قراءة سوسيو-نفسيّة في خطاب التّعزيّة

 تكوين

أن تعزّي شخصا مّا معناه أن تسلّيه وأن تحمله على الصّبر. وقد اتّصلت التّعزية بالموت أساسا حتّى إنّنا نتحدّث عن إقامة عزاء المتوفّى. ونادرا ما يعتمد فعل التّعزية في علاقة بمصائب أخرى يبتلى بها الإنسان كأن يخسر مالا أو أملاكا رغم أنّ الفقدان جامع بينهما.

وتختلف ألفاظ التّعازي من لغة إلى لغة ومن بلاد إلى أخرى ومن ثقافة إلى سواها. وبالنّظر في خطاب التّعزية، فإنّه يمكننا تمييزه في تونس إلى صنفين[1]، خطاب تعزية عامّ وخطاب تعزية خاصّ.

التّعزية العامّة:

نعني بخطاب التّعزية العامّ الكلام الّذي يمكن أن يقال في جميع حالات الموت، وفي جميع سياقاته. ويحيل هذا الخطاب على حقول دلاليّة متنوّعة نشير إلى بعضها.

  • المصيبة إذا عمّت خفّت:

تقوم التّعزية العامّة على التّذكير بشمول مصيبة الموت لجميع البشر بل لجميع الكائنات الحيّة. أن تقول: “إنّا لله وإنّا إليه راجعون”، أو أن تقول: “البقاء للّه”، “الدّايم ربّي”، “سبحان الحيّ الّذي لا يموت” أو أن تقول: “الله أكبر” هي تلوينات مختلفة للتّذكير بالمنزلة البشريّة: جميع البشر فانون، والله تعالى وحده باق.

التّسلية هنا تكون بالتّذكير بأنّ كلّ البشر سيذوقون الموت. وإحدى عبارات التّعزية التّونسيّة تسم ذلك صراحة: “هذيك ثنيّة النّاس الكلّ”[2]. الطّريق واحد، وسيسلكه الجميع. وربّما تخفّ المصيبة إذا تذكّرنا أنّها شاملة. هي تبقى دوما مصيبة، والدّليل استعمال لكمة “هذيكة” المضمرة بدل التّصريح بلفظ “الموت” المخيف. ومع ذلك، فإنّ الاشتراك في الهمّ يخفّفه[3].

  • العجز المحرّر:

لئن وافق جلّ المؤمنين على أنّ كلّ ما يجري في الكون هو من إرادة الله تعالى، فإنّ تذكّرهم لهذه الحقيقة البديهيّة يبلغ ذروته في حالة الموت. فمن الشّائع أن يتوهّم الإنسان وجود إمكان آخر لما جرى. وهو إمكان يصلح الواقع أو يبدّله. هذا الإمكان غائب في حال الموت. قد يصرخ الإنسان ويندب، قد يشقّ ثيابه ويحثو التّراب على رأسه، قد يسير مجنونا في الشّوارع، قد يتألّم ألما يفتّت الحجر، ولكنّ هذه التّعابير جميعها لا تغيّر من معرفة يقينيّة لا يداخلها أيّ شكّ ولا ريب: الإنسان يعرف أنّ الموت حالٌ ليس فيه تراجع ولا إمكان تغيير. هذا العجز العميق ظاهره وجع بليغ، وباطنه رحمة وسكينة. فالعجز هو الّذي يخفّف عن الإنسان الشّعور بالمسؤوليّة أو بالذّنب، العجز هو الّذي يخفّف عن الإنسان الاعتقاد بأنّه “كان يمكن لما كان أن لا يكون”. ونظرا إلى ما قد يحيل عليه العجز باطنا من سكينة، فإنّه يعتمد في خطاب التّعزية، ويتفشّى اللّجوء إلى هذا الضّرب من التّعزية إذا كان الموت مفاجئا أو إذا مسّ شخصا في مقتبل العمر. حينها تعتمد عبارات من نوع: “ها كاللي حبّ ربّي” وإلاّ “هذاك حكم ربّي”[4]. ومعلوم أنّ حكم الله لا استئناف فيه ولا نقض. ومن هنا يكون خطاب التّعزية تذكيرا بالعجز البشريّ الأصليّ.

  • الإقرار بمشاركة أهل الفقيد ألمهم:

من عبارات التّعزية إقرار بعض من يعرفون المتوفّى بأنّهم تألّموا لرحيله ألما يبلغ، أو يكاد يبلغ، ألم أهل الفقيد وأحبّائه. فتسمع في العزاء عبارات من قبيل: “تشويت عليه”، أو “قدّاش وجعني”[5]، وما إلى ذلك. وعادة ما تقوم هذه العبارات على مبالغات عاطفيّة تبلغ ذروتها في حضرة أهل المتوفّى وأحبّائه، ثمّ تذوب ما أن يغادر المعزّي محلّ العزاء ويعود إلى مشاغله وشؤون حياته. لا يتّصل الأمر هنا بنفاق، وإنّما هو نوع من “التّضامن” العاطفيّ الّذي يريد أن يُشعر أهل المتوفّى بأنّهم ليسوا وحيدين في ألمهم. مرّة أخرى تستند التّعزية إلى مبدإ أنّ المصيبة إذا عمّت خفّت، أو لعلّ الاشتراك في تحمّل الألم يجعله أخفّ إذ يتفرّق الوجع بين القلوب. و”حمل الجماعة ريش”[6].

  • الدّعاء للميّت بالرّحمة أو بالسّلام:

من المفروض أنّ الميّت هو المستفيد من الدّعاء بالرّحمة. على أنّنا أوردنا هذا الدّعاء ضمن ضروب التّعزية لأنّ أفق الرّحمة الممكنة للميّت هو من وجوه التّخفيف عن أقرباء الميّت وأحبّائه. وللدّعاء بالرّحمة تلوينات مختلفة. فإذا كانت عبارة: “رحمه الله” تقرّ بإيمان المتكلّم بوجود إله يرحم، أو تقرّ على الأقلّ باندراجه في سياق ثقافيّ يعتقد في وجود إله يرحم البشر بعد الموت، فإنّ البعض يلجأ إلى عبارة أخرى لا تخرج عن الدّعاء وإن حوّرت بعض أركانه، ونعني عبارة: “فليرقد في سلام” أو “لروحه السّلام”. نلاحظ أنّ مبدأ الدّعاء بخير مفترضٍ للميّت لم يتغيّر، فقط استبُدل الدّعاء بالرّحمة بالدّعاء بالسّلام، واستُبدل بالإله موضوعٌ غير محدّد لفظا لعلّه يحيل على الكون أو الحياة أو سواهما[7]. ويظلّ الدّعاء بالرّحمة أو بالسّلام خطابا من التّعزية شائعا جدّا. ويتضافر عليه الدّعاء بدخول الجنّة: “إن شاء الله من دنيته لجنّته”[8] أو بتجنّب عذاب القبر: “ربّي يخفّف عليه التّراب الثّقيل”[9]. وقد يتحوّل الدّعاء بدخول الجنّة إلى إقرار قوامه الثّقة في رحمة الله تعالى، وغايته تسلية الحيّ وتعزيته: “في الجنّة ونعيمها إن شاء الله”.

  • الإشارة إلى تواصل الحياة:

كانت بعض عبارات التّعازي تستفزّني قبل أن أنفذ إلى عمقها. كنت أترجم عبارة من قبيل: “البركة فيك”[10] على أساس أنّها: “رحل الميّت، لا يهمّ، المهمّ أنّك أنت حيّ”. ونظير “البركة فيك” العبارة المصريّة: “البقيّة في حياتك”، وتنتمي إلى نفس حقلهما الدّلاليّ الجملةُ الّتي تقال في مواساة شخص فقد عزيزا وبلغ منه الألم أشدّ مبلغ: “الحيّ أبقى من الميّت”. أمّا عبارة التّعزية اللّبنانيّة: “العمر إلك”، فتصرّح بأنّ عمر الميّت انتهى، وعمرك أنت باق مستمرّ، ولعلّها تدعو أيضا للحيّ بطول العمر. وكانت أكثر العبارات استفزازا لي عبارة: “إن شاء الله فداك”، فقد كنت أستنكر أن يعتبر من فقد عزيزا عليه أنّ المتوفّى افتداني بنفسه فمات هو، بينما ظللتُ أنا على قيد الحياة.

ولئن أصابت قراءتي المسطّحةُ لعبارات التّعزية هذه في اعتبارها إقرارا بوجود شخص رحل (تتمّ التّعزية عن رحيله)، وشخص آخر ما زال على قيد الحياة (تتمّ التّعزية بالاحتفاء بحياته)، فإنّها لم تنفذ إلى أنّ ذاك الاحتفاء ليس احتفاء بحياة المعزّي على الخصوص، وإنّما ذاك الاحتفاء هو احتفاء باستمرار الحياة على العموم. فعبارات “البركة فيك” أو “جعله الله فداك” أو “الحيّ أبقى من الميّت”، هي تذكير آخر بعظمة الحياة وبعظمة الخالق وبعظمة المطلق الّذي لا يؤثّر فيه رحيل فرد مهما يكن شأنه وقيمته ودوره في الكون. “البركة فيك” عبارة تضمر: الكون مستمرّ مهما يكن الرّاحل…والنّهار طالع غدا لا محالة…

إقرأ أيضًا: محاولة تأمّل فلسفيّ في مفهوم الموت

وعموما، سواء أشار خطاب التّعزية العامّ إلى المنزلة البشريّة الفانية في مقابل المنزلة الإلهيّة الجوهريّة أو بيّن مشاركة المعزّي للمعزّى في الألم أو ذكّر بأنّ الحياة تستمرّ رغم رحيل الأفراد، فإنّه في كلّ الأحوال خطاب يحتفي بما يجمع البشر بعضهم ببعض أي إنّه يحتفي بالبشريّة في مفهومها الجوهريّ، لا بالبشر في ذواتهم العرضيّة. ويحضر هذا الاحتفاء أيضا في الدّعاء بالرّحمة للمتوفّى بما هو تضامن بشريّ يرجو الأفضل للميّت في “فضاء” و”زمان” مختلفين مهما يكن تصوّرنا لهما.

إنّ خطاب التّعزية العامّ يذكّر بعظمة المطلق إزاء النّسبيّ الفاني. وهكذا تكون التّعزية هي لحظة وقوف أمام الحقيقة البسيطة الّتي يعرفها كلّ النّاس ويتجاهلها أو يتناساها جلّ النّاس، وهي أنّ الإنسان موجود بغيره، وأنّ الموجود بغيره هو في حكم العدم كما يقرّ ابن عربي[11].

خطاب التّعزية الخاصّ:

لئن كان خطاب التّعزية العامّ شاملا جميع حالات الموت وسياقاته، فإنّ خطاب التّعزية الخاصّ يختلف باختلاف سِنّ الميّت أو طريقة موته أو زمن ذلك الموت، وما إلى ذلك من السّياقات النّسبيّة الّتي تتنوّع من ظروف موت إلى أخرى. ويستند خطاب التّعزية الخاصّ بدوره إلى حقول دلاليّة شتّى.

  • التّذكير بالأثر:

على تخوم العلاقة بين خطاب التّعزية العامّ وخطاب التّعزية الخاصّ، نجد نوعا من عبارات التّعزية يخفّف عن أهل المتوفّى بالتّذكير بأنّه قد ترك أثرا، وبأنّ فناءه ليس سوى فناء نسبيّ.

ومن أمثلة ذلك أنّ بعض المعزّين يسلّون من فقد حبيبا بأنّه وإن غاب الحبيب فإنّ الأثر الّذي تركه المتوفّى خلفه لم يغب. وكثيرا ما يتمثّل هذا الأثر في أبناء المتوفّى وبناته. في هذا الإطار تدخل عبارة: “اللي خلّى الخليفة ما ماتش”[12]،  أو عبارة: “الحمد لله خلّى لك وليّده (بنيّته) تربّيه(ا)”[13]…فهذه العبارات تذكّر أنّ أبناء الميّت وبناته ممّن هم على قيد الحياة هم استمرار لوجوده وإن في إهاب مختلف.

وقد يحيل الأثر أحيانا على أعمال أدبيّة أو فنّيّة أو علميّة خلّفها المتوفّى، وقد يحيل أيضا على ما تركه من ذكر طيّب يشيع استحضاره أيّام العزاء. ولعلّ خطاب التّعزية المستند إلى هذا الأثر الأخلاقيّ يذكّر بالباقيات الصّالحات الّتي يشير إليه قوله تعالى: “المال والبنون زينة الحياة الدّنيا والباقيات الصّالحات خير عند ربّك ثوابا وخير أملا”[14].

  • إنهاء المهمّة:

فراق الأحبّة مؤلم مهما يكن سنّهم. لكنّ التّعزية في وفاة المسنّ(ة) أيسر من التّعزية في وفاة الشّابّ(ة). فإن كان ليس من الموت بدّ، فالأفضل أن يكون ذلك “بعد عمر طويل”[15]، وبعد أن يستوفي الإنسان السنّ الافتراضيّة الّتي تختلف من عصر إلى عصر. وهنا يقوم خطاب التّعزية على التّذكير بأنّ المتوفّى قد أكمل مهمّته: “الحمد لله كبّر أولاده وتهنّى عليهم”[16] أو “الحمد للّه عرّس لصغيّراته وشاف أحفاده”[17]. وليس من الصّدفة أن تتّصل تلك المهمّة غالبا بتربية الأبناء في إحالة واضحة على مفهوم الأثر الّذي أسلفنا.

  • سياق الموت:

يستند بعض المعزّين إلى سياق الوفاة وجها من وجوه التّخفيف عن أحبّاء الميّت. فذاك توفّي ليلة الجمعة، والأخرى توفّيت ليلة العيد، والثّالث رحل في رمضان، والرّابع مات يوم عرفة. وإذا علمنا أنّ عدد الأوقات “المقدّسة” كثير جدّا في الإسلام (وفي سائر الدّيانات)، فهمنا أنّ هذا النّوع من التّعزية شديد الشّيوع.

ولا تقتصر سياقات الموت المعزّية على المجال الدّيني. فقد نعزّي أحبّة الميّت بأنّ فلانا رحل في بلاده هو الّذي كان يقيم في الغربة، أو بأنّ فلانة قد توفّيت بعد عودتها إلى منزلها وهي الّتي كانت بالمستشفى لأسابيع طوال.

ومن سياقات الموت المعزّية ما يبدو في ثقافتنا الشّعبيّة منشودا ومشتهى. فجلّ النّاس يفضّلون موتا سريعا بلا طويل ألم على موت يكون بعد أشهر أو سنوات من المرض تأكل الجسد وتحلّله. جلّ النّاس يفضّلون موتا قاطعا حاسما كالسّيف على مسار فناء بطيء يموت فيه المرء عضوا فعضوا. وهذا ما تجسّمه عبارتان شائعتان: “نهيّر في الفرش ونهيّر في النّعش”[18] و”نهيّرين والثّالث على اليدّين”[19]. نحن هنا بإزاء دعاء إلى الله تعالى لتسريع الموت في حال المرض، ولا عجب أن يكون تحقّق هذا الدّعاء مجال “تهنئة” للموتى، ومجال تعزية للأحياء.

إنّنا في هذه الحالات جميعها إزاء سياق موت متحقّق هو “أفضل” من سياق موت آخر ممكن. وهذا في حدّ ذاته من عناصر التّخفيف والتّعزية.

  • الموت أرحم من الحياة:

إنّ الخطاب اللّغويّ السّلبيّ حول الموت يكتسب بعض إيجابيّة في أحوال مخصوصة أهمّها حال المرض الّذي يسبق الموت. وحتّى يكون الموت أفضل من المرض، فإنّ على المرض أن يكون “موجعا” جدّا أو مستمرّا لمدّة طويلة “جدّا”. في هذه الحال، وفي هذه الحال فقط، يتجرّأ المعزّي على أن يعتبر الموت ضربا من ضروب الرّاحة. فترتفع عبارات تعزية من نوع: “ارتاحت” أو “حتّى هو تعذّب بارش”[20] أو “رحمه ربّي، يزّيه من الوجايع”[21].

وهذه التّعزية الّتي تخفّف عن الحيّ رحيل الميّت بحجّة راحة الميّت هي تعزية صادقة، فلا أحد يحبّ المرض وطول عذابه. على أنّها تعزية تتميّز إلى جانب الصّدق باللّياقة لا سيّما إذا كانت تلمح إلى تعزية أخرى ضمنيّة وغير رسميّة وغير لائقة وبالكاد يصرّح بها النّاس. ونعني التّصريح بأنّ رحيل الميّت المريض الّذي طال مرضه لا يخفّف عن الميّت وحده، وإنّما يخفّف عمّن كانوا يرعونه أثناء مرضه. هذا النّوع من التّعزية محرج جدّا، فكأنّه يضمر أنّ الشّخص الحيّ الّذي يعتني بالمريض كان بشكل مّا يرجو رحيل المريض حتّى يرتاح من عناء رعايته. والأمر ليس طبعا بمثل هذا الوضوح ولا الجزم، فليس من يرعى المريض بالضّرورة شخصا أنانيّا فرح لموت المريض ورقص لذلك طربا، وليس المعزّي الّذي يعتبر وفاة الميّت المريض تخفيفا عمّن أرهقته العناية به شخصا بلا قلب ولا مشاعر. فقط هذا النّوع من التّعزية يبيّن أنّ علاقتنا بالموت وبفقدان أحبّائنا هي علاقة متشابكة معقّدة، ويذكّر بما أسلفناه من أنّ “الحيّ أبقى من الميّت”.

إقرأ أيضًا: قتل الأب ضرورة حضارية

وتندرج في هذا السّياق نفسه التّعزية باعتماد عبارات من نوع: “عملتو اللي عليكم”[22] أو “تلهيتو به سنين”[23]، وهاتان العبارتان ترفعان الحرج عن القريب الحيّ. وتذكّرانه بأنّه قد بذل جهده وسعى من أجل “إبقاء” المريض على قيد الحياة، ولكنّ القرار الأخير بيد الله تعالى وحده. بل إنّ عبارة من نوع: “ما قصّرتوش معاه” صريحة في أنّها تخفّف عن الحيّ ما قد يعتريه من شعور بالذّنب منطلقه ما قد يكون شعر به أثناء الاعتناء بالمريض من وهن وتعب ونصب.

وعموما لا يخرج خطاب التّعزية في سائر البلدان عن كونه تذكيرا بالمنزلة البشريّة أو بحثا عن بعض “الإيجابيّ” في “السّلبيّ”. ولعلّ حتميّة الموت وشموله هما ما يجعلان للتّعزية وظيفة اجتماعيّة ووظيفة نفسيّة. فأمّا الوظيفة الاجتماعيّة فتنشد تقريب النّاس من بعضهم بعضا، وهل أكثر جمعا للأواصر من تذكّر المشترك بين البشر؟ وأمّا الوظيفة النّفسيّة فتنشد التّخفيف عمّن فقد حبيبا بتذكيره بأن لا مهرب من ذلك الفقدان، وأنّك إن تحبب من شئت فأنت مفارقه. وتبقى تلوينات التّعزية الفرديّة سعيا من النّاس إلى استباق “مستقبل” أفضل للمتوفّى بأن يرحمه الله أو يرقد في سلام أو بأن تبقى ذكراه حاضرة في قلوب من عرفه يوما.

 

المراجع:

[1] اهتممنا بتونس أساسا، لكنّنا نجد خطابات مماثلة في البلدان العربيّة.

[2] “ذاك طريق جميع البشر”

[3] في سياق آخر يقال: “الشّنقة مع الجماعة خلاعة”، ومعناه: “أن تُشنق مع الجماعة هو ضرب من التّرفيه”.

[4] “ذاك ما أراده الله”، “ذاك حكم الله”.

[5] “أحسست بوجع شديد لرحيله”.

[6] مثل تونسيّ شائع.

[7]  ليس لهذا الاستبدال علاقة بالتّعزية ولا يغيّر علاقة المعزّي بالمعزّى. هو فقط معنى التزامي متّصل بعقيدة صاحب الدّعاء.

[8] “فليرحل مباشرة من الدّنيا إلى الجنّة”.

[9] “فليخفّف الله تعالى عليه ثقل تراب القبر”.

[10] من أكثر عبارات التّعزية التّونسيّة شيوعا، معناها: “المهمّ أنّك أنت باق”.

[11] محي الدّين بن عربي، الفتوحات المكّية، بيروت، دار صادر، (د-ت)، ج1، ص279.

[12] من ترك خليفة (أبناء) لم يمت.

[13] “الحمد لله أنّه خلّف لك ابنه أو بنته لتقوم(ي) بتربيته(ا)

[14] الكهف، 46.

[15] هي عبارة يعمد إليها التّونسيّون عندما يتحدّث شخص عن حتميّة موته.

[16] الحمد للّه أنّ أبناءه كبروا في السّنّ وأنّه اطمأنّ على مسار حياتهم.

[17] “الحمد لله أنّه زوّج أبناءه ورأى أحفاده”.

[18] “يوم في الفراش ويوم على النّعش”.

[19] “يومان من المرض والدّفن في اليوم الثّالث”.

[20] “لقد تعذّب مدّة طويلة”.

[21] “رحمه الله، يكفيه من الوجع”.

[22] “لقد قمتم بواجبكم على أكمل وجه”.

[23] “لقد قمتم برعاية المريض سنين طوالا”.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete