تكوين
لكن لا يمكننا أن نحدد معنى التجديد أو حتى نتكلم عنه دون وقفات مع الحديث العمدة في هذه المسألة، والذي ورد في سنن أبي داوود وغيره، عن أبى علقمة عن أبى هريرة رضى الله عنه –فيما أعلم- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها” (رواه أبو داود في سننه ([1])، والحاكم في مستدركه ([2])، والبيهقي في معرفة السنن والآثار ([3])، والطبراني في المعجم الأوسط[4].
فمدار حديث المتحدثين وكلام المتكلمين في مسألة التجديد على هذا الحديث، فهو عمدة الأمر الذي تتعلق به جميع الأمة شيعة وسنة، ومن ثم فلا يستطيع أحد تجاوزه.
1-رأي الشيعة في الحديث
اللهم إلا غلاة الشيعة بسبب روايته عن “أبي هرير رضي الله عنه، لعدم عدالته عندهم “([5])“. وهم -الشيعة- إن تجاوزه لفظًا عن أبي هريرة رضى الله عنه لم يتجاوزه معنىً، فقد اعتمدوا على رواية أخرى تُقر مبدأ التجديد وتؤكده غاية الأمر أن جعلته لرجل من آل البيت، وذلك فيما أخرجه أبو نعيم في حُلية الأولياء من طريق حميد بن زنجويه، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول([6]): (يروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يَمن على أهل دينه في رأس كل مائة سنة، برجل من أهل بيتي يبين لهم أمر دينهم”، وإني نظرت في سنة مائة؛ فإذا رجل من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر بن عبدالعزيز، ونظرت في رأس المائة الثانية، فإذا هو رجل من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم: محمد بن إدريس الشافعي).
وهذه الرواية أوردها السُبكي، بلفظ “رجلًا من أهل بيتي يجدد لَهُم يجدد لَهُم” وعزاها إلى الإمام أحمد ([7])، وقَوَّاها السيوطي في منظومته، وأشار إليها الحافظ بن حجر في توالي التأسيس ([8]) لكن الذهبي صرح بأن الإمام أحمد لم يقل هذا أصلًا، ولا قاله رسول الله ([9]). قال المناوي[10]: وفي حديث لأبي داود منا أهل البيت أي لأن آل محمد صلى الله عليه وسلم كل تقي.
2-ما قيل في صحة الحديث:
بقي أن نشير إلى أن الحديث المروى عن أبى هريرة رضى الله عنه -الحديث العمدة في المسألة- “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجدد لها دينها” هذا الحديث تعرض لشيءٍ من الطعن في صحته قديمًا وحديثًا. وإن كان رأي الجمهور على صحته، وَالْحَاصِل أَنَّ الْحَدِيث مَرْوِيّ مِنْ وَجْهَيْنِ[11] ، مِنْ وَجْه مُتَّصِل وَمِنْ وَجْه مُعْضَل- وَالْحَدِيث الْمُعْضَل هُوَ مَا سَقَطَ مِنْ إِسْنَاده اِثْنَانِ فَأَكْثَر بِشَرْطِ التَّوَالِين وهو قسم أقسام الحديث الضعيف- وَأَمَّا الوجه المتصل فضعفه ابن المنذر لقَوْل أَبِي عَلْقَمَة -أحد رواة هذا الحديث- فِيمَا أَعْلَم عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: الرَّاوِي لَمْ يَجْزِم بِرَفْعِهِ اِنْتَهَى. وقد استدرك عليه صاحب عون المعبود فقال: نَعَمْ لَكِنْ مِثْل ذَلِكَ لَا يُقَال مِنْ قِبَل الرَّأْي، إِنَّمَا هُوَ مِنْ شَأْن النُّبُوَّة، فَتَعَيَّنَ كَوْنه مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [12].
لكن جماهير أهل العلم سابقيهم ومتأخريهم يصححون هذا الحديث حتى أوشك اتفاقهم أن يكون إجماعٌ فقال صاحب عون المعبود[13]: قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاة الصُّعُود: اِتَّفَقَ الْحُفَّاظ عَلَى تَصْحِيحه، مِنْهُمْ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَل. وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى صِحَّته مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْحَافِظ اِبْن حَجَر. وَقَالَ الْعَلْقَمِيّ فِي شَرْح الْجَامِع الصَّغِير قَالَ شَيْخنَا: اِتَّفَقَ الْحُفَّاظ عَلَى أَنَّهُ حَدِيث صَحِيح. وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى صِحَّته مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيّ وَابْن حَجَر وَمِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ: الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَل.
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْح الْقَدِير[14]: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَلَاحِم وَالْحَاكِم فِي الْفِتَن وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَاب الْمَعْرِفَة، كُلّهمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة. قَالَ الزَّيْن الْعِرَاقِيّ وَغَيْره: سَنَده صَحِيح. اِنْتَهَى.
3- وقفات وتأملات في كلمات ودلالات الحديث
إذًا هذا حكم حديث التجديد عمدة المسألة من ناحية الرواية، أما من ناحية الدراية، فالحديث يتكون من عدة كلمات وجمل يجدر الوقف أمامها، لاستجلاء معنى التجديد ومعرفة ما يحمله في طياته من بلاغ وبيان، وذلك كالآتي:
الوقفة الأولى: إن الله يبعث.
الوقفة الثانية: لهذه الأمة.
الوقفة الثالثة: على رأس كل مائة سنة.
الوقفة الرابعة: من يجدد.
الوقفة الخامسة: لها.
الوقفة السادسة: دينها (أو: أمر دينها).
الوقفة الأولى: إن الله يبعث.
فما المراد بالبعث هنا هل هو بعث مثل بعث الأنبياء والرسل فيه تكليف وأمر بالبلاغ والبيان؟ كما في قوله: ) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عليهمْ آيَاتِنَا( ]القصص:59[؟ ومن ثم فلا شأن لنا به، فلا نطلبه نحن أمة النبي r ولا نسعى فيه ولا نفعل شيء سوى الاستقالة الجماعية من الأمة المحمدية، وانتظار ذلك المجدد المبعوث المكلف من الله تعالى بتجديد الدين، هل هذا هو المراد؟ وإن كان مرادًا فكيف سنعرف أنه المجدد المبعوث؟ وهل سنطالبه بالدليل أم سيملك هو الدليل؟ وهل سيكون دليله مُعجزًا كدليل الأنبياء، أم دليل يخضع للعقل والنظر؟ فإن كان -يخضع للعقل والنظر- فماذا لو لم نصدقه أو نؤمن بما جاء به أو لم تقبله الأمة عاجلًا أو آجلًا؟ وما فائدة الإرسال إن كان بلا نتيجة؟ وما فائدة بلاغ النبيr لنا؟!
يبدو هذا المعنى غير مراد بلا شك، فهو مرادف للنبوة موشٍ بالإرسالية الوحيية، كيف وقد ختمت النبوة وانقطعت الوحيية عن الأرض؟ فليس بعد النبي نبوة ولا نبي، قال تعالى: )مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ، وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا((40) سورة الأحزاب).
فالبعث بهذا المعنى يُعد معنًا عبثيا اتكاليًا مُخرجًا الأمة من العقلنة والشهودية إلى متاهة الخرافة وادعاء الوحيية والبعث والإرسال والتغيير الفوقي بلا دليل ولا منهج، وهو خروج عن معنى التجديد الذي فيه تفعيل وطلب وجهد وسعى واستدعاء إلى معنى آخر مغاير للمراد تمامًا.
يبدو المعنى القدري الكوني الذي يقدره الله ويدبره ويرعاه، متى أُخذ بأسبابه هو المراد كما في قوله تعالى: )فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً([سورة الإسراء آية5] قال الطاهر بن عاشور[15]: والبعث مُستعمل في تكوين السير إلى أرض إسرائيل وتهيئة أسبابه حتى كأن ذلك أمر بالمسير إليهم كما أمر في قوله: {ليَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} في سورة الأعراف[167]، وهو بعث تكوين وتسخير لا بعث بوحي وأمر.
فمن رعاية الله لهذه الأمة ومن عنايته بها، أن يبعث الله لها أي يسخر ويخرج ويقيض لها[16] ويمن عليها، بمن يجدد لها أمر دينها، ومنه قول النبي: “إنما بعثتم ميسِّرين”[17] ولفظ (يقيض ويمن) وردت به روايات أخرى للحديث بما يفسر معنى البعث على هذا النحو[18]، وهذه نعمة تستحق منا الشكر يبشرنا بها رسول اللهr ويطمئننا بهذا الدليل (التجديد) على صلاحية هذا الدين للعالمية وخلوده في الزمانية، من طريق عملية التجديد المستمرة برعايته سبحانه، بما ينسجم حقًا مع خاتمية النبوة وبقاء الدين وتطور البشرية واختلاف الزمان والمكان والأشياء والأحداث والأفكار.
فالتجديد وعموم الرسالة وجهان لعملة واحدة”([19]). ومن هنا نفهم قول النبي [20]r: العلماء ورثة الأنبياء. فإنه سبحانه لما قضى بحكمته أن الإنسانية في طورانية متغيرة وأنه لا نبي بعد النبي، جعل برحمته علماء هذه الأمة ورثة لدور أنبيائه في مجاراة هذا التغير والتطور.
قال المناوي في فيض القدير[21]: وذلك لأنه سبحانه لما جعل المصطفي خاتمة الأنبياء والرسل وكانت حوادث الأيام خارجة عن التعداد ومعرفة أحكام الدين لازمة إلى يوم التناد ولم تف ظواهر النصوص ببيانها، بل لا بد من طريق وافٍ بشأنها اقتضت حكمة الملك العلام ظهور قوم من الأعلام في غرة كل قرن ليقوم بأعباء الحوادث إجراء لهذه الأمة مع علمائهم مجرى بني إسرائيل مع أنبيائهم.
فالتجديد الإسلامي هو السبيل لجعل هذا “الدين الثابت” صالحًا لكل زمان ومكان[22]. ومن ثم فالأمة التي لا تُجدد محكوم عليها بالفناء، كما قال شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب [23]. والإسلام مع التجديد ظل دينًا قادرًا على تحقيق مصالح الناس وإغرائهم بالنموذج الأمثل في معاملاتهم وسلوكهم بغضِ النَّظر عن أجناسهم وأديانهم ومعتقداتهم، وأنه مع الركود والتقليد والتعصُّب بقي الإسلام مجرَّد تاريخٍ يُعرض في متاحف الآثار والحضارات[24].
الوقفة الثانية: لهذه الأمة:
الأمة هي جماعة من الناس أكثرهم من أهل واحد وتجمعهم صفات موروثة ومصالح وأماني واحدة، أو يجمعهم أمر واحد من دين أو مكان أو زمان، سواء أكان ذلك الأمر الجامع تسخيرًا أم اختيارًا ([25]). أما كلمة “الأمة” في القرآن فتُطلق على كل مجموعة حية تجمعها صفات أو خصائص أو روابط متميزة ([26]).
فما المراد بقوله r لهذه الأمة: هل هي “أمة الإجابة” أم “أمة الدعوة”؟ أم أن كليهما مقصود في “أمة الدعوة” مع “أمة الإجابة” معًا، كلٌ في مرفأه؟
وأمة الإجابة أي من استجابت إلى دعوة النبي r فآمنت وأسلمت، وهم المخاطبون بالنداء القرآني: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا). أما “أمة الدعوة” فهم سائر الناس بعد ذلك، وهم المخاطبون بالنداء القرآني: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ). قال المناوي[27]: وأصل الأمة الجماعة مفرد لفظا جمع معنى، وقد يختص بالجماعة الذين بُعث فيهم نبي وهم باعتبار البعثة فيهم ودعائهم إلى الله يُسمون “أمة الدعوة”، فإن آمنوا كلًا أو بعضًا سُمى المؤمنين “أمة إجابة”.
ولأن الأمة هي وعاء التجديد بنص الحديث النبوي، فهي المجدد لها “دينها”، فينبغي إذًا معرفتها وتحديدها لمعرفة مجال التجديد، وقد اختُلف في ذلك قديمًا[28] وحديثًا.
وقد رجح الشيخ عبد المتعال الصعيدي أن المراد أمة الدعوة لا أمة الإجابة، فقال[29]: ويجوز أن يراد أمة الدعوة، وإرادة هذا ظاهرة على الأساس الذي قدمته في فهم التجديد في الإسلام؟ لأنه كما سبق يراد منه النهوض الديني والمدني، وهو يتعدى من المسلمين إلى من يعاصرهم، كما حصل من قيام النهضة الأوروبية بتأثيرْ النهضة الإسلامية.
فالإسلام ليس دين عبادة فقط، ولو صح هذا الفهم الخاطئ لم يكن هناك في الإسلام شيء من التجديد، لأن أمور العبادة في الإسلام لا تقبل التغيير، فالصلاة هي الصلاة لا تغيير فيها وكذلك الزكاة والصوم والحج والنطق بالشهادتين، فلا يمكن أن نَزيد في الصلاة أو نَنقص فيها أو نُدخل فيها شيئًا من التغير، ولا يمكن أن نُقدم أو نُؤخر في الصوم ولا يمكن أن نُغير أونُبدل في الزكاة وكذلك أمر الحج ولكن هذا الفهم غير صحيح[30].
فالإسلام إنما جاء ليكون دين نهضة دينية ومدنية معًا، فالقصد من هذا الدين بنص القرآن هو محو أمية العرب والنهوض بهم وبسائر البشر من بعدهم في الدين والعلم، وهذه هي وظيفة الإسلام الكبرى وغايته العظمى في هذه الحياة الدنيا وبها كان خاتمةَ الأديان، و كان الرسول الذي بُعث به خاتمَ الرسل، لأنه كفل بهذه الغاية مصلحة الدنيا والآخرة، ولم تُرجح كفة مصلحة منهما على الأخرى كما كان ذلك في الشرائع القديمة، فصلح لكل زمان ومكان ولاءم كل الظروف والأحوال وتوافق مع كل الشعوب والأجناس من العرب وغيرهم من الشعوب السامية إلى الفُرس وغيرهم من الشعوِب الآرية إلى البربر وغيرهم من الشعوب الحامية، لأنه نظر إليهم جميعًا على سواء، وأتى إليهم بشرائع عامة عادلة لا إيثار فيها لشعب على آخر ولا تمييز فيها لجنس على جنس[31].
والإسلام من جهة هذه الغاية يتسع للتجديد في كل زمان، لأنه إذا كانت غايته النهوض العام بالإنسانية فوسائل هذا النهوض تسير في طريق الارتقاء، ولا تقف عند حد محدود لا تتعداه وأمرها في هذا يخالف أمر العبادات، لأنها تعتمد على الارتقاء في العلم والعرفان والإنسان لا يمكن أن يبلغ الكمال في العلم وإن امتد به الزمان ووصل الى آخر هذه الحياة، كما قال تعالى: )وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا( (آية 85 من سورة الأسراء) ليُفتح باب الارتقاء والتجديد في العلمْ على مصراعيه، ولا يجعل للغرور بالعلم سبيلا إلى نفوسنا، لأنه هو الذي يقف دون الارتقاء والتجديد في العلم ويؤدى إلى الجمود المذموم فيه.[32]
وتابع الشيخ “أحمد الطيب” شيخ الأزهر الشيخ عبد المتعال الصعيدي في ذلك فرجح أيضًا أن المراد أمة الدعوة في قضية مناط التجديد، لأنه رأى أن خطاب القرآن بـ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ” هكذا مطلقًا لا يستقيم فهمه إلا في إطار صلاحية الخطاب للتجدد مع تجدد الأزمان والأحوال، فالتجديد وعموم الرسالة وجهان لعملة واحدة”([33]).
ولا مانع من الجمع بين الرؤيتين، فيكون المقصود كلتا الأمتين “أمة الدعوة” و “أمة الإجابة” معًا كلٌ في مرفأه، لا سيما وأن الحديث قد خص أمة التجديد بأن الشيء المجدد لها هو “أمر دينها”[34] فيكون تجديد الدين لأمة الإجابة ومنه يفيض على غيرها، وغيرها يجدد في غير هذا ومن غيرها تأخذ أمة الإجابة ما يفيدها ويجدد لها أمر دينها.
الوقفة الثالثة: المقصود بالرأس في قولهr“أن الله يبعث على رأس:
اختلف العلماء في تحديد المراد من رأس المائة، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: رأس المائة. أي أولها قال المناوي: (على رأس) أي أول ورأس الشيء أعلاه ورأس الشهر أوله.
القول الثاني: آخرها، وهو رأي الحافظ بن حجر ([35])، والطيبي ([36])، والذي علل تسمية آخر السنة بالرأس بوصفه مبدأ لسنة أخرى.
القول الثالث: في أي وقت من السنة: على أن التقييد بالرأس في الحديث “اتفاقي” وليس “احترازي”([37])، فيكون المراد أن الله (يبعث في كل مائة) سواء كان في وسطها أو أولها أو آخرها من يجدد لهذه الأمة أمر دينها. مما يُوسع من دائرة المجددية عندهم ([38]).
وفي الرأي الأخير إشارة ودلالة على حقيقة استمرارية عملية التجديد، وتقارب زمانه حتى يصبح عملية تواصل وتوريث ([39]). وهذه من سنن الصيرورة والاستخلاف ووقاية للأمة من أسباب الوهن والانحطاط من جهة، وضمانًا لديمومة حيويتها واندفاعها الحضاري المتصاعد من جهة أخرى ([40]).
قال صاحب عون المعبود[41]: ثُمَّ اِعْلَمْ أَنَّ اِبْن الْأَثِير وَالطِّيبِيّ وَغَيْرهمَا زَعَمُوا أَنَّ الْمُجَدِّد هُوَ الَّذِي اِنْقَضَتْ الْمِائَة وَهُوَ حَيّ مَعْلُوم مَشْهُور مُشَار إِلَيْهِ فَجَلَعُوا حَيَاة الْمُجَدِّد وَبَقَاءَهُ بَعْد اِنْقِضَاء الْمِائَة شَرْطًا لَهُ ، فَعَلَى هَذَا مَنْ كَانَ عَلَى رَأْس الْمِائَة، أَيْ آخِرهَا ، وَوُجِدَ فِيهِ جَمِيع أَوْصَاف الْمُجَدِّد ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْد اِنْقِضَاء الْمِائَة بَلْ تُوُفِّيَ عَلَى رَأْس الْمِائَة الْمَوْجُودَة قَبْل الْمِائَة الْآتِيَة بِخَمْسَةِ أَيَّام مَثَلًا لَا يَكُون مُجَدِّدًا ، لَكِنْ لَمْ يَظْهَر لِي عَلَى هَذَا الِاشْتِرَاط دَلِيل.
ولم يوافق الْكَرْمَانِيّ أيضًا على قول الطيبي ومن ثم انتقده وعقب عليه بقوله[42]: قَدْ كَانَ قُبَيْل كُلّ مِائَة أَيْضًا مَنْ يُصَحِّح وَيَقُوم بِأَمْرِ الدِّين، وَإِنَّمَا الْمُرَاد مَنْ اِنْقَضَتْ الْمُدَّة وَهُوَ حَيّ عَالِم مُشَار إِلَيْهِ. وَلَمَّا كَانَ رُبَّمَا يَتَوَهَّم مُتَوَهِّم مِنْ تَخْصِيص الْبَعْث بِرَأْسِ الْقَرْن أَنَّ الْعَالِم بِالْحُجَّةِ لَا يُوجَد إِلَّا عِنْده أَرْدَفَ ذَلِكَ بِمَا يُبَيِّن أَنَّهُ قَدْ يَكُون فِي أَثْنَاء الْمِائَة مَنْ هُوَ كَذَلِكَ، بَلْ قَدْ يَكُون أَفْضَل مِنْ الْمَبْعُوث عَلَى الرَّأْس، وَأَنَّ تَخْصِيص الرَّأْس إِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّة اِنْخِرَام عُلَمَائِهِ غَالِبًا، وَظُهُور الْبِدَع، وَخُرُوج الدَّجَّالِينَ.
وقَالَ بَعْض السَّادَات الْأَعَاظِم إِنَّ قَيْد الرَّأْس اِتِّفَاقِيّ… ولَوْ ثَبَتَ كَوْن قَيْد الرَّأْس اِتِّفَاقِيًّا بِدَلِيلٍ صَحِيح لَكَانَ دَائِرَة الْمُجَدِّدِيَّة أَوْسَع وَلَدَخَلَ كَثِير مِنْ الْأَكَابِر الْمَشْهُورِينَ الْمُسْتَجْمِعِينَ لِصِفَاتِ الْمُجَدِّدِيَّة فِي الْمُجَدِّدِينَ، كَالْإِمَامِ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَمُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ وَمَالِك بْن أَنَس وَمُسْلِم النَّيْسَابُورِيّ وَأَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيّ وَغَيْره مِنْ أَئِمَّة الْهُدَى[43] .
وبهذا يترجح القول الثالث، فيكون المراد أن الله (يبعث في كل مائة) سواء كان في وسطها أو أولها أو آخرها من يجدد لهذه الأمة أمر دينها.
قال الشيخ عبد المتعال الصعيدي[44]: وهذا هو المختار عندي، لأن التقييد بالرأس لا داعي إليه، وقد جرت الحوادث التاريخية على عدم التقيد بزمن، فليكن على منوالها بعثُ هذا المجدد.
الوقفة الرابعة: قولهrمن يجدد، وسؤال من الذي يقوم بالتجديد؟
السؤال عمن يقوم بالتجديد أو المبعوث على رأس المائة، هل هو فرد أم لا يلزم كونه فرد؟ فيمكن أن يكون جمع حقيقي أو اعتباري، كما هو شأن المؤسسات الآن.
اختلف أهل العلم في المراد بلفظـ “من” الوارد في قوله rمن يجدد لها دينها، وهل المراد بها الجمع أم الفرد؟
فقيل إنه لا يكون إلا واحدًا، لأنه جاء في بعض روايات الحديث التصريح بأن الله يبعث على رأس كل مائة سنة رجلا، وقيل إنه قد يكون أكثر من واحد، لأن الرواية المشهورة “إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد إلخ! ولفظ “من” يُطلق على الواحد وغيره [45]، وقد اختار هذا ابن حجر [46]، لأن اجتماع الصفات المُحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد.
وقد نسب السيوطي للجمهور في منظومته عن المجددين أن المجدد لا يكون إلا واحدًا، وليس لهذا القول حجة إلا الرواية التي أخرجها البيهقي لحديث التجديد من طريق أحمد بن حنبل، قال [47]: يُروى في الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أن الله يمن على أهل دينه في رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي يبين لهم أمر دينهم“، وإني نظرت في سنة مائة فإذا هو رجل من آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائة الثانية فإذا هو محمد بن إدريس الشافعي.
فقد جاءت الرواية صريحة بلفظ رجل وهي أصرح في الدلالة على أن المجدد لا يكون إلا واحدًا في كل قرن. لكن الرواية تُضيف شرطًا آخر وهو أن المجدد لا يكون إلا من أهل البيت، وقد قوَّى السيوطي هذه الرواية، وكأنه فيما يبدو يذهب إلى أن المجدد من آل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه فرد لا يتعدد. ولكن لم تكن كل الأسماء التي قدمها للمجددين –في منظومته- من البيت النبوي، وذلك في المنظومة نفسها التي ذكر فيها هذا الرأي. وفي الحقيقة لم يرد ذكر لأي اسم من أهل النبي -صلى الله عليه وسلم- في القرون بعد الثاني في الإحصاءات التي بين أيدينا [48].
واستدل ابن حجر على رأيه بعدم حصر المجدد في واحد واختياره التعدد، تنوع الحقول المعرفية التي يحصل بها التجديد، ومن ثم تنوع المجددين في كل حقل وفن من هذه الفنون، التي يصعب على الواحد الإلمام بها ويصعب التجديد دونها، والرواية التي استدل بها السيوطي يشوبها الضعف في حين استدل ابن حجر بدليل أقوى من ناحية السند مما رواه البخاري رحمه الله من حديث [49]: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق “وفي رواية” لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله “وفي رواية” لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك”.
ثم قال ابن حجر [50]: “قال النووي [51] فيه أن الإجماع حجة، ثم قال يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدث ومفسر وآمر بالمعروف وناه عن المنكر وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد وأن يكونوا في بعض منه دون الآخر، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم تدريجيًا حتى لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا جاء أمر الله، انتهي ملخصا مع زيادة فيه.
ونظير ما نبه عليه ما حمل عليه بعض الأئمة حديث: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها” أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة وهو متجه.
فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يدعي ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه كان الآمرُ على رأس المائة الأولى لاتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها، ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه، وأما من جاء بعده فالشافعي وإن كان متصفا بالصفات الجميلة، إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل، فعلى هذا كل من كان متصفا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد سواء تعدد أم لا”.
قال صاحب عون المعبود [52]: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَم أَنْ يَكُون عَلَى رَأْس كُلّ مِائَة سَنَة مُجَدِّد وَاحِد فَقَطْ، بَلْ يُمْكِن أَنْ يَكُون أَكْثَر مِنْ وَاحِد. وقال المناوي في فيض القدير [53]: (من) أي مجتهدا واحدا أو متعددا… ومن اسم مبهم يشمل الذوات العاقلة آحادا وجموعا واستغراقا.
واختار ذلك أيضًا: “الجاحظ” المعتزلي (159: 255 هـ) ([54])، وابن الأثير (544: 606هــ) ([55])، والنووي (631: 676هـ) ([56])، والذهبي (673: 748 هـ) ([57])، وابن كثير (701: 774هــ) ([58]).
ولابن الأثير في ذلك كلام نفيس فقد قال [59]: وقد تكلَّم العلماءُ في تأويل هذا الحديث كُلُّ واحد في زمانه، وأشاروا إلى القائم الذي يُجدِّد للناس دينَهم على رأس كلِّ مائةِ سنةٍ، وكأنَّ كل قائل قد مال إلى مذهبه وحمل تأويل الحديث عليه، والأولى أن يحمل الحديث على العموم.
فإن قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنةٍ من يُجدِّد لها دِينَها» ولا يَلزمُ منه أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلًا واحدًا، وإنما قد يكون واحدًا وقد يكون أكثر منه فإن لفظة «مَنْ» تقع على الواحد والجمع.
وكذلك لا يلزم منه أن يكون أراد بالمبعوث الفقهاء بخاصة، كما ذهب إليه بعض العلماء، فإن انتفاع الأمة بالفقهاء وإن كان نفعًا عامًّا في أمور الدين، فإن انتفاعهم بغيرهم أيضًا كثير، مثل أولي الأمر وأصحاب الحديث والقُرَّاء والوعَّاظ وأصحاب الطبقات من الزّهاد، فإن كل قوم ينفعون بفنٍّ لا ينفع به الآخر، إذ الأصل في حِفْظِ الدِّين حفظُ قانون السياسة وبث العدل والتناصف الذي به تحقن الدماء، ويتمكَّن من إقامة قوانين الشرع وتلك وظيفة أُولي الأمر.
ويكاد يكون هناك اتفاقٌ من المعاصرين على كون القائم بالتجديد قد يكون جمعًا أو فردًا، يقولُ الشيخ أحمد الطيب “شيخ الأزهر” [60]: كلمة “من يجدد” في الحديث من ألفاظ العموم التي تقال على كثيرين، ويجوز -تبعًا لذلك- أن يتعدد المجددين في العصر الواحد والبلد الواحد أيضًا، ويكون الحديث بهذا المعنى سندًا شرعيًا لقيام مجامع علمية معاصرة تضطلع بحركة تجديد جماعي للفكر الإسلامي.
الوقفة الخامسة: قولهr لها دينها، ما المقصود بتجديد الدين؟
لفظة (لها) هنا عائدة إلى الأمة [61]، ومن ثم تفيد أن مناط التجديد هو دين هذه الأمة، وهو ما صرح به الرسول الكريم بقوله: لها دينها.
وهنا إشكال عن الدين المجدد في قوله “من يجدد لها دينها”، فما المقصود بالدين الذي سيجدد، وهل الدين يجدد؟ والله عز وجل يقول: )إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام( ]آل عمران: 19[، )هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ( ]التوبة: 33[.
لكن أضافة الدين للأمة تحل هذا الإشكال إذ تجعل محل التجديد هنا منصب على دين الأمة ذاته، أي ذلك الدين المتصور في الذهن والوجدان. وهو ما اصطلح على تسميته بـ “التدين” صورة الدين في الذهن وليست الدين ذاته، ومن ذلك فنحن نقول: فلان ضعيف الدين أو رقيق الدين أو سيئ الدين، فالوصف هنا قطعًا مفهوم أنه ليس للدين الإلهي، إنما لتدين أو دين هذا الشخص الذي نتكلم عنه.
فالتجديد إذًا منصب في هذا المعنى، على الممارسة البشرية للدين والفهم البشري للدين الحق والنص المُنزل من السماء، وربما لهذا -والله أعلم- أضاف الدين للنبي في قوله تعالى: )قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ( ]يونس: 104[([62]).
إذ الدين لا يتطرق إليه الشك، لكن تنزلًا من باب النقاش والحجاج وجريًا في ما يعتقدونه -باطلًا- أن الدين من عند محمدr وليس دين الله، حتى يتنصلوا من دين الله وكأنهم يقولون: هذا دينك أنت ولو علمنا أنه من عند الله لآمنا به، فهنا دينان: دين الله، ودين منسوب إلى محمدr، فجريًا فيما يعتقدون قال لهم النبي ليقيم عليهم الحجة بأمر من الله تعالى: )قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ( فناسب هنا إضافة الدين للنبيr، في قوله: فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي
قال الطاهر بن عاشور في تفسيره ما يُضيئ هذا المعنى [63]: وَالشَّكُّ فِي الدِّينِ هُوَ الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ حَقًّا، وَكَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا الشَّكُّ عِنْدَ عَدَمِ تَصَوُّرِ حَقِيقَةِ هَذَا الدِّينِ بِالْكُنْهِ وَعَدَمِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ، فَالشَّكُّ فِي صِدْقِهِ يَسْتَلْزِمُ الشَّكَّ فِي مَاهِيَّتِهِ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَدْرَكُوا كُنْهَهُ لَمَا شَكُّوَا فِي حَقِّيَّتِهِ.
وربما يؤيد هذا أيضًا تفرقة العلماء بين الشريعة والفقه، إذ الشريعة ([64]) هي نصوص الوحي المُوحَى به إلى النبيr سواء أكانت هذه النصوص قُرآنًا أم سُنةً.
وأما الفقه فهو ما يفهمه العلماء من نصوص الشريعة وما يستنبطونه من هذه النصوص وما يقرِّرونه ويؤصِّلونه وما يقعِّدونه منَ القواعد المستمدَّة من دلالات النصوص، ولذلك فلا يصح الخلط وعدم التمييز بين مفهوم الشريعة الإسلاميَّة ومفهوم الفقه الإسلامي، لأن الشريعة معصومة وهي في العقيدة الإسلاميَّة والأحكام قطعيَّة الثبوت والدِّلالة خيرٌ كلُّها وصواب كلُّها تهدي الإنسانيَّة إلى الطريق المستقيم.
أما الفقه فإذا ما أخرجنا منه الأحكام الفقهيَّة التي قرَّرتها النصوص قطعيَّة الثبوت والدِّلالة –على قلتها-، مثل: وجوب الصَّلاة ووجوب صوم رمضان ووجوب الوفاء بالعقود، فسيكون من عمل الفقهاء في طريق فَهم الشريعة وتطبيق نصوصها ([65]), وفيه يختلف فَهم فقيهٍ عن فَهم فقيه آخر.
وفهم كلِّ واحد مهما علا قدرُه يحتمل الخطأ والصَّواب، لأنه غير معصوم. فالفقه في جملته من باب الظنون، لأنَّه موقوف على الظني، والموقوف على الظني ظني ([66]).
ومن هنا فإن الفقه غير مقدَّس بخلاف الشريعة، فالفقه فَهم الفقيه ورأيهُ، فهو وإن كان مبنيًّا على النصِّ الشرعي إلا أنه قابل للمناقشة والتصويب والتخطئة المنصرفة إليه وليست للنصِّ الشَّرعيِّ، ومن ثَمَّ اختلفت آراء الفقهاء وردَّ بعضهم على الآخر وخطَّأ بعضُهم الآخر ونشأتِ المذاهب الفقهيَّة المختلفة.
وهذا هو مجال التجديد -الفقه- بالمعنى العام، والتراث الديني أو التراث الإسلامي الذي جاء ثمرة التفكير والفهم للوحى الإلهي، فنشأت العلوم الإسلامية والمناهج الإسلامية والمذاهب الإسلامية والفقه الإسلامي، كونها استمدت من الإسلام لا لكونها الإسلام ذاته، وصار لدينا تراث ديني أي مستمد من فهم الدين لا لكونه دينًا.
والدين بهذا المعنى متغير متحرك “فهو يزيد وينقص ويضعف ويقوي ويصفو ويكدر ويستقيم وينحرف بحسب فهم الإنسان له وإيمانه به والتزامه بتعاليمه، وهذا المعني هو الذي يقبل التجديد ولا غرو إن جاء الدين في الحديث مضافًا إلى الأمة وليس مضافًا إلى الله (ليجدد لها دينها) فالتجديد ينصب على دين الأمة وليس على دين الله تعالي”([67]).
ولعل الرواية الحديثية التي نصت على أن التجديد منصب على أمر الدين، وليس الدين في قوله [68]: (أمر دينها) بإضافة الدين للأمة أيضًا، وقوله في رواية أخرى [69]: يبين لهم أمر دينهم. وكذلك قوله [70]: يعلم الناس دينهم، تؤكد المعنى السابق وكأنها شارحة للمراد بقوله يجدد لها دينها.
وقد نفي بعض العلماء والباحثين ورود لفظة “أمر دينها” في الحديث، مما جعل أحد المحدثين الكبار “الشيخ عبد الفتاح أبو غدة” بعد أن أحصى أحد عشر موضعًا جاء فيه لفظة “أمر دينها” يقول [71]: هذه النصوص الإحدى عشرة المنقولة عن الأئمة الحفاظ المشهورين، الضابطين المتقنين- وهم الإمام أحمد والبيهقي وابن عبد البر والتاج السبكي وابن كثير وابن حجر والسيوطي والزبيدي– وغيرهم، جاء لفظ (أمر دينها)، هذا الكلام موصول بما قبله وخاصة السياقين الأوليين من النصوص المتقدمة، فقد جاء فيها لفظ (أمر دينها) من طريق ابن وهب صراحة.
وذلك كله يشهد لورود هذا اللفظ، وثبوته في حديث (تجديد الدين)، عند هؤلاء الحفاظ الأجلاء المثقفين، الذين كان أولهم في القرن الثالث وآخرهم في القرن الثاني عشر، والحديث بهذا اللفظ أيضًا في القرن مسموع ومتناقل على ألسنة كثير من العلماء في عصرنا، وقد تبين ثبوته في النصوص التي أوردتها.
فما وقع من بعض المعاصرين من إنكار ورود هذا اللفظ، ونفي مجيئه في الحديث، اعتمادا منه على رواية نسخة “سنن أبي داود” المطبوعة، وهي رواية واحدة من أربع روايات لكتاب “سنن أبي داود” خطأ بالغ، لا ينبغي التورد فيه.
إذًا وضح مما سبق أن مجال التجديد ومحله هو دين الأمة، من ناحية العلم والعمل وليس دين الله، وهذا واضح وضوحًا لا لبس فيه من إضافة الدين للأمة في قوله: يجدد لها دينها. وقد عزز هذا الفهم الروايات الأخرى التي نصت على “أمر دينها” أو يبين لهم أمر دينهم” بما ينفي التقديس والقداسة لأي فكر أو فهم بشري مهما علا شأنه.
الثوابت والمتغيرات
وتقعُ المشكلة التي تُعيق جهود الإصلاح والتطوير والتجديد وتستنفد طاقة الأمة عندما يقع الخلط بين الدين بأصوله الثابتة والإسلام الذين هو دين الله وهدي رباني أزلي مطلق لا يحده الزمان ولا المكان، وبين العلم به والتطبيق العملي له، عندما لا نفرق بين المقدس وغيره، بين البشري والإلهي، بين الدين والتدين، بين التراث البشري بخصوص النص وفهمه وبين النص ذاته، بين أفكار المسلمين أينما كانوا ومتى كانوا والإسلام نفسه.
هذا خلط على الطرفين يمينًا ويسارًا، فالخلط بالطريقة الثانية-يسارًا- يجعل المرء يتورط في أحد أمرين: إما بالطعن في الدين ذاته، أو محاولة تبدليه وتغييره. وهذا غير مقبول، أما الخلط -بين المقدس وغيره- بالطريقة الأولى -يمينًا- فهذا يعنى تجميد الأوضاع ومنع الاقتراب، ما يعنى قبول المتناقضات وعدم حل المشكلات، وهذا يجعل عُقَدُ المسلمين غير قابلة للحل، إلحادًا في الدين وطعنًا فيه، وتكمن المشكلة الكبري في أن هذا الاتجاه يجعل أصحابه والدائرين في فلكهم، يدافعون عن الباطل بأعظم ما يتصور إنسان أن يدافع عن الحق.
تَلَبَّسَ هؤلاء بالمقدس والبسوه، فسيطر جو من الإرهاب الفكري يشل التفكير ويحاصره ويحرم عمليات التقويم والنقد والمراجعة، لأن انتقال القدسية من قيم الدين إلى فهم البشر المتفاوت هو تفريق لأمر الدين وتمزيق للأمة وقضاء على مصادر وحدتها ([72]).
قضاء يصل إلى فنائها، فالأمة التي لا تُجَدَد محكوم عليها بالفناء، كما قال شيخ الأزهر، الشيخ أحمد الطيب [73]، فهذا الخلط كان داء الأمم السابقة من أصحاب الرسالات.
فلقد وقع التحريف والإلحاد فيها من داخلها لا من خارجها، يوم أن خلط أتباعها بين البشري والإلهي وبين المقدس وغير المقدس، فلما طال بهم العهد ومرت عليهم الأزمنة عَدُّوها جزءًا من الدين الإلهي.
وتوارى الدين الإلهي عن الانظار في خِضَمِّ هذه الزيادات وتلك الإضافات والشروحات التي أضافها الأحبار إلى نصوص الشريعة الموسوية قاصدين توضيحها وبيانها، وكذلك فعل الرهبان في المسيحية، حافظ الأتباع على هذه الشروحات وعظموها حتى صارت مع الوقت تضاهي النصوص والدين الإلهي ولم يفرق بينهما فيما بعد، لذا قال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) سورة التوبة.
فكل أبداع للأمة مثل تراثنا الإسلامي عبر القرون في مختلف ميادين العلم والمعرفة والفكر والآداب والفنون منذ الظهور المبكر للإسلام وحتى العصر الذي نعيش دخل جميعه في باب الاجتهاد الذي لا عصمة له، فتتجوز مراجعته، بل قد تجب المراجعة لهذا اللون من التراث في كثير من الأحيان [74].
ومن له أدنى صلة بالتراث يعرف أن مسألة التجديد والتطوير وثيقة الصلة بهذا التراث منذ نشأته الأولى فمنذ أن بدأ “فن التدوين” في حضارتنا -والذي كان في ذاته نوعًا من التجديد– واستوى حتى بدأ فن آخر يُعبر عن التطوير والتجديد بعد استواء الفنون عرف بـ “فن التهذيب” أي مراجعة هذا التراث وإعادة إخراجه في صورة أفضل سواء من حيث الشكل أو المضمون، والذين يراجعون فهارس المخطوطات العربية الإسلامية -التي تعد بالملايين- وعناوين الكتب التي طُبعت من هذه المخطوطات، سوف يجدون آلافًا من عناوين الكتب التي هي “تهذيب” لما كتبه السابقون، بما يجعل فن التهذيب والتطوير والتجديد فنًا قديمًا وأصيلًا في التعامل مع التراث [75].
كيف حدثت المشكلة؟
لكن فلماذا وصلنا إلى ما نحن فيه الآن، إذا كان ما سبق صحيحًا؟ لسببين: الأول، غياب العقل النقدي. الآخر، مشكلة النزاع فيما هو ثابت لا يتغير، وتضخيم هذه الثوابت أو تحجيمها من جهة أخرى.
السبب الأول: غياب العقل النقدي.
فقد جرى علينا ما جرى على الأمم السابقة من سُنن لله في كونه، حينما يطول عليها الأمدُ، ويبلغُ الأمر تمامهُ أو هكذا يُظن، فتنتهي الحاجة إلى العمل وتقعد الهمم ويحل الركود والتقليد وتشيع عبارات مثل: علم نضجَ واستوى حتى احترق. هنا تحترق الأمة بنار الركوع، حتى تأتيها صدمة حضارية فتموت أو تحيا، ومن رحمة الله بهذه الأمة أن جعل لها هذه البشارة، أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة دينها. بشارة تنفي عنها الموت وإن كانت لا تنفي عنها الضعف والوهن.
ولنا فيما سبق من سلفنا المثل، فإنه لما شاع القول عن رسول الله وكثرت نسبة السنة والمرويات إليه، حينها شعر علماء الأمة بخطورة الأمر، وأنه يمكن من طريق نسجِ هذه المرويات أن ينشأ دين موازن لهذا الدين أو يزادُ فيه أو ينقص؛ حتى إذا طال العهد بالناس صعب عليهم الالتباس، فلا يدرون أيٌّ من هذه المرويات صحيح أو خطأ حق أو مكذوب؛ فبدأوا يدونون كل ما وصل وما قيل، ومع التدوين كان الفرز والتجنيب والتصحيح والتضعيف.
تضخمت الروايات حتى صارت بالآلاف، فلما جاء الإمام مالك بن أنس 93- 179ه/ 712-795م رحمه الله، اختار في موطأه من كل هذه المرويات التي بالآلاف مئات فقط، بعد أن استقر عنده منهج واضح للتصحيح والتضعيف، وقد مكث أربعين سنة يطور ويجدد ويزيد وينقص ويُعد ويغربل فيه.
فقد[76] “ذكر ابن الهياب أن مالكا روى مئة ألف حديث جمع منها في الموطأ عشر آلاف حديث ثم لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة ويختبرها بالآثار والأخبار حتى رجعت إلى خمسمائة. وقال إلكيا الهراسي في تعليقه في الأصول: إن موطأ مالك كان اشتمل على تسعة ألاف حديث ثم لم يزل ينتقي حتى رجع إلى سبعمائة. وأخرج أبو الحسن بن فهر في “فضائل مالك” عن عتيق بن يعقوب قال: وضع مالك الموطأ على نحو من عشرة آلاف حديث فلم يزل ينظر فيه في كل سنة ويسقط منه حتى بقي منه هذا”.
لكن النسبة تزيد مع الإمام أحمد بن حنبل 164-241ه/780-855م، فقد قفز في مسنده لثلاثين ألف حديث[77]، هنا يظهر البخاري 194-256ه/ 810-870م رحمه الله تلميذ الإمام أحمد بمنهج أشد أحكامًا يُغربل هذه النسبة ومثلها ليخرج لنا بثلاثة الآف حديث فقط، فقد استخلصها من جملة ستين ألف حديث نُسب لرسول الله [78].
أزمة غياب البخاري
ثم جاء من بعدهم الإمام السيوطي 849-911ه / 1445-1505م، وفي إشارة واضحة على ضعف منهج النقد بتطاول، وقد جمع في الجامع الكبير قريبًا من خمسين ألف حديث[79].
وهذه هي الأزمة، أزمة غياب البخاري، أزمة غياب العقلية الناقدة والقدرة على النقد، وليست كما يدعي بعضهم أزمة البخاري، بل أزمتنا أنه لا يوجد بخاري جديد يستطيع صوغ منهج نقدي محكم القواعد منتج فعال، أزمتنا بدأت حينما رضى الخلف بتركة السلف، بل تنزلوا عنها أحيانًا كما سبق.
السبب الثاني: مشكلة النزاع فيما هو ثابت لا يتغير، تضخيمًا أو تحجيمًا.
تراثنا إذًا يُقر إقرارًا لا لبس فيه بقضية التجديد، ويتبناها بما يجعلها قضيةً قيمية مستحسنة عقلًا وشرعًا، فضيلة يدعيها كل أحد أو على الأقل يدعي حبها، كما يدعي كل وصلًا بليلى وليلى لا تقر له بذاك، لأن حالنا وحال ليلى كما ترى.
فإن تجاوزنا عن مشكلة غياب العقل النقدي، فحتمًا سنصطدم بمسألة الثوابت أو القطعيات التي لا يمكن المساس بها، وإلا كان الأمر تبديلًا وتغيريًا وتغريبًا وتبديدًا، لا تجديدًا، وقد تعرضنا فيما سبق للمقدس والبشري والدين والتدين والفقه والشريعة وما بينها من فروق، وليست المشكلة هنا، إنما المشكلة فيما يدخل ويخرج من هذا أو ذاك، وقد حدث فيه خلاف أيضًا، ومن ثم فقد تتسع هذه الثوابت والقطعيات حتى لا تدع مجالًا لأية فعل تجديدي في نظر بعضهم، وقد تضيق في نظر آخرين بدرجات متباينة بين المعقولية والشطط.
وقد يتصور جماعةٌ أن حصر الثوابت في النصوص يحل الإشكال، وهذا صحيح نسبيًا، إذ سوف تبقى بعد هذا أمور باعثة على العودة إلى محل النزاع، وهي القطعية الدلالية أو الثبوت، كما هو في الروايات الحديثية، ثم كونها أحادًا أو متواترًا، وما يترتب على ذلك في العلم والعمل.
ومن ثم فالقطعيات أو الثوابت قد تكون أبعد من فكرة النص وإن كان النص يحميها بلا شك، ويمكن تعريفها كونها الشرع المُنزل أو صلب الشرع المنزل، الذي لا يُسوغ الاجتهاد فيها، وهي أصول الأحكام الثابتة التي لا تتغير بتغير الشرائع ولا الزمان ولا المكان، فهي كلية مطلقة، ومجالها في كليات الشريعة وأغلب مسائل الاعتقاد وأصول الفرائض وأصول المحرمات وأصول الفضائل والأخلاق، وأبرز ميادينها العقائد والعبادات والأخلاق وأصول المعاملات [80].
ويمكن أن تدخل بعض الوسائل في الثوابت، مثل الوسائل التي حددها الشارع طُرقًا مضبوطة إلى مقاصدها التي لا تتحقق إلا بها، إذ لو انخرمت الوسائل أو تغيرت، لانخرمت معها المقاصد واختلت وتغيرت، وهذا النوع من الوسائل موجود بكثرة في خطاب الشارع وتعاليمه، وهو يشمل جملة الأحكام الوضعية وكيفيات وتفاصيل العبادات وأصول الفضائل والمعاملات وقواعد ومسائل الاعتقاد، وغير ذلك من الأمور التي جعلها الشارع وسائل لتحصيل مقاصدها [81]، ومن أمثلة هذا النوع: نجد اشتراط الطهارة والنية وستر العورة واستقبال القبلة وجملة الأقوال والأفعال التي تصح بها الصلاة.
فقطعيات العقيدة ثوابتها مثل: أركان الإيمان، من الأيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وقطعيات العبادات مثل: أركان الإسلام من الشهادتين ووجوب الصلاة والزكاة وصوم رمضان والحج وقطعيات الأحكام مثل: تحريم الزنا والقتل وأكل مال اليتيم والغيبة والنميمة.
ومن هنا نفهم كل اختلاف بين العلماء والفقهاء في العقائد، أنه ليس اختلاف في الأصول، فقد اختلفوا في الأسماء والصفات ورمى كل واحد الآخر أنه مناف للتوحيد، فهم جميعا يبحثون عن تحقيق التوحيد، وإحقاق أن الله واحد، لا آخر له ولا ند له ولا ولد له ولا شريك له ومن ثم كان الخلاف على أرض الإسلام وكل مصيب أو مخطئ بقدر.
وقطعيات الأخلاق مثل: وجوب الصدق ووجوب الكف عن الإثم والبغي والعدوان والفواحش. والقطعيات في الاقتصاد والحكم والسياسة مثل: حرمة أكل أموال الناس بالباطل وحرمة السرقة والربا والأمر بالعدل والشورى والمساوة بين الناس والحرية، فالمساوة والحرية من مقاصد الشريعة كما بين الطاهر بن عاشور[82]: من مقاصد الشريعة المساواة… فالناس سواء في البشرية وفي حقوق الحياة، وهم متساوون في أصول التشريع مثل حفظ النفس وحفظ النسب وحفظ المال وحقّ القرار في الأرض لمن نشأ فيها أو استوطنها وفي أسباب البقاء على حالة نافعة…
ومن مقاصد الشريعة الحرية فإن الشريعة متشوفة إلى الحرية. وتثبت الحرية في أصول الناس في معتقداتهم وأقوالهم وأفعالهم وفي النهي عن تحريم المباحات. ويقابل ذلك ما للشريعة من حقوق على أتباعِها.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً) النساء: [29-30].
وقال: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) سورة آل عمران.
وقال تعالى قارنًا بين الصلاة والشورى في صفات المؤمنين: وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38) سورة الشورى.
وقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) سورة النساء.
أما كيف تكون الشورى؟ وهل نعمل مجلس أم لا نعمل؟ وماذا نسميه؟ وكيف نختاره؟ وهل يكون محدد بمدة أم لا؟ إلخ، فكل ذلك متروك عن قصد، متروك لحركة الناس وتطور المجتمعات وما يلائمها، قال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) سورة مريم.
فالقطعيات هي بمنزلة حدود الدين أو السقف الذي لا يجوز الخروج عنه وإلا خرج من الدين، فلا اجتهاد في التوحيد مثلًا بالتثليث أو التربيع أو ما شابه ذلك [83].
فهنا التجديد يكون بالبعث والاحياء وردها لأصلها يوم كانت ويوم فرضت ويوم شرعت ورد الناس إليها إذا نسوها بردهم إلى الأصل وإعادة الحيوية إليها وإلى معانيها.
وهذا يقودنا إلى محاولة وضع التجديد ما هو؟ وما عوائقه؟ وكيف نجدد؟
يتبع
قائمة المصادر والمراجع:
([1]) سنن أبو داود: كتاب الملاحم، حديث رقم 4291، (4/ 109)، تحقيق الشيخ: محمد محيي الدين عبدالحميد ط: المكتبة العصرية، صيدا – بيروت .
([2]) المستدرك للحاكم – كتاب الفتن والملاحم، ط: دار المعرفة (4/ 522)
([3]) معرفة السنن والآثار، للبيهقي (1/ 208)ط1: دار الوفاء (المنصورة – القاهرة)،سنة النشر، 1412هـ – 1991م
[4] – المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (المتوفى: 360هـ) المعجم الأوسط (6/ 324) تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد , عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، ط: دار الحرمين – القاهرة.
(([5]التجديد والاجتهاد في الإسلام، مرتضى مطهري، ص11، ط: دار الأضواء، بيروت، لبنان، 1999م.
(([6]حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430هـ)، ج9، ص97،ط: السعادة – بجوار محافظة مصر، 1394هـ – 1974م.
(([7]طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين السبكي، تحقيق: محمد الطناحي، وعبد الفتاح الحلو، ص199: ٢٠٠، ج١، ط:هجر للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، ط2، ١٤١٣هـ.
(([8]توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد الله القاضي، ص48 ط: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
(([9]تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين الذهبي، ص370، ج36، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1993م.
[10] – فيض القدير (2/ 282) ط1:المكتبة التجارية الكبرى – مصر- 1356
[11] – عون المعبود شرح سنن أبي داود أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، شهرته: العظيم آبادي، المحقق: عبد الرحمن محمد عثمان،(11/ 397)، ط2: دار النشر: المكتبة السلفية- المدينة المنورة- سنة الطبع: 1388هـ، 1968م .
[12] – عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/ 397).
[13] – عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/ 396).
[14] – فيض القدير (2/ 282).
[15] -انظر: تفسير التحرير والتنوير (14/ 25)ط1: مؤسسة التاريخ العربي، بيروت – لبنان، 1420هـ/2000م.
[16] -انظر: فيض القدير (2/ 281).
[17] -هذا جزء من حديث أبي هريرة قال: قام أعرابي في المسجد فبال، فتناوله الناس، فقال لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “دعوه وأهريقوا على بوله دلوًا من ماء، فإنما بعثتم ميسِّرين ولم تُبعثوا معسِّرين” أخرجه أحمد (2/ 282)، والبخاري في الصحيح رقم (220) و (6128) والنسائي (1/ 48)، وأبو داود (380) والترمذي (147)، وابن خزيمة (297)، والبيهقي في السنن (2/ 428)، وابن حبان (برقم 1399، 1400) والبغوي في شرح السنة (291). انظر: التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني (1/ 153) ط: مكتبة دار السلام، الرياض- الطبعة: الأولى، 1432 هـ – 2011م.
[18] -فمن ذلك ما رواه الحافظ ابن حجر رحمه الله في توالى التأسيس كالآتي: قَالَ أَبُو بَكْر الْبَزَّار : سَمِعْت عَبْد الْمَلِك بْنَ عَبْد الْحَمِيد الْمَيْمُونِيّ يَقُول : كُنْت عِنْد أَحْمَد بْن حَنْبَل فَجَرَى ذِكْر الشَّافِعِيّ فَرَأَيْت أَحْمَد يَرْفَعهُ وَقَالَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ” إِنَّ اللَّه تَعَالَى يُقَيِّض فِي رَأْس كُلّ مِائَة سَنَة مَنْ يُعَلِّم النَّاس دِينهمْ ” قَالَ : فَكَانَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فِي رَأْس الْمِائَة الْأُولَى وَأَرْجُو أَنْ يَكُون الشَّافِعِيّ عَلَى رَأْس الْمِائَة الْأُخْرَى . انظر: توالى التأسيس ص47.
وأيضًا رواية: وَبِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَى أَبِي إِسْمَاعِيل الْهَرَوِيِّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن يَزِيد حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق الْقَرَّاب حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى السَّاجِيُّ بْن جَعْفَر بْنِ مُحَمَّد بْن يَاسِين حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن الْحَسَن حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْن زَنْجَوَيْهِ سَمِعْت أَحْمَد بْن حَنْبَل يَقُول يُرْوَى فِي الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” أَنَّ اللَّه يَمُنّ عَلَى أَهْل دِينه فِي رَأْس كُلّ مِائَة سَنَة بِرَجُلٍ مِنْ أَهْل بَيْتِي يُبَيِّن لَهُمْ أَمْر دِينهمْ ” وَإِنِّي نَظَرْت فِي مِائَة سَنَة فَإِذَا هُوَ رَجُل مِنْ آل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز ، وَفِي رَأْس الْمِائَة الثَّانِيَة فَإِذَا هُوَ مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِيّ . . انظر: توالى التأسيس ص47.
(([19] مقالات في التجديد، مرجع سابق، ص18.
[20] – الحديث رواه أبو داود، “والترمذي، وابن حبان، وصححه ابن حبان كلهم عن أبي الدرداء انظر: خلاصة البدر المنير، لابن الملقن (2/ 191) ط: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى، 1410هـ-1989م.
[21] -انظر: فيض القدير (1/ 10).
[22] -“في فقه المصطلحات، التجديد والتراث والأصولية والتاريخية” د. محمد عمارة، ص7، ط1: مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع-القاهرة-3درب الأتراك-خلف الجامع الأزهر-لسنة 2009م.
[23] -انظر: “اتجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث” أعمال المؤتمر الدولي الذي نظمته مكتبة الإسكندرية، تحرير، محمد كمال الدين إمام، صلاح الدين الجوهري، وعماد حسين، ص56 وما بعدها من كلمة شيخ الأزهر بالمؤتمر، ج1، ط: دار الكتاب المصري. وانظر: ما قاله شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب في كلمته بمؤتمر الأزهر العالمي حول “تجديد الفكر والعلوم الإسلامية”، حيث أكد أن وضع المسلمين، بدون التجدد الديني، سيؤول إلى التدهور السريع والتغـير إلى الأسوأ في ميادين الحيــاة.
[24] – كلمة شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب في كلمته بمؤتمر الأزهر العالمي حول “تجديد الفكر والعلوم الإسلامية”، انظر تقرير موقع العربية في ذلك تحت عنوان: الطيب: تجديد الخطاب الديني قانون قرآني لتغيير حياة البشر.
ويمكن رؤيته على الرابط التالي:
(([25]انظر: الأمة وأزمة الثقافة والتنمية، الشيخ علي جمعة، ومجموعة مؤلفين، ص50، ج1،ط: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، 2007م.
([26])الأمة الربانية الواحدة، عبد الرحمن بن حبنكة الميداني، ص35،ط: مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1997م.
[27] – انظر:فيض القدير (1/ 10)
[28] – قال الملا على القاري: الَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَيْ: أُمَّةِ الْإِجَابَةِ، وَيَحْتَمِلُ أُمَّةَ الدَّعْوَةِ. انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014هـ) (1/ 321)ط: دار الفكر، بيروت – لبنان-الطبعة: الأولى، 1422هـ – 2002م، وانظر أيضًا: عون المعبود شرح سنن أبي داود (9/ 1346)،
[29] – انظر: المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر 100: 1370هجرية، للشيخ عبد المتعال الصعيدي، ص 9، ط: مكتبة الآداب-42 ش ميدان الأوبرا بالقاهرة. سنة النشر- 1996م.
[30] -انظر: المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر ص5.
[31] – انظر: المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر ص6.
[32] – انظر: المجددون في الإسلام، ص 7.
(([33] مقالات في التجديد، مرجع سابق، ص18.
[34] – قال المناوي في فيض القدير أن المقصود هنا أمة الإجابة: بدليل إضافة الدين إليهم في قوله (أمر دينها) انظر: فيض القدير (1/ 10)
([35])فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، ص212.ج1، المطبعة السلفية، مصر، 1380هـ،.
([36])عون المعبود في شرح سنن أبي داوود، العظيم أبادي، ص389، ج11، دار الحديث، مصر، 2001م.
(([37] القيد الاتفاقي الذي لا يعمل به، أما الاحترازي فهو الذي يعمل به.
([38]) انظر: التجديد. مفهومة وضوابطه وآفاقه، عصام البشير، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، المؤتمر الثالث عشر، مصر، 2001م.
([39]) بناء المفاهيم، دراسة معرفية ونماذج تطبيقية، ج1، مرجع سابق، ص364.
([40]) مدخل إلى سنن الصيرورة الاستخلافية، مرجع سابق، ص171.
[41] – عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/ 389: 390).
[42] – عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/ 391).
[43] -لم يوافق صاحب عون المعبود على كون القيد اتفاقي، بل عده قيدًا احترازيًا وليس اتفاقيًا، ولكن يبقى أن قول: القيد اتفاقي. هو الرأي سادات أعاظم، كما وصفهم شارح السنن “العظيم آبادي”، ومن ثم فلا تضر مخالفته لهم انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/ 390).
[44] – انظر: المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر ص9.
[45] -نظر: المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر ص10.
[46] – فتح الباري لابن حجر (13/ 295)ط: دار المعرفة- بيروت.
[47] – “توالي التأسيس” ابن حجر ص ٤٨.
[48] – مفهوم تجديد الدين، بسطامي محمد سعيد، ص 48.
[49] – فتح الباري مع هدي الساري لابن حجر ط المعرفة (13/ 295).
-[50] فتح الباري مع هدي الساري لابن حجر ط المعرفة (13/ 295).
[51] – يقصد ما جاء في شرح النووي على مسلم من قوله: قلت ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع. انظر شرح النووي على مسلم (13/ 67)ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت- الطبعة: الثانية، 1392 ه.
[52] – انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/ 392).
[53] – فيض القدير (1/ 10).
([54]) التجديد.. مفهومه وضوابطه وآفاقه.
([55])جامع الأصول في أحاديث الرسول، لابن الأثير، ص320- 324، ج11، دار الفكر، بيروت، لبنان، بدون تاريخ،.
([56]) فيض القدير، ج1، ص11.والطيب برغوث، مدخل إلى سنن الصيرورة الاستخلافية، ص191.
([57]) انظر: البداية والنهاية، ابن كثير، ص89ج6، مكتبة النصر الحديثة، الرياض، السعودية، 1968م.
[59] – انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول. لابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (المتوفي: 606هـ) تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط – التتمة تحقيق بشير عيون، (11/ 320) ط: مكتبة الحلواني – مطبعة الملاح – مكتبة دار البيان-الطبعة: الأولى
[60] -انظر: “اتجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث” أعمال المؤتمر الدولي الذي نظمته مكتبة الإسكندرية، ص64، مصدر سابق. وانظر أيضًا على سبيل المثال: محمد سعيد رمضان البوطي: الإسلام بين التجديد المطلوب والتبديل المرفوض، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر، المؤتمر الثالث عشر، 2001م.
[61] – عون المعبود شرح سنن أبي داود (9/ 1346).
(([62] جعفر شيخ إدريس: الدين دينان، مجلة البيان، السعودية، عدد203، أغسطس 2004م، وكذا: جعفر شيخ إدريس: كتاب الإسلام لعصرنا، مج2، منشورات مجلة البيان، الرياض، السعودية، 1426هـ، ص90، وما بعدها.
[63] – التحرير والتنوير (11/ 301).
([64]) “الفقه الإسلامي ومدارسه”: الدكتور مصطفي الزرقا، ص: 16: 17، ط دار القلمـ دمشق، والدار الشاميَّة، بيروت، الطَّبعة الأولى سنة 1995م.
([65])-انظر: “نهاية الوصول في دراية الأصول “صفي الدين محمد بن عبد الرحيم الأرموي الهندي (715 هـ) ج1، ص18، تحقيق صالح بن سليمان اليوسف وسعيد بن سالم، ط: المكتبة التجارية بمكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1416 هـ – 1996م
([66])-انظر: “الإبهاج في شرح المنهاج” (شرح على منهاج الوصول إلى علم الأصول للقاضي البيضاوي المتوفي سنة 685 هـ) لشيخ الإسلام علي بن عبد الكافي السبكي (المتوفى: 756 هـ) وولده تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (المتوفى: 771 هـ)شرح التقي السبكي قطعة يسيرة من أول المنهاج، ثم أعرض عنه فأكمله ابنه التاج، بداية من قول البيضاوي: «الرابعة: وجوب الشيء مطلقًا يوجب وجوب ما لا يتم إلا به وكان مقدورًا»،ج2، ص101، تحقيق: أحمد جمال الدين الزمزمي، ونور الدين عبد الجبار صغيري، ط: دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، الطبعة: الأولى، 1424 هـ – 2004 م
(([67] من أجل صحوة راشدة.. تجدد الدين وتنهض بالدنيا، مرجع سابق، ص27.
[68] – فيض القدير (1/ 10). وانظر ما أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي من رواية، أبي علقمة، عن أبي هريرة – فيما أعلم – عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَنْ يُجَدِّد لها أمْرَ دينها». مناقب الشافعي للبيهقي (1/ 53)ط: مكتبة دار التراث – القاهرة-الطبعة: الأولى، 1390 هـ – 1970 م
[69] -انظر: توالى التأسيس لابن حجر، مرجع سابق، ص 47: 48.
[70] -توالى التأسيس لابن حجر، مرجع سابق، ص 47.
[71] -انظر: مجلة دعوة الحق، العدد 242 ربيع1- نوفمبر 1984م، تحت عنوان: ورود لفظ (أمر دينها) في تجديد الدين على رأس كل مائة سنة. ويمكن رؤيته على الرابط التالي:
https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/6304
([72])في النهوض الحضاري بصائر وبشائر، المكتب الإسلامي، عمر عبيد حسنة، ص68، بيروت، لبنان، 1996م.
[73] – مرجع سابق.
[74] -انظر بتصرف: “في فقه المصطلحات، التجديد والتراث والأصولية والتاريخية” د. محمد عمارة، ص 24: 25، ط: مكتبة الغمام البخاري-الطبعة الأولى-2009م.
[75] -بتصرف: “في فقه المصطلحات.. التجديد والتراث والأصولية والتاريخية” ص 25: 26.
[76] -انظر مقدمة “التعليق المُمَجَّد لموطّأ الإمام محمد وهو شرح لعبد الحيّ اللَّكنوي” الموطأ – رواية محمد بن الحسن (1/ 29)ط: دار القلم – دمشق -الطبعة : الأولى 1413 هـ – 1991م.
[77] -:”في فقه المصطلحات.. التجديد والتراث والأصولية والتاريخية” ص 27.
[78] -:”في فقه المصطلحات.. التجديد والتراث والأصولية والتاريخية” ص 26.
[79] -:”في فقه المصطلحات.. التجديد والتراث والأصولية والتاريخية” ص 27.
[80] – انظر: الاجتهاد المقاصدي ضوابطه ومجالاته، نور الدين الخادمي، (ص: 30)، والثوابت والمتغيرات، صلاح الصاوي، ص 53، ط1: أكاديمية الشريعة بأمريكا، لسنة 2009م.
[81] – الاجتهاد المقاصدي ضوابطه ومجالاته (ص: 42)
[82] – انظر بتصرف: مقاصد الشريعة الإسلامية، لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393هـ)
المحقق: محمد الحبيب ابن الخوجة (2/ 566) ط: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر-عام النشر: 1425 هـ – 2004 م
[83] – انظر: التجديد وفقه المقاصد (1/2) –و(2/2) د. محمد سليم العوا د، حلقات مسجلة على اليوتيوب، ويمكن رؤيتها على الروابط الآتية: https://www.youtube.com/watch?v=q1yrkA9UbHQ