في صورة من نور متلألئ…إلخ.

المرجع السابق، ص ص 264- 265.

[36]  المانوية: أصحاب ماني بن فاتك الحكيم الذي ظهر في زمان شابور بن أزدشير، وقتله بهرام بن هرمز بن شابور، وذلك بعد عيسى عليه السلام، أخذ ديناً بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوة المسيح عليه السلام، و لايقول بنبوة موسى عليه السلام، حكى محمد بن هارون المعروف بأبي عيسى الوراق، وكان في الأصل مجوسياً عارفاً بمذاهب القوم، إن الحكيم ماني زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين، أحدهما نور، والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا وأنكروا وجود شيء لا من أصل قديم، وزعم أنهما لم يزالا قوتين حساسين، سميعين بصيرين، وهما مع ذلك في النفس والصورة، والفعل والتدبير متضادان، وفي الحيز متحاذيان تحاذي الشخص والظل…إلخ.

المرجع السابق، ص ص 268- 269.

[37]  المزدكية: هو مزدك الذي ظهر في أيام قباذ والد شروان ودعا قباذ إلى مذهبه فأجابه، واطلع أنو شروان على خزيه وافترائه فطلبه فوجده فقتله، حكى الوراق أن قول المزدكية كقول كثير من المانوية في الكونين والأصلين، إلا أن مزدك كان يوقل: إن الننور يفعل بالقصد والاختيار، والظلمة تفعل على الخبط والاتفاق، والنور عالم حساس، والظلام جاهل أعمى، وإن المزاج كان على الاتفاق والخبط لا بالقصد والاختيار، وكذلك الخلاص إنما يقع بالاتفاق دون الاختيار، وكان مزدك ينهي الناس عن المخالفة، والمباغة، والقتال، ولما كان أكثر ذلك إنما يقع بسبب النساء والأموال، فأحل النساء والأموال، وجعل الناس شركة فيها، كاشتراكهم في الماء، والنار، والكلأ، وحكي أنه أمر بقتل الأنفس ليخلصها من الشر ومزاج الظلمة. ومذهبه في الأصول والأركان أنها ثلاثة؛ الماء، والنار، والأرض، ولما اختلطت حدث عنها مدبر الخير، ومدبر الشر، فما كان من صفوها فهو مدبر الخير، وما كان من كدرها فهو مدبر الشر…إلخ.

المرجع السابق، ص ص 275- 276.

[38]  المقاربة واليوذعانية نسبوا إلى يوذعان رجل من همدان، وقيل: كان اسمه يهوذا يحث على الزهد وتكثير الصلاة، وينهى عن اللحوم والأنبذة، وفيما نقل عنه تعظيم أمر الداعي، وكان يزعم أن للتوراة ظاهراً وباطناً، وتنزيلاً وتأويلاً، خالف بتأويلاته عامة اليهود وخالفهم في التشبيه، ومال إلى القدر، وأثبت الفعل حقيقة للعبد، وقدر الثواب والعقاب عليه وشدد في ذلك.

المرجع السابق، ص 240.

[39]  الموشكانية: أصحاب موشكان على مذهب يوذعان، غير أنه كان يوجب الخروج على مخالفيه، ونصب القتال معهم، فخرج في تسعة عشر رجلاً فقتل بناحية قم، وذكر عن جماعة من الموشكانية، أنهم أثبتوا نبوة المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى العرب، وسائر الناس سوى اليهود، لأنهم أهل ملة وكتاب…إلخ.

المرج السابق، ص 240.

[40]  العنانية: نسبوا إلى رجل يقال له عنان بن داود رأس الجالوت، يخالفون سائر اليهود في السبت والأعياد يوقتصرون على أكل الطير والظباء والسمك، ويذبحون الحيوان على القفا، ويصدقون عيسى عليه السلام، في مواعظه وإرشاداته، ويقولون إنه لم يخالف التوراة البتة بل قررها، ودعا الناس إليها، وهو من بني إسرائيل المتعبدين بالتوراة، ومن المستجيبين لموسى عليه السلام، إلا أنهم لا يقولون بنبوته ورسالته…إلخ.

المرجع السابق، ص 238.

[41]  سأرجئ الحديث عن ذلك إلى الشِّق الثاني من هذه المقالة، أي ساعة الحديث عن النقلة الثانية التي تسعى هذه المقالة إلى إحداثها والمندرجة تحت عنوان: من الأديان إلى السؤال الديني.

[42]  مما يُعمِّق غياب هكذا منظومات فكرية عن سياقنا المعرفي العربي، أنَّ مواد كتاب (موسوعة تاريخ الأديان: الشعوب البدائية والعصر الحجري) هي مواد مترجمة، وليست مكتوبة باللغة العربية مباشرة، فالمهتمون بهكذا قضايا قلَّة في العالَم العربي، ويكاد ينحصر وجودهم في دوائر مُغلقة. أحدهم المترجم السوري فراس السواح، الذي أشرف على تحرير الكتاب المذكور، بعد أن ترجم مادته كل من: “غادة جاويش” و”محمود منقذ الهاشمي” و”عدنان حسن” و”ثائر ديب” و”يوسف شلب الشام”.

[43]  فراس السواح، موسوعة تاريخ الأديان: الشعوب البدائية والعصر الحجري، مرجع سابق، ص ص 43- 159.

[44]  “تقر الطوطمية بوجود علاقة حميمة بين مجموعات بشرية معينة وأصناف أو فصائل من الحيوان أو النبات أو الجماد. إن الإقرار بمثل هذه العلاقة يؤدي إلى نوع من التقسيم الاجتماعي إلى طوائف، وإلى خلق طقوس خاصة بكل طائفة أو مجموعة من شأنها ربط المجموعة إلى نظيرها الطوطمي. وهذه الطقوس تختلف إلى درجة تجعلها عصية على التعميم. إن طقوس أستراليا الأصليين جديرة بالتوقف عندها لكونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببناء القبيلة. فلقد حل الأستراليون مشكلة عدم توفر غذاء كاف للقبيلة من خلال الطوطمية. ذلك أن كل صنف من الحيوان أو النبات أو الجماد يملك دوراً في الإمداد الغذائي قد غدا طوطماً لإحدى عشائر القبيلة. ولعل المقطع التالي الذي سجله أحد الأنثروبولوجيين يشرح هذه المسألة: “إن مؤونتنا الغذائية تعتمد على الحيوانات والنباتات والمواد التي تدخل في تصنيع الغذاء. فلتتزايد الحيوانات والنبات إلى درجة الوفرة. ولتعمل كل عشيرة لها طوطماً من النبات أو الحيوان، ولتحرص على وفرة وتزايد الصنف المقدس عندها، وذلك من خلال السحر والصلوات وتقديم العناية والرعاية. إن من لا ينتمون إلى العشيرة يمكن أن يأكلوا من الطواطم بحرية، إلا المجموعة الطوطمية التي تعتبره محرماً وتأكل منه بتقتير شديد، حتى عندما تسمح مناسبة الوجبة المقدسة الدورية بذلك”.

فراس السواح، موسوعة تاريخ الأديان: الشعوب البدائية والعصر الحجري، مرجع سابق، ص ص 41- 42.

[45]  الشامانية: بالمعنى الدقيق هي أولاً وقبل كل شيء ظاهرة من الظواهر الدينية في سيبيريا وآسيا الوسطى. والكلمة تأتينا، عبر الروسية من الكلمة التونغوزية Tungus  شامان Shaman وفي كل المساحة الشاسعة التي تشمل المناطق الوسطى والشمالية من آسيا، ترتكز الحياة الدينية – السحرية للمجتمع على الشامان. ولا ريب أن ذلك لا يعني أنه المتلاعب الأوحد والوحيد بالمقدَّس، ولا أنه يحتكر النشاط الديني بكامله. ففي قبائل كثيرة يتعايش الكائن الذي يقدم الأضاحي مع الشامان، ولا ضرورة لذكر أن كل رئيس أسرة هو كذلك رئيس العبادة العائلية. ومع ذلك، يظل الشامان الشخص المسيطر في جميع أنحاء المساحة الهائلة من آسيا التي تعد فيها خبرة الوَجْد خبرة دينية بامتياز، والشامان، وحده، هو أستاذ الوَجْد العظيم. والتعريف الأول لظاهرة الشامانية –ولعله أقل تعريف تعرضاً للخطر- هو أنها تقنية الوَجْد.

موسوعة تاريخ الأديان، مرجع سابق، ص 159.

[46]  لا أريد تكرار الحديث عن الشامانية لأنها متشابهة في العموم.

[47]  تشير مفهومات من قبيل الوكان اللاكوتي Lakota wakan إلى الوعي للعالم الآخر، عالم الأرواح والآلهة والعجائب, ويتجلى هذا العالم فوق الطبيعي أو فوق العادي في الطبيعة، التي يَرد عليها عندئذ شأن قدسي. وغالباً ما يجري ترتيب المخيم المؤقت أو القرية في أنموذج يؤسس تطابقاً طقسياً مع العالم فائق الطبيعة. وفي القرن العشرين فإن لديناة عموم الهند التي هي الرابطة بين الظواهر الأرضية والعالم الآخر شأناً كبيراً.

موسوعة تاريخ الأديان، مرجع سابق، ص ص 214- 215.

[48]  الكائن الأعظم:يعبَّر عن العالم فائق الطبيعة في الدرجة الأولى من خلال القوى الروحية التي تقوم في مثوى الآلهة والأرواح والأشباح. وفي الكثير من القبائل الأمريكية توجَّه الصلوات إلى جمعية الكائنات الإلهية أو الروحية، كما هو المر في الاحتفال الغليوني. والمقدَّم بين هذه الآلهة، في جل القبائل، إنما هو إله السماء والذي يمثل كل الكائنات فائقة الطبيعة الأخرى أو يقف موقف المتفوق عليهم والحاكم للكون. ويعرف هنود البوني Pawnee في نبراسكا، مثلاً، سلسلة مراتب آلهة النجوم والأرواح، وكلها تابعة للإله العَليّ في السماء.تيراوا Tirawa ومن الممكن الحِجَاج أن فكرتهم عن إله عليّ قد تشكلت بعد النماذج المفهومية المكسيكية، ما دامت الشعوب الناطقة بلغة الكادو Speaking Caddoan التي ينتمي إليها الشعب البوني كانت تلهمها الثقافة الميسيسبية المستمدة من المكسيك فيما قبل التاريخ…إلخ.

المرجع السابق، ص 215.

[49]  بطبيعة الحال يقصد الحديث عن سكان أمريكا الشمالية الأصليين.

[50]  المرجع السابق، ص 259.

[51] المرجع السابق، ص ص 259- 260.

[52]  المرجع السابق، ص 322.

[53]  المرجع السابق، ص 322.

[54]  المرجع السابق، ص 327.

[55]  يمكن العودة إلى هامش رقم 1.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete