تكوين

هل العظم فيلسوف (فعلًا أو حقًّا)، أم (مجرد) مفكرٍ أيديولوجيٍّ؟ منذ رحيل العظم تكرر، تكرًارً مثيرًا للانتباه والتأمل، طرح هذا النوع من الأسئلة طرحًا مباشرًا و/ أو ضمنيًّا، في سياق محاولات التعريف به وتقويم فكره.([1]) وسأحاول في ما يلي تناول هذين السؤالين وما يماثلهما أو يتصل بهما، لا بغرض تقديم إجابةٍ واحدةٍ قاطعةٍ أو كاملةٍ عنهما، بل بهدف إبراز الإشكاليات التي يتضمناها، والتفكير فيها وفيهما، والسعي إلى فهمهما، والكشف عن افتراضاتهما أو متضمناتهما ودلالاتهما ودلالة طرحهما، ومناقشة أو سبر بعض الإجابات الممكنة عنهما. وعلى الرغم من الطابع الوصفي المُفترَض أو المُعتقَد في هذين السؤالين، فإننا نعتقد أن ثمة افتراضاتٍ وأبعادًا تقويميةً هي غالبًا ما يؤسس طرحها ويوجه الإجابة عنها، حتى عندما يتم التصريح أن الغرض من طرحها هو التوصيف لا التقويم. وبالإضافة إلى التناول المعرفي “المحايد” قيميًّا أو تقويميًّا لهذه الأسئلة، ستكون هذه الافتراضات أو الأبعاد موضع اهتمامٍ خاصٍّ، في مناقشتنا.

فكرة صادق جلال العظم

لنبدأ بسؤال “هل العظم فيلسوفٌ، أم لا، وبأي معنىً؟ نعتقد أن هذا السؤال ذو خصوصيةٍ عربيةٍ لا نجدها سائدةً في أوروبا. ولشرح هذه الخصوصية وللإجابة عن السؤال المطروح ينبغي بدايةً تحديد المقصود بمفردة أو مصطلح “فيلسوف”، وتمييز معنيين متمايزين ومتضادين قطبيًّا لهذا المصطلح: الأول موجودٌ في بعض أوساط النخبة العربية المشتغلة في الفلسفة أو المختصة فيها، والثاني سائدٌ ومهيمنٌ عمومًا حاليًّا في الحقل الأكاديمي الغربي المعاصر، بل وفي الثقافة الغربية عمومًا.

الفيلسوف وفقًا للمعنى الثاني (الغربي المعاصر) هو “كل” شخصٍ حاصلٍ على شهادة الدكتوراه في الفلسفة ولديه، على الأرجح، بعض النصوص أو الأبحاث أو الدراسات المنشورة في ميدان الفلسفة. إن الحصول على شهادة الدكتوراه يعني، في السياق الغربي تحديدًا أو خصوصًا، أن الشخص قد قدَّم أطروحةً، أي قدم رؤيةً معرفيةً شخصيةً جديدةً ومتميزةً، لدرجةٍ أو لأخرى. وهذه الجدة وذاك التميز هما اللذين يؤهلان صاحبهما لأن يحصل على لقب “فيلسوف”، بمجرد حصوله على تلك الشهادة. وعلى هذا الأساس أو المنوال، يكون الحاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة فيلسوفًا، مثلما يكون الحاصل على شهادة الدكتور في علم الاجتماع والمشتغل في هذا المجال عالم اجتماعٍ، ومثلما يكون الحاصل على شهادة الدكتوراه في علم التاريخ والمشتغل فيه عالم تاريخٍ أو مؤرِّخٍ. سنناقش بعض جوانب هذا المعنى “الغربي المعاصر” للفيلسوف لاحقًا، لكن يمكننا القول مبدئيًّا إن العظم، وفقًا لهذا المعنى لمصطلح فيلسوفٌ؛ هو فيلسوفٌ و”أكثر” من فيلسوفٍ أيضًا. هو فيلسوفٌ، لأنه يستوفي كل الشروط والمعايير التي يتضمنها هذا المعنى: فهو حاصلٌ على شهادة الدكتوراه في جامعةٍ أمريكيةٍ “عريقةٍ”، ولديه بعض الأبحاث المهمة في ميدان اختصاصه الضيق (برغسون) والعام (الفلسفة الحديثة). وهو أكثر من فيلسوفٍ، لأنه أصبح مختصًّا في ميادين أخرى: الفكر العربي والإسلامي والسياسي، مثلًا وخصوصًا.

وفقًا للمعنى الأول لمصطلح “فيلسوف” – وهو ذاك الموجود أو المنتشر في بعض أوساط النخبة العربية المشتغلة في الفلسفة أو المختصة فيها – لا يكون الفيلسوف فيلسوفًا لمجرد حصوله على شهادة الدكتوراه في الفلسفة أو كتابته بضعة أبحاثٍ أو دراساتٍ أو حتى كتبٍ في ميدان الفلسفة. من المفهوم، وربما المبرر، عدم الاكتفاء بشرطَي شهادة الدكتوراه ونشر بعض الأبحاث، ليستحق الشخص لقب “فيلسوفٍ”، في السياق العربي. فالحصول على شهادة الدكتوراه لا يعني بالضرورة أن الشخص قد قدم أطروحةً بالفعل، بالمعنى الدقيق أو حتى الأولي لكلمة “أطروحة”، وينطبق الأمر ذاته على الأبحاث أو الكتب المنشورة. وفي كل الأحوال، إن أقصى ما يقدمه الباحث العربي الأكاديمي في ميدان الفلسفة هو، عمومًا أو غالبًا، تحويل “الأفكار الفلسفية الغربية” إلى “معلوماتٍ”، ونقلها إلى الثقافة العربية، عبر ترجمتها ترجمةً حرفيةً أو بتصرفٍ، من دون الإسهام الفعلي أو الكبير في إغناء تلك الأفكار و/ أو التأثير في حركتها.

ولا يرتد اختلاف المعنيين المذكورين (الغربي والعربي) لمفردة “فيلسوف” إلى هذا الاختلاف في المضمون المفترض “لأطروحة الدكتوراه وللأبحاث المنشورة، فثمة ممانعةٌ، في الوسط الثقافي النخبوي العربي، تجاه القبول بالمعايير الغربية السائدة المذكور سابقًا، حتى عندما يتعلق الأمر بالباحثين الغربيين؛ فمعظم من يُطلق عليهم لقب “فيلسوف”، في السياق الجامعي والأكاديمي الغربي، هم، في السياق العربي، مجرد دكاترة في الفلسفة أو مشتغلين فيها. فلكي يكون هذا الحامل لشهادة الدكتوراه في الفلسفة، فيلسوفًا، وفقًا للمعيار العربي المذكور، لا بد له، إلى جانب ذلك، أو بغض النظر عنه، أن يكون مبدعًا أو خالقًا للمفاهيم وصاحب معرفةٍ واسعةٍ، ورؤيةٍ شاملةٍ وعميقةٍ ومتميِّزةٍ، ليس في ميدان بحثه أو اختصاصه فحسب، بل في مختلف الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية … إلخ.

الفيلسوف صادق جلال العظم

لوهلةٍ أولى أو أكثر، يبدو أن العظم لا “يستحق” لقب أو صفة “فيلسوفٍ”، وفقًا لهذا المعنى أو المعيار. ويبدو وكأن العظم نفسه يتبنى هذا المعنى أو المعيار، حين يقول، في دفاعه عن الفلسفة والتقدم: «الفلسفة تميل إلى الشمول، بمعنى مطالبتها الفيلسوف برأيٍ صريحٍ وواضحٍ ليس في المقولات والزمان والمكان والقياس فحسب، بل أيضًا في التربية والسياسة والأخلاق والتقدم والعدالة والاستبداد والحرية وحقوق الإنسان…»([2]) ويتعزز هذا الانطباع إذا أخذنا في الحسبان، من جهةٍ أولى، أن العظم قد وضع في النص ذاته كلمة “الفيلسوف” بين علامتي تنصيص (“”)، عندما كان يتحدث عن “الفيلسوف العربي الفاعل والمعاصر”([3])، بما يدل على تحفظه على استخدام هذا المصطلح في هذا السياق، وتشككه في وجود هكذا فيلسوف عربيٌّ أصلًا، ومن جهةٍ ثانيةٍ، أن العظم لم يقل عن نفسه “مطلقًا”، على حدِّ علمي، إنه فيلسوفٌ.

لا نعتقد أن كلام العظم السابق يعني (بالضرورة) تبنيه للمعنى أو المعيار “العربي”. فمن ناحيةٍ أولى، لا يتحدث العظم، في ذلك السياق، عن الفيلسوف العربي بالمطلق، وإنما عن “الفيلسوف العربي الفاعل والمعاصر”، ولا يبدو أنه كان يهدف، في ذلك السياق، إلى نفي وجود “فيلسوفٍ” عربيٍّ معاصرٍ، بقدر سعيه إلى إبراز الصعوبات التي (يمكن أن) تواجه المشتغلين العرب في الفلسفة عند تناولهم للموضوعات «الشائكة عربيًّا والخطرة خطورةً عظيمةً (مميتةَ أحيانًا) في وطننا الكبير اليوم»([4]). ومن ناحيةٍ ثانيةٍ، لا يقول العظم بأنه يجب على الفيلسوف أن يبدع مفاهيم جديدةً في الميادين المذكورة، وإنما بأن يكون له “رأيٌ صريحٌ وواضحٌ”، ومن المعلوم أن العظم قد قدم أبحاثًا، وعبَّر، أحيانًا على الأقل، عن آرائه الصريحة والواضحة، “ليس في المقولات والزمان والمكان والقياس([5]) فحسب، بل أيضًا في التربية والسياسة والأخلاق والتقدم والعدالة والاستبداد والحرية وحقوق الإنسان …”. ومن ناحيةٍ ثالثةٍ، تحدث العظم، في النص ذاته، عن “الفكر العربي الفلسفي – السياسي الفاعل”([6]).

قبل المضي قدمًا في مناقشة الإجابات المتعددة الممكنة عن السؤال “هل العظم فيلسوف أم لا، وبأي معنى؟”، من الضروري نَسبَنة التمييز بين المعنيين المذكورين لمفردة “فيلسوف”. إن المعنى الغربي طاغي الحضور في العالم الأنجلوسكسوني وسائدٌ عمومًا في ألمانيا وذو حضورٍ قويٍّ في فرنسا، لكن ذلك لا ينفي حضور المعنى “العربي” في “الغرب”، خصوصًا في فرنسا، وبدرجةٍ أقل في ألمانيا. وفي المقابل، نجد أن بعض المشتغلين العرب في الفلسفة بدؤوا بتبني المعنى “الغربي” السائد، وأصبحوا يطالبون بلقب “فيلسوف” في السياق العربي، من دون الاكتراث، لا لاختلاف المعنى الاصطلاحي وسياق استخدامه ودلالته بين العرب و”الغرب”، ولا للمضمون القيمي أو التقويمي المختلف لهذا المعنى وذاك السياق وتلك الدلالة.([7]) وسنعود إلى مناقشة أحكام القيمة التي تتضمنها مفردات مثل فيلسوف أو فلسفة، لكن ينبغي لنا قبل ذلك توضيح بعض الصيغ التي يتخذها المفهوم “العربي” للفلسفة.

الفلسفة هي “إبداع المفاهيم”([8])؛ هذا التعريف الدولوزي للفلسفة حاضرٌ بقوةٍ أحيانًا في الرؤية “العربية” للفلسفة. وفي إطار مناقشة مدى (لا) فلسفية فكر العظم، يتم الاستناد إلى هذا التعريف، للقول إن العظم ليس فيلسوفًا، لأنه عمومًا لم يبدع مفاهيم جديدةً ورؤيةً فلسفيةً شاملةً وخاصةً به. وبعيدًا عن الانزلاق إلى تبني محاجةٍ دفاعيةٍ تبريريةٍ، ناتجةٍ عن الاعتقاد بأن القول بلا فلسفية فكر العظم، انطلاقًا من التعريف الدولوزي، هو غالبًا هجومٌ مبطَّنٌ أو صريحٌ على هذا الفكر، نتفق عمومًا مع الأطروحة الرئيسة لنص ماهر مسعود “عن صادق العظم، ومهمة الفلسفة”([9]). ووفقًا لهذه الأطروحة، لا يجب تبني تعريفٍ أو معيارٍ وحيدٍ للفلسفة، كما لا ينبغي ﻟ “إبداع المفاهيم” أن يكون المهمة الأهم أو الأولوية الأكبر والمعيار الأكثر ملاءمة للفلسفة في واقعنا العربي المعاصر، في ظل حالة الجمود و/ أو التقهقر التاريخي الذي تعيشه الدول والمجتمعات العربية. فالحاجة الماسة إلى هذا الإبداع المفاهيمي مرتبطةٌ، بل ومشروطةٌ غالبًا، بتوازي حصول الإبداع في الميادين المعرفية الأخرى (الميدان العلمي خصوصًا) وبحركية واقع المجتمع وأوضاعه السياسية والثقافية والاقتصادية … إلخ.

الربط بين الفلسفة وإبداع المفاهيم ليس حديثًا أو حكرًا على دولوز كما يُعتقد أحيانًا، إذ يتم ربط بداية الفلسفة بسقراط أفلاطون لطرحه الأسئلة المتعلقة بالماهية (“ما العدالة؟”، “ما الشر؟”، “ما الحب” … إلخ) والبدء بإبداع المفاهيم وضبطها. لكن ما يغيب عن بال أو خطاب بعض متبني هذا التعريف والمتخذين له معيارًا لقياس مدى (عدم) فلسفية فكرٍ ما، هو أن إبداع المفاهيم، بحد ذاته، لم يكن غايةً أو الغاية القصوى للتفلسف – ولا ينبغي أن يكون كذلك “أصلًا” – وإنما كان وسيلةً لأغراضٍ أو أهدافٍ معرفيةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ وثقافيةٍ أبعد. فلم يتم إعدام سقراط لمجرد الاختلاف في الرأي أو “النفور المعرفي الخالص” من المفاهيم الجديدة التي كان يقوم بإبداعها، وإنما للنتائج النقدية المعرفية-السياسية-الثقافية-الاجتماعية “الخطيرة” التي كانت تتمخض عن هذا الإبداع أو تتحقق من خلاله. وإبداع المفاهيم هو إحدى الوسائل (المهمة) التي يتم استخدامها لتحقيق هذه النتائج/ الغايات، لكنه ليس الوسيلة الوحيدة بالتأكيد. ويمكن، أحيانًا، تحقيق تللك النتائج أو الغايات باستخدام العدة المفهومية الجاهزة التي تبناها الشخص من محيطه الثقافي أو الأكاديمي ومن قراءاته واطلاعاته على النصوص الفلسفية وغير الفلسفية. وهذا ما نعتقد أن فكر العظم قد قام به، حين وظَّف معارفه الفلسفية وغير الفلسفية في قراءة الواقع والفكر العربيين والغربيين قراءةً نقديةً غالبًا.

لم ينشغل العظم كثيرًا بإبداع مفاهيم جديدةٍ، لأنه مَوضَع فكره، كما قال غسان فينيانوس محقًّا([10])، في عالم المقولات لا في عالم الماهيات. وقد ظهرت هذه الموضعة، تحديدًا أو خصوصًا، بعد هزيمة حزيران الكارثية والصادمة. فبعد هذه الهزيمة، التي شكلت صدمةً هائلةً للوعي العربي آنذاك، اتسم فكر العظم بالراهنية والمباشرة، حيث قام بتوظيف بعض المفاهيم الفلسفية الجاهزة في توصيفه للواقع والفكر السائدين وتقويمهما تقويمًا نقديًّا، بما يسمح، نظريًّا ومن حيث المبدأ، بالكشف عن سلبياتهما والعمل على التخلص منها، من ناحيةٍ، وتعزيز الإيجابيات ومراكمتها، من ناحيةٍ أخرى. وبإنزال الفلسفة، بمفاهيمها ونظرياتها وأدواتها، إلى مستوى الواقع الراهن والمباشر، لم يكترث العظم كثيرًا لمسألة أن راهنية فكره وارتباطه بسياقٍ أو ظرفٍ تاريخيٍّ محدَّدٍ سيمنعا هذا الفكر، على الأرجح، من أن يكون عابرًا للتاريخ، وهي السمة الملازمة للفكر الفلسفي عمومًا. وعلى هذا الأساس، تبدو بعض نصوص العظم، أقرب إلى أن تكون وثيقةً فكريةً تاريخيةً، أو مرتبطةً، ارتباطًا شديدًا، بسياقٍ تاريخيٍّ محددٍ، من كونها نصًّا فلسفيًّا يعبر التاريخ من خلال عموميته وتجريده. لكن ينبغي الحذر من التعميم، في هذا الخصوص. فمن ناحيةٍ أولى، بدأ العظم بكتاباتٍ تحاول الجمع بين تاريخية الواقع و/ أو الفكر وعبر-تاريخية الفلسفة. ويظهر ذلك خصوصًا في كتاب “الحب والحب العذري”، ونص “مأساة إبليس” المنشور لاحقًا في كتاب “نقد الفكر الديني”. وينبغي التشديد هنا على أن هذين النصين هما نصّان فلسفيان بامتيازٍ، حتى وفقًا لتعريف الفلسفة على أنها إبداعٌ للمفاهيم؛ فمفهوما الحب والحب العذري اكتسبا، بعد كتاب العظم، ثوبًا دلاليًّا جديدًا ومغايرًا لثوبهما الدلالي التقليدي أو السائد في الثقافة العربية، مغايرةً جذريةً. والكلام ذاته يمكن قوله في خصوص شخصية إبليس والدلالات المتعددة والغنية التي أبرزها العظم في قراءته لمأساته. وإذا كانت راهنية فكر العظم قد حرمت هذا الفكر أحيانًا من سمة العابر للتاريخ، فإن هذه الراهنية قد حصَّنته بالتأكيد من أن يكون لا-تاريخيًّا، كما يحصل، في كثيرٍ من الأحيان، للفكر، الذي يسعى لأن يكون فلسفيًّا. ففي هذا السعي، تتحول التجريدات إلى تعميماتٍ خاويةٍ لا تقول أي شيءٍ (محدَّدٍ أو واضحٍ) على الرغم من (أو بسبب) محاولتها أن تقول” كلَّ شيٍ”. ونشير في هذا الخصوص، إلى أنه بالتضاد مع انحصار معظم النقد الموجه إلى الذهنية الدينية “في ترديد بعض التعميمات الواسعة والكليشيهات المستهلكة”، عمل العظم، في “نقد الفكر الديني”، على دراسة نماذج حيةٍ وملموسةٍ من إنتاج هذه الذهنية ومزاعمها وتفسيراتها للأحداث([11]).

وعلى أساس ما سبق، لا نعتقد بالمعقولية الكاملة للمجادلة أو المحاجة بلا-فلسفية فكر العظم، انطلاقًا من كونه نقديًّا أو استنادًا إلى تعريفٍ واحدٍ أو أحاديٍّ للفلسفة. فالنقد محايثٌ وبشدةٍ للفلسفة منذ بدايتها السقراطية، وقد أصبح، في كثيرٍ من الأحيان، طاغيًا على مضامينها، لدرجة الحديث عن “الفلسفة النقدية”، أي عن النقد بوصفه السمة الأساسية أو المؤسِّسة للفلسفة. والفلسفة النقدية، كما فهمها العظم ومارسها عمومًا، ليست إبداعًا للمفاهيم، وإنما هي «التفكير في الواقع الفعلي القائم، بطريقةٍ تساعد، مساعدةً مباشرةً و/ أو غير مباشرةٍ، على تحسين أوضاع الإنسانية.»([12]) وهذا هو بالضبط ما نعتقد أنه يمثل تعريفًا ملائمًا للفلسفة (النقدية). ويساعد هذا التعريف، من جهةٍ أولى، على إبراز أساسٍ متينٍ، يمكن من خلاله إظهار فلسفية فكر العظم، ومن جهةٍ ثانيةٍ، على التخلص من التقابل أو التناقض المزعوم أحيانًا بين التفلسف والنقد، إضافةً إلى ذلك يبيِّن هذا التعريف أن الفلسفة لم تعد عمومًا موجودةً (ولا ينبغي لها أن توجد) إلا من خلال تخصصها في مجالٍ معيَّنٍ أو اتسامها بسمةٍ معينةٍ تربطها بمهمةٍ محدَّدةٍ. وقد تبنى العظم الماركسية، بوصفها أساسًا معرفيًّا منهجيًّا، لا بوصفها مذهبًا كاملًا أو ناجزًا، لأنه رأى أنها تمثِّل «فلسفة العصر النقدية بامتياز»([13]).

الإنسان ومفهوم الشخص البشري بين الفلسفة والدين

على العكس من رؤى بعض المشتغلين العرب في الفلسفة، ما عادت الفلسفة، عمومًا أو غالبًا، ونعتقد أنه لا ينبغي لها أن تكون، أو أن تسعى إلى أن تكون، نسقًا نظريًّا شاملًا وبناءً مذهبيًّا كاملًا، وإنما أصبحت، في الفكر والواقع المعاصرين، تناولًا نقديًّا، مضبوطًا ومنهجيًّا، لمشكلاتٍ محدَّدةٍ ذات طابعٍ إشكاليٍّ لا يمكن التفاعل معه، تفاعلًا بنَّاءً ومثمرًا، من خلال الاقتصار على اللجوء إلى الأدوات المعرفية، العلمية وغير العلمية، المتوفرة. هذا ما يشير إليه تعريف بيتر سينغر للتفلسف، بوصفه «تعلم التفكير بعمقٍ وصرامةٍ منهجيةٍ أكبر، في المسائل أو الأسئلة الصعبة التي لا تستطيع الأبحاث الإمبريقية المباشرة تقديم الإجابة عنها»([14]). وفقًا لهذا التعريف، يمكن للمرء المحاجة أو المجادلة بأن بعض نصوص العظم، على الأقل، وربما على الأكثر أيضًا، هي نصوصٌ فلسفيةٌ بامتيازٍ؛ لأنها تتضمَّن، تضمنًا جزئيًّا ونسبيًّا على الأقل، رؤيةً أو أطروحةً عميقةً ومتميزةً، ومنطقًا واضحًا ومتماسكًا، ومحاجةً “عقلانيةً” متسقةً، واستنادًا أو إسنادًا معرفيًّا ضروريًّا إلى المرجعيات المعرفية ذات الصلة، ومنهجيةً “مضبوطةً يتكامل فيها التحليل والتركيب، والوصف والتقويم … إلخ. وهذه السمات وما يماثلها هي الشرط الضروري والكافي لمعظم الأبحاث والنصوص الفلسفية المنشورة في الجامعات ومراكز البحث الأكاديمية. وعلى هذا الأساس يمكن القول إنه صار لزامًا على الأبحاث أو النصوص الفلسفية المعاصرة أن تكون “علميةً”، لا بالمعنى الوضعي الذي يعبر عنه المصطلح الإنكليزي أو الفرنسي “science“، وإنما بالمعنى الذي يشير إليه المصطلح الألماني “Wissenschaft“، أي أن تكون أطروحةً منهجيّةً أو منتظمةً، وتتسم بالدقة والوضوح والمنطقية واتساق عناصرها أو أجزائها.

ليس غريبًا هذا التقارب بين طابعي “الفلسفية” و”العلمية” – السائد في معظم النصوص الفلسفية المعاصرة – في (بعض) نصوص العظم، نظرًا إلى تقديره “المفرط” للعلم لدرجةٍ تسمح بالحديث عن تضمن فكره نزعةً علمويةً ترى في العلم أعلى أشكال المعرفة الإنسانية، وتنبنى تراتبًا يكون فيه العلم هو الحكم الفيصل والمحكمة التي لا يمكن استئناف حكمها، إلا من داخل العلم نفسه. ففي فكر العظم، ما عادت الفلسفة أمًّا للعلوم (فقط)، بل أصبحت أيضًا بنتًا وأختًا لها، تستند إليها وتعتمد على معارفها ونتائجها، بقدر ما تقوم بدراستها، دراسةً نقديَّةً، للكشف عن أسسها وافتراضاتها ودلالتها وحدودها.

إن السمات النقدية والبحثية والعلمية (أو العلموية) في فكر العظم، ليست كافيةً، من وجهة نظر بعض المشتغلين في الفلسفة، لتصنيف العظم على أنه فيلسوفٌ. ونعتقد أنه عند التفكير في السؤال “هل العظم فيلسوفٌ؟” لا تكمن الأولوية، أو ينبغي ألا تكمن، من وجهة نظرنا، في محاولة الإجابة عن هذا السؤال، بقدر وجوب أن تكون في محاولة الكشف عن الافتراضات القيمية التي ينطلق منها، والأبعاد التقويمية التي يتضمنها أو يهدف إليها. إن القول بأن العظم فيلسوفٌ أو غير فيلسوفٍ، هو حكم قيميٌّ، قبل (أو أكثر من) أن يكون حكمًا وصفيًّا. والتقويم الذي يتضمنه يخصُّ، بالدرجة الأولى، الفلسفة وموقعها من الأشكال المعرفية الأخرى (العلم، النقد، الأيديولوجيا)، ويضعها “فوق” كل هذه الأشكال من حيث المنزلة أو المكانة، و”تحتها” من حيث كونها أساسًا ضروريًّا لها، و”قبلها” من حيث أولويتها، وبعيدًا عنها لكونها متفردةً من حيث قيمتها. هذا التقويم، المضمر أحيانًا أو في معظم الأسيقة، والصريح حينًا أو في أسيقةٍ أخرى، هو ما نسميه “فلسفويةً” أو “نزعةً فلسفويةً”، وهي النزعة التي ترى أن الفلسفة ليست رأس الحكمة وقمة المعارف من حيث المكانة فحسب، بل هي أيضًا منبع الخير (وأساس الجمال)، في استعادةٍ، جزئيةٍ أو كاملةٍ، ضمنيةٍ أو صريحةٍ، للمماهاة السقراطية/ الأفلاطونية بين الحقيقة والخير.

وإذا كان الاعتقاد بهذه الفلسفوية ومحايثتها لنصوص المفكر يمثِّلان شرطًا ضروريًّا لاتسام هذا النص أو الفكر بالسمة الفلسفية، فمن السهل القول إن فكر العظم، انطلاقًا من هذا الشرط أو المعيار، لم يكن فلسفويًّا، وبالتالي لم يكن فلسفيًّا. لم يكن لدى العظم أي نزعةٍ فلسفويةٍ على الإطلاق، ليس فقط لأنه كان، جزئيًّا ونسبيًّا على الأقل، علمويًّا، بل، أيضًا وخصوصًا، لأن فكره اتسم بطابعٍ أيديولوجيٍّ واضحٍ. وسنعمل في ما يلي على توضيح جانبٍ من السمة الأيديولوجية التي برزت في فكره غالبًا، بروزًا واضحًا وشديدًا، مع التركيز على علاقتها ڊ (لا) فلسفية/ فلسفوية فكره.

من الضروري بدايةً الإشارة إلى أننا لا نستخدم الأيديولوجيا هنا بالمعنى المعياري-القدحي، بل بمعنىً وصفيٍّ محددٍ يتمثَّل في كونها مجموعة الأفكار والقيم والغايات المترابطة والمعبرة، من وجهة نظر متبنيها، عن مصلحةٍ عامةٍ ما، لجماعةٍ أو مجموعةٍ ما، ينتمي إليها متبنو هذه الأيديولوجيا.([15]) وهذا المعنى الوصفي لا ينفي، من حيث المبدأ أو فعليًّا، الإمكانية الدائمة لاتسام الأيديولوجيا بهذه السلبية و/ أو الإيجابية أو تلك. ومن الملاحظ أنه عند الحديث عن السمة الأيديولوجية عمومًا، يتم التركيز غالبًا على الأبعاد السلبية لهذه السمة. فتُوضع السمة الأيديولوجية بوصفها مقابلًا سلبيًّا للسمة العلمية أو الموضوعية أو الفلسفية … إلخ. والعظم نفسه أشار إلى هذا التضاد أو التناقض في عرضه للميل العام والضمني، في أحد نصوص أنطوان مقدسي، لأن يرى في مفاهيم التقدم والتخلف، والنمو والتأخر «مفاهيم برجوازية ذات مضمون أيديولوجي محض ولا قيمة علمية أو موضوعية مستقلة لها»([16]). لكن على العكس من تلك النظرة، السائدة غالبًا أو عمومًا، كانت رؤية العظم للأيديولوجيا خاليةً من الحكم المعياري-القيمي المسبق، بمعنى أن الأيديولوجيا، في فكر العظم، ليست جيدةً أو سيئةً بالضرورة، فهي تكون كذلك وفقًا لمضامينها وتوظيفها وأهدافها … إلخ.

لقد قام العظم بنقدٍ شديدٍ لما أسماه ڊ “الأيديولوجيا الدينية”، لا لكونها أيديولوجيا، بل للمضمون الديني “السلبي” الذي تحمله، من وجهة نظره. وقد حدد العظم بدقةٍ الغرض من هذا النقد: «لفضح أنواع التزييف والاستلاب التي تفرضها الأيديولوجيا الدينية على الإنسان العربي.»([17]) وفي رده على أدونيس، يشير العظم إلى أنه قام بصياغة مقاله «بأسلوب نقدي “اتهامي” وفقًا لتقاليد النقاش الفكري السجالي وأصول الصراع الأيديولوجي الهادف.»([18]) فالعظم لم ينفِ السمة الأيديولوجية الملازمة لفكره غالبًا، بل أقرَّ صراحةً بهذا الوجود. ويعني هذا، في ما يعنيه، من جهةٍ أولى، أنه قد سعى غالبًا إلى الدخول بفكره، دخولًا مقصودًا ومرادًا أو واعيًا، إلى قلب أو خضم الصراع الأيديولوجي، ومن جهةٍ ثانيةٍ، أن هذه السمة الأيديولوجية ليست بالضرورة سلبيةً أو مرذولةً من وجهة نظره([19])، من دون أن ينفي ذلك إمكانية أن تكون كذلك أحيانًا، وهو الامر المتحقق فعليًّا في الايديولوجيا الدينية بامتيازٍ، من وجهة نظره أيضًا.

ويبقى السؤال الأساسي الذي سنتناوله في ما يلي: ما النتائج السلبية و/ أو الإيجابية التي تمخض عنها اتسام فكر العظم بالطابع الأيديولوجي، وما تأثير ذلك على فلسفية و/ أو فلسفوية هذا الفكر؟ في الإجابة عن هذا السؤال المركَّب، سنعمل على الإشارة، المقتضبة والمكثفة، إلى بعض السمات السلبية المنبثقة عن أيديولوجية فكر العظم أو المرتبطة بها، ارتباطًا مباشرً أو غير مباشرٍ. ويمكن تسويغ اقتضاب هذه الإشارات وتكثيفها، تسويغًا جزئيًّا ونسبيًّا، على الأقل، بنموذجيتها ودلالتها العامة والمهمة، من ناحيةٍ، وبكوننا قمنا بمحاولة إظهار معقوليتها، النسبية والجزئية، ومناقشتها، مناقشةً مفصلةً، في أبحاثٍ أخرى منشورةٍ أو ستُنشر “قريبًا”، عن فكر العظم([20])، من ناحيةٍ أخرى.

تبدو أيديولوجية فكر العظم واضحةً في الطابع الصدامي الذي اتسم به هذا الفكر عمومًا، في تناوله للأيديولوجيا الدينية خصوصًا. وعلى الرغم من الإمكانية النسبية والجزئية، لتسويغ اللجوء إلى الصدام، فإن هذا التسويغ لا ينفي وجود محاذير وسلبياتٍ ملازمةٍ غالبًا للصدام والنزعة الصدامية. ويأتي في مقدمة هذه السلبيات اختزال  الواقع، على الصعيد المعرفي، إلى طرفين متناقضين لا يمكن التوفيق بينهما، وإغفال أو إهمال وجود ممكناتٍ موضوعيةٍ أخرى لا ترتد إلى أحد هذين القطبين. ففي تناوله الصدامي للأيديولوجيا الدينية، أو للدين و/ أو للفكر الديني، لم يرَ العظم في تلك الأيديولوجيا أو في ذلك الدين والفكر الديني أي إيجابيةٍ، حيث تم اختزال العالم إلى قطبي السالب والموجب، المشكلة أو العقبة والحل، الباطل والحق … إلى آخره من هذه التصنيفات المانوية الثنائية([21]). ووفقًا لهذا التقسيم الأيديولوجي، لم يسعَ العظم في كتاباته إلى فهم “خصمه” أو التحاور معه، ومحاولة تقريب وجهات النظر والوصول إلى حلولٍ ما، يمكن أن تكون مقبولةً من قبل الطرفين، بل كان فكره إقصائيًّا بالكامل، بمعنى أنه لم يكن يرى، من حيث الوجود والوجوب، سوى إمكانيةٍ واحدةٍ، للتعامل مع هذا “الخصم” أو “العدو”: الإقصاء والاجتثاث الكاملين. وأظن أنه من الواضح لا-“موضوعية” هذه الرؤية الأيديولوجية، ولا-فائدتها، بالمعنى العملي أو البراغماتي. وقد أدرك العظم نفسه ذلك، وهذا هو أحد الأسباب التي جعلته يتخلى لاحقًا عن هذه الرؤية، ويتناول الظاهرة الدينية، تناولًا تحليليًّا مدقِّقًا، يكشف الاختلافات/ الخلافات الأساسية القائمة بين اتجاهاتها، بما يسمح بالتفاعل الإيجابي مع بعضها، من جهةٍ أولى، والإبقاء على حالة الصدام المفروضة أو الاضطرارية مع بعضها الآخر، من جهةٍ ثانيةٍ.([22])

ولا تقتصر سلبيات الأيديولوجيا على تأثيرها السلبي المحتمل في “موضوعية” الباحث أو المفكر فحسب، بل يمكن أن تتعدى ذلك، في كثيرٍ من الأحيان، إلى دفعه إلى القيام بدور الداعية والمبشِّر، على حساب (أو إضافةً إلى) دوره البحثي-الفكري المدقق. وقد أفضى ذلك عمومًا، لدى بعض المفكرين العرب، والعظم من ضمنهم، إلى الإفراط، أحيانًا أو غالبًا، في التشديد على دور الإرادة في صنع الواقع السياسي وتغييره أو تغيره وتقدم المجتمع أو تخلفه([23])، وإلى خلق فجوةٍ أو ثغرةٍ، بين توصيف مشكلات الواقع المستعصية والتبشير بالمستقبل الأفضل الذي ستصنعه إرادة جماهير هذه الأمة و”حركة التحرر العربية”. وقد كان العظم “واعيًا” لحضور هذه النزعة الإرادوية وتلك الهوة أو الثغرة في نصوصه، وذهب إلى حد القول بملازمة هذا الحضور لكل تنظيرٍ أيديولوجيٍّ منخرطٍ في الصراع الاجتماعي/ النزاع الطبقي.([24]) ويمكن تسويغ هذه المبالغة في التعويل على الإرادة، وتلك الهوة بين التنظير لمشكلات الحاضر والتبشير بالمستقبل الأفضل، بالإشارة إلى أن ذلك التنظير هو، في حد ذاته، فعلٌ يسعى إلى تحفيز هذه الإرادة على ردم هذه الهوة، بدلًا من الانكفاء إلى حالةٍ من العدمية السلبية، التي تزيد من سلبية الواقع، من خلال الاكتفاء بتوصيفٍ “موضوعيٍّ” أو يسعى لأن يكون موضوعيًّا، لا يأخذ في الحسبان مرونة الإرادة الإنسانية وفاعليتها، والتأثير السلبي، الممكن أو المحتمل، لهذا التوصيف فيها.([25]) ونعتقد أن إدراك العظم لذلك الدور الممكن للفكر والكتابة أو القول هو أحد الأسباب التي جعلت فكره يتسم بالطابع الأيديولوجي، على الرغم من إدراكه للسلبيات الملازمة غالبًا لهذا الطابع.

بالانتقال إلى إيجابيات الأيديولوجيا عمومًا، وتلك التي حايثت فكر العظم خصوصًا، سنبين، بوضوحٍ أكبر، تأثير تلك المحايثة على فلسفية و/ أو فلسفوية هذا الفكر. ومن أجل ذلك، سنعود إلى مناقشة التعريف الدولوزي للفلسفة بوصفها “إبداعًا للمفاهيم”، لنعمل على تمييزها وفصلها، النظري والمؤقت، عن الأيديولوجيا، لنقول، على هذا الأساس، إن الفلسفة تتسم، من حيث المبدأ، بالتجريد وبعمومية مفاهيمها، لكونها تبحث في “الكينونة من حيث هي كينونة”، وفقًا للتعريف الأرسطي للميتافيزيقا. وقد أشرنا من خلال السعي إلى تحديد ماهيات الأشياء أو الأفكار أو القيم … إلخ: “ما العدالة؟”، “ما الحب؟” … إلخ. ولهذا لا يمكن التنظير، على المستوى الفلسفي الأولي، في أي ميدانٍ، بدون الاستناد إلى مفهومٍ عامٍّ ومجردٍ. فالحديث الأيديولوجي عن السلطة السياسية، على سبيل المثال، يسبقه، أو ينبغي أن يسبقه، على المستوى الفلسفي، تأسيسٌ مفهوميٌّ لماهية السلطة، ومن ثم ماهية السلطة السياسية عمومًا، قبل التناول الأيديولوجي لهذه السلطة (السياسية) أو تلك خصوصًا. الفكر الفلسفي يتموضع إذن على مستوى المجرد العام أو العمومي، في حين يتمحور الفكر الأيديولوجي حول المتعين-المجرد، أو حول تعينات هذا المجرد العام، في هذا السياق المجدَّد أو ذاك.

لأغراضٍ جدليةٍ وجداليةٍ، سنقبل أو نسلّم بهذا الفصل أو التقابل التبسيطي بين الفلسفة والأيديولوجيا، وبالفصل أو التقابل المماثل بين الفلسفة والنقد، من حيث أن النقد ليس إبداعًا للمفاهيم، بل رؤيةً تابعةً لمفاهيم المنقود أو لمفاهيم أخرى جاهزةٍ أو ناجزةٍ مسبقًا. ونحن نقول بتبسيطية هذا التقابل، لأننا أشرنا أعلاه إلى تفككه أو إلى إمكانية تفكيكه وضرورة هذا التفكيك. ويهدف تسليمنا بالفصلين أو التقابلين المذكورين إلى الانتقال من مناقشة المعنى الوصفي للفلسفة إلى التركيز على مناقشة الافتراضات والتراتبية القيمية أو التقويمية القابعة، بوعيٍ أو بدونه، خلف هذا المعنى.

للوهلة الأولى، يبدو أن الفلسفة أكثر أهميةً من الأيديولوجيا والنقد، لاعتماد كليهما عليها من ناحية المفاهيم، ولأن الفلسفة أكثر عموميةً واتساعًا، لكون مفاهيمها تغطي كل الماصدقات الممكنة، في حين أن النقد والأيديولوجيا يرتبطان، ارتباطًا كبيرًا أو كاملًا، بماصدقاتٍ محدودةٍ وأسيقةٍ متعينةٍ.  لكن لا ينبغي، هنا وفي معظم الأسيقة الأخرى، الاعتماد على الوهلة الأولى للفكر، بل ينبغي التحول أو الانتقال من فكر البداهة الارتجالي إلى الفكر التأملي-التفكري الذي يمعن النظر في المسألة وفي التفكير السائد في خصوصها.

لأغراضٍ جدليةٍ وجداليةٍ، سنقبل أو سنسلّم، أيضًا، بأن الفلسفة هي، من حيث المبدأ أو من منظورٍ ما، أكثر أهميةً أو أساسيةً من الأيديولوجيا والنقد. لكن السؤال هنا هو: هل تحتفظ الفلسفة بالمكانة ذاتها في كل الأسيقة والأوضاع، وبغض النظر عن الشروط والمتطلبات المرتبطة بهذا السياق أو الوضع التاريخي المتعين أو ذاك؟ وبكلمات أخرى أكثر تحديدًا وتخصيصًا، هل كان وضع الواقع والفكر العربيين، بعد هزيمة حزيران، عى سبيل المثال لا الحصر، يتطلب، تطلبًا ملحًّا وضروريًّا، ذلك النوع من الأيديولوجيا النقدية أو النقد الأيديولوجي الذي مارسه العظم آنذاك؟ نعتقد أن الإجابة بالإيجاب عن هذا السؤال هي الأرجح لدى الكثيرين، بما في ذلك الذين يأخذون على العظم تركيزه على ممارسة النقد بدلًا من التفلسف ومحاولة إبداع المفاهيم. وهي، في كل الأحوال، إجابة العظم الذي وضع في بداية كتابه “نقد الفكر الديني”، اقتباسًا لياسين الحافظ، جاء فيه: «إن نقد جميع جوانب المجتمع العربي الراهن وتقاليده نقدًا علميًّا – علمانيًّا صارمًا وتحليلها تحليلًا عميقًا نفاذًا، واجبٌ أساسي من واجبات حركة الطليعة الاشتراكية الثورية في الوطن العربي. وإن مثل هذا النقد هو وحده القادر على اقتلاع جميع الجوانب السلبية المعطلة والكابحة في إرثنا الاجتماعي.»([26]) يبين هذا الاقتباس المهم أن “النقد وحده“، لا التفلسف بوصفه إبداعًا للمفاهيم، هو الذي كان مطلوبًا، من “الفكر العربي الملتزم”، آنذاك، من وجهة نظر الحافظ والعظم وكثيرين غيرهم. وعلى الرغم من أن، أو لأن، النقد المطلوب ينبغي أن يكون نقدًا علميًّا – علمانيًّا صارمًا، فإن هذا النقد هو نقدٌ أيديولوجيٌّ بامتيازٍ، لأنه نقد “حركة الطليعة الاشتراكية الثورية في الوطن العربي”. وهذا بالضبط ما عمل العظم على القيام به في معظم مؤلفاته في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، خصوصًا أو تحديدًا.

كيف يمكننا أن نفسر أن بعض منتقدي “لا-فلسفية” فكر العظم، يتفقون معه ومع الحافظ، على أهمية النقد الأيديولوجي وضرورته الملحة، من جهةٍ أولى، ويقومون بانتقاده على تركيز فكره على ممارسة هذا النقد، من جهةٍ ثانيةٍ؟ نعتقد انه يمكن رد هذا التناقض، ردًّا جزئيًّا ونسبيًّا، إلى نزعتهم الفلسفوية، التي تجعلهم يصرون على أولوية الفلسفة وعلى مكانتها الأعلى والأهم، بوصفها إبداعًا للمفاهيم”، حتى عندما لا يكون هذا الإبداع أولويةً أو ضرورةً ملحةً. إن رؤية هؤلاء الفلسفويين هي رؤيةٌ أيديولوجيةٌ، من حيث انحيازها إلى الفلسفة والتفلسف، والإفراط في الإعلاء من شأنهما ومكانتهما، على حساب ضرورات الواقع أو متطلباته وحاجاته، وممكنات الفكر الأخرى. وتبني الفلسفة كأيديولوجيا أمرٌ شائعٌ في فكرنا العربي، وهو يترافق مع تحويل الفلسفة إلى ما يشبه الدين، من حيث تحوُّل المتفلسفين أو المشتغلين في الفلسفة إلى رسلٍ ومشائخ فكرٍ ودعاةٍ يسعون إلى هداية الناس إلى الفلسفة، باسم تنويرهم، وبغض النظر عن (عدم) تناسب هذه الفلسفة – الدين مع أوضاع هؤلاء الناس واحتياجاتهم وقيمهم وأفكارهم. والطريف في الأمر، أن تبني الفلسفة كأيديولوجيا يتضمن غالبًا ذمًّا للأيديولوجيا أو قدحًا فيها، واختزالها إلى وعيٍ زائفٍ. إن هذه الأيديولوجيا أو الفلسفوية هي التي جعلت بعض نقاد فكر العظم أو متابعيه يتحسرون على قلة أو انعدام إنتاجه الفلسفي، ويعبرون عن أسفهم لأنه خصص (معظم) وقته وجهده الفكري للنقد، ويتمنون لو أنه خصص بعضًا من هذا الوقت والجهد، أو جله، وربما كله، لإنتاج نصوصٍ فلسفيةٍ، أي نصوصٌ تتضمن إبداعًا للمفاهيم، ولا تنشغل بالنقد كثيرًا. وانطلاقًا من قناعتنا بأهمية النقد الذي مارسه العظم وضرورته آنذاك، وحتى الآن في كثيرٍ من الأحيان، فإننا “نحمد” العظم على تركيزه على النقد والانخراط في الصراع الأيديولوجي،؛ لأنه لولا ذلك، لاقتصر على أن يكون “مجرد فيلسوفٍ”.([27])

من الواضح أن العظم ليس فلسفويًّا مطلقًا. فعلى العكس من الفلسفويين الذين يماهون بين الفلسفة والحكمة والقيم الأخلاقية والجمالية والمعرفية الإيجابية فقط، يرى العظم أن الفلسفة يمكن أن تنتج أو تتضمن أفكارًا بناءةً و/ أو هدامةً، قيمًا خيرةً و/ أو شريرةً. والسمة الأيديولوجية فكر العظم هي أحد العوامل التي حصنته من الوقوع في فخ هذه الفلسفوية. وعلى الرغم من خشيتنا من الذهاب بعيدًا في تقريظ الأيديولوجيا، لأننا لا نود الابتعاد عن الفلسفوية، والوقوع في فخ تبني أيديولوجوية أو أيديولوجيا مضادةٍ، فإننا نود الإشارة إلى إيجابياتٍ أخرى لحضور الأيديولوجيا في فكر العظم.

يمكن للأيديولوجيا أن تكون كالبوصلة الموجهة التي تعصم الفكر من أن يجوب النصوص والأفكار، بدون امتلاك هدفٍ واضحٍ. ففي الفلسفة كثيرٌ مما يغري قارئها لكي ينفصل أو يغترب عن واقعه ويدخل في لعبة التناص واللعب بالكلمات والأفكار، بعيدًا عن أهمية هذه الأفكار ودلالاتها، لا بالنسبة إلى مجتمعه ومن يشعر أنه ينتمي إليهم أو يهتم بأمرهم فحسب، بل بالنسبة إليه هو شخصيًّا. فثمة من يمارس الترحال الفكري-الجمالي في عالم الأفكار والنظريات والفلسفات، ويستسلم لهذالإغراء أو ذاك بدون أن ينشغل ڊ (عدم) إمكانية توظيفه، في مناقشة المسائل والمشاكل أو الإشكاليات المرتبطة بواقعه وواقع مجتمعه المتعيّن. إن السمة الأيديولوجية لفكر العظم قد حددت له كيف يقرأ النصوص وما المواضيع التي ينشغل بها، وكيف يمكن أن يقوم هو أوغيره بتوظيفها، بما (لا) يتماشى مع القيم والمبادئ التي يؤمن بها ومع الغايات أو الأهداف التي يتطلع إلى تحقيقها. فعند العظم، «التفلسف والفلسفة ليستا لعباً بالكلام، بقدر ما تعطيك موقعاً لتغيير العالم»([28]). وهكذا فإن التفلسف عند العظم يقوم، بالدرجة الأولى، على استخدام الفلسفة أو توظيفها، لا على أن يكون موظفًا لديها أو مستخدمًا عندها أو من قِبَلها.

يبين فكر العظم أن الفلسفة (والفكر عمومًا) بدون أيديولوجيا هي (غالبًا) عبثٌ، وتفلسفٌ بالمعنى العامي للكلمة. والأيديولوجيا بدون فلسفةٍ فقيرة أو ضحلة المضمون وضعيفة أو هشة الأسس. أما النقد، فهو يقوم، في الفكر المعاصر، بالدور الذي قام المنطق في الفلسفة الوسيطة؛ فهو آلة الفلسفة ومدخلها، ويمكن إضافة أنه (في) قلبها أيضًا. ومع التشديد على أهمية نقد النقد وتفكيكه وضرورة سبر أو استكشاف آلياتٍ أخرى أو منطقٍ آخر للتعامل مع الفكر والواقع، فإننا نعتقد أن التعامل مع الفلسفة والأيديولوجيا، تعاملًا نقديًّا صارمًا، يمكن أن يساعد على تجنب تحولهما أو تحويلهما إلى فلسفويةٍ وأيديولوجويةٍ، ويسمح بالتالي بالتفاعل الإيجابي والجدلي البناء بين هذين الطرفين. وهذا ما نعتقد أنه قد حصل، جزئيًّا ونسبيًّا، في فكر العظم.

 

قائمة المصادر والمراجع:

 ([1])انظر، على سبيل المثال أو الخصوص، الحوارات التي أجراها الدكتور بدر الدين عرودكي عن فكر العظم، في خمس حلقاتٍ من المقهى الثقافي، وهو أحد فعاليًّات “رابطة الكتاب السوريين”. وعلى الرغم من تأثير ما جاء في هذه الحلقات في إثارة رغبتنا في كتابة هذا النص وفي بعض مضامينه، إلا أننا لم نقم بالإحالة التوثيقية إلى مضامين تلك الحلقات، لصعوبة توثيق التسجيلات الصوتية، والتعقيدات المنهجية المرتبطة بذلك.

 ([2])صادق جلال العظم، ذهنية التحريم. سلمان رشدي وحقيقة الأدب</strong>، ط1 1992، (بيروت: دار المدى، ط3 1997)، ص 153.

 ([3])المعطيات السابقة نفسها، ص 154.

 ([4])المعطيات السابقة نفسها، ص 153.

 ([5])انظر مثلًا وخصوصًا: صادق جلال العظم، دراسات في الفلسفة الغربية الحديثة، (بيروت: منشورات الجامعة الأمريكية، 1966).

 ([6])العظم، ذهنية التحريم. …، ص 156.

 ([7])إن عدم الاكتراث بتباين دلالات مصطلح “فيلسوف” وحمولته القيمية، بين السياقين العربي والغربي، يُنتج مفارقاتٍ طريفةً. فعندما يتم، في الغرب، مخاطبة شخصٍ عربيٍّ حاملٍ لشهادة الدكتوراه، بالفيلسوف، يشعر هذا الشخص غالبًا بالامتنان والحرج لأنه تلقى، من وجهة نظره، مجاملةً كبيرةً ولطيفةً وتقويمًا مفرطًا في إيجابيته، مع أن الشخص الغربي لا يكون قاصدًا تلك المجاملة وذاك التقويم. وفي المقابل، إن إصرار مشتغلٍ عربيٍّ في الفلسفة على تقديم نفسه على أنه فيلسوفٌ، بتأثيرٍ جزئيٍّ من استخدام مصطلح فيلسوف” في السياق الغربي، يثير، في السياق العربي، ذهول أو استغراب الكثيرين، ويرون فيه مبالغةً مجنونةً وغير لبقةٍ في تقدير الذات أمام الآخرين.

 ([8])جيل دولوز، فليكس غتّاري، ما هي الفلسفة، ترجمة ومراجعة وتقديم مطاع الصفدي وفريق مركز الإنماء القومي، (بيروت/ الدار البيضاء: مركز الإنماء القومي/ المركز الثقافي العربي، 1997)، ص 30.

 ([9])ماهر مسعود، “العظم ومهمة الفلسفة“، مجلة طلعنا عالحرية، 13 كانون الأول 2016.

 ([10])لقد سمعت هذا القول من غسان فنيانوس شخصيًّا، وتناقشت معه حوله، أثناء مشاركتي في ندوة حول فكر صادق جلال العظم عُقِدت في برلين 11 شباط 2017، ونُظِّمت من قبل مركز حرمون للدراسات المعاصرة.

</a> ([11])انظر: صادق جلال العظم، نقد الفكر الديني. طبعة ثانية مع ملحق بوثائق محاكمة المؤلف والناشر، ط1 1969، (بيروت: دار الطليعة، 1970)، ص 8.</p>

([12]) Richard Beardsworth, “The Future of Critical Philosophy and World Politics”, in Derrida: Negotiating the Legacy, (Edinburgh: Edinburgh University Press, 2007), p. 45.

name=”_ftn13″></a> ([13])صادق جلال العظم، ثلاث محاورات فلسفية دفاعًا عن المادية والتاريخ (مداخلة نقدية مقاربة في تاريخ الفلسفة الحديثة والمعاصرة)، (بيروت: دار الفكر الجديد، 1990)، ص 383.

([14]) Michael Hotchkiss, Q&A with Singer: A philosopher on his craft and practicing it at Princeton, 16 February 2017.

 ([15])العظم، ذهنية التحريم. …، ص 156.

 ([16])لمزيدٍ من التفصيل، انظر، حسام الدين درويش، المعرفة والأيديولوجيا في الفكر السوري المعاصر، (مؤسسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر، باريس/ إسطنبول، 20233).

 ([17])العظم، نقد الفكر الديني، ص 10.

 ([18])العظم، ذهنية التحريم …، ص 72.

 ([19]) انظر، على سبيل المثال، إلى حديث العظم، في “نقد الفكر الذاتي بعد الهزيمة”، عن “دورٍ إيجابيٍّ لعبته الإيديولوجيا الصهيونية في تحويل المرأة اليهودية العربية من امرأة شرقية إلى امرأة ثوريةٍ متحررةٍ وتقدمية”: العظم، النقد الذاتي بعد الهزيمة، ط1 1968، (بيروت: دار الطليعة، ط4 1970)، ص 156-157.

 ([20])انظر خصوصًا: حسام الدين درويش، “في التمييز بين النقد والانتقاد: فكر صادق جلال العظم أنموذجًا”، مجلة قلمون، (قيد النشر) العدد الأول، آذار 2017؛ “في النقد والتابو (الجنسي) عند صادق جلال العظم“، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، مارس 2017.

 ([21])يشير الرحموني إلى أنه بالإضافة إلى تقديمه “أنصاف حقائق”، فإن هذا “التقسيم المانوي للعالم” هو من أهم خصائص التفكير الأيديولوجي باعتباره وعيًا زائفًا. انظر: العظم و«النقد الذاتي بعد الهزيمة»“، نزوى، العدد الثاني والثمانون، (2015)، ص 52.

 ([22])انظر، على سبيل المثال أو الخصوص، المجلدين الأول والثالث من نصوص العظم عن السياسة والدين، والمجموعة والمنشورة باللغة الإنكليزية في:

Sadik J. Al-Azm, On Fundamentalisms, Vol. 1, Is Islam Secularizable?: Challenging Political and Religious Taboos,  Vol

. 3 (Berlin: Gerlach Press. 2014).

=”#_ftnref23″ name=”_ftn23″> ([23])انظر، على سبيل المثال، الانتقاد المحق، جزئيًّا ونسبيًّا، الذي وجهه نويهض لفكر العظم، في هذا الخصوص، في: وليد نويهض، “الحداثة والتراث أو الأيديولوجية ضد التاريخ. قراءة في كتاب: صادق جلال العظم، “ذهنية التحريم: سلمان رشدي وحقيقة الأدب””، في العظم، ما بعد ذهنية التحريم، ص 528.

 ([24])انظر، على سبيل المثال، حديث العظم عن الفارق بين “البيان الشيوعي و”رأس المال”  لماركس، والفارق بين “ما العمل” و”تطور الرأسمالية في روسيا” للينين، في: العظم، ثلاث محاورات فلسفية …، ص 469.

 ([25])انظر، في هذا الخصوص: حسام الدين درويش، عندما تقول، أنت (لا) تفعل: في مسؤولية الكلمة، شبكة جيرون، 23  كانون الأول، 2016.

 ([26])العظم، نقد الفكر الديني …، ص 5.

 ([27])إن حضور أو انتشار الفلسفوية بين المشتغلين في الفلسفة ناتجٌ عن عوامل مختلفةٍ، ونعتقد أن من بين هذه العوامل هو المهنوية أو النزعة المهنية، والتي تعني إعلاء عددٍ (كبيرٍ) من أولاد أي صنعةٍ شأن صنعتهم والإفراط في التشديد على أهميتها، مقارنةً بالمهن أو الصنعات أو الحرف الأخرى. ونذكر، في هذا السياق، ما قاله أستاذ برغسون المختص بالرياضيات لبرغسون، عندما علم أنه ينوي أن يترك مجال الرياضيات، ليتخصص في الفلسفة: “إنك بذلك لن تكون إلا فيلسوفًا”. ونعتقد أنه من “حسن حظ” قارئي الفلسفة أن برغسون قد قبل، في نهاية المطاف، أن يكون “مجرد فيلسوفٍ” لا عالم رياضيات.

 ([28])ليانة بدر، “التاريخ لا يتقدم ولا يقف عند الهزيمة“، نزوى، العدد الثاني والثمانون، (2015)، ص 51. نعتقد أنه يوجد خطأ في العنوان الذي نفترض أنه “التاريخ يتقدم ولا يقف عند الهزيمة”.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete