تكوين

فضل الرحمن مفكر باكستاني (-1988م) تأثر بأفكار محمد إقبال وبطروحات أحمد خان، له مجموعة من الاصدارات من بينها: كتاب “الإسلام وضرورة التحديث نحو إحداث تغيير في التقاليد الاجتماعية” ترجم إلى العربية سنة 1993م، “المسائل الكبرى في القرآن الكريم” ترجم إلى العربية سنة 2013م وكتاب “الإسلام” ترجم سنة 2017م، فمؤلفاته لا تزال متداولة بالبحث والتحليل في أغلب الجامعات الغربية والمنتديات الثقافية العالمية. اشتهر فضل الرحمن بكونه مصلحًا ليبراليًا بارزًا للإسلام، كرّس نفسه لإصلاح التعليم وإحياء التفكير المستقل (الاجتهاد). بعد التدريس في بريطانيا وكندا، تم تعيين فضل الرحمن رئيسًا للمعهد المركزي للبحوث الإسلامية في باكستان في عام 1963م. على الرغم من أن أعماله حظيت باحترام واسع من قبل المصلحين الآخرين، إلا أنها كانت أيضًا سببا في انتقادات شديدة من قبل العلماء المحافظين، لكونها إصلاحية بشكل جذري علني، الأمر الذي وقف سدا منيعا أمام مشروعه الإصلاحي التعليمي، وقد اضطر لمغادرة باكستان عام 1968م متوجهاً إلى الولايات المتحدة حيث درّس في جامعة كاليفورنيا ولوس أنجلوس وجامعة شيكاغو.

من هو فضل الرحمن المفكر الباكستاني

  • السيرة النبوية

يرى فضل الرحمان بأننا لا نعرف الكثير عن حياة محمد، قبل دعوته وهو في سن الأربعين من عمره، ومن المعروف أنه عرف بأمانته ومن بين الذين تأثروا به السيدة خديجة، ومن المعروف بأن رقة الإحساس الذي تمتع بها محمد، دفعته على نحو متكرر، إلى أن يخلو الى نفسه منعزلا في كهف حراء خارج مكة حيث كان يمضي وقتا طويلا في التأمل.

اعتنى الكثير من الدارسين في الغرب بحياة محمد قبل البعثة وبعدها، فالكثير منهم ركز على طبيعة التحولات التي كانت تعيشها الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي قبل بعثة محمد، فقد كانت الجزيرة العربية تعرف حضور الجماعات اليهودية والجماعات المسيحية، وكل هذا مهد الطريق بفعل اختمار فكرة التوحيد قبل بعثة محمد، ففي نظر هؤلاء ففكرة التوحيد التي قال بها محمد، قد اخذها من اليهودية. ويرى البعض منهم بأن السر الكامن من وراء فكرة التوحيد يعود إلى رتابة الحياة الصحراوية المطلقة. فكل من وجهات النظر هذه ما هي إلا تخمينات لا تراعي حقيقة رسالة الإسلام، لقد غاب عن كل هؤلاء بأن التوحيد المحمدي كان مرتبطا منذ البداية بنزعة إنسانية مفادها الدعوة الى العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وإلا ما هي الفائدة من التوحيد. ومن يقرأ السور الأولى المكية من بينها سورة الماعون سيدرك هذا جيدا، بشكل واضح، وهذه هي الرؤية والاعلان الذي تأسيس المجتمع الإسلامي عليه، كان الرسول يصر على: الله واحد، إنسانية واحدة.

من تنوير الظاهرة الدينية إلى إنارة العقل

يرى فضل الرحمان بأن القول باختمار فكرة التوحيد قبل بعثة محمد، قد تكون صحيحة، بمعنى أن مبدأ التوحيد هو استمرار لتراث الأنبياء، ولكن ليست هناك أثرا لدليل تاريخي يجعل من فكرة التوحيد مرتبطة بحركة للإصلاح للاجتماعي. فالراجح أن دعوة محمد للتوحيد لا صلة لها بالحياة الصحراوية التي كانت للبدو. وهناك أطروحة أخرى ترى بأن بعثة محمد كانت استجابة لمطلب قومي عروبي، ولكن العدالة والتوحيد الذي يدع له محمد يعلو فوق أي مبدئ قومي،[2] كما أن الذين اعترضوا في البدء على دعوة محمد كانوا عربا، ونحن نعلم أن محمد عند هجرته الى المدينة أعلن عقدا بموجبه: ضمان الحرية الدينية لليهود، ودعوة اليهود والمسلمين إلى أن يساهموا في دعوة السلام فيما بينهم، والعقد يسمى اليوم “وثيقة المدينة”. فكل الحروب التي خاضها محمد كانت مفروضة عليه، فهو لم يكن يقاتل ولم يأمر بالقتال إلا عندما يكون القتال أمر لا يمكن تجنبه.[3]

يرى فضل الرحمن بأن هناك مرحلة مهمة في حياة محمد، لم تنل حظها من الدراسة والبحث والفهم، ويتعلق الأمر بتاريخه الروحي والباطني، وهو تاريخ مازال بحاجة الى إعادة بناء بمجمله، فقد كان ذهن النبي قبل دعوته مهموما بمشكلات تتعلق بوضع الانسان ومصيره وهو أمر دفعه الى خلوات منتظمة، ومن مخاض ذلك البحث المضني الشاق انبثق الوحي، وهو ما يشير إليه القرآن قال تعالى: “ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)” (الشرح) ومن المعروف أن التراث الإسلامي نسج أسطورة مفادها كيف شق الملك صدر محمد وطهر قلبه.[4]

اشتغل كتاب السيرة كثيرا على تصوير مختلف الأحداث والوقائع، أكثر ما اعتنوا بشخص محمد الانسان، الذي يأخذه الفرح، الحزن، الأمل، التمني، الرجاء، الرأفة، الكرم، العفو، بعد النظر، الفطنة، التوقع…ملاحظة فضل الرحمن هي دعوة لإعادة قراءة السيرة النبوية، بالتركيز على شخص محمد بدل التركيز على ما حدث في التاريخ من وقائع وأحداث، لأن هذا الأمر في نظره سيجعلنا نعرف عن قرب شخصية محمد قبل البعثة وبعدها، وبمعرفتنا إياه سنعرف مجددا القيمة الأخلاقية للإسلام، وكيف تمثلها الرسول في حياته. بهدف أن نخوض نفس التجربة وفق واقعنا المختلف عن واقع الرسول الكريم.

  • القرآن الكريم

ينظر القرآن الى نفسه بأنه كلام الله، فهو كلام إلهي محظ، ولكن في نفس الوقت على علاقة حميمة بأعماق شخصية النبي محمد، الذي لا يمكن النظر الى علاقته بالقرآن على أنها علاقة آلية خارجية، كما لو أننا أمام جهاز تسجيل فالكلام الإلهي ينبع من قلب النبي الكريم، ولكن إذا كان محمد قد أصبح في لحظاته القرآنية، متحدا مع الشرعة الأخلاقية، فإنه مع ذلك، قد لا يكون قد اتحد بالله أو بجزء منه، اتحادا تاما مطلقا. فالقرآن يمنع هذا النحو من الاتحاد مطلقا، ومحمد تجنب ذلك بإصرار لا يلين.[5]

الانطباع الغالب الذي يتركه القرآن ككل عند القارئ عن الله هو ليس: الله المراقب المعاقب، كما وصفه المسيحيون بصفة عامة، وليس قاضي القضاة كما اعتقد المشرعون المسلمون، وإنما هو إرادة خالقة غائية للنظام في الكون: إن صفات القدرة والجلال والاكرام والعدل والحكمة المنسوبة الى الله في القرآن حقا مؤكدا لا يقبل الخطأ.[6]

الدافع الحيوي للإسلام كان دافعا أخلاقيا، فبما أن القرآن رسم تدريجيا، وجهة نظر، كاملة حول العالم، “فقد كان على النظام الأخلاقي، بالنسبة الى الناس، أن يفترض نقطة مركزية للاهتمام الإلهي في هذه الصورة الكاملة للنظام الكوني الذي لا يتسم بطابع ديني عال فحسب، وإنما يظهر قدرا كبيرا من الترابط والتماسك، فمفهوم الله، الخالق المطلق للعالم، مفهوم متطور شامل بحيث نجد أن صفاة الخلق والنظام والرحمة ليست مجرد صفات يرتبط أحدهما بالأخر أو يضاف أحدهما الى الآخر، وإنما هي صفات متداخلة على نحو كلي تماما، فلا فرق بالنسبة الى الله بين الخلق والنظام، أو الأمر، فهي كلها تنتمي إليه قال تعالى: “ورحمتي وسعت كل شيء”(الأعراف/156)”[7]

تطبيقات الشريعة

وعلينا ألا نغفل بأن القرآن من حيث المبدأ كتاب مبادئ ومواعظ، أخلاقية ودينية، وليس وثيقة قانونية، صحيح بأنه يضم بعض من الاحكام الفقهية، والجزء الكبير منها بهدف تقديم تطبيق عملي وفق محيط القرآن، للأخلاق والقيم التي يدعو إليها القرآن، ولهذا نجد في القرآن، صيغة “يسألونك” وهي تدل على أن التشريع يستجيب لمتطلبات الواقع، فعلينا التمييز بين روح الشريعة وتطبيقات التشريعية، (روح القرآن والتطبيقات التشريعية للقرآن).

  • التربية والتعليم

يرى فضل الرحمن بأن مشكلة الأصولية مؤشر على الأزمة التي يعاني منها العالم الإسلامي، والسؤال كيف نتجاوز هذه المعضلة التي عمرت طويلا، ففي نظره أن التعليم والإصلاح يعد مدخلا لا مهرب عنه ومنه، في الإصلاح، وذلك بضرورة دمج الإسلام والنزعة العقلية الحديثة في مختلف برامج مستويات التعليم، من أجل خلق وجهة نظر إسلامية حديثة وأصلية حول العالم. لأننا اليوم في حاجة لنتعرف على الإسلام من جديد، وهذا لا يعني أننا نجهله، ولكن بالنظر الى ما قامت به الأصوليات من أعمال عنف باسم الإسلام في مناطق متفرقة من العالم، فذلك يعني أن هؤلاء المتطرفون يجهلون الإسلام الذي جاء به محمد، وهو إسلام ذو قيمة أخلاقية عالية يميل الى السلم والسلام.

فمجمل كتابات فضل الرحمن، تستغل كل فرصة بهدف الدعوة إلى ضرورة إعادة اكتشاف رسالة الإسلام الأخلاقية في سياق قرآني، مع التأكيد على أن الإسلام دين أخلاقي، وأن القرآن وثيقة أخلاقية ثرية، ولا شك أن فضل الرحمن يستهدف الجمهور الواسع في العالم الغربي، ليعرفه عن الإسلام كما هو في القرآن بكونه منومة أخلاقية، وليس الإسلام كما تشكل في التاريخ والذي كتبت عنه مختلف كتب التاريخ والسير…أو ذلك الإسلام الذي شوهة صورته مختلف الكتابات الاستشراقية، ولاشك أن هذا الكتاب سيكون له أثر بليغ على مختلف الدراسات والأبحاث في الغرب التي تعنى بمعرفة الإسلام.

المراجع:

[1] كاتب وباحث مغربي مختص في قضايا الفكر والدراسات القرآنية.

[2]  فضل الرحمن “الإسلام” ترجمة حسون السراي، منشورات الشبكة العربية، الطبعة الأولى 2017م، نفسه، ص.55

[3]  ، نفسه، ص.67

[4] نفسه، ص.60

[5]  نفسه، ص.83

[6] نفسه، ص.84

[7]  نفسه، ص.85

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete