تكوين
عادت البعثات التعليمية المصرية التى انطلقت لأوربا بشكل منظم منذ عام ١٨٢٦م، عادت بعد أن نحجت فى إقامة جسورًا للاتصال بالثقافة والفكر الأوروبيين عن قرب، ثم إزادت الروابط والجسور متانة حين استقدم محمد على المعلمون والخبراء من أوروبا إلى مصر، فنشطت حركة واسعة للترجمة، غذت مؤسسات التعليم والثقافة في مصر بكثير من ينابيع الحضارة الأوروبية في جوانبها النظرية والتطبيقية.
محمد عبده
فنشأ جيل جديد سمع في صباه وشبابه أفكارا عن الوطن والوطنية والحرية والمساواة والعدالة والشرطة والدستور،إلخ، واتسعت قاعدة المتعلمين منهم كما وكيفا، وظهر رأي عام يقظ نتيجة عوامل مختلفة طوال نصف قرن من الزمان تطور فيه التعليم العام، وعرفت مصر مؤسسات جديدة للثقافة، تمثلت فى شكل جمعيات تمت الإشارة إليها سابقًا.
وبدأت الصحافة تلعب دورا مهما في الحياة السياسية المصرية، حينما فتح الخديوي إسماعيل أبواب مصر للشوام، فأسهم السوريون منهم بدور في تكوين الفكر المصري، عن طريق الصحافة وتطوير اللغة بوضع المعاجم ودوائر المعارف، ولعبوا دورا بارزا في النهضة الأدبية والفنية.
كل ما سبق كان له أثر كبير فى استمرار شعلة النهضة الفكرية مضيئة تخفت أحيانًا وتعظم أحيانًا أخرى، فى حركة مد وجزر، حتى جاء السيد جمال الدين الأفغاني (1838- 1897 م) إلى مصر (۱۸۷۱م) صاحب التأثير الواضح في حركة اليقظة الفكرية، وخاصة في جيل تلاميذ رفاعة الطهطاوي.
كتب الأفغاني للصحافة، واستكتب لها، وأوحى لكتابها بالأفكار والمعاني الجديدة التي غذت صحف «الوطن» (۱۸۷۷)، و «مصر» (۱۸۷۷) و التجارة) (۱۸۷۸)، وأبو نظارة (۱۸۷۸)، هذا إلى جانب مدرسته الفكرية غير النظامية، التي كان من أبرز تلاميذها وانجباها نابغة مصر، ورائد حركة الإصلاح الدينى وباعثها من سباتها العميق فى العصر الحديث الشيخ الإمام محمد عبده.
وجاء الإمام
بدأ الشيخ فى تلقى دورس العلم عام 1864م على الطريقة الأزهرية فى الجامع الأحمدى بطنطا، لكن أساليب التدريس العقيمة صدته عن قبول الدروس فقرر هجران الدراسة يقول عن نفسه فى هذه الفترة: قضيت سنة ونصفًا لا أفهم شيئًا لرداءة طريقة التعليم…فأدركنى اليأس من النجاح، وهربت من الدروس[1].
فهذا أول أثر وجده الشيخ فى نفسه من التعليم الأزهرى منذ البديات الأولى، وهو يصف أن حاله هذا حال خمسة وتسعين بالمئة من متعلمى الأزهر ، وليست المشكلة فى ترك طلب العلم بل المشكلة الأكبر -من وجهة نظره- هى فى من وصفهم بمن تغشهم أنفسهم فيظنون أنهم فهموا شيئًا؛ فيستمرون فى الطلب إلى أن يبغلوا سن الرجال وهم فى أحلام الأطفال؛ فيبتلى بهم الناس، وتصاب بهم العامة، فيزيدون الجاهل جهالة، وتعظم بهم الرزية، ويؤذون بدعاويهم من كان على شيئ من العلم ينفع الناس[2].
العناصر المكونه لشخصية الشيخ محمد عبده
أثر الشيخ “خضر”على مسيرة الإمام-التصوف فى سياق النهضة
ظل الشيخ محمد عبده على هذا الحال ينفر من الدراسة ولا يريدها؛ حتى التقى بخال والده الشيخ “درويش خضر” الرجل الصوفى الذى البس الشيخ روحًا صيرته خلقًا جديدًا غير الذى كان، حينما ألقى أليه شيئًا من حكمة التصوف وسلك به طريقتهم، فانقلب حاله عما كان، وانبعثت فى نفسه معانى لم يكن يعرفها، وهمًة وروحًا لم يكن يألفها، فعاد لطلب العلم، وقد انفتح له ما استغلق عليه، وتعبد له ما صعب.
عبر الشيخ عن ذلك بنفسه فقال: فلم تمضى على بضعة أيام-من مصاحبة هذا الشيخ ألا وقد رأيتنى أطير بنفسي فى عالم آخر، غير الذى كنت أعهد، واتسع لى ما كان ضيقًا، وصغر عندى من الدنيا ما كان كبيرًا، وعظم عندى من أمر العرفان والنزوع بالنفس إلى جانب القدس ما كان صغيرًا، وتفرقت عنى جميع الهموم ولم يبقى لى إلا هم واحد وهو أن أكون كامل المعرفة، كامل أدب النفس، لم أجد أمامًا يرشدنى إلى ما وجهت إليه نفسي إلا ذلك الشيخ الذى أخرجنى فى بضعة أيام من سجن الجهل إلى فضاء المعرفة، من قيود التقليد إلى فضاء التوحيد… فهو مفتاح سعادتى الذى رد لى ما غاب عنى… وذهبت إلى طنطا وجلست فى الدارسين فوجدت نفسي أفهم ما أقرأ ما أسمع[3].
إذن لم يكن التصوف حاضرًا فحسب فى حياة الشيخ الإمام بل كان كلمة السر التى حلت عقده ووطئت نفسه وقلبت حاله وبدلت أمره حتى عده الإمام فى وصف شيخه أنه مفتاح سعادته، فبه انتقل من حياة اللهو والزهو إلى حياة المطالعة والفهم.
وخط الشيخ “درويش خضر” فى حياة الإمام خطا آخر استمر مع الشيخ طيلة حياته حين سألةالإمام ما هى طريقتكم؟ فقال: طريقتنا الإسلام. فقلت-الإمام-أو ليس كل هؤلاء الناس بمسلمين؟ فقال: لو كانوا مسلمين لما رأيتهم يتنازعون على التافه من الأمر ، ولما سمعتهم يحلفون بالله كاذبين بسبب بغير سبب[4].
يقول الشيخ الإمام[5]: كانت هذه الكلمات كأنها نار أحرقت ما كان عندى من المتاع القديم، متاع الدعاوى الباطلة المزاعم الفاسدة، متاع الغرور بأننا مسلمون ناجون وإن كنا فى غمرة ساهين. فتعلم الشيخ منذ هذه اللحظة أن المسلم إن لم يصدق ويعدل فليس بمسلم حقا. فهناك فرق بين الدعوى والحقيقة بين الإسلام والمسلمين بين الدين والمتدينين، بين الواقع الذى تراه عينه والمثال الذى ينبغى تحقيقه.
ثم أثر آخر للتصوف فى حياة الإمام حينما سأل شيخه ما وردكم الذى يتلى فى الخلوات أو عقب الصلوات؟ فقال لا ورد لنا سوى القرآن، نقرأ بعد كل صلاة أربعة أرباع مع الفهم والتدبر ، قلت: أنى لى أن أفهم القرآن ولم أتعلم شيئًا؟ قال: أقرأ معك، ويكفيك أن تفهم الجملة، وببر كتها يفيض الله عليك التفصيل، إذا خلوت فاذكر الله على طريقة بينها.
لقد علمه الشيخ أن يقف وحده أمام القرآن وحينما سأله ،أنى لى أن أفهم القرآن ولم أتعلم شيئًا؟ هنا الإمام يستصغر عقله ونفسه لكن الشيخ يعطيه الثقة ويأخذه لطريق جديد حينما قال له: أقرأ معك، ويكفيك أن تفهم الجملة، وببر كتها يفيض الله عليك التفصيل. لقد غرس الشيخ فى نفس الإمام ضرورة المحاولة للفهم والتذوق والوقوف أمام الخطاب الألهى متجردًا خاليًا من كل المعانى ليأخذ منه ما قُدر له بالفهم و العون الألهى.
تلك هى الطريقة التى أعتمدها الشيخ محمد عبده فى تفسيره للقرآن الكريم بعدما صار إمامًا يُقتدى به، لقد وجهه شيخه الصوفى إلى القرآن أولًا وحده لا شريك له، وإلى تدبره ثانيًا، فأسلمه منهاجًا للتجدد عامة وللتفسير خاصة، وهو فهم جملة القرآن بعد التدبر، ثم التوجه بعد ذلك بصفاء نفسي، وافتقار إلهى؛ لإستجلاء المعانى السامية، فلا يدرك طالب المعانى سمو المعانى ما لم تسمو نفسه، ولعل هذا هو السر الذى دعا الشيخ أبو زهرة لئن يقول[6]:
وإنك لترى الإمام محمد عبده يتجه فى تفسيره اتجاهًا لم يسلكه أحد من المفسرين، فإن المفسرين من قبله كانوا إما أن يعتمدوا على الأثر ، وإما أن يعتمدوا على ما تؤديه الألفاظ من معان، ما يشتمل عليه القرآن فى جمله وألفاظه وأساليب من بلاغة، وقليل منهم من كان يغوص فى تدبر هذه المعانى، كما قال الإمام الغزالى، فوراءها آفاق للتدبر والتأمل، وقد حاول الإمام بالتزامه منهاج التدبر فى المعانى أن يوجه أذهان تلاميذه إلى أسرار المعانى القرآنية.
ثم يواصل الشيخ “خضر درويش” البناء النفسي للشيخ بعدما انتهى من دراسته بالمسجد الأحمدى بطنطا حيث مكث به نحو ثلاث سنوات، ثم توجه الشيخ إلى الأزهر عام ١٨٦٦م، وظل منطبعًا بنوع من الخيال الصوفي الذاهب في الروحانيات يدعوه للعزلة والبعد عن الناس حتى أنه كان يستفغر الله إذا كلم شخصًا لغير ضرورة.
فكان الشيخ “درويش خضر” يلتقى به بعد عودته من القاهرة إلى بلدته”محلة نصر” يدارسه القرآن والعلم، ويسأله ماذا قرأت؟ فأذك له ما درست. فيسأله الشيخ درويش: ما درست المنطق؟ ما درست الحساب أو شيئًا من مبادى الهندسة؟ فيقول الإمام: هذه العلوم لا يعرف الأزهر دراستها. فيقول له: طالب العلم لا يعجز عن تحصيله فى أى مكان[7].
أثر “الأفغانى” فى مسيرة الإمام –الفلسفة الجناح الآخر لبعثة الإمام
إذن كان الشيخ “خضر” يحفز الإمام ويهيئه لطلب علوم أخرى غير التى يحصلها فى الأزهر، وفي تلك الظروف التقى الإمام السيد جمال الدين الأفغاني، الذي حضر إلى مصر عام ۱۸۷۱، فحضر دروسه، ولازمه في مجالسه، إذ وجد عنده ما كان يستثحه عليه شيخه من العلوم الرياضية والفلسفية والكلامية، ولكن مشايخ الأزهر وطلبته كانوا يتقولون على مجالس الأفغانى الأقاويل ويصفون علومه بأنها تفضى إلى الضلال.
هنا يظهر دور الشيخ “خضر” مرة أخرى فى حياة الإمام حينما عاد الإمام إلى بلدته فاخبره بما وجده عند الافغانى وما يتقوله عليه الأزهارة حينها قال الشيخ [8]: إن الله هو العليم الحكيم، وإن أعدى أعداء العليم هو الجاهل، وأعدى أعداء الحكيم هو السفيه، وما تقرب أحدالله بأفضل من العلم والحكمة، فلا شيئ من العلم بممقوت عند الله، لا شيئ من الجهل بمحمود لديه، إلا ما يسميه بعض الناس علمًا وليس بعلم، كالسحر والشعوذة ونحوها إذا قصد من تحصيلها الإضرار بالناس.
حفز الشيخ “خضر” بكلماته تلك الإمام على مواصلة مسيرته مع “الأفغاني” الذى كان وحده من خلال دورسه، قادرا على تحويل الشيخ الشاب بجانب طلب الكمال المعرفى الصوفى، إلى طلب الكمال العلمي الفلسفى، فانبعث الشيخ خلقًا جديد عبر عنه بقوله[9]: إن كان أبى وهبنى حياة يشاركنى فيها “على” و”محروس” فالسيد جمال الدين وهبنى حياة أشارك فيها محمد وإبراهيم وموسي وعيسى rأجمعين، والأولياء والقدسين.
الخروج من أرض الخمول الصوفى
ظل هذا التحول داخل عقل الإمام وقلبه لا يتعداه، فهو مقيم على خطته الصوفية المتمثلة فى، رياضة النفس، وعزلته عن الناس إلا من يستفيد منه علمًا أو نصحًا؛حتى ألتقى -اللقاء الأخير- بشيخة الشيخ “خضر” فقال له الشيخ[10]:
إلى متى العزلة؟ وما الفائدة فى العلم وتحصيله إذا لم يكن لك نورًا تهتدى به ويهتدي به الناس؟ إن من المكروه أن تستأثر بالفائدة دون أهل ملتك، وإن لم ينفع بما تعلم فقد أضاع أهم ثمرة تُقصد من غراس المعرفة، فعليك أن تخالط الناس وتعظهم وترشدهم إلى الطريق القويمة والسنة الصالحة.
فذكرت-الكلام للإمام محمد عبده- له اشمئزازى من الناس وزهادتى فى معاشرتهم وثقلهم على نفسي إذا لقيتهم، وبعدهم عن الحق ونفرتهم منه إذا عُرض عليهم، فقال لى: هذا من أقوى الدواعى إلى ما حثثتك عليه، فو كانوا هداه مهديين لما كانوا فى حاجة إليك. ثم أخذ يستصحبنى فى مجالس العامة ويفتح الكلام فى الشؤون المختلفة ويوجه على الخطاب لأتكلم فيتكلم الحاضرون فأجيبهم، وأنطلق فى القول على وجل فى أول الأمر، ومازال بى حتى وجد عندى شيئًا من الألفة مع الناس والأستئناس بمكالمتهم.
يقول الإمام[11]: وفى شوال فى تلك السنة ودعنى- أى الشيخ خضر ودع الإمام-وبكى بكاءً شديدًا، مات فى السنة الثانية، رحمه الله تعالى.
مات الشيخ خضر بعد أن دل الإمام على الطريق وبصره بمهمته، مات بعد أن أعاده إلى طريق العلم بعدما تركه، ولولاه ما أكمل الإمام تعليمه، مات بعدما منحه بالتصوف روحًا جديدة، ونفسًا مزكاة، وعقلًا لا ينشغل بشيئ غير العلم والعمل، مات بعدما اطمئن أن الإمام أكتمل بناءه، فأخذ بيده وفك عقدة لسانه وبيانه وأفهمه مهمته فى هذه الحياة.
وبهذا يكون التصوف المستنير متمثلًا فى الشيخ خضر أحد جناحى الإمام، فى حين تكون العلوم العقلية والفلسفية من خلال الأفغانى الجناح الثانى فى تكوين الإمام، كما يمكن القول أنه لولا ظهور الشيخ خضر فى حياة الإمام ماراح الإمام ولا جاء، ولا صار منه رجاء.
هكذا صار الإمام شيخًا صوفيا متفلسفا بعد نحو عامين فقط من صحبة الأفغانى، وظهر لنا جانب جديد منه حينما ألف “رسالة الواردات فى سر التجليات” عام 1872م، وهى رسالة فى العقائد “تتسم بحسن النظام وسوق البراهين المعقولة” تميزت رغم صغرها بجرأة لم تكن الأوساط العلمية فى ذلك الوقت على استعداد لتقبلها فى تناول المذاهب الفلسفية والصوفية[12].
وهذه الرسالة تمثل “شاهدًا على التلاعب بآثار عبده، فقد كان مصيرها التهميش على عكس رسالة التوحيد التى نشرت عشرات المرات” فقد أزعجت الآراء الواردة فيها محمد رشيد رضا فعمد إلى تجاهلها، ولجأ إلى أساليب ملتوية للتقليل من شأنها[13].
وبعد عامين آخرين ألف”الحاشية على شرح الجلال الدوانى للعقائد العضدية” وهى من أهم كتابات محمد عبده الدينية، إذ كشفت أن ابن السادسة والعشرين قد أحاط بمذاهب المتكلمين والفلاسفة والمتصوفة إحاطة فهم ونقد[14].
أولوية الإصلاح الدينى والثقافى لا السياسي الخلاف بين محمد عبده والأفغانى
وقد جرت فى النهر مياه كثيرة وتوالت السنون والأحداث، وليس من هدف هذه الدراسة أن تذكر ترجمة عن حياة الشيخ الإمام فذاك أمر تقريره لن يكون سوى أجترار وتكرار لما بات من المعلوم بالضرورة، إنما ذكر ما يُتلمس منه ما تأسس عليه مشروع الشيخ الإمام وما ترتب عليه.
ولا ينكر أحد أن عبده كان متأثرًا بنظرة أستاذة الأفغانى فى الإصلاح والتى قامت على الإيمان بالفلسفة وعلومها، ويحاول أن يقيم النهضة على أساسها كما فعلت أوربا، فى محكاة للمدرسة الرشدية-نسبة لابن رشد- الذى كان يؤمن بالفلسفة وعلومها أيضًا فى عصره ولا يري خلافًا بينها وبين الإسلام[15].
لكن الأفغانى كان يري أن الإصلاح يبدأ بإصلاح الحكومات التى بدورها تفرضه على الشعوب، ومن ثم كانت دعوته متجهة إلى السلطة، فى حين كان محمد عبده يرى أن الإصلاح يجب أن يأتى من طريق الشعوب، بأن تربي تربية تساعدها على النهوض وتجعلها تسير فى الإصلاح بعد استعدادها له، ومن ثم كانت دعوته متجهة للإفراد أكثر من أى شيئ آخر [16].
كان محمد عبده -ربما بحكم بذرة التصوف الأولى- وتعليمه الأزهرى ثانيًا، معلما مصلحا، يطلب الأناة والتدرج في دفع الأمم إلى الرقي والتقدم، ليعلمها ويهذبها أولًا، ثم يسوقها برفق إلى ما علمت، وإذا كان الإمام قد عرف التطرف والفعل الثورى بتأثير جمال الدين الأفغانى، فقد تضاءل ذلك فيه مع الوقت، خاصة بعد تجربة الثورة العرابية وما ترتب عليها من نتائج كارثية[17].
ظهر هذا النهج بوضوح ومبكرًا من محمد عبده مع توليه رئاسة تحرير جريدة الوقائع، وهى الجريدة الرسمية للحكومة ، فنهض بها نهضة عظيمة ، وجعلها منبرا للإصلاح، فنشر فيها مقالات كثيرة فى إصلاح التعليم وطريقة الحكم، وما الى هذا من وجوه الإصلاح، وابتدع فيها طريقة النثر المرسل التى جاراه فيها غيره من الكتاب، فانتقل بأسلوب الصحافة إلى أسلوبها الحديث ، وقضى فيها على أسلوب السجع المتكلف[18].
وخلال هذه الفترة انقطعت صلة الشيخ بالأزهر، وصار صحفياً ينشد الإصلاح الاجتماعي والسياسي على مبادئ الحرية والعدالة والشورى، وجمعت مقالاته بين مبادئه الوطنية، ومذهبه في الحرية، وطريقه في الإصلاح[19].
الهند كلمة السر فى التكوين الكلى للأفغاني، حيث كانت محل الثقافة والبناء العقلى له[20].وربما بحكم السياق الهندى فُرض على الأفغانى النظر إلى “المسألة السياسية” على أنها نقطة البدء في استعادة الإسلام دوره”[21].
ومن ثم كان جمال الدين الأفغانى يرى أن تحرر المسلمين من الاستعمار بالعمل السياسي الوحدوي يؤدي إلى التقدم، في حين كان محمد عبده يرى أن الاستعمار نتيجة وليس سببا، وأنه لو لم تكن أسبابا ذاتية لدى المسلمين لما نجح الاستعمار في الاستيلاء على ديارهم[22].
الأفغاني كان ثوريا محترفا، تتقدم لديه الاعتبارات السياسية على كل ما عداها[23]. وهناك من يرى أن الأفغاني ليس له معايير منضبطة لمشروع فكري، أو أفكار واضحة للإصلاح[24]، بل أن كل أفكاره ثورية عاطفية حماسية فقط حيث يقول “عاطف العراقي”: “أن البحث عن خيط يربط أفكار الأفغاني لهو مضيعة للوقت”[25].
ربما لأجل ذلك عده الكثير من العلماء-كما قال “روي جاكسون”ناشطا سياسيا أكثر منه مفكرا”[26]، فبينما أعلن الأفغاني عداءه للسلطة؛ الأمر الذي أدى إلى اضطهاده وعدم استقراره؛ كان محمد عبده أكثر واقعية حين لم يسفر عن عدائه للسلطة القائمة؛ بل شغل وظائف عامة وهامة في ظلها؛ محاولا استثمار تلك الوضعية في تحقيق مشروعه الإصلاحي المرحلي[27].
فقد عول عبده على أسلوب الإصلاح الراديكالي المرحلي؛ كبديل لنهج أستاذه الثوري الانقلابي. هذا بالإضافة إلى اهتمام محمد عبده بالمسألة المصرية أساسا؛ في حين كان مشروع الأفغاني يستهدف العالم الإسلامي بأسره[28].
لقد بدا “محمد عبده”-خلافًا لأستاذه الأفغانى- رجلًا مؤسسيا، تكمن في وجدانه الروح الصوفية والدراسة الأزهرية التي جعلت فيه مرونة ودربة على التحول من أسلوب إلى آخر للتغلب على الصعاب في طريق الإصلاح[29].
وهو توجه بات مؤكدًا من “عبده” فقد حدا به الأمر، وهو يناقش الفيلسوف الفرنسي “رينان”، إلى القول: “فإن شئت أن تقول إن السياسة تضطهد الفكر أو الدين أو العلم، فأنا معك من الشاهدين. أعوذ بالله من لفظ السياسة ومن كل خيال ببالي من السياسة، ومن كل أرض تذكر فيه السياسة، ومن كل شخص يتكلم أو يتعلم أو يجن أو يعقل في السياسة، ومن ساس ويسوس وسائس ومسوس”[30].
لكن مع تجاهل “عبده” للسياسة، كان حريصا على توجيه السياسة في مصر قدر استطاعته لخدمة المصريين وصالح المسلمين ما استطاع إلى ذلك سبيلا[31].
الأفغاني يؤكد أن ما بلغه المسلمون من عظمة ومجد إنما يرجع إلى قيام دولتهم على أساس الدين، وأن ما طرأ عليهم من الانحلال والضعف إنما يرجع إلى “انفصال الرتبة العلمية” (الدينية) عن رتبة الخلافة وقتما قنع الخلفاء العباسيون باسم الخلافة دون أن يحوزوا شرف العلم والتففه في الدين والاجتهاد في أصوله وفروعه كما كان الراشدون رضي الله عنهم”[32]. إذن فالعلاج الناجع لهذه الأمة عند الأفغاني: “إنما يكون برجوعها إلى قواعد دينها، والأخذ بأحكامه على ما كان عليه في بدايته”[33].
ولعل هذا مما جعل الأفغاني يتعاون مع السلطان عبد الحميد في الانضمام لفكرة “الجامعة الإسلامية”، سعيا من السلطان لمحاولة منه لحفظ الدولة العثمانية المتداعية للانهيار، وتحريك الرأي العام الإسلامي وتأليبه ضد الاحتلال الأجنبي[34].
أما الشيخ محمد عبده فذهب مذهبًا واضحًا فى الإصلاح لم تكن فيه السياسة من أولوياته حين قال:”أما أمر الحكومة والمحكوم فتركته للقدر يقدره، وليد الله بعد ذلك تدبره، لأنني عرفت أن ثمرة تجنيها الأمم من غراس تغرسه وتقوم على تنميته السنين الطوال…. هو الذي ينبغي أن يُعنى به الآن”[35].
إقرأ أيضاً: محمد عبده عبقري الإصلاح
وفى كلام واضح للشيخ وقد تبلورت أفكاره هذه، وتعمقت رؤيته واستوت على أشدها نراه يقول بوضوح[36]: “إنى لأعجب لجعل نبهاء المسلمين وجرائدهمكل همهم فى السياسة، وإهمال أمر التربية الذى هو كل شيئ وعليه يبنى كل شيئ…إن السيد جمال الدين كان صاحب إقتدار عجيب لو صرفه ووجهه للتعليم والتربية لأفاد الأسلام أكبر فائدة. وقد عرضت عليه حين كنا فى باريس أن نترك السياسية ونذهب إلى مكان بعيد عن مراقبة الحكومات، ونعلم ونربي ما نختار من التلاميذ على مشربنا، فلا تمضى عشر سنين إلا ويكون عندنا كذا، كذا من التلاميذ الذين يتبعوننا فى ترك أوطانهم والسير فى الأرض لنشر الإصلاح المطلوب فينتشر أحسن الإنتشار، فقال:-الإفغانى- إنما أنت مثبط.
فمن سوء حظ المسلمين أن كل من كان فيه استعداد لشيئ يشتغل بغيره، فشتغال هذه الأميرة(نازلى هانم فاضل) بالسياسة كاشتغال السيد جمال الدين بها؟! وهو رجل عالم، وأعرف الناس بالإسلام وحالة المسلمين، وكان قادرًا على النفع العظيم بالإفادة والتعليم، ولكنه وجه عنايته إلى السياسة، فضاع استعداده هذا”
وخلاصة الأمر أن الشيخ محمد عبده، مثل لحظة تاريخية مفصلية في تبلور وتأكيد الحاجة إلى المسألة الثقافية في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، خصوصا في مرحلة ما بعد انقطاعه عن السيد جمال الدين الأفغاني، وعودته إلى مصر، وتخليه عن أولوية الإصلاح السياسي، وتبنيه أولوية الإصلاح والثقافي، وفي هذه المرحلة برز دور الشيخ محمد عبده، وتعاظم بصورة لافته[37]. وهى المرحلة التى حاول فيها إصلاح الأزهر فقال:”إن إصلاح الأزهر أعظم خدمة للإسلام فإن إصلاحه إصلاح لجميع المسلمين، وفساده فساد لهم”[38].
هذا يؤكد مرة أخرى الفارق التكوينى بين الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغانى، والذى كان له أثره فى مسيرة الرجلين فإن كان عبده تأثر بالجانب الفلسفى والسياسي والثورى عند الأفغانى، لكن رافد التعليم الأزهرى، والتربية الصوفية الأولى، لدى محمد عبده؛ جعلاه يدرك حقيقة مهمته ويكون أكثر التصاقًا بها بعدما أنصهر فى عدة تجارب نضجت من خلالها رؤيته.
فالرويات التراثية –التى أغترف منها عبده بلا شك-فى شكلها الحديثى-نسبة للحديث النبوى الشريف- أو التطبيقى كانت تشير دائمًا إلى ضرورة إصلاح الدين بعد كل إنحراف؛ لكن ذلك لم يقترن أبدًا عبر التاريخ بالسياسية أو التقعيد للأصولية المتشددة، وهذا ما جعل “عبده” ينحاز لنموذج الإصلاح الدينى والمجتمعى، متخليًا عن السياسية وإن كان لابد منها فهى مجرد وسيلة يتوسلها للهدف المنشود، بمعنى أدق تخلى عبده عن مركزية الحل السياسي لصالح الدينى والاجتماعى.
هذا التباين الواضخ بين الشيخ وأستاذه جعل البعض يرى أن أهم ما تركه الأفغاني من آثار في الحقيقة، هو تسييس الإسلام، وتحويله إلى عامل مؤثر في السياسات الدولية[39].
فتجربة الأفغاني الهندية قد جعلته يرى أنه “لا وطن إلا مع الدين”؛ أما تجربة “محمد عبده” المصرية فقد أوصلته إلى أنه “لا وطن إلا مع الحرية”[40]. وهو ما يؤسس لتعريفه “الوطنية” بأنها: “عبارة عن تعاون جميع أهل الوطن الواحد مختلفي الأديان على كل ما فيه عمرانه وإصلاح حكومته”[41].
“وبطبيعة الحال، إن ذلك يرتبط بالتباين الكبير بين التجربتين الهندية والمصرية؛ بمعنى أن ما عرفته مصر جعل رجل الإصلاح المصري يركز في تعاطيه مع الشريعة على جعلها ساحة للتعايش المشترك مع غير المسلمين من شركاء الوطن، وذلك مقابل تحولها، في التجربة الهندية، إلى ساحة للمفاضلة والتمايز عن غير المسلمين، وطلب السيادة عليهم”[42].
وهو ما كان مقدمة لأفكار حركات الإسلام السياسي المتأثرة بالتجربة الإسلامية الهندية، أو بالأحرى بتجربة الأفغانى أولًا، ثم استكمال ذروة أصلها الهندى مع مجئ أبو الأعلى المودودى ليكمل الخط على امتداده، فكما كان الأفغاني عظيم التأثير في عصره، كان أيضًا ملهما لمعظم الحركات الإسلامية التي ظهرت في العالم الإسلامي حتى الحرب العالمية الأولى،” أما الكتاب والمفكرون الذين عاشوا بين الحربين فقل أن أفلت أحد منهم من تأثيره أو توجيهه أو الإحالة إليه”[43]، كما سنوضحه فيما بعد.
مرتكز مشروع الإمام
بإختصار كان للشيخ “درويش خضر ” و”جمال الدين الأفغانى” دورًا بارزًا وأثرًا مهما فى التكوين الكلى للشيخ الإمام، كما أزهريته أيضًا فاعلة فى نفسه، ومن ثم انطلق مشروعه مرتكزًا على الإيمان العرفانى والقيم الأخلاقية، ومؤمنًا بالفلسفة وعلومها، مؤصلًا ومتصلًا بالتراث الإسلامى.
فكانت ميزة إصلاحية محمد عبده إنها تجمع بين التراث والحداثة، أو بين القديم والجديد، ومن ثم كان ينادى بإصلاح القديم عن بصيرة، بجعله أساسًا لما يضاف إليه من الإصلاح الحديث؛ فلا تنقطع الأمة بجديدها عن تراثها، ولا تتحول بتقليد أوربا إلى ذيل من ذيولها[44].
وقد جرت فى النهر مياه كثيرة وتوالت السنون والأحداث، وليس من هدف هذه الدراسة أن تذكر ترجمة عن حياة الشيخ الإمام فذاك أمر تقريره لن يكون سوى أجترار وتكرار لما بات من المعلوم بالضرورة، إنما ذكرت البديات مثال؛ يُتلمس منه ما تأسس عليه مشروع الشيخ الإمام وما ترتب عليه، كما سبق تقريره، إذ تظهر هذه المزاوجة واضحةً بقوة فى كل ما قدمه الشيخ الإمام، ويمكننا التدليل على ذلك بمثالين الأول، كيفية تعامله مع التراث، الثانى، رؤيته لإصلاح التعليم، وذلك كالآتى:
أولًا: كيفية تعامله مع التراث
ما يميز مدرسة محمد عبده أنها “تريد الانطلاق من داخل الثقافة الإسلامية، لا مجال للتطور من (خارج) برسالة أخرى، بل إن التطور يتم من (داخل) بالتولد الذاتي الداخلي عن طريق الاجتهاد”[45]. و”أن الإسلام يتسع ويتعمق بتجدده الذاتي عن طريق الاجتهاد الذي يستنبط – يستكشف – الأحكام المكنونة”[46].
كان عبده تراثيًا-أزهرى وصوفى النشأة-أولًا، عالمًا بالحداثة ثانيًا، مدركًا لواقعه تلك ثلاثة عناصر لا ينبغى للدارس أن يغفلها ولا للقارئ أن يتجاهلها عن الشيخ، فقد صحبته طيلة حياته وما أنتج فيها.
فعلمه بالتراث جعله يقدره حق قدره، وعلمه بالحداثة، مع إدراكه للواقع؛ جعله يجدده من داخله دون أن يقفز عليه أو يتجاهله، ولعل هذا ما يجعل عبده -كما قال البعض- يبلغ ذروة التجديد فى الخطاب الدينى، ونموذجًا للإصلاح المنهجى[47].
لم تلغ الحداثة الماضى إنما فككته ثم أعادت صياغته وتركيبه وبناؤه فتركت منه وأخذت ما يناسب بنائها الجديد[48]. فالماضى ركيزة والحاضر واقع ولا سبيل للمستقبل إلا من خلال التفاعل والحوار الدائم بينهما.
هذا ما أدركه “محمد عبده” فلم يسع يومًا لتجاوز القديم، إنما عمد إليه وهو العالم الدارس له الخبير بطرقه، فجعله وحدات أولية متجاورة فى وعاء واحد تشبه المادة الخام التى تستعمل مع غيرها لبناء وإنتاج تصورات شرعية فقهية أوغير فقهية تتفق مع ما جد فى العالم من جديد.
فكانت عبقريته أنه أخترق التراث بآليته المعتمدة لديه، ومن خلال منهجية واضحة فى ذهنه استطاع أن يصل القديم بالجديد عبر آلية التأويل، حيث انطلق عبده من داخل التراث بأدوات الـتأويل القديمة ومسالكها الوعرة المعقدة، فالنص ينخرط فى شبكة تأويلية محددة، يكون من تجلياتها فى الكتابة القديمية أننا نجد تحت كل مسألة مجموعة من الآراء المتعارضة قد تنتهى بالترجيح بينها أو لا تنتهى.
ليست هذه العملية مجرد عرض للخلاف فقط بل أيضًا تسيج له أيضًا، بوضع حدود لما هو مقبول داخل هذه الشبكة التأويلية، وما هو غير مقبول. ما فعله محمد عبده أنه وسع السياج التأويلى السنى-فى حدود ما يسمح به- بما تتسع له مئات المواقف الفكرية والايدلوجية التى شكلت التراث الإسلامى[49].
تلك عملية واعية ربما استشعرها أبناء مدرسته من بعده ومن ثم قالوا[50]: إن “أول التجديد، قتل القديم.. فهماً وبحثاً ودراسة…أما إذا مضى المجدد برغبة في التجديد مبهمة، وتقدم بجهالة للماضى وغفلة عنه.. يهدم ويحطم ويشمئز، ويتهكم، فذلكم -وُقيتم شره- تبديد لا تجديد”
فالألفاظ لا تفيد اليقين بمدلولاتها، لكثرة تطرق الإحتمال، فلا سبيل إلا إلى الإستدلال، وتأويل ما يبدى بظاهره نقصًا، إلى ما يفيد الكمال، هذا ما قاله الشيخ “محمد عبده”[51] فليس كل محق فى قضية محق فى أخرى، بل قد يحق فى أمر ويخطئ فى آخر، فلا يصح التحزب وادعاء الطائفية، بل لابد أن يدور الأمر على الواقع حيث كان بطريق البرهان.
كان النص القديم يخضع لنظام فى الكتابة غير نظامنا الحالى.. كان النظام القديم قائمًا على مبدأ أن الأبداع هو إعادة تأويل القديم وتأسيس الجديد عليه. الجديد لدى عبده هو الوعى بالأزمة والاتجاه إلى حلها بإحدى طريقين تردد بينهما: جعل النص المفتوح أكثر انفتاحًا ليستقطب كل قول جديد، أو تحويل النص المفتوح إلى إعلان للإتفاق الأدنى يترك المجال مفتوحًا للمختلف فيه من الأقوال[52].
يظهر هذا المنهج بوضوح حينما اختار “عبده” أن يضع حاشية على شرح لرسالة قديمة فى العقائد، اختار الشيخ “شرح جلال الدين الدوانى على العقائد العضدية”، نسبة إلى عضد الدين الإيجى (توفى سنة 756 هـ =1355 م)، نسبة إلى إيج (بفارس) وقد ولي القضاء عليها، وله تلاميذ عظام وهو متكلم وفقيه شافعى وصاحب النص الأصلى(المشروح)[53]، أما جلال الدين الدوانى (830 – 918 هـ = 1427 – 1512 م) صاحب الشرح، فهو عالم وقاض ويعد من الفلاسفة[54].
وحينما نتأمل هذا الاختيار وما فعله “محمد عبده” سنجده قدم أكبر دليل على إمكانية قول جديد من خلال الاتصال بالقديم الذى يقدم شرعية وأبوة مستحقة له بتسلسل النسب من غير انقطاع، تلك عملية شاقة لا يدرك نجاعتها من لا يستطيع فعلها من التيارات الأصولية والحداثية المعاصرة الذين يقفون عاجزين أمام سور هذا التراث.
إقرأ أيضاً: الفيلسوف واللاهوتي: من القلق المعرفي إلى الخوف من المعرفة
وأمام هذا العجز جاءت دراسات كثيرة تخرج بتيجتين تكاد تكونا متواترتين مفادهما، أن طرح الشيخ طرح غربى أو معتزلى، وعلى هذه الدراسات انبنت نتائج تبدأ بالتشكيك فى مقصد الشيخ وتصل إلى تكفيره وإخراجه من دائرة الدين بالكلية، اختلفت الانتماءات الأيدلوجية لهؤلاء، ما بين الأصولية الإسلامية والحداثية، لكنهم اتفقوا فى شيئ واحد، منهج القراءة الأحادية، الذى يخالف منهج القراءة التأويلية القديمة التى انطلق منها الشيخ ليوسع سماحة الإسلام بأقصى ما تتسع له النصوص من داخل هذه الشبكة التأويلية التراثية المعقدة[55].
فهذا التداخل بين النص الأصلى، والشرح، والحاشية؛ يدعم الشعور بالتواصل، فالشرح إلغاء للمسافة الزمانية والمكانية، من خلال عالم متعاليًا على الزمان والمكان يتجاور فيه شيوخ من كل القرون والأزمنة ومن مختلف التيارات والفرق والمراكز الٍإسلامية تعددت مرجعياتهم واختلفت أو اتفقت آرائهم والشرح بهذا المعنى لا يقبل الإقصاء، فتتساوى فيه حجج الجميع، فيفصل بينها وبين قائلها، وتضحى كل الأقوال قابلة للنقاش من غير مصادرة وعلى قدم المساوة.
فتجدهم يتبادلون الرأى أو يتراشقون بالحجج، ففي هذا ذكر لما لا يقل عن 12 مذهبًا، و33 علمًا، منهم السنى، كالأشعاعرة المتقدمين وعلى رأسهم شيخ الطائفة أبى الحسن الأشعرى، والغزالى، والرزاى، والأشعارة المتأخرين مثل التفتازانى والكلنبوى والسيالكوتى، والشيعى كالشريف المرتضى، وابن المطهر الحلى، والطوسي، والمعتزلى كالقاضى عبد الجبار وأبي الحسين البصرى، والفلاسفة المسلمون على رأسهم ابن سينا الملقب بالشيخ الرئيس، وغير المسلمين مثل أفلاطون وأرسطو، والصوفون الإشراقيون مثل صدر الدين الشيرازى.
من هنا تصبح حاشية “محمد عبده” اكتساب لشرعية القول وفسحة للإبداع من داخل هذا التراث وبأدواته، وهذا ما تحقق بالفعل، حتى ذهب البعض إلى أن تعليق محمد عبده على مسألة الفرقة الناجية فقط فى أول حاشيته هذه يعد أهم بيان تجديدى فى علم الكلام الإسلامى، بل للفكر الدينى الإسلامى فى العصر الحديث[56].
بدأ الأيجى (صاحب النص الأصلى) رسالته بالحديث عن الفرقة الناجية ويعتبر أنها الأشعرية، ويمر الدوانى (شارح النص) على هذا القول دون نقاش، أما عبده (صاحب الحاشية) فلم يسلم بهذا ويطرح أسئلة يكون بها أول من يضع العلاقة بين الحقيقة والمذهب السائد موضع التساؤل.-يأخذ عبده من قول النبي فى تعريف الفرقة الناجية بقوله”ما أنا عليه وأصحابي” فيقول: أما تعيين أى فرقة من الفرق الناجية فلم يتبين إلى الآن، فإن كل طائفة، ممن يذعن لنبينا بالرسالة، تذهب فتجعل نفسها ما النبي عليه وأصحابه، حتى أن “مير باقر الداماد”[57] يبرهن على أن جميع الفرق المذكورة فى الحديث هى فرق الشيعة، وأن الناجى منهم فرقة الإمامية!!… فكل يدعى هذا الأمر، ويقيم على ذلك الأدلة[58].
فتحقيق الفرقة الناجية من جهة الاعتقاد على رأى هذه الفرق التى تدعى كلا منها أنها الفرقة الناجية وأن غيرها الهالكة مشكل من وجوه[59] .
“فإن قلت أن كلام الله وكلام النبي مؤلف من الألفاظ العربية، فيجب الأخذ بحق مدلول اللفظ، كان ما كان. قلت حينئذ: لم يكن ناجيًا إلا طائفة المجسمة الظاهريون، القائلون بوجوب الأخذ بجميع النصوص، وترك طريق الاستدلال رأسا. مع أنه لا يخفى ما آراء هذه الطائفة من اختلال، مع سلوكهم طريقًا ليس يفيد اليقين بوجه، فإن للتخاطبات مناسبات ترد لمناسبتها لا تكاد تعلم إلا للقائل، ومن ثم كان التحقيق أن الألفاظ لا تفيد اليقين بمدلولاتها لكثرة تطرق الاحتمال، فلا سبيل إلا إلى الاستدلال”[60].
فما كان عليه النبي وأصحابه لم يرد إلينا مفصلا، إنما جاء مجملًا من غير تفصيل والنصوص تحتمل تأويلات متعددة تثبت بها كل فرقة أن ما هى عليه أنها الفرقة الناجية.
فسلطة إلزام النص، ليست مطلقة، إذ هى رهينة التأويل الذى هو استدلال عقلى، ومن ثم يقبل الخلاف، ويمكن حمله محامل مختلفة ولكل منها وجه، غاية ما هناك أنه يترجح للرئى وجه غير الذى يترجح لغيره، فيظل باب الاجتهاد فى العقائد مفتوحًا.
وبناء على ما سبق يقترح عبده مشروعا للتسامح الدينى يتجاوز اختلاف الفرق من منطلق ما اتفق عليه فيقول: إن الجميع لما اتفق فيما جاء على لسان الشرع الشريف صريحاً فى الامور الثلاثة (الإلهيات والنبوات والميعاد) فقد صار ناجيًا[61]. فالنجاة والأيمان يرتبطان بحد أدنى من المسائل قد اتفقت عليها كل الفرق، إلا الوثنين والمتعصبة، وما سوى ذلك فهو من مسائل الاستدلال التى يجوز حولها الخلاف.
لذا فإن هناك من يؤكد على أن محمد عبده لم يكن يخترع تبريرا إسلاميا للحداثة، كما قد يتهمه بعض الأصوليين الآن. فقد ظل عبده وفيا لفكرة الإصلاح الديني، محاولا بناء جسر يبرر الحداثة عند المسلمين والعكس. لم تكن دعوته لمواكبة المسلمين للحداثة دعوة لمطلق الحداثة، بل لحداثة إسلامية تحديدا[62].
ثانيًا: رؤية محمد عبده لإصلاح التعليم
وضع الشيخ محمد عبده مشروعًا لإصلاح التعليم عند عودته من منفاه لمصر عام 1889م، كان قائمًا على فكرتين: الأولى، أن الإصلاح السياسي لا يكون إلا نتيجة لإصلاح التعليم، والثانية، إن الإصلاح الدينى لابد أن يكون جزءًا رئيسيًا من البرنامج التعليمى. ومن ثم نراه قد انتقد النظام التعليمى الذى أقام أسسه محمد على نقدًا عنيفًا؛ لكونه لا يسفح مجالًا للإصلاح الدينى، بل تجاهله تمامًا، ولم يتوسل الإصلاح بالدين، رافضًا وجود نظامين للتعليم أحدهما دينى والآخر مدنى حديث[63].
فعبده كان يري أنه لا قيمة للمعارف بدون بغايات وقيم أخلاقية، فخلو المدارس الحديثة من المعارف الدينية الأخلاقية لن تكون نتيحته إلا جيل من الناطقين ببعض الألسنة ولا ثقة فى الأغلب بشيئ من عقولهم ولا أخلاقهم وأن تميزوا بحمل العلوم الحديثة فلن يخدموا سوى مصالحهم الشخصية[64].
فنفوس المصريين كما يصفها-عبده- أشربت الإنقياد إلى الدين حتى صار طبعًا فيها، فكل من طلب إصلاحها من غير طريق الدين فقد بذر بذرًا غير صالح للتربة التى أودعه فيها، فلا ينبت، ويضيع تعبه، ويخفق سعيه، وأكبر شاهد على ذلك ما شوهد من أثر التربية التى يسمونها أدبية من عهد محمد على إلى اليوم، فإن المأخوذين بها لم يزدادوا إلا فسادًا وإن قيل أن لهم شيئًا من المعلومات، فما لم تكن معارفهم العامة وآدبهم مبنية على أصول دينهم فلا أثر لها فى نفوسهم[65].
إن كان هذا موقفه من التعليم المدنى، فقد كان نقده للتعليم الدينى أشد ضراوة وأكثر مرارة، وبالتالى تكون رؤيته هذه دفعته لمناهضة التعليمين الدينى والجديد فى آن واحد، ولعل هذا ما يفسر شعوره بأنه مخالفاً بذلك رأى الفئتين العظيمتين اللتين يتركب منهما جسم الأمة.
فقد كان الجميع فى ذلك العصر قد رضى تعايش نظامى التعليم-المدنى والدينى- جنبًا إلى جنب إلا “عبده” الذى كان سابقًا لزمانه يري أن هذا سيؤدى حتمًا لإنهيار التعليم الدينى ولن يحقق أهداف التعليم المدنى، فكان ينادى ببسط الدولة يدها على الكتاتيب وجعل التعليم الدينى خاضعًا لإشراف الدولة فيما يشبه عملية تأميمه[66].
لم يكن عبده فى البداية يعارض أنهيار الأزهر أصلًا، فقد كان يتوقع حدوث ذلك من واقع معايشته له أثناء دراسته، وما رأه من مواقف بعد ذلك، لقد كان عبده مدركًا أن المستقبل الحقيقى للتعليم المدنى، فكان أمله أن يساهم فى وضع أسسه حسب الافكار التى يؤمن بها، بدلًا من أن يهتم بإحياء أنقاض التعليم الدينى المنهار[67].
عمل محمدعبده مدرسًا فى دار العلوم، وحاول أن يجعلها مختبرًا لأفكاره هذه، وفي أغسطس عام ١٨٧٩م نفي الأفغاني من مصر بضغط من الإنجليز وسعاية الجامدين من أهل الأزهر، ونتج عن ذلك أيضًا عزل الشيخ محمد عبده من دار العلوم ومن مدرسة الألسن، فضلا عن نفيه إلى قريته في أوائل حكم الخديوي توفيق[68].
كان الشيخ تستهويه هذه المؤسسة- دار العلوم-، التى قامت منذ تأسيسها عام 1871م، على فكرة التوفيق بين المعارف القديمة والحديثة، كان عبده واعيًا أن تأميم التعليم الدينى، وتقوية دار العلوم، سيخرج نمطًا من المعلمين جمعوا بين نوعى المعارف القديمة والحديثة؛ يمثلون قوة اجتماعية يمكن توظيفها لصالح المشروع الإصلاحى[69].
كان “عبده” يعلق آمالًا كبيرة على دار العلوم، ويرى أن أمرها يمكن أن ينتهى إى أن تحل محل الأزهر، وبذلك يتم توحيد شطرى التعليم فى مصر[70]. لكنها كانت تخضع لمراقبة المقيم البريطانى، وقد أرسل عبده إليه سرًا بلائحة تقترح مجموعة من الإصلاحات، وتشير إلى استعداده لتولى الأدارة، إلا أن مشروع عبده كان يتضمن خلفيات سياسية لا تخفى على اللورد كرومر (1841: 1917م) فلم يمكن من ذلك[71].
فاتجه عبده مكرها لا بطلًا للأزهر، وتقرب للخديوى عباس حلمى الثانى طالبًا منه الدعم، فاستجاب له الخديوى بعدما التقت أهدفها معًا حيث كان الخديوى عباس يعانى من استئثار الأنجليز بالسلطة والحكم دونه ولم يتركوا له شيئ فأراد مناهضة الأنجليز فقرب الزعماء المصريين والنافذين إليه وأخذ يسشيرهم فى ذلك، وكان الشيخ محمد عبده أكبر هؤلاء الزعماء، فذكر للخديوى أن الأنجليز تركوا له الأزهر والأوقاف الإسلامية والمحاكم الشرعية، وأنه لو اشتغل بإصلاحها إصلاحًا يحدث نهضة دينية واجتماعية تنصلح به نفوس المصريين؛ لاستطاعوا مناهضة الأنجليز، وطردهم من مصر[72].
اقتنع عباس حلمى بهذا الرأى من الشيخ محمد عبده، وتولى الشيخ منصب الإفتاء، وصار عضوًا فى مجلس إدارة الأزهر، وأعد لائحة لإصلاح القضاء، وصار له صوت إصلاحى قوى، لكن تجربته فى إصلاح التعليم الدينى لم تتحقق، فكما كانت السياسية بابه ووسيلته كانت أيضًا عقبته.
فبعد وقت من التوافق بين عباس باشا والشيخ محمد عبده، ساءت الأمور بينهما وغضب عباس حلمى من الشيخ؛ لأنه كان يقف منه موقف الند للند ،إذ تصدى الشيخ لمطامع الخديوى في أراضي الأوقاف وتدخله في شؤون الأزهر متجاوزا لقانونه[73]. الأمر الذى حمل الخديوى على تخطى الشيخ في تولي منصب مشيخة الأزهر مرتين، على الرغم من أنه كان أجدر من المرشحين للمنصب الرفيع وأحقهم به[74].
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ سلط الخديوى علي الشيخ العلماء الجامدين يتهمونه فى عقيدته، ويطعنون فى دينه ، فاضطر الشيخ إلى الاستقالة من مجلس إدارة الأزهر في مارس ١٩٠٥م، احتجاجا على مسلك الخديو الذي يحول دون إصلاح الأزهر. فنفض يده من هذا الإصلاح ، وتركه يتعثر بعده فى خطواته ، ولا يصل إلى الغاية التى كان يريدها له، وأدركه من الغم ما أدركه بعد نفض يده من الأزهر ، وتألب أعداء الإصلاح عليه، فعاجلته المنية سنة 1905م [75].
أصبح خطاب “عبده” إذن فاقدًا للسند الاجتماعى، فلا مؤسسة الخلافة ولا الحكم الخديوى ولا إدارة الحماية البريطانية، ولا الغالبية العظمى من طبقة علماء الأزهر والتقليديين، ولا غالبية النخبة المتخرجة من المدارس الحديثة، ولا أى طرف آخر بدا مستعدًا أن يحمل تباشير دعوته[76].
ولعل هذا هو السر الذى جعله فى آخر حياته يفكر فى إنشاء مدرسة القضاء الشرعى، التى حملت مشروعه الذى يستحق به أن يكون رائدًا للإصلاح الدينى،أو التعليم الدينى بحق. وقبل أن يتوفى الإمام في يوليو عام ١٩٠٥م عن ستة وخمسين عاما، بذل جهودا معروفة في الدعوة إلى إنشاء جامعة مصرية حديثة إلى جانب الأزهر، بعد أن يئس من إصلاحه على النحو الذي ارتأى، فأراد جامعة تدرس فيها العلوم الإنسانية، وعلوم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد، والآداب العربية والأجنبية. والفنون الجميلة، إلخ. وتعهد بإنشاء هذه الجامعة نفر من تلاميذه وأصدقائه من بينهم قاسم أمين وأحمد لطفي السيد وأحمد فتحي زغلول وسعد زغلول وغيرهم كما هو معروف[77].
مدرسة الإمام وحزبه مشارب متعددة وتعددية مشروعة
لم يكن محمد عبده مجرد عالم أو مفكر أو مصلح مسجون بين دفتى الكتاب والقلم يسبح في بحور التنظير وعالم الأفكار بل كان رجل سلوك ومواقف عملية أثرت فى عدد كبير من المثقفين خاصة فى سنواته الأخيرة بعد عودته من منفاه إلى مصر؛ حيث أطلق حركة عملية ذات جوانب متعددة، علمية، ونقاشية، وحركة نشر واسعة.
فأوى إليه المتعلمون الجدد من أبناء الطبقة الوسطى الجديدة، وبعض نبهاء الأزهريين لإطلاق دعوة من أجل تجديد الأزهر، وتحرك من حوله مجموعة من الشباب حملت مجموعة منهم عبأ التأليف في الموضوعات الجديدة، وحمل آخرون مهمة نشر النصوص القديمة المفيدة، وشمل تأثير الإمام أكثر من مجال، مثل الصحف، والجمعيات، والصالونات، والمؤسسات شبه النيابية والأزهر[78].
أنتظم هؤلاء طواعية وتحلقوا حول الشيخ وصحبوه فى الصالونات الفكرية، واتسعت دائرة تلاميذه والمتأثرين بأفكاره ومنهجه فى الإصلاح ومواقفه السياسية، فيم بات يعرف بجماعة أو حزب الإمام، وقد لعبوا دورًا مؤثراً فى الحركة الوطنية والسياسية وخلق رأى عام معبراً عن هذه الأفكار.
بعض هؤلاء أدركوا مع الشيخ حلقة الأفغاني وتلقوا دروسه معه[79]، كسعد زغلول، وعبد السلام وإبراهيم المويلحي، وعبد الكريم سلمان، وإبراهيم اللقاني، وبعضهم التقى معه في صالون الأميرة نازلي فاضل، الذي اختلف إليه رجال السياسة والوزراء وكبار القوم، مثل سعد زغلول، وقاسم أمين، وأحمد عفيفي باشا، وأحمد لطفى السيد، وأحمد فتحى زغلول(شقيق سعد زغلول)، وطلعت حرب، وحسن عاصم، وحفنى ناصف(والد ملك حفنى)،بالإضافة لمحمد رشيد رضا.
وجذب انضمام الشيخ لمجلس شورى القوانين عام 1899م، عدد من المؤثرين فيه مثل، حسن باشاعبد الرازق (والد الشيخ مصطفى عبد الرازق)، والشيخ عبد الرحيم الدمرداش، ومحمود باشا سليمان.
وعقب استقالة الشيخ من مجلس إدارة الأزهر، انضم إليه قطاعا من الأزهرين المستنيرين، خاصة حينما عرضت فكرة إنشاء مدرسة القضاء الشرعي، حيث التقى جماعة من خلصائه الذين هالهم ما حدث، فتداولوا في الأمر حتى أوشك الإمام أن ينشئ قسما خاصا يختار له صفوة من طلبة الأزهر، ليتولى هو إعدادهم للقضاء الشرعي.
وامتد تأثير الإمام إلى الجيل التالي ممن تتلمذوا عليه بشكل غير مباشر، مثل مصطفى عبد الرازق، ومحمد حسين هيكل، وملك حفني ناصف، وطه حسين، وعلي عبد الرازق، ومدرسة جريدة الدستور محمد فريد وجدى والعقاد.
كان الفارق بين “محمد عبده” وغيره من المصلحين أنه استطاع أن يكون مدرسة جامعة فى حد ذاتها مدرسة تخرج منها أو تأثر بها جل النخب المصرية وغير المصرية، على مختلف مشاربهم واتجاهاتهم الدينية والاجتماعية والسياسية والفلسفية، فأهم من مثل مدرسته الاجتماعية قاسم أمين، وفى السياسية سعد زغلول، وأحمد لطفي السيد .
أما الأحمدي الظواهري، ومحمد مصطفى المراغي، فقد مثلا مدرسته في الإصلاح الديني، ومثل حسن أبو خطوة، وحسونة النواوي، وسيد وفا، وعبد الرحمن قراعة، ومحمود شلتوت، وعبد المجيد سليم، ومحمد فريد وجدي، وطنطاوي جوهري، أنصاراً لمدرسته العقلية في التأويل والإفتاء.
وكان مصطفى عبد الرازق، هو الممثل الأول لمدرسته الفلسفية، ، أما إبراهيم اللقاني، وإبراهيم المويلحي، وحسن عاصم، وحفني ناصف، وأحمد فتحي زغلول، وأحمد تيمور، ومصطفى لطفي المنفلوطي، وحافظ إبراهيم، فهم رواد مدرسته الأدبية، وعبد العزيز جاويش وهو خير ممثل لمدرسته التربوية.
أما عن تلاميذه في الشام، وتركيا، والجزائر وإيران، فمنهم: رشيد رضا، وشكيب أرسلان، وعبد القادر البيطار، وجمال الدين القاسمي من سوريا، ومحمد زاهد الكوثري، ومحمد عاكف، وأحمد محي الدين من تركيا، ومحمد بن الخوجة، وعبد الحلي بن سماية من الجزائر، وزكاء الملك من إيران[80].
عمق محمد عبده من فكرة “القومية المصرية”، التى لا تفرق بين الناس على حساب الدين، مقابل فكرة “الجامعة الإسلامية”، فجعل “جامعة المصريين” على اختلاف ديناتهم هى الأساس فى المقاومة وليست “جامعة المسلمين” وقد ظهر هذا التوجه لدى محمد عبده مبكراً.
فلا غرو حيئذ أن يساهم الإمام فى وضع برنامج أول حزب مصرى أنشأه العرابيون عام 1879م تحت مسمى “الحزب الوطنى” وكان الشيخ ميزان اعتداله، ومن مؤسسيه حين صاغ بنفسه مادة القومية المصرية، أو المادة الخامسة،فى ديسمبر من عام 1881م، التى أكدت أنه حزب سياسي وليس دينياً، يضم رجالاً مختلفى العقيدة والمذهب، وجميع النصارى واليهود وكل من يحرث أرض مصر ويتكلم بلغتها منضم إليه، لأنه لا ينظر إلى اختلاف المعتقدات، ويعلم أن الجميع أخوان وأن حقوقهم فى السياسة والشرائع متساوية، وقد انتهى الحزب بفكرته عملياً بنفى العرابيين[81].
تطورت فكرة القومية المصرية لدى الشيخ، وقد صاحب موقف سلبي من دولة الخلافة الإسلامية، وقد كان يصرح أنه لا أمام للمسلمين سوى القرآن. الأمر الذى جعل”مصطفى كامل” يكن عداءً كبيراً للشيخ دعاه لتأليب الخديوي عباس عليه وتدبير المكائد له وقد استجاب الخديوى عباس لمصطفى كامل فانتهى الأمر بإخراج الشيخ من مجلس غدارة الأزهر[82].
الشيخ يقود عربة الفكر والسياسة المصرية بعد موته
وإن كانا أهم حزبين ظهرا بعد وفاة الشيخ فى الحياة السياسية المصرية هما الحزب “الوطنى” بقيادة مصطفى كامل، وحزب “الأمة” فيمكنة القول أن الشيخ كان صاحب تأثير واضح بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على قادة ومؤسسى”حزب الأمة” وأبرز مفكريه (أحمد لطفى السيد، ومحمود باشا سليمان وعلى شعراوى باشا وعبد العزيز فهمى بك) فتذكر المصادر أن فكرة جريدة “الجريدة” كانت لمحمد عبده قبيل وفاته وقد رشح لها أحمد لطفى السيد، وهى الجريدة التى صدرت فيما بعد بجهود تلاميذه وأعلن قيام حزب “الأمة”صاحب الاتجاه الليبرالى فى السياسة المصرية[83].
وقد كان بعد موته أيضاً صاحب التأثير المباشر من خلال مدرسة القضاء الشرعى، التى أنشأها سعد زغلول وفاء للشيخ الإمام، فهى فكرته التى استطاع قبل موته أن يأخذ الموافقة عليها من الخديوى عباس، وهى المدرسة التى جعلت جذوة الإستنارة متقدمة فى قلب العقل المصرى ولا نبالغ إن قلنا العقل العربي والإسلامى بصفة عامة لعقود طويلة، وهزمت بجديتها أو على الأقل أوجعت وتفوقت على مؤسسة عمرت أكثر من ألف عام.
فقد تخرج منها على سبيل المثال لا الحصر، الشيخ مصطفى عبد الرازق، وأمين الخولى، وعبد الوهاب عزام، على الخفيف،عبد المجيد سليم، وعبد الوهاب خلاف، وحسن مأمون، وأحمد أمين، وأحمد إبراهيم بك، وحسنين مخلوف، ومحمد شاكر وكيل الأزهر، والشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ جاد الحق على جاد الحق.
على هذا الحال يمكن القول، إن محمد عبده قد وضع أسس الفكر الإسلامي الحديث بمعظم تياراته، العلمية الهادئة المتطورة مع ميلها للمحافظة، والتجديدية، فضلا عن تأثيره على أبرز رجال التنوير واللبرالية المصرية (مثل سعد زغلول وأحمد لطفي السيد) بشكل مباشر أو غير مباشر. حتى يمكن القول: إن أيديولوجيات الهوية الحديثة، المصرية والإسلامية، خرجت من “قفطان” محمد عبده – إن جاز التعبير – مثلما خرج الأدب الروسي من “معطف” جوجول[84].
المصادر والمراجع:
[1] -انظر:”الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده” تحقيق وتقديم د.محمد عمارة،ج 2،ص320، ط:دار الشروق-القاهرة-الطبعة الأولى لسنة 1993م.
[2] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج 2،ص321.
[3] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج 2،ص322: 324.
[4] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج 2،ص323.
[5] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج 2،ص323.
[6] -انظر مقدمة الشيخ أبو زهرة لكتاب”الإمام محمد عبده بين المنهج الدينى والمنهج الاجتماعى” د. عبد الله محمود شحاته، ص 12،ط: الهيئة المصرية العامة للكتاب لسنة 200م.
[7] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج 2،ص324.
[8] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج 2،ص325.
[9] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج 2،ص325.
[10] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج 2،ص325.
[11] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج 2،ص326.
[12] -انظر:”محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى” د. محمد الحداد،ص68،ط1: دار الطليعة للطباعة والنشر-بيروت-عام 2003م.
[13] -“محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى”ص68.
[14] -“من النهضة إلى الاستنارة “ص91.
[15] – على عكس ابن تيمية مثلًا الذى كان يخالف ابن رشد فى هذا بل يقول بتكفير الفلاسفة. انظر: فى ذلك “المجددون فى الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر” ص397.
[16] -“المجددون فى الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر” ص400 : 401.
[17] -“من النهضة إلى الاستنارة “ص94: 95.
[18] -“المجددون فى الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر” ص400.
[19] -“من النهضة إلى الاستنارة “ص93.
[20] خاطرات جمال الدين الأفغاني، محمد باشا المخزومي،ص77، ط1:مكتبة الشروق الدولية، مصر، 2002م.
[21] مفهوم الشريعة.. بين تسييس الإسلام وتحريره، علي مبروك، ص 273،ط1:مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، الرباط، المغرب، 2017م.
[22]-مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي، مجموعة مؤلفين،ص70 ،ط1:دار النيل للطباعة والنشر، استانبول، تركيا، 2011م.
[23]-مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي، ص66 .
[24]-مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي، ص64.
[25]-العقل والتنوير في الفكر العربي المعاصر، عاطف العراقي، ص132،ط: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1995م.
-[26]خمسون شخصية أساسية في الإسلام، روي جاكسون ترجمة: رشا جمال، ص294،ط1: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، 2010م.
[27]-الفكر الإسلامي الحديث بين السلفيين والمجددين، محمود إسماعيل،ص136،ط1: رؤية للنشر والتوزيع، مصر، 2006م.
[28]-الفكر الإسلامي الحديث بين السلفيين والمجددين، ص135.
[29]-حكاية الإرهاب، علي جمعة، ص33- 34،ط: الوابل الصيب.
[30]-الإسلام دين العلم والمدنية، محمد عبده، تحقيق: محمد عاطف العراقي، ص164،ط: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، 1998م.
[31]-الفكر العربي الحديث.. بين الأوهام الأربعة ورؤى التجديد والنهوض، مصطفى النشار، ص148، ط: دار نيو بوك للنشر والتوزيع، مصر، 2018م.
[32] جمال الدين الأفغاني: الأعمال الكاملة، ص362.
[33] المرجع نفسه، ص189.
[34]-الجامعة الإسلامية بين السيد جمال الدين الأفغاني والسلطان عبد الحميد الثاني، فاطمة الزهراء رحماني، ص2، رسالة ماستر، جامعة يحيى فارس، المدية، الجزائر، 2015م.
[35]– “مذكرات الإمام محمد عبده”عرض وتحقيق وتعليق، طاهر الطناحى، ص20، ط:دار الهلال.
[36] محمد عبده: الأعمال الكاملة، ج1، ص158.
[37]-الإسلام والمدنية، زكي الميلاد،ص2020، ط1: الدار العربية للعلوم، بيروت، لبنان 2007م.
[38] تاريخ الاستاذ الإمام، (1/ 425).
[39]-مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي،، ص67.
[40] محمد عبده: الأعمال الكاملة، ج1، ص373.
[41]-تاريخ الأستاذ الإمام، رشيد رضا، ج1، ص917.
[42]-مفهوم الشريعة.. بين تسييس الإسلام وتحريره، علي مبروك،ص269: 270،ط1: مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، الرباط، المغرب.
[43] أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، فهمي جدعان، ص202م، ط3:دار الشروق 1988م.
[44] -“المجددون فى الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر” ص394.
[45]-إشكاليات التجديد، دراسة في ضوء علم اجتماع المعرفة، حسين رحال، ص17،ط:دار الهادي، بيروت، لبنان، 2004م.
[46]-الفكر الإسلامي المعاصر.. مراجعات تقويمية، مجموعة مؤلفين، تحرير: عبد الجبار الرفاعي،ص34، ط:دار الفكر المعاصر، بيروت، 2000م.
[47] -“محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى”ص10 ، 11.
[48]-البحث عن خلاص.. أزمة الدولة والإسلام والحداثة في مصر، شريف يونس،ص108: 109،ط: الهيئة العامة للكتاب، مصر، 2019م.
[49] -“محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى” ص13، 211.
[50] -العبارتان للشيخ أمين الخولى خريج مدرسة القضاء الشرعى التى كانت فكرة الشيخ محمد عبده التى تبناها تلامذته من بعده، انظر: أمين الخولى والأبعاد الفلسفية للتجديد، يمنى طريف أمين الخولى، ص 22،ط: مؤسسة هنداوى.
[51] – انظر : الحاشية على شرح الدوانى ص 13.
[52] -“محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى” ص12: 13.
[53] -هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار، أبو الفضل، عضد الدين الإيجي: عالم بالأصول والمعاني والعربية. من أهل إيج (بفارس) ولي القضاء، وأنجب تلاميذ عظاما. وجرت له محنة مع صاحب كرمان، فحبسه بالقلعة، فمات مسجونا. من تصانيفه (المواقف – ط) في علم الكلام، و (العقائد العضدية – ط) و (الرسالة العضدية – ط) في علم الوضع، و (جواهر الكلام – خ) مختصر المواقف، و (شرح مختصر ابن الحاجب – ط) في أصول الفقه، و (الفوائد الغياثية – خ) في المعاني والبيان، و (أشرف التواريخ) و (المدخل في علم المعاني والبيان والبديع – انظر: الأعلام للزركلي (3/ 295)
[54] -هو: محمد بن أسعد الصديقي الدواني، جلال الدين: قاض، باحث، يعد من الفلاسفة. ولد في دوان (من بلاد كازرون) وسكن شيراز، وولي قضاء فارس وتوفي بها. له (أنموذج العلوم – خ) و (تعريف العلم – خ) و (ثبت – خ) في ذكر مشايخه، و (إثبات الواجب – ط) رسالة، و (حاشية على شرح القوشجي لتجريد الكلام – ط) و (أفعال العباد – ط) رسالة، و (حاشية على تحرير القواعد المنطقية للقطب الرازي – ط) و (شرح العقائد العضدية – ط) و (تفسير سورة الكافرون – خ) و (الأربعون السلطانية – خ) حديث، و (حاشية على مباحث الأمور العامة – خ) و (شرح تهذيب المنطق – خ) و (الأسئلة الشريفة القرآنية – خ) رأيته في مكتبة القاتيكان (488 عربي) و (شرح هياكل النور للسهروردي – خ) ظفرت بنسخة منه، بخط الشيخ محمد عبده (مفتي الديار المصرية) ، جاء في آخرها: (..تحريره بيد مؤلفه بعد العشاء. سنة 872 بدار الموحدين هرمز، في الزاوية المباركة المظفرية شكر الله سعي بانيها السلطان السعيد ابن المظفر جهانشاه ورفع درجته في عليين، وكان نهضه إلى جانب ديار بكر في أوائل هذه السنة ووقوع هجوم الأعداء عليه واغتياله في الثالث عشر من ربيع الأول للسنة المذكورة) . وله رسائل بالفارسية ترجم بعضها إلى الانجليزية. الأعلام للزركلي (6/ 32-33).
[55] -فقد اعتبر سليمان دنيا أن “عبده يحاول أن يوسع سماحة الإسلام بما لا تتسع له النصوص” وقال عنه سيد قطب “أنه يمثل مدرسة” بسبب الحرية العقلية الواسعة التى جارت المعتزلة فى بعض تعاليمها وعقائدها” وقال عنه غازى التوبة” إن آراؤه كلها تضخيم لدور العقل على حساب الدين” ولقبه التيار الدينى فى تونس بالشيخ المغرر به المغترب، ونجد صدى لهذه الأفكار أيضًا عند بعض المستشرقين مثل “رولان كاسبار” الذى نسب آراؤه إلى الأعتزال، أو أيلى قدورى الذى نسبها إلى البدعة والألحاد. انظر فى ذلك:”محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى”ص14.
[56] -“محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى”ص80،213، 214.
[57] – محمد باقر بن المير الحسينى(ت: 1631م) من علماء الشيعة الإمامية الكبار.
[58] – انظر : الحاشية على شرح الدوانى ص 7.
[59] – انظر : الحاشية على شرح الدوانى ص 12.
[60] – انظر : الحاشية على شرح الدوانى ص 13.
[61] – انظر : الحاشية على شرح الدوانى ص 14.
[62]-البحث عن خلاص.. أزمة الدولة والإسلام والحداثة في مصر، شريف يونس،ص168،ط: الهيئة العامة للكتاب، مصر، 2014م.
[63] -“محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى”ص137.
[64] -“محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى”ص138.
[65] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج3،ص113.
[66] -“محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى”ص138: 139.
[67] -“محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى”ص140.
[68] -“من النهضة إلى الاستنارة “ص93.
[69] -“محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى”ص139.
[70] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج3،ص123.
[71] -“محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى”ص139.
[72] -“المجددون فى الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر” ص402.
[73] -“من النهضة إلى الاستنارة “ص97.
[74] -“الإمام محمد عبده” ص 89: 90،ط2:دار المعارف.
[75] -“المجددون فى الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر” ص403.
[76] -“محمد عبده قراءة جديدة فى خطاب الإصلاح الدينى”ص159.
[77] -“من النهضة إلى الاستنارة “ص98.
[78]-مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي، ص72.
[79] -انظر فى ذلك:”من النهضة إلى الاستنارة “ص101: 102.
[80] الفكر المصري الحديث بين النقض والنقد، عصمت نصار، ص163- 164 ط1: دار نهضة مصر، مص2007م.
[81] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج1،ص404.
[82] -“الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده”ج1،ص101.
[83] -انظر فى ذلك:”من النهضة إلى الاستنارة ” ص 105، 127، 192، 193، 195.
[84] البحث عن خلاص.. أزمة الدولة والإسلام والحداثة في مصر.ص 111.