تكوين
المقدمة:
علاقة الدين بالفن في حياة الناس العادية مركبة غير بسيطة، ولكنها محكومة بنظام المحرمات، تتحكم بها ضوابط وحدود ترسم الحلال والحرام الذين قد يتسعا وقد يضيقا حسب السياق وحسب المصالح السياسية. فحين نتأمل طقوسهم وأعيادهم قد لا نجد تضادا بين الدين والفن بل تآلفا وتداخلا. فمثلا شعائر زيارة أضرحة الأولياء الصالحين تمزج بين الديني والفني مزجا بديعا: فالنسوة يلتقين في مقرّ الضريح مصطحبات أبناءهن حيث الغناء والذكر والمأكولات وتقرع الطبول وترقص النّساء والرجال وتردد الاناشيد وترتل الآيات القرآنية[1]. ففي هذا العالم قد لا يمكننا التفريق بين الفني والديني فلا تناقض. لكنّ جلّ هذه الزوايا والأضرحة صارت الآن في بلدان عربية كثيرة مهددة ومغلقة ومهملة في تونس مثلا[2] ومن بين أسباب ذلك انتشار الفكر التكفيري الذي يعادي الفنون: ويحرم مظاهر الاحتفال والرقص والغناء ويجرم الاختلاط بين النساء والرجال ويبيح هدم الآثار والنقوش والمعالم بحجة أنها شرك وعبادة أوثان. وفي هذا الإطار هدمت داعش مدنا أثرية عريقة وكنوزا إنسانية في العراق وفي سوريا[3]، بحجة تطهير الأرض من نجاسات الشيطان ولمنع كلّ تلك الممارسات التي تشجّع حسب رأيهم على الاختلاط والفساد: ففئات عديدة صارت تلتزم بما يسمّى في الوهابيّة “الآداب الإسلامية” ففي تونس تمّ إحراق مقام السيّدة المنوبيّة سنة2012 لمنع طقوس زيارة قبرها وإقامة الولائم والحفلات الصوفية فيه، لكن المجتمع أعاد بناء ما هدم وعاد المقام إلى استقبال زوّاره وأمّا في بعض المناطق من العالم الإسلامي فقد تمكّن الغاضبون من القضاء على كلّ القبور في محاولة لاستئصال هذه العادات المرتبطة بها والفنون التي بها يحاول العامّة التغلب على الموت والفناء.
تبدو لنا هذه الأفعال مروعة وهمجية، وكذلك تبدو الأعمال الفنية والآثار والأضرحة المزينة والقصور وطقوس الرقص والغناء حتى لو ارتبطت بمراسم زيارة الموتى مروعة بالنسبة إلى الداعين إلى ترك تلك الفنون واجتنابها لأنها من أعمال الشيطان. وقد كُتبت ردود عديدة فيما يخصّ دعوة الوهابية للكف عن زيارة القبور ومن أشهرها رد عمر المحجوب [4]على رسالة عبد الوهاب إلى علماء تونس يدعوهم فيها إلى تحريم وتكفير زيارة القبور وقد نقل الرسالة والردّ ابن أبي الضياف في إتحافه.
وألفت كتب في توضيح أن الدين لا ينافي الفن، كما فعل محمد عمارة حين ألف “الإسلام والفنون الجميلة” حيث بين أن الإسلام لا يعني التجهم والعبوس وكراهة الجميل[5] وقد ألف العلماء القدامى كتبا في الموسيقى يعظمون شأنها ككتاب الموسيقى الكبير للفارابي، وألف الادباء كتبا عظيمة القدر جامعة للفنون ككتاب الأغاني للاصفهاني أو كتب الشعر والبلاغة وما فيها من احتفاء بالموسيقى وأيقاع الشعر، غير أنّ العقيدة الوهابية التي تأسست وفق حلقات ثلاث: مع ابن حنبل ثم ابن تيمية وابن قيم وصولا إلى أصحاب ابن عبد الوهاب قد انتشرت في سياق هذا الوضع العالمي الجديد المتقلب في القرن التاسع عشر والعشرين فأدت إلى انتشار أفكار العداء للفن والمتعة المرتبطة به ونشير هنا إلى أن المرحلة الثالثة المرتبطة بالعنف والهدم قد بدأت فعلا تاريخيا مع ابن تيمية وخاصّة مع ابن أخته ابن قيّم الجوزية. إذ معه نتبين خطاب التكفير والدعوة إلى العنف ضد كل من يتخذ المعازف والفنون.
يمثل ابن قيم الجوزية أحد أبرز العلماء الحنابلة الذين تركوا أثرهم واضحا في الفكر الديني المعاصر[6]، ذلك أن محمد رشيد رضا في مجلة المنار اعتبره رجلا مصلحا مجددا[7]، وقال عنه الذهبي متعاطفا معه منوها به ومشيدا: “وقد حبس مدة وأوذي لإنكاره شد الرحل إلى قبر الخليل والله يصلحه ويوفقه سمع معي من جماعة وتصدر للاشتغال ونشر العلم، ولكنه معجب برأيه جرى عليه أمور”[8]
شاهد أيضاً: كيف ساهم المسيحيون في النهضة العربية؟
فابن قيم عنده منزلة كبيرة في الفكر الديني الحديث، يعتد بما كتبه ويرجع إليه كحجة في مواضيع من بين أهمها ما كان سببا في سجنه وتعذيبه موقفه من زيارة القبور. وله أيضا مواقف في علاقة الفن بالدين تنبني عليها آراء معاصرة كثيرة تحرم الفنون وزيارة القبور وتعتبر ذلك بدعا من الأمور التي يعاقب فاعلها في الدين. لهذا الدور المحوري نظرنا في مؤلف من مؤلفاته المحورية: إغاثة اللهفان. وقداخترنا كتابه هو بالذات لأنّ في نصوصه تتضح النقلة نحو التحريم والتكفير والدعوة الى استعمال العنف. فكتاب “إغاثة اللهفان في مصائد الشّيطان” لابن قيّم الجوزية (691-751) جمع فيه ما استقرّ من أخبار تتّصل بالبدع التّي يجدر بالمؤمن اجتنابها وشعائر يحسن به اتّباعها والالتزام بها للنجاة بروحه والخلاص بها في الدنيا والآخرة. ولم يكتف بذلك، بل شرّع للعقاب والعنف وحتى القتل انتقاما ممّن لا يلتزمون بهذه الأوامر والنواهي. وعلاقة الدين والفن في إغاثة اللّهفان ذات وجه وقفا: ففي الظاهر هي علاقة عداء والأمر في الباطن على غير ذلك، بل تواصل حد التداخل والتماهي: وفي ما سنقدّمه بيان هذه العلاقة المركّبة:
- العداوة بين الدين والفن: الفن تلك المتعةُ الحرام:
لم يصرح النص القرآني بتحريم الفنون ولا الموسيقى ولا المعازف ومع ذلك فإن اللهفان عند ابن قيم هو “صاحب القلب السقيم” فالقلوب عند ابن قيم ثلاثة: سليم وسقيم وميّت. والكتاب متوجّه نحو صاحب القلب السقيم، فهو المخدوع بلذة ليست هي اللذة ومتعة ليست هي المتعة. فمن اغترّ بعذوبة الألحان ورونق الصور وتخمر فرقص أو ذاب في جمال فنّ من الفنون مهما كان فإنّه لا محالة واقع في مصائد الشيطان في نظر ابن قيم[9]. فأما النّاجي فهو الذي لا يتبع تلك المتع الزائلة في نظره ولا يغترّ بها، بل يتمسك بالقرآن والعبادات فقط . فهنا اعتراف إذن بأنّ للفنون على النفس سحرا عظيما، وأنها تحقق متعا للقلب وللجسد ولكنها المتعُ الحرامُ. ودون تلك المتعِ حدود لا يجب على الفطن العاقل أن يتجاوزها. ووظيفة المحدّث في هذا الكتاب هي بيان تلك الحدود للفصل بين الحق والباطل. ولتمييز طريق الله وطريق الشيطان[10]. إن خطاب الكتاب قائم على وضع حد فاصل بين من يسميه سقيما وسليما وبينهما القلب المريض، ذلك الذي يتنازعه الشيطان والخير في نظر ابن قيم، والناس عنده بين سليم وسقيم ومريض إما ينجو من المصائد التي يضعها الشيطان عبر اتباع الدعوة والهداية وإما يفشل ويمسي سقيما حين يتبع الفن والهوى واللذائذ المحرمة في نظر ابن قيم. لهذا فإن كتابه يعتبر تكفيريا لا يدع مجالا للمؤمن أن ينتمي للرحمة الإلهية ويكون في نفس الوقت راغبا في متع الدنيا وحظ الآخرة. وإنما يضعه أمام اختيارين لا ثالث لهما إما ملتزم متزهد وإما صاحب الشيطان لا يوجد منطقة اعتدال بين هذا وذاك.
فنحن في الكتاب أمام جدولين من المعاجم: جدول ليلي وجدول نهاري بالمعنى الانتروبولوجي الذي حدده جلبار دوران[11]: جدول للمعاني النورانيّة التي تحقق التعالي والنجاة. وآخر للدلالات التي تحقق السقوط. وهما على طرفي نقيض فإما فوق وإما تحت، لا توجد منطقة وسطى. إما الدين وإما الفنّ. وعلى الإنسان أن يختار ما بين الدين وبين الفنّ. وأمام هذا التفكير الثنائي لا منطقة وسطى فيها شيء من الدين وشيء من الفن، أو أن يكون الدين ملينا مرقا للقلوب وكذلك الفن ملينا مرقا للقلوب. فلا تناقض بينهما البتة.
وقد بني الامر في الخطاب على التناظر والتقابل بين الرسل والشيطان: فللرسول القرآن وللشيطان قرآن وقرآن الشيطان الغناء.[12]
الفنّ | الدين |
اللهو- اللغو-الباطل-الزور-المكاء والتصدية- رقية الزنى- قرآن الشيطان- منبت النفاق في القلب- الصوت الأحمق، الصوت الفاجر- صوت الشيطان- مزمور الشيطان، السمود | الحق- السماع الرحماني- كلام الله- الرحمة- الرسل الصادقين- حزب الله- اليقين- |
إننا أمام عملين قوليين أساسيين: النّواهي والأوامر وتدعمها خطة حجاجية قائمة أساسا على تكرار الأحاديث. فهذه النّواهي والمرويّات التي ارتبطت بها تصف العقوبات التي تنتظر كلّ من خرق الحظر وتدور في فلك التّخويف والتّحكم عبر بثّ الرّهبة والرّعب. إنّه التّخويف من هذا الشيطان، متمثلّا في صور عديدة:فمن مكائد الشيطان فتنة الصور: الأصنام والنار والماء وال والأوثان…الخ ومن مكائده : سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة والرقص والمعازف. مع أن هذا الشيطان بدا بلا حول ولا قوة مخلوقا مقدرا عليه أن يضطلع بتلك الوظيفة بالذات وأن يكون في تقابل مع الرسل.
- ويتمثل البناء الحجاجي للمحدث في ما يلي:
- عرض أطروحته المتمثلة في:
اعتبار الفنّ مكيدة وفتنة وبلية واستبعادا وهوانا وكل ذلك تحركه القوى الشهوانية الغضبية “فأصول المعاصي تعلق القلب بغير الله وطاعة القوة الغضبية وطاعة القوة الشهوانية”
ولذا تتلخّص دعوة ابن قيم في “ترك كلّ تلك الفنون لأنّها مصائد الشّيطان. ويقدّم وسيلة لتحقيق ذلك التّرك متمثّلة في العقل. وتذكرنا هذه المفاهيم التي يستعملها ابن قيم بمفاهيم فلسفيّة نجدها عند الفلاسفة المسلمين منقولة عن الفلسفة اليونانية. كمفهوم القوة الشهوانية، والقوة الغضبية، والحبّ، والارادة. وعلاقة النفوس بالأجساد. كل هذه المفاهيم تدور في فلك الأفلاطونية المحدثة التي أكّدت على نجاسة الأجسام وشرف النفوس. وتوهم أنّ ابن قيم يدور في فلك الفلسفة غير أنه إذ يعرف الفلسفة بانها حب الحكمة يحدد طبيعة تلك الحكمة بكونها تلك التي جاء بها الانبياء. فنحن إذن أمام تأسيس يتوسل بالمعاجم الفلسفية لينزاح بدلالاتها من سياق المحاجة إلى سياق الاحتجاج بالعقل على النقل. من أجل دعم منهجية المحدثين لا أكثر.
- محاججة طائفة خرجت عن إجماع الفقهاء: المتصوفة الذين توسلوا بالغناء واللهو للتقرب به الى الله.
- فشعائر زيارة القبور والاحتفال بالمولد النبوي وما يرتبط بها من لهو وغناء ورقص واختلاط كانت ردا على الاحتفالات الشيعيّة في بغداد البويهيّة وفي القاهرة الفاطميّة، فالدولة الأيوبية ثم المملوكية اعتنتا بتحويل “صورة النبي إلى صورة إمام أو ولي وحولت المسجد النبوي إلى ما يشبه المقام وأحاطتا قبر الرسول بهالة البلاط السّلطاني وجلبتا له الخدم من الخصيان الأحباش الذين مازالت بقايا المعمّرين منهم موجودة في المدينة المنوّرة….ثم جاء ابن تيميّة وحوّل الممارسة الشعائريّة إلى عقيدة” [13] فسعي هؤلاء العلماء إلى تحريم هذه الفنون والممارسات الشعبيّة التي كانت متأثرة بشكل أو بآخر بالتشيّع وبممارسات النّصارى يندرج ضمن الموقف السياسي في بعض وجوهه. فهذه المحظورات هي في نهاية الأمر ممارسات موجودة يمكن أن نسميها بممارسات الإسلام الشعبي تنتشر خاصة في مصر.
- المسار الحجاجي : بناء سلطة العلماء
وتنكشف هذه المنهجية في القسم الذي يمثل الخطة الإقناعية والتي تقوم على ذلك التكرار لروايات ومواقف قد لا تختلف فيما بينها
- عدد آراء علماء المذاهب:
مذهب مالك
مذهب ابي حنيفة
مذهب الشافعي
- عد مرويات السلف: (12 حديث عن جملة من السلف من بينهم ابن عباس وعائشة )
- تفسير بعض الآيات القرآنية.
لم يجد ابن قيم آيات تحرّم الغناء تحريما مباشرا فجمع تفاسير للآيات كتفسير قتادة للآية وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق” فاعتبر أن في ذلك تحريما للغناء حملا للخاص على العام. ومن ذلك تأويله الآية 6-7 من سورة لقمان.
” وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِين” فقد اعتبر ابن قيم أن اللهو هو الغناء اعتمادا على مأثور التفاسير التي دعمت هذا الاتجاه في التأويل. آراء ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، عبد الله بن مسعود ، ومجاهد وعكرمة، ولقد ترسخ موروث توسع في كتب وآثار عديدة من بينها ما كتبه ابن أبي دنيا في ذم الملاهي والطبري في تفسيره والبيهقي في الكبرى، والالباني في تحريم آلات الطرب.
ولقد خصص فصلا لمناقشة كل عالم أباح الموسيقى واعتبرها غير متعارضة مع الدين، فجعل مثلا يناقش ابن حزم ويعتبر مذهبه ذلك باطلا . وقد كان ابن حزم أحد الفقهاء الذين اعتبروا حديث المعازف ضعيفا[14].
فحينئذ يتبين لنا بوضوح أن الخطاب قائم على خاصية الجمع والترتيب، وهما خاصيتان تميزان الكتابة التأليفية والموسوعية، التي تسعى إلى الحفاظ على المعاني وتنظيم الأفكار. وتكشف هذه الخاصية على تمثل حربيّ للعلم والعلماء: إنّهم الجيش يصفّهم ابن قيم صفّا واحدا مخفيا اختلافاتهم موهما بتجانس أقوالهم في تحريم المعازف والرقص والمزامير كاشفا بذلك أن العلم مهمة حربية والعلماء هم الجيش والحرب قائمة في الكون ضد المتصوفة والجهمية والكفار وأعداء الدين. فهذا الخطاب في ظاهره حجاجي وإقناعي لكنّه يستبطن مفاهيم قتالية ويجعل علاقة باث الخطاب بمتقبله علاقة توتر وعلاقة سلطة والضمان فيها ليس سوى النص الديني بمعناه الواسع أي القرآن والحديث والإجماع ولذلك نجد إصرارا من قبل ابن قيم على صفة التكرار والمعاودة وعلى التفصيل والتعديد وعلى التكثيف من جهة والاسترسال في التدقيق من جهة ثانية للإيهام بهذا الإجماع على تحريم الفنون.
إنّ الأصوات تتعدد داخل نص ابن قيم، لكن الباحث فيه يجد العكس، فهي تفاصيل وتدقيقات تصبح مملة لتكرارها أحيانا، إذ يعدّد ابن قيم في أجزاء من خطابه روايات متشابهة لمجرد تغيير في سلسلة السند، أو لمجرد تغيير في لفظ أو في معنى بسيط. يعني نجد تكرارا لنفس المرويات، بنفس الأسانيد التي توهم في ظاهرها بالدقة والموسوعية ولكنها في الحقيقة ليست سوى تقنية من تقنيات الإخفاء والحجب التي تكثّف التفاصيل فتحدث النسيان[15].
لقد حجب النصّ أصواتا ثانية تبيح الغناء والمعازف ولا ترى ما يدعو لتحريمها، هذا الغزالي في احياء علوم الدين يقر ” إن لم يكن فيه نص ولم يستقم فيه قياس على منصوص بطل القول بتحريمه، وبقي فعلا لا حرج فيه كسائر المباحات، ولا يدل على تحريم السماع نص ولا قياس”[16]
أما ابن قيم فهو يردد ويعيد أصواتا تكره الغناء، والفرح والمعازف، حتى اعتبر بعض الباحثين ذلك الترديد والتقليد شكلا من “دروب التيه والضياع التي سلكها الخيال فضل الطريق وفقد عناصر الاستنارة وجعلته العتمة يدور حول نفسه وهو يتوهم الإبحار والطيران”[17].
وإن غياب نص قرآني واضح في تحريم الغناء دفع بابن قيم إلى ذم وتعديد مساوئ الغناء فاعتبر انه يزيل النعم ويجلب النقم وتعقبه الهموم والغصص وينبت النفاق والكآبة. [18] وهو يعتمد على مرويات ضعيفة اختلف الفقهاء في شأنها، ويواصل ما بدأه ابن حنبل في عداوة الغناء والسماع.
- النتيجة أو الحكم: العقاب الجماعي: تحريم الفنون وتكفير العصاة: التأصيل الأنطولوجي للهوية الجماعية.
لم يكتفي ابن قيم بتبشيع الغناء والفن والاحتفال وزيارة القبور بل جعل يجمع أقوالا للترهيب والتخويف بمسخ وتغريق وخسف ورجم بالحجارة،
حديث المسخ: مسخ العصاة قرودا وخنازيرا[19]
حديث الخسف: سقوط الأحياء في قرار نهر من الأنهار: الغرق[20]
حديث الرّيح: تمسخ النّاس إلى وجوه كلبيّة[21]
لقد تمثلت النتيجة التي وصل إليها ابن قيم في كون الثواب والعقاب الذي ينتظر الناس ليس فرديا بل جماعيا. فهذه الروايات التي تؤكد على النهاية البشعة التي تنتظر العصاة وأفراد جماعتهم تذكرنا بقصص هلاك القرى/ مع أنّ تلك القصص خصت اقواما ماضية في التاريخ. ومع أن الله بعد انقطاع الوحي في المنظور الإسلامي لم يعد متدخلا في التاريخ. لذلك نستنتج أنّ ابن قيم يقضي بهذا الحجاج على فكرة المسؤولية الفردية وكذلك على فكرة الحرية. لأن كل عقاب يمس العاصي ينزل حتما بمن شاركه جريمة الصمت عن العصيان. بذلك يحرم لا فقط الغناء بل يؤصل فكرة النعي عن المنكر ويورط المجتمع جميعا فيحمله مسؤولية القضاء على هذه الآفة حسب رأيه.
فهذه المحرّمات لها وظيفة تتمثّل في تحقيق الهويّة الاجتماعيّة لهذه الجماعة، وهي هويّة بنيت على أساس الاختلاف والتّمايز عن الآخرين، فإذا كانت الأقوام الهالكة وإذا كان اليهود والنّصارى والرّوافض والغلاة يزورون قبورهم ويرقصون ويغنون ويقيمون الاحتفالات، فعلى هذه الجماعة أن تجتنب ذلك وأن تلتزم بالمحظورات. فليكون المسلم منتميا لأمّة الشّهادة والميثاق لا بدّ له أن يجتنب جملة النواهي التي هي بمثابة الحدّ بينه وبين الأمّة الهالكة. فمدار الحظر هنا رسم حدود الهويّة الاجتماعيّة المبنيّة بناء انطولوجيا متينا تعبّر عنه الممارسات الدينيّة[22]. هي هوية قائمة على ثوابت في منظور ابن قيم.
فالخوف كلّ الخوف كامن في هذا العود على بدء وهو عود متكرّر إلى درجة أن كلّ اختراق للنهي يوشك أن يوقع هذه الجماعة في الفساد من جديد فتضيع خلاصها وتضيع ميثاقها الإلهي الذي بموجبه كانت أمة الإسلام هي الـأمّة النّاجية، لا فقط من الجحيم بل كذلك من السقوط في الشرك والتيه في التاريخ وهكذا نفهم هذا الوهابي الغاضب الذي ينفجر في وجه الجميع ويحشر أنفه متمددا في كامل أنحاء الأرض..فهو يحمل اعتقادا بأنه مسؤول عن معاصي الآخرين لأنه سيعاقب في حال الصّمت عنها حتى لو لم يقترفها. وهكذا يؤثم الإنسان حتى ذلك الذي لا يرسم أو يغني أو يرقص. إن الفن فساد إذا حل بالجزء عمّ الكلّ. ولذا تنطلق قوة الغضب يحركها الهلع والرعب من الغرق والمسخ والتيه والسقوط.
إن استعارة السقوط حاضرة بالغياب تفسّر هذا العنف الشديد. وليس الخوف من السقوط فقط بل الى جانبه الرغبة في جنّة أبدية. إن هاتين القوتين المتضادتين تحولان هذا الهلع الرّاغب بشدة في شيء مفقود الى جنون قابل للانفجار في كل لحظة. يهدد الجماعة ويهدد استقرارها.
- الدين والفن صديقان: الجميلُ في خدمة الحقّ
يقول أحد أساتذة الفلسفة الدينية آرون روزين في كتابه الذي يحمل عنوان “الفن والدين في القرن الواحد والعشرين.”عندما تدخل إلى عالم الفن، سواء رضيت أم لا، أنت تدخل إلى عالم الدين” ولعل العكس أيضا صحيح، وعلى كل حال فإن نصّ ابن قيم المعادي للفنون في ظاهره صديق حميمُ لها في الباطن وهذه بعض الأدلة على ما أدّعي:
فأولا:
يلفت انتباهنا في نصّ ابن قيم كثرة توظيف الشّعر وفنون البلاغة. فالفن حاضر بقوة في النصّ :
يوظف الجناس والبديع ناسجا نصا يغوي ويطرب الآذان، ولا يتردد في التأثير في متقبله عبر بلاغة الشعر ومجازاته وصوره فيشبه قلب اللهفان السقيم بذلك العصفور تتقاذفه ايادي طفل عابث.:
كعصفورة في كف طفل يسومها حياض الردى والطفل يلهو ويلعب
فالموسيقى التي يحرمها والتصوير الذي يرتعب منه حاضران بحضور الشعر وبلاغته والنثر وبديعه. فالنصّ ينصب مصائده اللغوية للايقاع بالمتلقي والظفر به. يشهيه في الإقرار بما يدعو اليه عبر الفنّ إلى ترك الفنّ وعبر الإمتاع بترك البحث عن المتعة وعبر لذة النصّ بترك خبائث اللذات والاكتفاء بالقرآن. إن توظيف ابن قيم للشعر لافت للانتباه، وربما لم يكتف بنقل أبيات للاحتجاج بها بل قد يؤلف بنفسه حسب المقام شعرا موزونا مقفى للتأثير في المتلقي والايقاع به في مصائد الأدبيّ وجمالياته. واستعمل الشعر لشيطنة ذلك وللسخرية الهزء..شبههم بالحمير …بالذباب والانعام / سلب منهم صفة الرجولة فهم مخانث ونسوان/ يتكسرون
ثانيا:
ان هذا الخوف الذي يحرك هلع ابن قيم ويدفعه إلى تجريم الصور والالحان والمعازف، إن هذا المرعب المدهش هو وجه من وجوه المقدس ولكنه وجه من وجوه الفنيّ. فأسطورة الهروب من السقوط عبر محاولة التزام الصراط المستقيم واجتناب النواهي والمحرمات هي أيضا ذات أسس ميثية. وكذلك أسس الفنّ ميثية، قد تعود بنا إلى قصة جلجامش الذي حاول أن يطلق الإنسان من الأسر وأن يجعله خالدا خالقا أبدا. لكنه فشل وخاب سعيه فكان الإنسان لا يكل ولا يملّ من معاودة الكرة بعد الكرة بحثا عن ذلك الخلود والإعتراف بندية الآلهة.
إنّ ابن قيم يسعى جاهدا أن لا يسقط في العدم والجحيم والوحدة في الكون وهو ما فعله جلجامش حين سرق نبتة الخلود ليريح بني البشر من الخوف الموت والوحشة. فمدار الأمر في الحالين أن ما يحركهما هو النماذح الأصلية التي ترتبط بالحنين إلى الأصول والعود الأبدي والانبعاث الدائم. وتمثل هنا أسطورة السقوط عاملا مشتركا بين الدين والفنّ فبالخلق الفني ننجو من النسيان وبالإيمان بالخالق والتماهي مع أوامره ننجو من النسيان وهكذا فإن علاقة الدين بالفن في الخطاب علاقة تماه: فبالفنّ سعى ابن قيم جاهدا أن يحرّم الفنون وبالعقل سعى أن يحد من اجتهاد العقل وليس الكتاب في نهاية المطاف سوى ثمرة ابن قيم الإنسان الفنان رغم أنفه ودون وعيه.
إنّ محاربة ابن قيم للفراغ وانتصابه قائلا في الكون وكاتبا مدافعا عن فكرة ما عبر اللغة المدججة بالحجج وبالشعر وبالممتع وبالمفزع وبالمخيف ..إن هذا لعمل فنيّ. فقد جمع أشلاء متفرقة من روايات شفوية عديدة وأعاد بث الروح فيها ولو كانت روحا في نظرنا شيطانية لأنها قد تقود إلى تبرير العنف والايذاء والاعتداء على الحريات والحقوق. ولكن ما فعله ابن قيم في الحقيقة هو بث روح في البياض وفي الفراغ وترك أثر بعد موته يحدثنا عنه.
أليس هذا هو جوهر العمل الفنيّ؟
” رأى جلجامش بركة ماء
نزل فيها واستحمّ بمائها
فتشمّمت الحيّة رائحة النبتة
تسلّلت صاعدة من الماء ، خطفتها وفيما هي عائدة تجدّد جلدها
وهنا جلس جلجامش وبكى”
إنّ ما قدّمه ابن قيم في إغاثة اللّهفان محاولة من محاولات الخلاص بالرّوح، ولعلّها محاولة عقيمة، ولكن المأساوي فيها ليس ذاك. ليس المؤسف تلك الخيبة التي اعترت البطل وهو يحاول تطهير الكون من مصائد الشيطان..فالشّيطان يجد طريقه دائما إلى العودة إلى مسرح الأحداث. بل المؤسف أن البطل لم يكن يعرف وهو يخلق عمله الفني أنه يخلق عمله الفني: بلغته بترتيبه وبنات افكاره وعواطفه ومشاعر غضبه ورغبته وتوقه إلى العلوّ وعزمه على الإقناع..تلك هي مأساة هذا الفكر: يعدمُ نفسه على حبل المشنقة في اللحظة نفسها التي يولد فيها…لذلك تولد الأفكار عقيمة بلا روح مظلمة بلا حياة..وكف تكون لهذه الخطابات حياة وهي تنفي البهجة وتدعو إلى تركها من أجل ما صنعته من أهام وظنون.؟؟
إنّ المدهش حقا أن الله بدا بحاجة إلى المخلوقات البشرية ..تتفنن في الحفاظ عليه وتتسابق الى خدمته وهي في الحقيقة لا تفعل ذلك من أجله ..بل تحركها حاجة أبدية إلى النظام فإذا استوى سلطان هذا الرب على العرش استوى الميزان بين الرسل والشيطان والفنون والاديان ونجا عنئذ الانسان واذا تحرك الرب من عرشه فهو الخسوف والزلزال…لذا كان لا بدّ في اعتقاد ابن قيم من خدمة الاله لتتواصل الجماعة ويتحقق لها الرخاء. لقد قدم هذا الفكر بشريّة الإنسانَ قربانا متوهما أنه بذلك ينجو ولكنّه مسخ نفسه بنفسه وما درى. ففرط في كل شيء: حريته ومتعة الفنّ وهي المتعة الحقيقية التي ليس لها أول ولا آخر.
ولذلك ورغم كل هذا الحظر والتشويه وسلب الحق في البهجة والفرح والفن نرى الناس يقاومون بطبيعة ما فيهم من حب الحياة كلّ هذه الظلمات التي يسببها الخوف من التاريخ وهزاته..وحتى ونحن في سياق هذا العالم الجديد وما يفاجؤنا به يوميا من صنوف الأهوال تجد الناس يتفننون في البقاء والتحمّل وتجديد آمالهم ومقاومة عواطف الخوف والهلع. وتلك هي غاية كلّ دين وكل فنّ..
فنّ البقاء على قيد الحياة والايمان بمعنى ما.
لقد قدم ابن قيم منظوره للعلاقة بين الدين والفن ومع ذلك تبين لنا أنه لم يستطع أن لا يعتمد في حياته على الفن، وفن الشعر فيه من إيقاع الموسيقى ومتعتها ما فيه، ولذة الصور ما يطربه ويحمله إلى عوالم الجمال، ولذا فإن إنكار ابن قيم الفن لا يصمد أمام كون الفن ضرورة حياتية للإنسان، لا يغني الفن عن الدين ولا الدين عن الفن، بل لعلهما معا وسيلتان لتخفيف وحشة هذا الوجود وقسوته وكآبته. إنهما ملاذ الإنسان وبرّ الأمان من التيه في العدمية واللامعنى.
المراجع:
الكتب:
ابن حزم الأندلسي، رسائل ابن حزم الأندلسي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1987.
ابن قيم الجوزية، حكم الإسلام في الغناء، طنطا، مكتبة الصحابة، 1986.
ابن قيم الجوزية، إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، ط1، 1432 للهجرة.
أبو الفرج الأصفهاني، كتاب الأغاني، دار الكتب، القاهرة، 1902.
رسالة في الرد على محمد بن عبد الوهاب ( نشرت في كتاب (إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان) – دار الكتب الوطنية – تونس 1327هـ / 1909م.
عزيز العظمة، ابن تيمية، بيروت، رياض الريس للكتب والنشر، ط1، 2000،
الغزالي أبو حامد، إحياء علوم الدين،دار ابن حزم، بيروت
محمد الفارابي، كتاب الموسيقى الكبير، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، دت.
محمد رشيد رضا. “مجددو القرون السابقة في الدين والدنيا، مجلة المنار، تصدير التاريخ، العدد رقم (1)، جمادى الآخرة 1350 هـ 3 أكتوبر 1931م”. موقع أرشيف المجلات. ص. 3–4 « أرشيف المجلات », 14 janvier 2018,
محمد عمارة، الإسلام والفنون الجميلة، دار الشروق، 1991.
منصف الجزار، المخيال العربي في الأحاديث المنسوبة إلى الرسول، دار محمد علي الحامي، صفاقس، 2007، ط1.
Eco, De l’arbre au labyrinthe, études historiques sur le signe et l’interprétation, Grasset, Paris, 2010
الروابط الالكترونية:
تدمير الآثار – DW », dw.com, consulté le 8 septembre 2024,
ترجمة ابن قيم من كتاب “الوافي بالوفيات” للصفدي – موقع الإمام ابن قيم رحمه الله », consulté le 8 septembre 2024, https://www.ibnalqayem.net/biography/1196.
ترجمة ابن قيم من: “المعجم المختص” للذهبي – موقع الإمام ابن قيم رحمه الله », consulté le 8 septembre 2024, https://www.ibnalqayem.net/biography/1163.
طارق القيزاني, « مقامات الأولياء الصالحين في تونس بين تبرك العامة بها وتهديدات السلفيين بهدمها », https://www.hdhod.com/مقامات-الأولياء-الصالحين-في-تونس-بين-تبرك-العامة-بها-وتهديدات_a42926.html.
الموالد الدينية في مصر .. تقاليد عريقة تحتفي بأولياء الله وتوحّد المصريين , Tourism Daily News, consulté le 8 septembre 2024,
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية, consulté le 8 septembre 2024,
[1] انظر مثلا الموالد بمصر أو بالقيروان التونسية خاصة الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، فلا تزال إلى اليوم تقام طقوس احتفالية ذات طابع بهيج. “يعتبر علماء الاجتماع أن الموالد الدينية في مصر هي أحد أبرز التقاليد الشعبية ذات الطابع الديني والاجتماعي. فهي مناسبات تحتفي بمولد أو وفاة أحد الأولياء، وليس البكاء عليه، إذ يقام فيها تكريم لصاحب المولد عبر إقامة الاحتفالات والطقوس الدينية التي تشمل الآلاف من المسلمين والمسيحيين على حد سواء. وتشهد مصر سنويًا تنظيم مئات الموالد في جميع مدنها وقراها، حيث لا تخلو منطقة من ولي أو فقيه يحتفل به بشكل دوري.ويبرز مولد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما كواحد من أشهر تلك الموالد التي تشهدها العاصمة المصرية. يُضاهي شهرته مولد السيدة زينب الذي يقام في الحي الذي يحمل اسمها بالقرب من قلعة صلاح الدين الأيوبي. تستمر هذه الاحتفالات لمدة تصل إلى سبعة أيام، تكتسي خلالها الشوارع بالأضواء والزينة، وتُقام الحفلات والإنشاد الديني التي تستمر حتى ساعات الصباح الباكر.وتشير الدراسات الاجتماعية المهتمة بالتراث الشعبي إلى أن عدد الموالد في مصر يتجاوز 2800 مولد، تشمل موالد الأولياء الصالحين من المسلمين والقديسين من المسيحيين” . « الموالد الدينية في مصر .. تقاليد عريقة تحتفي بأولياء الله وتوحّد المصريين », Tourism Daily News, consulté le 8 septembre 2024, https://tourismdailynews.com/2024/09/06/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%af-%d8%b9%d8%b1%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d8%aa/.
[2] “وبعد أشهر فقط من تنصيب الحكومة الاسلامية في تونس، والتي تقودها حركة النهضة الاسلامية مع حزبين علمانيين، بدأت الاعتداءات على المقامات وزوايا الأولياء الصالحين تتكرر حتى أصبحت ما يشبه حملة منظمة. وبينما توجه في ذلك أصابع الإتهام إلى أنصار التيار السلفي، زادت هذه الحملة مع تشجيع بعض أئمة المساجد على نسف هذه المقامات بدعوى أنها ضرب من الوثنية ومخالفة للشريعة الاسلامية. وفي تشرين أول/اكتوبر الماضي أصدر إمام جامع بمدينة القيروان المعروفة بموروثها الديني والصوفي ومعمارها الإسلامي، فتوى تجيز نسف مقام “سيدي الصحبي” الشهير بالجهة مما أشاع مخاوف وسط السكان. وقال زهير الحداد المشرف على المقام ان هناك مخاوف بين السكان من أن يتعرض المزار إلى اعتداء على غرار ما تعرضت له مقامات أخرى في البلاد. لكن بمجرد انتشار الخبر تمركزت وحدات أمنية وعسكرية قدمت من ثكنة قريبة للمقام وتكفلت بحراسته وتأمين الأنشطة الصوفية بداخله والحماية لزائريه.” طارق القيزاني, « مقامات الأولياء الصالحين في تونس بين تبرك العامة بها وتهديدات السلفيين بهدمها », الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية, consulté le 8 septembre 2024, https://www.hdhod.com/مقامات-الأولياء-الصالحين-في-تونس-بين-تبرك-العامة-بها-وتهديدات_a42926.html.
[3] « تدمير الآثار – DW », dw.com, consulté le 8 septembre 2024, https://www.dw.com/ar/%D8%AA%D8%AF%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1/t-18380406.
- رسالة في الرد على محمد بن عبد الوهاب ( نشرت في كتاب (إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان) – دار الكتب الوطنية– تونس 1327هـ / 1909م.
[5] محمد عمارة، الإسلام والفنون الجميلة، دار الشروق، 1991، ص 12
[6]مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب بن سعد بن حريز الزرعي، الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة، شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ، الْمَعْرُوف بِابْن قيم الجورية.
مولده سَابِع صفر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وست ماية.سمع على الشهَاب العابر وَجَمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُم: سُلَيْمَان بن حَمْزَة الْحَاكِم، وَأبي بكر بن عبد الدايم، وَعِيسَى الْمطعم، وَأبي نصر مُحَمَّد ابْن عماد الدّين الشِّيرَازِيّ، وَابْن مَكْتُوم، والبهاء ابْن عَسَاكِر، وعلاء الدّين الْكِنْدِيّ الوداعي، وَمُحَمّد بن أبي الْفَتْح البعلبكي أَيُّوب ابْن نعْمَة الكحال، وَالْقَاضِي بدر الدّين ابْن جمَاعَة، وَجَمَاعَة سواهُم.وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة على أبي الْفَتْح البعلي قَرَأَ عَلَيْهِ الملخص لأبي الْبَقَاء ثمَّ قَرَأَ الجرجانية ثمَّ قَرَأَ ألفية ابْن مَالك وَأكْثر الكافية الشافية وَبَعض التسهيل، ثمَّ قَرَأَ على الشَّيْخ مجد الدّين التونس قِطْعَة من المقرب.وَأما الْفِقْه فَأَخذه عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْحَرَّانِي قَرَأَ عَلَيْهِ مُخْتَصر أبي الْقسم الْخرقِيّ وَالْمقنع لِابْنِ قدامَة، وَمِنْهُم ابْن أبي الْفَتْح البعلي، وَمِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية قَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من الْمُحَرر تأليف جده وَأَخُوهُ الشَّيْخ شرف الدّين.وَأخذ الفرايض أَولا عَن وَالِده وَكَانَ لَهُ فِيهَا يَدٌ ثمَّ على اسمعيل بن مُحَمَّد ثمَّ على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية.وَأما الْأُصُول فَأَخذهَا عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ صفى الدّين الْهِنْدِيّ واسعميل بن مُحَمَّد قَرَأَ عَلَيْهِ أَكثر الرَّوْضَة لِابْنِ قدامَة، وَمِنْهُم الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية قَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من الْمَحْصُول، وَمن كتاب الْأَحْكَام للسيف الْآمِدِيّ، وَقَرَأَ فِي أصُول الدّين على الشَّيْخ صفى الدّين الْهِنْدِيّ أَكثر الْأَرْبَعين والمحصل، وَقَرَأَ على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية قِطْعَة من الْكِتَابَيْنِ وَكَثِيرًا من تصانيفه.واشتغل كثيرا نَاظر واجتهدوا واكبّ على الطّلب، وصنّف وَصَارَ من الأيمة الْكِبَار فِي علم التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْأُصُول فقها وكلاما وَالْفُرُوع والعربية، وَلم يخلف الشَّيْخ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية مثله.وَمن تصانيفه: زَاد الْمعَاد فِي هدى دين الْعباد أَرْبَعَة أسفار، مِفْتَاح دَار السَّعَادَة مُجَلد كَبِير، تَهْذِيب سنَن أبي دَاوُد وإيضاح علله ومشكلاته نَحْو ثلثة أسفار، سفر الهجرتين وَطَرِيق السعادتين سفر كَبِير، كتاب رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة سفر متوسط، معالم الموقعين عَن رب الْعَالمين سفر كَبِير، كتاب الكافية الشافية لانتصار الْفرْقَة النَّاجِية وَهُوَ نظم نَحْو ثلثة آلَاف بَيت، الرسَالَة الحلبية فِي الطَّرِيقَة المحمدية، بَيَان الِاسْتِدْلَال على بطلَان مُحَلل السباق والنضال، التحبير بِمَا يحل وَيحرم لبسه من الْحَرِير، الفروسية المحمدية، حلى الإفهام فِي أَحْكَام الصَّلَاة وَالسَّلَام على خير الْأَنَام، تَفْسِير أَسمَاء الْقُرْآن، تَفْسِير الْفَاتِحَة مُجَلد كَبِير، اقْتِضَاء الذّكر بِحُصُول الْخَيْر وَدفع الشَّرّ، كشف الغطاء عَن حكم سَماع الْغناء، الرسَالَة الشافية فِي أسرار المعوذتين، مَعَاني الأدوات والحروف، بدايع الفوايد مُجَلد كَبِير.
ترجمة ابن قيم من كتاب “الوافي بالوفيات” للصفدي – موقع الإمام ابن قيم رحمه الله », consulté le 8 septembre 2024, https://www.ibnalqayem.net/biography/1196.
[7] محمد رشيد رضا. “مجددو القرون السابقة في الدين والدنيا، مجلة المنار، تصدير التاريخ، العدد رقم (1)، جمادى الآخرة 1350 هـ 3 أكتوبر 1931م”. موقع أرشيف المجلات. ص. 3–4 « أرشيف المجلات », 14 janvier 2018, https://web.archive.org/web/20180114020208/http://archive.sakhrit.co/newPreview.aspx?PID=2597211&ISSUEID=3516&AID=95987.
[8] « ترجمة ابن قيم من: “المعجم المختص” للذهبي – موقع الإمام ابن قيم رحمه الله », consulté le 8 septembre 2024, https://www.ibnalqayem.net/biography/1163.
[9] انظر ابن قيم، إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان، دار عالم الفوائد، مج 1، صص 330-334.
[10] انظر: ابن قيم، إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان، مج1، ص10.
[11] انظر: جلبار دوران، الانتروبولوجيا رموزها، أساطيرها ، أنساقها. تعريب مصباح الصمد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
[12]” هذا السماع الشيطاني المضاد للسماع الرحماني له في الشرع بضعة عشر اسما: اللهو واللغو والباطل والزور والمكاء والتصدية ورقية الزنا وقرآن الشيطان ومنبت النفاق في القلب والصوت الأحمق والصوت الفاجر وصوت الشيطان ومزمور الشيطان والسمود أسماؤه دلت على أوصافه تبا لذي الأسماء والأصاف فنذكر مخازي هذه الأسماء ووقوعها عليه في كلام الله وكلام رسوله والصحابة ليعلم أصحابه وأهله بما به ظفروا وأي تجارة رابحة خسروا:
فدع صاحب المزمار والدف والغنا وما اختاره عن طاعة الله مذهبا
ودعه يعش في غيه وضلاله… على تاتنا يحيا ويبعث أشيبا
وفي تنتنا يوم المعاد نجاته… إلى الجنة الحمراء يدعى مقربا
سيعلم يوم العرض أي بضاعة… أضاع وعند الوزن ما خف أو ربا
ويعلم ما قد كان فيه حياته… إذا حصلت أعماله كلها هبا
دعاه الهدى والغى من ذا يجيبه… فقال لداعي الغى: أهلا ومرحبا
وأعرض عن داعي الهدى قائلا له:… هواى إلى صوت المعازف قد صبا
يراع ودف بالصنوج وشاهد… وصوت مغن صوته يقنص الظبا
إذا ما تغنى فالظباء تجيبه… إلى أن تراها حوله تشبه الدبا
فما شئت من صيد بغير تطارد… ووصل حبيب كان بالهجر عذبا
فيا آمري بالرشد لو كنت حاضرا… لكان توالي اللهو عندك أقربا” الباب 13، ص 419-420.
[13] – انظر: عزيز العظمة، ابن تيمية، بيروت، رياض الريس للكتب والنشر، ط1، 2000، ص13. ففي هذه الخلفية التاريخيّة نفهم سعي هؤلاء العلماء إلى تحريم الممارسات الشعبيّة التي كانت متأثرة بشكات النّصارى. فهذه المحظورات هي في نهاية الأمر ممارسات موجودة يمكن أن نسميها بممارسات الإسلام الشعبي.
[14] “عن عبد الرحمان بن غنم قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، سمع النبي يقول : “ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف” وهذا حديث صحيح أخرجه البخاري” انظر إغاثة اللهفان، مج 1، ص456، وقد أنكر ابن حزم أن يكون هذا الحديث صحيحا وقدح فيه. انظر ذلك فيابن حزم الاندلسي، رسائل ابن حزم، بيروت المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1998، ص424.
[15] – انظر: Eco, De l’arbre au labyrinthe, études historiques sur le signe et l’interprétation, Grasset, Paris, 2010, p115.
[16] -الغزالي أبو حامد، إحياء علوم الدين،دار ابن حزم، بيروت، ص741.
[17] – منصف الجزار، المخيال العربي في الأحاديث المنسوبة إلى الرسول، دار محمد علي الحامي، صفاقس، 2007، ط1، ص598.
[18] ابن قيم، اللهفان، ص 437.
[19] ابن قيم، اللهفان، ص 462.
[20] المرجع نفسه ، الصفحة نفسها
[21] ابن قيم، اللهفان، ص 463
[22] – تناقل المفسرون والمؤرخون والفقهاء روايات فسروا بها نشأة عبادة الأصنام منها: “وكان أوّل ما كاد به عباد الأصنام من جهة العكوف على القبور، وتصاوير أهلها ليتذكروهم بها، كما قص الله سبحانه قصصهم فى كتابه، فقال: “وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ، وَلا تَذَرُنَّ وَداً، وَلا سُوَاعاً، وَلا يَغُوثَ، وَيَعُوقَ، وَنَسْراً” قال البخارى فى صحيحه عن ابن عباس رضى الله عنهما “هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التى كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت”. وقال ابن جرير عن محمد بن قيس قال: “كانوا قوما صالحين من بنى آدم، كان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم، الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة، إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم”.وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبى: أخبرنى أبى قال: “أول ما عبدت الأصنام أن آدم عليه السلام لما مات جعله بنو شيث بن آدم فى مغارة فى الجبل الذى أهبط عليه أدم بأرض الهند، ويقال للجبل: نوذ، وهو أخصب جبل فى الأرض” قال هشام: فأخبرنى أبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: “فكان بنو شيث عليه السلام يأتون جسد آدم فى المغارة، فيعظّمونه، ويترحّمون عليه، فقال رجل من بنى قابيل بن آدم: يا بنى قابيل، إن لبنى شيث دوارا يدورون حوله ويعظمونه، وليس لكم شيء فنحت لهم صنماً، فكان أول من عملها”. انظر روايات أخرى في إغاثة اللهفان، ج2،ص205 وبذلك فسرا الآية 71 من سورة نوح:” قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا، وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا، وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا”